قانون تحكيم المباريات الرياضية – أي مفهوم

25 يناير 2021
قانون تحكيم المباريات الرياضية – أي مفهوم

قانون تحكيم المباريات الرياضية – أي مفهوم

في إطار برنامج “5 أسئلة للجامعة” الذي يشرف عليه موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، يشرفنا أن نحاور في هذه الحلقة الأستاذ خالد الزاهري حول موضوع غاية في الأهمية ألا وهو موضوع “تحكيم المباريات الرياضية – أي مفهوم” ليطلع قراء ومتتبعي موقع aljami3a.com  على مجموعة من الجوانب الإشكالية للموضوع المذكور وفق ما يلي:

   خالد الزاهري باحث في سلك الدكتوراه بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، متخصص في القانون الإداري والمنازعات الإدارية، ومهتم بالقانون الرياضي، حكم وطني درجة (أ) في رياضة التايكوندو، مدرب وطني وحاصل على ألقاب وطنية ودولية في نفس الرياضة، وعضو باحث بالمركز الوطني للدراسات القانونية.

صدرت له العديد من الدراسات في مجالات الاهتمام، من بينها مؤلف بعنوان: المخالفات التأديبية بين السلطة التقديرية وسؤال المشروعية، ومؤلف آخر بعنوان: الدليل العملي في قانون تحكيم منافسات التايكوندو –إلى جانب الأستاذ منير الوردي حكم دولي في رياضة التايكوندو – ودراسات أخرى موزعة على مقالات، من بينها: وضعية الرياضيين في الرياضات الفردية بالمغرب بين النص القانوني والواقع؛ الآثار الاقتصادية والاجتماعية لقرار فرض حالة الطوارئ الصحية بسبب تفشي وباء كوفيد 19 على المنظمات والتعاقدات الرياضية.

وستصدر له مقالات قريبا تعالج المواضيع التالية: مظاهر تأثير آليات قانون الشغل في النظام الأساسي للوظيفة العمومية؛ الحماية الدستورية للأملاك العامة للدولة بين ضرورة صراحة النص وكفاية التاويل الفقهي والقضائي؛  العلاقات المهنية في الادارة العمومية وتأثيرات مفاهيم القانون الاجتماعي.

السؤال الأول: ماذا نقصد بقوانين تحكيم المباريات الرياضية؟ هل يتعلق الأمر بالمفهوم القانوني المتعارف عليه في كليات الحقوق؟ أم أن الأمر يتعلق بمفهوم آخر؟

   للوصول إلى تعريف دقيق للقواعد القانونية المتعلقة بتحكيم وتنظيم المباريات الرياضية يجب أولا أن نُعَرف ماهية المباريات أو المنافسات الرياضية، إذ يمكن تعريفها على أنها اتفاق على تحقيق أهداف محددة من خلال بدل مجهود بدني أو فكري أو كليهما طبقا لقواعد متفق عليها، كما أنها تقوم على مبدأ الفوز والخسارة، فجميع الرياضات كيفما كان نوعها تدور حول تنافس شخصين أو مجموعة أشخاص (فرق) لتحقيق هدف معين بناءً على احترام قواعد محددة لضمان شرعية الفوز، وهذه القواعد هي ما يطلق عليها قوانين التحكيم. ولما كانت الرياضة تهدف إلى نشر قيم الأخلاق والنبل والفضيلة وتعزيز قيم الإنسانية والتضامن والشرف وغيرها من القيم، فهذه القواعد تضمن الفوز الشريف وتكافؤ الفرص بين المتنافسين، وحمايتهم بدنيا ونفسيا واجتماعيا أيضا.

   ويسهر على تنظيم المنافسات: منظمات رياضية قد تكون محلية أو وطنية أو دولية، هذه المؤسسات تختص بوضع قواعد تحكيم المنافسات، وتعين حكاما يختصون بتنفيذها، ويصدرون قرارات أو جزاءات لمن يخالفها، سواء بين اللاعبين (المتنافسين) أو المدربين وغيرهم من الفاعلين في المنظومة الرياضية المعنية. كما قد تكون قراراتهم محل طعن أمام اللجان التحكيمية الداخلية المختصة، أو أمام المحاكم الرياضية الدولية. وبالتالي فهي بنية مؤسساتية تشابه البنية القانونية والقضائية للدولة.

    إذن، فقوانين تحكيم المنافسات الرياضية قد تحمل نفس مدلول القاعدة القانونية المتعارف عليها في كليات الحقوق، إذا ما تم تطبيق نفس المعايير التي تميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد (الدينية والأخلاقية) فهي قاعدة عامة ومجردة، إذا ما صدرت عن هيئة تشريعية (قانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة مثلا)وبالتالي فهي تخاطب كل المعنيين الذين تتوفر فيهم الشروط المتضمنة في القانون، ويصاحبها جزاء في حالة مخالفتها.

   غير أن قوانين تحكيم المباريات والمنافسات الرياضية لا تصدر عن المشرع حسب المعيار المادي الذي يحيل على المؤسسة التشريعية في بنية الدولة الحديثة، بل تصدر عن اتحادات وجمعيات/جامعات رياضية، بعيدا عن المسطرة التشريعية المنصوص عليها في الدساتير، بل هي مجرد اتفاق على أن المنظمة الرياضية المعنية هي المؤسسة الوحيدة التي تمثل النوع الرياضي الممارَس وبالتي فلها شرعية إصدار قوانين لتنظيم المنافسات الرياضية المتعلقة بها على المتسوى الدولي والوطني، وإلا فالنتائج والألقاب المحصل عليها لن يُعترف بها في المنظومة الرياضية الدولية والأولمبية.

    وبالتالي فالقواعد التي تحكم المنافسات الرياضية لها نفس مفهوم القاعدة القانونية المتعارف عليها في كليات الحقوق، إلا أن لها مميزات وظيفية ومادية، حسب الهيئة المختصة بوضعها وتنفيذها والنظر في المنازعات الناشئة عليها، وأيضا حسب المخاطبين بها. إذ أنها تبتدئ قبل انطلاق المنافسات، وذلك بتنظيم طرق ومعايير المشاركة في المباريات الرياضية (كضبط وزن الجسم في الرياضات الدفاعية مثلا، أو التوفر على عدد معين من اللاعبين …) ولا تنتهي إلا بحسم النتيجة بشكل نهائي إما بقرار لجنة هيئة التحكيم أو بالفصل في منازعة ناشئة عن تطبيق قرار الحكام.

السؤال الثاني: إلى أي حد يمكن القول بإمكانية تدخل القضاء في المسائل القانونية المتنازع عليها في مجال تحكيم المباريات الرياضية وهل هناك سوابق في هذا المجال؟

    للإجابة عن هذا السؤال يجب توضيح فكرة في غاية الأهمية، وهي أن الرياضة المنظَمة لا تعني المتعة والفرجة فقط، بل هي نظام اقتصادي وسياسي له مدخلاته ومخرجاته، وله موازين تتحكم فيه وتسيره، ولكي نستدل على هذه الفكرة يمكننا الرجوع إلى سبورة النتائج للألعاب الأولمبية منذ انطلاقها (أقيمت الألعاب الأولمبية الصيفية الأولى في أثينا باليونان خلال الفترة من 6 إلى 15 أبريل عام 1896 هذه الدورة هي أول دورة للألعاب الأولمبية في العصر الحديث) وسنجد أن الدول المتقدمة اقتصاديا غالبا ما تتربع على قمة النتائج، وبالتالي فالرياضة اليوم هي سياسة عمومية تتقاطع مع سياسات قطاعية أخرى كالتعليم (الرياضة المدرسية) والصحة (الدور المهم للرياضة في الصحة العمومية بدنيا ونفسيا وبالتالي وجب تقريب المرافق العمومية الرياضية من المواطنين من خلال ملاعب القرب ودور الشباب وغيرها من المنشأت الرياضية) والتشغيل (العقود الرياضية للاعبين والمدربين وباقي الأطر والأجراء العاملين في قطاع الرياضة) … كما أنها نظام اقتصادي يقوم على اقتصاد السوق المفتوح من خلال تسويق منتجات وأحداث رياضية، ومحدد أساسي لمعيار التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

   وبالتالي فقوانين تحكيم وتنظيم المنافسات الرياضية لها أهمية بالغة في الحفاظ على الاستقرار والتوازن في سير المنافسات وبالتالي الحفاظ على المكتاسبات الاقتصادية والتجارية، وأيضا استقرار الأمن الاجتماعي للعاملين في المنظمات الرياضية وأيضا للشركات الكبرى والدول (يراجع مقالنا ” الآثار الاقتصادية والاجتماعية لقرار فرض حالة الطوارئ الصحية بسبب تفشي وباء كوفيد 19 على المنظمات والتعاقدات الرياضية” منشور بمجلة الأبحاث في القانون والاقتصاد والتدبير لجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، عدد 2020/10)

   ولكل هذه الدوافع كان لزاما على مؤسسة القضاء أن يكون لها دور في فض المنازعات والنزاعات الناشئة عن تطبيق قواعد تحكيم المنافسات الرياضية.

    وللتدقيق أكثر في طبيعة هذه المنازعات يجب أن نشير إلى تنوعها والمعايير المميزة لها: فالتنظيمات الرياضية تنشأ عنها نزاعات ذات طبائع مختلفة حسب موضوعها، ويمكن تصنيفها كالتالي:

ـ منازعات مدنية: وهي المنازعات الناشئة عن العقود الرياضية ومختلف التصرفات التعاقدية للعاملين في المنظمات الرياضية، فالعقد الذي يجمع اللاعبين بالأندية هو عقد شغل، وعقود انتقال اللاعبين أو عقود الاحتضان هي عقود تجارية، ونضيف لها المنازعات الناشئة عن عقود التأمين وغيرها من مطالب التعويض الناشئة عن الأضرار الواقعة بسبب مزاولة النشاط الرياضي.

 منازعات ذات طبيعة إدارية: وهي التي تنشأ عن مختلف القرارات الصادرة عن المنظمات الرياضية المفوض لها تسيير المرافق الرياضية، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض عندما اعتبر القرارات الصادرة عن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ذات طبيعة إدارية في قرارها عدد 288 الصادر بتاريخ 06-03-2014 (في الملف الإداري رقم 46-4-1-2014) وقد جاء في تبريرها بأنه:” لما أوكل القانون للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تدبير مرفق عام رياضي في مجال تخصصها الذي هو رياضة كرة القدم وخولها في هذا الإطار سلطة التنظيم والمراقبة والسهر على تطبيق القانون عن طريق تفويض امتياز السلطة العامة، فإن العقود التي تبرمها والقرارات التي تتخذها بمناسبة تسييرها للمرفق المذكور تكتسي صبغة إدارية ويرجع اختصاص الفصل في النزاعات المتفرعة عنها للقضاء الإداري عملا بمقتضيات المادة 8 من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية”.

المنازعات الجنائية: وتتمثل أساسا في تجاوز الهدف الرياضي إلى السلوك الإجرامي (راجع المواد من 94 إلى 111 من قانون 30.09 المتعلق بقانون التربية البدنية والرياضة).

    هذه المنازعات تختص بها المؤسسة القضائية حسب طبيعة كل منازعة. غير أن هناك منازعات تنشأ عن تطبيق قواعد تحكيم المنافسة المتعلقة بسير المباريات والمنافسات، والنتائج النهائية (كقرارات إعلان الفريق الفائز، أو الجزاءات التي تطبق على المنافسين أو المدربين المخالفين للقواعد المذكورة)، هذه المنازعات تتعلق بشكل خاص بالمباريات ولا تمتد إلى المراكز القانونية الخاص بالرياضيين بل تتعلق فقط بإطار اللعبة،  وسير المنافسات وإقرار النتائج تنفيذا للقواعد التحكيمية. وقد يحدث أن ينازع المتضرر من قرارات التحكيم ( الجامعات والمنظمات الرياضية أو رؤساء الفرق أو المدربين الرسميين) في هذه القرارات، بدعوى عدم تطابقها مع القواعد أو بوجود خطأ في التكييف، وهذه الطعون تختص بها محاكم التحكيم الرياضية الدولية (محكمة التحكيم الدولية COURT  OF  ARBITRATION  FOR  SPORT  CAS وبالفرنسية tribunal arbitral du sport) وكمثال على ذلك نذكر قرار محكمة التحكيم الدولية (TAS) القاضي بتأجيل مباراة نادي الوداد الرياضي المغربي ونادي الترجي التونسي بعد ان قرر “الكاف” إعادة المباراة النهائية، بسبب عدم توفر الشروط الأمنية، وعدم اعتباره الفريق المغربي منسحبا.

السؤال الثالث: ما هي أهم الأجهزة المؤسساتية التي تتولي وضع قواعد قانونية لتحكيم المباريات الرياضية، إن على المستوى الوطني أو المستوى الدولي؟

    لكل نوع رياضي منظمة تأسيسية دولية مستقلة، يتم تأسيسها طبقا لقواعد تأسيس المنظمات الرياضية الرسمية التي تُقبل إما في النظام العالمي الرياضي أو النظام الأولمبي إذا ما توفرت فيها مجموعة من الشروط، وهذه المنظمة هي المؤسسة التي تمثل النشاط الرياضي بشكل رسمي وينخرط لديها الممارسون والمدربون ومختلف الفاعلين، وتتكون من لجان متعددة، هيئة إدارية، وهيئة تقنية، وأخرى تحكيمية، وهذه الأخيرة هي التي تسهر على وضع القواعد التحكيمية وتعديلها وتنفيذها، ويجب على كل منظمة وطنية أن تخضع لجميع القواعد التي تفرضها المنظمة الدولية لكي تكون الممارسة مشروعة والنتائج المحصل عليها وطنيا معترف بها دوليا، تمكن بالتالي من المشاركة الدولية الرسمية أو الأولمبية.

  وقد يحدث أن تكون المنظمة الرياضية تخضع لنظام الشركات التجارية وهي التي تختص بوضع قواعد التحكيم الرياضية الخاصة بالنوع الرياضي الذي تمثله، بما يتلاءم مع أهدافها الربحية والتجارية، على ألا تخالف القوانين المنظمة للمرافق الرياضية. (كشركة UFC الحاضنة لمباريات الفنون القتالية المختلطة)

   ولا يفوتني أن أذكر في هذا الباب بأن بعض القواعد التحكيمية يمكن أن تختلف في نفس النوع الرياضي في حالة قبولها في المنافسات الأولمبية، وما يجب أن نشير له هو أن الرياضات التي لها صفة أولمبية يجب أن تخضع لمجموعة من القواعد، وأن يصدر قرار عن اللجنة الدولية الأولمبية يعطي صفة “الأولمبي” لرياضة معينة، ومن بين أهم هذه المعايير هو معيار السلامة الجسدية للمتنافسين، ولهذا يمكن أن نميز بين الملاكمة الاحترافية التي لا يرتدي فيها اللاعبون خوذة الرأس الواقية، في حين أن اللاعبين في الملاكمة الأولمبية يرتدونها. وبالتي فاللجنة الدولية الأولمبية فاعل أساسي في وضع قواعد التحكيم الرياضية بشكل غير مباشر.

السؤال الرابع: كثيرا ما يثار إعمال مفهوم “أسباب التبرير” المنصوص عليها في الفصل 124 من القانون الجنائي، وخاصة حالة الدفاع الشرعي، في معرض الحديث عن المباريات الرياضية، إلى أي حد يمكن القبول بهذا الرأي في نظركم؟

    أولا يجب التمييز بين الرياضات القتالية وباقي الرياضات الأخرى، فالرياضات التي لا تنبني على تبادل تقنيات قتالية، ككرة القدم وكرة السلة أو الجري والسباق وغيرها… لا تستلزم احتكاكا بدنيا عنيفا، وبالتالي فالأضرار الجسدية الناتجة عن تدخلات عنيفة في إطار اللعبة وقواعدها لا تنطوي على قصد جنائي، لكن إذا تمت خارج إطار اللعبة فهي إذن تحقق جرائم الإيذاء المنصوص عليها في القانون الجنائي، لانطوائها على قصد جنائي يهدف إلى إلحاق الإيذاء العمدي خارج قواعد اللعبة، فلاعب كرة القدم الذي يتوجه للاعب آخر قبل انطلاق المباراة أو بعد نهايتها أو في وقت متوقف خارج أطوار اللعبة ويوجه له ضربة قد تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي لا يمكن إلا أن تمثل أحد جرائم الإيذاء المنصوص عليها في الفصول 400.401.403.408.410.413.459 من القانون الجنائي المغربي، أو المادة 16 من قانون 42.10 المتعلق بتحديد اختصاص قضاء القرب.

   أما فيما يخص الرياضات القتالية فالوضع مختلف تماما، فهذا النوع من الرياضات يتأسس على قصد إلحاق الأذى بالخصم، فهل يمكن اعتباره قصدا جنائيا؟

   سأجيب عن هذا التساؤل انطلاقا من الفصل 124 من القانون الجنائي المذكور في السؤال أعلاه، إذ نص هذا الفصل الوارد في الباب الرابع من الجزء الأول من الكتاب الثاني، بعنوان: “في الأسباب المبررة التي تمحو الجريمة” على أنه “لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال التالية:

1 إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية.

2 إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها، استحالة مادية اجتنابها، و ذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.

3 إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي عن الفاعل نفسه أو غيره، أو ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء.

   وما يهمنا هنا هو الفقرة الأولى التي تشير إلى إباحة القانون للفعل، فهل يمكن تجريم فعل أباحه القانون أصلا؟ إذا ماعتبرنا هذا النوع من الرياضات القتالية الذي يتأسس على تبادل تقنيات قتالية بالهجوم والضرب اتجاه الخصم هو نشاط مرخص له من طرف القانون نفسه، فكيف يمكن تجريمه واعتبار قصد إلحاق الأذى بالخصم قصدا جنائيا؟ خصوصا وأن الفعل يمارس في إطار قواعد محددة تؤطر اللعبة في محاولة لتوفير حماية دنيا للمارسين، كما أن القصد هنا كان بإدراك اللاعب بأن السلوك جاء نتيجة اتفاق وقبول بقواعد اللعبة، وبالتالي فلا يمكن اعتبار قصد الإيذاء في إطار ممارسة رياضة بشكل رسمي يبيحها القانون قصدا جنائيا.

   ونفهم من هذا الطرح أن هذا التوصيف لا ينطلي على الممارسات الرياضية التي لا يرخص لها القانون ولو اتفق الممارسون على قواعد محددة ويتحقق بينهم إيجاب وقبول. فمثلا لو التقى شخصان في مكان عام (منتزه عمومي) أو خاص (منزل أو مرآب) واتفقا على التنافس في إطار مباراة قتالية لنوع معين من الرياضات، وحدث أن ألحق أحدهما بالآخر ضررا جسديا أدى إلى الوفاة أو عاهة شديدة، فلا يمكن تطبيق أسباب تبرير الجريمة في هذه الحالة، لأن القانون الجنائي من النظام العام ولا يمكن الاتفاق على مخالفته، كما أن الفعل حدث خارج إطار قواعد اللعبة الخاضعة لمنظمة رسمية يرخص لها القانون تأطير النشاط الرياضي القتالي.

   أما فيما يخص مبدأ الدفاع الشرعي فلا مكان لتطبيقه في هذه الحالة، لأنه وكما اتضح في تحليلنا أعلاه، فالقصد المتبادل القائم على إلحاق الأذى ليس قصدا جنائيا، كما أنه ليس قوة غير متوقعة بل مُدرَكة، واللاعبون على علم تام بها، كما أن الرياضات القتالية تقوم على الدفاع عن النفس اتجاه خصم متوقع في إطار احترام قواعد معترف بها، وبالتالي فالدفاع عن النفس في هذه الحالة هو تحصيل حاصل وليس ضرورة خارج التوقع ناتجة عن رد فعل جرمي.

    ويمتد السؤال إلى مفهوم أخلاقي عام يدور حول قبول أو رفض هذه الرياضات التي تنطوي على عنف مبالغ فيه، وهل يجب على القانون أن يمنعها تماما لأنها تؤدي في غالب الأحيان ـ خصوصا في الرياضات التي لا يرتدي فيها اللاعبون أوقية تحمي أعضاءهم الحيوية ـ إلى إصابات بليغة ومشاهد عنيفة جدا.”

السؤل الخامس: أهم الاقتراحات التي ترونها مفيدة في تطوير آليات التعامل مع القوانين المنظمة لتحكيم المباريات الرياضية؟

   من وجهة نظري المتواضعة يجب التعامل مع القوانين المنظمة لتحكيم المباريات الرياضية بنفس الأهمية التي يحضى بها القانون في شكله العام، إذ في آخر المطاف هي قواعد قانونية تطبق في مجال وفي وقت محددين، ويخاطب بها أشخاص تتوفر فيهم معايير معينة. بالإضافة إلى أن هذه القوانين هي السبب في وجود النوع الرياضي واستمراره من عدمه، أي أنها محدد أساسي في وجود الرياضة.

   وبالتالي يجب على المنظمات الرياضية الوطنية أن تلتزم بالقوانين والقواعد التي تفرضها المنظمات الدولية الرسمية التي تحظى بالشرعية، وأن تنهل من الأنظمة القانونية الوطنية الصادرة عن المشرع التي تنظم المجالات الرياضية المختلفة، وما ينتج عنها من سلوكات وتصرفات قانونية تتقاطع مع باقي القوانين.

    بالإضافة إلى أنه يجب دراسة القوانين الرياضية في كليات الحقوق وألا تكون مجرد ترف فكري يتوجه له الباحثون للتميز عن غيرهم من الباحثين في الحقول القانونية المألوفة، بل يجب أن تكون محورا مهما على غرار باقي محاور القانون الأخرى، نظرا لأن القوانين الرياضية اليوم تعرف نموا ملحوظا، وذلك لظهور مجالات بحثية تهتم بكل أنواع القوانين وتعلقها بالمجال الرياضي، كالقانون الجنائي الرياضي، والقانون التجاري الرياضي، والعقود الرياضية … هذا ما سيؤدي إلى تنامي حس الأمن القانوني والقضائي لدى الفاعلين في المنظومة الرياضية، إذ نادرا ما يدركون أن السلوكات والتصرفات والقرارات الناتجة عن تطبيق قواعد التحكيم في المنافسات الرياضية وغيرها من القوانين الرياضية لها نفس القيمة القانونية لباقي القواعد ونفس الضمانات، ونادرا ما يطالب المتضررون بحقوقهم أمام هيئات التحكيم الرياضي أو أمام مؤسسة القضاء اعتقادا منهم أن القضاء أو القانون هو مجال بعيد عن المنظومة الرياضية.