ملخص لموضوع أطروحة دكتوراه: التقييـدات المؤقتـة بالرسـم العقـاري في ضوء القانون المغربي

14 مارس 2023
ملخص لموضوع أطروحة دكتوراه: التقييـدات المؤقتـة بالرسـم العقـاري في ضوء القانون المغربي

ملخص لموضوع أطروحة دكتوراه: التقييـدات المؤقتـة بالرسـم العقـاري في ضوء القانون المغربي

تمت مناقشة أطروحة الدكتور حسن فتوخ لنيل الدكتوراه في رحاب كلية الحقوق بمراكش جامعة القاضي عياض بمراكش خلال السنة الدراسية 2007-2008 أمام لجنة علمية متكونة من الاساتذة الأجلاء الآتي ذكرهم:

– الدكتور محمد الكشبور أستاذ التعليم العالي بكلية الحقو بالدار البيضاء رئيسا ومشرفا

– الدكتور محمد بونبات أستاذ التعليم العالي بكلية الحقو بمراكش عضوا

– الدكتور عبد الكريم الطالب أستاذ التعليم العالي بكلية الحقو بمراكش عضوا

– الدكتور جمال النعيمي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقو بمراكش عضوا

– الدكتور إدريس الفاخوري أستاذ التعليم العالي بكلية الحقو بمراكش عضوا.

وبعد مناقشة الأطروحة والمداولة بشأنها قررت اللجنة المذكورة قبول الأطروحة ومنح السيد حسن فتوخ لقب دكتور في الحقوق من ميزة مشرف جدا مع التهنئة من طرف لجنة المناقشة وتوصيتها بطبع الأطروحة على نفقة الكلية.

مقدمة:

يعتبر نظام الإشهار العيني العقاري من أفضل ما أفرزته الصياغة التشريعية كنظام يكفل للعقار حماية قانونية في مواجهة الأطراف المتعاملين بشأنه، وكذا في مواجهة الأغيار، على اعتبار أنه يحقق الاطمئنان إلى البيانات الواردة بالرسوم العقارية، ويساهم في دعم الائتمان بفضل إشهار التصرفات العقارية وافتراض العلم بها من طرف الكافة استنادا إلى قرينة التسجيل.

وإذا كانت الغاية من التحفيظ هي استقرار الملكية وبقاؤها بعيدة عن كل المنازعات سواء من حيث الحقوق المتعلقة بها أو من حيث مادية العقار موقعا وشكلا ومساحة، فإن التقييدات التي تقع على الرسم العقاري – بعد تأسيسه – بسبب التصرفات الواردة عليه لا تخلو من إثارة إشكالية الحماية القانونية لأصحاب الحقوق الواردة على العقار المحفظ.

ذلك أن ثقة المتعاملين في الشأن العقاري ترجع بالأساس إلى نظام الشهر العيني الذي أخذ به المشرع المغربي في قانون 07/14، مكرسا بمقتضاه مبدأ الأثر الإنشائي للتسجيل بالرسم العقاري، ومفاده أن كل العمليات الواردة على عقار محفظ لا تنتج أي أثر قانوني إلا بإشهارها عن طريق تسجيلها في الصك العقاري. ومن ثم فإن الهدف من إقرار هذه القواعد يتجسد في إيجاد نظام عقاري محكم يجلب حماية قانونية لمالكي العقارات، وإحاطة المعاملات العقارية بالضمان اللازم لدفع الاعتداء والاضطراب والادعاء بالاستحقاق، علما أنه لا يمكن الاعتداد إلا بالحقوق المسجلة دون ما عداها من الحقوق العينية، وينشأ عن تلك التي يتم التراخي في تسجيلها آثار سلبية، لأن التسجيل يضفي قوة ثبوتية على الحق في حدود ما رسمه القانون.

وإذا كانت القاعدة في التشريع العقاري المغربي أن للتسجيل في الرسم العقاري أثرا إنشائيا للحق بين الأطراف والغير، عملا بمقتضيات الفصول 65-66-67 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التشريع المتعلق بالتحفيظ العقاري، والمادة 2 من مدونة الحقوق العينية، فإن هنالك تقييدات مؤقتة وإن كانت لا تنتج أي أثر قانوني إلا بإشهارها عن طريق التسجيل، فإنها ترمي إلى ضمان استيفاء حق شخصي أحيانا كالحجوز والإنذارات العقارية، أو تشكل وسيلة للمحافظة على حق عيني عقاري أحيانا أخرى كالتقييد الاحتياطي والرهن المؤجل.

وبما أن هذه التقييدات تكتسي طابعا وقتيا للحفاظ على الحقوق المتعلقة بالرسم العقاري، فإن هذا الأخير لا يمكن أن يظل مثقلا بها إلى أجل غير محدد، وإنما لابد من انقضائها تبعا لاتفاق الأطراف، أو بحكم قضائي، أو بقوة القانون، الشيء الذي سيؤثر لا محالة – سلبا أو إيجابا – على المراكز القانونية لأصحاب الحقوق موضوع تلك التقييدات المؤقتة.

ونظرا لاطمئنان جميع المنعشين العقاريين للبيانات الواردة بالرسوم العقارية، وحجية ما ضمن بها في مواجهة الأغيار الذين افترض فيهم المشرع قرينة العلم بمجرد التقييد بالرسم العقاري، فإن الإشكال المطروح بشأن التقييدات المؤقتة لا يتعلق بالأثر القانوني الذي يرمي إلى تحقيقه كل منها على حدة، وإنما يهم بالأساس آثارها القانونية فيما بينها على مستوى رتبة تقييدها في الصك العقاري، ومدى تحقيق الحماية لأصحابها أو انعدامها، سواء تعلق الأمر بعمليات التسجيل أو التشطيب التي ترد على الرسوم العقارية.

ولعل اختيارنا لموضوع التقييدات المؤقتة في الرسم العقاري قد تحكمت فيه ثلاثة عوامل : أولها اقتصادي، وثانيها اجتماعي، وثالثها قانوني.

– فأما العامـل الاقتصادي : و يتمثل في كون تهرب المدينين من أداء الديون المتخلدة بذمتهم لعدم وجود منقولات قابلة للحجز بنوعيه التحفظي و التنفيذي جعل المشرع يفكر في إحداث مساطر فعالة لضمان استيفاء الحقوق عن طريق الحجز العقاري وبيع عقار المدين بالمزاد العلني، وتوزيع منتوج البيع على الدائنين،دون اعتبار لأي تفويت أو تبرع يتعلق بالعقار المحجوز بعد إيقاع الحجز من طرف الحاجز.

ومن جهة أخرى، فإن التعامل بشأن العقار المحفظ قد أظهر في الواقع العملي تهرب بعض المضاربين من إتمام إجراءات البيع العقاري، الشيء الذي اضطر معه المشرع إلى التنصيص على مسطرة التقييد الاحتياطي لفائدة المشترين ضمانا لحفظ حقوقهم العقارية مؤقتا، وسريان مفعول التقييد المذكور بأثر رجعي من تاريخ تسجيله بالرسم العقاري.

وأما العامـل الاجتماعي، فيرتبط باستقرار المعاملات الجارية بين الأفراد داخل المجتمع، وإشاعة الثقة والطمأنينة بين المتعاملين بشأن العقار عموما، والعقار المحفظ خصوصا، الشيء الذي سيساهم في الإقبال المتزايد على الاستثمار في الحقل العقاري، ويكرس المصداقية المفروضة في القضاء باعتباره الجهاز الضامن للحقوق والمسؤول عن تمكين أصحابها منها داخل أجل معقول، تجسيدا للعدل السريع والفعال الذي مافتئت الجهات المعنية بتحسين دور الإدارة القضائية العمل على تحقيقه، إيمانا منها بأن مهمة الفصل في النزاعات المعروضة على القضاء، مسؤولية جسيمة تقتضي ضرورة التوفيق بين احترام حق الدفاع المخول للطرفين وإشعارهم بإبداء وتهيئ دفاعهم لاستيفاء حقوقهم، وبين احترام عامل الزمن لإصدار الحكم، لا سيما وأن استيفاء الدائن لحقه المعلن عنه في الحكم وتمكينه منه يستلزم سلوك إجراءات التبليغ والتنفيذ في مواجهة المدين المحكوم عليه.

لذلك، بادر المشرع إلى إحداث عدة مساطر موازية للمسطرة العادية للتقاضي، رغبة منه في توفير الحماية اللازمة لأصحاب الحقوق، وأن من شأن سلوكها في وقتها المناسب من طرف الدائنين إحداث تغيير في المراكز القانونية للمدينين، وإجبارهم على الوفاء بالتزاماتهم في أقرب وقت ممكن، مما سينعكس إيجابا على نظرة المتقاضي إلى مؤسسة القضاء ودورها في تجسيد العدالة الفعلية والحقيقية من خلال ضمان استيفاء الحقوق من قبل أصحابها داخل أجل سريع ومعقول كأثر مباشر لنهائية الأحكام المنشئة، إذ لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له.

وأما العامل القانوني، فيتجسد في كون الحجز العقاري أحاطه المشرع بمجموعة من الإجراءات المسطرية التي يتعين سلوكها بدقة من طرف الدائنين ضمانا لاستيفاء حقوقهم من منتوج بيع عقارات مدينيهم جبرا عن طريق كتابة الضبط، وإلزام السيد المحافظ العقاري – تحت مسؤوليته الشخصية – بعدم القيام بأي تسجيل جديد على العقار المحفظ بمجرد تبليغه بالحجز، وقبل تسجيله بالرسم العقاري، وهذا الإجراء من شأنه منع تفويت العقار المحجوز إلى الغير، وبقاؤه في ملكية المدين المحجوز إلى حين بيعه بالمزاد العلني، وتسجيل الراسي عليه المزاد بالرسم العقاري عملا بمبدأ التطهير الذي أضفاه على محضر إرساء المزاد بمقتضى نصوص قانون المسطرة المدنية، وكذا نصوص ظهير التشريع المطبق على العقارات المحفظة.

ومن جهة أخرى، فإن سلوك مسطرة الحجز العقاري من قبل الدائنين لا يعني حتما استيفائهم لحقوقهم من مدينيهم، وإنما يقتضي ذلك خلو الرسم العقاري من أي تقييد احتياطي سابق للحجز العقاري، على اعتبار أن مفعول التقييد الاحتياطي يسري بأثر رجعي من تاريخ تقييده بالرسم العقاري، وأن باقي التقييدات اللاحقة له – بما فيها الحجز العقاري – تكون عديمة الأثر القانوني إذا آلت ملكية العقار المحجوز لصاحب التقييد الاحتياطي، أي أنها تدور وجودا وعدما مع مآل الحق موضوع التقييد الاحتياطي السابق من حيث التقييد في الرسم العقاري.

كما أن الشخص المدين قد يكون تاجرا ويقدم عقاره كضمان عيني لفائدة الدائن، ثم يتبين بعد ذلك أنه يعاني من صعوبات المقاولة بسبب توقفه عن دفع الديون التي تثقل ذمته المالية، فيصدر ضده حكم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية يترتب عنه بقوة القانون وقف جميع المطالبات القضائية الفردية والجماعية في مواجهة المدين التاجر، ويتعين على جميع الدائنين – بمن فيهم الدائن المستفيد من ضمان عيني – أن يصرحوا بديونهم للسنديك داخل الأجل المحدد قانونا تحت طائلة سقوط الحق، الأمر الذي يدفعنا إلى القول إن التباين القائم بين النصوص العقارية والنصوص التجارية يفرغ مؤسسة الضمانات العينية من فحواها ويفقدها بالتالي مكانتها في اعتبارها وسيلة فعالة في سوق الائتمان، والحيلولة دون تداولها بسوق القيم بالحجم المتوخى من إصدار القانون المتعلق بتسنيد الديون الرهنية.

وغني عن البيان، أن التعامل بشأن العقار المحفظ – سواء تعلق الأمر بعقار معد للبناء، أو في طور البناء، أو مقسم إلى شقق وطبقات – لا يخلو من وقوع منازعات بين المتعاقدين، إذ قد يتماطل البائع، أو يمتنع عن إتمام البيع النهائي مع المشتري، فيضطر هذا الأخير إلى مطالبته قضائيا لإجباره على الوفاء بالتزامه العقدي، مع إمكانية تقييد مقال الدعوى تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري قصد الحفاظ على الاستفادة من الأثر الرجعي لتقييد الحكم الذي سيعترف له بالحق منذ تاريخ التقييد المؤقت، الأمر الذي يشكل ضمانة قوية توفر لأصحاب الحقوق نوعا من الاطمئنان على مراكزهم القانونية، وتكرس بالتالي مبدأ استقرار المعاملات بين الأفراد دخل المجتمع.

كما يمكن أن يتفق الدائن والمدين على إنشاء عقد رهن رسمي بشأن عقار محفظ، إلا أنهما يفضلان جعل هذا النوع من الرهون مؤجلا للاستفادة من الحماية التشريعية المقررة في المواد من 184 إلى 186 من مدونة الحقوق العينية، باعتباره رهنا رسميا اتفاقيا قرر لضمان القروض القصيرة الأجل، ويخضع لنفس الأحكام المنظمة للرهن الرسمي الرضائي، ما عدا أنه يقيد تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري طيلة مدة التسعين يوما يمنع خلالها إجراء أي تقييد آخر برضى المالك، ولا يشار إلى هذا التقييد الاحتياطي في نظير الرسم العقاري.

كما أنه يمكن للدائن المرتهن أن يطلب قبل انصرام المدة المذكورة تقييد حقه بصفة نظامية ليأخذ رتبته من تاريخ التقييد الاحتياطي الذي يتعلق به. وينتهي مفعول التقييد الاحتياطي للرهن المؤجل ويشطب عليه تلقائيا إذا لم ينجز التقييد النهائي لحق الدائن المرتهن خلال المدة المذكورة.

ويمكن القول إن هذا الموضوع يطرح عدة إشكالات عملية وقانونية، نظرا لصعوبة التوفيق بين المقتضيات القانونية المنظمة للتقييدات المؤقتة من جهة، واختلاف حماية المراكز القانونية لأصحاب الحقوق تبعا لرتبة تقييدهم في الرسم العقاري من جهة أخرى.

فأما الصعوبة التي تعترض الممارس في إمكانية التوفيق بين النصوص القانونية فهي تتجلى في تنوع وتشعب المقتضيات القانونية المنظمة لميدان العقار المحفظ، واختلاف الآثار القانونية بين القوانين المسطرية العامة والخاصة وكذا التشريعات الموضوعية المطبقة على العقار المحفظ، الشيء الذي ينعكس لا محالة على مظاهر الحماية المتوخاة من طرف المشرع لضمان الحفاظ على الحقوق أحيانا، واستيفاءها أحيانا أخرى.

وأما الطابع الحمائي للمراكز القانونية، فإنه يختلف بحسب رتبة التقييد المؤقت بالرسم العقاري، أي ما إذا كان سابقا في الرتبة أم لاحقا لتقييد آخر، ومن ثمة يمكن القول إن تحقيق الحماية من عدمها رهين برتبة صاحب التقييد المؤقت في الرسم العقاري، وعليه فإن قاعدة التطهير الناتجة عن تقييد محضر إرساء المزاد من قبل المحافظ العقاري لا تكتسي طابعا مطلقا، وإنما تتميز بطابع نسبي فقط، على اعتبار أنه لا يمكن قانونا أن يمتد أثر التطهير إلى التقييدات الاحتياطية السابقة على الحجز العقاري اللاحق لها، والذي انتهت إجراءاته ببيع العقار المحجوز وتقييد محضر إرساء المزاد بالرسم العقاري.

وتتجسد إشكالية تحقيق الطابع الحمائي من عدمه حينما يتعلق الأمر بوجود ضمان عيني مقرر لفائدة الطرف الدائن، ويتعرض الطرف المدين لصعوبات المقاولة نتيجة التوقف عن الدفع، فيصدر بشأنه حكم بفتح مسطرة التسوية القضائية، حينذاك يكون الدائن ملزما بالتصريح بالدين موضوع الضمان العيني داخل الأجل المعلن عنه من طرف السنديك تحت طائلة سقوط حقه الشخصي والعيني معا، على اعتبار أن المشرع قد رتب على صدور حكم التسوية نشوء وضعية قانونية خاصة بالمقاولة المدينة يتغير من خلالها مركز الدائنين في مواجهة المدين أمام القضاء، وتتوقف على إثره جميع الدعاوى القضائية التي يقيمها الدائنون بدين سابق على الحكم بفتح مسطرة التسوية، كما تتوقف جميع إجراءات التنفيذ ضد المدين وكذا وقف الآجال المحددة تحت طائلة سقوط الحقوق أو بطلان التصرفات المبرمة خلال فترة الريبة، والتوقف عن الدفع، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن جدوى مؤسسة الضمانات العينية بين القانون العقاري ومدونة التجارة في تمكين الدائنين المرتهنين من استيفاء حقوقهم وحرمانهم من الامتياز المقرر لفائدتهم عن طريق ممارسة مسطرة تحقيق الرهن.

وقد حاولنا من خلال هذه الدراسة القانونية التأصيل لموضوع دقيق وتقني من حيث قواعده الموضوعية والإجرائية، نظرا لارتباطه بالقضاء بكافة تخصصاته وأنواعه ودرجاته من جهة أولى، وبمصلحة المحافظة العقارية والسلطة التقديرية للمحافظ في هذا المجال، وتقيده بمناشير ودوريات المحافظ العام من جهة ثانية، وبالمتعاملين في الميدان العقاري بمن فيهم المنعشين العقاريين ومؤسسات الائتمان من جهة ثالثة. ووقفنا على أهم الإشكالات المثارة من الناحية العملية من خلال رصد القصور التشريعي بشأنها، واستعراض الحلول القضائية والفقهية على ضوء التشريع المقارن كلما اقتضت الضرورة ذلك. فخلصنا إلى نتيجة يقينية مفادها أن موضوع هذه الدراسة يعتبر بحق من المواضيع الشائكة في التشريع المغربي، وذلك بالنظر إلى تنوع واختلاف القوانين المنظمة لأحكام التقييدات المؤقتة بالرسم العقاري، وتباين النتائج والمراكز القانونية التي تنتج لفائدة المستفيدين منها.

ذلك، أن معالجتنا للقواعد الموضوعية جعلتنا نلاحظ أن سن هذه التقييدات المؤقتة من طرف المشرع المغربي يكتسي أهمية بالغة لتحقيق الحماية السريعة والعاجلة على مستوى الرسم العقاري موضوع النزاع، وذلك لسببين اثنين:

أولهما:أن إجراء هذه التقييدات المؤقتة في حينه، من شأنه منع المدين من تهريب أمواله عن طريق التفويت، وعدم نفاذ أي تصرف يجريه المدين بعد الحجز العقاري مثلا في مواجهة الدائن، وذلك لتمكين هذا الأخير من التنفيذ الجبري على العقار المحجوز بقصد استيفاء دينه تجسيدا لمبدأ استقرار المعاملات بين الأفراد.

وثانيهما: أن الإعلان عن وجود هذه التقييدات المؤقتة بالرسم العقاري من شأنه تنبيه الكافة بوجود حق لازال متنازعا بشأنه، وتعذر تقييده بطريقة عادية، الشيء الذي يحقق الحماية للمستفيد من التقييد المؤقت بأثر رجعي من تاريخ إجرائه بالرسم العقاري.

وحيادا عن الفوائد أعلاه، فقد استنتجنا من خلال النصوص الموضوعية والمسطرية المتعلقة بالتقييدات المؤقتة بالرسم العقاري انعدام الانسجام من طرف المشرع مع نفسه في العديد من الحالات التي توضح بجلاء مواطن فقدان الحماية التشريعية لأصحاب المراكز القانونية، وضياع الحقوق المكتسبة بالرسم العقاري، الشيء الذي يضعف لا محالة من فعالية مؤسسة التقييدات المؤقتة، ويثني المتقاضين عن ممارستها، ويفقد بالتالي مصداقية السلطة التشريعية في حماية الحقوق، ومن خلالها السلطة القضائية والتنفيذية باعتبارهما الجهاز الحقيقي الذي يتعامل مع قضايا التقييدات المؤقتة في الواقع العملي، لا سيما وأن القضاء ملزم بإيجاد الحلول عن طريق إعمال الاجتهاد لتحقيق العدل والإنصاف، وسد الفراغ التشريعي التي تعاني منه أحكام التقييدات المؤقتة.

وهكذا، فإن المراكز القانونية التي تنشئها التقييدات المؤقتة بالرسم العقاري تدور وجودا وعدما مع التقييد المؤقت المتعلق بها، أو بعبارة أخرى فإما أن يستوفي الدائن حقه من المدين بطريقة ودية وينقضي التقييد المؤقت برفع اليد عنه، أو يتم ذلك بطريقة جبرية فينقضي التقييد المؤقت لزوما بتسجيل محضر إرساء المزاد العلني بالرسم العقاري الذي يطهر هذا الأخير من جميع الرهون والتكاليف الأخرى.

غير أن تحقق ذلك، ليس بالأمر الهين، لأن الدائن ملزم بالقيام بمجموعة من المساطر الموازية من أجل استيفاء الحق الشخصي من منتوج البيع، ومن ضمنها تبليغ المدين المحجوز عليه بالأمر بالحجز العقاري إذا كان الحجز تحفظيا، أو بمحضر الحجز التنفيذي إذا كان الحجز تنفيذيا حتى يتأتى له الاستفادة من أثر عدم نفاذ التصرفات التي يجريها المدين في مواجهته والمنصوص عليها في الفصلين 453 و475 من ق م م ، الشيء الذي يتعارض تماما مع مبدأ الأثر الإنشائي للتسجيل في الرسم العقاري الذي كرسه المشرع في الفصول 65 و 66 و 67 من ظهير 12 غشت 1913، ويجسد بشكل جلي الفراغ التشريعي الحاصل بشأن قرينة العلم الخاص للمدين من خلال عملية التبليغ، وقرينة العلم العام من خلال تقييد الحجز العقاري من طرف المحافظ.

كما أن تحول التقييد المؤقت إلى تقييد نهائي للحق المتنازع بشأنه بأثر رجعي، يترتب عنه انتقال ملكية الحق بصفة نهائية إلى صاحب التقييد المؤقت، فتتغير نتيجة لذلك المراكز القانونية لأصحاب التقييدات اللاحقة له، إذ يمكن أن تضيع حقوقهم ويتعذر استيفاؤها بسبب تغير المالك الذي تمت في مواجهته، فيكون مآل المراكز القانونية موضوع هذه التقييدات طبعا هو الضياع. هذا فضلا عن أن تحقق الحفاظ المؤقت على المراكز القانونية بالرسم العقاري، يتوقف على رتبة التقييد المؤقت المتعلق بها ضمن باقي التقييدات الأخرى التي قد يكون العقار محل النزاع مثقلا بها. أي أن الحماية القانونية التي تخولها التقييدات المؤقتة لأصحاب الحقوق رهينة بواقع الرسم العقاري المعني، وتزاحم تقييدات مؤقتة أخرى ترمي إلى ضمان نفس الحق ( تعدد الحجوز العقارية ضد نفس المدين مثلا )، حيث يكون احتمال استيفاء الحق بكامله ضعيفا نتيجة إعمال قسمة الغرماء ومسطرة التوزيع بالمحاصة بين الدائنين المتعددين أصحاب حجوز عقارية على نفس العقار الذي وقع بيعه بالمزاد العلني، الشيء الذي يضطر معه الدائن الحاجز إلى عدم مواصلة إجراءات التنفيذ الجبري ضد عقار المدين طالما أن النتيجة أصبحت معروفة لديه سلفا. وهذا ما يخول بالمقابل للمدين المحجوز عليه طلب رفع الحجز التنفيذي بسبب التراخي في مواصلة إجراءات الحجز. ومن ثم فقد عملنا على إبراز مختلف الحالات التي تجسد بوضوح عدم فعالية التقييدات المؤقتة في ضمان الحقوق لأصحابها تجاه مدينيهم أحيانا، وضياعها بصفة نهائية أحيانا أخرى.

وإذا كان حفظ المراكز القانونية ينشأ من الإعلان عن التقييدات المؤقتة بالرسم العقاري تطبيقا لمبدأ الأثر الإنشائي للتسجيل وفق مقتضيات القانون العقاري، فإن بعضها استثناه المشرع من الإشهار بالرسم العقاري خلال مدة محددة تشريعيا غير قابلة للتجديد، وينتج عنها نفس الحماية القانونية التي تخولها باقي التقييدات الأخرى المسجلة، الأمر الذي يكون من شأنه إيقاع المتعاملين بشأن العقارات المحفظة في الغلط نتيجة عدم الإشارة إلى كون الرسم العقاري مثقلا بها كما هو الشأن مثلا بالرهن المؤجل الذي يحفظ رتبة الدائن المرتهن من تاريخ الإيداع، والحجز العقاري الذي يمنع المحافظ من إجراء أي تقييد من تاريخ التبليغ فقط، وليس من تاريخ التقييد من طرف المحافظ.

وحيادا عن المخاطر أعلاه، تبقى بعض التقييدات المؤقتة الضامنة لحق عيني في منأى عن ضياع المراكز القانونية التي تنشأ لأصحابها طالما أن المشرع خولهم الاستفادة من رتبة التقييد المؤقت منذ تاريخ إجرائه، وذلك في مواجهة أصحاب التقييدات اللاحقة سواء كانت نهائية أو مؤقتة، الشيء الذي طرح معه الإشكال حول نطاق الأثر الرجعي للتقييد الاحتياطي، ومدى امتداده لإسقاط ممارسة حق الشفعة ضد الشفيع. وخلصنا إلى نتيجة مفادها أن العبرة في تحريك أجل الشفعة بتاريخ التسجيل النهائي للحق، وليس بتاريخ التقييد الاحتياطي عملا بمبدأ الأثر الإنشائي للتسجيل وقرينة العلم المنصوص عليهما في ظهير التحفيظ العقاري.

ومع ذلك، يمكن الجزم أنه على الرغم من الطابع الوقتي لهذه التقييدات المؤقتة في حماية الحقوق المعرضة للضياع، فإن ممارستها تستلزم توافر حسن النية في الجهة التي تبادر إلى إجرائها وفق مقتضيات الفصل 5 من ق م م، لأن من شأن سلوكها بسوء نية تجاه المالك بالرسم العقاري إهدار الثقة المفروضة في المعاملات وزعزعة مصداقية الأجهزة القضائية والإدارية التي تستغل كمطية لبلوغ غايات وأهداف شخصية من طرف ذوي النيات السيئة الذين يتربصون بعقارات معينة من أجل إجبار مالكيها على المساومة والابتزاز والمضاربات العقارية.

كما لاحظنا أن تسجيل محضر إرساء المزاد العلني بالرسم العقاري لا يطهر العقار المبيع من التقييدات الاحتياطية السابقة على الحجز العقاري الذي انتهى بالبيع بالمزاد، وتنتقل ملكية العقار إلى المشتري بالمزاد مثقلة بالتقييدات المذكورة. فإذا حصل أصحابها على حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يعترف بالحق، فإن التقييد النهائي لهذا الحكم يسري مفعوله بأثر رجعي منذ تاريخ إجراء التقييد الاحتياطي، ويفقد الراسي عليه المزاد العلني بالتالي المركز القانوني الذي اكتسبه منذ تسجيل محضر إرساء المزاد بالرسم العقاري من جهة، مع العلم أن منتوج البيع قد تم توزيعه على الدائنين من طرف كتابة الضبط، حيث سيكون مضطرا من جديد إلى سلوك المساطر القانونية لمقاضاة المدين – الذي بيع عقاره جبرا – من أجل اقتضاء حقه الشخصي المتعلق بالثمن تجاهه. ومن ثم فقد وقفنا على محدودية هذه التقييدات المؤقتة في تحقيق الغاية التشريعية التي شرعت من أجلها، وعجز المشرع عن تنظيمه لمجموعة من الحالات المعروضة عمليا على القضاء الذي يسعى حثيثا لإيجاد الحلول لها، محققا بذلك دوره الأصيل في كونه مصدر من مصادر القانون، واستلهام التعليل من الآراء الفقهية والقوانين المقارنة كلما دعت الضرورة ذلك.

أما معالجتنا للقواعد الإجرائية فقد جعلتنا نلاحظ أن الإجراءات المسطرية هي الوسيلة الشكلية لضمان الوصول إلى الحقوق موضوع التقييدات المؤقتة، وأن استيفاءها بشكل سليم من قبل الأطراف أمام الجهات التي تسهر على تطبيقها، يجعل الحق في منأى من أي ادعاء لاحق بالبطلان المسطري. وعليه فإن تحقيق الحماية الإجرائية يتوقف على سلامة الضوابط المسطرية الكفيلة بصيانة الحقوق وحفظه من الضياع بسبب خلل معين. وأن الخطأ في اختيار المسطرة المناسبة قانونا لاقتضاء الحق، أو الإخلال بالإجراءات المسطرية وعدم احترامها بالتبعية إخلالا بالشروط الشكلية اللازم توافرها في أطراف التقييدات المؤقتة لتحريك الحماية التشريعية المتجلية في تحقق الوفاء بالدين لفائدة الدائن أو انتقال الحق العيني إلى مستحقه نهائيا بالرسم العقاري. ومن ثم فقد خلصنا إلى نتيجة مفادها أن إقرار المشرع للمساطر القانونية لاستيفاء الحق يعني احترام الترتيب التشريعي في ممارستها تحت طائلة البطلان أحيانا، وفقدان الحق الموضوعي أحيانا أخرى.

ونظرا لتعلق الجانب الإجرائي بالشقين القضائي والإداري، فقد عملنا على رصد أهم الإشكالات المثارة عمليا بشأن النصوص العامة والخاصة، محاولين بذلك الوقوف على المواطن الايجابية والسلبية للتقييدات المؤقتة في الحفاظ على الحقوق من عدمها ابتداء من الشروط الشكلية للأطراف وطرق الطعن، ومرورا بالإجراءات الإدارية والتمييز بين الإيداع والتسجيل والتشطيب، وانتهاء بآثار التقييدات المؤقتة من حيث الحجية وإشكالية الحماية من خلال رتبة التقييدات فيما بينها بالرسم العقاري.

غير أننا لاحظنا كذلك غياب التنسيق في الواقع العملي بين مصلحة المحافظة العقارية وكتابة الضبط، بدليل أن صاحب التقييد الاحتياطي يمكنه الحصول على حكم نهائي في الموضوع، ويتم تقييده بأثر رجعي من تاريخ إجرائه، في حين يكون الدائن الحاجز – الموالي في الرتبة لصاحب التقييد الاحتياطي – لازال يواصل إجراءات الحجز، والبيع بالمزاد العلني، ولا يقع أي تنسيق بين المحافظ العقاري ومصلحة كتابة ضبط المحكمة المفتوح لديها ملف البيع بالمزاد، ويحصل البيع فعلا لمن رسا عليه المزاد، ثم يقوم هذا الأخير بطلب تسجيل محضر إرساء المزاد في اسمه، فيواجه طبعا بالرفض من قبل المحافظ، بعلة تغير اسم المالك للرسم العقاري الذي وقع بيعه بالمزاد أثناء سريان الإجراءات المسطرية للبيع، فيكون تبعا لذلك الحق الذي تلقاه المشتري بالمزاد مملوكا للغير، ويستحيل قانونا تقييده بالرسم العقاري.

كما أن مخاطر عدم التنسيق بين المصلحتين المذكورتين يتجلى بوضوح في عملية تبليغ الحجز للمحافظ من أجل تقييده بالرسم العقاري، ورفضه للتوصل بعلة وجود حجز سابق على العقار، فتضطر كتابة الضبط إلى اتخاذ أحد الموقفين:

أولهما: اعتبار موقف المحافظ امتناعا عن التنفيذ، ويحرر بشأنه مأمور الإجراءات محضرا بالامتناع يرجع إليه عند الاقتضاء.

وثانيهما: اعتباره تبليغا عملا بالمقتضيات المنصوص عليها في الفصول 37/38/39 من ق م م، وتتم مواصلة إجراءات الحجز العقاري بما في ذلك بيع العقار بالمزاد العلني.

وبصرف النظر عن مبررات كل من الاتجاهين أعلاه، فقد خلصنا إلى القول إن الموقف الثاني من شأنه حماية الدائن من أي تواطؤ يمكن أن يقع بين المحجوز عليه والحاجز السابق لتراخي هذا الأخير في مواصلة إجراءات الحجز حتى لا يتأتى للدائن، الذي رفض المحافظ تقييد حجزه التنفيذي الثاني، من التعرض على منتوج البيع. وذلك لأنه يمكن أن يقع أحيانا صلح بين الدائن الحاجز والمدين المحجوز عليه بشأن الدين موضوع الحجز ويحصل المدين على رفع اليد من الدائن، ولا يبادر إلى تقييده بالرسم العقاري من أجل الإضرار بباقي الدائنين الذين ترفض حجوزاتهم من قبل المحافظين تمسكا منهم بمقتضيات الفصل 87 أعلاه.

غير أننا لاحظنا أنه بالرغم من الأثر الإيجابي لهذا الموقف العملي في حماية الدائن، فإن سلبياته تكمن في الحيلولة دون تحيين بيانات الرسم العقاري بسبب عدم تقييد الحجز التنفيذي وإجراءات البيع بالمزاد العلني بالرسم العقاري، مما يعتبر معه الغير الذي اكتسب حقا على العقار المبيع حسن النية، لكونه تعامل على أساس ما هو مدون في الرسم العقاري الخالي من أي إشارة تفيد سريان إجراءات البيع الجبري بشأنه، الشيء الذي تضيع معه حتما حقوق مشتري بالمزاد العلني بعلة تغير المالك أثناء سريان إجراءات البيع من طرف كتابة الضبط، وعدم إشعار هذه الأخيرة بوضعية الرسم العقاري من قبل المحافظ.

وبذلك، فإننا نجد أنفسنا في الواقع أمام تعارض الحماية التشريعية المتوخاة تحقيقها، بين طرف مشتر بحسن نية على ضوء البيانات المدونة بالصك العقاري، وبين طرف مشتر للعقار بحسن نية كذلك من كتابة ضبط المحكمة عن طريق المزاد العلني، مع العلم أن المركز القانوني لكلا الطرفين يستند إلى بيانات من المفروض أنها سليمة من الناحية القانونية. إلا أن المشتري الذي تلقى الحق من البائع المسجل اسمه بالرسم العقاري – بعد حصوله على رفع اليد – وقيامه بتسجيل عقده بالرسم المذكور يكتسب حق تملك العقار من تاريخ التسجيل، في حين أن المشتري بالمزاد العلني من قبل كتابة ضبط المحكمة بسبب رفض المحافظ تقييد الحجز التنفيذي الثاني بالرسم العقاري، يضيع حق تملكه للعقار بسبب تعذر تسجيل محضر إرساء المزاد، وتكون بالتالي كتابة الضبط قد باعت عقارا أصبح غير مملوك للمدين المحجوز عليه أثناء سريان إجراءات البيع بالمزاد العلني.

كما أننا لاحظنا استطرادا، أن منع الدائن المرتهن من مباشرة إجراءات تحقيق الرهن في حالة وجود حجز سابق على نفس العقار المرهون بالرسم العقاري، سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام المدينين الراهنين ذوي النيات السيئة في اختلاق دين صوري، وإجراء حجز عقاري على العقار المرهون من أجل عرقلة حق الدائن المرتهن في الاستفادة من الامتيازات المخولة له لمباشرة إجراءات تحقيق الرهن، وذلك بسلوك مسطرة الإنذار العقاري وتحويله إلى حجز تنفيذي وبيع العقار المرهون بالمزاد العلني واستيفاء دينه في أقرب وقت ممكن.

كما خلصنا إلى اقتراح الحل القانوني الكفيل بمعالجة هذه الوضعية القانونية للدائن المرتهن من خلال التمييز بين ما إذا كان الحجز العقاري السابق للإنذار العقاري يكتسي طابع الحجز التحفظي، فإنه لا يحول دون ممارسة إجراءات تحقيق الرهن، بدليل أن الدائن الحاجز الذي يحق له التعرض على إجراءات الحجز التنفيذي يجب أن يتوفر على سند تنفيذي. أما إذا كان الحجز العقاري السابق للإنذار العقاري يكتسي طابع الحجز التنفيذي لبيع العقار المرهون بالمزاد العلني، فإنه يحول فعلا دون مباشرة الدائن المرتهن لإجراءات الحجز التنفيذي على نفس العقار. ومن ثم فإن الوسيلة الوحيدة لضمان حق الدائن المرتهن في الحيلولة دون وقوع تواطؤ الحاجز مع المدين إضرارا به، تتمثل في اعتراض المستفيد من إنذار عقاري على الحجز العقاري التنفيذي عن طريق سلوك مسطرة التعرض بين يدي العون المكلف بالتنفيذ إلى حين توزيع الثمن. إذ إن هذه الإمكانية تخول للدائنين المتدخلين في الحجز العقاري التنفيذي حق متابعة الإجراءات ومراقبتها لصالحهم إلى أن يتم البيع فعلا ويوزع الثمن بينهم.

وبذلك يمكن وضع حد للتحايل الناتج عن تواطؤ الحاجز الأول مع المدين، ورفع الضرر الذي يمكن أن يلحق بالدائنين لنفس المدين، وتمكنهم من استيفاء ديونهم من منتوج البيع بالمزاد العلني ضدا على إرادة المدين الراهن والحاجز الأول.

كما أننا قد لاحظنا في نفس السياق أن الممارسة العملية قد أفرزت نوعا آخر من التحايل يتعلق بالحالة التي يعمد فيها الدائن الحاجز الأول تنفيذيا إلى سحب السند التنفيذي من ملف التنفيذ الجبري بعد مباشرة إجراءات الحجز التنفيذي للعقار المرهون من أجل الإضرار بالدائن المرتهن، وتساءلنا عن الطبيعة القانونية لهذا الإجراء الذي قام به طالب التنفيذ؟ ومدى اعتباره بمثابة تنازل عن التنفيذ؟ أم أنه إجراء عادي يمكن له بعد ذلك طلب مواصلة إجراءات الحجز التنفيذي بشأن نفس الملف التنفيذي المفتوح له سابقا ؟ وما هو الأثر القانوني الذي يترتب عنه بالنسبة لباقي الدائنين الذين يرغبون في استيفاء ديونهم عن طريق التدخل في ملف التنفيذ الجبري الذي سحب منه السند التنفيذي؟

وخلصنا في جوابنا عن هذه التساؤلات إلى الاعتقاد أن ملف التنفيذ الجبري على عقار المدين لا يتم فتحه من طرف كتابة الضبط إلا إذا أدلى طالب التنفيذ بالسند التنفيذي فور تقديمه لطلب التنفيذ، وأن مباشرة إجراءات الحجز التنفيذي تدور وجودا وعدما مع بقاء السند التنفيذي بالملف المذكور من عدمه، الشيء الذي يدفعنا إلى القول إن سحب السند التنفيذي من ملف التنفيذ يترتب عنه وقف جميع إجراءات الحجز التنفيذي بقوة القانون، ويعتبر معه طالب التنفيذ في حكم المتنازل عن طلب التنفيذ الجبري، بدليل أن إجراءات الحجز التنفيذي التي تمت مباشرتها من طرف العون المكلف بالتنفيذ ولئن كانت مستندة إلى السند التنفيذي موضوع ملف التنفيذ، فإن سحب ذلك السند من قبل الدائن الحاجز يحول دون مواصلتها، لكونها أصبحت فاقدة للسند القانوني. ومن ثم أمكننا القول إن سحب السند التنفيذي ينهي الأثر القانوني المترتب عن فتح ملف التنفيذ وباقي إجراءات الحجز التنفيذي ويجعله في حكم العدم إعمالا لقاعدة المعدوم حسا كالمعدوم شرعا. بل إن ساحب السند التنفيذي لا يحق له بعد ذلك تقديم طلب مواصلة إجراءات التنفيذ بشأن نفس ملف التنفيذ الذي اعتبر منتهيا من طرف كتابة الضبط، وإنما يحق له تقديم طلب جديد للتنفيذ بناء على سنده التنفيذي الذي سبق سحبه، وتباشر إجراءات الحجز التنفيذي من جديد في هذا الملف التنفيذي.

وتأسيا على ما ذكر أعلاه من ملاحظات، فقد ارتأينا اقتراح تعديل مجموعة من النصوص التشريعية المنظمة لأحكام التقييدات المؤقتة، نذكر أهمها على الشكل التالي:

• التنصيص تشريعيا على التلطيف من القوة الثبوتية المطلقة للرسم العقاري في مواجهة المشتري غير المسجل بالرسم العقاري، وعدم اعتباره محتلا بدون سند، انسجاما مع الموقف الجديد لقضاء محكمة النقض في هذا الاتجاه.

• إلزام الورثة، والموصى لهم، وكافة المتعاملين بشأن الرسم العقاري بضرورة تقييد عقودهم داخل الآجال المحددة قانونا، تحت طائلة ترتيب الجزاءات القانونية المتعلقة بالذعيرة على أساس الأداء النسبي، وذلك من أجل تحقيق التحيين والتيويم المفروض في الرسم العقاري.

• ضرورة التوفيق بين الفصلين 453 و475 من ق م م، والفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913، وذلك بالتنصيص صراحة على الاعتداد بقرينة العلم بالتسجيل المفترضة تشريعيا في مواجهة الكافة بمن فيهم المحجوز عليه تحفظيا أو تنفيذيا، لترتيب جزاء عدم نفاذ التصرفات المبرمة مع وجود الحجز في مواجهة الحاجز، والاستغناء عن قرينة العلم بالحجز العقاري بناء على التبليغ، من أجل تحقيق الحماية القانونية للدائنين الحاجزين.

• التدخل من طرف المشرع لمنع إحداث أي تجزئة عقارية، أو تقسيم العقارات أو ملكية مشتركة للعقار