المسؤولية الجنائية والمدنية المترتبة عن إخلال الموظف بواجب كتمان السر المهني

20 مايو 2020
المسؤولية الجنائية والمدنية المترتبة عن إخلال الموظف بواجب كتمان السر المهني

المسؤولية الجنائية والمدنية المترتبة عن إخلال الموظف بواجب كتمان السر المهني

 

مقدمة:

إفشاء الأسرار يعني الإفضاء بوقائع لها الصفة السرية من شخص مؤتمن عليها بحكم وظيفته أو مهنته خلافا للقانون، وهكذا فكل اخلال بواجبات الوظيفة وكل عمل يمس الشرف او الكرامة او الادب يؤلف خطأ يعاقب عليه تأديبيا و يعتبر بنوع خاص اخلالا بواجبات الوظيفة، وارتباطا بموضوعنا المتعلق بواجب كثمان السر الوظيفي، فإنه
يحظر على كل موظف ان يقوم باي عمل تمنعه القوانين والانظمة النافذة، ولاسيما مراعاة
المصلحة العامة التي توجب على الموظف كتمان ما يطلع عليه من أسرار، لما يؤدي إليه بسبب إفشاؤها من مخاطر تهدد أمن الدولة والنظام العام وتسيير المرافق العامة، وقد ينجم عنها أضرار بالغة الخطورة على الدولة والمجتمع كأسرار الدفاع، فضلاً عن تأثيرها على علاقة الثقة بين المواطن والإدارة، إذ أن مصلحة الدولة تقتضي المحافظة على الأسرار الوظيفية كي لا يتهرب المواطن من الكشف عن البيانات الضرورية لمختلف أعمال الإدارة، لذلك اصبح من الضرورة العملية تجريم افشاء السر المهني وفرض على كل مؤثمن على وظيفة على ان لا يبوح بالمعلومات الرسمية التي اطلع عليها اثناء قيامه بوظيفته، حتى بعد انتهاء مدة خدمته، الا اذا كان مرخص له في ذلك.

الفقرة الاولى:واجب كثمان السر المهني على ضوء مقتضيات قانون الوظيفة العمومية

جاء تعريف الموظف العمومي في النظام الاساسي للوظيفة العمومية على انه يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة،ولا شك أن التعيين في الوظيفة العامة، يرتب للموظف العام عددا من الحقوق، ويفرض عليه بالمقابل مجموعة من الالتزامات الوظيفية، من بينها الالتزامات المتعلقة بواجب كثمان السر المهني،وعلى هذا الاساس وبالرجوع الى
مجموعة من القوانين ذات الصلة، نجد ان هناك مستندات ووثائق يصنفها القانون على انها سرية بطبيعتها، وبالتالي يعاقب كل من يقدم على نشرها،دونما الحصول على ترخيص من الادارة المعنية، فالموظف ملزم بكتمان الأسرار الوظيفية في مواجهة كل من هو غريب عن الإدارة التي يعمل لديها. والغير قد يكون من الأفراد أو المؤسسات أو الهيئات العامة أو الخاصة، بل أن الموظف ملزم بكتمان الأسرار حتى في مواجهة الأفراد العاملين معه في نفس الجهة الإدارية، طالما لا يحق لهم الاطلاع على هذه الأسرار، فكل موظف كيفما كانت رتبته في السلك الإداري مسؤول عن القيام بالمهام التي عهد بها إليه، كما أن الموظف المكلف بتسيير مصلحة من المصالح مسؤول أمام رؤسائه عن السلطة المخولة له لهذا الغرض وعن تنفيذ الأوامر الصادرة عنه، ولا يبرأ في شيء من المسؤوليات الملقاة على عاتقه بسبب المسؤولية المنوطة بمرؤوسيه، وكل هفوة يرتكبها الموظف في تأدية وظيفته أو عند مباشرتها تعرضه لعقوبة تأديبية زيادة إن اقتضى الحال، عن العقوبات التي ينص عليها القانون الجنائي وفي حالة متابعة أحد الموظفين من طرف الغير بسبب هفوة ارتكبها في عمله، يتعين عليه، أن يتحمل الغرامات المالية المحكوم بها، عليه مدنيا.
وهكذا جاء في الفصل الثامن عشر (18) من النظام الاساسي للوظيفة العمومية لسنة1958 كما تم تتمينه وتعديله، على انه و بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني، فإن كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها،كما يمنع كذلك منعا كليا اختلاس أوراق المصلحة ومستنداتها أو تبليغها للغير بصفة مخالفة للنظام. وفيما عدا الأحوال المنصوص عليها في القواعد الجاري بها العمل، فإن سلطة الوزير الذي ينتمي إليه الموظف يمكنها وحدها أن تحرر هذا الموظف من لزوم كتمان السر أو ترفع عنه المنع المقرر أعلاه، وإلا تعرض لجزاء تأذيبي أوعقوبات جنائية طبقا للفصول 232 و446 و554 من القانون الجنائي .

الفقرة الثانية:اساس قيام المسؤولية الجنائية و المدنبة للموظف عن جريمة افشاء السر المهني.

إن الموظف العمومي طبقا للفصل 224 من القانون الجنائي المغربي هو “كل شخص كيفما كانت رثبته يعهد إليه في حدود معينة بماشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر او بدون اجر، وساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام، وتراعى صفة الموظف في وقت إرتكاب الجريمة، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد إنتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له إرتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”و
تتحقق الحماية القانونية لسر المهنة وواجب الكثمان الوظيفي، بما يوقع من جزاء تأديبي على الأمين نتيجة تقصيره في المحافظة على سر المهنة بإعتباره تصرفا من شأنه المساس بشرف المهنة أو مصالحها أو الإخلال بواجبات الوظيفة والمهنة، فقد نص الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي على أن «الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم وظيفته الدائمة والمؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، فيعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة…»و بالتمعن في احكام المادة 446 من القانون السالف الذكر يمكن القول انه و لتحقق قيام جنحة الافشاء المهني، يجب أن يتم الافشاء من جهة مؤثمنة على واجب الكثمان الوظيفي ، و أن يكون هناك قصد جنائي من وراء إفشاء السر المهني، و في حالة تحقق هذين الركنين نكون أمام جريمة لابد من العقاب عليها و لقد جاء النص صريحا حيث تم التنصيص على عقوبتين و هما الحبس و الغرامة و هذا هو جزاء هذه الجريمة. وحيث إن واجب الاستقلال والتجرد ينطوي على العديد من الالتزامات المهنية والأخلاقية وحيث إنه، بالنظر لطبيعة المهام المنوطة بالموظفين، وحفاظا على هيبة الادارة ووقارها، فإن ارتكاب الموظفين لأفعال تستوجب متابعة جنائية أو مخالفتهم لواجباتهم المهنية الأساسية مخالفة جسيمة، تجعل من غير المقبول استمرارهم في مزاولة مهامهم الادارية إلى حين انتهاء أطوار متابعتهم تأديبيا أمام الجهات الادارية و القضائية المختصة، لما يترتب عن ذلك من زعزعة ثقة المواطنين في الادارة التي يلجأون إليها لحماية حقوقهم وحرياتهم والدفاع عن مصالحهم، الأمر الذي يبرر إمكانية توقيف الموظف المخل بواجب كثمان السر المهني مؤقتا عن مزاولة مهامه، إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما، دون تجاوز مدة التوقيف القانونية،حتى ولو تعلق الامم بالقضايا المتعلقة بموضوع التتبع واليقظة اللازمين للتطبيق الفعلي لمقتضيات القانون 08-09 من أجل حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي والحياة الرقمية للمواطنين،وذلك
بغية ترسيخ ثقافة حماية الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية وحماية الهوية الرقمية، في ظل التطور المستمر لتكنولوجيا المعلومات، فمسؤولية الموظف عند اخلاله بواجب الكثمان المهني، لم يقتصر على تحديدها النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية والقانون الجنائي فقط، بل تم تحديدها كذلك في بعض الفصول في قانون الالتزامات والعقود في الفصلين 79 و80 حيث ميز فيها المشرع بين المسؤولية الناتجة عن الخطأ المرفقي التي تتحمل فيها الدولة التعويض وبين المسؤولية الشخصية للموظف التي يتحمل فيها شخصيا التعويض عن الاضرار الذي قد يسبب ضررا للغير.فالفصل 79 ينص على ان الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الاخطاء المصلحية لمستخدميها.أما الفصل 80 يقضي بأن” مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الاضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الاخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.

الفقرة الثالثة:اشكالية التوفيق بين الحق في الحصول عن المعلومة وجرائم افشاء السر المهني

فدستور 2011 نص في الفصل 27 على أن “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهذف حماية كل مايتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور وحماية مصادر المعلومة والمجالات التي يحددها القانون بدقة” وعليه
فالأصل في أعمال الدولة العلانية والسرية استثناء، لأن المبدأ العام الحاكم في أعمال هذه السلطات هو خضوعها للعلانية، وأن الاستثناء إخضاع بعضها للسرية،ذلك ان “الدستور لم يقصر مبدأ إتاحة المعلومات على السلطة التنفيذية، فهو مبدأ عام تخضع له كل سلطات الدولة، وجعل الدستور العلانية هي الأصل في أعمال السلطتين التشريعية والقضائية من أجل إشراك المواطنين أصحاب السيادة في الشأن العام”.
ومن هذا المنطلق اذا كان الدستور قد فوض، المشرع بإصدار قانون يبين فيه ضوابط الحصول على وإتاحة /سرية المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، ووضع قواعد لإيداعها وحفظها، والتظلم من رفض الحصول عليها، وإنزال عقوبة على حجب المعلومات، أو تعمد إعطاء معلومات مغلوطة، فهل ذلك يعني امكانية تسريب جميع تلكم البيانات و الوثائق و المستندات بشكل عام لفائذة الاغيار،؟
إن إساءة إستخدام قانون الحق في الحصول على المعلومة وفي ظل غياب شروط و معايير واضحة لطلب المعلومات ادى الى الاساءة في استخدام المعلومات لأغراض غير قانونية أو غير أخلاقية، مثل الإبتزاز أو التجريح أو نشرها بطريقة تسبب الضرر لأفراد أو جماعات أو دول أو إعطاء معلومات حساسة لجهات خارجية،مما يطرح لنا اشكالية عويصة في تحديد حدود وتقاطع كل من الحق في الحصول عن المعلومة وواجب كثمان السر المهني وعدم افشاءه .
حيث تنص المادة 35 من قانون الحصول على المعلومة رقم 31.13 على أنه “يعتبر مرتكبا لجريمة إفشاء السر المهني طبقا للفصل 446 من القانون الجنائي ، كل من خالف أحكام المادة 19 من هذا القانون، ما لم يوصف الفعل بوصف أشد”.،إن ما يهمنا هنا هو العبارة الواردة في الفصل 446 من القانون الجنائي والتي تقول: “…وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ، يعاقب بالحبس…” ، الشيء الذي يسمح للإدارة بمواجهة الموظف بالسر المهن،كلما حاز عن جادة الصواب وخرج عن دائرة ما يرسمه القانون في هذا الشأن.