ضمان العيوب في البيع بواسطة القضاء بين النص القانوني وضمان الحقوق

20 مايو 2020
ضمان العيوب في البيع بواسطة القضاء بين النص القانوني وضمان الحقوق

ضمان العيوب في البيع بواسطة القضاء بين النص القانوني وضمان الحقوق

إن الدارس للقانون المدني يعي جيدا مدى تعلق هذا القانون بالحقوق الأساسية للأفراد داخل المجتمع ثم نظرة الدولة لهذا القانون باعتباره وسيلة ناجعة لتسيير المعاملات بين الأفراد والدفع بعجلة الاستثمار والاقتصاد إلى الأمام.
لذلك كلما كان هنالك هدرٌ لأبسط الحقوق المتعارف عليها كالحق في التملك مثلا، تجد القانون المدني يسهر على شؤون سير هذا الانتقال من يد إلى يد وبدون تشويش وكلما بدَ له أن الأمر حال دون الغاية المرجوة تدخل من جديد لإيقاف زحف التطاول على هذه الحقوق.
وتبقى أبرز صوَر عدم الانتقال السليم للمليكة ذلك المحل الموصوف بعيب من العيوب وسنقتصر في هذا الطرح على مدى ضمان هذه العيوب إذا كان البيعُ بواسطة القضاء.

” لا دعوى لضمان العيب في البيوع التي تجرى بواسطة القضاء ”
كان هذا، الفصل 575 من ظ.ل.ع .

حيث يرى الفقه(1) أنه لا يكون للمشتري الحق في الرجوع على البائع بدعوى ضمان العيب في المبيع في البيوع التي تجري بواسطة أو تحت إشراف القضاء سواء أكانت بيوعا جبرية لا يسوغ القيام بها خارج دائرة القضاء – كبيع أموال القاصر من طرف وصيه أو مقدمه وبيع الأموال المحجوزة حجزا تنفيذيا أو كانت في الأصل بيعاً اختياريا كالحالة الواردة في الفصل 1084 من ظ.ل.ع الذي ينص على :
” إذا اختلف الشركاء في إجراء القسمة أو إذا كان أحدهم غير متمع بأهلية التصرف في حقوقه، أو كان غائبا، كان لمن يريد منهم الخروج من الشياع أن يلجأ إلى المحكمة التي تجري القسمة طبقا للقانون”
ويرى البعض الآخر(2) أن هذا خلاف ماذهب إليه الفقه في مصر و فرنسا، حيث أن البيع القضائي الذي لا يمكن معه الرجوع على البائع لضمان العيب هو البيع الجبري أما البيع القضائي الاختياري في الاصل { كالبيع لمحل مشاع } فهو لا يحول دون الضمان.

و في نظرنا أن هذا الطرح الأخير يعتبر منطقيا إلى حد كبير وأكثر ضمانة للحقوق، ذلك أن البيع القضائي الإختياري {مثال بيع ملك مشاع استحالت قسمته} ومدام كذلك فلمَ لا العودة بالضمان على البائع وإن مر البيع عن طريق القضاء عند وجود العيب الموجب للضمان.
لأن المشتري فهذه الحالة عند وجود العيب سيتضرر مركزه القانوني، ثم إن منع المشتري من مباشرة دعوى الضمان في البيع الذي تم بواسطة القضاء فيه ضرب لمبدأ استقرار المعاملات، ذلك أن البيع القضائي الجبري عادةً ما يتم عند عدم التنفيذ الاختياري من طرف المحكوم عليه بمبالغ معينة أو تعويضات محددة، أما البيع القضائي الاختياري فهو بمثابة توكيل تقوم على إثره المحكمة ببيع أشياء غير قابلة للقسمة وفي نظرنا يجوز الرجوع بالضمان في هذه الحالة الاخيرة، ومن جهة التشريع، فالأجدر أن يتم تحديد البيع القضائي الذي لا يشمله الضمان وتحديد البيع القضائي الذي يشمله الضمان، نظرا للدور الكبير الذي يلعبه الضمان القانوني في استقرار المعاملات.

وعموما يرى الفقه(3) بخصوص مقتضيات الفصل 575 المومأ إليه أعلاه، أن الحكمة من ذلك تكمن في المصلحة العامة لأن هذه الاخيرة تقتضي الحد من إمكانية الفسخ في مثل هذه البيوعات، لأنها تكون مضبوطة، حيث يمكن للراغبين فحص المال المعلن بيعه قبل الإقدام على المزايدة.
و يرى الجانب الآخر(4) أن عدم الضمان في هذا النوع من البيوع يرجع بالدرجة الأولى إلى شكل هذا البيع الذي يكون مسبوقا بإشهار و إعلام سابقين من شأنهما تمكين المشتري من الاطلاع على عيوب ونواقص المبيع، لكثرة تداول الاخبار المتعلقة بشأنه.
ومن جهة أخرى فإن المصلحة العامة قد تفترض عدم مراجعة البيع القضائي الإلزامي ولو كان منطويا على عيوب خفية وتتمثل هذه المصلحة العامة في أن البيوع القضائية الإجبارية غالبا ما تنصب على أموال القاصرين أو على أموال محجوزة،
وبالتالي فإن من شأن إعمال قواعد الضمان للعيب الحؤول دون تحقق الغاية من هذه البيوع.

وفي الأخير نلتمس من المُشرع التدخل لتعديل مقتضيات الفصل 575 ظ.ل.ع حيث إن البيع الذي يجرى بواسطة القضاء ليس على درجة واحدة كما رأينا، حيث إن هناك البيع الجبري للشيء ولاسيما في الحالة التي يقوم بها مأمور التنفيذ التابع لجهاز كتابة الضبط بالمحكمة لتنفذ الأحكام القضائية جبريا تحت لواء التنفيذ الجبري يكون فيها البيع هنا جبرا.
في حين البيع الآخر بيع قضائي اختياري في الحالة التي يلجأ فيها الأطراف إلى القضاء من أجل بيع ممتلكاتهم المتنازع بشأنها وخاصة العقارات بسبب عدم توافقهم على حلول مرضية فيما بينهم.
ففي هذا النوع من البيوع تكون المحكمة بمثابة وسيط في عملية البيع فما الذي سيمنع المشتري من الرجوع بالضمان.
وعليه نقترح أن يتم تعديل الفصل 575 من ظ.ل.ع و يتم تحديد نوع البيع الذي يمكن الرجوع فيه بالضمان و هو ذلك البيع الاختياري الذي يجرى بواسطة القضاء ونقترح أيضا أن يكون الرجوع لوجود عيب على أصحاب المبيع أي المتشايعين بالتضامن فيما بينهم لضمان العيب أو في أداء التعويضات إن كان لها محل.

ــــــــــــــــــــــ
الإحالات
ــــــــــــــــــــــ

1 – عبد الحق صافي – عقد البيع – دراسة في ق.ل.ع والقوانين الخاصة- ط1- 1998 ص 396 .
2 – عبد القادر العرعاري – ضمان العيوب الخفية في عقد البيع- رسالة دبلوم الدراسات المعمقة 1985 – ص 91 و 92 .
3 – عبد الحق صافي – م س – ص 396.
4 – عبد القادر العرعاري – م س – ص 93.