الإشكالات القانونية لعلاقة وصف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة بطرق الطعن

26 مايو 2020
الإشكالات القانونية لعلاقة وصف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة بطرق الطعن

الإشكالات القانونية لعلاقة وصف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة بطرق الطعن

الجريمة كواقعة قانونية معاقب عليها بسبب ما تخلفه من ضرر، يترتب عنها طبقا للمادة الثانية من قانون المسطرة الجنائية الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه، ولذلك فإنه يحق لكل من المجتمع والضحية المطالبة بمقاضاة المسؤول عن الضرر، فإذا كانت المطالبة القضائية تستهدف توقيع العقاب على مرتكب الفعل باسم المجتمع فان الدعوى تسمى دعوى عمومية، وإذا كانت المطالبة القضائية ترمي إلى إصلاح الضرر اللاحق بالضحية المباشرة من الجريمة والحصول على التعويض نكون أمام الدعوى المدنية.

فيما يتعلق بالمطالبة بالتعويض عن الضرر فالمادة السابعة من قانون المسطرة الجنائية أعطت الحق في إقامة الدعوى المدنية لكل شخص تضرر بشكل مباشر من جناية أو جنحة أو مخالفة للمطالبة بجبر الضرر، إما أمام القضاء المدني أو أمام القضاء الزجري إلى جانب الدعوى العمومية في آن واحد.

وإذا كان السماح بنظر الدعوى المدنية الناجمة مباشرة عن الجريمة إلى جانب الدعوى العمومية اكسب الأولى صفة التبعية بالنسبة للثانية مع ما يترتب على ذلك من وجوب الخضوع من حيث الشكل والإجراءات لقانون المسطرة الجنائية، فان الدعوى المدنية التابعة مع ذلك ذات طبيعة مدنية صرفة مادامت لا تهدف إلا للتعويض عن الضرر اللاحق بالمتضرر من جراء الجريمة[1].

بناءا على ذلك فالدعوى المدنية التابعة تخضع من حيث الأصل لأحكام قانون المسطرة الجنائية، واستثناءا تخضع لأحكام قانون المسطرة المدنية كلما كانت غير متناقضة مع المقتضيات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية[2].

ومن بين أهم أحكام الدعوى المدنية التابعة والتي قد تتداخل فيها قواعد قانون المسطرة الجنائية والمدنية عند تنظيمها نجد تلك المتعلقة بأوصاف الأحكام الصادرة من قبل القضاء الزجري في الدعوى المدنية التابعة وطرق الطعن فيها.

وهذا ما سوف نحاول التطرق له بشكل مفصل في هذا المقال، على اعتبار أن موضوع وصف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة وطرق الطعن فيها يطرح العديد من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها، وذلك ضمن إشكالية مركزية تتمثل فيما يلي: إلى أي حد يمكن تطبيق أحكام قانون المسطرة المدنية على الدعوى المدنية التابعة في الشق المتعلق بوصف الحكم و طرق الطعن فيه ؟

وللإجابة عن ذاك سنتطرق بداية لأوصاف الأحكام في قانون المسطرة الجنائية وآتارها على طرق الطعن، لنركز في ما بعد على وصف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة وطرق الطعن فيه وما يطرحه من إشكالات، وذلك من خلال إتباع التصميم التالي: أوصاف الأحكام في قانون المسطرة الجنائية وأثرها على طرق الطعن (المطلب الأول) وصف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة وطرق الطعن فيه بين قواعد قانون المسطرة الجنائية والمسطرة المدنية  (المطلب الثاني)

المطلب الأول: أوصاف الأحكام في قانون المسطرة الجنائية وأثرها على طرق الطعن

سيتم التطرق خلال هذا المطلب لنقطتين أساسيتين: آثار وصف الحكم على طرق الطعن (الفقرة الثانية) باعتبار تلك الآثار تنتج مباشرة عن تحقق القواعد المنظمة لأوصاف الأحكام في قانون المسطرة الجنائية (الفقرة الأولى)

 الفقرة الأولى: أوصاف الأحكام في قانون المسطرة الجنائية

نظم المشرع المغربي قواعد وصف الحكم في المادة 314  من قانون المسطرة الجنائية بالنسبة للجنح والمخالفات، حيث حدد الحالات التي يمكن أن يوصف فيها الحكم بالحضور والحالات التي يوصف فيها بالغيابي ثم الحالات التي يوصف فيها الحكم بمثابة الحضوري، والعبرة  في الحضور والغياب بالحضور الشخصي للمتهم في الجلسة عند المناداة  للقضية طبقا للمادة 313 من قانون المسطرة الجنائية فلا يمكن أن يعتبر بعد ذلك غائب ولو انسحب من الجلسة أو امتنع عن الدفاع عن نفسه.

أما في حاله عدم حضور المتهم نميز بين نقطتين أساسيتين هل تسلم الاستدعاء للحضور للجلسة بشكل شخصي أم عن طريق الغير؟ إذا تسلم الاستدعاء بشكل شخصي ولم يحضر فالحكم يكون في حقه بمثابة حضوري ما لم يدلي بعذر مقبول يبرر تخلفه عن الحضور، أما إذا تسلم الاستدعاء عن طريق الغير فالحكم يصدر في حقه غيابي قابل للتعرض، أما الحكم الحضوري وبمثابة الحضور فهو يقبل الطعن في الاستئناف فقط.

ويوصف أيضا الحكم بمثابة حضوري في الحالة التي يطلب فيها أن تجري المناقشات في غيبته وارتأت المحكمة عدم ضرورة لحضوره.

كما يوصف الحكم بمثابة حضوري طبقا للمادة 312 في الحالة التي يكون فيها المتهم في وضعية صحية يتعذر عليه حضور الجلسة ووجدت أسباب خطيرة لا يمكن معها تأجيل القضية فالمحكمة تكلف احد أعضائها لاستنطاق المتهم في المكان الذي يوجد فيه، ومن بعد ذلك تستأنف المناقشات بعد تحديد جلسة يستدعى لها المتهم أو يشعر بها من طرف القاضي الذي قام باستنطاقه وتخلف عن الحضور .

هذا بالنسبة للجنح والمخالفات أما فيما يتعلق بالجنايات فالحكم إما يكون حضوري أو تطبق المسطرة الغيابية في حالة غياب المتهم، وبالتالي لا نتحدث عن مسطرة التعرض أمام الغرفة الجنائية بمحكمه الاستئناف.

والمادة 314 من قانون المسطرة الجنائية التي تحدد لنا وصف الحكم تطبق أيضا على الدعوى المدنية التابعة، وهذا ما نص عليه المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 314.

بناءا على ذلك يتم تحديد طريق الطعن الواجب سلوكه، فمن كان الحكم في حقه حضوري أو بمثابة حضوري فيجب أن يسلك طريق الطعن بالاستئناف طبقا للشكليات والآجال المحددة قانونا، ومن صدر الحكم في حقه غيابي له أن يسلك طريق التعرض.

كما حدد المشرع الأطراف التي لها حق ممارسة الطعن ونطاقه، بحيث حدد نطاق طعن النيابة العامة في حدود الدعوى العمومية والطرف المدني والمسؤول المدني في حدود الدعوى المدنية التابعة أما المتهم فله حق الطعن في الدعوى العمومية والمدنية التابعة. غير أنه مما يثير الإشكال بخصوص وصف الأحكام ما يتعلق بطرق الطعن، إذ يطرح التساؤل حول الآثار التي يرتبها وصف الحكم على الطريق المناسب من طرق الطعن، وهو ما سنتطرق له في لفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: آثار وصف الحكم على طرق الطعن

تقسم الأحكام القضائية إلى عدة أقسام أو تصنيفات اعتبارا للزاوية التي ننظر منها للحكم، فهي تقسم من حيث حضور أطراف النزاع وغيابهم للمحاكمة إلى أحكام حضورية وأحكام غيابية وأحكام بمثابة حضورية، كما تقسم من حيث حسمها للنزاع إلى أحكام ابتدائية وأحكام انتهائية وأخرى نهائية، كما تقسم من حيث قابليتها لتنفيذ الجبري إلى أحكام إنشائية و أحكام تقريرية و أحكام إلزامية.

وما يهمنا في هذا المقام هو وصف الحكم باعتبار الحضور والغياب واثر ذلك على طرق الطعن، فالأوصاف القانونية التي يتلون بها الحكم القضائي بين حالة وأخرى، تجعل طرق الطعن تتبعه هي الأخرى وتتلون بألوانه.

فكما هو معروف فان الحق في الطعن هو حق مكفول خوله المشرع للطرف الذي تضررت مصالحه من حكم صدر في حقه  وذلك من خلال إعادة الطرح النزاع من جديد أمام نفس المحكمة مصدرة الحكم أو أمام محكمة أعلى درجة، إلا أن قبول ذلك الطعن من عدم قبوله يتأسس على مدى توفر ذلك الطعن أو على مدى ممارسته وفق الشروط المحددة قانونا، وهذه الشروط منها ما هو مرتبط بأجل تقديم هذا الطعن ومنها ما هو مرتبط بشكليات هذا الطعن ومنها ما هو مرتبط بوصف الحكم.

فالمشرع المغربي حدد مسبقا طرق الطعن التي يحق للأطراف سلوكها بناء على وصف الحكم الصادر، هل صدر غيابي أم حضوري أم بمثابة حضوري ؟

والعبرة في وصف الأحكام بالوصف القانوني لا الوصف الذي يحدده القضاء، وبالتالي ما للأحكام من صفة الصدور حضوريا أو غيابيا أو بمثابة حضوري يخضع لرقابة محكمة النقض[3].

وعليه فأوصاف الأحكام من الأمور الدقيقة التي يجب على الدارسين وعلى الممارسين في المجال القانوني أن يكونوا على دراية بها لما قد يترتب عليها من مساس بحقوق المتقاضين، ففي حالة عدم ضبط قواعد أوصاف الأحكام يترتب عن ذلك سلوك طريق الطعن على الخطأ ومن تم عدم قبول الطعن وبالتالي  المساس بحقوق الأفراد في التقاضي على درجتين، فكما أشرنا من قبل حق الطعن هو حق مكفول ولكن قبول أو رفض هذا الطعن هو مرتبط بمدى ممارسه ذلك الطعن وفق الشروط المحددة قانونا.

هذه أحكام عامة متعلقة بوصف الحكم وطرق الطعن فيه سواء تعلق الأمر بقانون المسطرة المدنية أو المسطرة الجنائية، غير أن أحكام الحضور والغياب في قانون المسطرة المدنية مختلفة عن أحكام الحضور والغياب في قانون المسطرة الجنائية، الشيء الذي يبعث على التساؤل حول تلك الأحكام وكيف يمكن التعامل معها من الناحية المسطرية، وهذا ما سنعمل على محاولة التفصي فيه في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: وصف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة وطرق الطعن فيه بين قواعد قانون المسطرة الجنائية والمسطرة المدنية

وصف الحكم في الدعوى المدنية التابعة وطرق الطعن فيها يطرح مجموعة من الإشكالات، بالخصوص الطعن بالتعرض في حالة صدور الحكم غيابيا سواء في حق المتهم أو في حق الطرف المدني، الأمر الذي يطرح مجموعة من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها من خلال إعمال قواعد قانون المسطرة الجنائية والمدنية المؤطرة للموضوع.

و ذلك من خلال التطرق أولا لمدى استقلالية الدعوى المدنية التابعة عن الدعوى العمومية وآثار ذلك على وصف الحكم الصادر في الشق المدني، تم لآثار الطعن بالتعرض على الحكم الغيابي الصادر في الشق المدني على المراكز القانونية للأطراف.

الفقرة الأولى: مظاهر استقلال الدعويين العمومية والمدنية في الشق المتعلق بوصف الحكم وطرق الطعن فيه

إن رفع الدعوى المدنية إلى جانب الدعوى العمومية أمام القضاء الزجري اكسب الأولى صفة التبعية بالنسبة للثانية، إلا أن الدعوى المدنية التابعة مع ذلك تبقى ذات طبيعة مدنية صرفة مادامت لا تهدف إلا للتعويض عن الضرر اللاحق بالمتضرر، وبالتالي يطرح السؤال حول مدى استقلالية الدعوى المدنية التابعة عن الدعوى العمومية في الشق المتعلق بوصف الحكم وطرق الطعن فيه، خاصة وأن مآل الدعوى المدنية التابعة هو مستقل عن الدعوى العمومية، وهذا واضح من خلال المادة 410 من قانون المسطرة الجنائية التي تتحدث عن استئناف الطرف المدني الذي ينصب فقط على الشق المدني، حيث يعيد نشر القضية من جديد أمام محكمة الاستئناف لكن في شقها المدني فقط، في مواجهة المتهم باعتباره مدعى عليه متسبب في الضرر، هذه المادة هي التي تأسس لفكرة الفصل أو الاستقلال بين الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة.

لذلك يجب أن نميز بشكل دقيق بين القواعد المنظمة لوصف الحكم في الدعوى المدنية التابعة وتلك المنظمة لوصف الحكم في الدعوى العمومية، هذه الأخيرة العبرة فيها بالحضور الشخصي للمتهم فالمحامي يؤازر المتهم فقط لا يمثله كما هو الشأن في قانون مسطرة المدنية، وبالتالي حضور المحامي لا يغني عن حضور المتهم ومن تم الحكم يبقى غيابي في حق المتهم

على عكس الدعوى المدنية التابعة، فوظيفة المحامي في الدعوى المدنية التابعة مختلفة عن وظيفته في الدعوى العمومية، فهو لا يؤازر المتهم في الدعوى المدنية التابعة وإنما يمثله، وبالتالي حضوره كافي لان يصدر الحكم حضوري في حق المتهم وهذا ما أكدت عليه بعض قرارات محكمه النقض، حيث جاء في إحدى قراراتها ما يلي: «إن تبليغ حكم غيابي لوكيل المتهم المتغيب يؤدي إلي سريان أجل التعرض في ما يخص المقتضيات المدنية، ويصير الحكم نهائيا في تنصيصاته المتعلقة بالمصالح المدنية عند انصرام هذا الأجل».

هذا القرار يؤكد على فكرة الفصل بين وظيفة المحامي في الدعوى العمومية ووظيفته في الدعوى المدنية التابعة.

وبالتالي في حالة حضور محامي المتهم وحضور الطرف المدني أو دفاعه، فالحكم يوصف بالحضوري في الدعوى المدنية التابعة وبالتالي لا يمكن الطعن فيه إلا بالاستئناف سواء من قبل المتهم أو من قبل المطالب بالحق المدني.

هذا يبرز بشكل جلي فكرة الاستقلال والفصل بين الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة في قواعد وصف الأحكام وطرق الطعن فيها، الأمر الذي يترتب عليه على المستوى العملي مجموعة الإشكالات التي سنحاول التطرق لها في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: الطعن بالتعرض في الدعوى المدنية التابعة وآثاره على المراكز القانونية للأطراف

تظهر أثار الطعن بالتعرض في الدعوى المدنية التابعة على مراكز الأطراف القانونية في الحالة التي نكون فيها أمام تعدد أوصاف الحكم الصادر في الدعوى المدنية التابعة، وهي الحالة التي يصدر فيها الحكم غيابا في حق المتهم وحضوريا في حق الطرف المدني أو العكس وبالتالي يطرح إشكال الطعن في هذا الحكم.

ولتوضيح هذه النقطة بشكل دقيق سنناقش حالة صدور المقرر القضائي في الدعوى المدنية التابعة غيابيا في حق المتهم وحضوريا في مواجهة المطالب بالحق المدني، وفي حالة العكس أي صدور المقرر غيابي في حق الطرف المدني وحضوري في حق المتهم.

  • الحالة الأولى

في هذه الحالة يصدر الحكم غيابي في حق المتهم وحضوري في حق المطالب بالحق المدني في الشق المدني، ومن تم له الحق في الطعن بالاستئناف بطبيعة الحال في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة، هنا يطرح الإشكال حول مآل هذا الطعن في حالة ما إذا وصل لعلم المتهم صدور حكم غيابي في حقه وتقدم ليطعن فيه بالتعرض؟

هنا يجب أن نميز بين نقطتين أساسيتين: أولا أن الحكم سيبقى غيابي في حق المتهم في الشق المتعلق بالدعوى العمومية ما لم يبلغ له شخصيا ويصل لعلمه شخصيا صدور حكم غيابي في حقه، منذ تاريخ ذلك العلم يبدأ اجل الطعن بالتعرض فإذا لم يمارس حقه في الطعن بالتعرض أصبح الحكم في حقه نهائي، أما في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة فأجل الطعن بالتعرض يبتدئ من تاريخ تبليغ الحكم الغيابي للمتهم شخصيا أو لدفاعه، وعليه فإذا بلغ محامي المتهم بالحكم يبتدئ اجل طعن بالتعرض في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة لأنه كما قلنا من قبل هو يمثله في هذه الحالة، أما في الشق المتعلق بالدعوى العمومية لا يبتدئ أجل الطعن بالتعرض إلا من يوم تبليغ المتهم شخصيا.

هنا تطرح مجموعة من الفرضيات:

– إما يبلغ المتهم شخصيا بالحكم وبالتالي يبتدئ اجل الطعن بالتعرض في الدعوى العمومية والمدنية التابعة معا، فإما يتعرض داخل الأجل ويترتب عن ذلك إلغاء الحكم الابتدائي الصادر غيابيا، وإما لا يتعرض ويصبح الحكم في مواجهته نهائي، وفي هذه الحالة لا يتأثر استئناف الطرف المدني في حالة ما إذا طعن بالاستئناف،

– وإما أن المتهم لم يبلغ بالحكم شخصيا ولكن وقع التبليغ للمحامي، هنا يبتدئ اجل الطعن بالتعرض في الدعوى المدنية التابعة فقط، وبالتالي إما يطعن بالتعرض قي الشق المدني وبالتالي يلغى الحكم الابتدائي أو لا يطعن بالتعرض ومن تم يصبح الحكم نهائي وهذه الصورة أيضا ليس فيها مساس بمراكز الطرف المدني في حالة ما إذا طعن بالاستئناف .

– أما الفرضية الثالثة تتمثل في حالة عدم حضور المتهم ودفاعه للجلسة وبالتالي صدور الحكم غيابي في حقه في الشق المتعلق بالدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة معا، فكما هو معلوم في قانون المسطرة الجنائية تنصيب المحامي مسألة إلزامية في الجنايات فقط أما في الجنح نتحدث عن إلزامية المحامي في بعض الحالات الاستثنائية فقط كالجنح المرتكبة من قبل الأحداث.

وهذه الصورة تطرح حقيقة إشكالات على مستوى الواقع، فالحكم يصدر في حق المتهم غيابي في الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة، وبالتالي هو قابل للتعرض من تاريخ التبليغ الشخصي للمتهم، وهذا فيه مساس بالمركز القانوني للطرف المدني في حالة ما إذا طعن بالاستئناف في الحكم الصادر في حقه حضوريا، حيت نتصور أن الطرف المدني طعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي والقضية قطعت أشواطا ممكن أن تصل حتى للنقض، ويظهر المتهم ويطعن بالتعرض فيؤدي إلى إلغاء كل تلك الإجراءات ويعاد البت في القضية من جديد.

  • الحالة الثانية

وهي حالة عدم حضور الطرف المدني للجلسة، خاصة وقد أوجبت المادة 349 من قانون المسطرة الجنائية أن يستدعى أمام هيئة الحكم الطرف المدني الذي سبق أن تقدم بطلبه إلى هيئة التحقيق، كما نصت المادة 420 على أنه  يستدعى في كافة الأحوال المتهم والمسؤول المدني والطرف المدني إن وجد طبقا لما هو منصوص عليه في المادتين 309-308.

وعليه فإذا لم يتم استدعاؤه بصفة قانونية أو تم استدعاؤه وتوصل عن طريق الغير طبقا للمادة 314، في هذه الحالة الحكم يصدر في حقه غيابيا، ومن تم له حق التعرض عليه في الشق المتعلق بالحقوق المدنية حسب المادة 394 في فقرتها الثانية.

هنا يطرح نفس الإشكال السابق وهو إذا ما كان المتهم أو دفاعه حاضرا واستأنف الحكم الصادر حضوريا في حقه، وكما هو معلوم فالمتهم يحق له الطعن في الشق المتعلق بالدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة على عكس النيابة العامة والطرف المدني الذي يقصر المشرع طعن كل منهما في شق معين من الدعوى[4].

هنا تطرح نفس الصورة التي تحدثنا عليها في الحالة السابقة، فإذا ما تقدم الطرف المدني بالتعرض على الحكم الغيابي الصادر في مواجهته، سيترتب عن ذلك إلغاء الحكم الابتدائي في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة ومن تم سيتم إعادة النظر مرة أخرى في الدعوى المدنية التابعة أمام نفس المحكمة المصدرة للحكم، وبالتالي المساس بالمركز القانوني للمتهم أو الورثة أو المسؤول عن الحقوق المدنية حسب الأحوال خصوصا إذا ما سلك طريق الطعن بالاستئناف.

يعتبر ما ذكر من وجهة نظرنا أهم الإشكالات التي يطرحها موضوع وصف الحكم الخاص بالدعوى المدنية التابعة و طرق الطعن فيه، بخصوص التعرض في حالة وصف الحكم بالغيابي وما يترتب عنه من عصف بمراكز الأطراف القانونية، خصوصا في حالة التقاضي بسوء نية من قبل المتقاضين، فنجد في بعض الحالات حكم يصل لمرحلة الاستئناف وممكن أن يصل إلى مرحله النقض ومن تم يأتي احد الأطراف الذي صدر في حقه الحكم غيابيا ويطعن فيه بالتعرض فيلغي كل شيء ويعيد طرح النزاع من جديد.

أيضا من الإشكالات التي يطرحها الطعن في الدعوى المدنية التابعة نجد الإشكال المتعلق بأجل الطعن، بمعنى هل اجل الطعن في الدعوى المدنية التابعة يخضع لآجال الطعن في الدعوى العمومية، أم نعتبر أن الدعوى المدنية التابعة هي مستقلة عن الدعوة العمومية وتطبق عليها أجال الطعن في قانون المسطرة المدنية  تطبيقا للمادة 752 من قانون المسطرة الجنائية، خاصة وان الطعن في الدعوى العمومية آجاله تتسم بالقصر لما فيها من تأثير أو مساس بحريات الأفراد على عكس الدعوى المدنية التابعة التي تنصب على الحقوق المدنية فقط.

خاتمة

تعتبر العلاقة القائمة بين وصف لحكم ونوع الطعن الذي يمكن أن يباشر بخصوصه من الإشكالات القانونية التي تتضارب بخصوصها الآراء الفقهية والمواقف القضائية نظرا لعدم وضوح النص التشريعي بهذا الخصوص، الشيء الذي يشكل في نظرا مسألة تتصل مباشرة بالبعد الحقوقي للأطراف وهو بعد لا يزال يحتاج إلى مزيد من البحث.

 

إحالات

[1] عبد الواحد العالمي، شرح في قانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة الثالثة 2011، الصفحة رقم 329

[2] المادة 752 من قانون المسطرة الجنائية ” تطبق أحكام قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بالظهير الشريف رقم 1.74.474 الصادر في 11 من رمضان 1394 (28 شتنبر1974) على الدعاوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري، كلما كانت غير متناقضة مع المقتضيات الخاصة لهذا القانون والمتعلقة بنفس الموضوع.”

[3]  وصف الحكم بأنه حضوري أو غيابي العبرة فيه بحقيقة الواقع في الدعوى لا بما تذكره المحكمة عنه

[4]  وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني، إجراءات المحاكمة وطرق الطعن، الطبعة الثالثة 2005، الصفحة 147