انهاء عقد الشغل في ظل وباء كوفيد 19

2 يوليو 2020
انهاء عقد الشغل في ظل وباء كوفيد 19

انهاء عقد الشغل في ظل وباء كوفيد 19

مقدمة:

شهد المغرب كغيره من باقي بلدان العالم في مطلع سنة، 2020 انتشار وباء حديث النشأة ، أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية اسم : COVID 19 .

وفي إطار المجهودات المبذولة من طرف الدولة لمواجهة تفشي هذا الوباء والتصدي له ، تم الإعلان عن مرسوم 24 مارس 2020 المتعلق بالإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بالمغرب ،الذي يهدف إلى احتواء فيروس كورونا والخروج من هذه الأزمة الصحية بأقل الأضرار الممكنة . وذلك من خلال حظر التجول، والتقييد من حركة تنقل المواطنين داخل مدن المملكة ، وكذا إغلاق مجموعة من القطاعات الحيوية ، بالإضافة إلى إصدار الأمر بإغلاق مجموعة من المحلات التجارية وكذا بعض المقاولات .

إلا أن هذا الإجراء المتخذ في إطار الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية أثر بشكل واضح على مختلف المجالات سواء الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية .

و في هذا الإطار يمكن القول بأن المتتبع للتطورات اليومية التي يحدثها تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم بصفة عامة وفي المغرب على وجه الخصوص ليقف حائرا حول الإشكالات الكبرى التي تطرح معه في ظل الإغلاق المتوالي للمقاولات إما بقراراتها المنفردة بناء على إشكالات واجهتها جراء توقف العلاقات التجارية الدولية من وإلى المغرب، أو بناء على قرار للسلطات المختصة حفاظا على الأجراء ومحاولة احتواء الفيروس، وإما تقليص عملها جراء هذه الجائحة، كل ذلك كان له انعكاسات جد سلبية على كل أطراف الإنتاج، – هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية – ولم نعد ننظر فقط إلى الأجير كطرف ضعيف في العلاقة الشغلية يتطلب الحماية، وإنما أصبح يندرج المشغل بدوره في هذه الخانة نتيجة توقف مقاولته على الإنتاج، وما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار قد تصل إلى حد إفلاسها وما لذلك من انعكاسات على المنظومة الاقتصادية الاجتماعية ببلادنا . [1]

وعليه يبقى السؤال الذي يطرح نفس في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لنشاط المقاولة، وما ينتج عنه من تسريح العمال و إنهاء عقود الشغل .

– ما هو التكييف القانوني الممكن إسقاطه على هذا الإنهاء؟ هل هو إنهاء تعسفي من طرف صاحب المقاولة ؟ .

– أم يجب إرجاعه لأسباب أخرى لا دخل لإرادة المشغل فيها ؟ وهنا نتحدث عن نظرية القوة القاهرة، ومدى إمكانية اعتبار وباء كورونا تطبيق من تطبيقات القوة القاهرة ؟.

وفي محاولة منا للإجابة عن هذه الأسئلة، سنتناول الموضوع وفق التصميم التالي  :

المبحث الأول : التكييف القانوني لوباء COVID19 وأثره على إنهاء عقد الشغل

  • المطلب الأول : التكييف القانوني لجائحة كورونا.

الفقرة الأولى : تعريف القوة القاهرة  .

الفقرة الثانية : شروط تحقق القوة القاهرة في مجال الشغل  .

  • المطلب الثاني : موقف القضاء من اعتبار كورونا قوة قاهرة .

الفقرة الأولى : موقف القضاء المغربي .

الفقرة الثانية : موقف القضاء الفرنسي .

المبحث الثاني : مــآل عقود الشغل تأسيسا على اعتبار كورونا قوة قاهرة .

  • المطلب الأول : التوقيف المؤقت لتنفيذ عقد الشغل و إشكال الأجر .

الفقرة الأولى : حالات التوقيف المؤقت لتنفيذ عقد الشغل .

الفقرة الثانية : إشكال الأجر عن فترة التوقيف .

  • المطلب الثاني : إنهاء عقد الشغل وآثارها في ظل وباء كورونا .

الفقرة الأولى : إنهاء عقد الشغل في ظل وباء كورونا .

الفقرة الثانية : الآثار القانونية لإنهاء عقد الشغل في ظل وباء كورونا

 

المبحث الأول : التكييف القانوني لوباء كوفيد 19 و أثره على انهاء عقد لشغل

يعتبر التكييف تلك العملية التي تمكننا من إنزال حكم القانون على الواقع، وبيان القاعدة القانونية الواجب إعمالها و تطبيقها على الواقعة المطروحة – جائحة كورونا – فمن خلال هذه العملية المهمة جدا في الحقل القانوني ، سنقوم بتحديد كل من مفهوم القوة القاهرة وشروط تحققها ، والقيام بإسقاطها على ” وباء كورونا ” للنظر في مدى خضوع هذا الوباء لنظرية القوة القاهرة من عدمه ، مع تسليط الضوء على التوجه القضائي بخصوص هذه المسألة .

المطلب الأول : التكييف القانوني لجائحة كورونا

من خلال هذه الفقرة من الموضوع سنقف عند التعريف القانوني للقوة القاهرة ، ثم نستخرج منه الشروط الواجب تحققها حتى نكون أمام قوة قاهرة .

الفقرة الأولى : التعريف القانوني للقوة القاهرة

بالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود المغربي يتبين أن المشرع عرف القوة القاهرة من خلال الفصل  269الذي جاء فيه : ” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا. ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين .”

و من خلال استقراء مضمون الفصل  269من قانون الالتزامات والعقود، يتبين أن القوة القاهرة كواقعة مادية في حالة تحقق شروطها تصبح سببا من الأسباب القانونية الكافية لوحدها من تحلل وإعفاء المدين من تنفيذ التزاماته العقدية دون تحمل أي مسؤولية مدنية بسبب عدم تنفيذه الالتزامات الملقاة على عاتقه بسبب القوة القاهرة .

و بالرجوع إلى التعريف الذي أعطاه الفقيه الروماني البيان  ULPIENللقوة القاهرة نجده يتماشى إلى حد كبير مع التعريف الذي جاء به المشرع المغربي في إطار الفصل 269 من ق.ل.ع ،حيث عرف الفقيه اليوناني القوة القاهرة على أنها:

” كل ما لم يكن في وسع الآدمي أن يتوقعه وإذا أمكن توقعه فإنه لا يمكن مقاومته[2] “.

الفقرة الثانية : شروط تحقق القوة القاهرة في مجال الشغل .

تأسيسا على الفصل 269 المذكور أعلاه ، سنحدد شروط تحقق القوة القاهرة والتي يدفع بها المشغل للاستفادة من آثارها القانونية المنصوص عليها في الفصل  268من قانون الالتزامات والعقود . حيث لا يكون هناك محل لأي تعويض متى أثبت المدين – المشغل – أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا ينسب إليه ، وإنما يرجع إلى سبب أجنبي كالقوة القاهرة .

وعموما تتمثل شروط تحقق القوة القاهرة في ثلاثة شروط وهي :

  • الشرط الأول : عــدم الــتـوقــع

يعد عدم التوقع من بين الشروط الجوهرية لتحقق القوة القاهرة، لهذا يجب على المدين “المشغل” ألا يتوقع حدوث هذا الفعل أثناء مرحلة التعاقد، و كلما كانت إمكانية التوقع قائمة ولو بشكل نسبي، فإننا نكون أمام خطأ المدين باعتباره لم يتخذ التدابير اللازمة لمنع وقوع ذلك الفعل. وهذا ما عبر عنه المشرع المغربي في بداية الفصل  269من قانون الالتزامات و العقود : “القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه “…

والقضاء بدوره يرفض بشدة الأخذ بالقوة القاهرة كسبب من أسباب تحلل المدين من المسؤولية متى كان بإمكانه توقع حدوثها.

( وجاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا ( محكمة النقض حاليا ) أن القوة القاهرة هي: ” كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه ، ومن شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا”… ).[3]

وعليه لا يدخل ضمن القوة القاهرة كل فعل يمكن توقعه ، إما بحكم الموسمية أو بسبب تكرر حدوثه في فترات معينة . كالمطر في فصل الشتاء أو انتشار نوع معين من الحشرات في أوقات مألوفة و معروفة لدى الجميع .

وإنما يدخل في نطاقها ما لا يكون في حدود المألوف والمعتاد توقعه ، كوباء كورونا المستجد. الذي لم يسبق للبشرية أن واجهته أو حتى توقعت حدوثه في يوم من الأيام ، وهو ما ينطبق على المدين – المؤاجر / المشغل – بطبيعة الحال

  • الـشـرط الـثـاني : إستحالة الدفع

دائما بالاعتماد على مضمون الفصل 269 السالف الذكر، يتبين لنا أن المشرع أخد باستحالة الدفع كشرط ومكون أساسي في قيام القوة القاهرة .

واستحالة الدفع هنا تتمثل في كون المشغل لا يملك القدرة والطاقة اللازمة لمواجهة ومقاومة الوقائع التي تشكل خطرا يهدد مصالحه من جهة ،و من جهة اخرى سيرهقه بتحمل عبء تعويض الأضرار الناشئة عن هذا الخطر للمتعاقد الثاني .

وهذا ما نلاحظه بالملموس في زمن جائحة كوفيد 19، حيث لا يستطيع المشغل وأصحاب المقاولات مواجهة تداعياته السلبية على نشاط واستمرارية المقاولة أو المحل التجاري خاصة في ظل الأوضاع التي تعرفها المملكة .

  • الشرط الـثـالث : انعدام خطأ المدين

تناول المشرع المغربي هذا الشرط من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود .

والمقصود بانعدام خطأ المدين – المشغل – ألا يكون لهذا الأخير دخل وعلاقة بوقوع الفعل كأن يصدر عنه خطأ أدى أو ساهم في وقوع الواقعة المشكلة للقوة القاهرة .

وتأسيسا على ما سبق ذكره ، فإن قيام الشروط الثلاث المكونة للقوة القاهرة وتحققها يؤدي إلى استحالة تنفيذ المشغل لالتزاماته الواردة في عقد الشغل بسبب القوة القاهرة .

مما يصح معه القول أن جائحة كورونا تدخل في إطار القوة القاهرة ، ما دامت تتحقق شروطها وتنطبق على هذا الوباء.

وهذا الاتجاه هو الذي تبناه القضاء المقارن حيث اعتبر فيروس كورونا قوة قاهرة، وهذا ما سنتطرق له في الفقرة الموالية .

المطلب الثاني : موقف القضاء من اعتبار وباء كورونا قوة قاهرة

كما نعلم أن القضاء منوط بدور غاية الأهمية ، فهو الجهاز المسؤول عن تنزيل المقتضيات القانونية وتطبيقها على مختلف القضايا المثارة أمامه. لذلك كان لزاما علينا البحث في المنحى الذي أخذه العمل القضائي بخصوص هذه المسألة .وهل كيف وباء كوفيد 19 قوة قاهرة أم لم يعتبره كذلك .

الفقرة الأولى : موقف القضاء المغربي

إن القضاء المغربي لم تسمح له الفرصة لحد الآن من إبداء موقفه في الموضوع، على إعتبار أن جلسات المحاكم كانت معلقة طيلة فترة الحجر الصحي الذي تم اتخاذه في إطار الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بالمملكة .

إلا أنه من المؤكد أن القضاء المغربي سيدلي بدلوه ، وسيفصح عن رأيه من خلال ما سيعرض عليه من كم هائل من القضايا والمنازعات المرتبطة بعقود الشغل مستقبلا بعد رفع حالة الطوارئ الصحية .

وهذا لا يمنع من الاستعانة بتوجهات القضاء المقارن الذي سمحت له الفرصة من البت في بعض القضايا المتعلقة بوباء كورونا وتكييفه في أي خانة يمكن تصنيفه .في انتظار إبداء القضاء المغربي بتوجهه في الموضوع.

الفقرة الثانية : موقف القضاء الفرنسي

إن القضاء الفرنسي أتيحت له الفرصة للإدلاء برأيه في الموضوع ، حيث صدر مؤخرا قرار عن الغرفة السادسة بمحكمة الاستئناف ” كولمار ” الفرنسية بتاريخ : 2020/03/12 رقم ، 2020/80 وقد اعتبرت المحكمة مصدرة القرار لآنف ذكره أن فيروس كورونا المنتشر عالميا يتصف فعليا ب ” القوة القاهرة “، و أن الأوضاع التي يشهدها العالم هي استثنائية، ولا يمكن مقاومتها .

حيث جاء في مضمون ما خلص إليه القرار المذكور أعلاه ، بأن فيروس كوفيد 19 يشكل في ظرفه قوة قاهرة مع ما تستتبعه هذه الأخيرة من مفاعيل و آثار قانونية .

و ورد في حيثيات القرار ألاستئنافي المذكور، أن المستأنف G.ictorV تعذر عليه حضور الجلسة أمام محكمة الاستئناف كولمار – الغرفة السادسة – بسبب الظروف الاستثنائية التي لا يمكن مقاومتها ، والتي تتكيف بطبيعتها مع حالة القوة القاهرة المتصلة بالوباء المنتشر عالميا كوفيد 19[4] .

وصفوة القول يمكننا اعتبار بأن فيروس كورونا يعد قوة قاهرة مادامت شروط تحققها قائمة، كما حددها المشرع في الفصل 26Cمن قانون الالتزامات و العقود المغربي .

و إعتمادا كذلك على ما ذهب إليه القضاء الفرنسي ، من خلال القرار الصادر عن محكمة الاستئناف كولمار، بتاريخ : 2020/03/12 .

المبحث الثاني : مــآل عقود الشغل تأسيسا على اعتبار كورونا قوة قاهرة .

من خلال هذا المبحث سنحاول التطرق لعقد الشغل الذي تأثر من جراء جائحة كورونا، بناء على اعتبارها قوة قاهرة. وعليه سنتحدث عن توقيف عقد الشغل بشكل مؤقت وما يرتبط به (المطلب الأول ) ثم حالة الإنهاء وآثاره ( المطلب الثاني) .

المطلب الأول : التوقيف المؤقت لتنفيذ عقد الشغل و إشكال الأجر .
الفقرة الأولى : التوقيف المؤقت لتنفيذ عقد الشغل

سيتم التطرق في هذه الفقرة إلى الحالات التي تؤدي إلى التوقف المؤقت لعقد الشغل ، بحيث قد يكون هذا التوقف ناتج عن أوامر السلطات المختصة في محاولة منها لاحتواء انتشار فيروس كورونا والسيطرة على الوضع ، وقد يكون راجع لقرار يتخذه المشغل في إطار سلطته التنظيمية، كلما تبين له أن هذا الإجراء هو الحل حتى لا تتضرر مقاولته من الركود الاقتصادي بسبب انتشار الوباء.

فبالرجوع إلى المادة الثانية من مرسوم رقم  2.20.293صادر في  29من رجب1441  (24 مارس 2020) ، بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد19  نجد الفقرة ” د ” منه تتحدث عن إغلاق المحلات التجارية كتدبير احترازي طيلة فترة الطوارئ الصحية .

وفي هذه الحالة سنكون أمام إغلاق مؤقت للمقاولة عن العمل بقرار إداري صادر عن السلطة الإدارية المختصة لمواجهة تداعيات هذا الوباء والحد منها . وبالتالي توقفها المؤقت عن
العمل .

وهذا الإغلاق يدرج ضمن حالة التوقف المؤقت لعقد الشغل المنصوص عليها في المادة 32 من مدونة الشغل التي اعتبرت أن عقد الشغل يتوقف مؤقتا بسبب الإغلاق القانوني للمقاولة بصفة مؤقتة . وعليه يكون المشغل ملزما بالتقيد بأمر السلطة وإغلاق مقاولته .

أما الحالة الثانية ، تخص باقي المقاولات والمحلات التجارية التي لم يشملها قرار السلطة، وظلت محتفظة بالحق في ممارستها لنشاطها بشكل عادي شريطة اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة لحماية الأجراء أثناء مزاولتهم للعمل والحفاظ على سلامتهم وصحتهم .

حيث يكون توقف عقد الشغل المنظم لنشاط هذه المقاولات والمحلات التجارية راجع للقرار المتخذ من طرف المشغل، الذي خشي على مقاولته أن تتضرر أكثر في ظل هذه الأوضاع إذا ترك تنفيذ عقود الشغل الرابطة بينه وبين الأجراء مستمرة بشكل عادي كما كان عليه الأمر قبل تفشي فيروس كورونا .

وللإشارة فإن هذا النوع من الإغلاق يبقى العقد مستمرا ولا يتأثر ، و لكن تنفيذ العمل والشغل هو الذي يتوقف إثر الإغلاق المؤقت . هذا ما لم يتفق المشغل و الأجراء على تنفيذ و أداء الشغل عن بعد من منازلهم في الحالات التي تسمح بها طبيعة العمل .

غير أن التوقيف المؤقت لعقد الشغل، يطرح إشكالية مرتبطة بالأجر خلال مدة التوقف عن العمل  وهذا ما سنتطرق له في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية : إشكال الأجر عن فترة التوقيف

مبدئيا الأمر محسوم بخصوص الأجر خلال المدة التي يكون فيها عقد الشغل متوقف مؤقتا، بالنسبة للأجراء الذين إستمروا في أداء عملهم بشكل طبيعي عن بعد . بحيث يبقى المشغل ملتزما اتجاههم بأداء الأجر.

إلا أن الأمر يختلف بالنسبة لباقي الأجراء الذين لا تسمح لهم طبيعة العمل من أدائه من منازلهم عن بعد، ويبقى الإشكال المطروح هو هل يكون المشغل ملتزما بأداء الأجر لهم عن مدة توقف عقد الشغل بسبب انتشار وباء كوفيد المستجد الذي يدخل ضمن حالات القوة القاهرة ؟

نود التذكير بأمر غاية الأهمية ، وهو أن المشرع من خلال مدونة الشغل كان حريصا على خلق موازنة بين حماية حقوق الأجير باعتباره الطرف الضعيف في العقد ، و كذا حقوق المشغل ، بالإضافة إلى حماية الاقتصاد الوطني . هذه الثلاثية التي حاول مراعاتها بشدة خلال سنه لمدونة الشغل .

وبناء على هذه الموازنة سنقوم باستحضار مجموعة من النصوص القانونية المضمنة بمدونة الشغل حتى نجيب على السؤال المطروح أعلاه .

تأسيسا على المادة 32 من مدونة الشغل ، لا يكون المشغل ملزما بأداء الأجر عن مدة التوقف على اعتبار التوقف راجع إلى الإغلاق القانوني بفعل أمر السلطة المندرج في خانة القوة القاهرة .

واستنادا على ما سبق فإن التزامات المشغل تتوقف بتوقف عقد الشغل ، وعلى الخصوص التزامه بأداء الأجر تطبيقا لمبدأ ” الأجر مقابل العمل ” .

وإن كان هذا يخدم مصالح المشغل ويمكنه من التحلل من التزاماته اتجاه الأجراء كأثر لاعتبار أن التوقف ناتج عن قوة قاهرة ، وإعمالا لمقتضيات الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود . فإنه بالتأكيد لا يخدم مصلحة الأجراء الذين تضرروا من هذا التوقيف المؤقت ، خاصة الغير المصرح به لدى صندوق الضمان الاجتماعي والذين لا يتوفرون على بطاقة ” الرميد “.

صحيح أن الدولة تدخل في محاولة منها لخلق الموازنة المطلوب بين أطراف العلاقة الشغلية، وتوفير الدعم والحماية لهؤلاء الأجراء . من خلال سنها تدابير استثنائية لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم المصرح بهم و الذين توقفوا عن العمل، والمتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا ،لكنه لن يحقق الغاية المنشودة باعتباره يشمل فئة دون أخرى من الأجراء .

وهنا يستطيع الأجير التمسك بمقتضيات البند (4) من المادة 54 من مدونة الشغل التي أكدت على أنه تدخل ضمن مدد الشغل الفعلي مدة توقف عقد الشغل بسبب إغلاق المقاولة مؤقتا بموجب قرار إداري، أو بفعل قوة قاهرة .

وعليه يبقى الأجير مستحقا للأجر وجميع توابعه ما دام أن المادة 54من المدونة إعتبرت فترة توقف عقد الشغل بشكل صريح تدخل ضمن مدد الشغل الفعلي .

المطلب الثاني : إنهاء عقد الشغل وآثاره في ظل وباء كورونا.

كما هو معلوم أن إنهاء عقد الشغل لا يخرج عن نوعين من الإنهاء ، الأول قانوني خاضع للمقتضيات القانونية والمساطر الإجرائية المحدد له في مدونة الشغل. والثاني إنهاء تعسفي لا يحترم الأحكام المسطرة قانونا لإنهاء عقد الشغل وعليه فإن الآثار المتربة قانونا تختلف بحسب نوع الإنهاء .

وهذا ما سنحاول الوقوف عليه من خلال الفقرتين الآتيتين، بالبحث في إنهاء عقد الشغل في ظل هذا الوباء ، ثم الآثار المتربة عن ذلك .

الفقرة الأولى : إنهاء عقد الشغل في ظل وباء كورونا .

كما نعلم أن عقد الشغل المحدد المدة ينتهي بانتهاء المدة المحددة له في العقد أو بانتهاء العمل الذي كان محلا له ( المادة 33من مدونة الشغل) ، كما أنه يمكن إنهاء العقد الغير المحدد المدة والذي يبقى هو الأصل في قانون الشغل ، بإرادة المشغل أو إرادة الأجير حيث تنص المادة 34من مدونة الشغل على ما يلي:

” يمكن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة المشغل، شرط مراعاة الأحكام الواردة في هذا الفرع ، وفي الفرع الثالث أدناه بشأن أجل الإخطار.

يمكن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة الأجير عن طريق الإستقالة المصادق على صحة إمضائها من طرف الجهة المختصة؛ ولا يلزمه في ذلك إلا احترام الأحكام الواردة في الفرع الثالث أدناه بشأن أجل الإخطار ” .

غير أنه قد يحدث وينشأ إنهاء العلاقة الشغلية بناء على أسباب لا دخل لإرادة الأطراف فيها (المشغل و الأجير) ، لكنها ترجع لعوامل أخرى خارجية كالقوة القاهرة . التي تدفع المشغل إلى الإقدام على هذه الخطوة المرتبطة بمصير مقاولته وعماله .

قد يلجأ بعض المشغلين لإنهاء عقود الشغل التي تربطهم بأجرائهم ويدفعون بوجود قوة قاهرة خاصة في ظل انتشار جائحة كورونا، هذا الوباء الذي ألقى بظلاله على عجلة الإقتصاد العالمي عموما ، والوطني على وجه الخصوص . مما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي للمعظم المقاولات الوطنية في مجال التسويق وكذا في حصولها على المواد الخام الأساسية لاستمرارية نشاطها الاقتصادي .

مما يكون معه المشغل أمام وضعية اقتصادية صعبة ، تؤثر لا محالة على نشاط مقاولته واستمرارها قد يصل في بعض الأحيان إلى الإعلان عن إفلاسها ، فيلجئ إلى إنهاء العلاقة الشغلية كنتيجة لتلك الأوضاع الاقتصادية .

ويؤسسون دفعهم هذا بناء على المادتين 66 و 67 وما يليها من مدونة الشغل ، وأن هذا الإنهاء راجع لأسباب تكنولوجية أو اقتصادية .

حيث ألزم المشرع المغربي في المواد 66 وما يليها من مدونة الشغل المقاولات التي تشغل عشر أجراء أو أكثر بصفة اعتيادية ، والتي تسعى إلى الإغلاق النهائي و فصل الأجراء لأسباب إما تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية أو ما يماثلها بإتباع مسطرة محددة لهذا الإغلاق، كما قيده بالحصول على إذن يجب أن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم في أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل.

الفقرة الثانية : الآثار القانونية لإنهاء عقد الشغل في ظل وباء كورونا

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 70 من مدونة الشغل، نجد المشرع بين نوعين من الآثار المترتبة عن الإنهاء لأسباب اقتصادية . وربطهما بمشروعية الإنهاء من عدمه .

فالفقرة الأولى من المادة 70 أعلاه ، حددت الآثار المترتب عن هذا الإنهاء الذي يكون بعد حصول المشغل على الإذن المذكور في المادة 67 من المدونة .

واعتبرت الفقرة الأولى من المادة 70 هذا الإنهاء متصف بطابع القانونية والمشروعية ، ورتبت عليه استفادة الأجراء من التعويض عن أجل الإخطار ، وعن الفصل دون تطرقها للتعويض عن الضرر مما يسقط معه حق الإجراء من الاستفادة منه ، ويمكن إرجاع ذلك إلى اعتبار المشرع أنه لا مجال للحديث عن تعويض الضرر ، ما دام لم يكن الإنهاء بسبب خطأ المشغل ولا دخل لإرادته فيه . وتطبيقا منه للموازنة المشار إليها سابقا بين الهرم الثلاثي المتمثل في حماية الأجراء ، وحماية المشغل ، ثم الاقتصاد الوطني .

في حين تطرقت الفقرة الثانية من المادة 70 من مدونة الشغل إلى الإنهاء الذي يقدم عليه المشغل لنفس الأسباب ، لكن دون حصوله على الإذن الذي يسلم من عامل العمالة أو الإقليم في أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل .

وذهبت إلى كونه إنهاء تعسفيا يتوجب معه استفادة الأجراء المفصولين من التعويض أجل الإخطار و الفصل وحتى التعويض عن الضرر المنصوص عليه في المادة 41 من نفس المدونة .

وفي الختام، يبقى السؤال المطروح، هل فعلا تستطيع المقتضيات التشريعية المتعلقة بالموضوع تحقيق العدالة التعاقدية المرجوة في إطار ما سيعرض على القضاء مستقبلا من نزاعات في الموضوع ؟

الإحالات

[1]  – إشكالات علاقات الشغل في ظل تفشي وباء كورونا المستجد كوفيد   19ملود عشعاش ، باحث بسلك الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني، كلية
الحقوق عين الشق الدار البيضاء . تاريخ الحصر :  2020/06/10 الساعة    . 13:53

[2]  – محمد الكشبور، نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، دراسة مقارنة بالمغرب وفي حرب الخليج، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1993-1413 ص  .25

[3]  – الدكتورة، أمينة رضوان ،دكتورة في الحقوق، باحثة في الشؤون القانونية و القضائية ، مقال: ” مدى مساهمة فيروس كورونا في إنهاء العلاقة الشغلية . منشور في :مجلة الباحث-عدد خاص بجائحة كورونا – كوفيد 19 العدد 17 – أبريل 2020 .

 

[4]  –   ستجدون  نسخة من القرار  الصادرة عن الغرفة السادسة لدى محكمة الاستئناف  الفرنسية كولمار . ضمن الملحقات .للإطلاع عليه  والتعرف على  وقائعه و حيثياته  بشكل من التفصيل .