التحفيظ العقاري – أنواعه وأدواره
مرحبا بكم الأستاذ جواد الروكي على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية في هذا الحوار الذي نخصص للحديث عن بعض الجوانب العملية للتحفيظ العقاري:
جواد روكي طالب باحث في العلوم القانونية وإطار رئيس مكتب مسطرة التحفيظ بإحدى المصالح الخارجية التابعة للوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية.
السؤال الأول: في البداية هل لكم أن تحدثونا عن صور وأنواع التحفيظ المعمول بها في المغرب؟
أشكر في البداية موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية على دعوته، وأتمنى أن تكون مساهمتي إضافة نوعية في إطار محاولة ربط الإطار النظري للقانون ببعض جوانبه العملية. كما أهنئه على كل مبادراته الهادفة التي تساهم بشكل كبير في نشر المعرفة القانونية حتى أصبح جسرا تواصليا فعالا بين الجامعة ومحيطها العام .
وبخصوص الجواب عن سؤالكم، لقد وضع المشرع المغربي إطارا عاما حدد بموجبه المسطرة القانونية المتبعة من أجل إخضاع العقار لنظام التحفيظ العقاري، والمتمثل في ظهير التحفيظ العقاري الصادر في 12 غشت 1913 كما عدل وتمم بالقانون 14-07، وهذا القانون إلى جانب تنظيمه للمسطرة العادية للتحفيظ فقد أشار إلى بعض المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري؛ التي نظم المشرع بعضها بمقتضى قوانين خاصة إما لخصوصية العقارات المعنية أو من أجل تسريع مسطرة التحفيظ تنفيذا لاستراتيجية تعميم التحفيظ العقاري بالمغرب.
بناء عليه يمكن تصنيف أنواع التحفيظ العقاري إلى نوعين؛ المسطرة العادية للتحفيظ –التحفيظ العادي-. ثم هناك المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري.
أما المسطرة العادية للتحفيظ أو التحفيظ العادي كما هو منظم في ظهير التحفيظ العقاري فيمر عبر مراحل رئيسية أو محطات رئيسية ثلاث:
أولا يتم إيداع مطلب للتحفيظ وفق نموذج معد سلفا تمنحه مصلحة المحافظة على الأملاك العقارية التابع لها نفوذ العقار، على أن يرفق بما يثبت تملك طالب التحفيظ للعقار المعني، ويرفق المطلب عادة بما يسمى بورقة التموقع الأولي الممنوحة من مصلحة المسح العقاري وهي تفيد أمرين؛ أن العقار المعني يوجد بنفوذ مصلحة المحافظة المقدم إليها مطلب التحفيظ وتفيد أيضا أن وعاء هذا المطلب لا يتداخل مع عقار سبق تحفيظه أو داخل عقارات سبق تحديدها تحديدا إداريا.
وفور ذلك يتم إعداد خلاصة مطلب التحفيظ التي تتضمن موقع الملك وحدوده ومساحته ومشتملاته والاسم الذي يعرف به وطالب التحفيظ وكذا الوثائق التي اعتمدها. وعمليا فإن هذا الملخص نفسه يتضمن إعلانا يحدد فيه تاريخ ووقت إجراء التحديد. ينشر ذلك بالجريدة الرسمية ثم يعلن للعموم على أن يعلق هذا الملخص المضمن لتاريخ عملية التحديد بمقر السلطة المحلية ومقر الجماعة الترابية المعنية وكذا المحكمة الابتدائية التابع لنفوذها موقع العقار.
ثانيا إجراء عملية التحديد ونشر إعلان بذلك لتبليغه للعموم حتى يتمكن من يدعي حقوقا على العقار المعني بتقديم تعرضه داخل الآجال القانونية المحدد في الإعلان بانتهاء التحديد. وعملية التحديد هذه هي عملية تقنية الهدف منها هو أولا التحقق من الوجود الفعلي للعقار وبأن هناك فعلا عقارا يشكل وعاء لمطلب التحفيظ وثانيا ضبط الأوصاف المادية للعقار من حيث مساحته ومشتملاته ثم بعض التحملات الواردة عليه والتي يمكن أن يعاينها المهندس كالممرات والارتفاقات التي تعبره، ويحرر بذلك محضرا يوقعه المهندس الذي قام بالعملية وكذا طالب التحفيظ ثم إعداد تصميم أولي للعقار وتضمينه مساحة تقريبية له.
أشير هنا أن عملية التحديد تتم عبر مرحلتين؛ الأولى يتم خلالها معاينة العقار ووضع الأنصاب ومعرفة الحدود والمشتملات. أما المرحلة الثانية فهي عملية المسح، أي ربط العقار بالشبكة الجيوديزية من خلال ضبط موقع العقار عبر إحداثيات أومبير وفق معطيات الجي بي إس G.P.S أو نظم التموقع الأخرى الموازية له. وهي عملية عالية التقنية؛ من خلالها يتم ضبط المساحة والموقع بشكل عالي الدقة.
تتحقق لنا غايتين عبر هاتين المحطتين خلال مسطرة التحفيظ العقاري؛ أولا إعلام العموم بجريان مسطرة التحفيظ وفق وسائل الإشهار المقررة قانونا وذلك حتى يتسنى لذوي الحقوق معرفة ما يجري وتقديم اعتراضاتهم عبر فتح باب التعرض بالنظر إلى ما قد يترتب من نتائج قانونية بعد اتخاذ قرار التحفيظ، وثانيا التحقق من وجود العقار فعليا وضبط حدوده ومعالمه.
ثالثا وبعد انتهاء أجل التعرض كما حددها القانون فلا يبق أما المحافظ إلا اتخاذ أحد القرارات الثالية: إما تأسيس رسم عقاري بما يترتب عن ذلك من نتائج قانونية وذلك بعد التحقق من سلامة المسطرة والوثائق المقدمة. وإما إحالة الملف على القضاء للنظر في التعرضات المقدمة في حال وجودها، وإما إلغاء مطلب التحفيظ بناء على ما قرره القانون من أوضاع قانونية معينة رتب عليها جزاء الإلغاء.
وفي حال تأسيس رسم عقاري فإنه يصبح نقطة الانطلاق الوحيدة للعقار بعد انتهاء مسطرة تطهيره، بحيث لا يتم الاعتراف إلا بالحقوق المعلن عنها أثناء مسطرة التحفيظ، وكل مطالبة من الغير بحق عيني على العقار لا يعتد بها ما دام لم تتم المطالبة بها أثناء جريان مسطرة التحفيظ وتتحول هذه المطالب إلى حقوق شخصية فقط في مواجهة طالب التحفيظ.
أما بالنسبة للأنواع الأخرى للتحفيظ والتي حدد لها المشرع مساطر خاصة أشار إلى بعضا في ظهير التحفيظ العقاري فأذكر أهمها والأكثر شيوعا على المستوى العملي كالتالي:
أولا: التحفيظ الجماعي للأملاك القروية وهو الأكثر شيوعا إلى جانب المسطرة العادية للتحفيظ. ففي إطار استراتيجية تعميم التحفيظ العقاري التي وضعتها الدولة نظرا لما للتحفيظ من أهمية، أقر القانون مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية من خلال ظهير 25 يوليوز 1969. وللإشارة فإن الأملاك الخاضعة لهذه المسطرة لا تتميز بأي طبيعة خاصة سوى أنها ذات طبيعة قروية، وقابلة لأن تخضع للمسطرة العادية للتحفيظ كما سبقت الإشارة إلى ذلك. كما أن جميع المبادئ الأساسية المقررة في المسطرة العادية للتحفيظ من إشهار واسع، وتحديد للملك وأيضا فتح الباب من أجل التعرض على التحفيظ كلها تتحقق أثناء مسطرة التحفيظ الجماعي، إلا أنها تتم بشكل خاص نظرا للطابع الجماعي لمسطرة التحفيظ؛ بحيث أن الهدف الاستراتيجي المتوخى من هذا النوع من التحفيظ هو إخضاع أكبر عدد ممكن من الأملاك العقارية لنظام التحفيظ، وبالتالي تغطية أكبر مساحة ممكنة بنظام التحفيظ العقاري وكل ذلك في فترة زمنية وجيزة. وهو أمر يصعب تحقيقه في حال تركت المبادرة للأشخاص لتقديم طلبات التحفيظ بشكل فردي وفق المسطرة العادية؛ لذلك فإن المبادرة للتحفيظ في هذه الحالة تكون من جانب الإدارة بعد أن يتم الإعلان بقرار وزيري عن فتح منطقة معينة للتحفيظ الجماعي غالبا ما تغطي نفوذ ترابي كامل لجماعة قروية معينة.
ودون الدخول في تفاصيل قانونية بحثة نص القانون عليها في الظهير الذي ذكرته والتي يمكن الرجوع إليها؛ فسأركز على بعض الجوانب العملية في هذه المسطرة؛ ذلك أنها تتميز بمرحلتين منفصلتين؛
الأولى يعهد بها عادة إلى شركة خاصة تتوفر على الوسائل اللوجستيكية والبشرية للقيام بهذه المهمة، وذلك في إطار صفقة عمومية يشكل دفتر تحملاتها التزامات صاحب الصفقة والجدول الزمني الذي ينبغي أن تنجز خلاله الأشغال. وتبتدئ الأشغال بالخروج إلى عين المكان من أجل وضع الأنصاب حول حدود كل قطعة بحضور الملاك، وفي هذه المرحلة يتم التعرف على القطع الأرضية المعنية وملاكها، مع إعطاء رقم استدلالي عن كل بقعة يدرج إلى جانبه اسم المالك المفترض حسب تصريحه، ويتم إعداد قائمة أولية تسمى اللائحة التجزيئية الأولية تتضمن القطع المعنية وأرقامها الترتيبية والملاك المفترضين وغيرها من المعطيات التي تسهل عملية البحث القانونية الذي سيجرى بالاستئناس بهذه القائمة. وهذه العملية تجرى تحث إشراف وبتأطير من مصلحة المسح العقاري التابعة للوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية والمسح العقاري والخرائطية.
بعد إعداد تلك القائمة وبإشراف من المحافظة العقارية يتم الشروع في إجراء البحث القانوني، والذي يجرى بعين المكان من قبل الفائز بالصفقة العمومية المكلف بإنجاز الأشغال –شركة-، بحيث يتم خلال هذه المرحلة وبالاستئناس بالقائمة التجزيئية التي تم إعدادها بإعداد مطالب التحفيظ وفق الشكل الذي حدده القانون مع إدلاء طلاب التحفيظ بالوثائق المدعمة لمطالبهم. وفي غالب الأحيان يتم إنجاز سندات الملكية في عين المكان بحضور الشهود الذين يشهدون بحيازة طالب التحفيظ المعني بصفة قانونية للملك وبتوفر الشروط القانونية للحيازة كما حددتها مدونة الحقوق العينية حتى تكون الحيازة سندا للملكية، ويصادق على توقيعات الشهود ممثل السلطة المحلية –القائد-.
الثانية فبعد إعداد مطالب التحفيظ وإرفاقها بسندات التملك التي أدلى بها طلاب التحفيظ أو تلك التي تم إعدادها في عين المكان يتم إيداع هذه المطالب لمراقبتها والتأشير عليها وكذا مراقبة اللائحة التجزيئية والمراقبة المعطيات الواردة بها وذلك من قبل مصلحة المحافظة العقارية؛ يتم إيداع هذه المطالب مجتمعة بالسجلات العقارية المعنية بحيث تدرج بصفة نظامية بالسجلات المعدة لذلك ويعطى لها رقم خاص بكل مطلب على حدة وذلك داخل أجل السنة ابتداء من تاريخ نشر القرار الوزيري القاضي بفتح منطقة التحفيظ الجماعي بالجريدة الرسمية.
يتم بعد ذلك إيداع اللائحة التجزيئية بمقر السلطة المحلية ونشر إعلان بذلك في الجريدة الرسمية، والذي يوازي في المسطرة العادية للتحفيظ نشر خلاصة المطلب بالجريدة الرسمية بعدة إيداعه. ليتم بعد ذلك الشروع في عمليات التحديد بشكل تدريجي، وذلك بقيام المهندس المساح المنتدب بإعادة معاينة الأنصاب التي سبق وضعها أثناء مرحلة البحث التجزيئي، وإعداد محضر التحديد الذي لا يعد حضور ولا توقيع طالب التحفيظ عليه أمرا ضروريا في مسطرة التحفيظ الجماعي.
أشير أن التحفيظ الجماعي هو أمر اختياري لا يجبر فيه المالك بإخضاع ملكه للتحفيظ، كما أنها مجانية.
ثانيا التحديد الإداري وهذه المسطرة تختلف النصوص المنظمة لها بحسب العقار الذي يخضع لها، أي بحسب ما إذا تعلق الأمر بأملاك الدولة العامة أو الخاصة أو الملك الغابوي أو أراضي الجموع أو غيرها.
لكن على العموم فإن تبني مسطرة التحديد الإداري كان لاعتبارات أهمها منح السلطة العامة الحق في حماية عقاراتها التي في الغالب ما تكون ذات مساحات شاسعة كالغابات ومناطق الأراضي السلالية. عموما فإنه وبعد الانتهاء من العمليات التقنية المرتبطة بتحديد الوعاء العقاري الخاضع للتحديد الإداري الذي غالبا ما يكون ذو مساحة شاسعة، يتم فتح مطلب للتحفيظ وتمر المسطرة وفق إجراءات خاصة بدون إشهار تتوج بتأسيس رسم عقاري للملك الذي سبق تحديده إداريا
ثالثا ضم الأراضي الفلاحية وذلك وفق ظهير 30 يونيو 1962 وتقوم الفكرة على ضم الأراضي الفلاحية التابعة للمنطقة الخاضعة لمسطرة الضم وجعلها قطعة أرضيو واحدة تم إعادة تقسيمها وتوزيعها علا الملاك بشكل منظم يسهل صرف المياه إليها واستغلالها بشكل أفضل، وبعد تقسيم البقع على الملاك وإعاد التصاميم العقارية الخاصة بكل بقعة يتم إعداد مطالب التحفيظ الخاصة بكل بقعة على حدة، حيث تصبح هذه الأراضي خاضعة لنظام التحفيظ العقاري. وهذه العملية تم تفعيلها في مناطق الري على الخصوص لتبقى مسطرة التحفيظ الجماعي هي الأكثر شيوعا في الوقت الحالي والتي تم اعتمادها لتعميم التحفيظ العقاري.
وفي كلتا الحالتين أي سواء كان التحفيظ عاديا أو عبر مسطرة خاصة، فإن مسطرة التحفيظ كيفما كان نوعها يبقى هدفها هو تأسيس رسم عقاري خاص يحدد هوية العقار من حيث موقعه وحدوده، ومشتملاته، والتحملات الواردة عليه، ومالكه وإعلان هذه الوضعية للعموم إما عن طريق وسائل الإشهار المقرر قانونا أثناء سريان مسطرة التحفيظ وإما عن طريق تمكين الأشخاص تحت طلبهم من هذه الوضعية – منح شواهد الملكية التي تعد كورقة تعريفية عن العقار أو الاستجابة لطلبات الاطلاع المقدمة إلى مصالح الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية لمعرفة وضعية عقار ما في إطار تقديم استشارة وفق ما يحدده القانون- وذلك تحقيقا لمبدأ الشهر العيني.
السؤال الثاني: كيف يمكن للتحفيظ العقاري أن يساهم في ضبط الوضعية القانونية للعقار وتوحيد الإطارات القانونية التي تنظم هذا الأخير
للإجابة عن هذا السؤال في شقه المتعلق بضبط الوضعية القانونية للعقار يجب أن نعرف ما هو التحفيظ انطلاقا من غايته والهدف منه. فالتحفيظ العقاري يهدف إلى جعل العقار الخاضع له يتمتع بوضعية قانونية مستقرة وواضحة ومعلنة للعموم تجعله مبدئيا بمنأى عن أي منازعة عينية مستقبلا، بحيث أن الرسم العقاري الذي يتم تأسيسه بمناسبة تحفيظ العقار يعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة التي بناء عليها تترتب باقي التصرفات اللاحقة لتأسيسه بحيث يعدم ما عداه من الرسوم والوثائق التي كانت معدة له قبل قرار التحفيظ، والرسم العقاري يصبح الوثيقة الوحيدة التي تعرف بالعقار ماديا وقانونيا. فالعقار كيفما كانت طبيعته تصبح وضعيته المادية مضبوطة من حيث موقعه ومساحته وحدوده ومشتملاته، وقانونيا من حيث مالكه الحقيقي والتحملات الواردة عليه والقيود التي تمنع التصرف إن وجدت وحتى التصرفات التي وردت عليه بشكل متسلسل زمنيا والمعترف بها قانونا والمعلنة إلى العموم منذ تأسيس الرسم العقاري.
بناء عليه فإن وضعية العقار قانونيا وحتى ماديا تصبح بعد تأسيس الرسم العقاري واضحة المعالم مما يشجع على تداوله وإدماجه كفاعل في التنمية بكافة مجالاتها.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال المتعلق بتوحيد الإطارات القانونية للعقار، دعنا نتفق أولا على أن تعدد الإطارات القانونية التي تنظم العقار ليست هي المشكل، أو أنها لا تشكل عائقا أمام المعاملات العقارية، فالإطارات القانونية العقارية هي متعددة وستبقى كذلك رغم التحفيظ، وذلك من تعدد طبيعة العقارات، فوضعية الأملاك الوقفية ليست هي وضعية أملاك الدولة الخاصة وهذه الأخيرة ليست هي الأملاك العامة للدولة وكذلك الأراضي المسترجعة لها نظامها الخاص بها وهكذا…؛ وبذلك فإن تأسيس الرسم العقاري، أو إخضاع العقار لنظام التحفيظ العقاري لا يلغي الإطار القانوني الذي يخضع له عقار ما حسب طبيعته القانونية، فالأملاك الوقفية ستبقى خاضعة لمدونة الأوقاف وكذا الأراضي المسترجع ستبقى خاضعة لظهير استرجاع الأراضي الفلاحية، والملك العام للدولة له إطاره القانوني…
لكن الإضافة أو القيمة القانونية التي يعطيها التحفيظ هو توحيد الأرضية القانونية التي ستطبق عليها هذه القوانين المختلف، فالتصرفات القانونية التي ترد على العقارات كيفما كان النظام القانوني الذي تخضع له ستمر عبر بوابة قانونية موحدة من أجل ترتيبها والاعتراف بها في مواجهة الأغيار، ويصبح الرسم العقاري المنجز على إثر عملية التحفيظ هو الوعاء القانوني الوحيد الذي تدرج فيه جميع التصرفات والتغيرات التي تطرأ على العقار وفق ضوابط قانونية حددها قانون التحفيظ العقاري وحده. ومن جهة أخرى فإن الوضعية القانونية والمادية كما سبق القول تصبح واضحة ومعلنة انطلاقا مما هو وارد بالرسم العقاري.
وفي الأخير أشير إلى أنه كيفما كانت المسطرة التي عبرها تم تحفيظ العقار فإن النتيجة القانونية واحدة والآثار القانونية التي يرتبها تأسيس رسم عقاري عن طريق مسطرة التحفيظ العادية هي نفسها التي ترتبها المساطر الخاصة للتحفيظ.
السؤال الثالث: إلى أي حد يعتبر التحفيظ آلية من آليات تثمين العقار وجعله قادرا على لعب أدوار الائتمانية والاقتصادية
بداية لسنا بحاجة إلى الإسهاب في بيان دور العقار في منظومة التنمية بشتى أنواعها باعتباره محورا استراتيجيا في كل القطاعات، فكيف يمكن إذن يمكن أن يساعد التحفيظ في إدماج العقار للقيام بدوره كما جاء في سؤالكم.
انطلاقا مما سبق أن قلت بمناسبة الحديث عن غاية التحفيظ ودوره في ضبط الوضعية القانونية والمادية للعقار، وبناء على ما يوفره العقار المحفظ من ثقة نظرا لوجود وسيلة قانونية موحدة تعرف بالعقار ماديا وقانونيا وهي الرسم العقاري، فمن الطبيعي جدا أن هذا الأمر يشجع التعامل على العقار، ويوفر الأرضية اللازمة لتيسير تداوله وتوظيفه كأداة ائتمانية بحكم وضعيته القانونية المنضبطة.
لا ننسى دورا آخر من الادوار التي يلعبها التحفيظ في هذا الباب؛ فعمليات التحفيظ والاستراتيجية التي وضعتها الدولة المتمثلة في تعميم التحفيظ العقاري والتي أعطت للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية مهمة تنفيذها من بين أهدافها الكبرى توفير قاعدة بيانات مهمة ومعطيات إحصائية كافية تحتاجها الدولة من أجل بناء تصوراتها واستراتيجياتها الاقتصادية، ووضع مخططاتها التنموية والاقتصادية التي لها علاقة بالعقار على أساسها. وفي هذه النقطة يمكن الرجوع إلى القانون 58-00 المحدث للوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية بحيث أن من بين مهامها ما ذكرت، فالعقار غير المحفظ تبقى وضعيته القانونية مبهمة ولا يشجع على تداوله. وإن كان استغلاله لا يثر إشكالا على المستوى المعيشي للأفراد في غالب الأحيان، إلا أنه بالنظر لوضعيته يصعب إدماجه كلبنة تساهم في البناء الاقتصادي الشامل.
السؤال الرابع: اعتمدت المحافظات العقارية مقاربة الخدمة عن بعد والخدمة الالكترونية، ما رأيكم في هذه التجربة وكيف يمكنها أن تساهم في تبسيط مساطر التحفيظ وتأهيل الوعاء العقاري
رقمنة الإدارة وتوظيف التكنولوجيا المعلوماتية وكذا تقنيات التواصل الحديثة في تسيير الادارة وتقديم خدماتها بما في ذلك الإدارة القضائية أيضا هذا مشروع استراتيجي كبير وشامل وضعته الدولة منذ عقود، وانخرطت فيه الإدارات العمومية. والوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية والمسح العقار والخرائطية ليست بمنأى عن هذا التوجه العام. فقد أصدرت مديرية الوكالة الوطنية أكثر من دورية ومذكرة في هذا الباب. ومنذ أكثر من عقدين عمدت المصالح الخارجية للمحافظة العقارية الأساليب الالكترونية لتدبير شؤونها الداخلية، وعمليات التضمين بسجلاتها العقارية. فأصبحت بذلك الإدارة تتوفر على قاعدة بيانات إلكترونية تتمثل في المعطيات المودعة بالسجلات العقارية وأيضا صيغ إلكترونية للرسوم العقارية التي تمسكها المحافظة.
هذا على مستوى تدبير وتصريف العمل الداخلي للإدارة، وبناء عليه وبعد التوفر على قاعدة بيانات الكترونية شاملة، فإن هذا الأمر كان بمثابة الممهد لإمكانية تقديم الخدمات بشكل الكتروني للمرتفقين، وتقديمها عن بعد. وقد بدأت التجربة بشكل ناجح على مستوى التعامل مع المهنيين الأكثر ارتباطا بالمصالح الخارجية للإدارة وهم الموثقين والعدول، بحيث تم إحداث منصة إلكترونية يمكن عبرها إيداع الوثائق والعقود عن بعد لدراستها. وبعد قبولها والتأشير عليها من قبل المحافظ على الأملاك العقارية يمكن للموثق أو العدل أداء رسوم التقييد إلكترونيا وعن بعد وذلك بعد إيداع العقد لدى المحافظة العقارية.
وبعد دخول حالة الطوارئ بمناسبة انتشار جائحة كورونا وما صاحبها من منع التنقل، فقد كانت المناسبة مواتية لتفعيل خدمة تقديم بعض الخدمات للمرتفقين عن بعد، ومنها الحصول على شواهد الملكية ونسخ التصاميم العقارية.
السؤال الخامس: أهم ما يمكن أن يقال عن التحفيظ وترون أنه سيفيد المتتبع؟
إلى جانب ما سبقت الإشارة إليه من أهمية التحفيظ ودوره في ضبط الأوضاع القانونية والمادية للعقار وغيرها من الإيجابيات، إلا أن هناك ما يمكن أن يحد من فعاليته للأسف الشديد، وهو مسألة تحيين الرسوم العقارية.
فبعد تأسيس الرسم العقاري للعقار بعد سلوك إحدى مساطر التحفيظ، فإن الوضعية القانونية للعقار نفسه ولو كان محفظا تكون قابلة للتغيير كأن يتم بناءه بعد أن كان أرضا عارية أو تفويته عن طريق البيع مثلا أو رهنه وذلك بإرادة المالك، وبالتالي فإن الوضعية القانونية تتغير؛ إلا أن الرسم العقاري يبقى على حاله مما يستدعي بالموازاة مع ذلك مبادرة المعني بالأمر إلى تقييد هذه التغيرات في الرسم العقاري حتى يبقى مواكبا للوضعية القانونية والمادية للعقار. إلا أنه في بعض الأحيان لا تتم هذه العملية بحيث تخلق لنا وضعا شادا متمثل في الاختلاف الحاصل بين ما هو في الواقع وبين ما هو مدون في الرسم العقاري. وهذا الأمر وإن كان قليلا ما يحدث إلا أنه يستدعي التدخل لإيجاد حلول تضمن تحيين الرسوم العقارية بشكل مستمر حسب ما يلحق العقار من تغييرات. كأن يعهد وبشكل إلزامي إلى الجهات المخول لها توثيق التصرفات العقارية أن تبادر إلى إيداع العقود لدى مصلحة المحافظة العقارية لتقييدها بالسجلات العقارية وعدم ترك مبادرة الإيداع هذه للأفراد وحدهم.
شكرا لكم لأستاذ جواد روكي