المسائل العارضة والمعترضة أمام القضاء الجنائي
الأصل المقرر في الإجراءات الجنائية أن القاضي الجنائي منذ اتصاله بالخصومة الجنائية بالطرق المحددة قانونا ، ينعقد له الاختصاص في الفصل فيها وتسيير اجراءاتها وفق قواعد المسطرة المؤطرة لصلاحياته و سلطاته .
لكن كثيرا ما تعرض أمام القضاء الجنائي بعض المسائل البعيدة عن اختصاصه الأصلي، يكون الفصل فيها ضروريا ، حتى يفصل في المسألة الجنائية الداخلة في اختصاصه [1]، هذه المسائل التي تقف في سبيل الدعوى الجنائية المطروحة عليه للفصل فيها، توجب معرفة حكم القانون فيها حتى يكون بمقدوره ان يقيم قضاءه عليه[2] .
و إذا كان الأصل كما سبق هو اختصاص القضاء الجنائي بالفصل في جميع المنازعات و الجرائم، و كذا الفصل في المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها- ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك- استنادا لقاعدة قاضي الدعوى هو قاضي الدفع[3] ، فإن هناك مسائل لا تكون معروضة عليه بصفة أصلية ، مما يطرح معه التساؤل حول أحقيته بوقف الدعوى الجنائية إلى أن يصدر الحكم في المسائل الفرعية ، أم أنه ينعقد له الاختصاص للتصدي لها ؟
بتأمل هذه المسائل- التي لا تكون معروضة عليه بصفة أصلية – نجدها إما تشكل ركنا في الجريمة محل المتابعة أو عنصرا من عناصر قيامها ، و الحسم فيها على نحو معين هو قول بتوافر أو انتفاء أركان الجريمة ، مع ما يستتبعه ذلك من إدانة أو براءة[4] .
هذه المسائل العارضة أو المعترضة تصنف ضمن الدفوع التي تتميز بنوع من الخصوصية ، مقارنة بباقي الدفوع التي تثار أمام القضاء الجنائي ، و التي يمكن تعريفها[5] بأنها تلك المسائل التي تطرح بصفة عرضية امام القاضي الجنائي لها ارتباط بعناصر الجريمة و ثبوتها من ثبوت هذه الأخيرة .
هذه المسائل لا تخرج على نوعين : مسائل معترضة ، و هي تلك المنازعات التي يرجع أمر البت فيها إلى محكمة أو جهة أخرى غير المحكمة التي أثيرت القضية أمامها[6] ، أو مسائل عارضة يرجع اختصاص البت فيها للمحكمة ذاتها مراعية شروط ذلك – البت- تطبيقا لقاعدة قاضي الدعوى هو قاضي الدفع .
إن مقاربة موضوع البحث ستنطلق من خلال تسليط الضوء على خصوصية الدفع بالمسائل العارضة والمعترضة ( مبحث أول) ، ثم الحديث عن سلطة القضاء في الفصل فيها (مبحث ثاني).
المبحث الأول : خصوصية الدفع بالمسائل العارضة والمعترضة
إن أي تناول لكيفية تعامل المحكمة مع الدفوع يتوقف أساسا على تحديد طبيعتها، فعدم ضبط مسطرة الدفوع في المسائل الجنائية و عدم التعمق في إجراءاتها و آثارها الحاسمة ينعكس بصورة مباشرة على الممارسة القضائية ،فتجد الدفاع يخلط أحيانا في مرافعاته بين الدفوع الشكلية و الموضوعية و بينها و بين المسائل العارضة[7] و المعترضة، هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، لذلك كان لزاما التطرق إلى خصوصية الدفوع محل البحث ، سواء فيما يرتبط بتعلقها بعناصر قيام الجريمة و أركانها( المطلب الأول)، أو ما يرتبط بقانون إثباتها (المطلب الثاني).
المطلب الأول : المسائل العارضة و المعترضة خيط رفيع بين الإدانة و البراءة
يعتبر الدفع بالمسائل العارضة و المعترضة حدا فاصلا بين البراءة و الإدانة من خلال كون هذه المسائل تتعلق بعناصر قيام الجريمة الأصلية محل المتابعة الجنائية ، و الفصل فيها من الفصل في هذه الأخيرة [8]، و يمثل الفقه المغربي[9] لأهم تطبيقاتها بالدفوع المتعلقة بالحقوق العينية العقارية ، كأن يتابع شخص بجنحة الاعتداء على حيازة عقار طبقا للفصل 570 من القانون الجنائي ، فيدفع بأنه المالك لهذا للعقار … ، و هو الرأي الذي لا نعتقد بصوابيته إذ أن الحيازة المشمولة بالحماية الجنائية حسب الفصل 570 ق.ج موفرة للحائز الفعلي للعقار سواء كان مالكا أو غير مالك للعقار[10]، إذ يتصور متابعة حتى المالك الفعلي للعقار إذا اعتدى على حيازة الغير بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفصل السابق ، فإذا كان التشريع المدني يحمي الحيازة العقارية لذاتها ، أو لما لها من أثر على الملكية العقارية، فإن التشريع الجنائي يحميها للحفاظ على النظام العام[11] .
و حتى لا أسترسل في مجال أخر قد يقتضي مغايرة مقاصد الموضوع ، أشير إلى أن القانون الجنائي من مهامه حماية المصالح الاجتماعية حتى و إن وفرت لها قوانين أخرى هذه الحماية ( القانون المدني- الأسري – الإداري …)، حيث تكون هذه المصالح مسائل معترضة لابد منها للقول بقيام الجريمة، إذا ما كانت هناك مخالفة لشروط القواعد القانونية التي تنتمي إليها تلك المصالح [12].
إذ يفرز الواقع العديد من صور الأفعال التي تأخذ على مستوى الظاهر شكل الجريمة بالرغم من انتفاء الصفة الجرمية عليها لسبب واقعي ( أسباب التبرير المنصوص عليها في الفصل 124 و 125 من ق.ج ) ، أو لسبب قانوني يخرج الفعل من دائرة التجريم كلما تأكدت من تحقق قيام ظروفه الهيئة المكلفة بتطبيق التشريع الجنائي ، و هو ما يجعل الجريمة حسب بعض الفقه[13] منعدمة بتحقق هذا السبب الثاني الأمر الذي يستدعي تقرير البراءة كأثر قانوني لهذه الاباحة .
فقد تتطلب الجريمة وجود وضعية قانونية معينة محمية قانونا قبل أن تقع الجريمة التي تمثل اعتداء عليها ، هذه الوضعية حسب بعض الفقه[14] تسمى الشرط المفترض ،أي الشرط الذي يفترض وجوده قبل وقوع الجريمة ، و هو شرط يختلف عن الركن المادي للجريمة ، كتوافر عقد الأمانة في جريمة خيانة الأمانة ( الفصل 547 ق.ج )، و توافر صفة الموظف العام لقيام بعض الجرائم المخلة بالثقة العامة كجريمة الرشوة ( الفصل 248 ق.ج )، أو توافر صفة الزوجية لانتفاء جريمة الفساد ( الفصل 490 ق.ج )، و هكذا جاء في حكم[15] للمحكمة الابتدائية ببني ملال ” و حيث أن النازلة المعروضة علنيا لا تتعلق قطعا بجنحة الفساد التي ينص عليها الفصل 490 من ق.ج ، بل تتعلق بعلاقة زواج مشروعة اشتهرت و بوضوح أمام العموم…“
و في حكم[16] أخر للمحكمة الابتدائية ببركان جاء فيه ” … و حيث بالنظر لطبيعة عقد الكراء فإن أداء المشتكي لواجبات الكراء لا يشكل منه تسبيقا للظنين لتنفيذ العقد ، بل هو تنفيذ من جانبه الالتزام الواقع عليه بأداء أجرة الكراء دوريا.
و حيث إن عدم تنفيذ الظنين لالتزامه الذي يفرضه عليه عقد الكراء و هو تمكين المكتري (المشتكي ) من الانتفاع بالعين المكتراة في مقابل وفاء هذا الأخير بالتزامه لا يشكل عناصر الجنحة أعلاه …“
فمفترضات الجريمة كيفما كان وصفها تتفق جميعا على دخولها في تكوين الجريمة أو اتصالها بمكوناتها ، فهي سابقة في الوجود على النشاط الاجرامي المكون للجريمة ، و هذا يتطلب توافرها لحظة ارتكاب الجريمة ، و يترتب على تخلفها عدم جواز إدراج الواقعة تحت وصف تجريمي ، و من ثم براءة المتهم مما نسب إليه من تهم[17] .
المطلب الثاني : خصوصية إثبات المسائل المعترضة و العارضة
يضع نظام الاثبات الذي يحده القانون القواعد اللازمة لقيادة القاضي إلى حقيقة الوقائع المتابع عنها المتهم ، و بالتالي الرد على السؤال الرئيسي حول مدى إسناد التهمة إليه ، أو قيام الجريمة من أساسها، هذه القواعد التي تشكل في مجملها نظام الاثبات تتعلق بمقبولية كل دليل من الأدلة و قيمتها الثبوتية ، وبالتالي يشكل هذا النظام مقياسا يستخدمه القاضي لموازنة مختلف الأدلة المدلى بها لإثبات الحقيقة حول وقائع المحاكمة على وجه اليقين[18] .
و إذا كان الاقتناع القضائي هو المبدأ الذي يحكم سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة ، و يعطيه الحرية في تقدير قيمة كل الدليل طبقا لقناعته الشخصية و أن يستقي قناعته من كل دليل أطمئن إليه[19] أو أن يطرح في حالة عدم الاقتناع ، فإن المشرع يعطل هذا المبدأ في بعض الحالات عندما يفرض فيها الاثبات بوسائل معينة[20]، مادام أن الأصل فيه – مبدأ حرية الاثبات- أن ينصب على أركان الجريمة لا شروطها المفترضة[21] .
جاء في قرار[22] للمجلس الأعلى سابقا( محكمة النقض حاليا)”… حيث إن الاثبات في الميدان الزجري ممكن بجميع الوسائل المنصوص عليها قانونا عملا بالمادة 286 ق.م.ج ، و القرار المطعون فيه المؤيد مبدئيا للحكم الابتدائي لما اعتمد شهادة الشهود لإثبات المبلغ الذي تسلمه الطاعن من المطلوب لم يخرق مقتضيات المادة 288 ق.م.ج المحتج بها باعتبار أن ذلك المبلغ المطلوب لا يتعلق بمديونية حتى يمكن إثباته كتابة وفقا للفصل 443 من ق.ل.ع و إنما يتعلق بالمبلغ المسلوب من المطلوب جراء جريمة النصب و الاحتيال التي مارسها ضد الطاعن و الثابتة في حقه طبقا للدعوى العمومية…“
و هكذا نجد المشرع ينص في المادة 288 من ق.م.ج على أنه ” إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة ، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة “.
و قبل التطرق لتحليل مقتضيات المادة أعلاه ينبغي الإشارة إلى مسألة مهمة تتعلق بعبء إثبات هذه المسائل أو الوقائع المبيحة للفعل و التي يتحملها المتهم و تعفى النيابة العامة من إقامة الدليل عليها ، فتتبع المحاكم الجنائية في المسائل غير الجنائية التي تفصل فيها تبعا للدعوى العمومية طرق الإثبات الخاصة بتلك المسائل ، هو مبدأ استقر عليه القضاء منذ زمن ، هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، و يرجع أساسه إلى خضوع هذه المسائل إلى قانون واحد في إثباتها مهما تنوع القضاء الذي ينظرها حتى لا يتخذ البعض من القضاء الجنائي ذريعة للتهرب من قواعد الاثبات[23] المعمول بها من طرف المحاكم المدنية المعتمدة على الاثبات المقيد و الاستفادة من الاثبات الحر المعمول به في النطاق الجنائي .
كما أنه من المعروف أن المسائل المدنية تحكمها قاعدة البينة على المدعي ، و أن المدعى عليه يصبح مدعيا عند الدفع ، فيكون على المتهم إذن عبئ إثبات ما يدعيه من وقائع مدنية تشكل عنصرا لازما لقيام الجريمة[24] .
فهذه المسائل المعترضة هي أمر مشروع سابق عن الفعل المكون للجريمة ( الركن المادي)، مما جعلها تخضع لقواعد إثبات تتعلق بالموضوع ، تتميز عن قواعد إثبات الجريمة لتعلقها بمحكمة الموضوع [25].
إذا فكلما كانت الجرائم تتصل بها مسائل مدنية أو شرعية… ، و كانت تخضع هذه الأخيرة بطبيعتها لغير القانون الجنائي ، فإن إثبات هذه المسائل لا يتم وفقا لمبدأ القناعة الوجدانية للقاضي ، بل تتقيد المحكمة بقواعد الاثبات الخاصة بها ، فإذا كان النزاع يقوم على عقد مدني، و جب اتباع قواعد الاثبات الخاصة بها[26].
فمثلا لقيام جريمة عدم تنفيذ عقد ( الفصل 551 ق.ج) يشترط في العقد موضوع هذه الجريمة أن يكون صحيحا ، لأن المشرع عند تناوله لواقعة عدم تنفيذ عقد فإنه بطبيعة الحال كان قاصدا العقد الصحيح ، و هو ما يوجب على المحكمة التحقق من سلامته من شائبة البطلان كما هي منظمة وفق مقتضيات ظهير الالتزامات و العقود[27] ، أو إثبات العقد كتابة إذا تجاوز مبلغ معين أو تعلق بمحل معين ( الفصلين 443 و 489 ق.ل.ع)
جاء في قرار[28] للمجلس الأعلى سابقا( محكمة النقض حاليا) ” … و حيث عملا بمقتضيات المادة 288 ق.م.ج فإنه إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني فإن المحكمة تراعي ذلك .و طبقا للفصل 489 ق.ل.ع فإن بيع العقار لا ينعقد إلا كتابة.
و حيث أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بإدانة الطاعن من أجل جنحة عدم تنفيذ عقد المتعلق ببيع دار دون أن تتحقق من وجود عقد البيع طبقا للفصل 489 ق.ل.ع المذكور تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا يوازي انعدامه و يعرضه للنقض…“
كما أنه يمتنع على القاضي الجنائي تجزئة الاعتراف إذا كان موضوعه مسألة مدنية[29]، إذ ينبغي الرجوع بشأنه إلى ما يقرره الفصل 414 من ق.ل.ع ، فإذا أقر الشخص المتابع بجريمة خيانة الأمانة بأنه تسلم الوديعة من صاحبها وردها له حين مطالبته بها ، فلا يجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تقوم بتجزئة الاعتراف ( الاقرار) على صاحبه و استخلاص قيام التسلم دون واقعة الرد .
المبحث الثاني : سلطة القضاء الجنائي في الفصل في الدفوع العارضة و المعترضة
تهدف وسائل الدفاع عموما إلى تفادي الحكم بما يدعيه الخصم ، و من أهم هذه الدفوع التي قد يبديها المتهم ، الدفع بالمسائل العارضة أو المعترضة ، هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، إلا أن هذا النوع من الدفوع لازال يعرف نوعا من التضارب النظري الناتج عن عدم الفهم السليم لطبيعته و معناه[30] ، مما ينعكس سلبا على التطبيق السليم لشروط إبدائه و إثارته و اجراءاته ، لذا كان لزاما التطرق لحدود اختصاص القضاء الجنائي للبت فيه ( مطلب أول)، و عن حجية الحكم الصادر فيه- أي الدفع- ( مطلب ثاني).
المطلب الأول : حدود اختصاص القضاء الجنائي في الفصل في الدفوع العارضة و المعترضة
تعتبر الدفوع العارضة و المعترضة دفوعا من نوع خاص، تختلف عن باقي الدفوع سواء من حيث شروطها ، أو تعامل القضاء معها، و بالرغم من اشتراك هذه الدفوع – العارضة و المعترضة- في بعض الجوانب التي سبق و أوضحناها ،فإنها تختلف في بعضها الأخر ، خصوصا فيما يرتبط بسلطة المحكمة بالبت فيها .
فالمسائل معترضة هي تلك المنازعات التي يرجع أمر البت فيها إلى محكمة أو جهة أخرى غير المحكمة التي أثيرت القضية أمامها[31] ، أما المسائل العارضة فيرجع اختصاص البت فيها للمحكمة ذاتها مراعية شروط ذلك – البت- تطبيقا لقاعدة قاضي الدعوى هو قاضي الدفع.
إذا فالمسائل العارضة هي أحد تطبيقات مبدأ قاضي ” الأصل هو قاضي الفرع “، التي أمد فيها المشرع القاضي و هو يفصل في الدعوى العمومية بسلطة واسعة تمكنه من كشف الواقعة على حقيقتها ،و من ثم كان له الفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية[32] .
لهذا نصت الفقرة الأولى من المادة 258 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” تختص المحكمة المحالة عليها الدعوى العمومية بالبت في كل دفع يثيره المتهم للدفاع عن نفسه “. و الحكمة من هذه القاعدة حسب بعض الفقه[33]، أنه ليس هناك أي معنى لتعطيل الفصل في الدعاوى الجنائية ، انتظار لحكم يصدر في مسائل لا تدخل في اختصاصه، خاصة و انه يمكن لجميع الغرف أن تبحث و تحكم في جميع القضايا إلى ما استثني بنص ( الفصل 2 من ظهير التنظيم القضائي)، زيادة على ارتباط هذه الدفوع بتوافر عناصر و أركان الجريمة ، و لاشك أن القاضي الجنائي هو صاحب الاختصاص الاصيل في تحري جميع اركان الجريمة و عناصرها ، و النظر في مختلف الدفوع المثارة بشأنها[34] .
فهكذا يختص القاضي الجنائي بالفصل في المسائل العارضة -ولو كانت حسب الأصل لا تدخل في اختصاصه- ، مثل الدفع بملكية الشيء المنقول في جريمة السرقة ، و الدفع بعدم توفر أحد عقود الأمانة في جريمة خيانة الأمانة ، ففي هذه الأمثلة يطبق القاضي الجنائي القوانين غير الجنائية التي تحكم هذه المسائل[35] و الدفوع .
و هو نفس الموقف الذي أعاد المشرع تبنيه في المادة 44 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية بنصه على “ … للجهات القضائية الزجرية كامل الولاية لتقدير شرعية أي قرار إداري وقع التمسك به أمامها سواء باعتباره أساسا للمتابعة أو باعتباره وسيلة من وسائل الدفاع “
فإذا كان المشرع يعاقب بموجب نصوص خاصة على مخالفة القرارات التنظيمية الصادرة عن السلطة الإدارية ، فإن مشروعية القرار الإداري يشكل مفترضا لازما لقيام هذه الجرائم ، و بالتالي لا يمكن معاقبة شخص خالف قرار إداري غير مشروع، هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، و هو ما حدا بالمشرع المغربي لمنح الاختصاص للقضاء الجنائي في فحص مشروعية القرار الإداري حالة الدفع به أمامه ، مادام عنصر مشروعية القرار عنصر من عناصر جريمة مخالفة القرارات الإدارية[36].
و مع ذلك تجدر الإشارة إلى أن رقابة القاضي الجنائي على مشروعية القرارات الإدارية تبقى رقابة امتناع لا رقابة إلغاء، فمهمته تقتصر على معاينة العيب الذي يشوب القرار و فحصه في الحدود اللازمة للفصل في الدعوى المعروضة أمامه ، و لا يتعدى اختصاصه إلغاء القرار[37] مادام أن ذلك يبقى اختصاص أصيل للمحاكم الإدارية .
وعلى العكس مما سبق يوقف القاضي الجنائي الفصل في الخصومة الجنائية كلما أثيرت أمامه دفوع أو ومسائل معترضة ، و بما لهذه الأخيرة من أهمية توجب إيقاف النظر في الدعوى لحين الفصل فيها من الجهة القضائية المختصة ، ارتأيت الوقوف عندها بشيء من التفصيل، من خلال تناول شروط إبداء الدفع ، و سلطة المحكمة في الاستجابة له .
– ففيما يتعلق بشروط الدفع بالمسائل المعترضة لا بد من إبداء بعض الملاحظات :
1 وجوب إثارة هذا الدفع قبل كل دفاع في الجوهر، إذ يجد هذا الدفع أساسه القانوني في المادة 323 من ق.م.ج التي تنص على أنه ” يجب تحت طائلة السقوط أن تقدم قبل كل دفاع في الجوهر ، و دفعة واحدة، طلبات الاحالة بسبب عدم الاختصاص- مالم تكن بسبب نوع الجريمة- و أنواع الدفع المترتبة إما عن بطلان الاستدعاء أو بطلان المسطرة المجراة سابقا ، و كذا المسائل المتعين فصلها أوليا … “، فالنص واضح في وجوب إثارة الدفع قبل أي دفاع في جوهر الدعوى ، أي قبل استنطاق المتهم في خصوص التهمة الموجهة إليه.
فتقرير مثل هذا الشرط الاجرائي ، يتضمن التعبير عن الزمن الذي يجب أن يبدى فيه هذا الدفع أمام محكمة الموضوع ، بعد أن تقرر هذه الأخيرة فتح باب المرافعة[38] و قبل البدء في دراسة القضية التي تتحقق باستنطاق المتهم بخصوص التهمة أو التهم الموجهة إليه[39]، أي وجوب إثارة هذا الدفع بعد تحقق القاضي من هوية المتهم و قبل مباشرة الاستجواب في الموضوع تحت طائلة عدم القبول شكلا[40].
لكن متى تحقق للمتهم مركز قانوني جديد أو ظهرت مستندات جديدة لم تكن بحوزته قبل بدء دراسة القضية ، و كان من شأنها تحسين مركزه على نحو أفضل ، جاز له طلب إعادة فتح باب المرافعة من محكمة الموضوع ملتزما بإظهار السبب الجوهري لهذا الطلب الذي من شأنه تحسين مركزه و إلا كان طلبه غير منتج لأي أثر ، و للمحكمة مطلق السلطة التقديرية في التثبت من جدية الطلب [41].
2 تعلق الدفع بأركان الجريمة ، يستفاد هذا الأمر من خلال الفقرة الثالثة من المادة 258 ق.م.ج التي نصت على أنه ” لا يقبل أي دفع في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة إلا إذا كان مبررا بوقائع أو مستندات تدعم ادعاءات المتهم، و كان الدفع المثار من شأنه أن يجرد الفعل المرتكز عليه في المتابعة من طابع المخالفة للقانون الجنائي …”
فكما هو واضح فإن ما يستفاد من هذه العبارة الواردة في المادة أعلاه ، هو أن المشرع قصد وجوبية تعلق هذا الدفع بأركان الجريمة خاصة فيما يتعلق بالشرط المفترض ، الذي يعتبر شرط مسبق لقيام الجريمة ، حيث لا يمكن اعتبار حكم المحكمة باطلا في حالة عدم الفصل في هذا الدفع ، كلما تبين أن الدفع بالمسالة العارضة ليس من شأنه أن يزيل وصف التجريم عن الفعل الأصلي محل المتابعة الجنائية[42] .
فإذا ما توبع شخص مثلا بجريمة إهمال أسرة ( للفصل 479 ق.ج ) ، و دفع أمام قضاء الموضوع بإيقاف الخصومة الجنائية لحين الفصل في دعوى الطلاق المرفوعة أمام قسم قضاء الأسرة، فلاشك أن طلبه سيكون حليفه الرفض ، لكون رابطة الزوجية ليس من شأنها إزالة صفة التجريم عن الفعل موضوع المتابعة الجنائية …، لكن إذا توبع مثلا شخص معين بجريمة الفساد ( الفصل 490 ق.ج) فإن دفعه بوجود الرابطة الزوجية مع الطرف الأخر، هو دفع من شأنه أن يزيل صفة التجريم عن الفعل موضوع المتابعة و يلزم المحكمة بإيقاف البت في الدعوى الجنائية لحين الفصل في الدفع من الجهة القضائية المختصة. على اعتبار أن تعامل القضاء – المقصود قسم قضاء الأسرة- مع مسألة الزوجية ، سيكون من باب أن أحكامه كاشفة لهذه الرابطة و ليس منشئة لها ، فهي لا تعمل إلا على إماطة اللثام عنها[43] .لكن ماذا عن الدفع بوجود علاقة خطبة ترتب عنها حمل كما يقع غالبا في العمل ؟ هل من شأنه إزالة صفة التجريم حتى يتم الاستجابة له ؟
حسب أحد الباحثين[44] فإن هذا الدفع قد يبدو غير جدير بالاعتبار على أساس أن المادة 156 التي يمكن الاستناد إليها ،هي إطار لإثبات النسب و ليس لإضفاء المشروعية على علاقة الخطيبين، غير أن جدية الدفع حسبه تجد سندها في قاعدة فقهية اصيلة مفادها أنه ” لا يجتمع حد و نسب ” أي أنه لا يمكن توقيع حد الزنى و إلحاق النسب بالزاني في نفس الوقت .
فإذا كان المبدأ أن الشرع متشوف للحوق النسب بإقامته على أضعف الاحتمالات ، هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، فإنه لا ينبغي الركون إلى الخطبة وحدها لترتيب أثر من آثار الزواج و هو حل استمتاع الزوجين ببعضهما البعض ، فإن حصل الاتصال فلا يعدو أن يكون ضربا من ضروب الزنا الذي يطاله التجريم[45] ، و الزنا جريمة و نقمة و النسب فضل و نعمة ، و النقمة لا يترتب عليها نعمة و لا توجبها أبدا ، و لا ينال بالمحظور،[46] فبقدر ما ينبغي الاحتياط قدر الامكان للحيلولة دون حرمان أي مولود من نسبه ، فإنه كذلك ينبغي الاحتياط و بنفس القدر لعدم هدم الفاصل بين المشروع و غير المشروع من المعاشرة الجنسية بين الرجل و المرأة و الخلط بين صحيح النسب و باطله[47] .
فالمحكمة الجنحية تكون في موقف صعب ، إذ حسب البعض[48] فإنها – المحكمة الجنحية- لا تسلم بكون الدفع المذكور يتعلق بإثبات النسب و لا تأثير له على تكييف العلاقة الرابطة بين المتابعين أمامها بجنحة الفساد ، لتعارض مثل هذا الموقف من جهة مع قاعدة “لا يجتمع حد و نسب ” ، و من جهة أخرى لكون الحكم الجنحي الصادر بالإدانة سيقف حجر عثرة دون لحوق الحمل بالخاطب عند إقامة الدعوى أمام قضاء الأسرة ، إذا تمسك به صاحب المصلحة ، إذ قد تجد هذه الأخيرة نفسها مقيدة بالحكم الجنحي الصادر في الموضوع .
مسألة أخرى تقع في العمل و هي أن يتابع شخص بالجنحة المنصوص عليها في الفصل 570 من ق.ج (انتزاع حيازة عقار) ،فيدفع بكونه المالك للعقار ، فهل يكون هذا الدفع من شأنه ان يزيل صفة التجريم ، أو بمعنى أخر هل يكون دفعه متعلقا بمفترض لقيام الجريمة ؟
إن دعوى الاستحقاق لا توقف دعوى انتزاع حيازة العقار المنصوص عليها في الفصل السابق فموضوع الدعويين مختلف ، فإذا كانت الأولى تحمي الحيازة القانونية أي الملكية ، فإن الثانية تحمي الحيازة المادية ، فلو افترضنا أن المحكمة الزجرية أوقفت البت إلى حين الفصل في دعوى الاستحقاق و تبتث الملكية فعلا للمتهم ، فإنها ستدينه متى تبث لها أن الطرف الأخر يحوز نفس العقار[49] ، لذلك فإن ما يذهب إليه بعض من تفسير عبارة “إذا تعلق الأمر بحق عيني عقاري.. “الواردة في المادة 258من ق.م.ج و تعلقها بالفصل 570 ق.ج لا سند له من القانون .
أما ما يتعلق بسلطة المحكمة بالاستجابة للدفع ، فإن إثارة أحد الخصوم دفعا بإثبات مسألة معترضة ، يجعل المحكمة تقدر جدية هذا الدفع و ما إذا كان يستوجب وقف الدعوى الجنائية أم عدم جديته مع ما يترتب عن ذلك من متابعة النظر في التهمة ، هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، إذ كلما ظهر للمحكمة أن الدفع لم يقصد به سوى عرقلة السير العادي للدعوى و تأخير الفصل فيها كان لها أن ترفضه [50]، فجدية الدفع مستمدة من خلال الفقرة الثالثة من المادة 258 ق.م.ج التي نصت على أنه ” لا يقبل أي دفع في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة إلا إذا كان مبررا بوقائع أو مستندات تدعم ادعاءات المتهم…”.
غير أنه كلما تبدى للقاضي الجنائي جدية الدفع و ظهر له أنه من المستحيل الفصل في الدعوى العمومية دون أن تقول الجهات القضائية كلمتها في النزاع ، فإنه يوقف الدعوى العمومية و يمنح للمتهم أجلا محددة تحت طائلة صرف النظر عن الدفع ،و القضاء في الدعوى حسب الأدلة و الوقائع القائمة ،و إلا كان في مقدور المتهم أن يعطل الفصل في الدعوى العمومية بعدم رفع الدعوى إلى جهة الاختصاص[51]، و هو ما ينم عن عدم جدية دفعه الذي سبق أن تقدم به .
و في هذا نصت الفقرتان الثالثة و الرابعة من المادة 258 ق.م.ج على أنه ” …و في حالة قبول الدفع تحدد المحكمة أجلا قصير يتعين على المتهم أثناءه أن يرفع دعواه إلى المحكمة المختصة.
إذا لم ترفع الدعوى في الأجل المحدد، و لم يدل المتهم بما يثبت مباشرته للإجراءات المتعلقة بها ، تعرض المحكمة عن دفعه و تواصل النظر في القضية“.
فكلما قررت المحكمة الجنائية وقف الخصومة و رفعت الدعوى بالمسائل المعترضة إلى جهة الاختصاص ، و جب عليها أن تنتظر الفصل فيها ، و لا يجوز لها العدول عن قرار الايقاف ، فالمبرر الوحيد لهذا العدول هو عدم رفع الدعوى في الموعد الذي حددته المحكمة[52] .
لكن ما طبيعة الحكم الصادر بإيقاف الدعوى العمومية؟ أو كيف توقف المحكمة البت في القضية ؟
بالرغم من أن القواعد العامة للمسطرة الجنائية تقر مبدأ عدم جواز وقف سير الدعوى العمومية لما فيه من مساس بمبادئ المحاكمة العادلة[53] و أهمها البت في أجل معقول ، فإن المشرع يورد بعض الاستثناءات التي يكون بموجبها للمحكمة المعروضة عليها القضية إرجاء الفصل فيها بمناسبة إثارة الدفوع المعترضة وفق ما سبق بيانه، لكن ما شكل هذا الايقاف ، هل يكون بمقتضى أمر ولائي تصدره المحكمة الزجرية؟ أم تكتفي بتأخير القضية لحين صيرورة الحكم البات في الدفع من الجهة المختصة نهائيا ؟
يذهب بعض فقه القضاء[54] إلى أن المحكمة و من أجل حسن سير العدالة يكون من الأفضل لها أن ترجئ البت في القضية عن طريق إصدار أمر ولائي بإيقاف البت في القضية لحين توصلها بمآل الدعوى المنظورة أمام القضاء المختص بالفصل في المسألة المعترضة ، و يورد لذلك مجموعة من الاعتبارات ، منها ما يتعلق بكون التأخير لا فائدة فيه مادام سببه معلوم خصوصا أنه يكون صادرا عن المحكمة التي تتولى الفصل في الدعوى العمومية ، و منها ما يرتبط المبدأ الدستوري القاضي بالبت في أجل معقول و أن من شأن إصدار أمر ولائي تحديد مراكز الأطراف و لو مؤقتا ، و منها ما يرتبط بأحكام التقادم ، مادام سبب الايقاف يجد سنده في القانون و هو ما يجعل سريان التقادم يكتمل من تاريخ النظر في الدعوى العمومية من جديد .
المطلب الثاني: حجية الحكم الصادر في الدفع أمام القضاء الجنائي
الأصل حسب علم الاجراءات المسطرية تطبيق قاعدة الجنائي يعقل المدني، إذ يتعين على القاضي المدني ايقاف النظر في الدعوى المرفوعة إليه إلى حين الفصل من طرف المحكمة الزجرية بحكم نهائي في الدعوى العمومية الرائجة أمامها[55] .و وجود هذه القاعدة لم يكن إلا لتمتيع الطرف المدعى عليه في الدعويين بحقه كاملا في الدفاع غير منقوص أو على الأقل التشويش عليه[56].
و بما أن المشرع نص في المادة 288 من ق.م.ج على أنه ” إذا كان ثبوت الجريمة يتوقف على دليل تسري عليه أحكام القانون المدني أو أحكام خاصة ، تراعي المحكمة في ذلك الأحكام المذكورة “. فإنه قد تصدر عن القاضي الجنائي أحكام فاصلة في مسائل عارضة تنتمي إلى قوانين أخرى ( مدنية، تجارية، إدارية…) مما يطرح التساؤل حول حجية الأحكام الصادرة في هذه المسائل أمام القضاء المختص بها[57] في الأصل ؟
كما أن المشرع نص في الفقرة الثانية من المادة 258 من ق.م.ج على أنه ” …غير أن المحكمة المذكورة لا تكون مختصة بالبت في الدفع الذي يثيره المتهم للدفاع عم نفسه ، إذا قرر القانون خلاف ذلك أو إذا تعلق الأمر بحق عيني عقاري.. ” و هو ما يطرح التساؤل كذلك عن حجية الأحكام الصادرة عن القضاء غير الجنائي بخصوص المسائل المعترضة أمام هذا الأخير ؟
فبالنسبة للنقطة الأولى المتعلقة بالفصل في المسائل العارضة التي لا تدخل حسب الأصل في اختصاص القضاء الجنائي ، و لكن مع ذلك أقر له المشرع سلطة الفصل فيها مادام ذلك ضروري ولازم للفصل في الدعوى ،فإن مسألة حجية الحكم في هذه المسائل أمام القضاء المختص بها عرف اختلافا على مستوى الفقه خاصة و أن نصوص المسطرة الجنائية لا تسعف في ايجاد الجواب .
لقد انطلق جانب من الفقه لرفض مد حجية الحكم الجنائي الفاصل في المسائل العارضة أمام القضاء المختص بها في الأصل ،و التي يكون الفصل فيها لازما للفصل في التهمة ، من فكرة الاختصاص ، مادام أن القاضي الجنائي غير مختص بها في الأصل ،أو أنه لا ينظر فيها إلا بصفة تبعية، في حين عضض بعض الفقه هذا الطرح بعدم مد هذه الحجية إلا إذا اتبعت طرق الإثبات المقررة في القانون الذي يحكم هذه المسائل [58].
أما الاتجاه الفقهي الثاني[59] – الذي نؤيده – فهو يرى أن الحكم الجنائي يحوز الحجية أمام القضاء المدني بخصوص المسائل العارضة التي فصل فيها ، إلا إذا كان القانون يوجب على القاضي الجنائي إيقاف الفصل في الدعوى و إحالة القضية إلى جهة الاختصاص-و إن كانت هذه الحالة حسب فهمنا تدخل في نطاق المسائل المعترضة و ليس العارضة-
و هكذا حسب بعض فقه القضاء[60] فما يقرره الحكم الجنائي بصدد تكييف المسائل العارضة يعد بيانا ضروريا لقيام الحكم الجنائي و بالتالي ملزما للقاضي المدني و لو تعلق الأمر بتكييف عقد مدني مثلا إذا كانت الجريمة لا تتوفر إلا إذا اتصف العقد بوصف معين، هذا المقال منشور على موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، فإذا قالت المحكمة الجنائية كلمتها في العقد المدني و أسست حكمها عليه، فيلزم عدم العودة لمناقشة هذا التكييف وإلا كان هناك إخلال بحجية الحكم الجنائي، و إلا ما معنى أن يلزم المشرع القاضي الجنائي بإتباع طرق الإثبات الخاصة بهذه المسائل إذا كان سيهدر حجيتها أمام القضاء المختص بها في الأصل .
أما بخصوص التساؤل الثاني و المتعلق بحجية الأحكام الصادرة عن القضاء غير الجنائي بخصوص المسائل المعترضة أمام هذا الأخير، فإن بعض الفقه المصري[61] اعتبر أن المسائل المعترضة التي فصل فيها القضاء المختص تحوز الحجية أما القضاء الجنائي بصدد هذه المسائل، انطلاقا من فكرة أن الحكم الصادر عن القضاء المختص يحوز الحجية و يشكل قرينة قانونية قاطعة لا تقبل الدليل المعاكس، و بالتالي فمتى انصب الحكم -المدني على سبيل المثال- على مسألة معترضة مدنية ، إلا وحاز الحجية أمام القضاء الجنائي باعتبار أن هذه الحجية تشكل قاعدة من قواعد الإثبات المدنية .
كانت هذه إذن إشارة إلى بعض الأحكام المتعلقة بالمسائل العارضة و المعترضة أمام القضاء الجنائي و التي تثير مشاكل لا يمكن حلها بيسر سواء في جانبها النظري أو تطبيقاها العملية و هو ما يفرز قلة الدراسات التي تناولتها و الغموض الذي يعتريها الأمر الذي كان له انعكاس أيضا على مستوى تعامل الدفاع و القضاء معها .
الإحالات
[1] أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية، الكتاب الأول، دار النهضة العربية، الطبعة العاشرة، 2016 ص 1267
[2] حسن صادق المرصفاوي: المرصفاوي في أصول الاجراءات الجنائية، الجزء الثاني، منشأة المعارف الاسكندرية ص 534
[3] رؤوف عبيد: المشكلات العملية الهامة في الاجراءات الجنائية، الجزء الأول-الكتاب2 ، دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة 1980 ص 443
[4] محمد عبد الحميد مكي: المسائل الأولية غير الجنائية التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية -دراسة مقارنة ، دار جامعة نايف للنشر – الرياض، 2016 ص 3
[5] عباسي نجيم : الدفع بالمسائل العارضة أمام القاضي الجزائي، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق، جامعة عبد الرحمان ميرة-بجاية- 2018-2019 ص 19
[6] كلثوم تواب: الدفوع الشكلية أمام القاضي الجنائي ، مجلة المرافعة ، العدد 16- أكتوبر 2005 ص 78
[7] يوسف وهابي: أزمة الدفوع الشكلية أمام القضاء الزجري، مجلة القصر العدد 3 – شتنبر 2002 ص 37
[8] عباسي نجيم: م.س، ص 20
[9] عبد الواحد العلمي: شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء- الطبعة الخامسة 2017 ، ص 257
[10] انظر رشيد حمداوي : انتزاع حيازة العقار بين القضاء المدني و القضاء الجنائي ،المجلة المغربية للقانون الجنائي و العلوم الجنائية ، العدد 3- 2016 ص 104
[11] أبو مسلم الحطاب: حماية الحيازة العقارية في التشريع الجنائي، مجلة القضاء و القانون العدد 149 ص 76
[12] طواهري اسماعيل : الاقتناع الشخصي للقاضي في المواد الجنائية في القانون المقارن، أطروحة لنيل الدكتوراه -جامعة الجزائر،2013-2014 ص 186
[13] عبد الحكيم الحكماوي : تناسخ الأسري و الجنائي في سياق الدعوى العمومية، المجلة المغربية للقانون الجنائي و العلوم الجنائية، العدد المزدوج 6-7 – 2019 ، ص 117
[14] أحمد فتحي سرور: م.س، ص 1269
[15] حكم عدد 2548 مؤرخ في 24/06/04 ملف جنحي عادي عدد 1616/03، مجلة الملف عدد 6- ماي 2005 ص 346
[16] حكم جنحي في الملف الجنحي تلبسي عدد 708/10 بتاريخ 01/شتنبر 2010 ، المجلة المغربية للقانون الجنائي و العلوم الجنائية، عدد 1-2014 ص 298
[17] محمد عبد الحميد مكي ص 35
[18] Julie Richard. L’intime conviction du juge en matière criminelle. Thèse pour le doctorat en droit privé et sciences criminelles. Université Montpellier, 2017.page 9
[19] محمد حسين الحمداني/نوفل علي الصفو: مبدأ الاقتناع القضائي ، مجلة الرافدين للحقوق عدد 24 – 2005 ص 235
[20] عبد الواحد العلمي: م.س، ص 382
[21] أحمد فتحي سرور: م.س، 1270
[22] قرار عدد 788 مؤرخ في 17/08/2011 ملف جنائي عدد 6999/6/10/2011 ، مجلة القضاء الجنائي عدد 5/6 – 2017 ص 162
[23] محمد زكي أبو عامر: الإثبات في المواد الجنائية – محاولة فقهية و عملية لإرساء نظرية عامة، الفنية للطباعة و النشر ، دون ذكر تاريخ الطبعة ، ص 79
[24] محمد زكي أبو عامر: م.س، ص 79-80
[25] طواهري اسماعيل : م.س، ص 187
[26] مي منصور الحاج طاهر: القناعة الوجدانية للقاضي الجزائي، رسالة ماجستير ،جامعة النجاح الوطنية ، نابلس -فلسطين، 2017 ص 100
[27] كمال المريني: الجرائم ذات الطابع المدني- جريمة عدم تنفيذ عقد نموذجا-، مجلة المحامي عدد 70 – دجنبر 2019 ص 420
[28] قرار عدد 2669 مؤرخ في 24/12/2009 ملف جنائي رقم 2514/6/03/2008 مجلة القضاء الجنائي عدد 2- 2015 ص 164
[29] عبد الواحد العلمي:م.س، ص 394
[30] بن حبيبة إيمان: طبيعة الدفع بالمسائل الأولية في القانون الجزائي الجزائري، دون توثيق آخر.
[31] كلثوم تواب: الدفوع الشكلية أمام القاضي الجنائي ، مجلة المرافعة ، العدد 16- أكتوبر 2005 ص 78
[32] حسن صادق المرصفاوي : م.س، ص 536
[33] حسن صادق المرصفاوي : م.س، ص 535
[34] محمد عبد الحميد مكي: م.س، ص 31
[35] أحمد فتحي سرور: م.س، ص 1273
[36] عباسي نجيم: م.س، ص 68
[37] عباسي نجيم: م.س، ص 69
[38] بن كرور عياشي ليلى: الدفع الأولي أمام القاضي الجزائي دراسة تحليلية على واقع التشريع و القضاء الجزائريين، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة منتوري قسطنطينة ، 2009/2010 ص 25
[39] العلمي عبد الواحد: م.س، ص 328
[40] عباسي نجيم: م.س، ص 24
[41] بن كرور عياشي ليلى: م.س، ص 25
[42] عباسي نجيم : م.س، ص 21
[43] عبد الغني سليم: طبيعة تعامل القضاء مع دعوى ثبوت الزوجية ، قضايا الأسرة إشكالات راهنة و مقاربات متعددة – الجزء الثاني، منشورات مجلة القضاء المدني، ص 203
[44] عبد الرحمان اللمتوني: أثبات النسب بشبهة خلال مرحلة الخطوبة- قراءة في المادة 156 من مدونة الأسرة-، مجلة القضاء و القانون العدد 152 ص 136
[45] حساين عبود: بعض مشكلات انتهاء الخطبة بدون زواج، مجلة القصر العدد 19 – يناير 2008 ص 116
[46] عادل حاميدي : الدليل الفقهي و القضائي للقاضي و المحامي في المنازعات الأسرية، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط 2016 ، ص 320
[47] حساين عبود: م.س، ص 116
[48] عبد الرحمان اللمتوني : م.س، ص 137
[49] كمال المريني: م.س، ص 431
[50] حسن صادق المرصفاوي: م.س، ص 542
[51] حسن صادق المرصفاوي: م.س، ص 542
[52] أحمد فتحي سرور: م.س، ص 1277
[53] عباسي نجيم: م.س، ص 75
[54] عبد الحكيم الحكماوي : م.س، ص 137-138
[55] رشد بهيجة: مدى حجية الحكم الزجري امام القضاء المدني” الاجتماعي”، مجلة القضاء و القانون عدد 155 ص 16
[56] محمد بولمان : قاعد الجنائي يعقل المدني أي استعمال لأية غاية ؟ ، مجلة المحامي عدد 70 – دجنبر 2017 ص 70
[57] محمد عبد الحميد مكي: م.س، ص 214
[58] مشار إليها عند محمد عبد الحميد مكي: م.س، ص 216
[59] م.س، ص 217
[60] رشد بهيجة: مدى حجية الحكم الزجري امام القضاء المدني” الاجتماعي”، مجلة القضاء و القانون عدد 155 ص 32
[61] أحمد فتحي سرور: م.س، ص 1271