انصراف قاعدة التطهير إلى الخلف الخاص تعليق على قرار محكمة النقض عدد189-2 المؤرخ في 30-06-2020
يعتبر قانون التحفيظ العقاري إحدى المؤسسات القانونية الأساسية التي تهدف إلى ترسيخ وتثبيت الملكية العقارية، ولذلك تسعى دول المعمور إلى تهيئ نظام عقاري متكامل في جوانبه، قصد العمل على خلق قاعدة عقارية صلبة، وتمكين الملاكين والمتعاملين في المجال من التصرف في عقاراتهم بشكل سليم وعلى أساس متين.[1]
ولاشك أنه من أجل أن يحقق العقار دوره في التأسيس للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية وجلب للاستثمارات، أن يكون على قدر كبير من الثبات والاستقرار، والخلو من الشوائب والنزاعات، إذ يجعل صاحبه في منأى من أي مطالبة أو منازعة، وهو ما يتحقق من خلال نظام العقارات المحفظة التي تتميز بنوع من الاستقرار في الملكية والثبات في المعاملات، الأمر الذي يشجع المؤسسات المالية وغيرها على التعامل مع هذا النوع من الأموال بشتى أنواع المعاملات المالية القوة القانونية والحجية الإثباتية التي يتميز بها العقار المحفظ من خلال الرسم العقاري النهائي والغير قابل للطعن والخالي من جميع الحقوق غير المضمنة فيه استنادا إلى قاعدة التطهير. والتي تعتبر الخاصية الأساس التي تترتب عن التحفيظ العقاري والمنظمة من خلال الفصلين 2 و62 من القانون 14.07[2]،ويقصد بقاعدة التطهير: “تطهير العقار من جميع الحقوق التي كانت عالقة به قبل التحفيظ، ولم يطالب بها أثناء مسطرة التحفيظ…”[3] إذ أنه بمجرد صدور قرار التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري ينطلق مفعولها إزاء هذه الحقوق.
فالمشرع الذي يراد له أن يكون بشكل أو بآخر وإلى هذه الدرجة أو تلك معبرا عن إرادة المجتمع حسب درجة تطوره عندما يسطر جملة المبادئ المشكلة للقانون، وهو يعلم أن تلك المبادئ لا يمكن أن تطبق نفسها بنفسها، وقد لا تكون موضوع مراعاة تلقائية من لدن الجميع بقدر ما يعلم علم اليقين أن المجتمع قد يفرز حالات قد تستجد فيه وقائع وقد يعرف تطورات لم يتنبأ بها ولم تغطها تلك المبادئ لأن القانون يسطر أساسا على ضوء التراكمات الحاصلة، وجزئيا مع تقدير التراكمات الممكنة التي تحسب بداهة إلا على أساس الأولى وتكييفها مع تطور الواقع الاجتماعي وتفاعلاته، وتفسيرها إما توسيعا أو تضييقا وتطبيقها فإن القضاء تكون له وظيفة ثلاثية:
أولا تطبيق القواعد القانونية وتحديد مداها من خلال ربطها بالوقائع المعروضة أو النوازل عبر عملية إخضاع متبادلة وإخضاع القاعدة للواقعة وإخضاع الواقعة للقاعدة، مما يؤول إلى نقل القاعدة القانونية من مستوى التعميم والتجريد إلى مستوى التخصيص و العينية الذي يجسد دور القاضي، حتى أنه يكون في هذه الحالة إذا جاز القول بمثابة مشرع للحالات الخاصة، ثانيا سد الثغرات الغامضة التي تتضمنها بالضرورة نصوص القانون ، ثالثا تكيف القانون مع تطور المجتمع ومستجداته وسد الثغرات التي تنشأ عن ممارسات جديدة لا عهد للمشرع بها أو أن النص تشريعي لا يسعف في حالات عدة. إلا أن أي قانون ما إن لم يكن نابعا من مقومات وخصائص تحكم مجتمعا دون غيره، أو لم يعد هذا القانون مسايرا لنتائج العلوم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية … وإن لم يكن مراعيا للعوامل المؤثرة، فإنه سيبقى بعيدا عن تلبية حاجات المجتمع في الأمن والضبط والاستقرار وتحقيق العدالة بمفهومها الشامل والعادل.فإذا كان التفسير برمته هو روح العلوم القانونية والذي يبث الروح في النصوص ويجعلها مفهومة وقابلة للإعمال فهو يعني قابلية النص السليم وهذا جوهر التفسير القضائي كما أنه هو البوتقة التي تصب فيها الأنواع الأخرى للتفسير والتفسير القضائي الملزم على أرض الواقع هو الذي يحيل القاعدة القانونية و ما يعتريها من تفسيرات تشريعية أو فقهية إلى حقيقة مادية واقعية بعد أن كانت في طور السكون مجرد حقيقة قانونية.
ولاشك أن اضطلاع القضاء بهذه الأدوار وتجسيده لهذه الوظائف كلها أمر على جانب من الصعوبة إن لم نقل هو الصعوبة عينها لأن الأمر رهين في البداية والنهاية بما يوضع رهن إشارة القضاء من وسائل وإمكانيات مادية ومعنوية وقانونية وبما يخص به من استقلال وحصانة وباعتبارات أخرى كثيرة ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية لا يسمح حيز التعليق ولا طبيعة الموضوع بتناولها فالأمر يتعلق بعمل استدلالي صرف قد يبدو في ظاهره في منتهى البساطة
لكن إذا كان قيام القضاء بهذه الأدوار جميعا أمر مستحبا عزيزا سهلا ممتنعا وإذا كان مجرد التفكير في ذلك تعبيرا عن نزوع مثالي من العسير أن يجد ترجمته العملية على أرض الواقع فإن اضطلاعه بالدور المتمثل في تطبيق القواعد القانونية كما هي في حرفيتها أي دون زيادة أو نقصان على الوقائع المعروضة عليها هو أقل ما ينتظر منه . ومن حق المجتمع الحابل بإمكانيات التطور والتقدم وبالتطلعات المشروعة إلى المستقبل أن يعتبره بمثابة الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل نحو سيادة العدل.فلا قيمة للقانون إذا هو لم يطبق، ولا قيمة لتطبيقه إذا لم يكن هذا التطبيق سليما ولن نأتي بجديد إذا قلنا بأن التطبيق السليم للقانون هو تطبيقه في حرفيته بما يقتضيه ذلك من التزام بصيغة النص ومن ابتعاد عن كل نزعة ذاتية وحمولة نفسية وعن كل حكم مسبق أو فكرة قبلية ومراعاة روح التشريع.لئن كان التطبيق السليم والدقيق للقانون يبدو في ظاهره أمرا بسيطا وممكنا، فإنه في حقيقته غير ذلك تماما، إذ أنه كثيرا ما يتطلب جرأة وجسارة نادرتين لكنه يبقى مع ذلك وبصرف النظر عن القوانين المقصودة من الأهمية بمكان وأهم ما فيه أنه يضفي من المصداقية على الجهاز المطبق قدر ما يضفيه على القانون المطبق.
ولأهمية وقائع القرار سنبسط أهم وقائعه ومنطوقه
أصدرت محكمة النقض القرار عدد 189/2 المؤرخ في 30/06/2020 ملف 226/1/2/2018 بين (ا ف ) ومن معها وبين(ب ع )ونظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بسلا في شخص السيد ناظر الأوقاف بمكتبه ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في شخص السيد وزير الأوقاف بحضور المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بسلا
حيث يستفاد من وثائق الملف ومن القرار المطعون فيه بالنقض أن الطاعنين ( أ ف)ومن معها بتاريخ 02/12/2015 أمام المحكمة الابتدائية سلا أن المدعي عليه (ب ع) تملك القطعة الأرضية موضوع مطلب التحفيظ عدد 209-20 الكائنة بسانية بوفلجة الزنقة 2 سلا المشيد عليها منزل المدعين مساحتها 100 متر مربع بمقتضى معاوضة أبرمت بينه وبين ناظر الأوقاف بسلا نيابة عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مقابل 84000 درهم أداها المشتري للوزارة في 15/02/1988 و 14/06/1988 وأنه فوتها بعد ذلك للمدعية (أ س ومن معه) بنسب متساوية بينهما بمقتضى عقد عرفي مصحح الإمضاء بتاريخ 08/03/1996 وأن المشتري (م أ)توفي وآل النصف الذي يملكه في المدعى فيه إلى ورثته وأنه تعذر عليهم تقييد شرائهم بالرسم العقاري لكون البائع لهم بهجة عبد الحميد لم يقيد بدوره شراءه على الرسم العقاري والتمسوا الحكم على المدعى عليهم (ب ع)ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتقييد عقد المعاوضة المبرم فيما بينهما بشأن العقار موضوع مطلب عدد 209-20 المؤسس له الرسم العقاري عدد 13805-20 بالسجل العقاري وعلى المدعى عليه (ب ع)بتقييد شراء المدعية (أ س ومن معه) و(م أ)وتقييد إراثة الهالك (م أ) على الرسم العقاري المذكور وأمر المحافظ على الأملاك العقارية بسلا بتنفيذ الحكم الذي سيصدر عند صيرورته نهائيا وبعد جواب المحافظ على الأملاك العقارية بأن الملك ذا المطلب عدد 209-20 قد ثم تحفيظه وأنشئ له رسم عقاري بتاريخ 27/09/1999 دون أن يتقدم المدعى عليه (ب ع)بطلب إلى المحافظ قصد تضمين عقد المعاوضة بسجل التعرضات لكي يتم أخد الحق المذكور بعين الاعتبار عند تأسيس الرسم العقاري ، وصدر حكم ابتدائي بتاريخ 29/03/2016 في الملف عدد 690-15-1403 بعدم قبول الدعوى و استأنفه المطعون وأيدته محكمة الاستئناف بقرارها المطعون فيه بالنقض.
في شأن الوسيلة الفريدة للنقض
حيث يجيب الطاعنون على القرار المطعون فيه فساد التعليل ونقصانه ذلك أن المنحى الذي علل به قضاء إنما قد يجد مجاله في الحالة التي يمانع فيها صاحب الرسم العقاري المؤسس بناء على مطلب التحفيظ في حقوق المدعي ويجادل في استحقاقه لجزء من العقار المعني أو في السند المنشئ له في حين أن وزارة الأوقاف تؤكد صراحة أنها فوتت العقار المدعى فيه (ب ع)الذي لم يبد اي مجادلة في أحقيتهم في المدعى فيه ولا في سند انتقال ملكيتهم ولا في أنهم هم الحائزون له كما أن قاعدة التطهير التي اعتمدها القرار إنما تتصرف الى الحقوق العينية التي نشأت قبل تحفيظ العقار ولا يعمد من نشأت لصالحه الى التعرض على مطلب التحفيظ ولا الى إيداع سنده في المطلب بخلاف الحقوق الناشئة وبعد تأسيس الرسم العقاري ويرد فيها أنها تنصب على المطلب فإن لمن نشأت لمصلحته أن يحتج بها وبطلب تقييدها على الرسم العقاري كما أن تعليل القرار بأنه ليس أمام الطاعنين سوى المطالبة بالتعويض عن التدليس الذي أفضى الى تحفيظ العقار يكون قد حرف وثائق النازلة إذا لا وجود لأي تدليس في النازلة إذا أن الأمر يتعلق بمجرد إغفال لحقوق معترف بها بوجه صحيح ولذلك التمسوا نقض القرار المطعون فيه.
حيث تبين صحة ما عابة الطاعون على القرار ، ذلك أن المحكمة عللت قضاءها بأن ” المستأنفة (ف أ) وابنها الهالك (م أ) اشتريا من(ب ع) المطلب عدد 209 الذي تملكه بعقد معاوضة مع نظارة الأوقاف بسلا ، وأن المطلب ثم تحفيظه تحت الرسم العقاري الأم عدد 8813/20 واستناد للفصل 62 فإن الرسم العقاري يبقى هو نقطة الانطلاق الوحيد في الحقوق والتحملات ومبدأ التظهير مطلق لذلك أجاز المشرع لذوي الحقوق سواء كانوا غيرا أو خلفا مباشرة مسطرة التعرض أو الإيداع طبقا للفصل 84 من القانون التحفيظ العقاري ” في حين أن معاوضة سلف الطاعنين (ب ع) مع نظارة الأوقاف بتاريخ 15/02/1988 أنصبت على قطعة محددة ومعرفة بالرقم 19 من تجزئة الفروكي الصغير موضوع المطلب عدد 209/20 الذي تحول الى الرسم العقاري الأم 8813/20 ، واستخرجت منه القطعة رقم 19 موضوع الدعوى ذات الرسم الفرعي عدد 13805/20 في اسم المتعاوضة الأوقاف مساحتها آر واحد وهي أرض عارية حسبما يستفاد من شهادة الملكية المؤرخة في 29/10/2015 ، وأن عدم تمكن المفوت له (ب ع) من تسجيل رسم المعاوضة لا يجيز للمطلوبة والحال أنها لا تنازع في هذه المعاوضة التي استفادت منها أن تحول دون تمكين من تعارض معها بالعقار موضوع النزاع بعدما قام بحيازته وبنائه والتصرف فيه وأن تمتنع من تقييد المعاوضة بالرسم العقاري كما لا يحق لها التمسك بمبدأ التطهير بشأن تصرف أجرته في مرحلة التحفيظ التي أحاطها المشرع بخصوصية غايتها حماية حقوق من تلفى الحق عنها ، وتبعا لذلك فإن المعاوضة تسري في حقها وتلزمها ، ويمكن تقييدها باسم المتعاوض بالرسم العقاري ، وخلفه الطاعنين من بعده، استنادا الى مبدأ تسلسل التقييدات وتحيين الرسم العقارية ، والمحكمة لما عللت قضاءها على النحو المبين أعلاه، دون أن تأخذ بعين الاعتبار ما أثاره الطاعنون بخصوص تمام المعاوضة بين الطرفين طبقا للقانون وحيازة كل طرف النقض المتعاوض به، مما كان معه القرار فاسد تعليل وعرضه للنقض.
لأجله
قضت محكمة النقض بجميع الغرف بنقض القرار المطعون فيه وإحالة القضية، على نفس المحكمة للبت فيه طبقا للقانون وعلى الطرف المطلوب المصاريف.
تتمثل الخطوط العريضة لهذا القرار محور التعليق في تبيان وتحليل موضوع انصراف قاعدة التطهير إلى الخلف العام والخلف الخاص ارتباطا بالمنزعة العقارية المعروضة على محكمة النقض بغرفها المجتمعة.
حيث سنخوض في التعليق على هذا القرار القضائي بالتحليل القانوني وربطه بموقف المجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا مع بسط الجانب النظري والفلسفي للموضوع بشكل موجز غير مخل ولا طويل ممل لنصل في فقرات هذا التعليق إلى تأييد منطوق القرار بالحجة والدليل أو نخالفه وذلك بالتشبت بمنطوق الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري.
يتجلى الإشكال الأساسي والمركزي للقرار موضوع التعليق في مدى انصراف أثر قاعدة التطهير إلى الخلف العام والخلف الخاص دون أي مفاضلة بينهما ؟إذا كانت الإجابة سلبية بلا فما هو الأساس القانوني المعتمدة في القرار محل الدراسة؟
إن الجدل حاول قاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل 1و 62 من ظهير التحفيظ العقار وهل تعتبر قاعدة مطلقة تطبق على الجميع بما فيهم الخلف الخاص أم قاعدة نسبية لا تطبق على الخلف الخاص المستفيد من التحفيظ لم يكن فقهيا فقط بل إنه شكل أرضية خصبة للاجتهاد القضائي فتضاربت حولها المقررات القضائية حتى على مستوى محكمة النقض.
بعد كل ما تقدم سنعمد في هذا التعليق إلى إبراز أهم النقط الأساسية والتي لا تتجاوز عدد الأنامل بهدف الإحاطة بالقرار محل الدراسة مسلطين الضوء على مفهوم الخلف العام و الخلف الخاص (أولا)ثم نعرج على آلية مسطرة الغرف مجتمعة (ثانيا)على أن نبسط التوجه القضائي المتشبت بحرفية النص(ثالثا) والتوجه المرن لمبدأ قاعدة التطهير (رابعا) لنصل إلى أهمية تقرير السنوي لمحكمة النقض في توجيه المشرع نحو تبني المبادئ القضائية التي تتناغم مع روح العدالة(خامسا) لنختم هذه التعليق برأينا الشخصي.
أولا: مفهوم الخلف العام و الخلف الخاص
الخلف العام إما أن يكون خلفا عاما أو خلفا خاصا فالخلف العام هو من يخلف الشخص في ذمته المالية أو في جزء منها باعتبارها مجموعا من المال كالوارث والمدعى له بحصة في التركة بعين معينة فيها والخلف الخاص هو من يخلف الشخص في عين معينة كالمشتري[4].
الخلف الخاص هو من يتلقى من سلفه ملكية شيء معين بالذات أو حقا عينيا على هذا الشيء فمن يشتري عينيا عقارا أو منقولا أو دينا يكون خلفا خاصا للبائع ومن يوصي له بالعين أو بالدين ومن يتلقى حق انتفاع أو حق ارتفاق على شيء معين يكون كذلك خلفا خاصا لمن تلقى منه الحق[5].
ثانيا: التوجه القضائي غير المتشبت بحرفية النص
كما سبق الذكر استقر المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا بكون قاعدة التطهير قاعدة عامة تطبق على الجميع بما فيه الخلف الخاص للمستفيد من التحفيظ حتى صدر القرار عدد 2862 سنة 1999 بتاريخ 02/06/1999 ملف مدني عدد 540/1994 وأعطى قراءة جديدة للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري واعتبر أن عقد إيداع المشتري لعقده أثناء مسطرة التحفيظ لا يكون له أثر إلا من حيث ترتيب أثره أو حقه في مواجهة الغير.
كما أصدرت أعلى هيئة قضائية بالبلاد قرار يكرس نفس التوجه بحيث قضى المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض إن الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري لا يمنع المشتري الذي اشترى هذا الحق خلال مسطرة التحفيظ من تسجيل شرائه بالرسم العقاري الذي أًصبح مسجلا في اسم البائع له أو لورثته متى تبين أن عقد شرائه غير مطعون فيه لا من البائع ولا من ورثته وأن هذا الإجراء لا يكون له أثر إلا من حيث ترتيب أثره أو حقه في مواجهة الغير والمطلوبون باعتبارهم خلفا عاما لمورثهم البائع للطالب ليسوا أغيارا والمحكمة لم طبقت الفصل 2 دون اعتبار الفصل 84 لم تجعل لقرارها مرتكزا قانونيا سليما[6].
وصدر بعد ذلك قرار عدد 5925 بتاريخ 29/12/1999 في الملف عدد 1151/1994 جاء فيه يعتبر مشتري العقار من نفس طالب التحفيظ الذي تحول مطلبه إلى رسم عقاري خلفا خاصا لا يواجه كالخلف العام بقاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل 62[7].
وقضت محكمة النقض في القرار عدد 7/271 بتاريخ 45/2013 ملف مدني عدد 3334/1/7/2011 جاء فيه”لما كان عقد البيع ينتج عنه التزام يقع على كاهل البائع بنقل ملكية المبيع إلى خلفه الخاص -المشتري- ويبقى ملزما بنقل ملكية العقار إليه حتى بعد التحفيظ فإن المحكمة لما اعتبرت إنشاء الرسم العقاري يعتبر المنطلق الوحيد لجميع الحقوق المتعلقة بالعقار المحفظ الأمر الذي يعتبر معه إتمام إجراءات البيع المنجز قبل التحفيظ في غير محله حتى بالنسبة للخلف الخاص لم ترتكز قرارها على أساس وعللته تعليلا فاسد المنزل منزلة انعدمه وعرضته للنقض[8].
وفي نفس الاتجاه جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بمكناس صادر بتاريخ 08/01/2109 ملف عدد 1218/1201/2018 جاء في أن عقد البيع يرتب التزامات شخصية على البائع أهمها ضمان حوز المبيع والتصرف فيه بلا معاوض ونقل ملكيته للمشتري ولا يمكن الاحتجاج بمبدأ التطهير المنصوص عليه في الفصل 62 في مواجهة الخلف الخاص وأن عدم إيداع المشتري لرسم شرائه وتقييده بسجل التعرضات لا ينتج عنه سوى عدم إمكانية التمسك به في مواجهة الغير أم ضد البائع فإن البيع يبقى صحيحا ومنتجا لأثاره تطبيقا للفصل84.
الأساس الذي يقوم عليه هذا الاتجاه هو القواعد العامة للالتزام فإذا كان الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري يمنع على المتضرر إقامة أي دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به جراء التحفيظ فإن هذه الاجتهاد في عقد البيع ينتج عنه التزام شخصي يبقى على البائع نقل ملكية المبيع إلى خلفه الخاص ولو بعد التحفيظ مادام أن تنفيذ البائع لالتزامه بنقل ملكية العقار المحفظ لا يتم إلا باستكمال الإجراءات الضرورية لتقييده بالرسم العقاري[9].
فهذه القراءة بمفهوم المخالفة للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري بمثابة رد على انعدام السند القانوني لعدم تطبيق قاعدة التطهير على الخلف الخاص لأن عدم إيداع المشتري لرسم شرائه وتقييده بسجل التعرضات لا ينتج عنه سوى عدم إمكانية التمسك به في مواجهة الغير أما في مواجهة البائع وخلفه فتبقى إمكانية التمسك به ممكنة ويبقى العقد قائما منتجا لأثاره.
عدم إمكانية مواجهة الخلف الخاص بقاعدة التطهير يتناغم مع المنطق ، ذلك أن من يطالب بتقييد حق اكتسبه من طالب التحفيظ قبل إتمام عملية التحفيظ والذي لم يبرزه أثناء هذه العملية، لا ينازع في حقيقة الأمر في ملكية سلفه، بل على العكس يؤيدها من خلال المطالبة بحقه الذي استمده من هذا المالك، خاصة إذا كان هذا الأخير لم يرتب بعد التحفيظ حقوقا للغير تتأثر بإقرار حق الخلف الخاص.
إن ما يمكن ملاحظته بهذا الخصوص هو أنه بالرغم من وجاهة النتيجة التي انتهت إليها محكمة النقض في القرار وانسجامها مع مبادئ العدل والإنصاف،من حيث إنصافها للخلف الخاص لطالب التحفيظ بجعل قاعدة التطهير لا تسري في مواجهته،فإنها تكون بذلك قد تجاوزت منطوق النص الوارد في الفصلين 1 و 62 ظهير التحفيظ العقاري، لأنه نص مطلق لا يتسع للتمييز بين الغير وبين الخلف الخاص لطالب التحفيظ.
ومن جهة أخرى فإن قرار محكمة النقض الذي نحن بصدده قد استثنى الخلف الخاص من الأثر المطلق لقاعدة التطهير دون الخلف العام، بالرغم من أن الاعتبارات التي جعلتها تستثني الخلف الخاص هي حاضرة وبحدة بالنسبة للخلف العام كذلك.
ثالثا: الاتجاه المستنِد إلى حرفية النص
نص المشرع على الحجية المطلقة في الباب الثالث من قانون التحفيظ العقاري المتعلق بآثار التحفيظ في الفصول 62 وهي القاعدة المتعلقة باكتساب الرسم العقاري الصفة النهائية وعدم القابلية للطعن، لكن أثير ويثار جدل فقهي وانقسام قضائي حول قاعدة التطهير هل تعتبر مطلقة تسري على الجميع بما فيهم الخلف الخاص الذي سبق للمستفيد من التحفيظ أن تعاقد معه بخصوص العقار المحفظ أم تعتبر نسبية تسري على الخلف العام دون الخلف الخاص. اكتساب الرسم العقاري صفة نهائية غير قابل للطعن.فالمتمعن في الفصل 62 يستنتج أنه يضم قاعدتين الأولى إيجابية وهي كون الرسم العقاري نهائي وغير قابل للطعن ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه والثانية سلبية وهي أن التحفيظ يطهر العقار من جميع الحقوق العينية والتحملات العقارية غير المقيدة به أو ما يسمى بقاعدة التطهير[10].فإقامة الرسم العقاري له صفة نهائية لا تقبل الطعن ويحسم كل نزاع يتعلق بالعقار ولا يمكن الاحتجاج بأي حق عيني سابق على التحفيظ لم يسجل على الرسم العقاري وأن الشراء الذي أبرم قبل التحفيظ ولم يقع الإدلاء به أثناء مسطرة التحفيظ لا يمكن الاحتجاج به فيما بعد ما لم يقر به البائع.[11]
وأكد في قرار عدد 2605 بتاريخ 28/10/1992 ملف عدد 1186 و 91/987 أنه يقرر الفصلين 62 و 64 من ظهير التحفيظ أن التحفيظ يطهر العقار من الحقوق السابقة عليه وهي قاعدة تسري على الجميع لا فرق بين المشتري و غيره ولا بين حسن النية وسيئها.والأساس الذي يقوم عليه هذا التوجه هو التقيد بحرفية النص في الفصلين 1 و62 من ظهير التحفيظ العقاري واعتبار قاعدة التطهير المنصوص عليها في هذين الفصلين عامة و مطلقة وآمرة تسري على الجميع بما فيهم الخلف الخاص ومادام قانون التحفيظ لا ينص على استثناء من تطبيق قاعدة التطهير يتعلق بالخلف الخاص وما دام هذا القانون نص خاص لا تطبق بشأنه النصوص العامة للالتزام وبالمقابل أعطى قانون التحفيظ العقاري للخلف الخاص ضمانات هامة أثناء سريان مسطرة التحفيظ و بعد انتهائها .
رابعا : آلية مسطرة الغرف مجتمعة
ترتكز الوظيفة الأساسية لمحكمة النقض في النظام القضائي المغربي في السهر على حسن تطبيق القانون من لدن مختلف محاكم الموضوع وهو من هذا المنطلق يشكل مرجعا قضائيا ويساهم بالتالي في رسم السياسية القضائية للدولة.
ولعل من أبرز الوسائل القانونية المتاحة للمحكمة النقض لتوحيد الاجتهاد القضائي وعبره العمل القضائي للمحاكم الدنيا مكنة جمع أكثر من غرفة لتثبيت مبدأ قانوني أو قضائي لوضع حد احتمال وقوع التناقض بين الاجتهادات القضائية أو ما يعرف بمسطرة الغرف مجتمعة للبت في النقطة موضوع الاختلاف بين محاكم الموضوع[12].
من حيث قيمة القرارات الصادرة عن الغرف مجتمعة فهي تصنف إلى قسمين أولهما القرارات العادية وتتجسم كما توحي بذلك تسميتها في القرارات الباتة في كل مسألة ورد فيها النص واضحا وجليا فتنقله بالتالي من حالة السكون إلى حركة مجسدة بذلك الدور الطبيعي للقضاء المتمثل في الفصل في النزاعات.إلى جانب هذه القرارات التي تستغرق الجانب الأكبر من عمل محكمة النقض توجد قرارات أخرى تعرف بالقرارات المكرسة لمبدأ قانوني وهي التي تجسد بحق ما يصطلح عليه بالاجتهاد القضائي لأنها تسعى إلى سد ما قد يشوب النصوص القانونية من نواقص تفرزها اعتبارات اقتصادية و اجتماعية لتعطي حلولا تكرس مبادئ قانونية جديدة يمكن أن تكون مكملة للمقتضيات التشريعية[13].
ولن يتجادل اثنان في أن القرارات الصادرة عن غرف محكمة النقض المجتمعة تدخل في الصنف الأخير لأن الدوافع من وراء جمع هذه الغرف والحلول المأمول أن تعطيها تفرض أن تأتي قراراتها دوما مبدئية، لكن ما مدى إلزامية هذه القرارات ؟ إن ضرورات توحيد الاجتهاد القضائي تحتم على غرف محكمة النقض الالتزام بالقرارات الصادرة عن الغرف المجتمعة والالتزام المذكور وإن كان لا يجد سندا له في القانون فإنه يبقى التزاما أدبيا[14].
خامسا : مساهمة التقرير السنوي في توجيه المشرع بتبني الاجتهادات القضائية
يشكل التقرير السنوي لمحكمة النقض وظيفة استغلها القضاة في السنوات الأخيرة تسمح له بالحوار مع المشرع وإعطائه تعليقاتهم وملاحظاتهم على الحالة الراهنة للتشريع ومع مراعاة هذا الملاحظات يمكن للمشرع التدخل وبالتالي تجنيب القاضي إبطال اجتهاده[15].
فالتقرير السنوي الصادر عن محكمة النقض تبرز في إحدى موادها اختيار المحكمة لمجموعة من القرارات تفرز توجهات وهي تجسد مناسبة للحث على تعديل بعض النصوص القانونية وتبين في ذات الوقت انشغالات المحكمة بها إذ القضاء لم يعد يقتصر على النطق بالقانون باعتباره المهمة الموكولة إليه ولكن المساهمة كذلك في إطار إصلاح وتعديل القانون.
وفي الختام فإن فالقاضي لا يبحث عن الحقيقة بمفهوم المنطق الصوري وإنما عن حقيقة قضائية تعتمد منطقا صوريا كامل، بالإضافة إلى أخذ قيم أخرى بعين الاعتبار كقيم المعقول والناجع اجتماعيا والأمن القانوني المضمون بالعدل المادي والإنصاف وليس فقط بالعدل الشكلي، بحيث إن القانون لا يمكن عزله عن وسطه الاجتماعي وربط القانون بالوسط الاجتماعي المطبق فيه يستوجب إثارة القيم التي يتقاسمها القانون مع الأخلاق أي العدل والخير المشترك أو المصلحة العامة فالقانون لا يقتصر دوره في توفير الأمن القانون المضمون بمبدأ المساواة أمام القانون بل يتعداه لتحقيق التوافق والسلم داخل المجتمع، وهذا معناه أنه كلما ظهر تطبيق نص تشريعي تطبيقا غير عادل بسبب التمسك بحرفيته، أو ضربا من العبث مخالفا للسير الحسن لمؤسسات الدولة وإلا كان هذا التطبيق غير عادل. وهو ما جسده القرار محل التعليق وقضت محكمة النقض بجميع غرفها بنقض القرار المطعون فيه وإحالة القضية، على نفس المحكمة للبت فيه طبقا للقانون. وبالتالي ضمان حق الخلف الخاص مادام عقد الشراء غير مطعون فيه لا من البائع ولا من ورثته وأن هذا الإجراء لا يكون له أثر إلا من حيث ترتيب أثره أو حقه في مواجهة الغير وهو التوجه السليم في نظرنا الذي كرسه القرار محل التعليق والدراسة .ولم يقتصر في كون قاعدة التطهير التي اعتمدها تتصرف الى الحقوق العينية التي نشأت قبل تحفيظ العقار ولا يعمد من نشأت لصالحه الى التعرض على مطلب التحفيظ ولا الى إيداع سنده في المطلب بخلاف الحقوق الناشئة وبعد تأسيس الرسم العقاري ويرد فيها أنها تنصب على المطلب فإن لمن نشأت لمصلحته أن يحتج بها وبطلب تقييدها على الرسم العقاري كما أن تعليل القرار بأنه ليس أمام الطاعنين سوى المطالبة بالتعويض عن التدليس يبقى محل نظر ولا ينسجم مع واقعة الحال ، إذا أن الأمر يتعلق بمجرد إغفال لحقوق معترف بها بوجه صحيح ولذلك التمسوا نقض القرار المطعون فيه بحيث أن التشبت بحرفية نص دون تطبيق روح القانون قصد تحقيق العدالة يجعل القاضي ينحصر في تطبيق القانون ويقوم بوظيفة آلية تجعله لا يحقق العدالة بل المطلوب منه أن يطبق القانون التطبيق العادل والسليم وهو ما كرسه دستور 2011 في الفصل 110[16].
[1] – د، محمد خيري، “التعرضات أثناء التحفيظ العقاري في التشريع المغربي “، مطبعة النجاح الجديدة ، البيضاء ، الطبعة الأولى 1983، ص:3 .
[2] – ظهير شريف رقم 1.11.177 صادر في 25 ذي الحجة 1432 الموافق 22 نوفمبر 2011 بتنفيذ القانون رقم 14.07 المغير والمتمم بمقتضاه الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 12 أغسطس المتعلق بالتحفيظ العقاري منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24نونبر 2011
[3] – حكم ابتدائية وجدة رقم 464/93 بتاريخ 4-5-1993، ملف رقم 1362/89 ، منشور بمجلة المناظرة، العدد الثاني، يونيو 1997،ص: 149.
[4] – عبد الرزاق السنهوري، الموجز النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المصري،المجمع العلمي العربي الإسلامي،منشورات محمد الداية ، بيروت لبنان،ص:222
[5] – عبد الرزاق السنهوري، الموجز النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني المصري،المجمع العلمي العربي الإسلامي،منشورات محمد الداية ، بيروت لبنان،ص:226
[6] – غير منشور
[7] – تعليق منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 61 صفحة 330.
[8] – تعليق منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 61 صفحة 336
[9] – عبد الوهاب عفالاني ،الاثر القانوني لقاعدة التطهير الناتجة عن التحفيظ على الخلف الخاص منشور بالموقع الالكتروني مغرب القانون بتاريخ 1/05/2022
[10] – إن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق الغير المقيدة
[11] – منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 26 صفحة 22
[12] – المهدي شيبو، مسطرة الغرف المجتمعة وتوحبد المجلس الأعلى،عمل المجلس الأعلى التحولات الاقتصادية و الاجتماعية أشغال الندوة- تخليدا للذكرى الأربعيت لتأسيس المجلس الاعلى السنة 1419/1999،صفحة 269
[13] – المهدي شيبو، مسطرة الغرف المجتمعة وتوحيد المجلس الأعلى،عمل المجلس الأعلى التحولات الاقتصادية و الاجتماعية أشغال الندوة- تخليدا للذكرى الأربعين لتأسيس المجلس الاعلى السنة 1419/1999،صفحة 275
[14] – الفصل 369……
إذا بتت محكمة النقض في قرارها في نقطة قانونية تعين على المحكمة التي أحيل عليها الملف أن تتقيد بقرار محكمة النقض في هذه النقطة.
إذا رأت محكمة النقض بعد نقض الحكم المحال عليها أنه لم يبق هناك شيء يستوجب الحكم قررت النقض بدون إحالة
[15] – ادريس القبلي ،التأثير الاجتماعي للقاضي المدني ،رسالة لنيل شهادة ماستر التوثيق والمنازعات المدنية كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا ، السنة 2017/2018 ص،47 ومايليها
[16] – جاء في الفقرة الأولى من الفصل 110″ لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون، ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون