الدكتور العربي محمد ميادباحث، وكاتب قانوني، أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي، رئيس لمصلحة الأنظمة العقارية ومصلحة الاقتناءات العقارية لفائدة الدولة، كاتب عامة للجماعات الترابية سابقا، رئيس نادي قدماء أطر مديرية الأملاك المخزنية، رئيس مرصد الأنظمة العقارية والتعمير،
السؤال الأول: ماذا نقصد بمفهوم السياسة العقارية؟
تشخيص الوضعية العقارية بالمغرب
بداية لا بد من الإشارة إلى أن من أهم مستجدات دستور 2011 أنه خول السلطة التشريعية وظيفة ثالثة تتمثل في تقييم السياسة العمومية للدولة من خلال الفصل 70 الذي ينص على أنه “يصوت البرلمان على القوانين ، ويراقب عمل الحكومة ، ويقيم السياسات العمومية .”
ويقصد بالسياسة العمومية مجال تنزيل البرنامج الحكومي وترتكز على مجموعة من العناصر الأساسية يمكن تلخيصها كالتالي:
_ تحديد الأهداف
_ وضع عناصر التقييم
_ المؤشرات
_ الموارد
_ خطة العمل
_ تقييم النتائج المحصلة
في حين يقصد بالسياسة العقارية الأدوات المعتمدة من طرف الدولة من أجل توحيد تسيير وتدبير استراتيجية العقار، في أفق توحيد الرؤية بين مكونات الدولة، مما يساهم في التحكم في السوق العقاري ومحاربة المضاربة وضمان العدالة المجالية من خلال وثائق التعمير.
والتساؤل المطروح هل فعلا تتوفر الدولة على سياسة عقارية؟
عند حديث رئيس الحكومة عن السياسة العقارية بالمغرب يوم 25 يوليوز 2017 أثناء الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب في موضوع السؤال المحوري “السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية” تبين بالملموس أن الحكومة لم يسبق لها أن توفرت على سياسة عقارية، كما أن لها خلطا بخصوص المفاهيم ما بين السياسة العقارية والاستراتيجية العقارية. ذلك أن رئيس الحكومة قال خلال الجلسة الشهرية المذكورة بأنه تم الشروع في إعداد الاستراتيجية الوطنية العقارية وذلك بتمويل وشراكة مع هيئة تحدي الألفية الأمريكية، عن طريق وكالة حساب تحدي الألفية – المغرب، وهي بالمناسبة مؤسسة عمومية مغربية، أحدثت لتنفيذ برنامج التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، بغلاف مالي إجمالي قدر 450 مليون دولار أمريكي ، وسيتم إعداد هذه الاستراتيجية وفق منهجية دقيقة ومقاربة تشاركية.
وفي هذا الاتجاه سيتم تنظيم مناظرات جهوية على مدى ستة أشهر، في إطار التشاور مع مختلف الفاعلين والمتدخلين على مستوى كل جهة، سواء كانوا عموميين أو خواص أو مجتمعا مدنيا. وسيتم تتبع تنفيذ هذه الاستراتيجية في إطار نفس برنامج الشراكة، للتأكد من حسن تفعيل مضامينها، وفق خطة عمل محكمة تتأسس على أحسن الممارسات في مجال تتبع وتقييم السياسات العمومية دوليا.
والاستراتيجية تعني لغة الخطة الموحدة والشاملة والمترابطة لقطاع معين والتي تهدف إلى ضمان تحقيق أهداف المخطط في الأجل الطويل. وهي بصفة عامة علم التخطيط مستقى من القاموس العسكري وتعني فن التخطيط للعمليات العسكرية قبل نشوب الحروب.
أما السياسة العقارية للدولة فهي جزء من السياسة العمومية التي من المفروض أن تشكل جزءا من البرنامج الحكومي.
السياسة العقارية في البرنامج الحكومي
وعند الاطلاع على البرنامج الحكومي للحكومة الحالية 2016 – 2021 يتبين أن الحكومة التزمت بنهج سياسة عقارية للدولة وذلك عبر:
أولا: تحسين حكامة العقار انطلاقا من بلورة سياسة عمومية عقارية فعالة وناجعة. وفتح ورش تحيين ومراجعة الترسانة القانونية المؤطرة للعقار وفق منظور شامل وتسريع وثيرة تعميم النظام العقاري …؛
وثانيا: النهوض بالعقار كآلية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال العمل على تعبئة العقار لفائدة المشاريع الاستثمارية ووضع آليات عملية لضبط السوق العقاري واعتماد مساطر ومعايير دقيقة لعمليات تفويت وكراء العقار العمومي وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص، فضلا عن مراجعة النصوص الخاصة بنزع الملكية واعتماد مدونة الأملاك الخاصة للدولة ووضع استراتيجية وطنية شمولية ومندمجة في مجال السكن …
ماذا تحقق من هذه الوعود؟
_ انطلاق ورش تمليك الأراضي السلالية الواقعة بمناطق الري، وهذا ورش ملكي بامتياز.
_ إحداث اللجنة الوزارية الدائمة للسياسة العقارية بمقتضى مرسوم بتاريخ 24 ماي 2016 يرأسها رئيس الحكومة أو من يفوض له من قبله تتكون من مجموعة من القطاعات الوزارية أسندت إليها مهمة اقتراح التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة في مجال العقار على الحكومة وتنسيق تدخلات القطاعات العمومية المعنية بتدبير العقار وإجراء تقييم دوري لسياسة الدولة في هذا المجال. وقد تم تعيين المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، كمنسق وطني لإعداد وتنزيل هذه الاستراتيجية.
وبذلك نلاحظ أن السياسة العقارية في مفهوم الحكومة ليست شأنا حكوميا وإنما من اختصاص لجنة وزارية تتكون من قطاعات وزارية بالإضافة إلى المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية.
أدوات السياسة العقارية المتبعة بالمغرب
1 _ نزع الملكية لأجل المنفعة العامة سواء من خلال النص العام الصادر سنة 1982 أو وثائق التعمير؛
2 _ الاقتناء بالتراضي استنادا إلى دورية الوزير الأول رقم 209 بتاريخ 26 ماي 1976؛
3 _ التخفيضات والاعفاءات الضريبية من خلال قوانين المالية.
السؤال الثاني: على أية أساس تقوم السياسة الرسمية في مجال العقار وما هي المبادرات المتخذة في سبيل دعم وظيفة العقار في مجال التنمية؟
تبنى المغرب سياسة عقارية تتناسب وثروته العقارية من جهة وما يمكن أن تلعبه هذه الثروة في مسيرة البناء الاقتصادي من جهة أخرى. سؤالنا على أية أساس تقوم السياسة الرسمية في مجال العقار وما هي المبادرات المتخذة في سبيل دعم وظيفة العقار في مجال التنمية؟
تشتت الترسانة القانونية المنظمة للعقارذلك أن الحاصل أن المجال العقاري بالمغرب يخضع إلى مجموعة من النصوص القانونية التي تتنوع حسب الغرض من العقار، لعل من أهمها:
_ القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 17 يونيو 1992؛
_ القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 17 يونيو 1992؛
_ الظهير الشريف بتاريخ 23 فبراير 2010 المتعلق بمدونة الأوقاف كما وقع تعديله وتتميمه.
_ القانون رقم 12.67 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني؛
_ القانون رقم 18.00 المعدل والمتمم بالقانون رقم 106.12 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية؛
_ القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، كما تم تغييره وتتميمه بالقانون رقم 107.12 الصادر بتنفيذه ظهير 3 فبراير 2016؛
_ القانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار؛
_ القانون رقم 94.12 يتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري لسنة 2016 والمرسوم التطبيقي له بتاريخ 2 نونبر 2017
_ المرسوم بتاريخ 1 يناير 2018 بتحديد النظام النموذجي للملكية المشتركة؛
_ القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 9 غشت 2019، والقوانين الموازية كالقانون رقم 63.17 يتعلق بالتحديد الاداري لأراضي الجماعات السلالية، والقانون رقم 64.17 يقضي بتغيير وتتميم ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري.
أما على صعيد البرامج السكنية فإن الدولة وضعت جملة من البرامج نذكر على الخصوص:
– برنامج مدن بدون صفيح
_ برنامج السكن الاجتماعي
_ برنامج السكن المنخفض التكلفة
_ برنامج الفئات المتوسطة
_ برنامج التدخل في السكن المهدد بالانهيار
_ برنامج التدخل بالأحياء الناقصة التجهيز.
لكن كل هذه البرامج لم يتم بعد تقييمها من طرف البرلمان استنادا إلى الفصل 70 من الدستور في إطار تقويم السياسات العمومية، أجل الوقوف على جدواها وآثارها الحقيقية على المواطن البسيط
السؤال الثالث: يطرح تنوع الوعاء العقاري إشكالية حقيقية تعيق ادماج الثروة العقارية في الدورة الاقتصادية، هل من رؤية في سبيل إدماج العقارات المختلفة في بوثقة النشاط الاقتصادي والائتماني بالمغرب؟
غير خاف على المتتبع للشأن العام أن العقار يحظى بأهمية قصوى في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وضمان القوت اليومي للكائن الحي كآثار مباشر للنشاط الفلاحي، ناهيك عن اعتباره أداة ناجعة في تقليص الفوارق المجالية وترسيخ العدالة الاجتماعية.
وتقدر المساحة الاجمالية للمغرب ب 71 مليون هكتار، وإذا استثنينا منها الأراضي الصحراوية والجبال، الباقي لا يتعدى 35 مليون هكتار.
وتمتاز البنية العقارية الوطنية بازدواجية النظام العقاري وتعدد الأنظمة العقارية وكثرة المتدخلين.
أ _ تعدد الانظمة العقارية
فعلى مستوى تعدد الأنظمة العقارية، تمثل الملكية الفردية ما يناسب 75% من الوعاء العقاري الوطني، أما الباقي فيشمل 25 % موزعة على الشكل التالي:
_ الملك الخاص للدولة بمساحة 2.2 مليون هكتار بالإضافة إلى أراضي الجيش حوالي 300.000 ألف هكتار، تسهر على تدبيرهما مديرية أملاك الدولة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية؛
_ الملك الغابوي مساحته 9 ملايين هكتار أي 8 % من المساحة الوطنية، تعمل على تسييره وزارة الفلاحة والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر؛
_ الملك العام للدولة بمليون هكتار يخضع لمجموعة من القطاعات الوزارية منها على الخصوص الوزارة المكلفة بالتجهيز والماء؛
_ أراضي الجماعات السلالية 15 مليون هكتار تدبرها مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية؛
_ العقارات الوقفية بمساحة 85.000 هكتار، من ضمنها المقالع يدبرها الوزير المكلف بالأوقاف؛
_ أراضي الجماعات الترابية المملوكة للجماعات المذكورة تحت الوصاية الإدارية لوزارة الداخلية، تبقى مساحتها طي الكتمان.
ب _ ازدواجية النظام العقاري:
أما على مستوى ازدواجية النظام العقاري، فهناك العقار المحفظ ويخضع لقانون التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 كما وقع تعديله وتتميمه. والعقار غير المحفظ. وكلاهما يخضع للقانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 22 نونبر 2011، وقانون الالتزامات والعقود، وإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى بع العمل من الفقه المالكي.
وحسب الإحصائيات المستقاة من الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري فإن المساحة المحفظة ما بين سنتي 1913 و2015، أي لمدة 103 سنة، تقدر بما يناهز 7.1 ملايين هكتار، في حين بلغت المساحة المحفظة ما بين سنتي 2016 و2019، أي لمدة أربع سنوات، ما يناهز 6.6 ملايين هكتار، أي ما يشكل 48 في المائة من المساحة المحفظة.
أما فيما يخص تأسيس الرسوم العقارية، فقد تم إنجاز أربعة ملايين و630 ألف رسم عقاري في الفترة ما بين 1913 إلى غاية سنة 2015، فيما تم إنجاز مليون و370 ألف رسم عقاري ما بين سنتي 2016 و2019، ويعني ذلك إنجاز 23 في المائة من الرسوم العقارية في ظرف أربع سنوات.
وهذا إنجاز لا يعود للحكومة بالطبع مادام أن الوكالة المذكورة مؤسسة عمومية وليس قطاعا حكوميا.
السؤال الرابع: هل من اختلالات مرتبطة بوضعية العقار بالمغرب
تعدد النزاعات المرتبطة بالعقار غير المحفظ سواء من حيث ضبط الحدود أو الملكية؛
كثرة النزاعات والدعاوى العقارية بين مصالح الدولة، وبينها والجماعات الترابية أو السلالية؛
غياب سجل عقاري خاص بالأملاك العقارية والحقوق العينية غير المحفظة؛
غياب إطار تشريعي يسمح بتكوين احتياط عقاري للدولة أو إعادة تكوينه؛
عدم تنفيذ وثائق التعمير فيما يخص انجاز التجهيزات العمومية والجماعية؛
كثرة المتدخلين في تدبير وتسيير ما يسمى بالعقار العمومي؛
على المستوى الفلاحي، تبلغ المساحة القابلة للزراعة بالمغرب حوالي 8.7 مليون هكتار من أصل 71 مليون هكتار منها 1.5 مليون هكتار مسقية والباقي بوري. 70% من الاستغلاليات الفلاحية لا تتعدى مساحتها 5 هكتارات.
يشهد المغرب فقدان ما بين 3.000 و4.000 هكتار من الأراضي الفلاحية لحساب مشاريع التعمير والبناء.
غياب رؤية استراتيجية لمحاربة المضاربة العقارية، وخاصة بالمدن الكبرى.
كثرة العقارات المملوكة على الشياع مما يعرقل عملية استغلالها الاستغلال العقلاني والحد من تفتيتها.
السؤال الخامس: هل من اقتراحات بشأن تدبير الوعاء العقاري بالمغرب؟
نرى أن تدخلات السلطات العمومية في مجال العقار ستكون مفيدة من خلال الجواب عن الأسئلة التالية:
- كيفية تكوين وتدبير الأملاك العقارية للدولة، وتلك التي تحت وصاية القطاعات الحكومية؛
- كيفية استثمار هاته الأملاك وتثمينها من أجل التنمية المستدامة؟
- كيفية تفادي القطع مع الريع العقاري المنصب على العقار العمومي؟
- كيفية وضع استراتيجية محكمة من أجل إعادة تكوين الرصيد العقاري للدولة؟
- ما هي الأدوات القانونية والتنظيمية التي تمكن من تثمين العقار العمومي؟
- ما هي شروط الأمن القانوني والقضائي لاستقرار المعاملات العقارية؟
- مدى كفاية النصوص القانونية والتنظيمية في ضمان قدسية الملكية العقارية؟
وفي المقابل نقترح إحداث مجلس وطني للأملاك العقارية من مهامه الأساسية وضع السياسة العقارية العامة للدولة، وتتبع عملية تحديث وتحيين النصوص القانونية المنظمة للعقارات التي في ملك الدولة أو تحت وصاية السلطات الحكومية، كما يحق له أن يقوم بمبادرة منه بتقديم توصيات أو انجاز دراسات أو أبحاث لفائدة السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير والسكنى من أجل تحسين والرقي بالسياسة العقارية للدولة.
وتعرض وجوبا على المجلس الوطني للأملاك العقارية للدولة جميع النصـوص التنـظيمية والدوريات والمناشر المنظمة لعملية تسيير وتدبير أملاك الدولة العقارية أو التي تحت وصاية السلطات الحكومية من أجل إبداء الرأي، وتكون المرافق الإدارية المسيرة للعقار العمومي أو الوصية على العقارات الخاضعة لأنظمة خاصة ملزمة بموافاته بجميع المعلومات والمعطيات والاحصائيات وكذا النزاعات المتعلقة بهاته العقارات.
وفي الختام بشكر الدكتور الكريم الأستاذ العربي محمد مياد على قبول الدعوة والمساهمة معنا في تعزيز الثقافة القانونية من خلال موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية.