قراءة وتقييم في بعض مستجدات مشروع القانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد العالي للقضاء
شكلت خطوة إصدار نص تشريعي للمعهد العالي للقضاء، لبنة أساسية من لبنات استكمال صرح استقلال السلطة القضائية وفق المنظور الدستوري الجديد؛ فقد شكلت تبعية المعهد المذكور للسلطة القضائية المكلفة بالعدل هدفا لانتقادات متعددة اتفقت كلها على أن استمرار تكوين الملحقين القضائيين بإشراف مباشر من وزارة العدل يعتبر تدخلا مباشرا في مهام السلطة القضائية، إذ كيف يُتصور هيمنة السلطة التنفيذية على تكوين قضاة المستقبل المفترض فيهم أن يكونوا مستقلين عن السلطة المذكورة وخاضعين للسلطة القضائية.
وهكذا فقد جاء مشروع القانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد العالي للقضاء ليستجيب للمقاربة الدستورية في ما يتعلق باستقلال السلطة القضائية، وهي المقاربة التي يجب أن تبتدئ من بدايات المشوار المهني للقاضي والذي يعتبر التكوين الأساسي لبنته المحورية.
وفي هذا السياق يمكن سرد الملاحظات الأولية التالي بشأن مشروع القانون المذكور على النحو التالي:
أولا: يأتي هذا المشروع في سياق زمني أصبح فيه المعهد مؤسسة عمومية استراتيجية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، وهو مقتضى كان قد نص عليه القانون التنظيمي رقم 17.19 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وقد كرس هذا المقتضى مشروع قانون المتعلق بالمعهد العالي للقضاء.
ثانيا: يدير المعهد مجلس إدارة يرأسه الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويسيره مدير عام يعين بظهير باقتراح من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا للمادة 18 من المشروع، وذلك إلى جانب تعيين أغلب أعضاء مجلس الإدارة من قبل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حسب ما تقضي به المادة 9 من المشروع المذكور، وهو ما يضمن حسب تقديرنا تبعية حقيقية للمعهد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
ثالثا: يتم الإعلان عن مباراة الملحقين القضائيين بقرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهي المباراة التي أصبحت مفتوحة حسب نص عليه المشروع في وجه كل من توفرت فيه الشروط التالية:
- من لا يتجاوز عمره 45 سنة بالنسبة للمترشحين الأحرار تفعيلا للشروط العامة المنصوص عليها في البند الأول من المادة 8 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، و55 سنة بالنسبة للمترشحين المنتمين لموظفي هيئة كتابة الضبط وفق ما تقضي به المادة 9 من نفس القانون التنظيمي.
- من كان حاصلا على الشهادة التي ينص عليها القانون وذلك تفعيلا للبند الثاني من المادة 8 والفقرة الثانية من المادة 9 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الذين نصا على أن القانون يحدد نوع الشهادة المطلوبة لاجتياز مباراة الملحقين القضائيين بالنسبة لكل من المترشحين الأحرار والمترشحين المهنيين على التوالي؛ حيث إنه تطبيقا لذلك تم تحديد شهادة الماستر او الماستر المتخصص في القانون أو في الشريعة كشهادتين أساسيتين لاجتياز مباراة الملحقين القضائيين، في حين تم اعتبار شهادة الإجازة “شهادة احتياطية” لا يمكن اعتبارها إلا عند عدم كفاية حملة شهادة الماستر وذلك سدا للخصاص.
- إمكانية اشتراط تخصص آخر غير القانون الخاص والشريعة إذا تطلبت الحاجة ذلك، وفق ما تنص عليه مقتضيات المادة 29 من مشروع القانون.
رابعا: إلغاء شرط تحديد عدد الفرص
إعمالا للقواعد القانونية العامة، والتي تقضى بأنه “لا تلغى القوانين إلا بقوانين لاحقة، وذلك اذا نصت هذه صراحة على الالغاء، أو كان القانون الجديد متعارضا مع قانون سابق أو منظما لكل الموضوع الذي ينظمه” الفصل 474 من ق ل ع.
وحيث أن الظهير الشريف بمثابة قانون المتعلق بالنظام الاساسي لرجال القضاء هو القانون السابق وأن القانون التنظيمي للنظام الاساس للقضاة هو القانون اللاحق، فإن هذا الأخير قد نص في المادة 112 منه على أنه ” مع مراعاة مقتضيات المواد 113 و114 و115 و117 بعده، تنسخ جميع النصوص المخالفة لهذا القانون التنظيمي ولا سميا الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.467 يكون النظام الاساسي لرجال القضاء كما تم تغييره وتتميمه. وهو يدخل في نطاق النسخ الصريح.
غير ان المشرع نص في الفقرة الثانية من نفس المادة والتي جاء فيها” غير ان النصوص المتخذة تطبيقا للظهير الشريف المذكور تظل سارية المفعول الى حين تعويضها او نسخها”
ولما كان موضوع تحديد شروط المشاركة في مباراة الملحقين القضائيين تم تنظيمه بمقتضى المادة 8 من القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة وحددت سن الترشح في 45 سنة بالإضافة إلى الشروط الأخرى التي تطرق لها المشرع والتي لم يورد ضمنها شرط الأربع فرص التي كانت محددة بمجرد نص تنظيمي يصدره وزير العدل وليس نص قانوني. وهو الشرط الذي لطالما اعتبر شرطا تعسفيا حرم العديد من الكفاءات من اجتياز مباراة الملحقين القضائيين، خاصة تلك التي طالها نوع من الظلم المتمثل في رسوبها، ربما لمرتين، بمعدل لا يقل عن معدل آخر ناجح في المباراة بنقطة أو نقطتين، إذ كيف يمكن القبول بحرمان مثل هاته الكفاءات من معاودة اجتياز نفس المباراة بمبررات مخالفة لنص الدستور وما أقره القانون التنظيمي المعتبر بمثابة النظام الأساسي للقضاة. كما أن التخلي عن هذا الشرط التعسفي يعتبر وجها من أوجه تفعيل الفقرة الثانية من الفصل 117 من القانون 106.13 المتعلق بالقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والتي تقضي بنسخ مقتضيات الفصول من 4 الى 12 من الظهير الشريف رقم1.74.467 السالف الذكر والنصوص التنظيمية المتخذة تطبيقا للفصول المذكورة بمجرد دخول القانون المتعلق بتنظيم وسير مؤسسة تكوين القضاة “المعهد العالي للقضاء” حيز التنفيذ.
وتأسيسا على ما سلف ذكره، فإننا نرى أن ما جاء به مشروع القانون رقم 37.22 المتعلق بالمعهد العالي للقضاء يعتبر دفعة قوية في سبيل تكريس استقلال السلطة القضائية على مستوى تكوين الملحقين القضائيين، خاصة وأن الملس الأعلى للسلطة القضائية أصبح الجهة الدستورية الأعلم بحاجيات منظومة العدالة خاصة في الشق المتعلق منها بالقضاء، كما أن إشرافه على المباراة والتكوين يشكل فرصة لملاءمة برامج الاختبارات ومضمون مواد التكوين مع متطلبات الواقع العملي، ما يسمح بنوع من التعامل المرن مع الحاجيات المطلوبة للرقي بأداء السلطة القضائية، خاصة إذا اكتملت كل الخطط الموضوعة بضمانة الإشراف المباشر للسلطة القضائية على عملية التكوين وإشراك طاقم مؤهل من الكفاءات التي يزخر بها القضاء، خاصة من تلك المخضرمة التي تؤثث الفضاء الجامعي، والتي راكمت نوعا من الخبرة البيداغوجية وزاوجت بين البعدين المهني لاستكشاف طاقات المترشحين وما يتوفرون عليه من مؤهلات وتقديرها تقديرا يستجيب لحاجيات الواقع العملي، والعلمي الذي تستطيع من خلاله تقييم مستوى التحصيل الأكاديمي للمترشح، وكل ذلك في سبيل اختيار أجود الكفاءات المترشحة.
غير أنه بالرغم من ذلك فإنا نرى أنه في حالة استمرار الاستعانة بالأطر الجامعية الممثلين في الأساتذة الجامعيين نظرا لما يتوفرون عليه من خبرة، فإننا نقترح أن يكون تعيين من سيكونون في لجان الامتحانات من مختلف الجامعات وكليات الحقوق وعدم الاقتصار على كلية أو كليتين فقط ضمانا للمساواة بين التمثيل الأكاديمي لجميع الكليات لما يشكله ذلك من اطمئنان لجميع المترشحين بأن هناك نوعا من المساواة والنزاهة في التقييم.