دور محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة
تعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية بالمملكة وتسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد العمل القضائي، الأمر الذي يساهم في تحقيق الأمن القضائي وتعزيز جودة الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع.
وكما هو معلوم أن المقررات القضائية هي نتاج لمجهود القاضي يأتي بعد البت في طلبات الأطراف ودفاعهم وقبول ورد ما قدم من دفوع وردود، وهو ما يطلق عليه في القوانين المسطرية بالتعليل أي تسبيب الأحكام من خلال إنزال حكم القانون على الواقع وصولا إلى المنطوق الذي ينسجم مع التعليل.
غير أنه خلال مرحلة سريان الخصومة ومناقشة القضايا تعرض على القاضي مجموعة من الدفوع التي تصنف إلى دفوع منتجة وأخرى غير منتجة، ونشير إلى أن الدفع المنتج هو الذي يكون له تأثير على وجه قضاء المحكمة، ويكون الرد عليه وقبوله سببا في الحكم على طرف لحساب آخر، ويأتي هذا التصنيف في إطار رد الدفوع غير المنتجة التي تؤدي إلى إطالة أمد التقاضي، طالما أن المحكمة غير ملزمة بتتبع الأطراف في جميع مناحي أقوالهم.
ونتساءل كيف تساهم محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة، من خلال الاستناد إلى مقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية الذي أشار إلى مجموعة من الدفوع، إذ ينص على ما يلي:” يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين.
يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا.”
كما أن معيار تحقق الغاية ساهم بدوره في التقليل من الدفوع المثارة بخصوص العديد من الإخلالات الشكلية التي يرمي من خلالها الأطراف إلى التأثير على نتيجة المقرر القضائي.
أولا: تحقق الغاية من الإجراء كسبب من أسباب رد الدفوع المتعلقة بالخبرة:
يعتبر معيار تحقق الغاية من المعايير الناجعة التي كرستها محكمة النقض في العديد من النوازل القضائية التي ردت فيها بعض الدفوع المثارة بشأن إخلالات شكلية تمسك بها الأطراف رغم أنه لم يعد هناك مبرر مقبول للتمسك بها، لكون الغاية من الإجراء القانوني المدعى بخرقه قد تحققت الغاية منه لسبب من الأسباب التي سنذكر بعضها.
- الدفع بعدم إشعار الأطراف بقرار استبدال الخبير:
جاء في إحدى وسائل مقال الطعن بالنقض، حيث يعيب الطاعنون على القرار خرق الفصل 61 من قانون المسطرة المدنية ذلك أنه لم يتم إشعارهم باستبدال الخبير (ع-ب) بالخبير (س-أ) المعتمدة خبرته في القرار المطعون فيه.
وقبل أن نعرض موقف محكمة النقض من هذه الوسيلة لا بد من الإشارة إلى مقتضيات الفصل 61 المذكور الذي ينص في الفقرة الأولى على أنه:” إذا لم يقم الخبير بالمهمة المسندة إليه داخل الأجل المحدد له أو لم يقبل القيام بها، عين القاضي بدون استدعاء للأطراف خبيرا آخر بدلا منه وأشعر الأطراف فورا بهذا التغيير.”
يتبين من خلال استقراء مقتضيات الفصل أعلاه أنه يتعين على القاضي كلما أمر باستبدال الخبير المعين سلفا بخبير آخر لعدم إنجاز مهمته أو لأي سبب آخر أن يشعر الأطراف فورا بقرار الاستبدال، ضمانا لحقهم في ممارسة إجراءات التجريح إن كان لها موجب طبقا للفصل 62 من ذات القانون.
على أنه من بين التزامات الخبير استدعاء الأطراف ووكلائهم للحضور لإجراءات الخبرة، حتى يتمكن كل طرف من الإدلاء بملاحظاته وإبداء آرائه حول موضوع النزاع، وبالتالي فإن حضورهم للخبرة ضمانة من الضمانات القانونية المقررة لفائدتهم طبقا للفصل 63 من قانون المسطرة المدنية.
وقد ردت محكمة النقض الوسيلة المشار إليها أعلاه بكون الغاية من الإشعار باستبدال الخبير قد تحققت من خلال حضور الطاعنين لإجراءات الخبرة، واعتبرت أن حضورهم بمثابة إشعار لهم بالخبير المعين بمقتضى القرار القاضي بالاستبدال[1].
وبالتالي نلاحظ مدى مساهمة محكمة النقض في إطار الجواب على الوسائل في رد بعض الدفوع المثارة بشأن الإخلالات المسطرية التي لا تأثير لها على وجه قضاء المحكمة وعلى سلامة نتيجة المقرر القضائي.
- الدفع بعدم استدعاء الأطراف لحضور إجراءات الخبرة:
في قضية أخرى عرضت على محكمة النقض تتعلق بالطعن في القرار الاستئنافي القاضي في شقه المتعلق بالدعوى المدنية التابعة بأداء تعويضات لذوي حقوق الهالك في إطار حادثة سير، إذ جاء في وسيلة الطعن بالنقض أن الخبرة أنجزت في غيبة الطاعنين ودفاعهما مما يعد خرقا للفصلين 40 و63 من قانون المسطرة المدنية وخرقا لحق الدفاع، وبالتالي اعتماد الحد الأدنى للأجر، لكن محكمة الاستئناف ردت الدفع بعلة أن الخبير احترم مقتضيات الفصل 63 م قانون المسطرة المدنية والخبرة موضوعية لأن الخبير اعتمد أجرة المثل، وهذا التعليل ليس في محله نظرا لخلو الملف مما يثبت استدعاء المسؤول المدني رغم أنه طرف رئيسي في النازلة والفصل 63 المذكور يوجب على الخبير استدعاء كافة الأطراف ووكلائهم، وخلوه كذلك مما يثبت توصل دفاع الطاعنين بأي إشعار من طرف الخبير كما أن الضحية يمارس مهنة حرة خاضعة للقانون الضريبي، وورثته لم يقدموا للخبيرة الحيسوبية أية تصاريح ضريبية مما يكون معه القرار خارقا للقانون ومعرضا للنقض.[2]
ردت محكمة النقض ما تضمنته الوسيلة من عدم استدعاء الطرف ودفاعه بكون الغاية من هذا الإجراء أي الاستدعاء لحضور إجراءات الخبرة قد تحققت طالما أن طالبة النقض لم تنازع في الضمان وناقشت الوثائق المعتمدة في الخبرة الحسابية.
وقد يحصل أيضا أن يدفع الأطراف بعدم استدعائهم لحضور إجراءات الخبرة المأمور بها رغم أنهم حضروا وتم تسجيل حضورهم في محضر من طرف الخبير المعين، مما يجعل دفعهم غير جدي ولا تأثير له على صحة إجراءات الخبرة ومآلها، طالما أن الغاية من الاستدعاء قد تحققت بحضورهم دون استدعاء، ويبقى ما أثير على غير أساس ويتعين رده.
وبالتالي تكون محكمة النقض قد ردت هذا الدفع المثار لعدم ارتكازه على أي أساس قانوني أو واقعي سليم، خاصة إذا علمنا أنها نقضت العديد من القرارات بسبب خرق مقتضيات الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية لا سيما الاستدعاء لحضور الخبرة لكونه من الإجراءات الجوهرية التي يترتب على خرقها تضرر مصالح الأطراف.
- الدفع بعدم تبليغ الأطراف بالحكم التمهيدي القاضي بإجراء خبرة:
ينص الفصل 62 من قانون المسطرة المدنية على أنه: ” يمكن تجريح الخبير الذي عينه القاضي تلقائيا للقرابة أو المصاهرة بينه وبين أحد الأطراف إلى درجة ابن العم المباشر مع إدخال الغاية:
– إذا كان هناك نزاع بينه وبين أحد الأطراف؛
– إذا عين لإنجاز الخبرة في غير مجال اختصاصه؛
– إذا سبق له أن أبدى رأيا أو أدلى بشهادة في موضوع النزاع؛
– إذا كان مستشارا لأحد الأطراف؛
– لأي سبب خطير آخر.
يمكن للخبير أن يثير أسباب التجريح من تلقاء نفسه.
يتعين تقديم طلب التجريح داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعيين الخبير.
تبت المحكمة في طلب التجريح داخل خمسة أيام من تاريخ تقديمه، ولا يقبل هذا المقرر أي طعن إلا مع الحكم البات في الجوهر.”
حدد الفصل أعلاه أسباب وحالات تجريح الخبير المعين تلقائيا من طرف المحكمة وكذا أجل تقديم طلب التجريح والبت فيه، وفي ذلك ضمانة من ضمانات التقاضي المقررة لصالح الأطراف، لا سيما وأن نتائج الخبرة تكون حاسمة في العديد من القضايا.
وكما هو معلوم مسطريا أن الخبرة تكون بحكم تمهيدي يصدره القاضي ويخضع كغيره من الأحكام لمقتضيات التبليغ وباقي الشكليات المحددة في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية، باستثناء الطعن بالاستئناف الذي يبقى حقا مكفولا إلى حين ممارسته مع الحكم الفاصل في الجوهر عملا بمقتضيات الفصل 140 من نفس القانون.
غير أنه عمليا لا يتم تبليغ الأحكام التمهيدية الصادرة بإجراء خبرة بسبب كثرة القضايا، أو لعلم الأطراف ودفاعهم بصدورها لا سيما في المساطر الكتابية (ملفات المسؤولية التقصيرية نموذجا)، إلا أنه مع ذلك يثار بشأن ذلك العديد من الدفوع بسبب عدم تبليغها.
ولا شك أن فهم أسباب النزول في التشريع يساعد على معرفة الغاية من كل إجراء وضعه المشرع، فالغاية من التنصيص على ضرورة تبليغ الأطراف بالحكم التمهيدي القاضي بإجراء خبرة هي ضمان حقهم في ممارسة التجريح داخل الأجل إن توفرت موجباته، طالما أن ذلك يتم بعد توصلهم بالمقرر القاضي بإجراء خبرة.[3]
إذن نتساءل كيف تعاملت محكمة النقض مع هذا الدفع؟
بداية اعتبرت محكمة النقض في العديد من القرارات[4] أن عدم تبليغ الأطراف بالحكم التمهيدي الصادر بإجراء خبرة يجعل أجل التجريح مفتوحا بالنسبة إليهم، حتى يتمكنوا من تقديم طلب التجريح في أي مرحلة من مراحل الدعوى.
غير أن ذلك رهين بتمسكهم بحقهم في سلوك مسطرة التجريح ضد الخبير، أما في الحالة التي لا يثير فيها الطرف أي دفع بشأن التجريح، ثم يعيب على الحكم الصادر في الجوهر بكونه لم يتم تبليغه بالحكم التمهيدي الصادر بإجراء خبرة رغم مناقشته لما جاء في تقرير الخبرة ونتائجها وتعقيبه عليها، دون إثارة أي دفع بخصوص تجريح الخبير، يجعل دفعه غير جدي ومآله الرد، وذلك ما كرسته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه بأن الغاية من تبليغ الأمر التمهيدي القاضي بإجراء خبرة هي فتح المجال أمام الأطراف لممارسة مسطرة التجريح في الخبير المنتدب داخل الأجل القانوني، وما دام الطاعن لم يمارس هذا الحق إلى أن أصبحت القضية جاهزة بل وأدلى بملاحظاته حول الخبرة؛ فإنه لم يترتب له أي ضرر من عدم توصله بالحكم التمهيدي[5].
- الدفع بعدم الإشارة إلى أن القرار صادر عن الهيئة التي ناقشت القضية:
جاء في النعي على قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف، والفصل 345 من قانون المسطرة المدنية، بدعوى أن القرار الاستئنافي المذكور ومحضر الجلسة لم يشيرا إلى أن الهيئة التي ناقشت القضية هي نفسها التي أصدرت الحكم، ملتمسا معه نقض القرار المطعون فيه.
وفي إطار رد محكمة النقض على النعي اعتبرت أن عدم إشارة القرار المطعون فيه ضمن بياناته إلى صدوره عن نفس الهيئة التي ناقشت القضية لا يعيبه في شيء، طالما أن الثابت من خلال محضر الجلسة أنه صدر عن نفس الهيئة القضائية التي ناقشتها، والفرع من الوسيلة على غير أساس.[6]
ثانيا: اشتراط تحقق الضرر للطرف المتمسك بالخرق الشكلي:
ينص الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:” يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين.
يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا.”
انطلاقا من الفصل المذكور يمكن رد مجموعة من الدفوع غير المنتجة التي تعترض المقرر القضائي، وذلك من خلال اشتراط تحقق عنصر الضرر لقبول بعض الدفوع.
- الدفع بعدم تضمين بيان مهنة الأطراف في المقال الافتتاحي:
يتضمن الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية بعض البيانات التي يتعين على المدعي تضمينها في إطار تقييد الدعوى ووضع المقال لدى المحاكم حتى يتم قبولها من الناحية الشكلية، إلا أن السؤال المطروح هو هل لتخلف أحد البيانات المذكورة أثر على صحة الطلب؟.
فمن بين الدفوع المثارة بشأن بيانات المقال، حالة عدم ذكر مهنة المدعى عليه، الذي يعتبر في الحقيقة دفعا غير منتج ولا تأثير له على سلامة الدعوى، خاصة إذا لم يثبت الطرف المثير للدفع الضرر الحاصل له من جراء عدم تضمين بيان المهنة.
وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه أن خرق قاعدة لا يشكل سببا من أسباب النقض إلا إذا تضررت مصالح مثير الخرق المذكور، وبيَّن وجه تضرره من ذلك الخرق المزعوم[7].
وفي قرار آخر[8] اعتبرت أن مثير الخرق عليه عبء إثبات وجه تضرره، إذ جاء في النعي على القرار الاستئنافي ما يلي: “عدم الارتكاز على أساس قانوني، وفساد التعليل الموازي لانعدامه، بدعوى أنه علل ضمه للاستئنافين بإنجاز خبرة مشتركة تهم الإرساليتين موضوع سندي الشحن، والحال أن لكل بضاعة فاتورتها التجارية وسند شحنها والأمر بالتأمين المتعلق بها، والقيمة المؤمن عليها، ووصل تصفية العوار الخاص بها، وعليه فإنه ولئن كان تقرير الخبرة هو الأمر المشترك بين الملفين، إلا أن ذلك لا يعد موجبا للضم، خصوصا أن موجباته هي وحدة الأطراف والسبب والموضوع، مما يناسب التصريح بنقض القرار المطعون فيه.”
وردت محكمة النقض الوسيلة المذكورة بما يلي: “لكن حيث إن الإخلالات المسطرية لا تعد سببا من أسباب النقض، إلا إذا ثبت أنها رتبت ضررا لمن تمسك بخرقها، وفي النازلة الماثلة لم تثبت الطالبتان الضرر الذي أصابهما من جراء استجابة المحكمة لطلب الضم، والوسيلة غير مقبولة.”
- الدفع بالإشارة إلى (وزارة العدل) في ديباجة الأحكام القضائية:
جاء دستور المملكة لسنة 2011 بأحكام قانونية تسعى إلى ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، تكريسا لاستقلال القضاء، وذلك من خلال إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية يرأسها جلالة الملك وتمكينها من الاستقلال المالي والإداري وتخويل الرئيس الأول لمحكمة النقض مهام الرئيس المنتدب بدلا من وزير العدل تجسيدا لفصل السلط.
وفي إطار العمل القضائي كانت بعض الأحكام والقرارات القضائية تحمل في ديباجتها بعد -المملكة المغربية- عبارة -وزارة العدل- على الرغم من استقلال السلطة القضائية عن وزارة العدل باعتبار هذه الأخيرة جهازا تابعا للسلطة التنفيذية، الأمر الذي استغله طرف من أطراف قرار قضائي صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء كوسيلة للطعن بالنقض نعى فيها على القرار المذكور خرق القانون، لكون القرار جاء مخالفا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.17.45 المؤرخ في 30/08/2017 بتنفيذ القانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام لمحكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، وكذا الفصل 107 من الدستور، وبالتالي بطلان القرار الاستئنافي بعلة أنه ورد بديباجته –وزارة العدل- كما لو كانت سلطة الوصاية على محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، والحال أن هذه الوصاية زالت استنادا إلى الفصل 113 من الدستور وذلك على إثر إحداث المجلس الاعلى للسلطة القضائية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.16.40 المؤرخ في 24/03/2016 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6456 بتاريخ 14/04/2016 الصفحة 3143، معتبرا أن تلك المقتضيات من النظام العام وخرقها يعرض القرار المذكور للبطلان.[9]
ردت محكمة النقض ما جاء بالوسيلة أعلاه بتعليل كالتالي: “لكن حيث إن الخرق المسطري كسبب للنقض مشروط بحصول الضرر لمن يتمسك به، والطاعن لم يدع حصول ضرر أصابه جراء الخلل المسطري المشار إليه في الوسيلة، فهي غير مقبولة”[10].
- الدفع بعدم تحرير محضر في إطار إجراءات التحقيق:
تعتبر الأبحاث والمعاينة من إجراءات التحقيق التي تلجأ إليها المحكمة لتكوين اقتناعها الصميم والإحاطة بنقط الغموض التي تكتنف النزاع أو العالقة به، وقد نظم المشرع إجراءاتها ضمن قانون المسطرة المدنية في الفصول من 55 إلى 102 كإطار عام والفصول 334 و336 و342 بالنسبة للقضايا المعروضة على محاكم الاستئناف.
ولما كان موضوعنا هو الوسائل التي تعرض على محكمة النقض في إطار النعي على القرارات الاستئنافية، فإنه سبق الطعن بالنقض في قرار استئنافي بإحدى الوسائل مفادها أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أجرت بحثا للتأكد من حيازة الطاعن للعقار المتصدق به دون الانتقال إلى هذا العقار، وإجراء بحث بعين المكان، وأن المستشار المقرر أجرى بحثا في القضية ولم يحرر أي تقرير فيها، مما يكون معه القرار خارقا لمقتضيات الفصول 334 و335 و342 من قانون المسطرة المدنية.
ردت محكمة النقض هذه الوسيلة معتبرة أنه طبقا للفصل 359 من قانون المسطرة المدنية، فإن الخرق المسطري كسبب للنقض هو الذي يترتب عنه ضرر للطرف المعني، والحال أن الطاعن لم يبين الضرر الذي لحقه من عدم تحرير التقرير المذكور، وما جاء بالوسيلة على غير أساس.[11]
- الدفع بخرق مقتضيات الفصل 440 من قانون الالتزامات والعقود:
يعتبر الدفع بمخالفة الفصل 440 من قانون الالتزامات والعقود من الدفوع الأكثر شيوعا التي تثار في إطار الجواب على المقالات الافتتاحية المرفقة بصور شمسية للوثائق، وذلك لأجل استبعادها وعدم استفادة المدعي منها، دون المنازعة في مضمونها.
إلا أن محكمة النقض ردت على هذا الدفع المثار في إحدى الوسائل المعروضة عليها بمناسبة البت في طعن بالنقض كالتالي: “لكن حيث إن الطالبة لم تنازع في محتوى الوثائق التي استند عليها الحكم الابتدائي والتي هي عبارة عن صور فوتوغرافية، إذ لا يمكن التمسك بهذا الدفع إلا في مواجهة الأوراق المؤثرة في مسار الدعوى من حيث الإثبات دون غيرها، وأنه ما دامت الطالبة لم تنازع في مضمون هذه الوثائق فيبقى الدفع المذكور غير مؤثر وما بالوسيلة على غير أساس.[12]
وهكذا يتضح الدور المهم الذي تضطلع به محكمة النقض في التقليص من حدة الدفوع التي تحول دون الفصل في جوهر النزاعات وإنهاء الخصومات، لا سيما أن النجاعة القضائية تتطلب البت داخل آجال معقولة، ويبدو أن توظيف عنصر الضرر طبقا للفصل 49 من قانون المسطرة المدنية ومعيار الغاية ومدى تحققهما قد ساعد أيضا في التصدي لمجموعة من الدفوع التي كانت تحول دون البت في جوهر القضايا.
[1]– قرار محكمة النقض عدد 45/1 الصادر بتاريخ 04 أبريل 2023 في الملف العقاري عدد 1098/1/1/2020، منشور بالموقع الرسمي لمحكمة النقض.
[2]– قرار محكمة النقض عدد 585 الصادر بتاريخ 17 مارس 2022 في الملف الجنحي عدد 10259-60/2021+ 3774/2022، منشور بالموقع الرسمي لمحكمة النقض.
[3]– في هذا الصدد اعتبر الأستاذ نور الدين لبريس أنه وإن كان الفصل 334 من ق م م قد تحدث عن تبليغ الأوامر بإجراءات التحقيق بواسطة بكتابة الضبط، فإنه لا يوجد ضمن ق م م نص يوجب تبليغ الأحكام التمهيدية الآمرة بإجراء التحقيق، أو خبرة للأطراف، مؤكدا أن تبليغها ليس إلزاميا، وأن عدم تبليغها لا ينعكس بأثر سيء على عملية الخبرة، وحتى ما اشار إليه الفصل 56 من ق م م يتعلق فقط بالأمر بالإيداع المسبق لمصاريف الإجراء المطلوب، وكذلك إشارة الفصل 62 الضمنية إلى التبليغ غايتها سريان مهلة خمسة أيام المحددة لتجريح الخبير-حسب هذا النص-، أثر واحد هو عدم سريان أجل تجريح الخبير ولا شيء غير ذلك…- للمزيد من التفصيل: نور الدين لبريس، “نظرات في قانون المسطرة المدنية”، الطبعة الأولى 2012، مطبعة الأمنية، الرباط، ص: 83
[4]– القرار عدد 04 الصادر بتاريخ 03 يناير 2023 في الملف المدني عدد 1975/1/5/2021، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.
[5]– القرار عدد 94/2 الصادر بتاريخ 29 يناير 2015 في الملف الإداري عدد 2788/4/2/2014، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.
[6]– قرار صادر بتاريخ 29- 06-2017 في الملف التجاري عدد 826/3/1/2016، غير منشور.
[7]– القرار عدد 62 الصادر بتاريخ 19 يناير 2023 في الملف الإداري عدد 1773/4/1/2022، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.
[8]– قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 18- 10– 2018 في الملف التجاري عدد 65/3/1/2017، غير منشور.
[9]– للمزيد من الاطلاع: ذ/ رضى بلحسين، “الإشارة إلى وزارة العدل في ديباجة الأحكام لا تأثير له على صحتها”، مقال منشور على الصفحة الفايسبوكية jurispresso.
[10]– القرار عدد 80 الصادر بتاريخ 10 فبراير 2022 في الملف عدد 700/3/3/2020،أورده الأستاذ رضى بلحسين، “الإشارة إلى وزارة العدل في ديباجة الأحكام لا تأثير له على صحتها”، مقال منشور على الصفحة الفايسبوكية jurispresso.
[11]– القرار عدد 85 الصادر بتاريخ 16 فبراير 2021 في الملف الشرعي عدد 884/2/1/2018، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.
[12]– القرار عدد 133/2 الصادر بتاريخ 31 يناير 2019 في الملف الإداري عدد 617/4/2/2017، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.