مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية

30 نوفمبر 2024
مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية

مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية

      تكتسي التفرقة بين المسؤولية المدنية والجنائية أهمية كبيره لدي فقهاء القانون، وذلك لارتباطها الوثيق بمسألة التكييف القانوني وعملية الإثبات، فإذا كان اصطلاح المسؤولية بشكل عام يطلق من الناحية اللغوية على حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته، فأخلاقياً تطلق على التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً، فيقال أنا بريء من مسؤوليتي عن هذا العمل، كما تطلق على الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقا للقانون. كجزاء عن الإخلال بالتزام أدبي أو قانوني يقع على الفرد داخل مجتمعه.

وفي هذا السياق وارتباطا بموضوعنا المتعلق بالجواب عن الإشكالية المرتبطة بتعين الضوابط المحددة لقيام كل من المسؤولية الجنائية و المهنية في جرائم الأموال و التمييز بينهما، تم بعد ذلك توضيح الآثار القانونية المترتبة عن كليهما، خصوصا وان موضوع التمييز بينهما، يثير كثيرا من اللبس القانوني الناجم عن تداخل المفاهيم و المحددات القانونية و القضائية الفاصلة بينهما، وعليه فالمسؤولية الجنائية معناها الالتزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر أركان الجريمة في فعل ما، وموضوع هذا الالتزام هو العقوبة أو التدبير الاحترازي الذي يقرره القانون بحق المسؤول عن الجريمة، أما المسؤولية المهنية فتتحقق وتقوم بمناسبة الأعمال المهنية التي تترتب على عمل يصدر من المهني نفسه، كما أن أساسها الخطأ، وعليه فالخطأ غير مفترض في جانب المسؤول ويجب على المضرور إثباته،

ومما لا شك فيه أن  موضوع الفصل و التمييز بين كل من  المسؤولية المهنية و المسؤولية الجنائية ، أصبح من المواضيع المهمة، التي تفرض نفسها على كل دارس أو مهتم بالشأن القانوني و القضائي، خصوصا و أن مهمة الفصل بين كل من المسؤولية الجنائية و المهنية لازالت محل نقاش وجدل كبيرين بين فقهاء القانون ورجال القضاء والباحثين، ولا غرابة في ذلك، فقد أفرز هذا الجدل والاختلاف الفقهي تطورا في المعطيات الجديدة، لاسيما فيما يتعلق بتطور جرائم الأموال العمومية، ومحاولة البعض السعي للفصل بينهما،

الفقرة الأولى: ماهية جرائم الاختلاس و التبديد الواقعة على المال العام والعناصر التكوينية لها

     تعرف جريمة الاختلاس بشكل عام بأنها استيلاء شخص ما على مال أو ممتلكات بشكل غير قانوني، أما إذا ما كانت مرتبطة باختلاس مال عام ، فتعريفها يكون أدق من التعريف العام لها و أخص، ذلك أن وقوعها على المال العام يضفي عليها خصوصية تتطلب قيام مجموعة من الشروط و العناصر التكوينية لها، إضافة إلى توافر أركانها اللازمة لذلك، ولعل ومن بين أهم الشروط المرتبطة بفعل الاختلاس ،أن يكون مرتكبها جريمة الاختلاس أموال عمومية موظفا عموميا مؤتمنا على هذه الأموال بسبب منصبه أو وظيفته، لذلك يمكن القول أن اختلاس أموال عمومية يراد به اتجاه نية الموظف العمومي إلى التصرف بالمال العام بسوء نية،وذلك بتغيير الظرف المخصص له،

   أما فيما يخص تحديد  مفهوم تبديد الأموال العامة، فالمراد به بشكل عام، ذلـك التصـرف الواقع على المال العام على نحـو كلـي أو جـزئي بإنفـاقه أو إفنـائه، وإذا ما كان التبديد مرتبط بالمال العام،

وقد تطرق القانون المغربي لجرائم الاختلاس و التبديد المتعلقة بالأموال العمومية في مجموعة من النصوص الواردة بالقانون الجنائي، سعيا منه لتوضيح الحقوق وتحديد المسؤوليات في قضايا الاختلاس و التبديد المالي وحماية الأموال العامة والخاصة، ومن جهة أخرى لضمان معاقبة مرتكبي هذه الجرائم. ولعل أبرز ما تم التنصيص عليه في هذا الصدد مقتضيات الفصول: 241 و 242 و 242 مكرر من القانون الجنائي ،حيث بموجبها تم ضبط وتحديد طبيعة الأموال العامة المقصودة، التي تقتضي أن تكون أموالا مرادفة للنقود معدنية أو ورقية تملكها الدولة أو المؤسسات العمومية أو سندات تقوم مقامها وتلعب دور النقود كالكمبيالة أو السند للأمر أو الشيك تكون موضوعة تحت يد الموظف العمومي.

ولقيام جريمتي الاختلاس و التبديد، استوجب المشرع توافر مجموعة من العناصر التكوينية المتعلقة بالفعل ألجرمي، وهكذا لتحقق قيام جريمة الاختلاس، يجب توفر العناصر التكوينية و شروط توافرها ، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض رقم  2022/735 ملف عدد  2021/12/6/14985،إن المحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي فيما قضى به مستندة إلى اعتراف الطاعن تمهيديا بمحضر الضابطة القضائية له وانتهت إلى ثبوت العناصر التكوينية للجنحة موضوع المتابعة، تكون قد استعملت سلطتها في تقييم الأدلة والحجج المعروضة عليها ولا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل، وأبرزت العناصر التكوينية لفصل المتابعة، فجاء بذلك قرارها معللا تعليلا كافيا وسليما من الناحيتين الواقعية والقانونية.

ومن هذا المنطلق يمكن القول انه لقيام جريمة اختلاس أموال عمومية يجب توافر أركانها التالية: :

الركن المادي: يتمثل في فعل الاستيلاء أو التصرف في المال الذي كان بحوزة الجاني بشكل مشروع بفضل وظيفته أو موقعه و يجب أن يكون المال المختلس منقولاً (أموال, مستندات, أوراق مالية) وليس عقار، فالاستيلاء يُعتبر مكوناً أساسياً في جريمة الاختلاس، وهو التصرف بالمال كأن الجاني يملكه، ويقوم بإخراجه من حيازة الجهة المالكة بشكل غير قانوني.

الركن المعنوي : و يتمثل في توافر النية الجنائية لدى الجاني, أي القصد العام (الوعي والإرادة) والقصد الخاص (نية الاستيلاء على المال بهدف تملكه بشكل دائم) حيث يجب أن يثبت أن الجاني كان يدرك تماماً أن هذا الفعل مخالف للقانون، وأنه قام به لتحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة.

الركن الخاص: (صفة الجاني) يجب أن يكون الجاني موظفاً عمومياً أو شخصاً مؤتمناً على الأموال بحكم وظيفته أو موقعه، ويعتبر هذا الركن عنصراً جوهرياً في جريمة الاختلاس, فلا يمكن أن يقوم بها شخص عادي غير مرتبط بعلاقة ثقة أو مسؤولية تجاه المال المختلس.

الركن القانوني: وهذا الأخير يرتكز على النصوص القانونية التي تُجرّم فعل الاختلاس وتحدد العقوبات المفروضة عليه..

و بالعودة إلى النصوص الواردة بالقانون الجنائي ، يمكن القول أن جريمة اختلاس أموال عمومية تتحقق عندما تقع على مال الدولة، وذلك بالعمد إلى الاستحواذ على هذه الأموال العمومية لنفسه أو بتبددها،

أما بالنسبة لجريمة تبديد أموال عمومية، فتتحقق هي الأخرى بمجرد قيام العناصر التكوينية لها حيث جاء في قرار لمحكمة النقض رقم 271 ملف رقم 6693/6/4/2019:

لما أيدت المحكمة القرار الابتدائي فيما قضى به من إدانة الطاعن من أجل المشاركة في جناية تبديد أموال عامة طبقا للفصل 241 من القانون الجنائي بعد ما اعتبرته موظفا عموميا باعتباره يقوم بمهمة ذات نفع عام تتمثل في مساعدة القضاء في البت في النزاعات، ومعللة ذلك بأنه سهل على المتهم الاستحواذ على ممتلكات إدارة المياه والغابات التي وضعت تحت يده بمقتضى وظيفته، وبأن المتهم المذكور استند على محضر المعاينة الذي أنجزه الطاعن لأجل تفويت العقار المملوك للإدارة المذكورة، دون أن تبرز في تعليلها من أين استخلصت أن العقار موضوع القضية كان موضوعا تحت يد الطاعن بمقتضى وظيفته، وهو الركن الأساسي في جريمة تبديد أموال عامة من طرف موظف عمومي موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته طبقا للفصل 241 من القانون الجنائي، ودون أن تبرز عناصر المشاركة في الجناية المذكورة طبقا لما يقضي به الفصل 129 من القانون السالف الذكر، وكذا عنصر علم الطاعن بأن العقار المذكور مملوكا لإدارة عمومية، تكون قد أضفت على قرارها عيب فساد التعليل وانعدام الأساس القانوني وعرضته للنقض والإبطال.

و عليه فليقام جريمة تبديد أموال عمومية يشترط فيها هي الأخرى توفر كل من :

الركن المادي: يتمثل الفعل المادي المكون لهـذه الجريمة في تبديـد أمولا عامة أو استعمالاها على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان أخر و يشمل هذا أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي شيء أخـر ذات قيمة عهـد بها إليه بحكم وظيفته أو بسببها .

و يتخــذ الركـن المـادي في جريمة تبديد أموال عمومية بإنفاقه أو إفنائه بحيث يستعمل الموظف و يعتمـد على طـرق مشروعة قانونا و يقوم من خلالها بإنفـاق المال العـام و إفناءه، و بالتالي قيام فعل التبديـد .

الركـن المعنوي: يقوم الركن المعنوي في هــذه الجريمة على توافــر القصــــد الجنائي، فهي جريمة عمدية في كل صورها، و عليه يجب أن يكون الموظف على علم بأن المال الذي بحوزته هو ملك للدولة و مع ذلك تتجـه إرادته إلى تبديـده .

و نرى أن القصد العام القائم على العلم و الإرادة يكفي لتحقيق الركن المعنوي، في حين يتطلب الأمــر تحقق القصد الجنائي الخاص في فعل تبديد يتطلب اتجاه نيـة الموظف إلى تبديد الشيء الذي بحوزته فإذا نختلف القصد الخاص و هـو نيــة التبديد إذ ذاك لا يمكن وصف الجرم على انه تبديد لأموال عمومية على اعتبار أن جريمة تبديد الأموال العامة تحققها مرتهن برغبة و سوء نية الفاعل المتجهة لارتكاب الفعل ، و هي ألحظة التي تتـم بها الجريمة كاملة مما يعني أن الشروع في التبديـد غير متصور في جريمة تبديد أموال عمومية فهي إما تقـع كاملة و إما أن لا تقـع .

الركـن الخاص: يشيــر القـانون الجنائي المغربي إلى صفـة الجـاني الـذي يــرتكب هـذه الجريمة مشترطا بذلك أن يكون التبديد الواقع على المال العام هو الأخر مرتكب من الموظف العمومـي، أي أن يكـون مـرتكب هـذه الجـريمة فـي عـداد العـاملين في الـدولة،ويـلاحـظ أن المشـرع المغربي فـــي القـانون المتعلـق بالوظيفة العمومية لـم يتـوسع فـي إعطـاء وشـرح معنى الموظف العمومي خـلافـــــا لمـا نـص عليـه القانون الجنائي، بحيث ان دلالة الموظف ابعد و أوسع نطاقا مما جاء ذكره بقانون الوظيفة العمومية.

الركـن القانوني: و هـي نص المواد 241 و 242 و 242 مكرر من القانون الجنائي المغربي.

   وعلى ضوء ما سبق بسطه و بيانه، فالمشرع المغربي حدد شروطا و ضوابط لقيام جناية اختلاس و تبديد أموال عمومية بغير حق، اقتضاؤها وجود المال في ملك الدولة و عنصراً من عناصر ذمتها المالية، كما يفترض قيام موظف عام أو من في حكمه بتبديد أو اختلاس المال العام خلسة أو حيلة أو عنوة بمقتضى وظيفته و انصراف نيته إلى اختلاس و تبديد أموال عمومية باعتباره حائزا لها و التصرف فيها، وهو معنى مركب من فعل مادي، هو التصرف في المال ومن عامل معنوي يقترن به، هو اتجاه نية الموظف إلى فعل الاختلاس أو بإضاعة المال وتبديده عمدا، الشيء الذي يقتضي توفر عنصري التبديد (الإتلاف) أو الاختلاس وأن يكون ذلك مقرونا بسوء النية لدى الجاني، أي ضرورة تحقق القصد الجنائي الذي يقوم بتوافر عنصري العلم والإرادة.، ومادام أن الأصل في الإنسان حسن النية إلى أن يثبت العكس، وان الأصل هو البراءة، وأن الشك يفسر لفائدة المتهم، إذا لا يمكن وصف الفعل المرتكب بالاختلاس وتحققه إلا إذا تبت أو متى استعمل الجاني الشيء في غير ما اتفق عليه أو تصرف فيه كما لو كان في ملكه إضرارا بالغير بسوء نية، كأن يقوم المختلس بإضافة المال المختلس المعهود إليه لملكه بنية إضاعته على مالكه.

الفقرة الثانية: مناط الإثبات في جرائم الاختلاس و التبديد في الميدان الزجري

       في هذا الصدد نذكر أن جريمتي الاختلاس و التبديد، تعد من الجرائم التي يجوز إثابتها بكافة الطرق القانونية بما في ذلك البينة والقرائن، فللمحكمة أن تستند في إثباتها إلى ما ظهر لها من التحقيق ومن مناقشة المتهمين بالجلسة ومن ظروف الدعوى ووقائعها، فالعبرة في الإثبات هنا تقاس باقتناع القاضي بأدلة الإثبات المعروضة عليه، كما أن استخلاص ثبوت الجريمة أو عدم ثبوتها يرجع لقضاة الموضوع بمالهم من كامل السلطة، ذلك انه لقضاة الزجر في الميدان الزجري السلطة التقديرية الكاملة للبت في الوقائع المعروضة عليهم وتقديرها دون أن يخضعوا في ذلك لمراقبة محكمة النقض، ولهم أن يستمدوا قناعتهم من أي دليل من الأدلة المعروضة عليهم أثناء دراسة القضية ومناقشتها طالما أنهم قد اطمأنوا إليه وكان له مأخذ صحيح من أوراق الدعوى، وهذا ما يزكيه قرار لمحكمة النقض، رقم  224 ملف عدد 2020/7/6/7320 حيث جاء فيه ما يلي : المقرر أن المحكمة الزجرية تستخلص قناعتها بإدانة المتهم أو براءته من جميع الأدلة المعروضة أمامها متى اطمأنت إليها، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك إلا فيما يخالف القانون. وجاء في قرارها رقم 538 ملف عدد 1193/6/4/2020

أن المحكمة حرة في تكوين قناعتخا من خلال وسائل الاتبات التي عرضت أمامها ولا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إلا فيما يتعلق بسلامة التعليل .

لذلك فسلطة المحكمة واسعة بإعمال سلطتها التقديرية، إذ يمكن لقضاة الموضوع  أن يستخلصوا من شهادة الشهود الصورة الصحيحة التي شكلت لديهم مادة الإدانة، ولهم أن يطرحوا ما عداها من التصريحات والشهادات المخالفة ما دام أن استخلاصهم لوقائع الإدانة كان سائغا ومستندا على أدلة مقبولة لها سندها في أوراق الملف، لذلك فعندما تقضي المحكمة ببراءة المتهم مما ينسب إليه من جنحة أو جناية اختلاس و تبديد أموال عمومية مستندة في ذلك إلى إنكاره لواقعة الاختلاس والتبديد، تكون قد استعملت سلطتها في تقييم الأدلة المعروضة عليها وبينت دواعي اقتناعها بعدم إتيان المتهم للأفعال المنسوبة إليه، لذلك فإن قاضي الموضوع لا يكتفي في تعليل إثباتها على مجرد سرد القرائن و اعتمادها لإثبات نسبة جناية أو جنحة اختلاس أو تبديد أموال أو المشاركة فيها دون أن يتطرق للتعليل الواقعي لها ببيان كيفية وظروف ارتكابها وتعليلها من الناحية القانونية بإبراز العناصر القانونية المكونة لها كما هي محددة قانونا، بما في ذلك قيمة المبلغ المبدد، وترتيب الآثار القانونية على ذلك، فجريمتي الاختلاس و التبديد المنصوص عليهما في المواد 241 و 242 و 242 مكرر و 245، التي تنص على العقوبات المرتبطة بها لا يشترط لإثباتها طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة، إذ يكفي فقط اقتناع المحكمة بوقوع الفعل المكون لها من أي دليل أو قرينة تقدم إليها، حيث جاء في قرارمحكمة النقض رقم 534 ملف جنائي رقم 1189/6/4/2020 انه:لما ألغت المحكمة الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة الطاعن وقضت من جديد بإدانته من أجل المشاركة في اختلاس وتبديد أموال عامة وجنحتي منح شهادات وإقرارا يتضمن وقائع غير صحيحة واستعمالها بعد إعادة التكييف استنادا إلى اعترافات المتهمين القضائية وشهادة موظفي إدارة المياه والغابات، في إطار سلطتها التقديرية، تكون قد أعملت سلطتها التقديرية في تقييم الحجج المعروضة عليها، والوسيلة على غير أساس.

لذلك فتوافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس والتبديد إثباته، رهبن فيما قد يرد في الحكم من وقائع وظروف ما يدل على قيامه، كما انه من جانب أخر التفات المحكمة بالرد على مستندات المتهم لنفي ارتكابه جريمة الاختلاس أو التبديد، لا يعاب عليها ذلك متى اطمأنت إلى الأخذ بعين الاعتبار الظروف و الملابسات المحيطة بفعلي الاختلاس و التبديد، ومثاله إطمئناننها إلى أقوال شهود الإثبات والوضع المالي للمتهم، والأخذ منه بما تطمئن إلى صدقه، و طرح ما عداه ، كما أن الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها غير لازم. إذ يكفي وروده على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى اقتراف الجاني للجريمة، لذلك فتقدير أدلة الدعوى هنا موضوعي قد تأخذ به المحكمة وتفصح عن أسباب الأخذ بها أو إطراحها، ولعل من أهم المعايير التي تؤدي إلى البراءة في قضايا الاختلاس:

انتفاء الركن المادي للجريمة: فالجريمة لا تُعتبر مكتملة إلا إذا ثبت أن الموظف قد استولى على الأموال أو الممتلكات، وقام بتحويلها إلى ملكيته الخاصة أو استخدامها بطريقة غير قانونية. فإذا لم يتم إثبات أن المتهم قد اختلس الأموال فعليًا أو لم تكن لديه سلطة التصرف في المال المختلس، فقد يؤدي ذلك إلى حكم بالبراءة.

انتفاء الركن المعنوي للجريمة: الاختلاس جريمة تتطلب نية جنائية، أي أن الموظف كان يقصد الاستيلاء على الأموال بشكل غير مشروع، لذلك إذا استطاع الدفاع إثبات أن المتهم لم تكن لديه نية الاختلاس أو أن المال قد أُخذ عن طريق الخطأ أو دون نية سيئة، فقد يتم تبرئة المتهم.

غياب صفة الموظف العام أو من في حكمه: فوفقًا للقانون الجنائي المغربي, يجب أن يكون المتهم موظفا عموميا أو في حكم الموظف العام (مثل العاملين في الهيئات العامة أو الشركات العامة) ليحاكم بجريمة الاختلاس. وهكذا إذا ثبت أن المتهم ليس له صفة موظف عام أو لم تكن له صلاحية التصرف في الأموال أو الممتلكات التي يتهم باختلاسها، فإن هذا يؤدي إلى حكم بالبراءة.

عدم وجود أدلة مادية قوية: في القضايا الجنائية، ومن بينها الاختلاس و التبديد،  لا بد أن تكون الأدلة قاطعة وواضحة، فإذا لم تكن الأدلة المتاحة كافية أو تم الحصول عليها بطرق غير قانونية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم إدانة المتهم، على اعتبار أن الشك يُفسر دائمًا لصالح المتهم، فإذا لم تستطع النيابة تقديم أدلة قوية وواضحة تدين المتهم يتم الحكم بالبراءة.

إثبات تسوية الأمور المالية: في بعض القضايا، يمكن للمتهم أن يثبت أنه قد قام بتسوية الأمور المالية المتعلقة بالمال الذي تم اتهامه باختلاسه، وذلك بإعادة الأموال، أو إثبات أنه تم التصرف فيها بشكل قانوني، وعليه إذا تم إثبات ذلك، قد يتم تخفيف الحكم أو إصدار حكم بالبراءة.

الخطأ في الإجراءات القانونية: في بعض الأحيان، يتم الحصول على أدلة أو اتخاذ إجراءات قضائية بشكل غير قانوني، مثل الاعترافات التي تؤخذ بالإكراه أو تفتيش غير قانوني، فإذا تم إثبات وجود أخطاء إجرائية في القضية يمكن أن يؤدي ذلك إلى إبطال التهم والحكم بالبراءة.

غياب الأدلة الفنية: في بعض الحالات, قد يعتمد الاتهام على أدلة فنية, مثل الفحص المحاسبي أو تقارير الخبراء، لذلك إذا استطاع الدفاع إثبات أن تلك الأدلة غير دقيقة أو مشكوك فيها، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى الحكم بالبراءة.

تقديم الأدلة على حسن النية: إذا استطاع المتهم إثبات حسن النية في التصرف في الأموال، وأنه لم يكن يقصد اختلاسها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الحكم بالبراءة، على سبيل المثال, إذا كانت هناك أخطاء إدارية، أو سوء تفاهم حول تصرف المتهم في الأموال, فإن ذلك قد يُعتبر دفاعًا عن البراءة.

إثبات عدم وجود علاقة بين المتهم والمال المختلس: إذا تمكن المتهم من إثبات أنه لم يكن له دور أو علاقة مباشرة بالأموال التي تم ادعاء اختلاسها، فإنه يمكن أن يحصل على حكم بالبراءة.

غياب الشهود أو الأدلة الشخصية: في بعض قضايا الاختلاس يعتمد الادعاء بشكل كبير على شهادة الشهود أو الأدلة الشخصية، لذلك فعدم كفاية الأدلة أو كانت متناقضة، فإن المحكمة قد تحكم ببراءة المتهم.

الفقرة الثالثة : سلطة المحكمة في إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة المرتبطة باختلاس و تبديد أموال عمومية

    مما لا شك فيه أن جرائم الاختلاس و التبديد تحمل معها تحديات كبيرة، سواء على المستوى القانوني أو الاقتصادي، ومن أجل حماية المؤسسات واسترداد حقوقها يستدعي التعامل معها الماما كبيرا من الخبرة والاحترافية التي يتمتع بها القاضي المختص و هو يبت القضايا المعروضة عليه، حتى يتأتى له تحقيق أفضل النتائج، وحماية المؤسسات من الخسائر الكبيرة التي قد يتسبب بها الاختلاس أو التبديد في عالم مليء بالتحديات القانونية المتنوعة، وذلك من خلال إعمال المحكمة لسلطتها في إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة عليه، فللمحكمة سلطة إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة عليها بغض النظر عن الوصف الذي أحيلت به عليها، طبقا لعموم مقتضيات المادة 368 من ق.م.ج. وبذلك وتطبيقا لمقتضيات المادة 390 من ق.م.ج التي تنص، على أنه إذا لم يكن للفعل وصف جنحة أو مخالفة تدخل ضمن اختصاص المحكمة فإنها تصرح بعدم اختصاصها وتحيل الطرف الذي أقام الدعوى العمومية على من له حق النظر، و يسري نفس الحكم إذا تعلق الأمر بجناية وفقا لمقتضيات المادتين 411 و389 من قانون المسطرة الجنائية، اللتين بموجبهما يتعين على المحكمة كلما تبين لها أن المتهم لم يرتكب الفعل أو أن الفعل لا يكون مخالفة للقانون الجنائي، فإنها تحكم بالبراءة وتصرح بعدم الاختصاص في المطالب المدنية، هذا و يحق لمحكمة الموضوع في تعديل وصف التهمة متى اقتنعت بذلك، لذلك فأحكام البراءة في قضايا الاختلاس والتبديد ،تقوم على عدم اكتمال أركان الجريمة، سواء من حيث الركن المادي (أي وقوع فعل الاختلاس أو التبديد) أو الركن المعنوي (النية الجنائية)، أو على وجود ثغرات في الأدلة أو الإجراءات القانونية، كما إذا لم تكن تلك الأدلة كافية أو كانت متناقضة، فإن المحكمة قد تحكم ببراءة المتهم، لذلك فحينما تبسط المحكمة رقابتها على الوقائع المعروضة تكون مطالبة بالضرورة إلى إبراز العلاقة القائمة بين المتهم والمال المختلس، أو تأسيسا  على عدم اكتمال أركان الجريمة، سواء من حيث الركن المادي (أي وقوع فعل الاختلاس أو التبديد) أو الركن المعنوي (النية الجنائية)، أو على وجود ثغرات في الأدلة أو الإجراءات القانونية.

وفي هذا السياق نذكر ما جاء به  قرار محكمة النقض ملف عدد 2020/4/6/1190 بقوله: لما ألغت المحكمة الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة الطاعن وقضت من جديد بإدانته من أجل المشاركة في اختلاس وتبديد أموال عامة وجنحتي منح شهادات وإقرارا يتضمن وقائع غير صحيحة واستعمالها بعد إعادة التكييف استنادا إلى اعترافات المتهمين القضائية وشهادة موظفي إدارة المياه والغابات، في إطار سلطتها التقديرية، تكون قد أعملت سلطتها التقديرية في تقييم الحجج المعروضة عليها، والوسيلة على غير أساس.، كما جاء في قرار لها في الملف : ملف عدد 2016/1/6/3078،إن ما أوردته الوسيلة من نعي على القرار المطعون فيه يتعلق بجريمتي الاختلاس والتبديد، والحال أن الثابت من تنصيص القرار المطعون فيه ومن وقائع القضية أن العارض أدين من أجل عدم توفير مؤونة شيك عند تقديمه للأداء، مما يكون معه ما جاء في الوسيلة خلاف الواقع فهي غير مقبولة.

ونشير في هذا الصدد أن سلطة المحكمة في إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة المرتبطة باختلاس و تبديد أموال عمومية، هي سلطة يمكن بموجبها للمحكمة المعروضة عليها القضية ان تعمل على إعادة تكييف الوصف الذي أعطته للوقائع و تكييفه من جديد ، ذلك ن سلطة القاضي الجنائي في إعادة التكييف تحكمها مجموعة مبادئ الهدف منها محاولة إيجاد أساس لضبط عملية التكييف وعدم الخروج عن نطاق الواقعة التي أخطر بها (أولا)، ومساعدة القاضي الزجري على تكوين قناعته القضائية وضبط أفكاره عبر منحه سلطة معتبرة في البحث عن الوصف الحقيقي للواقعة بعيدا عن التعجل أو سوء الفهم.

الفقرة الرابعة : إشكالية التوفيق بين المسؤولية الجنائية و المهنية للموظف في الجرائم المرتبطة باختلاس و تبديد أموال عمومية

    تفترض المسؤولية الجنائية وقوع جريمة وتوافر أركان هذه الجريمة، سواءً كانت جناية أم جنحة أم مخالفة، وسواء كانت تامة أم مشروعاً فيها، فالبحث في المسؤولية الجنائية تالٍ أو لاحق على قيام الجريمة وتحقق أركانها، لذلك فهي ليست ركناً من أركان الجريمة، وإنما هي أثر لاجتماع أركان الجريمة، لذلك عندما نتحدث عن المسؤولية الجنائية المتعلقة باختلاس و تبديد أموال عمومية، لا نتحدث عن المسؤولية هنا كركن من أركان الجرم المرتكب، وإنما كنتيجة حتمية ،لأثر لاجتماع أركان الجريمة فهي تالية ولاحقة على قيام فعل التبديد أو الاختلاس الواقع على المال العام،فالعبرة بوقع الاختلاس أو التبديد في المال العام هو اتجاه مرتكب الفعل الجرمي إلى سوء نيته في إيقاع الاختلاس أو إتلاف المال ، وهذه النية السيئة هي المقصود بها توافر القصد الجنائي للمسؤول عنها، ذلك أن المشرع المغربي أضفى خصوصية شديدة على تحقق فعلي الاختلاس و التبديد، إذ إن افتراض قيام الجريمتين بمجرد توافر الركن المادي لهما دون توفر القصد الجنائي المتمثل في قيام الركن المعنوي لها، لا يكفي لقيام المسؤولية الجنائية لمرتكبها، فمجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي، لا يكفى بذاته دليلاً على حصول الاختلاس،لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ مهني في العمليات الحسابية، أو لسبب آخر.

قرار محكمة النقض رقم
2022/546 ملف عدد
2021/12/6/17748 بتاريخ 2022-05-10من المقرر، إذا كان لمحكمة الموضوع أن تقضي بالبراءة متى عاينت انعدام عنصر من عناصر الجريمة، فإن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها أحاطت بظروف القضية وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام والمستمدة من مستندات الملف.

فجناية الاختلاس آو التبديد المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي تتحقق متى كان المال المختلس أو المبدد مسلما إلى الموظف العمومي أو من في حكمه، حيث جاء في قرار محكمة النقض رقم 2017/284 ملف عدد 2016/1/6/20896: أن الطاعن كان يعمل كمدير للوكالة الجهوية التابعة للصندوق الوطني للقرض الفلاحي وبالتالي وبالرجوع إلى القانون المؤسس لهذا الأخير يتضح أنه يقوم بأعمال بنكية لفائدة الدولة التي أنشأته وطعمته بأموال عامة مما يجعل صفة الموظف العمومي المنصوص عليها في المادة 224 من القانون الجنائي ثابتة في حقه. بالرجوع إلى الذمة المالية للصندوق الوطني للقرض الفلاحي يتضح أن الأموال التي يتولى تدبيرها هي أموال عامة مادام رأسماله مملوك للدولة. المحكمة أدانت الطاعن على أساس صفته كمدير وكالة و كون الأموال موضوعة تحت عهدته أموال عامة مما يجعل مقتضيات كل من الفصلين224 و241 الفقرة الأولى من القانون الجنائي ثابتة في حقه لأنه قام بتمكين باقي المتهمين من مبالغ كمبيالات دون وجه حق ورغم رجوعها بعد الأداء وتجاوز خط الاعتمادات الممنوحة للبعض وأداء مبالغ الشيكات دون توفر على مؤونة مما يجعل جناية تبديد أموال عامة قائمة. ثبوت الأفعال الجرمية المتابع بها المتهم الرئيسي)الطاعن) في حقه و نظرا لكونها ألحقت ضررا بالمؤسسة البنكية من خلال المبالغ المالية التي كان سببا في استفادة الغير بها دون أخذ الإجراءات القانونية المتطلبة يجعل الفعل و الضرر والعلاقة السببية ثابتة مما يجعل الحكم بالتعويضات وفق ما هو مفصل بمنطوق القرار مؤسسا. رفض الطلب،

 لذتك فإن الجرائم المالية الواقعة على المال العام، تتطلب صفة خاصة فيمن يرتكبها، وتتمثل هذه الصفة في الموظف العمومي،و المقصود بالموظف العمومي هنا، كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص أبسالك الإدارة التابعة للدول،.إلا أن هذا المفهوم يتسع نطاقا كلما تم اعتماد التعريف الجنائي للموظف العمومي 

فطبقا للفصل 224 من القانون الجنائي المغربي فالموظف العمومي يراد به  “كل شخص كيفما كانت رثيته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون اجر، وساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام، وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”

وعليه نتساءل هل يكفي لقيام جريمتي الاختلاس والتبديد بأن يكون مرتكبهما ذو صفة موظف عمومي و بالتالي قيام مسؤوليته الجنائية؟  للجواب عن هذا السؤال جاء في قرار محكمة النقض رقم 2016/9 2015/1/6/2618،إن مناط مساءلة المتهم جنائيا وفق ما نصت عليه أحكام ومقتضيات الفصل 241 من القانون الجنائي الذي تناول بالتجريم والعقاب جريمة اختلاس أموال عمومية هو اختلاس الجاني لمال مرصود لمصلحة عامة أو خاصة باعتباره موظفا عموميا مع انصراف نيته الجرمية إلى ذلك على اعتبار أن الجريمة موضوع المتابعة من الجرائم العمدية التي لا يمكن تصور قيامها إلا بحصول الركن المعنوي المذكور، ولما كان ذلك وكان البين من تصريحات المتهم والمسمى(ع.ب) قيام هذا الأخير باختلاس المبالغ المالية واختصاصه بها لنفسه دون المتهم وعدم حصول علم هذا الأخير بذلك، فإن الجريمة بركنيها موضوع المتابعة تبقى غير قائمة في نازلة الحال وهو ما انتهت معه المحكمة في قناعتها إلى عدم ثبوت جريمة اختلاس أموال عمومية في حق المتهم لانعدام قيام عناصرها الواقعية والقانونية. تقصير المتهم وإهماله في مراقبة الأموال الصادرة والواردة عن الوكالة التي يشرف على تسييرها بالشكل الذي تقتضيه القوانين واللوائح الإدارية المعمول بها لا يمكن أن يكون أساسا للقول بقيام مسؤوليته الجنائية، بل يمكن مناقشة ذلك في إطار مسؤوليته المهنية وما يستتبع ذلك من مساءلته تأديبيا من طرف الإدارة التي يتبع لها وإيقاع الجزاءات الإدارية المتناسبة والخطأ المهني الذي ارتكبه وما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج.

فبالرجوع إلى أحكام المواد الضابطة و المحددة لحالة قيام جريمتي الاختلاس و التبديد،نجدها تشترط   بالإضافة إلى صفة موظف عمومي، اتجاه نية الموظف العمومي  إلى العمد بالتصرف في المال العام و تغيير الظرف المخصص له ،أو إتلافه و تبديده ،مع علمه المسبق بذلك، وعلى هذا الأساس إذا لم تتحقق العناصر التكوينية في فعلي الاختلاس و التبديد المرتكبين من ظرف الموظف العمومي، فإننا لا نكون أمام قيام مسؤوليته جنائية، بقدر ما تكون أمام مسؤولية مهنية مفترضة في حالة قيامه بتقديم دليل قانوني أو واقعي يتشف منه انتفاء القصد الجنائي و إبراز حسن نيته،كما اثبت بأن الفعل مؤسس على خطئ غير متعمد، ا وان الفعل المنسوب له كان نتيجة مخالفته لنصوص قانونية لم يستوعبها، نتج عنها تطبيق غير سليم للقانون، و العكس صحيح، فالموظف يسأل عما يرتكبه شخصيا من أخطاء ناتجة عن إهماله أو عدم احتياطه أو عدم تبصره أو عدم مراعاته النظم و القوانين طبقا لمقتضيات القانون الجنائي، كل ذلك دون إغفال ما له من حقوق مهنية، .متى ما حدث الفعل المخالف للقاعدة القانونية عن قصد واكتملت أركانه بان خالف نص قانوني معاقب عليه وفق قواعد القانون الجنائي فان الأثر القانوني لهذا الفعل ينتقل من المسؤولية المهنية إلي المسؤولية الجنائية ليتم تطبيق جزاء قانوني معين مع الوضع بعين الاعتباران هناك بعض الأفعال التي تصدر من الموظفين، قد يحتمل أن تكون لها نتيجة معينة، أو اثر قانوني معين يجعلها عرضه بان تندرج تحت المسؤولية الجنائية والمدنية، وهنا من الممكن إن يعاقب عليها الشخص المخالف للقاعدة مدنياً وجنائياً، وذلك وفق سلطات المحكمة التقديرية في ذلك، فلا شك أن مسؤوليات الموظف العمومي متعددة الطبيعة القانونية بتعدد أسبابها، فتكون إما جنائية قائمة على ارتكاب فعل مجرم من طرف القانون بمناسبة مزاولة نشاطه المهني، ومن ذلك تبديد و اختلاس أموال عمومية، أو تكون تأديبية عند وجود مخالفة لقواعد المهنة التي يفرضها القانون المنظم لها، أو توجبها الأعراف المهنية، لذلك فقد ظلت جل التشريعات تخص هذه الأوساط المهنية بأنظمة قانونية ولوائح تنظيمية تؤطرها، وهذا ما شكل سند بروز النظام القانوني الخاص بالمسؤولية المهنية، وفصلها عن المسؤولية الجنائية .