محضر شراء العقار المحفظ بالمزاد العلني بين المحاسن و المساوئ
مراد الشرقاوي
عبد النبي بن برادة
يعتبر البيع بالمزاد العلني من أهم الوسائل التي يستند عليها الدائن من اجل استفاء دينه بطريقة إجبارية و بدون إرادة المدين ،و قد يكون محل هذا البيع عقار محفظ كان مرهونا لفائدة الدائن و قد حصل هذا الأخير على شهادة التقييد الخاصة بعد ما عجز المدين عن تنفيذ التزاماته؛ إذ تعتبر هذه الشهادة في حد ذاتها سندا تنفيذيا قابلا للتنفيذ ، ومن تم ينتقل هذا العقار موضوع البيع بالمزاد العلني إلى احد الأغيار الذي رسا عليه المزاد ، و من تم يمكن طرح التساؤل التالي : ما محاسن شراء عقار محفظ من المزاد العلني ؟ و ما مساوئه ؟
- محاسن شراء العقار بالمزاد العلني
تنص المادة 220 في فقرتها الثانية من مدونة الحقوق العينية على انه ” …يترتب على تقييد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري انتقال الملك إلى من رسا عليه المزاد و تطهيره من جميع الامتيازات و الرهون و لا يبقى للدائنين حق إلا على الثمن “.
إذا تمعنا في هذه الفقرة يتبين لنا أن محضر الإرساء بالمزاد العلني هو في حد ذاته سند ناقل للملكية من خلال منطوق الفصلين 480 و 481 من قانون المسطرة المدنية؛ و هو ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 2709 المِؤرخ بتاريخ 24 دجنبر 1990، و يطهر العقار من جميع الامتيازات و الرهون التي كانت عالقة بالعقار موضوع البيع بالمزاد ، و به يمكن للراسي عليه المزاد أن يطلب تقييده من طرف المحافظ على الأملاك العقارية بصفته مشتري لهذا العقار وانه صاحب حق عيني، وإذا ما تم تقييده فيصبح طبقا لمقتضيات الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري مالكا قانونيا بالتقييد، ومن حقه القيام بجميع التصرفات على العقار، ومن هنا نتساءل عن حجية تقييد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري، وهل محصن من أية مطالبة فيما بعد؟ و هل يستفيد من مقتضيات الفقرة 2 من الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري بصفته غيرا حسن النية بحيث لا يجوز التشطيب عليه ولا إلحاق أي ضرر به ؟ ثم ما القيمة القانونية للمحضر وهل يطهر العقار من جميع التحملات بما فيها التقييدات الاحتياطية ؟
مما لا شك فيه أن التعامل مع عقار محفظ له خصوصياته تختلف عن باقي العقارات الأخرى كالعقارات غير المحفظة والتي في طور التحفيظ وبالرجوع إلى ظهير التحفيظ العقاري نجد النصوص القانونية المؤطرة لتداول العقارات المحفظة ومن بينها التقييد والتقييدات الاحتياطية..الخ ، وعليه جاء في الفصل 65 منه: “يجب أن تشهر بواسطة تقييد في الرسم العقاري جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري …”
و قد يمكن أن يباع عقار في ملكية المدين بالمزاد العلني بعد سلوك جميع إجراءات الحجز المتعين إتباعها طبقا لقواعد الحجوز المنظمة في قانون المسطرة المدنية في الفرع الثاني من الباب الرابع ضمن القسم التاسع، وأحيانا يمكن أن يكون هذا العقار سبق و أن كان مثقلا بالحقوق العينية التبعية للفائدة الأغيار مما يجعل شراء هذا العقار فيه نوع من التخوف، إلا أن المشرع المغربي قد أعطى نوعا من الثقة للمتزايدين من خلال شرائهم بالمزاد العلني عندما نص صراحة في الفقرة الثانية من المادة 220 من مدونة الحقوق العينية على:”… أن تقييد هذا محضر إرساء المزايدة يطهر العقار من جميع الامتيازات و الرهون و لا يبقى للدائنين حق إلا على الثمن … “.
و من تم يمكن القول على أن محضر المزايدة يعتبر سند للملكية؛ و يخول للراسي عليه المزاد القيام بكافة التصرفات على العقار موضوع الشراء، و لا حق لمن كانوا لهم على هذا العقار حقوق سالفة إلا أن يستفيدوا من الثمن المودع بصندوق المحكمة و يستوفونها حسب الأولوية التي يتمتعون بها أو بالمحاصة إذا كانوا من نفس الدرجة.
وإذا كانت هذه بعض محاسن محضر إرساء المزاد العلني فسنعرض تبعا إلى الحديث عن بعض مساوئه .
- مساوئ شراء عقار محفظ على اثر محضر ارساء المزايدة العلنية
وقد يقع أحيانا بيع عقار محفظ وهو مثقل بتقييد احتياطي وبطبيعة الحال أن التقييد الاحتياطي لا يمنع من التفويت لأنه قابل للتشطيب عليه وانه مؤقت يزول بزوال آجاله وإما أن يتحول إلى تقييد نهائي، والإشكال القانوني المطروح عندما يشتري شخصا عقار مثقل بالتقييد الاحتياطي على نفس العقار،وتبعا لذلك نتساءل هل بمجرد تقييد محضر الإرساء يطهر العقار تلقائيا من التقييد الاحتياطي ؟و هل من حق من رسا عليه المزاد أن يطالب بالتشطيب عليه ؟
وللإجابة على الأسئلة أعلاه يقتضي منا الرجوع إلى عمق المادة 220 من مدونة الحقوق العينية (قانون 39-08)حيث نجدها تنص في فقرتها الثانية بصريح العبارة :” …يترتب على تقييد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري انتقال الملك إلى من رسا عليه المزاد وتطهيره من جميع الامتيازات والرهون”، دون أن تشير إلى امتداد التطهير ليشمل حتى التقييد الاحتياطي ولهذا الأخير أثار قانونية بحيث انه يحفظ الرتبة لصاحبه ويعود بأثر رجعي عند تحويله إلى تقييد نهائي وهو قرينة على وجود حق منازع فيه مترتب على عقار ما، وقد حسن المشرع فعلا عندما استبعده من التطهير الذي يطال الامتيازات و الرهون المنصوص عليهم حصرا في المادة 220 من م ح ع، ومن المعلوم أن العون المكلف بإجراءات التنفيذ على العقارات يقوم بالتأكد بين ما إذا كان العقار محفظا أو غير محفظا، فإذا كان حسب الوضعية الأولى فيدلي بشهادة الملكية التي تثبت الوضعية القانونية للعقار المحجوز وكذا التحملات المترتبة عليه ومن بينها التقييدات الاحتياطية المضمنة به، ويضمنها في المحضر الذي ينجزه ويضعه رهن إشارة العموم للاطلاع عليه لمعرفة وضعية العقار .
وتجدر الإشارة انه يستشف من الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913 المعدل و المتمم بالقانون 14.07 على انه: “يمكن التشطيب على كل تقييد ضمن بالرسم العقاري بناءا على كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين و هي قاعدة ذهبية تفيد انه” كل ما قيد بالرسم العقاري قابل لتشطيب عليه”.
و معلوم انه متى ما قيد احد بالرسم العقاري إلا و يعتبر غيرا، إلا بعض الاستثناءات الواردة على مفهوم الغير، و منها الورثة و الموصى لهم، و كذا المقيد بناءا على محضر المزايدة الذي اعتبره المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض) حاليا في إحدى قراراته من استثناءات الغير،لكن محكمة النقض تراجعت عن هذا القرار و اعتبرت المقيد بناء على محضر المزايدة غيرا في قرارات حديثة لها، و من تم يتحصن بقرينة حسن النية المنصوص عليها في المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية (39.08) و كذلك في الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري 12 غشت 1913 كما عدل و تمم بالقانون 14.07 ، و من تم كل من أراد أن يشطب على تقييد مضمن بالرسم العقاري ما عليه إلا بإثبات أن هذا الغير المقيد بالرسم العقاري سيئ النية و ذلك داخل الآجل القانوني وهو أربع سنوات من تاريخ تقييد الحق المراد إبطاله .
فمثلا إذا أقدم شخص و اشترى عقارا محفظا من المزاد العلني و هو مثقل بتقييد احتياطي فهل يستفيد هذا الشخص من مزية قرينة حسن النية في مواجهة المقيد تقييدا احتياطيا ؟ و هل يحق لصاحب التقييد الاحتياطي التشطيب على المقيد الآتي بعده ؟
جوابا منا على هذين السؤالين يمكن القول على أن المشتري من المزاد العلني مفترض فيه انه إطلع على وضعية العقار موضوع البيع و انه تبين له أن به تقييدا احتياطيا، وفي هذا الاتجاه اعتبرت محكمة النقض أن التقييد الاحتياطي السابق عن شراء المشتري الثاني هو قرينة قاطعة على سوء نية هذا الأخير، و من تم لا يخول له تقييده بناء على هذا الشراء أن يكون مشتري حسن النية، و بالتالي يكون هو المسؤول عن عواقب سوء نيته و يعامل بنقيض قصده.
أما فيما يخص السؤال الثاني إذا كان الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري ينص في فقرته الثانية على انه:”…لايمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة.” فهو بمفهوم المخالفة انه يمكن التشطيب أو إبطال التقييد في مواجهة هذا الغير متى أتبث انه كان سيئ النية و هو ما سبق و أن أشار إليه الدكتور حسن فتوخ في مقاله المتعلق” إثبات سوء النية في دعاوى إبطال التصرفات العقارية “و مادام أن التقييد الاحتياطي هو قرينة قانونيه قاطعة على ثبوث سوء نية المشتري فلا مجال للتمسك بحسن نية، و من تم فإن المقيد تقييدا احتياطيا عندما يتحول تقيده إلى تقيد نهائي يكون معفى من إثبات سوء نية المشتري من المزاد العلني إعمالا بمقتضيات الفصل 453 من قانون الالتزامات و العقود الذي ينص على :”القرينة القانونية تعفي من تقررت لمصلحته من كل إثبات. ولا يقبل أي إثبات يخالف القرينة القانونية”، و بالتالي يمكن القول أن من مساوئ الشراء بالمزاد العلني هو العقار الذي يكون مثقل بتقييد احتياطي سابق على هذا الشراء لان التقييد الاحتياطي يكون قابل لأن يتحول إلى تقييد نهائي و من تم ينقل العقار لصاحبه بأثر رجعي يعود لتاريخ التقييد الاحتياطي.
وتبعا لما سبق كذلك عندما يتم إبطال محضر المزاد بسبب خلل في الإجراءات أو بسبب إبطال قرار الذي على أساسه أجري البيع بالمزاد العلني فهذا يعود سلبا على هذا المشتري وتشكل حالة من حالات مساوئ المحضر .
و استخلاصا لما سلف على أن الشراء من المزاد العلني لعقار محفظ له محاسن تتمثل في كون محضر إرساء المزايدة يعتبر سند ناقل للملكية ينقل الحق للمشتري بمجرد تسلمه لهذا المحضر، و كذا أن هذا البيع يطهر العقار من الحقوق العينية التبعية التي كانت مترتب عليه بمجرد تقييده بالرسم العقاري، كما له من مساوئ و مخاطر تلحق ضررا بالمشتري، كما سبق ذكره آنفا وهو عندما يكون هذا العقار موضوع تقييد احتياطي فهو يعود سلبا على الراسي عليه المزاد بحيث في هذه الحالة يعود العقار عند تحويل التقييد الاحتياطي إلى تقييد نهائي إلى صاحب الحق الأول، وكذلك عند إبطال القرار الذي على أساسه تم البيع بالمزاد العلني .