المراسيم: المفهوم والأنواع
عبد الحق بلفقيه
دكتور في القانون العام و باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية
استجابة للأستاذ عمر الشرقاوي، أقدم مداخلة لمحاولة شرح وتبسيط مفهوم المراسيم بأنواعها كما طرحها، بحيث حاولت قدر الإمكان الجمع بين تجميع أنواع المراسيم وترتيبها لتبسيط شرحها.
وأول خطوة من أجل تبسيط مفهوم المرسوم بأنواعه هي وجوب التمييز بين مجالين مهمين: مجال القانون والمجال التنظيمي.
بداية، عندما نتكلم عن مجال القانون فإننا أمام الوظيفة التشريعية بمفهومها الضيق، بمعنى وظيفة البرلمان، كمؤسسة تشريعية، في سن النصوص القانونية. وللتذكير يحصر مجال القانون هذا في إنتاج القوانين العادية، القوانين التنظيمية، ظهائر بمثابة قوانين، وهنا يطرح استثناء خاص حيث يمكن أن تحل الحكومة محل البرلمان في مجال القانون، عن طريق التشريع بواسطة مراسيم.
وهنا نتكلم عن النوع الأول من المراسيم ” المراسيم التي تدخل في مجال القانون ”، وهي ثلاث أنواع محصورة بالنص الدستوري الصريح.
النوع الأول، المراسيم التي تدخل في مجال القانون وهي كالأتي:
– أولا، مراسم تدابير les décrets des mesuresبموجب الفصل 70 من الدستور.
وهي الحالة التي يأذن فيها البرلمان للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها. غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما.
– ثانيا، مراسيم القوانين les décrets- loisبموجب الفصل 81
وهي الحالة التي تتدخل فيها الحكومة تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية. وكمثال على هذا النوع نذكر المرسوم بقانون رقم 2.20.293 الأخير المتعلق بحالة الطوارئ والذي صدر بمناسبة الجائحة وأيضا توقف عمل البرلمان
– ثالثا، مراسيم فتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية في حالة عدم التصويت على قانون المالية
من المعلوم أن القانون المالي يصره البرلمان، لكن للحكومة أن تتدخل إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو لم يصدر الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية، تطبيقا للفصل 132 من الدستور، فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة.
النوع الثاني: المراسيم التي تدخل في المجال التنظيمي كأصل عام ” المراسيم التنظيمية ”
ونقصد هنا بالمجال التنظيمي عموما النصوص التي تسنها السلطة التنظيمية تحت رئاسة رئيس الحكومة، في المجالات والاختصاصات الأصلية التي يمنحها الدستور وذلك بموجب الفصل 72 من الدستور. وبالتالي تتدخل السلطة التنظيمية لتشرع في هذا المجال بواسطة المراسيم التنظيمية أو القرارات التنظيمية، الدوريات والمناشير التنظيمية التي لا ترقى إلى درجة القرارات التنظيمية.
ما يهمنا هنا فقط المراسيم التنظيمية والتي يفرض إصدارها أو إنتاجها احترام مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية، كما أنها تخضع للتوقيع بالعطف في بعض الحالات من طرف الوزير أو الوزراء المكلفون بتنفيذها. و تنقسم المراسيم التنظيمية بدورها إلى:
–أ- المراسيم التنظيمية المستقلة (بموجب الفصل 90 من الدستور
يقصد بالمراسيم المستقلة تك التي تصدرها الحكومة في المجال التنظيمي المخصص لها بمقتضي الدستور (الفصل 90 من الدستور)، والتي لا تتعلق بتطبيق قانون أو قانون تنظيمي معين أو تنفيذه، وتأتي مستقلة تمام الاستقلال عنه. وبالتالي فهي مراسيم قائمة بذاتها ولا تتبع قانونا معينا.
ب- المراسيم التطبيقية أو التنفيذية
يقصد بهذه المراسيم تلك التي يتم اتخاذها من قبل الحكومة من أجل تحديد كيفيات تطبيق وتنفيذ تشريع معين آو بعض مقتضياته. هذا النوع لا يحظى بتنظيم دستوري خاص ومباشر، لكن يمكن أن يجد سندا له في الفصل 89 من الدستور الذي ينص على أن ” الحكومة تعمل، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين ”. المراسيم التطبيقية التنفيذية يمكن أن تأخذ شكل:
– مراسيم تطبيقية للقوانين العادية
– مراسيم تطبيقية للقوانين التنظيمية
– مراسيم تطبيقية لظهير بمثابة قانون
النوع الثالث، يمكن الإشارة هنا حالة مرسوم تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم بعد موافقة المحكمة الدستورية (الفصل 73)
أردت أن أذكر هنا في هذا المجال بنوع آخر من المراسيم حيث حدد بموجب الفصلين 73 آلية مهمة تندرج بالأساس ضمن آليات العقلنة البرلمانية، وذلك بغية الفصل في الخلافات التي قد تنشأ بين الحكومة وأعضاء البرلمان بشأن التعديلات التي يقترحها هؤلاء من حيث انتمائها إلى المجال التشريعي أو التنظيمي. في هذا السياق، نص الدستور المغربي، ما يهمنا في هذه الموضوع، في الفصل 73 على أن ” النصوص التشريعية من حيث الشكل يمكن تغييرها بمرسوم بعد موافقة المحكمة الدستورية إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصها”.
ملاحظة: (لم أتناول هنا مفهوم المرسوم الملكي، يمكن هنا العودة إلى التطور الدستوري المغربي، فمثلا في دستور 1962 والذي تميز باستبدال مفهوم الظهير الشريف بمفهوم المرسوم الملكي، بحيث انه عندما تم إعلان حالة الاستثناء لسنة 1965، الملك كان هو الذي مارس اختصاصات البرلمان في مجال القانون بواسطة مراسيم ملكية بمثابة قوانين)
تحياتي ومودتي لأفراد المجموعة وأتمنى أن أكون وفقت في تبسيط المعلومة