وجهة نظر– هل الاجتهاد القضائي قاعدة قانونية
– نحو إعادة النظر في البناء القانوني لمصادر القانون-
مقدمة
فيما يخص الاجتهاد القضائي في الاصطلاح القانوني ، فإن التعاريف المعطاة لهذا المفهوم تعددت و تنوعت ، لكنها رغم اختلافها في المبنى إلا أنه متشابهة كثيرا في المعنى[1] .
فالاجتهاد القضائي في اللغة العربية يطلق على عدة مصطلحات ، منها ” اجتهاد” و ” اجتهاد المحاكم ” و ” قضاء ” ، أما في اللغة الفرنسية فإن عبارة الاجتهاد القضائي” JURISPRUDENCE ” مشتقة من أصل لاتيني يتكون من لفظ ” JURIS ” و يعني القانون ثم لفظ ” PRUDENTIA ” و تعني المعرفة أو العلم ، بحيث كان يطلق قديما على الاجتهاد القضائي ” العلم التطبيقي للقانون[2] .
و تعريف الاجتهاد القضائي في علم القانون ينقسم إلى مجموعتين[3]، مجموعة تربط الاجتهاد القضائي بوظيفة السلطة القضائية و تجعله يشمل جميع الأحكام و القرارات الصادرة عن الهيآت ذات الطبيعة القضائية، فتعرف الاجتهاد القضائي بأنه هو: ” مجموع القرارات القضائية الصادرة عن المحاكم”، أو هو: ” مجموع الحلول التي تستنبطها المحاكم بمناسبة فصلها في المنازعات المعروضة عليها وفق إجراءات متبعة على وجه الإلزام، سواء في مادة أو فرع من فروع القانون، فيقال مثلا الاجتهاد القضائي العقاري، أو في القانون عموما، فيقال الاجتهاد القضائي دون تخصيص[4].
و بالمقابل تركز المجموعة الثانية في تعريفها للاجتهاد القضائي على العملية الذهنية و الإبداعية التي يباشرها القاضي في بعض الحالات الخاصة، فتعرف الاجتهاد القضائي بأنه:” مجموع الحلول القانونية التي تتوصل إليها المحاكم بمناسبة معالجتها للإشكالات القانونية”، أو بشكل أكثر تفصيلا: الاجتهاد القضائي هو: ” الحل الذي تتخذه جهة قضائية في قضية معروضة أمامها، في حالة عدم وجود النص القانوني الواجب التطبيق أو غموضه أو عدم كفايته[5]
و هكذا عرف البعض[6] الاجتهاد القضائي بأنه مجموع المبادئ القانونية التي تستخلص من الأحكام الصادرة عن القضاء الوطني في مسألة معينة ، أي استقرار القضاء على اتجاه معين ، ذلك أن نصوص القانون تصدر عامة و مجردة ، و أثناء تطبيقها كثيرا يصعب على القاضي تحديد ما إذا كان النص ينطبق على النازلة أم لا ، فيصدر حكمه انطلاقا من قناعته متقصيا إرادة المشرع مستعينا بالقياس و بالفقه القانوني و مبادئ العدالة …
فالاجتهاد القضائي حسب هذا الرأي هو عملية عقلانية و إبستمولوجية معقدة للغاية في دائرة التفسير و التأويل و تطبيق النص على أساس مجموعة من الوقائع المتشعبة التي تكون بنية الدعوى من جهة و القاعدة القانونية من جهة أخرى ، و تمتد هذه العملية إلى تحليل المعطيات التاريخية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية لنشأة النص القانوني و ملاءمة تطبيقه مع حاجيات المجتمع الحالي[7] .
و قد اختلف الفقه من زاوية أخرى حول الجهة القضائية التي يمكن أن يوصف نشاطها بكونه اجتهادا قضائيا، بحيث يذهب جانب من الفقه إلى أنه ورغم ما تصدره محاكم الموضوع من أحكام قيمة و ما تقدمه من حلول قانونية فعالة، فإن نشاط هذه المحاكم لا يرقى إلى مستوى الاجتهاد القضائي، ما دام أن الحلول التي تأتي بها هذه المحاكم، تبقى حلولا نسبية ووقتية، يمكن إلغاؤها من طرف محاكم النقض، و بذلك فالاجتهاد القضائي يتعلق بالقرارات الصادرة عن المحاكم العليا وحدها، ما دام أن المألوف في معظم الدول هو وجود محكمة عليا واحدة، و هي بذلك مؤهلة أكثر لفرض اجتهادها و توحيد اجتهاد المحاكم، غير أنه و كما ذهب إلى ذلك جانب آخر من الفقه، يبقى الاجتهاد القضائي عملية ذهنية إبداعية، و هي عملية يمكن تصورها في أية مرحلة من مراحل التقاضي، ما دام أن الاجتهاد القضائي ما هو في النهاية إلا جواب عن سؤال قانوني بمناسبة البت في النزاع، أما ربط الاجتهاد القضائي بقرارات المحاكم العليا وحدها، فيصطدم بحقيقة كون أغلب قرارات هذه المحاكم تأتي في شكل موافقة على التأويل أو الحل الاجتهادي الذي استنبطه قضاء الموضوع[8]، خاصة و أن الإحصائيات في المغرب تؤكد أن قرارات محكمة النقض الصادرة برفض طلب النقض هي أكثر بكثير من القرارات الصادرة بنقض أحكام و قرارات محاكم الموضوع[9]
بغد الانتهاء من تحرير معنى الاجتهاد القضائي في الاصطلاح القانوني، يبقى أن نتساءل عن مكانته في البناء القانوني لمصادر القانون ، و هل يعد مصدرا مباشر للقاعدة القانونية ؟
كما هو متعارف عليه لدى غالبية الفقه[10]سواء في فرنسا أو المغرب فإن الاجتهاد القضائي لا يظهر في قائمة مصادر القانون ، و يفسر ذلك سيادة التشريع باعتباره المصدر الرئيسي للقانون، إلى جانب النطاق المحدود للقرارات القضائية ، إذ تعتبر مجرد ترجمة للقانون ،خالية من الابتكار و الابداع هذه النظرة تقابلها نظرة أخرى أكثر واقعية مفادها أن الاجتهاد القضائي الصادر عن المحاكم – خاصة المحاكم العليا – قد اكتسب نطاقا أخر يجعله مصدرا مباشرا للقاعدة التشريعية[11] و مؤثرا في التوجهات التي يخطها المشرع في القوانين المستقبلية
فظهور الاجتهاد القضائي كواقع يتنامى يوما بعد يوم في الأنظمة القانونية اللاتينية أدى إلى الاعتراف به كمصدر مهم من مصادر القانون [12]، إذ أن الاعتراف بهذه المصادر ليس مسألة تقويمية يرجع الأمر فيها إلى المشرع ، و لكنها مسألة تقريرية يرجع فيها الأمر إلى واقع القانون الوضعي ، و بالتالي فإنه لا يمكن الاعتراف بوجود قواعد قانونية قضائية إلا إذا كانت هذه القواعد أمرا واقعا يمكن التحقق من وجوده بالملاحظة و التجربة ، و من ناحية أخرى لا يمكن إنكار أن القضاء مصدر من مصادر القانون ، مادام هذا القضاء من حيث الواقع يخلق قواعد قانونية وضعية [13]. الأمر الذي ينتقل بنا الى البحث في فكرة الاجتهاد القضائي ، من خلال الوقوف على توفر خصائص القاعدة القانونية من عمومية و إلزام (أولا ) ، و كذلك من قوة معيارية في الحكم القضائي المتضمن للحل الاجتهادي ( ثانيا ).
أولا : عمومية الاجتهاد القضائي المدني و إلزاميته
كجزء من مهمته يجب على القاضي المدني – خاصة قضاة النقض – عند تفسيره للقانون أن يسمح بتطبيقه بشكل موحد ، لذاك من الضروري أن ينبثق من القرار القضائي قاعدة قضائية تسمح لباقي المحاكم – خاصة محاكم أدنى درجة – من وضعها في عين الاعتبار من أجل تطبيقها على النزاعات المماثلة ، و لذلك من الضروري أن تتوفر في القاعدة القضائية خصائص القاعدة القانونية من عمومية و إلزام[14].
فعندما ينشئ القاضي المدني قاعدة قضائية ، يجب أن يتم من خلالها توحيد تطبيق القانون على النحو الذي خلصت إليه ، و بالتالي فإن الحل الذي ستقدمه يجب أن تكون معه صالحة لتطبيقها على النزاعات المماثلة ، و لذلك فإن محكمة النقض تصدر قرارات ذات صيغ تجريدية تساهم في ضمان التطبيق الموحد للقانون في جميع أنحاء البلاد ، و بالتالي فإن عمومية القاعدة القضائية لا غنى عنها لنجاح الدور التوحيدي لمحكمة النقض .
و القاعدة العامة هي قاعدة مجردة، و صفة التجريد هي التي تضفي على القاعدة صفة العموم ، فالمقصود بأن القاعدة مجردة، أنها عند صياغتها لم توضع لتطبق على شخص معين أو واقعة معينة ، و إنما وضعت بطريقة مجردة عن الاعتداد بأي شخص أو واقعة [15].
و حسب الفقه الكلاسيكي فإن الاجتهاد القضائي المدني لا يمكن التسليم به كمصدر للقاعدة القانونية المدنية، ما دام هذا الاجتهاد يواجه صعوبة أساسية تكمن في اصطدامه مع مبدأ الحجية النسبية للشيء المقضي به ، و يقصد بهذا الأمر أن الحكم الصادر في قضية معينة تكون حجيته مقتصرة على أطراف النزاع وحدهم فلا تمتد لغيرهم ، و تسري نسبية الحجية بالنسبة للواقع و القانون على السواء ، فلو عرضت في المستقبل قضية مماثلة أمام نفس المحكمة فلا يوجد أي التزام قانوني على المحكمة أن تطبق حكمها السابق على وقائع القضية الجديدة ، كما لا يجوز لأطراف النزاع الجديد المطالبة بإعمال الحكم السابق في مواجهتهم ، و يترتب على ذلك أن طالما كان الحكم لا يتمتع بالحجية إلا بصدد النزاع الذي فصل فيه ، فلا يمكن أن تنشأ قاعدة عامة من أحكام القضاء [16].
و الملاحظ أن الفقه الكلاسيكي لم ينتبه إلى أن النسبية المنصوص عليها في الفصل 1351 من القانون المدني الفرنسي- يقابلها الفصل 451 من ق.ل.ع- تهم منطوق الحكم أو القرار القضائي، الذي لا يلزم إلا طرفي الدعوى، أما القاعدة القضائية التي يحتويها القرار القضائي فإنها تستمر و تتجدد من خلال قرارات أخرى و في نوازل مستقبلية خاصة إذا تعلق الأمر باجتهاد تفسيري أو اجتهاد مكمل للقاعدة التشريعية، لأنه لا يتصور أن يتراجع القاضي عن اجتهاده ما لم تظهر معطيات جديدة تقتضي تعديل الاجتهاد السابق، فالقاضي هو الذي يخلق القاعدة القانونية و هو الذي يكفل لها الاستمرارية حتى قيل إن القاضي أصبح عبدا لاجتهاده، كما أن الفقه و القضاء يعتبر حجة الشيء المقضي به قرينة قانونية يواجه بها الجميع، و أن هناك نوع من الأحكام يتمتع بالعمومية بموجب سند تشريعي، كما هو الحال بالنسبة للأحكام التي تقضي ببطلان الشركة، و الأحكام التي تعلن فتح مساطر المعالجة في حق المقاولة، و الأحكام التي تصرح بنفاد أو بطلان العقود، بحيث لا يهم هذا النوع من الأحكام أطراف النزاع فقط، بل يمكن أن يواجه به كل من له علاقة بالمقاولة أو الشركة، و يمكن أن يتمسك به كل من له مصلحة في ذلك، بل إن جميع الأحكام القضائية يمكن للغير أن يتعرض عليها حتى و لو لم يكن طرفا فيها، متى توفرت شروط مباشرة مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة[17].
لقد حاول الفقه الكلاسيكي من جهة أخرى إبعاد القاعدة القضائية من دائرة القواعد القانونية، بدعوى أنها لا تتمتع بالشكلية المطلوب في القاعدة القانونية و غير مدعمة بالجزاء الذي يكفل خضوع الناس لها، حيث يتطلب هذا الفقه في القاعدة القانونية أن تكون صادرة عن سلطة عامة مختصة تضفي عليها الشكلية و الشرعية، و تجبر الناس على اتباعها، وفق النظرية الوضعية في تفسير القانون، غير أن هذه الفكرة تصطدم من جهة بحقيقة النظرية الوضعية ذاتها، فهذه النظرية تضم اتجاهين، اتجاه يقدس الشكلية، و اتجاه يدافع عن الأثر الاجتماعي للقاعدة القانونية، بحيث يكفي حسب الاتجاه الأخير أن يتوفر للقاعدة شعور الناس بإلزاميتها حتى توصف بأنها قاعدة قانونية، و الواقع يثبت أن الاتجاه الثاني الذي يركز على الأثر الاجتماعي للقاعدة القانونية هو الأقرب للصواب، بدليل أن كثيرا من القواعد التشريعية تتعطل و تفقد قيمتها لأنها لم تعد تحظى بالحد الأدنى من التأثير الاجتماعي، و هو ما يأخذ عادة شكل تعديل للنص عن طريق استقرار عرف ملزم ، و من جهة أخرى فإن التاريخ أثبت أن الجهة التي تصدر التشريع تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و باختلاف نظام الحكم و النظام القانوني و القضائي السائد في كل بلد.
و كنتيجة حتمية لتمتع القاعدة القانونية بالإلزامية الذاتية تبعا لأثرها الاجتماعي، فإن فكرة الجزاء كعائق أمام اعتبار القاعدة القضائية قاعدة قانونية، تبقى فكرة مبالغ فيها من جانب الفقه الكلاسيكي، لأن القانون هو عبارة عن مجموعة حلول محددة لنزاعات مفترضة، و ليس مجموع أوامر و نواه ينضبط لها الناس بشكل آلي خوفا من الجزاء، بدليل أن المشرع نفسه سمح للأشخاص بالاتفاق على مخالفة القواعد المكملة رغم أن هذه القواعد تعتبر قواعد قانونية مدعومة بجزاء وفقا للتعريف الكلاسيكي للقاعدة القانونية، بل إن بعض الفقه يعتبر أن التمييز بين القواعد الآمرة و القواعد المكملة هو محض مجاز، و أن جميع القواعد القانونية هي قواعد مكملة و اختياري، ما دام أنه يمكن للأفراد الاتفاق على إنهاء نزاعاتهم وديا، على نحو يجعلهم هم من يختار تطبيق قواعد القانون الأمرة من عدمه.
إن ما يؤكد هشاشة فكرة الجزاء كخاصية من خصائص القواعد القانونية، أن الفقه الكلاسيكي نفسه يؤكد أن القاعدة الأخلاقية ليست ملزمة و غير مدعمة بجزاء، و مع ذلك فإن الأخلاق تتمتع بقوة القانون من خلال فكرة العرف، لأن الأعراف ما هي في نهاية المطاف إلا مجموعة من الأخلاق استقرت عليها الجماعة مدة من الزمن حتى أحست بإلزاميتها، و لا يجادل أحد في القيمة القانونية للعرف، و حتى على فرض التسليم بوجود جدلية حتمية بين فكرة الجزاء و فكرة القاعدة القانونية الملزمة، فإن القاعدة القانونية و مهما كان مصدرها لا قيمة للجزاء الذي قد تدعم به إلا عند تطبيقه من قبل القضاء، فهذا الجزاء يكون في حالة جنينية و لا يكتمل ميلاده إلا على يد الحكم المطبق للقاعدة التشريعية أو المنشأ للقاعدة الاجتهادية[18].
إن الواقع يظهر أن الفرد من الممكن ألا يحترم قواعد القانون، إلا أن القيد عليه يكون من خلال القضاء الذي يجبر من خلال قراراته الأفراد على احترام حكم القانون أو يعاقب على عدم احترامه، لذلك لا يمكن للفرد أن يتجنب القاعدة القانونية ، لكن لفرض احترامها بشكل جبري ، يلزم أن يكون هناك مقرر قضائي.
ثانيا: القوة المعيارية للاجتهاد القضائي المدني
لدى القاضي المدني قوة معيارية ، إذ هذا الشيء يبدو في الوقت الحالي واضحا ، لا يمكن إنكاره من قبل المهتمين بالمجال الحقوقي عامة و القانونيين بشكل خاص، لأن عملهم المتواصل في الدراسة و التحليل للقرارات القضائية و نطاقها لا يمكن أن يجعلهم يفكرون بشكل معقول في أن الاجتهاد القضائي قد لا يكون مصدرا في خلق القاعدة القانونية ، فهذا الأمر يشكل ظاهرة على الأقل في حجمها أكثر حداثة ، ففي الواقع أصبح المتقاضين – و الأفراد بشكل عام – يتعايشون مع قرارات قضائية كمعايير حتمية[19].
و إذا كان البعض يذهب إلى اعتبار أن القضاء هو ظاهرة نفوذ و ليس ظاهرة خلق القاعدة القانونية، فإنه يبني رأيه على أساس أن محكمة النقض ليس لها الحق في أن تكتفي في تسبيب قرارها بالإشارة إلى قضائها دون أسباب أخرى ، ، إلا أن البعض[20]الأخر من الفقه ينكر هذا الطرح و يرى أن الأحكام تشير في تسبيب حلولها إلى القضاء المستقر ، كما تشير إلى التشريع …، و محكمة النقض ذاتها لا تمنع من نهج هذه الطريقة، إذ أن لها صيغة معروفة للاستناد إلى قضائها المستقر و هي صيغة ” إنه من المقرر أن ” أو صيغة ” إن الثابت في قضاء هذه المحكمة…”.
ففي مواجهة النتيجة المتمثلة في عدم كفاية المعايير التقليدية المنسوبة للقاعدة القانونية ، ظهر مفهوم جديد يجعل من الممكن تحديد قواعد القانون بشكل أفضل على أساس دور كل قاعدة و ما تؤديه في ضمان استمرار النظام القانوني ، إذ من خلال التطرق للمفهوم سيتضح أن القاعدة القضائية في الحقيقة قاعدة قانونية ، هذه الأخيرة لها قوة معيارية خاصة بها تؤدي إلى جعل الاجتهاد القضائي لا مفر منه في احترام و تطبيق القانون .
هذا و يستخدم الباحثون مرادفات مختلفة للحديث عن القوة المعيارية ، كالقوة القانونية، النطاق المعياري، المعيارية ، الفعالية .. ، بينما يستخدم أخرون المعيارية و القوة المعيارية للدلالة على نفس الشيء، لدى يبدو من المفيد التمييز بين المفهومين .
ترتبط القيمة المعيارية بالآثار القانونية للقاعدة ، بينما تغطي القوة المعيارية جميع تأثيرات القاعدة ، ففي حين تصف المعيارية الجودة الموضوعية التي توجد في لحظة معينة، فإن القوة المعيارية تتساءل عن مصير هذه القواعد و فعاليتها فيما يتعلق بأهدافها ، إذ تركز على استقبال المعايير و تأثيرها على البيئة و المخاطبين بها، من هنا يتبين من المفهوم أن القوة المعيارية كقوة هي كامنة في القاعدة .[21]
تقترح تعاريف مختلفة للقوة المعيارية ، إذ يتميز المعيار القانوني تقليديا بقوته الملزمة و الإلزامية ، و يجب فهم القوة المعيارية على أنها قدرة القاعدة القانونية على فرض نفسها على الأفراد بشكل يمكنهم من استيعاب قوتها الملزمة .
و إذا اعتبرنا مفهوم الإلزام على النحو المحدد في إطار الدراسة الكلاسيكية للقاعدة القانونية، فيمكن للمرء أن يلاحظ أن الاجتهاد القضائي ليس إلزاميا بأي حال، ما دام لا يوجد نص تشريعي يمنحه هذه القوة، و مع ذلك فإن هذه الرؤية جد محدودة ، إذ الواقع يظهر أن هناك عدة عوامل مجتمعة تمنح الاجتهاد القضائي قوته المعيارية ، و يمكن تقسيم هذه القوة إلى ثلاث أقطاب ، إذ من الضروري البحث عن القيمة المعيارية ، الضمان المعياري، ثم النطاق المعياري للقاعدة القضائية لتحديد تأثيرها بشكل كامل في النظام القانوني .
ففيما يتعلق بالقيمة المعيارية للقاعدة القضائية، فحتى لو أراد القاضي المدني أن يجعلها إلزامية ، فهو لا يستطيع ذلك لأنها لا يملك هذه السلطة ، فإذا كان الحكم الإلزامي لا مفر منه فذلك لأن المشرع قد قرر ذلك ، لأنه يتمتع بالسلطة التي تسمح له بجعل القاعدة آمرة ، هذه السلطة لا يملكها القاضي حتى و إن وضع قاعدة ملزمة ، إذ لا يمكن اعتبارها من وجهة نظر مؤسساتية.
لكن بالنسبة لمحتوى القاعدة القضائية فلا يتم تعريفه بشكل واضح دائما ، إذ يمكن للقاضي المدني أن يترك هامش معين من أجل إجراء تعديلات على هذه القاعدة ، كما يمكن له أن يضع قاعدة دون أن يحدد شروط تطبيقها على وجه التحديد ، من أجل السماح في حالات لاحقة بإمكانية تقييم تطبيق القاعدة على أساس كل حالة على حدة ، لذلك فإن قراءة الاجتهاد القضائي و فهمه ليس بالأمر اليسير دائما ، و الدليل هو العديد من المقالات العلمية التي تشكك في نطاق هذا الحل أو ذاك الذي يتبناه القاضي المدني ، و رغم ضعف القيمة المعيارية للقاعدة القضائية ، فإنها مثل اجتهاد القاضي المدني تعطى مكانا هاما في تطبيق القانون .
أما الضمان المعياري للقاعدة القضائية، فيعتمد على مكانة محكمة النقض في التسلسل القضائي، إذ تعتبر أعلى هيئة قضائية في البلاد ، لها الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بتفسير و تطبيق القانون، و من ثم ستفرض تفسيرها على المحاكم الأدنى درجة ، التي لها بالتأكيد عدم اتباعها ، و لكن من الناحية العملية تخضع لها في معظم الأوقات اعترافا بالقوة الحقيقية لاجتهاداتها القضائية [22].
تصدر محكمة النقض في بعض الأحيان اقتراح تشريعي في نقاط متماثلة من حيث المضمون لما يمكن ايجاده في القانون، و هذا ما يعرف بقرارات المبادئ الكبرى، إذ استقرار المحاكم و اطرادها على اتجاه معين في مسألة من المسائل التي يكون حكم القانون فيها محل خلاف، فتصدر بشأنها أحكام متضاربة ثم تتجه نحو التوحيد و الاستقرار على مبدأ أو قاعدة معينة، أي أننا نكون أمام أحكام تصدر عن قضاء النقض ترسي مبادئ قانونية يطلق عليها اسم “قرارات المبادئ Décision de principe ” و هكذا ينشأ اجتهاد قضائي ثابت مستقر تطبقه جميع المحاكم كما تطبق قواعد القانون .
و من المعلوم أن المشرع المغربي يطلق مصطلح الحكم “Le jugement ” للدلالة على الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى، و يطلق مصطلح القرار “Arrêt” على ما تصدره المحاكم العليا كمحاكم الاستئناف و محكمة النقض، و بالتالي تكون القرارات التي تصدرها محكمة النقض هي التي توصف بأنها قرارات المبادئ و التي تتمتع بما يمكن أن يوصف بالقوة الاجتهادية[23].
و قد عرف البعض[24]هذه القرارات بكونها القرارات التي لا لبس فيها و الخالية من الغموض، حاسمة بوضوحها و رسميتها و بشكل دائم للنقاش بين رأيين لهما قيمة حالية معتمدة أو قيمة محتملة كالقرارات الصادرة عن محكمة النقض و التي تحتوي على مبدأ التطبيق العام على كل الحالات الأخرى المماثلة لها، و لهذا السبب المتعلق بنطاقها فإن لها درجة من السمو على القرارات البسيطة من الأنواع الأخرى.
و يبدو أن المعنى الفعلي لقرارات المبادئ يتعارض مع أثر عدم التوقع و عدم رجعية القاعدة الاجتهادية، فكل طرف في القضية سيكون أمام قاعدة جديدة ، دون أن يكون قادرا على التنبؤ.
و لتجنب هذا الأمر تلجأ المحاكم العليا إلى استخدام تقنية أخرى كتقنية “Obiter dictum” و هي عبارة لاتينية، يعرفها البعض[25] بأنها الرأي الذي يتبناه القاضي حول قضية كعنوان للدلالة أو إثارة عرضية، و الذي هو على عكس الأسباب، لا يميل إلى تبرير القرار الذي يتضمنه و لكن فقط لتكون معروفة مقدما ، و في جميع الأغراض اللازمة و عند احساس القاضي في مسألة أخرى غير تلك التي يتطلب تقديم الحل لها، هذه التقنية تسمح من التقليل من حالات تحقق العدول عن الاجتهاد القضائي.
بيد أن التشريع قد لا يساير أحيانا التحولات الطارئة ، كما أن بعض مقتضياته قد لا تسعف في تحقيق المنطق القانوني السليم حيث تحاول محكمة النقض بما تملكه من سمو موقعها في نهج اجتهاد يكون صداه المحمود في توجيه المشرع نحو تعديل هذه النصوص القانونية و تقنين المبادئ التي أرستها هذه المحاكم [26].
و لعل من أبرز الآليات القانونية التي تساهم في توحيد محكمة النقض لاجتهادها و عبره العمل القضائي للمحاكم الدنيا مكنة جمع أكثر من غرفة لتثبيت مبدأ قانوني أو القضاء على احتمال وقوع التناقض بين الاجتهادات القضائية ، أو ما يعرف بمسطرة الغرف المجتمعة[27] .و دون الدخول في مسألة تنظيم هذه المسطرة و سيرها ، يبقى التساؤل مشروعا حول الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة في إطارها – مسطرة الغرف المجتمعة -.
ينبغي القول على أن القرارات الصادرة عن محكمة النقض تصنف عادة إلى قسمين ، أولهما القرارات العدادية ” Les Arrêts d’Espèce”، و تتجسم كما توحي بذلك تسميتها في القرارات الباتة في كل مسألة ورد فيها النص واضحا جليا ، فتنقله بالتالي من حالة السكون إلى حالة الحركة ، مجسدة بذلك الدور الطبيعي للقضاء المتمثل في الفصل في النزاعات .
إلى جانب هذه القرارات التي تستغرق الجانب الأكبر من عمل محكمة النقض ، توجد قرارات أخرى تعرف بالقرارات المكرسة لمبدأ قانوني ” Les Arrêts de Principe”، و هي التي تجسد بحق ما يصطلح عليه الاجتهاد القضائي ، لأنها تسعى إلى سد ما قد يشوب النصوص القانونية من نواقص تفرزها اعتبارات اقتصادية و اجتماعية لتعطي حلولا تكرس مبادئ قانونية جديدة يمكن أن تكون مكملة للمقتضيات التشريعية .
و لن يجادل أحد في أن القرارات الصادرة عن غرف محكمة النقض المجتمعة تدخل في الصنف الأخير ، لأن الدوافع من وراء جمع هذه الغرف و الحلول المأمول أن تعطيها ، تفرض أن تأتي قراراتها دوما مبدئية [28].
فالأحكام المؤيدة من قبل محكمة النقض، و التي يستقر عليها قضائها هي تعبير عن توجه القضاء و توضيح للمنهج الذي يسير عليه أثناء فصله في المنازعات المعروضة عليه، و تسمى الأحكام التي تستقر عليها محكمة النقض على الأخذ بها بالمبادئ القضائية. و للمبادئ القضائية أهمية كبرى سواء بالنسبة للمحامين و المترافعين أمام المحاكم، أو حتى بالنسبة للقضاة أنفسهم خاصة قضاة الدرجة الأولى، ذلك أن القوانين و الأنظمة و اللوائح، و إن كانت هي المرجع في تحقيق الحقوق و ترتيبها، إلا أن القوانين مهما تم الاجتهاد عند إعدادها ووضعها و محاولة أن تكون شاملة، إلا أنه قد يعتري بعض موادها إما الغموض و الإبهام، أو أن تكون قاصرة في بعض الحالات، بحيث يصبح هناك فراغ قانوني، و في هذه الحالة فإن القاضي و المحامي يستأنس بالرجوع للمبادئ و الأحكام القضائية السابقة لحالات مشابهة، و المبادئ القضائية تنشأ بسبب وجود مواد مبهمة أو حالات لم يتم تناولها عند سن القانون أو النظام، و في هذه الحالة فإن القاضي يحاول أن يجد تفسيرا مناسبا للنص الغامض، أو أن يبتدع حكما جديدا للحالة غير المتناولة بالتنظيم[29].
فمن خلال القرارات المبدئية يتجاوز القاضي المدني مهمته التقليدية ، و يتحول إلى مصدر إنشائي للقواعد القانونية ، و بالتالي فإن القرار المبدئي باعتباره حكما قضائيا يتجاوز حدود الحجية المقررة للأحكام القضائية ، ليتحول إلى قاعدة قانونية ذات قوة إلزامية عامة ، وواجبة التطبيق على الحالات المستقبلية المشابهة .
و في سياق الحديث عن الضمان المعياري، لا بد و أن نشير إلى مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 369 من ق.م.م التي تنص على أنه ” إذا بت المجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا- في قراره في نقطة قانونية ، تعين على المحكمة التي أحيل عليها الملف أن تتقيد بقرار المجلس الأعلى في هذه النقطة “، مما يطرح معه التساؤل حول موقع النقطة القانونية في معرض قرار النقض ؟
إن النقطة القانونية التي استوجبت النقض ، هي بالذات وسيلة النقض التي أثارها الطاعن ، و تبناها قرار النقض ، أو قد تكون العلة مثارة تلقائيا كلما كانت من صميم النظام العام ، فهي إذن السبب الذي تقرر بموجبه النقض .
و لتلك النقطة دوما صبغة قانونية ، ما دام أن محكمة النقض تعتبر محكمة قانون، و ليس محكمة موضوع ، و لأن النقض لا يمكن أن يتقرر إلا بناء على ما ينص عليه القانون من أسباب محددة حصرا[30] ، و إذا كان الفصل السابق يتضمن تقييدا لمحكمة الإحالة بقرار محكمة النقض ، فإن هذا التوجيه أو التقييد بالقانوني تتولد عنه اشكاليات نابعة من تحديد طبيعته و حدوده و مداه ، مما يطرح التساؤل حول ما إذا كان قرار النقض مع الإحالة يرجع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل النقض ، و بالتالي يعطي لمحكمة الإحالة حرية و سلطة بسط رقابتها على النزاع من كافة جوانبه الشكلية و الموضوعية دون أي تقييد، و كذلك التساؤل عن موقفها في حالة النقض الجزئي للقرار، أو نقضه كليا ارتكازا على وسيلة واحدة دون مناقشة باقي وسائل الطعن، كما درجت على ذلك محكمة النقض، فهل يحق لمحكمة الإحالة في مثل الأحوال المذكورة البحث عن عناصر الارتباط بين كافة جوانب النزاع، و عن مدى قابليتها للتجزئة من عدمها حتى تتمكن من اختراق التقييد أعلاه، و بالتالي بسط رقابتها على النزاع بأكمله، أم أنه و عكس ذلك فقرار النقض مع الإحالة لا يسعفها في ذلك، و يضيق مجال نشاطها؟
إن محكمة الإحالة لئن كانت مقيدة بالنقطة القانونية التي تم من أجلها نقض القرار، فإن ذلك رهين بأن تكون محكمة النقض قد حسمت في تلك النقطة بأن وجهت محكمة الإحالة إلى تطبيق ما تضمنته، أي أن يظهر الرأي القضائي البات لمحكمة النقض، أما إذا كانت المحكمة الأخيرة لم تتوفر لديها العناصر التي تمكنها من بسط رقابتها على ما انتهت إليه المحكمة المطعون في قرارها أمامها إما لعدم بيان السند المعتمد، أو لعدم كفاية الوثائق المدلى بها أمامها، و ارتأت لذلك نقض القرار المطعون فيه و إحالة الملف على المحكمة الإحالة، فإن المجال يكون بذلك مفتوحا أمام هذه الأخيرة لإعادة تقييم ما عرض عليها من أقوال ووثائق في إطار تحقيقها للدعوى، و بالترتيب على ذلك لا يعتبر ما عللت به محكمة النقض قرارها المذكور من قبيل النقطة القانونية التي تم الحسم فيها و التي توجب على محكمة الإحالة التقيد بها[31].
ذلك أن العلة أو العلل التي على أساسها تقرر النقض هي وحدها التي يمنع القانون على محكمة الإحالة أن تخالف بشأنها رأي محكمة النقض ، و فيما عدا ذلك تسترد محكمة الإحالة كل سلطاتها حتى في إعادة تقدير الوقائع ، و لو كان هذا التقدير مخالف للفهم السابق لتلك الوقائع ، و ذلك على ضوء الدفوع ووسائل الدفاع الجديدة التي يقدمها الأطراف بعد الإحالة ، بل و يمكن لمحكمة الإحالة أن تتبنى أسس قانونية أخرى غير التي تبناها الحكم المنقوض ، و بصفة عامة ، فإن محكمة الإحالة تملك سلطة النظر في الدعوى من أساسها ، لكن مع التقيد دوما بالعمل بالنقطة التي بنت عليها محكمة النقض قرارها بالنقض[32]، و هكذا جاء في قرار[33] لمحكمة النقض بتاريخ 23/08/2012 “… و أن وجوب تقيد محكمة الإحالة بقرار المجلس و عدم مخالفة النقطة القانونية التي بت فيها لا يقصد منه عدم البت في باقي جوانب القضية مادام أن النقض ينشر الدعوى من جديد أمام محكمة الإحالة…“.
كما جاء في قرار[34] آخر صادر عن المجلس الأعلى سابقا بتاريخ 23/11/2005 “… لكن حيث إنه طبقا لمقتضيات الفصل 369 من ق.م.م تكون محكمة الإحالة مقيدة بالنقطة القانونية التي بت فيها قرار المجلس الأعلى، و المبين من هذا القرار أنه قضى بنقض و إبطال القرار المطعون فيه لعدم تسجيل عقد الصدقة في الرسوم العقارية قبل وفاة المتصدق، فإن المحكمة لما ثبت لها انعدام توفر الحيازة القانونية و رتبت على ذلك إبطال رسم الصدقة تكون طبقت الفصل 369 المذكور التطبيق الصحيح مما يجعل الوسيلة بدون أساس .”
و استرسالا فيما قد سبق ، فإن معيار القاعدة القضائية يمكن أن يكون في شكل مبدأ عام ، إذ يمكن الاحتجاج بها مباشرة من قبل الأطراف المتنازعة أو دفاعهم ، كما يمكن للقاضي استخدامها كأساس لقراره ، أما في حالة وجود قاعدة قضائية لا تنص على مبدأ قانوني عام ، يمكنها أن تدعم حجج الأطراف و مبررات القرار ، و لكنها لا يمكن أن تكون أساسا لإتخاذ إجراء قانوني أو حل للنزاع .
و من تم فإن القوة المعيارية للاجتهاد القضائي تختلف باختلاف طبيعة هذا الأخير، فإذا كان الاجتهاد القضائي ثابتا كما هو الحال بالنسبة للمبادئ العامة، فإن قوته المعيارية ستكون مساوية للقانون المطبق، على عكس ما إذا كانت عملية خلق القاعدة القضائية في مهدها ، إداك ستكون القوة المعيارية منخفضة ، و ليس على يقين من أنها ستعتمد من قبل محكمة النقض ، و نتيجة لذلك ستختلف قوة القاعدة القضائية بمرور الوقت[35] .
و مع ذلك فإن الضمانة المعيارية ليست كاملة إذ يمكن للقاضي المدني أن يتخلى عن الاجتهاد القضائي الذي أصبح قديما لا يساير التطورات الحاصلة بسبب عدم جدواه، و بالتالي فإن الضمان المعياري للاجتهاد القضائي قوي حتى و لو لم يكن كليا .
أما من خلال النطاق المعياري للقاعدة القضائية، نصبح على دراية كاملة لهذه الظاهرة – الاجتهاد القضائي – فاستقبال هذا الأخير يجعل من الممكن أن نفهم إلى أي مدى في الواقع تكون قوته المعيارية مهمة جدا .
إن المتقاضي يعتبر القاعدة القضائية مساوية للتشريع ، لأنه في الواقع يعتبرها تنتج نفس الأثر ، فإذا لم يتوافق تصرفه مع القاعدة القضائية سيكون جزاءه بنفس الطريقة التي سينالها إذا لم يحترم التشريع، لذلك فإن المتقاضي الذي يرغب في تغيير تصرفه على نحو لا يناله معه الجزاء ، سوف يضع نموذجا لتصرفه على نحو ما تقدمه القاعدة القضائية ، إذ في نظره هذه الأخيرة لها قيمة ملزمة ، و بالتالي إذا أخدنا وجهة نظر المتقاضي فإن الاجتهاد القضائي له نطاق معياري قوي[36] .
و هكذا إذا قارنا القاعدة القضائية بالقاعدة القانونية في شكلها المعاصر، فإنها تقدم معايير هذه الأخيرة ، هذا التحليل يعزز رؤية الدور الخلاق للقاضي ، و دور الاجتهاد القضائي كمصدر للقانون من خلال محتواه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عادل حاميدي : الدليل الفقهي و القضائي للقاضي و المحامي في المنازعات الأسرية، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط 2016 ، ص 25
[2] محمد عبد النباوي : تعميم الاجتهاد القضائي مساهمة في خدمة العدالة، مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي، العدد 2- ماي 2012 ، ص 10-11
[3] Le mot “Jurisprudence” a deux sens. Pris dans un sens large, il désigne “l’ensemble des décisions rendues par les juges” ; pris dans un sens étroit, il correspond au phénomène créateur de droit, c’est-à-dire, “l’interprétation d’une règle de droit définie, telle qu’elle est admise par les juges” . Le juge et la jurisprudence, créateurs de droit ?, www.cours-de-droit.net . sans autre documentation.
[4] عبد الرحمان اللمتوني: الاجتهاد القضائي التطوري و دوره في دعم التنافسية المعيارية، مجلة العلوم القانونية و القضائية العدد 1 سنة 2015 ص، 40-41
[5] اللمتوني : نفس المرجع، ص 41
[6] رجاء ناجي مكاوي : رجاء ناجي المكاوي: علم القانون- ماهيته، مصادره، فلسفته و تطبيقه ، دار أبي رقراق للطباعة و النشر ، الطبعة الثالثة 2012 ، ص 472
[7] عزالدين أكومي : الاجتهاد القضائي ركن من أركان التكوين القانوني ، مجلة محاكم الشمال العدد 1- نوفمبر 2016 ص 11
[8] عبد الرحمان اللمتوني: دور الاجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق- جامعة محمد الخامس- أكدال -2011 ، م. س، ص 9
[9] راجع الإحصائيات السنوية للمجلس الأعلى سنة 2005، مركز النشر و التوثيق القضائي، طباعة ريم كوم، ص 42 و ما بعدها.
[10] انظر كتب المدخل لدراسة القانون
[11] Cyprien DUFOURNIER : Vers la reconnaissance du juge comme créateur de règles de droit ، blogs.parisnanterre.fr
[12] اللمتوني : الأطروحة ، م.س ، ص 102
[13] سمير عبد السيد تناغو : النظرية العامة للقانون ، منشأة المعالرف الاسكندرية طبعة ، 1974 ، ص 498
[14] Maïwenn TASCHER:Les revirements de jurisprudence de la Cour de cassation، Thèse pour le doctorat en droit privé ،Université de Franche-Comté – Besançon ، Faculté de droit 2011، p 152
[15] سمير تناغو : النظرية … ، م.س ، ص 39
[16] محفوظ بن صغير: الاجتهاد القضائي في الفقه الاسلامي و تطبيقاته في قانون الأسرة الجزائري، أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم الاسلامية تخصص الفقه و أصوله ، جامعة الحاج لخضرء باتنة – كلية العلوم الاجتماعية و العلوم الاسلامية قسم الشريعة ، 2008/2009، ص 242
[17] اللمتوني: الأطروحة، م. س، ص 43-44
[18] اللمتوني: الأطروحة، م. س، ص 46
[19] Emmanuel TRICOIRE : le pouvoir normatif du juge , www.catala-associes.com
[20] انظر حول هذه الاختلافات الفقهية : سمير عبد سيد تناغو : مصادر الالتزام ، مكتبة الوفاء القانونية ، الطبعة الأولى 2009 ص 493
[21] M. TASCHER ,Op,Cit , p 165
[22] M. TASCHER ,Op,Cit , p171
[23] حامد شاكر محمود الطائي: العدول في الاجتهاد القضائي-دراسة قانونية تحليلية مقارنة- المركز الجامعي، ص 79
[24] Christian Atras:L’ambiguïté des arrêts de principe en droit privé, JCP, 1984, I , 3145
أشار إليه حامد شاكر محمود الطائي م. س، ص 79
[25] Gérard Cornu : Vocabulaire Juridique. Puf , coll « Quadrige » 10émé ed, 2014
أشار إليه حامد شاكر محمود الطائي م. س، ص 80
[26] إدريس بلمحجوب: دور المجلس الأعلى في التوحيد و تحقيق الأمن القانوني : مجلة الحقوق المغربية العدد 9 ، ص 74
[27] المهدي شبو :مسطرة الغرف المجتمعة و توحيد اجتهاد المجلس الأعلى، أشغال ندوة ” المجلس الاعلى و التحولات الاقتصادية و الاجتماعية” مطبعة الأمنية الرباط 1999 ص 270
[28] المهدي شبو : م.س ، ص 275
[29] محفوظ بن صغير: م. س، ص 241
[30] الطيب لزرق: إشكالية تقيد محكمة الإحالة بالنقط القانونية التي استوجبت النقض ، مجلة رسالة المحاماة العدد 14-دجنبر 1999 ص61
[31] فكير عبد العتاق: محكمة الإحالة من خلال عمل الغرفة الإدارية، مجلة محاكمة عدد 13 – ماي/شتنبر 2017 ص 52-53
[32] الطيب لزرق، م.س، ص 64
[33] قرار عدد 747 في الملف التجاري عدد 2012/2/3/143، منشور بمجلة المحاكم المغربية العدد 141، يونيو- غشت 2013 ص 166
[34] قرار عدد 523 في الملف الشرعي عدد 138/2/1/2003، منشور بمجلة القصر العدد 24-شتنبر 2009 ص 170
[35] مع أن شرط الاستمرارية لا يكون دائما أساسا لنشأة الاجتهاد القضائي كما سبق و أن أوضحنا ذلك.
[36] M. TASCHER ,Op,Cit , p 173