المسؤولية المدنية للموثق
قراءة في قرار محكمة النقض عدد 5178 الصادر بتاريخ 29 -11 -2011 في الملف المدني رقم 4676/1/3/ 2009
القاعدة
يلزم الموثقون بالقيام بالإجراءات المتعلقة بتأمين فعالية العقود مثل الاشهار او التبليغات او التقييدات او التشطيبات عن التقييدات الرهنية أو غيره كما فانهم مسؤولون عن الأضرار الناتجة عن أخطائهم المهنية وحسب الفصل 78 ق ل ع فانه يعد خطأ فعل ما كن يجب الامساك عنه .
يتحمل الموثق التزاما بتحقيق نتيجة المعاملة المتمثلة في ابرام العقد ويسأل عن كل اخلال منه بهذه المهمة مما قد يسببه من ضرر لأحد طرفي العقد .
لا تعتبر المحكمة قد بتت بأكثر مما طلب اذا رفعت من مبلغ التعويض المحكموم به ابتدائيا استنادا على طلب المستـأنف.
يرجع تقدير التعويض المستحق للمتضرر للسلطة التقديرية للمحكمة شريطة تعليله وبيان عناصره.
لا يتم احلال صندوق تأمين الموثقين محل الموثق المتسبب في الضرر الا في حالة اعسار هذا الأخير.
نص القرار
وبعد المداولة وطبقا للقانون
حيث يستفاد من وثائق الملف والقرار المطعون فيه عدد 2328 2329 الصادربتاريخ 30/04/2009 الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في الملفين عدد 3003/4841/1/08 ان السيد … ادعى امام المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بمقال افتتاحي وآخر بادخال الغير في الدعوى أنه ابرم عقد وعد بالبيع مع السيدة …… عن طريق الموثق …. بخصوص الرسم العقاري عدد …. وأدى مبلغ تسبيق 130.000 درهم كتسبيق على أساس ابرام العقد النهائي بتاريخ 20/07/2004 وقبل هذا التاريخ قام بتسليم الموثق باقي الثمن الا أن هذا الأخير بدل القيام بالاجراءات القانونية من أجل اتمام البيع النهائي عمد الى تسليم الرسم العقاري الى السيدة …… دون اخباره ورغم علمه بأنه تقدم بشكاية ضدها من أجل النصب وعدم تنفيذ عقد كما احتفظ بمبلغ 600.000 درهم لمدة تفوق السنتين والتمس الحكم عليه بأدائه له مبلغ 1.000.000 درهم عن الأضرار والحكم بادخال صندوق التأمينات للموثقين الكائن لدى صندوق الايداع والتدبير واحلاله حله في الاداء اجاب المدعى عليه والتمس ادخال السيدة ….. لان الدعوى يجب ان توجه ضدها واساسا رفض الطلب واحتياطيا احلال صندوق التأمينات محله والحكم على السيدة ….. من اجل اتمام البيع او احلالها في الاجاء و بعد استيفاء الاجراءات اصدرت المحكمة حكمها القاضي على المدعي عليه بادائه لفائدة المدعي مبلغ 100.000 درهم تعويضا عن الاضرار المادية اللاحقة به، استأنفه المحكوم عليه موضحا ان الحكم جانب الصواب، اذ حمله المسؤولية لعدم ادلائه بما يفيد قيامه بجميع الاجراءات القانونية الكفيلة بتحرير عقد نهائي بين الطرفين عن طريق انذار البائعة باتمام البيع مع المدعي وتمكين البائعة من الوثائق المسلمة له والحال انه غير ملزم بانذار البائعة بانه ليس طرفا في العقد كما ان المشتري قام بذلك غير ان الانذار بقي بدون جدوى كما انه توصل من دفاع البائعة باشعار بأن البيع لم يكتب له النجاج وان عرض على المحكمة وصدر حكم بعدم قبول دعوى المشتري اثره سلمه نظير الرسم العقاري كما اثار ان الحكم تناقض بشان قبول طلب ادخال صندوق التأمينات للموثقين ثم عاد وحلل قضاءه بأنه لم يدل بما يفيد ان صندوق الايداع يمثل صندوق التأمينات كما انه لم يبت في طلب ادخال السيدة البائعة والتمس الغاء الحكم الابتدائي كما استأنفه المحكوم له والتمس الرفع من التعويض . وبعد تبادل المذكرات و استيفاء الاجراءات،قررت المحكمة رفض استئناف المحكوم عليه وتأييد الحكم المستأنف مع تعديله برفع المبلغ المحوم به الى 380.000 درهم وهذا هو القرار المطعون فيه.
بشأن الوسيلة الأولى في فرعها الأول
حيث يعيب الطاعن على القرار خرق مقتضيات الفصل 3 من م م الذي يوجب على القاضي الحكم في حدود طلبات الاطراف، اذ ان المحكمة لم تتقيد بطلب المطلوب ورفعت قيمة التعويض من 100.000 درهم الى 380.000 درهم متجاوزة ماطلب وهذا ما سار عليه اجتهاد محكمة النقض في عدة قرارات كما ان ماعللت به المحكمة تعديل التعويض ورفع قيمته لا يستند على اساس واقعي سليم ولم تجب عن دفوعه بخصوص هذه النقطة، اذ لا يمكنها تحديد التعويض بشكل مجاني بل يتحتم عليها ان تقدر التعويض حسب الضرر المباشر فقط باعتبار هذا الاخير النتيجة المحققة والواقعة التي احدثها الاخلال بالاتزام ومستندة على العناصر الثابتة بالاوراق.
لكن من جهة فانه خلاف ما جاء بالوسيلة فالمطلوب التمس بمقتضى مقاله الافتتاحي الحكم له بمبلغ مليون درهم كتعويض كما انه لما حكم له بمبلغ 100.000 درهم استأنف الحكم الابتدائي والتمس رفع التعويض والمحكمة مصدرة القرار لما قضت بتعديل مبلغ التعويض ورفعه الى 380.000 درهم لم تخرق الفصل 3 م م ولم تحكم بأكثر مما طلب منها، مما يبقى هذا الشق غير جدير بالاعتبار، ومن جهة ثانية فان المحكمة لها سلطة تقدير التعويض شريطة تعليله وبيان عناصر، والمحكمة لما اوردت في تعليلها ان الموثق احتفظ بالثمن منذ تسليمه اليه الى تاريخ ارجاعه الى صابحه ثم انه فوت على المشتري الصفقة التي كان سيقوم بها وفوت عليه مايجنه منها، اذ ان الشقة بيعت للسيد …. بثمن قدره 900.000 درهم اي بفارق 170.000 درهم يضاف الى ذلك الضرر الحاصل لغاية هذا الحكم والخسارة اللاحقة من جراء عدم استثمار الثمن طيلة تلك المدة وعدم اقتناء الشقة التي كان قد اختار شرائها وضاعت منه قد سبب له ضررا ماديا ومعنويا تقدره المحكمة حسب الثابت من وثائق الملف ومما ذكر اعلاه مبلغ 380.000 درهم تكون قد بين العناصر التي اسست عليها الحكم بالتعويض حسب الفصل 98 ل ع، فجاء قرارها معللا ويبقى ما استدل به في هذا الشق على غير اساس.
وبخصوص الفرع الثاني من الوسلة الأولى:
وحيث يعيب الطاعن على القرار خرق احكام الفصل 103 م م الذي ينص اذا طلب أحد الأطراف ادخال شخص في الدعوى بصفته ضامنا لأي سبب آخر استدعى ذلك الشخص طبقا للشروط المحددة في الفصول 37 و 38 و 39 م م ويعطي له الاجل الكافي …. ويمكن ادخال شخص في الدعوى أي حين وضع القضية في المداولة …” والقرار لم يجب عن دفوعه المثارة بخصوص ادخال صندوق تأمينات الموثقين وكذا ادخال البائع … واقتصر فقط على حيثية وحيدة متناقضة وغير واضحة ولم تجب المحكمة عن طلبه ادخال السيد….. والحكم عليها بإتمام البيع مع المطلوب ضده النقض السيد….. والاحلال محله في الاداء، وبذلك استجابت بشكل الي لمزاعم المطلوب دون البت في مطالبه خصوصا مقال الادخال لا بالقبول و لا بعدمه وبذلك خرقت مسطرة آمرة وجاء القرار ناقص التعليل.
لكن بخلاف ما جاء بالوسيلة فان المحكمة مصدرة القرار بتأييدها للحكم المستأنف الذي قضى بقبول طلب الادخال ورفض باقي الطلبات يكون قد اجاب عن طلب ادخال السيد …. كما انه اجاب ضمن حيثياته عن طلب احلالها محله بأنه” لا يوجد ما يدعو الى احلال السيدة …. محله في اداء ماترتب عن مسؤوليته كموظف من ضرر لسيد المشتري، اجاب كذلك عن احلال صندوق التأمينات للموثقين بأن ذلك لا يتم الا في حالة اعسار المحكوم عليه وبذلك يبقى ما استدل به غير جدير بالاعتبار.
بخصوص الوسيلة الثانية
حيث يعيب الطاعن على القرار نقصان التعليل الموازي لانعدامه، اذ لم ترد المحكمة على دفوعه الوجيهة بموجب مقبول من خلال حيثياتها ” بأن الموثق ملزم طبقا للفصل 1 من ظهير 04-05-1925 بالوصل الى ترتيب الاثر القانونية للرسم الذي يحرر” ذلك ان المطلوب لم يؤسس دليلا قاطعا على ارتكابه اي افعال تحمله المسؤولية والقرار جاء متسما بانعدام التعليل حين قضى بتحميله المسؤولية لعدم نجاح معاملة البيع بين الطرفين وعدم ادلائه بما يفيد قيامه بالاجراءات الكفيلة بتحرير عقد نهائي عن طريق انذار البائعة باتمام البيع وعدم تمكينها من الوثائق المسلمة له عن طريقها في حين ان لا يد له في ذلك وكان على المطلوب توجيه دعواه ضد البائعة باتمام اجراءات البيع كما ان المطلوب اسس دعواه على تصريحاته اثناء سريان مسطرة جنحية من اجل عدم تنفيذ عقد، في حين ان التصريحات اخذت على سبيل الاستئناس امام القاضي الجنائي ولا ترقى للاثبات امام القضاء المدني كما انه لم يمتنع عن ارجاع مبلغ 600.000 درهم وانما طالب باتمام ذلك وفق القانون اي بحضور الطرفين واتفاقهما على اتمام البيع او الفسخ واعادة الامور على ماكانت عليه كما انه لم يحتفظ به بل اودعه بصندوق الخزينة العامة، اما مبلغ 130.000 درهم فقد سلمه المطلوب شخصيا للبائعة وبذلك حسب الفصل 78 ل ع لا يوجد خطأ من جانبه وبذلك ينفي الركن الأساسي لقيام مسؤوليته اذ انه قام بابرام عقد الوعد بالبيع وحدد تاريخ 20/07/2004 لاتمام الاجراءات ففوجئ بالبائعة تتملص من تنفيذ التزاماتها كما انه غير ملزم بانذار البائعة باتمام البيع بل الملزم هو المشتري وقد قام بذلك وبقي الانذار بدون جدوى وبالتالي لا يمكن تحميله المسؤولية لهذا السبب اما بخصوص تمكينه البائعة من الوثائق المسلمة له فانه توصل باشعار من محامي البائعة بخبره بأن النزاع عرض على المحكمة وقد اصدرت حكم بعدم قبول طلب المشتري وطلب منه تسليمه نظير الرسم العقاري وقد سلمه اياه بتاريخ 05/06/2006 وقد تفاجى المطلوب الاشارة الى الدعوى ومآلها لعدم وجود اي مبرر للاحتفاظ به كما ان عقد الوعد ينص على ان البيع يتوقف على شرط احضار البائعة لرفع اليد عن كل ما يثقل الرسم العقاري وبذلك فانه لا يتوفر على امكانية لاجبارها على ذلك وابرام عقد نهائي وقد سلك المشتري كل الطرق معها والقرار تغاضى عن هذه المعطيات والحقائق وحمله المسؤولية وحكم عليه دون تعليل يذكر فيما انتهى اليه.
لكن عملا بالفصل 1 من ظهير 04-05-1925 المتعلق بتنظيم التوثيق فان الموثقين ملزمون بالقيام بالاجراءات المتعلقة بتأمين فعالية العقود مثل الاشهار أوالتبليغات أوالتقييدات أو التشطيبات عن التقييجات الرهنية او غيرها ….” وعملا بالفصل 39 من نفس الظهير فانهم مسؤولون عن الأضرار الناتجة عن اخطائهم المهنية وحسب الفصل 78 ل ع فانه يعد خطأ فعل ما كان يجب الامساك عنه والمحكمة مصدرة القرار لما ثبت لها من الوثائق المعروضة امامها ان عقد الوعد بالبيع نص على ان الشرط الاساسي لتحرير العقد النهائي يتمثل في احضار المشتري باقي الثمن بتاريخ 20/07/2004 وانه عهد للموثق (الطالب) بتحرير هذا العقد في حالة تحقق هذا الشرط وأن المطلوب احضر فعلا الثمن المتفق عليه في الاجل المحدد وسلمه للموثق الذي لم يقم بتحرير العقد بل قام بارجاع نظير الرسم العقاري للبائعة بمجرد اشعار من محاميها دون اخد الاحتياطات اللازمة والتدابير القانونية ودون اعلام المشتري او طلب حضوره كما تذرع عن احتفاظه بالمبالغ المسلمة له وعدم ارجاعه للمطلوب مما سهل عليها تفويت العقار مرة ثانية وتفويت الفرصة على المطلوب واستخلصت وعن صواب ارتكاب الطالب لخطأ سبب ضررا للمطلوب وقضت عليها بالتعويض موردة ضمن تعليلاتها ”ان مهمة الموثق تتمثل في تحقيق نتيجة المعاملة الحاصلة بكل تحيح والقيام بالاجراءات الكفيلة بابرام العقد ” وبذلك تكون اعتمدت ذلك في اعتبار الطالب مسؤولا على ما سبق بغض النظر عن عدم توجيه الانذار للبائعة واجابت عن دفوع الطالب فركزت قضائها على اساس وجاء قرارها معللا و يبقى ما استدل به على غير اساس
لهذه الاسباب :
قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحميل الطالب المصاريف.
التعليق على القرار
تعتبرالمسؤولية القانونية للموثق الوسيلة الموضوعة رهن إشارة القضاء لمراقبة حسن سير مرفق التوثيق، لا كن يبقى التكييف القانوني أصعب مشكلة تواجه رجال القانون كافة قضاة وفقهاء لكون القانون المنظم للمهنة سكت حيالها فهناك جانب يعتبرها عقدية وجانب يعتبرها تقصيرية وجانب اخر يجمع بين المسؤوليتين ناهيك عن المسؤولية التأديبية و الجنائية التي احال عليها القانون المنظم للمهنة على القانون الجنائي.
حيث أن القرار أعلاه الصادر عن محكمة النقض-الغرفة المدنية- المحدد اختصاصها وفق قانون المسطرة المدنية من خلال مراقبة مدى احترام تطبيق القانون من طرف محكمة الموضوع التي صدر عنها حكم بتحميل الموثق مسؤولية ابرام عقد وعد بالبيع بخصوص رسم العقاري حيث أدى المشتري مبلغ 130.000 درهم كتسبيق على أساس ابرام العقد النهائي بتاريخ 20/07/2004 وقبل هذا التاريخ قام بتسليم الموثق باقي الثمن الا أن هذا الأخير بدل القيام بالاجراءات القانونية من أجل اتمام البيع النهائي عمد الى تسليم الرسم العقاري الى البائعة بمجرد اشعاره من طرف محامي البائعة وذلك دون اخبار المشتري ورغم علم الموثق بأن المشتري تقدم بشكاية ضد البائعة من أجل النصب وعدم تنفيذ عقد واحتفظ بمبلغ 600.000 درهم لمدة تفوق السنتين. .
وبالنظر للطبيعة المتغيرة لمهام تدخل الموثق فقد ذهب موقف القضاء الى تطبيق كل من أحكام المسؤولية التقصيرية والعقدية على عمل الموثق لكون ظروف الواقعةتتلخص في اهمال الموثق وتقاعسه في أداء مهامه المتمثلة في تحقيق نتيجة المعاملة التي ابرمها بمناسبة مزاولته لمهامه .
حيث ذهب القضاء في النازلة التي عرضت عليه بكون مسؤولية الموثق اتجاه زبونه هي مسؤولية تقصيرية وتم ترتيب المسؤولية على الموثق واستند القرار على كون علاقة الزبون بالموثق هي القيام بالممارسة الصحيحة لوظيفته وان اي اخلال بواجبه الوظيفي يعطي الامكانية للمتعاقد بأن يختار نظام المسؤولية عن الاخطاء المهنية المرتكبة فالموثق مهنيا ملزم بان يقدم لزبونه نتيجة توثيقية محددة لا يتطرق اليها الشك اي عناية لا تقدر في ضوء الاحتمال والتخمين حيث تكمن العلة وراء التزام الموثق بتحقيق نتيجة محددة من خلال اتخاذ جميع الاجراءات المتطلبة قانونا من خلال ملائمة العقد مع النظام القانوني كما يلتزم بالبحث والتحري في مدى توفر الشروط الموضوعية وكذا الشكلية كما يلزم بحساب مصاريف العقد والرسوم المختلفة الواجبة قانونا لتحصيلها وايضا تحرير العقد واتخاذ الاجراءات الواجبة قانونا في ذلك العقد من تسجيل واشهار تم تمكين الاطراف بنسخ من ذلك العقد .
حيث ان المحكمة بعد بسط يدها على وثائق ملف النزاع تبين لها ان الموثق اخل بالتزاماته وذلك بعدم تنفيذ كل هذه الالتزامات او بعضها .
وحسب رأي المتواضع فاذا كان الأصل حسب قرار محكمة النقض بكون طبيعة الاتزام التوثيقي ومضمونه يتحدد بتحقيق نتيجة او التزاما محدد في سبيل صحة العقد وسلامته ونفاذه بين طرفيه واستئثار كل طرف بالحقوق المتفق عليها فان هناك بعض الحالات التي لا يستطيع فيها الموثق أن يضمن للأطراف المتعاقدة نتيجة محددة فيكون التزامه حينئذن ببذل عناية في سبيل صحة التعاقد وذلك من قبيل بعض الأعمال الخاصة بفحص الوثائق والمستندات والتأكد من سلامتها والاتزام الناشئ عن تقديم الاستشارة والنصح.