جريمة نشر أخبار زائفة
توضيحات حول الجريمة بعد تكاثر الأخبار الزائفة بخصوص إنتشار وباء كورونا بالمغرب
بعد أن كان المغاربة يتتبعون أخبار وباء كورونا الفتاك عبر القنوات العالمية و المحلية في البلدان التي كان ينتشر فيها ، تفاجئوا مؤخرا ببروز أول حالة إصابة به في المغرب بواسطة مغربي مقيم بدولة إيطاليا التي غزاها الوباء بشكل متسارع منذ مدة قصيرة ، و قد تم إكتشاف إصابته بعد يومين من حلوله بالمغرب ، وهو ما شكل صدمة كبيرة للرأي العام المغربي الذي كان يتابع هذا المرض فقط من خلال الحالات غير المؤكدة ، و له شبه قناعة أن المغرب بعيد كل البعد عن إنتشار هذا الوباء الخطير ، إلى درجة أن تبادل الأخبار حول هذا المرض كانت تتم بين المواطنين المغاربة حصرا من خلال النكت و الصور المضحكة . لكن الأمر تغير بعد إكتشاف الحالة الوحيدة المعلن عنها ، و أصبح الجميع في حالة خوف و ترقب مما قد يسفر عنه هذا المرض الذي انتشر في العديد من البلدان بصورة مثيرة و خلف ورائه ألاف الضحايا . و قد استغل البعض حالة الخوف و الترقب هذه من أجل نشر أخبار زائفة حول وجود المرض في مدن مغربية أخرى غير الحالة التي اكتشفت في مدينة الدار البيضاء ، و نشر هذه الأخبار غالبا ما كان يتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر المعلومة و توزعها بطريقة سريعة يكون لها أثر كبير على الأفراد و على المجتمع ، و على الاستقرار و الأمن الذي يجب أن يتمتع به أي مجتمع .
و في خضم هذه الظاهرة المرضية التي تتطلب مقاربات صحية وقائية و علاجية من أجل القضاء عليها ، أو على الأقل التخفيف من آثارها ، فإنه لابد من مقاربة هذه الظاهرة قانونيا لا سيما فيما يتعلق بنشر أخبار زائفة حول هذا المرض الذي أصبح يستوطن في أذهان المواطنين المغاربة و يؤثر على سلوكياتهم و تصرفاتهم أكثر من أي وقت آخر . فبالتأكيد أن حالة الخوف و الهلع التي أصابت المواطنين أصبحت تفرض عليهم البحث عن جميع الأخبار المتعلقة بهذا المرض سواء من حيث طبيعته و خطورته و نطاقه من حيث الأشخاص و الأقاليم و أيضا سبل الوقاية و العلاج ، لذلك يستغل العديد من الأشخاص و المؤسسات سواء كانوا عبارة عن صحافيين و مؤسسات إعلامية أو كانوا غير ذلك ممن لا يحملون هذه الصفة هذا الاهتمام من أجل نشر أخبار زائفة قصد تحقيق سبق صحفي و تحقيق نسب متابعة عالية أو الوصول إلى ما يعرف ” بالبوز ” باعتباره ظاهرة مرضية في المجال الإعلامي في الوقت الحالي ، لا سيما أمام تراجع الجانب الأخلاقياتي سواء في المجال الصحفي و الإعلامي أو عند عامة الناس ممن يستغلون فضاءات التواصل قصد نشر أخبار قد تكون صحيحة و قد تكون مزيفة .
لذلك فمن باب التنبيه فإنه يمكن القول أن الصحافيين و المؤسسات الصحافية و لا سيما مدراء النشر الذين يتابعون باعتبارهم فاعلين أصليين ، إذا ما لجئوا إلى الإثارة فقط و تحقيق ” البوز ” عن طريق نشر أخبار زائفة فإنهم يمكن أن يتابعوا بارتكابهم لجريمة نشر أخبار زائفة المنصوص عليها و على عقوبتها طبقا لمقتضيات الفصل 72 من قانون الصحافة و النشر التي تنص على أنه : ” يعاقب بغرامة مالية من 20.000 إلى 200.000 درهم كل من قام بسوء نية بنشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلفة أو مدلس فيها منسوبة للغير إذا أخلت بالنظام العام أو أثارت الفزع بين الناس ، بأية وسيلة من الوسائل و لاسيما بواسطة الخطب أو الصياح او التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية و إما بواسطة المكتوبات و المطبوعات المبيعة او الموزعة أو المعروضة للبيع او المعروضة في الأماكن او الاجتماعات العمومية و إما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم إما بواسطة مختل وسائل الإعلام السمعية البصرية او الالكترونية و أية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية ” . فانطلاقا من الفصل 72 المذكور أعلاه يتبين على أن هذه الجريمة خاصة بمن لهم صفة صحافي فقط من دون باقي المواطنين ، و الركن المادي للجريمة يتعلق بالقيام بسلوك إيجابي عن طريق نشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف أو إدعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلقة أو مدلس فيها منسوبة إلى الغير ، و أن يؤدي ذلك إلى نتيجة معينة تتمثل في الإخلال بالنظام العام أو إثارة الفزع بين الناس ، و أن تكون هناك علاقة سببية ما بين السلوك المرتكب من طرف الفاعل و النتيجة الإجرامية . على أساس أن يتم بوسائل متعددة للنشر سواء كانت تقليدية كالكلام و الكتابة الذي ينشر بشكل مكتوب أو بطريقة سمعية و بصرية أو عن طريق الكتابة الإلكترونية و لا سيما عن طريق ما ينشر و يوزع بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي . بينما يتجلى الركن المعنوي في القصد الجنائي العام الذي يتمثل في العلم و الإرادة و أيضا في وجود قصد جنائي خاص هو وجود سوء نية لدى ناقل الخبر المزيف .
و تعتبر جريمة نشر أخبار زائفة من أهم الجرائم التي يتابع بها الصحافيون و المؤسسات الصحفية،و قد سبق أن استعمل القضاء هذا الفصل في الكثير من الأحيان قصد متابعة و إدانة الصحافي و الصحيفة التي تنشر أخبار زائفة مثلما كان الأمر مع جريدة المشعل و مدير نشرها الذي توبع بهذه الجريمة و أدين بسنة حبسا نافذا ناهيك عن الغرامة المالية حينما نشر أمورا زائفة تتعلق بالجانب الصحي لجلالة الملك ، و تم الحكم على صحافيين آخرين بتهمة المشاركة إضافة إلى توقيف الجريدة . و هذا الحكم كان في إطار القانون القديم الذي كان يتضمن عقوبات سالبة للحرية بعكس قانون الصحافة الجديد الذي استبعد العقوبات السالبة للحرية و اقتصر على العقوبات المالية فقط ، لكنه قام بمضاعفتها و أصبحت العقوبة المالية أو الغرامة من 20.000 درهم إلى 200.000 درهم و بالتالي فإنه ينبغي تحذير المؤسسات الصحفية و الصحافيين سواء في إطار الصحافة المكتوبة أو بشكل أخص الإلكترونية أن يضعوا هذا المعطى القانوني تحت أعينهم و أن لا ينشروا سوى الأخبار الصادقة و الحقيقية و المؤكدة ، لأن أي خبر ينشر يتعلق من قريب أو من بعيد بهذا المرض إلا و سيكون له تأثير كبير على المجتمع ، و بالتالي يتحقق من خلاله مفهوم الإخلال بالنظام العام و نشر الهلع بين الناس الذي تحدث عنه الفصل القانوني . بل حتى بالنسبة لسوء النية كقصد جنائي خاص قد يتم التشدد فيها و افتراضها مادام انه لم يتم التأكد من مصادر الخبر ، و كان الهدف هو الوصول إلى السبق الصحفي ولو على حساب خلق البلبلة داخل المجتمع .
و إذا كان ما تم التطرق إليه أعلاه خاص بالأشخاص ممن يحملون صفة صحافي مهني ، وفق ما تم تنظيمه في قانون الصحافة و النشر الذي هو قانون خاص بالأشخاص الذين يحملون هذه الصفة . فإننا نلمس أن المواطن العادي أصبح فاعلا في نشر و توزيع و بت الأخبار الزائفة التي قد يكون متأكدا أو غير متأكد من صحتها ( يمكن أن نطلق على المواطن العادي حاليا صفة صحافي غير مهني ) ، و التي قد يؤدي الانتشار و التداول السريع لها بفعل الإمكانيات التي تتيحها الأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي أن يتسبب بخلل في النظام العام و الأمن العام و أن يخلق البلبلة و الهلع داخل المواطنين . و في حالة ارتكاب أي مواطن لهذا الفعل الإجرامي من خلال نشر خبر زائف عبر أي وسيلة كانت لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي التي تساوى العالم و الجاهل في إستعمالها ، فإن العقوبات المقررة في مواجهته تفوق تلك التي خصصت للصحافي في الفصل 72 من قانون الصحافة التي تقتصر على العقوبات المالية فقط ، لأن المواطن العادي في حالة نشره لأخبار زائفة كيفما كانت وسيلة ذلك ، سيتعرض لعقوبات سالبة للحرية و عقوبات مالية ، و هذا ما أكدت عليه مقتضيات الفصل 1-447 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه : ” يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من 2.000 الى 20.000 درهم كل من قام عمدا و بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال و معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها ” .
و هكذا فإنه على المواطنين العاديين الحذر كل الحذر من خطورة ما ينشرونه أو يتداولونه عبر تطبيقات وسائل التواصل الإجتماعي بخصوص هذا الوباء الجديد ، أو بخصوص أي ظاهرة قد تحدث اضطراب و زعزعة داخل المجتمع ، لأن التجريم و العقاب في هذه الحالة بالنسبة للمواطنين العاديين أقسى و أغلظ من الصحافيين المهنيين ، سواء من جهة إعتبار هذه الجريمة المنصوص عليها قي الفصل 1-447 على مستوى الركن المادي جريمة سلوك لا تتطلب نتيجة معينة كحدوث اضطراب أو هلع أو إخلال بالنظام العام و هذا يبين التشدد التجريمي للمشرع في هذه الجريمة مع المواطنين العاديين ، و أيضا على مستوى الركن المعنوي الذي تطلب فيها فقط قصدا جنائيا عاما من علم و إرادة دون أن يتطلب قصدا جنائيا خاصا كسوء النية الذي اشترطه لدى الصحافي . و نفس الأمر بالنسبة للعقاب الذي حدده المشرع في العقوبات المالية و أيضا العقوبات السالبة للحرية و التي قد تصل إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا . و لهذا فعلى المواطنين الحذر من نشر و تداول أخبار زائفة بخصوص هذا الوباء ، لما قد يشكله ذلك من خطر و اضطراب على النظام العام و الأمن العام و الصحة العامة ، و أيضا لما يمكن اعتباره جريمة سهلة الإثبات و يسيرة على القضاء من أجل المتابعة و الإدانة بعقوبات حبسية و مالية مشددة .