ملاحظات حول تنفيذ الأحكام المدنية على ضوء مسودة مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية
أمال لكرد
طالبة باحثة في صف الدكتوراه
جامعة محمد الخامس – الرباط
يعتبر تنفيذ الأحكام القضائية من الغايات المثلى التي يسعى المشرع إلى وضع آليات لضمانها نظرا لما تشكله من مصلحة حيوية للمتقاضين الذين يلجؤون لقضاء ضمانا لصيانة حقوقهم.
ويلعب القضاء بالإضافة إلى ذلك دورا مهما في تكريس الضمانات القانونية لفائدة المنفذ لهم سواء على مستوى حماية الطرف الضعيف خلال مرحلة التنفيذ أو من خلال ضمان احترام الإجراءات القانونية المرتبطة بمساطر التنفيذ.
غير أن مواكبة العراقيل والمعيقات التي تعترض مساطر التنفيذ ومحاولة بلوغ درجة قصوى من الحماية للحقوق محل التنفيذ يقتضي على التدخل على المستوى التشريعي كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك، كما يتطلب من القضاء أن يساهم في إيجاد التفسيرات الفضلى للمقتضيات القانونية المتعلقة بالتنفيذ.
وفي هذا الإطار تأتي التعديلات التي جاءت بها مسودة مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية في باب التنفيذ، وهي التعديلات التي همت بعض جوانب قانون المسطرة المدنية، إذ نصت المادة الأولى من مسودة القانون المذكور على تتميم العديد من المواضيع المسطرية بدءا من تقديم المقال الافتتاحي للدعوى إلى غاية تنفيذ المقررات القضائية الصادرة عن مختلف الجهات القضائية.
وفي هذا السياق نجد أن الجهة التي وضعت المسودة أضافت فصلا جديدا في الباب الثالث من القسم التاسع المتعلق بقواعد التنفيذ، ويتعلق الأمر هنا بالفصل 1-432 من قانون المسطرة المدنية، حيث تم التنصيص على ما يلي: ” يقدم طلب التنفيذ إلى القاضي المكلف بالتنفيذ المختص محليا، متضمنا الاسم الشخصي والعائلي لكل من طالب التنفيذ والمطلوب فيه وموطنهما مع تعيين موطن مختار داخل اختصاص المحكمة التي يجري التنفيذ بدائرتها.
إذا كان طالب التنفيذ أو المنفذ عليه ممثلا بمحام، وجب على هذا الأخير تحديد حسابه الإلكتروني المهني في الطلب المقدم.
يرفق الطلب بالسند التنفيذي مع نسخ من الطلب، وبصور من السند، بقدر عدد المنفذ عليهم.
تقيد طلبات التنفيذ بكتابة الضبط في سجل معد لهذه الغاية ورقيا أو رقميا.
يفتح ملف لكل طلب تودع فيه جميع الوثائق والإجراءات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ، وتضمن في الملف وفي النظام المعلوماتي المعد لهذه الغاية جميع الإجراءات المتعلقة بعملية التنفيذ”
ومما يلاحظ على هذه التعديلات أن واضع المسودة حاول تدارك بعض الفراغ التشريعي الذي يعتري مسطرة التنفيذ، و إن كان هذا التدارك نابع من الممارسة القضائية اليومية التي تطبع مباشرة إجراءات التنفيذ.
غير أنه بالرغم من ذلك فلنا بعض الملاحظات على هذه الخطوة يمكن اختزالها في ما يلي:
ارتباط الفصل 1-432 من قانون المسطرة المدنية بالفقرة الأولى من الفصل 429 من نفس القانون
إن الفقرة الأولى من الفصل 429 من قانون المسطرة المدنية تنص على أن الأحكام الصادرة من محاكم المملكة تنفذ في مجموع التراب الوطني بناء على طلب من المستفيد من الحكم أو من ينوب عنه.
وقد أوضح واضع مسودة مشروع القانون البيانات التي يجب أن يتضمنها الطلب المذكور، وجعلها محدد في:
- الاسم الشخصي والعائلي لطلب التنفيذ وموطنه.
- الاسم الشخصي والعائلي للمطلوب في التنفيذ الذي عبر عنه واضع المسودة بالمطلوب منه، أي المطلوب منه التنفيذ وموطنه.
- تعيين موطن داخل اختصاص المحكمة التي سيجري في دائرتها التنفيذ، وذلك في الحالة التي يكون فيها طالب التنفيذ أو أطرافه يقطنون خارج دائرة نفوذ المحكمة المطلوب منها مباشرة إجراءات التنفيذ
ومن بين المستجدات التي اضافها وضاع المسودة في الفصل 1-432 من قانون المسطرة المدنية إلزام المحامي الذي ينوب عن أحد طرفي التنفيذ بضرورة تحديد حسابه الإلكتروني المهني في الطلب المقدم من أجل التنفيذ. وهو ما يستوجب إبداء بعض الملاحظات أهمها ملاحظتين:
1 – الملاحظة الأولى: أن هذا المقتضى حصر مسألة تحديد العنوان الإلكتروني المهني للمحامي في حالة تقديم الطلب، والحال أن هناك العديد من الحالات التي يمكن للأطراف أن يتقدموا شخصيا بطلبات تنفيذ المقررات القضائية الصادرة لفائدتهم، وخاصة تلك الصادرة في القضايا التي يعمل فيها بالمساطر الشفوية، وهو ما يجعلنا نتساءل حول ما إذا كان المحامي ملزم بتحديد الحساب الإلكتروني المهني الخاص به عندما تيم تنصيبه من طرف طالب التنفيذ بعد تقديم طلب التنفيذ شخصيا من طرف هذا الأخير أم أن المحامي المذكور سيبقى في حل من هذا الالتزام؟
في نظرنا فإن الغاية من إلزام المحامي بضرورة تحديد حسابه الإلكتروني المهني في صلب طلب التنفيذ المقدم من طرف نيابة عن موكله هي تسريع إجراءات التنفيذ من أجل تحقيق الغاية من إصدار المقررات القضائية، ولهذه العلة فإننا نرى أن يبقى هذا الالتزام على عاتق المحامي حتى بعد أن يتم تقديم طلب التنفيذ من طرف طالب التنفيذ شخصيا، ويمكن لقاضي التنفيذ أن يطالب من المحامي المنصب تحديد حسابه الإلكتروني المهني بواسطة طلب إضافي وذلك على نفس المنوال الذي نهجه المشرع في الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الأخيرة التي أعطت للقاضي سلطة إنذار الأطراف وتكليفهم بإتمام البيانات الناقصة التي تعتري مقالاتهم الافتتاحية، وذلك على غرار اعتبار طلب التنفيذ بمثابة مقال افتتاحي لمسطرة التنفيذ.
2 – الملاحظة الثانية: تتجلى في الإلزام الذي وضعه واضع المسودة على عاتق طالب التنفيذ بضرورة تحديد الحساب الإلكتروني لمحامي الطرف المنفذ عليه في صلب الطلب المقدم من أجل التنفيذ، وهو ما يستفاد من المقتضى التالي: ” إذا كان طالب التنفيذ أو المنفذ عليه ممثلا بمحام، وجب على هذا الأخير تحديد حسابه الإلكتروني المهني في الطلب المقدم”.
إذ من الملاحظ أن مسألة تنصيب محامي من طرف المطلوب في التنفيذ مسألة خارجة عن علم طالب التنفيذ، فالقضية التي صدر فيها المقرر موضوع التنفيذ ولو نصب فيها محامي من طرف المحكوم ضده، فإن علاقة هذا الأخير بمحاميه قد تنتهي بمجرد صدور المقرر القضائي المراد تنفيذ إذا كانت تلك هي رغبة الطرفين المتفق عليها عند بداية تنصيب المحامي، وفي هذه الحالة سيكون الطرف المحكوم ضد والذي يتصف بصفة المنفذ عليه غير متوفر على محامي، وبناء عليه يبقى لنا أن نتساءل عن الجدوى من اقتران ضرورة تضمين الحساب الإلكتروني المهني لمحامي المطلوب في التنفيذ، الشيء الذي يجب على المشرع تداركه حسب وجهة نظرنا والاكتفاء بضرورة تضمين طلب التنفيذ لعنوان المنفذ عليه فقط وفي حالة ما إذا قام هذا الأخير بتنصيب محامي خلال مرحلة التنفيذ أو باشر محامي المطلوب في التنفيذ إجراءات التنفيذ فآنذاك ينذره قاضي التنفيذ بضرورة الإدلاء بحسابه الإلكتروني المهني.
عدم استغلال المنصة الإلكترونية المنصوص عليها في الفصل 1-41 من هذه المسودة في تقديم طلب التنفيذ
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 1-41 من المسودة نجدها أنها نصت على تخصيص منصة إلكترونية رسمية غايتها تأمين عملية التبادل اللامادي للإجراءات بين المحامين ومحاكم المملكة. وإذا كانت تلك المنصة حدد واضع المسودة أنها تتعلق بالتقاضي، فإن مفهوم التقاضي يجب أن يشمل مرحلة ما قبل إصدار المقررات المراد تنفيذها ومرحلة ما بعد ذلك ما دام أن هذه المرحلة الأخيرة عبارة عن إجراءات تتم أمام جهة قضائية هي قضاء التنفيذ.
وبناء على ذلك فإننا نرى أن تنصيص واضع المسودة على أن طلبات التنفيذ تقيد بكتابة الضبط في سجل معد لهذه الغاية ورقيا أو رقميا، إنما يعني الحضور الجسدي والمادي لطالب التنفيذ أو محاميه أمام كتابة الضبط من أجل وضع طلب التنفيذ بينما يتولى كاتب الضبط المكلف بتضمين هذا الطلب إما في سجل ورقي أو سجل رقمي مخصص لطلبات التنفيذ.
والحال أنه يمكن لطالب التنفيذ أو محاميه أن يتقدما بطلب التنفيذ إلكترونيا على أساس أن مرحلة التنفيذ هي مرحلة مكملة للإجراءات التي توجت بصدور المقرر القضائي المراد تنفيذه، خاصة وأن المقرر المذكور يرجع أمر تنفيذه إلى المحكمة التي أصدرته، وهي التي يبقى لها الحق من حيث المبدأ أن تباشر إجراءات الإنابة لمحكمة أخرى في متابعة إجراءات التنفيذ متى اقتضت الضرورة ذلك.
وبناء على ذلك فإننا نرى أن تتاح الفرصة لطالب التنفيذ أو محاميه من أجل تقديم طلب التنفيذ عن طريق المنصة الإلكترونية الرسمية المنصوص عليها في الفصل 1-41 من مسودة مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية.