استقرار المعاملات في زمن القوة القاهرة
–فيروس كوفيد19نموذجا-
ذياسين الكيالي
مفوض قضائي بدائرة نفوذ
بالمحكمة الابتدائية الفقيه بن صالح
طالب باحث بماستر المنازعات القانونية والقضائية
مقدمة
يعيش العالم بأسره اليوم زمن كارثة وبائية صحية صعبة جدا ألمت به وشلت أوصال تقدمه وتطوره بشكل عادي ومضطرد “فيروس كوفيد 19” أو ما يصطلح عليه بكورونا استشرى في العالم كله من جنوبه إلى شماله وفي كافة ربوع المعمور بدون استئذان عابرا الحدود البرية والبحرية والقارات والدول غير آبه بضرورة الحصول على تأشيرة المرور.
شغل هذا الفيروس عقول الرجال والنساء والأطفال والشباب والشيوخ، ألزم الكل باحترام الاحترازات الطبية بعدما كان العالم يحيا حرية التنقل بشكل طبيعي للأشخاص ورؤوس الأموال،أمسى الكل اليوم يبحث عن الوسائل البديلة لقضاء الأمور المستعجلة وإبرام الصفقات عن بعد والاتجار عبر الوسائط الالكترونية في أمان بعيدا عن التماس المباشر الذي يمكن أن يكون خطيرا عن الحياة في ظل تواجد فيروس كوفيد19 المعدي، والذي عجز العالم لحد تدوين هذه الأسطر عن إيجاد لقاح فعال يقينا شره الذي لا يطيقه احد منا .
اتخذت عدة تدابير احترازية للحيلولة دون تفشي الفيروس بشكل كلي في أوساط المجتمعات من ضمنها ما اتجهت إليه المملكة المغربية من إقامةالحظر الصحي اعتبارا من السادسة مساءا من يوم الجمعة 20مارس 2020 إلى إشعار آخر ،ويبقى أن نشير أن مثل هذه الإجراءات لابد أنها في مصلحة المواطن والوطن على حد سواء ، فقط ما يتبادر إلى ذهننا هو كيفية التعامل معها من قبل جميع أطياف المجتمع والتي يبقى مبتغاها استمرار الحياة بشكل طبيعي،وأن تواصل العجلة الاقتصادية دورانها العادي وأن يوفي الأشخاص بالتزاماتهم القانونية أو التعاقدية أو حتى الأخلاقية ،وغير ذلك كثير من الأغراض اليومية أو الأسبوعية، وتبرز إشكالية البحث التالية :
ما مدى تأثير جائحة فيروس كوفيد 19 على استقرار المعاملات بالمملكة المغربية ؟
وهو ما سنحاول مقاربته قدر الإمكان من خلال موضوعنا هذا مسترشدين بالأسئلة التالية :
هل ينطبق تعريف القوة القاهرة أيضا على تفشي وباء كوفيد19؟ماهي سبل حماية مبدأ استقرار المعاملات في ظل تواجد فيروس كوفيد19 كمستجد ؟هل وفق المشرع المغربي في التعاطي مع الظواهر الغير مألوفة من المعاملات ؟ هل واكب القانون والقضاء التطور الحاصل في المجتمع وحاجياته المستجدة ؟
سنحاول التطرق إلى الإشكالية أعلاه وفق خطة الدراسة التالية :
المبحث الأول: مبدأ استقرار المعاملات في علاقته بالقوة القاهرة والسبل القانونية الكفيلة بتجاوز هذه الحالة .
المطلب الأول : تناسب القوة القاهرة مع فيروس كوفيد19وتأثيره على استقرار المعاملات.
الفقرة الأولى : تناسب القوة القاهرة مع فيروس كوفيد19.
الفقرة الثانية : تأثير القوة القاهرة كوفيد19 نموذجا على مبدأ استقرار المعاملات.
المطلب الثاني : مختلف السبل القانونية الكفيلة بالحفاظ على استقرار المعاملات في ظل تواجد فيروس كوفيد19.
الفقرة الأولى :الحماية الجنائية للمعاملات في زمن فيروس كوفيد19.
الفقرة الثانية :المستجدات القانونية ودورها في الحفاظ على المعاملات في زمن فيروس كوفيد19.
المبحث الثاني.:الحقوق الوطنية وتأثير فيروس كوفيد19 على ممارستها .
المطلب الأول:حق التقاضي وتأُثير فيروس كوفيد19 عليه وسبل حمايته .
الفقرة الأولى : حق التقاضي وفيروس كوفيد19 علاقة انفصال.
الفقرة الثانية : التقاضي الالكتروني سبيل لتجاوز الازمة .
المطلب الثاني :الحق في التعليم و ممارسة التجارة في ظل أزمة كوفيد19 وسبل تجاوزها.
الفقرة الأولى: ممارسة الحق في التعليم في ظل أزمة كوفيد19.
الفقرة الثانية : السبل الكفيلة بممارسة التجارة التدخل الالكتروني نموذجا.
المبحث الأول : مبدأ استقرار المعاملات في علاقته بالقوة القاهرة والسبل الكفيلة بتجاوز هذه الحالة.
يعتبر مبدأ استقرار المعاملات أحد المرتكزات الضرورية في حياة المجتمعات بشكل عام ، فلايمكن أن يلتزم أي منا بالقيام بعمل ما ويتراجع عنه هكذا بدون مبرر مشروع، فالمؤكد أن الهدف من إبرام سائر العقود هو ترتيبها لأثارها بشكل فوري، وبشكل طوعي دون إجبار حيث انه “تطبيقا لمبدأ سلطان الإرادة ومقتضيات الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود فان كل متعاقد ملزم بتنفيذ ما التزم به رضاء دون حاجة لإجباره على ذلك “[1]،ناهيك عن كون جميع المعاملات بمافيها التعاقدية حري بها أن تتم بحسن نية وهو ما أقره المشرع المغربي في الفصل 231 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه “كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية ،وهو لايلزم بما وقع التصريح به فحسب ، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته “.
“والمشرع المغربي كفل حتى فيما يتعلق بممارسة حق التقاضي داخل رداهات المحاكم إذا ما كان من اللازم استرداد حق قد ضاع بفعل عدم التزام الطرف المقابل في العقد أن يتم ذلك وفقا لقواعد حسن النية ودون تعسف ودون إجحاف في سلوك المساطر الكامنة وراء استرداد ذلك الحق “.
حيث جاء في الفصل 5 من قانون المسطرة المدنية “يجب على كل متقاض ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية “إذ المستشف من الفصل المشار إليه أعلاه أن ممارسة حق التقاضي رغم كونه حقا مشروعا لا يجب أن يتم بمعزل عن احترام قواعد حسن النية ،بل حتى انه من الممكن لأحد الأطراف المتضررة من التعسف في ممارسة حق التقاضي من قبل الغير المطالبة بالتعويض، وهو ما أقرته أيضا محكمة النقض المجلس الأعلى سابقا في أحد قراراته [2]“الدعوى التي يقيمها أحد الأطراف تعسفا تعطي للخصم إما حق المطالبة بالتعويض خلال جريان هذه الدعوى أو بدعوى مستقلة بعد الحكم في الدعوى الأولى .
فالدعوى و إن كانت حقا مشروعا خوله القانون للأشخاص حماية لحقوقهم من الضياع فان استعمال ذلك الحق بشكل تعسفي يترتب عنه ضرر للذي استعمل ضده يثبت له الحق في التعويض”.
وحري بنا التأكيد أن ما أومأنا إليه أعلاه يعتبر هو الطريق القويم في تأسيس معاملات قانونية بين الأشخاص سواء من حيث الصيغة المعتمدة في التعاقد ، أو فيما يهم الوسائل المقررة لحماية أطراف العلاقات من ضياع حقوقهم إلى جانب وسائل أخرى من قبيل التحكيم أو الوساطة .
بيد أن هذه الوسائط والأسس و الميكانيزمات المتاحة في الأوقات العادية، والتي تضمن للملزم بالالتزام الوفاء به فورا طواعية أو جبرا، قد تعرف بعضا من التنازلات والتراجعات بفعل بعض الظروف الاستثنائية الغير المألوفة من طرف الأشخاص وبتعدد ما يصبون إليه من تعاملات، فيعيش المواطن بشكل عام القوة القاهرة والسبل الكفيلة بتجاوزها ،وهو ما سنهم بالتطرق إليه تباعا من خلال المطلب الأول المعنون بتناسب القوة القاهرة مع فيروس كوفيد19وتأثيرها على استقرار المعاملات على أن يعقب ذلك حديثنا في المطلب الثاني عن مختلف السبل القانونية الكفيلة بالحفاظ على استقرار المعاملات في ظل تواجد فيروس كوفيد19.
المطلب الأول: تناسب القوة القاهرة مع فيروس كوفيد19وتأثيرها على استقرار المعاملات.
إن استقرار المعاملات في سائر بلاد المعمور بما في ذلك المملكة المغربية مقياس على جدية كل الفاعلين في المجتمع ،إذ لابد أن الهدف من إبرام جميع الصفقات والاتفاقيات وغير ذلك من المعاهدات والعقود وباختلاف أنواعها ومجالات تدخلها، هو تيسير سبل العيش على المواطنين ،وسهولة انتقال رؤوس الأموال وتحقيق أعلى مستويات الاستثمار ،و إبرام الشراكات التي تروم الربح المتبادل ،هذه المساعي النبيلة قد لا يكون حاجزا دون تحققها سوى ما يستجد من الأوضاع قد تعصف بما تم الوصول إليه من مكتسبات حقوقية واقتصادية واجتماعية أو غيرها ، بفعل ظروف طارئة غير متوقعة نجد القوة القاهرة من ضمنها، وبالتالي تغدو العلاقات مهما كانت فاترة بعدما تميزت بالقوة والتواصل والاستدامة التي هي في صالح جميع الأطراف.
الفقرة الأولى :تناسب القوة القاهرة مع فيروس كوفيد19
اتجه المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود إلى إسقاط الحق في التعويض من دائرة الحالات التي بموجبها يمكن للمتضرر الحصول على تعويض جراء تماطل المدين في تنفيذ التزاماته زمن القوة القاهرة ،فسواء كان الالتزام بالقيام بعمل أو تقديم خدمة أو غير ذلك من الالتزامات الناشئة عن العقود بشكل عام بغض النظر عن طبيعتها مدنية كانت أو تجارية ،فان تحقق حالة القوة القاهرة يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا وبالتالي لا يمكننا إذاك الحديث عن التعويض[3] .
إن المتأمل الحصيف لمقتضيات الفصل 269من قانون الالتزامات والعقود يجد أن المشرع المغربي كان حريصا على جعل تنفيذ الالتزام مستحيلا إذا ما اقترن بظروف القوة القاهرة ،ويتبادر إلى الذهن السؤال التالي هل تتناسب أحكام وظروف القوة القاهرة مع أحكام وظروف فيروس كوفيد19 المستجد ؟وهل فعلا ما ينطبق على القوة القاهرة من أسباب يمكن أن ينطبق انطباقا كاملا مع ظروف فيروس كوفيد19 المستجد ؟
إذا ما تفحصنا الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود نهتدي إلى تبيان ملابسات القوة القاهرة التي جعلت المشرع المغربي في الفصل المذكور يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا وهي تواليا :
أ- أن هذا الأمر لا يستطيع الإنسان توقعه.
هذا احد أسباب جعل تنفيذ الالتزام أثناء قيام ظروف القوة القاهرة مستحيلا لأنه لو تمكن الإنسان العادي من توقع ما قد يحدث من أشياء أو مستجدات في المستقبل القريب أو البعيد لا أرجأ كل ما ينوي القيام به من معاملات إلى حين زوال سبب استحالتها ، فالشخص الطبيعي يرنو من خلال التعاقد الذي أبرمه أن يتم تنفيذه من دون مطل أو تأخير، لأنه في الحالة العادية يسأل عن تماطله في تنفيذ التزامه [4]
“والرأي فيما نعتقد أن هذا الشرط من شروط توافر حالة القوة القاهرة ينطبق انطباقا تاما بدون نقصان مع حالة فيروس كوفيد19،إذ لا يمكن إطلاقا أن يتوقع الإنسان حدوث أمر كهذا حتى ولو تناهى إلى علمه حصول ذلك في بلد ما في وقت سابق، فكثيرة هي الكوارث والأوبئة التي تخص بلدا أو قارة دون أخرى، بل وحتى في الحروب يمكنها أن تكون في دولة دون تلك كحالة سوريا وتركيا رغم التقارب الجغرافي بينهما”.
ب -أن هذا الأمر لا يستطيع الإنسان دفعه
يستلزم ناهيكم عن شرط عدم توقع حدوث القوة القاهرة ،شرط آخر مؤداه عدم إمكانية دفعها أو مقاومتها أو تلافي أثارها، وبالتالي تخرج من دائرة الحالات التي يمكن للإنسان العادي خلالها دفع مضار القوة القاهرة دون التي يستحيل معها ذلك ،وهو ما قضت به المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء “لايمكن أن توصف القوة القاهرة سوى الأفعال التي تجعل تنفيذ الاتفاقية مستحيلا دون الأحداث التي تجعل تنفيذها صعبا”[5]
“وفي اعتقادنا الراسخ أنه لو كان الأمر يسيرا بخصوص تفشي فيروس كوفيد19 وقدرة الإنسان العادي على دفعه ومقاومته ولما أوعزنا إلى الإعلان عن حالة الطوارئ ،ولشهدت الحركية في الشوارع دورانها بشكل طبيعي في هذه الفترة العصيبة ”
ج- اقتران خلو مسؤولية المدين وإعلان حالة الطوارئ
بوسعنا القول أن هذا الأمر هو ما يجعل تنفيذ الالتزام في فترة انتشار وباء كوفيد19 مميزا، و إن كان في الاتجاه السلبي بطبيعة الحال فجميع المعاملات التي يكون مضمونها تسليم شيء أو القيام بخدمة أو غير ذلك من المعاملات المشابهة لها تبقى دون تنفيذ و إن حصل ذلك فان الأمر لا يتم وفق الكيفية المعتادة ، إذ بمجرد إعلان حالة الطوارئ تصبح المعاملات شبه معدومة ، ومن اليسر إثبات خلو مسؤولية المدين عما لحق الدائن من أضرار خلال هذه الفترة فقط حري به أن يثبت كون ذلك حصل بعد دخول إعلان حالة الطوارئ حيز التنفيذ، فمثلا في المملكة المغربية فقد تم الإعلان عن حالة الطوارئ بموجب مرسوم.[6]
والذي جاء في مادته الأولى :”يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر ، أو بمجموع أرجاء التراب الوطني عند الاقتضاء ، كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية . واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض . والحد من انتشارها ، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها “.
“حيث يستفاد من المادة المحال عليها أعلاه أن إعلان حالة الطوارئ يكون من الضرورة بما كان ،سيما إذا ما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة بفعل انتشار مرض معد أو وباء، ويكون ذلك حسب الحالة بالاقتصار على منطقة دون أخرى أو إعلان ذلك في سائر الوطن مع ما يستتبع ذلك من إجراءات مستعجلة ، ولكون فيروس كوفيد19 من ضمن الحالات التي تجعل الدولة كدولة حارسة على مواطنيها إلى جانب وظائف أخرى تعلن عن حالة الطوارئ ،فلا يستقيم في نظرنا مطالبة المدين أو الملتزم بوجه عام سوى بإثبات كون تقصيره تجاه دائنه قد تم خلال هذا الحيز الزمني من انتشار وباء كوفيد19 “.
الفقرة الثانية :تأثير القوة القاهرة على استقرار المعاملات
إن ترتيب الاستحالة الجزئية أو الكلية لتنفيذ الالتزامات هو ما يجعل المعاملات في زمن القوة القاهرة بوجه عام وفي ظل انتشار وباء كوفيد 19 على الخصوص ،أمرا يتحقق من خلاله الأثر السلبي لمختلف التعاقدات كيفما كان نوعها ، فحتما كلا المتعاقدين مراميهما ومساعيهما من خلال إبرام التعاقد، هو أن يتم تنفيذ ما اتفقا عليه من دون زيادة أو نقصان أو حتى تماطل طرف دون آخر ،فحتما من جانب المورد يود هذا الأخير الحفاظ على سمعته التجارية داخل السوق، ويدافع على ذلك وعيا منه بأهمية ذلك فهو بدون معاملات لا يساوي شيئا فهو يكتسب زبائن جدد من خلال الحفاظ على سمعته التجارية ، كما أن المستهلك يجنح هو الآخر إلى الظفر بجميع مقتنياته دون تأخير يضر بمصالحه الآنية أو المستقبلية .
إن لجوء أي من الطرفين في الحالة العادية إلى التقاضي أو احد الحلول البديلة له، والتي اقرها المشرع المغربي كالتحكيم[7] مثلا ، يعد مسألة مقبولة في نظرنا حفاظا على استقرار المعاملات وأيضا على المراكز القانونية وإحقاقا للحقوق وحفاظا عليها كذلك ، وقد يبدو ذلك صعب المنال خصوصا وان الوسائل المذكورة أعلاه لازالت تعتمد عين المقاربات التقليدية وان كان بعض منها يسير نحو التطور والتقدم المنشود –التقاضي الالكتروني- وتجربة المحكمة الرقمية المحمودة في بعض محاكم المملكة ، تفعيلا لتوصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة[8] .
ولما كان الأمر كذلك فإننا ندعو المشرع المغربي تحقيقا للغايات السالفة الذكر إلى إعمال الإقلاع التكنولوجي الرصين في كل ما يتعلق بالتقاضي عن بعد والوسائل البديلة له، لما يكون لذلك من اثر بالغ على المعاملات وضمانة قوية للاستثمار وتداول رؤوس الأموال خصوصا في زمن القوة القاهرة التي تلزم الأشخاص باختلافهم ذاتيين أو اعتباريين على المكوث في منازلهم ، ونشير في هذا الإطار إلى التدابير الاحترازية التي اتخذها المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية بهذا الصدد، إذ تم توجيه كتاب[9]“حول تنظيم العمل بالمحاكم للوقاية من وباء كورونا ، محاوره الكبرى أولا: تعليق انعقاد جميع الجلسات بمختلف محاكم المملكة ابتداء من يوم الثلاثاء 17 مارس 2020، حتى إشعار آخر باستثناء الجلسات التي لا يمكن إيقافها …ثانيا :يتعين على جميع السيدات والسادة الرؤساء الأولين ورؤساء المحاكم اتخاذ جميع التدابير اللازمة والكفيلة لتفعيل هذا القرار والحرص على تدبير تواجد الموارد البشرية العاملة بالمحكمة في حده الأدنى بما يضمن استمرارية المرفق ،وضبط عملية ولوج المترفقين ،حيث لا يسمح لهم بولوج المحكمة إلا عند الضرورة القصوى ، مع إشعارهم بإمكانية الاطلاع على مال الملفات والإجراءات عن بعد عبر المواقع الالكترونية الخاصة بالمحاكم ، وكذا إخبار السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يكل ما يعترض مختلف رؤساء المحاكم في تفعيل هذه التدابير”.
إن ما تم الإشارة له أعلاه يجسد مواكبة المؤسسات الدستورية لمختلف الإجراءات الاحترازية المعلن عنها بهذا الخصوص في ظل تفشي وباء فيروس كوفيد19 الذي كان ولازال له اثر بليغ على المعاملات، فقد لا يخلو مجال من المجالات إلا وشهد مثل هذه الإجراءات التي تروم تطويق هذا الفيروس الخبيث في سبيل القضاء عليه .
هذا عن التأثير الذي تم رصده فيما يهم انتشار فيروس كوفيد19 كقوة قاهرة جعل استقرار المعاملات في بلادنا يعيش امتحانا عسيرا أما فيما يهم مختلف السبل القانونية الكفيلة بالحفاظ على استقرار المعاملات في ظل تواجد فيروس كوفيد 19فان ذلك سيكون موضوع المطلب الثاني من هذا المبحث الأول.
المطلب الثاني : مختلف السبل القانونية الكفيلة بالحفاظ على استقرار المعاملات في ظل تواجد فيروس كوفيد19
إن تشخيص استقرار المعاملات سواء منها التعاقدية أو القانونية أو الاقتصادية أو غير ذلك ، يجعلنا نتساءل عما تم توفيره للحفاظ عليها أو حتى تجاوز التراجعات التي من الممكن أن تحققها في زمن قوة قاهرة كتفشي فيروس كوفيد19 المعلن عنه من طرف منظمة الصحة العالمية ، إذ لهذا الأخيرأثار وخيمة على المجتمعات ككل بما فيها المجتمع المغربي.
ونشدد في هذا الإطار أن ما سنهم بمناقشته مضمونه فقط التطرق لمختلف الإجراءات والسبل القانونية التي من شأنها في نظرنا تجاوز أو حتى التقليص من الآثار الوخيمة للفيروس التاجي[10] ،أما ما دون ذلك من المقاربات الاقتصادية أو الصحية أو الأمنية فلا مجال للحديث عنها لكون هناك من سيوردها بشكل مستفيض نظرا لتخصصه في ذلك ، أما الرصد القانوني والتكييف وإعادة التكييف وملائمة ما اتخذ من إجراءات قانونية متلائمة مع واقع الظاهرة وانتشارها سنحاول تبيانه جهد الإمكان .
وبوسعنا القول أن الترسانة القانونية في المغرب شهدت منذ سنوات خلت تطورا ملحوظا، من شأنه أن يفيد المجتمع المغربي بكل مكوناته وأطيافه، فالمؤكد أن الغاية من التشريع هو مواكبة ازدهار المجتمع على مستوى جميع المستويات ،فمثلا نجد الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011 أكثر تطورا من سابقه إذ سعى الى جعل حماية المواطن وحوزة الوطن من ضمن أولوياته من خلال سنه لمجموعة من الحقوق كالحق في الحياة[11]،والذي هو مكفول للجميع ومضمون بالقانون ،وترتيبا عليه نصت الفقرة الثانية من الفصل 21 من الدستور المغربي على أن “تضمن السلطات العمومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني ،في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع ” ،وتأسيسا على ذلك فان إعلان السلطات في المملكة المغربية عن حالة الطوارئ بالمغرب –باستقرائنا للدستور المغربي ومقتضيات الفصلين 20و21 منه-يعد إجراءا قانونيا له مسوغاته و مرتكزاته التي لا يمكننا تجاوزها ، فالمنطق يقول أن أي تصرف مهما كان لابد للقائم به ، أن يكون على قيد الحياة أولا ناهيك عن أركان تميز التصرف أو المعاملة أو العقد عما سواه، وما دافع السلطات العمومية إلى الإعلان عن حالة الطوارئ سوى المفاضلة المعقولة بين المعاملات الاقتصادية والتقليص منها وبين الحفاظ على حياة الإنسان .
ولا يفوتنا أن نشير أن هناك مؤسسات عديدة ومصالح ضامنة للحقوق ولاستقرار المعاملات، وتشكل ذراعا قوية لحماية الاستثمار من بينها القضاء المغربي[12] الذي رفض مؤخرا طلب حاضنة تريد السفر بطفلها المحضون إلى الخارج خلال هذه الفترة العصيبة التي تمر منها دول المعمور، هذا تم حفاظا على الحق في الحياة المضمون دستوريا وأمميا وأيضا حماية لمصلحة الطفل الفضلى ، هذه الأخيرة دائما هي التي دفعت القضاء المقارن –القضاء بدولة تونس[13]– إلى تعليق ممارسة حق الزيارة وحق الاصطحاب وحق المبيت ، وجعل هذا القرار ساري المفعول إلى حين زوال الموجب لتعليق الحظر الصحي الشامل .
والقضاء المغربي أيضا كان أكثر مسايرة للوضع بالمغرب على مستوى تنفيذ الأحكام وجعلها أكثر إحقاقا للحق وإنسانية وليست مكنة لا تراعي الواقع المجتمعي ، فاصدر أمرا قضائيا[14] “بمنح الطالبة اجل شهر مهلة استرحامية ، على أن تستأنف عملية التنفيذ مباشرة بعد انتهاء الأجل “.
إن الحديث عن رجوع الحياة العامة كيفما كانت من قبل وأحسن يقتضي في نظرنا التوفر على مجموعة من السبل الكمينة وراء القضاء على مختلف أشكال تهديد السلامة العامة وامن المواطن في سائر ربوع الوطن ،إذ ليس هناك استثمار وحرية تجوال وتجارة وتعليم أو غير ذلك مما يهم الناس بمغادرة منازلهم من اجله صباح مساء، دون استقرار نفسي واجتماعي كلي، بعيدا عن كل ما من شانه تعكير صفو العلاقات باختلاف غاياتها، وبالتالي تنهض الحماية الجنائية وكذا مختلف المستجدات القانونية كسبل من شانها حماية استقرار المعاملات في زمن القوة القاهرة أو غيره وهو ما سنورده تباعا قدر المستطاع .
الفقرة الأولى :الحماية الجنائية للمعاملات في زمن فيروس كوفيد19
إن الإعلان عن حالة الطوارئ[15] بالمملكة المغربية بتاريخ 23 مارس 2020 سمح للسلطات العمومية بتفعيل عديد من المقتضيات الزجرية بشكل دوري ويومي وذلك خدمة للصالح العام وأيضا حماية للحق في الحياة ،واستقرار المعاملات وان بشكل محدود لكن في انتظار عودة الحياة العامة إلى سابق عهدها ،إذ ترك الأشخاص يرتكبون ما يريدون من جرائم مختلفة الطبيعة والخطورة ومن حيث درجة الاستهتار يعتبر مساسا خطيرا بالسلم الاجتماعي وبأمان المواطنين في حياتهم الشخصية واليومية التي لطالما سعى المشرع المغربي من خلال سنه لمجموعة من القواعد الزجرية إلى حمايتها، فانطلاقا من الفصل الأول للقانون الجنائي[16] شدد المشرع المغربي على زجر جميع الأفعال التي من شأنها إحداث اضطراب اجتماعي وذلك بعقوبات أو تدابير وقائية .
.”ومن وجهتنا فان الخرق السافر والغير المسؤول لحالة الطوارئ الصحية المعلن عنها ببلادنا مؤخرا سينجم عنه لامحالة تمديد فترة حالة الطوارئ إلى اجل غير مسمى وهو مالا نريد حصوله لا قدره الله من جهة أولى ، ومن جهة ثانية إحداث اضطراب اجتماعي ونفسي لدى المواطنين” .
هذه هي الذريعة التي حدت بالمشرع المغربي إلى تفعيل أحكام زجرية أكثر صرامة من ذي قبل، فالمادة 4 من المرسوم أعلاه تنص على ما يلي :” يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية ، التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة أعلاه.
يعاقب على أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين .وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد .
يعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون .عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه .وكل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة في هذه الفقرة .بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية ،أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الالكترونية ، أي وسليلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكترونية” .
وباستقرائنا للمادة المشار إليها أعلاه نستشف أن مشرع الأحكام الزجرية في هذا الباب لم يغفل عن الإشارة، ولو بصورة عرضية إلى العقوبة الجنائية الأشد ،ويدخل في هذا الجانب جريمة العصيان المنصوص عليها في الفرع الثاني من الباب الخامس من مجموعة القانون الجنائي وتحديدا في الفصول من 300 إلى 308 ، فقط المشرع المغربي وسع من دائرة الأفعال المعتدة في نظره جرائما والتي قد تخلق اضطرابا اجتماعيا داخل أوساط المجتمع ، ودافعه أن يجعل حتى الأفعال التي من شأنها إحداث اختلال وهلع كبير وبسرعة يصل مداه إلى اكبر شريحة من المواطنين، كنشر ملصقات أو تداول أخبار عارية من الصحة أو صور عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أو تطبيقات التراسل الفورية .
وبقطع النظر عن الأركان الثلاث للأفعال الجرمية المادي والقانوني والمعنوي، وبغض النظر كذلك عن الأفعال الإجرامية التقليدية التي يمكن متابعتها والتعرف عليها من قبل العموم في الأمكنة العامة والتي يدخل في إطارها العنف الذي يمكن أن يستهدف رجال ونساء السلطة العامة أو توزيع الأشرطة إلى غير ذلك من الأفعال المجرمة قانونا بمقتضى المادة المومأ إليها أعلاه، فان الإشكال يثار حول الاختصاص المكاني للبت في الجرائم الالكترونية التي نصت عليها المادة 4 من مرسوم حالة الطوارئ؟ هل هذا الأمر يخضع هو الآخر لمعيار مكان ارتكاب الفعل ؟ آم لمعيار آخر خصوصا وان الأمر يتعلق بجرائم من الممكن أن تمس سلامة واطمئنان المواطن في سائر التراب الوطني لسرعة تأثيرها الكبيرة ؟
سنحاول الإجابة عن السؤال أعلاه معتمدين ما سطره المشرع المغربي وكذا ما ذهب إليه القضاء المغربي والمقارن .
اعتمد المشرع الجنائي المغربي في إسناد الاختصاص للمحكمة التي تنظر ارتكاب الجرائم على معيار مكان ارتكاب الجريمة[17] أو محل إقامة المتهم أو محل إقامة المساهمين أو المشاركين أو محل إلقاء القبض عليهم أو احدهم ولو كان القبض مترتبا عن سبب آخر، ان هذا المعيار بكل محدداته قد يستوعب فقط الجرائم التقليدية باختلاف أنواعها من اقلها بساطة إلى أكثرها بشاعة كالقتل مثلا ، لكن نحن بصدد بحث نوع آخر من الجرائم الالكترونية و هو الشيء الذي دفعنا إلى التساؤل عن اختصاص المحاكم مكانيا بالبت فيها ؟
وأمام غياب إطار قانوني إجرائي يعالج هذه الإشكالية اتجه القضاء المغربي إلى إعمال ذات المقتضيات المعمول بها فيما يهم اختصاص البت مكانيا في الأفعال الجرمية الالكترونية ، إذ جاء في قرار لمحكمة النقض[18] “حيث إن المحكمة المؤيد حكمها بالقرار المطعون فيه عندما ردت الدفع بعدم الاختصاص المكاني وعللت قرارها بالقول : “حيث لئن كان الثابت فعلا أن محل إقامة الاظناء ومكان إلقاء القبض عليهم بمدينة واد زم فان مكان اقتراف الجرائم موضوع المتابعة وهي الابتزاز والمشاركة فيه طبقا للفصلين 538 و129 من القانون الجنائي هي جرائم تقليدية فانه الوسائل التي اعتمدها الاظناء والمتمثلة في الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية وشبكة الانترنيت وتسليم وتسلم المقابل المادي لعدم إفشاء الأمر الشائن ، نقلت مكان الجريمة من إطار مادي محدود جغرافيا إلى بيئة افتراضية غير ملموسة ،وانه لما كان من العناصر التكوينية للجريمة موضوع المتابعة الحصول على مبالغ مالية أو تسليم ورقة…بواسطة “التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة …” وكان التهديد قد تم عبر وسائل اتصال عن بعد والتي رفعته اي التهديد من نطاق جغرافي محدد من مدينة وادزم إلى بيئة افتراضية غير ملموسة فتم سماع التهديد هاتفيا ومشاهدته نصيا من طرف الضحية وهو بمدينة سلا كما ان هذا الأخير قد أرسل المقابل المادي من مدينة سلا عبر رسائل نصية ، الأمر الذي يفهم منه أن الركن المادي للجريمة –والذي يعتبر معيارا للقول بان ارتكاب الفعل-قد ارتكب في نطاق افتراضي وفي ظروف أنية واحدة مدينة واد زم ومدينة سلا في مكان واحد، مما يجعل المحكمة الابتدائية المحكمة الابتدائية صاحبة ولاية هي الأخرى مكانيا للنظر في الجرائم موضوع المتابعة ، تكون المحكمة قد خرقت إجراء من الإجراءات المسطرية وفسرت المادة 259 أعلاه التي حددت نطاق اختصاص المحكمة للنظر في مثل نازلة الحال تفسيرا خاطئا وعرضت بذلك قرارها للنقض.”
وباستعراضنا لما جاء في القرار أعلاه لابد لنا من الإشارة الاستنتاجات التالية :
-أن ما جعل قضاء النقض يؤكد على ضرورة إعمال مقتضيات المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية هو سد فراغ قانوني يخص تحديد المحكمة المختصة بالبت في الجرائم الالكترونية مثلا التهديد الذي يمكن أن يطال شخص آخر في مدينة أخرى.
-توحيد الاجتهادات القضائية ذات الصلة وتجاوز مشكلة الدفع بالاختصاص السلبي من قبل المحاكم.
هذا فيما يخص ما أعمله القضاء المغربي بخصوص هذه الإشكالية ،أما وجهة نظر القضاء المقارن فجد القضاء الفرنسي مثلا اعتبر مكان ارتكاب الجريمة الالكترونية هو مكان صدور الفعل وليس المكان الذي نقل إليه إذ جاء في القرار الصادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية[19] ما يلي :”إن مكان ارتكاب الجريمة هو المكان الذي تم فيه التلفظ بالتهديد أي توجيه التهديد وليس في الدول التي نقل الخبر فيها عبر التلفاز أو الصحافة المكتوبة أو الالكترونية و التي من خلالها علم الشخص “.
واعتبرت محكمة باريس [20]أيضا في احد أحكامها أنها صاحبة الولاية للنظر في الدعوى إذ جاء في الحكم ما يلي :”وحيث أن النص المخالف قد تم نشره على موقع أجنبي يمكن الوصول إليه ورؤيته من خلال الولاية الإقليمية لمحكمة باريس وبالتالي فهي من لها الولاية في التحقيق و المتابعة ” .
إن خطورة الجريمة الالكترونية أدت إلى تضارب الاختصاص القضائي بخصوصها وما سعي محاكم النقض إلى توحيد ذلك سوى إدراك منها لأحد وظائفها التي لا محيد عنها حفاظا على حقوق المواطنين وبت الثقة في مناخ الأعمال وجلب الاستثمار وحماية استقرار المعاملات في زمن تطور العالم وما شهده من ازدهار على مستوى جميع المجالات بما فيها الميدان التكنولوجي.
روافد عديدة ومؤسسات تسهر على تفعيل السياسة الجنائية بالمغرب[21] توخيا لتحقيق المرامي التي سبق الإشارة إليها وصولا إلى المحاكم وما يصدر عنها من أحكام وقرارات تتفاعل مع الظاهرة التي تشكل خطرا على السلم الاجتماعي والصحة العامة ،ولكن هناك جهات ومؤسسات مخول لها بالموازاة مع ذلك الحفاظ هي الأخرى على استقرار المعاملات كل في حدود اختصاصه وبالتالي فالحياة العامة تبقى مستمرة رغم كل الصعوبات المثارة حولها .
الفقرة الثانية : المستجدات القانونية ودورها في الحفاظ على المعاملات في زمن فيروس كوفيد19
تماشيا مع تطور المجتمع المغربي على مستوى جميع المجالات المختلفة الأفاق ، شهدت الترسانة القانونية بالمملكة المغربية عديدا من المستجدات التي لا يمكن إلا أن تكون في صالح المواطن والوطن على حد سواء تيسيرا لظروف العيش ورفع تحدي التنمية المنشودة وجلب استثمارات أجنبية وبالموازاة مع ذلك تطوير السبل الكفيلة بتحسين المعاملات وتسارعها بشكل مطرد ، فتحسين مناخ الأعمال لا يهم فقط ما يوفر من آليات اقتصادية بل لابد للقانون والروافد الأخرى أن تكون في خدمة ذلك .
استفاد العالم من تطور جد مهم على مستوى التقنيات والتكنولوجيات سهل سبل العيش، والتواصل بسرعة كبيرة وأمام هذا المعطى المستجد ،كان لزاما أن يتم إدماج هذا التقدم على مستوى التشريع .
وان[22]“كان هذا التطور يفرض أن يواكبه تأهيل تكنولوجي تفرضه تحديات التنافسية في جودة الأداء في مجموعة من المجالات في مقدمتها المجال القانوني حيث إن قواعده الكلاسيكية المعمول بها في مجال التعاقد والإثبات ، هي في حاجة التعديل لتواكب التطورات التكنولوجية التي أفرزت لنا أساليب جديدة في إبرام العقود التي لم تكن معروفة من قبل ومن أهمها التعاقد الالكتروني ، وليد التجارة الالكترونية التي تعد بمثابة سوق افتراضية يتقابل فيها المستهلكون والوسطاء وتقدم فيه المنتوجات والخدمات في صورة رقمية أو افتراضية ، ويتم دفع ثمنها بالنقود الالكترونية “.
وهو ما دفع المشرع المغربي إلى سن قواعد قانونية صيغت في قالب قانون[23] للتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية والذي جاء في مادته الاولى ما يلي “يحدد هذا القانون النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم يتبادلها بطريقة الكترونية وعلى المعادلة بين الوثائق المحرر على الورق ، وتلك المعدة على دعامة الكترونية ، وعلى التوقيع .
كما يحدد الإطار القانوني المطبق على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة الالكترونية وكذا القواعد الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة المذكورين ومن لدن الحاصلين على الشهادات الالكترونية المسلمة “.
هذه المقتضيات المستلهمة من قانون الاونستيرال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية مع دليل التشريع لسنة 1996 كان لها دور جد فعال على مستوى تطور وتحديث منظومة التعاقد من خلال اعتماد أساليب وتقنيات جد متطورة فلم يعد الشخص سواء الذاتي أو الاعتباري بحاجة إلى التواجد والتماس الفعلي مع الشخص المرغوب في التعاقد معه في نفس مجلس العقد ذو الصبغة التقليدية ، ولا حتى استعمال المحرر التقليدي في هذا المجال ، إذ يمكن استعمال تقنيات التواصل عن بعد كالبريد الالكتروني أو البرق أو الفاكس أو غير ذلك من التقنيات التي ستظهر مع مرور الزمن وتطور التقنية فيما بعد، وهو ما سيكون له التأثير الجد الملموس على استقرار المعاملات بين الأشخاص على مستوى جميع الأصعدة المختلفة.
“والرأي فيما نعتقد أن سن مثل هذه القوانين كان تدخلا تشريعيا مهما جدا ظهرت الحاجة الملحة له الآن ونحن نعيش زمن قوة قاهرة أقعدتنا في المنازل ، إذ يمكن بتصرف بسيط من خلال النظام المعلوماتي إبرام العقود المختلفة وكذا الاستفادة من عديد من الخدمات وهو ما سنناقشه فيما بعد جهد الإمكان “.
ترتب على التطور التكنولوجي وتحديث الترسانة التشريعية –على مستوى دستور فاتح يوليوز 2011-إقرار مجموعة من الحقوق إذ نص الدستور المغربي في الفصل 27 منه على الحق في الحصول على المعلومات هذه المكنة القانونية الدستورية يبدو للوهلة الأولى أنها في خدمة الأشخاص الذاتيين والاعتباريين إذ تمكنهم من معرفة ما يعنيهم من معلومات التي هي في حوزة مختلف الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام كما أومأ إلى ذلك الفصل المذكور .
حيث مكنت الإدارات العمومية والمؤسسات التابعة للدولة، المواطن من الحق في الحصول على المعلومات التي تخصه مسخرة كل الوسائل ذات الصبغة الخدماتية العادية ، كزيارة هذه المؤسسات والتواصل مع الموظفين العاملين بالمصالح ذات الصلة كما هو الشأن[24] بالنسبة للمحافظة العقارية ، كما هناك خدمات مقدمة لعموم المرتفقين عن بعد من خلال انجاز مختلف التطبيقات كتطبيق محافظتي للمحافظة العقارية والذي يمكن من التعرف على وضعية الملكية العقارية عن كتب وما قد تعرفه من تعديلات ، إلى غير ذلك من المواقع الالكترونية والمنصات المحدثة من طرف الوزارات كوزارة العدل كان آخرها السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولة .
هذه المنصات والمواقع الالكترونية العديدة استطعنا من خلالها الحفاظ على مكتسب الحق في الحصول على المعلومة وبالتالي حماية المعاملات من راهنية التراجع في زمن الأزمات والقوة القاهرة كانتشار الفيروس التاجي وتأثيره على التصرفات العادية فسياسة التشريع الاستباقية والمعقولة والمنطقية في هذا الخصوص يمكن القول أنها رصدت خدمة المواطن من خلال القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات والذي خرج إلى حيز الوجود سنة 2018 [25] .
لكن على المستوى العملي سنجد أن هناك تأثيرا ملموسا على جميع الحقوق الوطنية في ارتباطها باستقرار المعاملات زمن القوة القاهرة فمنها من عرف تقليصا، ومنها من انصاع إلى تغيير البنية والوسائل المعتمدة، ومنها من كان للمشرفين عليها نظرة استباقية تجاه جعلها أكثر تواؤما مع مستجدات الوضعية الراهنة ،وهذا ما سنحاول بسطه في المبحث الثاني تحت عنوان الحقوق الوطنية وتأثير فيروس كوفيد19 على ممارستها.
المبحث الثاني: الحقوق الوطنية وتأثير فيروس كوفيد19 على ممارستها
من المسلم به لدى عموم الحقوقيين أن الحقوق الوطنية لا تقبل التجريد إلا لصدور أحكام قضائية تنزعها من المتمتع بها نظرا لارتكابه احد الجرائم الخطيرة المحددة قانونا ، ولما كانت هذه الحقوق وباختلاف أنواعها بهذه الأهمية بما كان فان الدولة أو الوحدة السياسية تفعل جميع الإجراءات للحيلولة دون اندثارها حتى في زمن الأزمات فهذه بطبيعة الحال ذات أهمية كبرى للمواطن .
تحليلنا هنا سيقتصر على البعض منها دون الآخر لعدة دواعي منها ما اعتبرناه من جانبنا من جدوى بالغة الأثر لهذه الحقوق، حتى وان خلعنا درجة الأهمية عن حقوق أخرى من قبيل الحق في الصحة والأمن … مثلا لان هناك من سيتناولها بشكل مستفيض نظرا لما يتوفر على معطيات بشأنها، إلى جانب تخصصه في ذلك بطبيعة الحال .
ورغم اختيارنا هذا فإننا نقر أن المقاربة التي نهجناها لتبيان التأثير الحاصل على ممارسة الحقوق الوطنية في زمن القوة القاهرة فيروس كوفيد19 نموذجا تبقى محل نقاش ولا يمكن إطلاقا القول بكونها هي الوحيدة المثلى في التحليل ،فكل له رؤيته للأمور وعلى أساسها يذهب مع هذا الاتجاه أو غيره ويمكن حتى آن يكون له رأي مخالف لهما معا .
نحن نتكلم هنا فقط عن حق أساسي كالتعليم بالنسبة لجميع الأطفال أو الشباب الذين كان لهم الحق في ممارسة ذلك بشتى فصول الدراسة من التعليم الأولي إلى غاية التعليم العالي ، فضلا عن حق ممارسة التقاضي استردادا للحقوق أو دفاعا عنها حفاظا على المراكز القانونية وصيانة لاستقرار المعاملات ، وينسحب تحليلنا أيضا على ممارسة التجارة باعتبار ابسط العقود قد يلامسها يوميا فمعلوم أن شراء سلع ورغم قلتها وتفاوت قيمتها من شخص إلى آخر أو تقديم خدمات باقترانهما أو انفصالهما يعتبر في السياق تجارة .
وتأسيسا على ذلك يطرح الإشكال هل استطاع المنهج المعتمد الحفاظ على هذه الحقوق ؟وما الذي يمكن أن يجعلها تمارس بشكل عادي في ظل هذه الأزمة ؟
المطلب الأول :حق التقاضي وتأُثير فيروس كوفيد19 عليه وسبل حمايته
إن ضياع الحقوق أو الرغبة في حمايتها أو حتى جلب الاستثمارات والحفاظ على المراكز القانونية واستقرار المعاملات، هواجس دفعت إلى إيجاد سبل قويمة سخرت للقيام بهذه المهام الجسام في كل وقت وحين ،وحق التقاضي وكل المتدخلين فيه يسعون جاهدين نحو إيصال هذه الرسالة النبيلة الى عموم المتقاضين ، والدفاع عنها كل من موقعه ومن منطلق الوظيفة أو المهمة أو المهنة التي يتحمل مسؤوليتها.
حق التقاضي هذا الذي حظي بمكانة سامية في دستور 2011 من خلال الفصول العديدة التي ضمها بين دفتيه والذي من بينها ما نص عليه الفصل 118 من الدستور المغربي في فقرته الأولى “حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون”.
فهذه الغاية التي أعلن عنها الدستور المغربي[26] يجب أن يتم الاستفادة منها بشكل عادي ومنتظم من قبل الجميع بدون استثناء ولا يجب أن يحد منها سوى القانون وليس القوة قاهرة، لأن الأمر يتعلق بهيبة القضاء أولا، وأيضا استمرارية المرفق ثانيا، والحفاظ على حقوق المتقاضين وحسن سير العدالة ثالثا، إلى جانب مرامي أخرى كالحفاظ على مبدأ استقرار المعاملات في ارتباطه بحقوق المتقاضين ذاتيين أو اعتباريين.
ولما كان الأمر كذلك فأننا بمعاينة بسيطة لما هو عليه الوضع الآن، وما اتخذ من قرارات همت مرفق القضاء بكل مكوناته نلحظ أن تقليصا حدث بخصوص المهام المسندة للقضاء بفعل فيروس كوفيد 19 وإذ لا يمكننا الترفع عن ما خلفه في أوساط الحياة اليومية ومجالاتها، والقول أن ذلك ليس شيئا ملموسا نظرا لما خلفه من أضرار آنية ومستقبلية سيجري تقييمها فيما بعد ، فإننا نروم من خلال هذه الجزئية البحث عن الوسائل التي ستسهم في استمرارية أدائه لوظيفته ولما لا بشكل أحسن ، إذ نرصد في الفقرة الأولى حق التقاضي وتأثير فيروس كوفيد19 علاقة انفصال، وما اتخذ من قرارات على أن نناقش التقاضي الالكتروني كفرصة جيدة لتجاوز ذلك في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى : حق التقاضي وفيروس كوفيد19 علاقة انفصال
يستهدف حق التقاضي حسب ما سبق الإشارة إلى ذلك الحصول على الحقوق التي من الممكن أن تضيع أو حتى جبر الضرر الحاصل لبعض الفئات كالأجراء مثلا، وحتى الحفاظ على استقرار المعاملات والمراكز القانونية وغير ذلك من الدعاوى المتخذة من لدن أصحابها حسب حاجياتهم المختلفة.
يسلك الشخص كيفما كان سواء ذاتيا أو اعتباريا مجموعة من القواعد المسطرية التي سنها المشرع المغربي اقتضاء للكيفية التي تمكنه من استرداد حقوقه ، والمنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ناهيك عن المشترعة في قوانين خاصة حسب نوعية الدعوى المراد رفعها ، فقط يجب أن ينضبط لما تم إقراره من شروط سواء فيا يتعلق بالشروط الموضوعية [27]أو الشكلية[28] .
فالدعوى هنا كمكنة قانونية إذا ما تم احترام الشروط المشار إليها أعلاه فإنها تكون مقبولة من جانب القضاء سواء ذو الولاية العامة كالمحكمة الابتدائية أو حتى القضاء المتخصص ، وبالتالي من السهل الولوج إلى مرفق القضاء واستعادة ما ضاع من حقوق في نظر رافع الدعوى ،وكنتيجة على ذلك يتم ضمان عدة مبادئ أساسية كالتواجهية علنية الأحكام وشفوية المرافعات … إذ أن احترام المساطر القانونية أمر مفروض على الطرفين من بداية الدعوى إلى نهايتها.
وفي هذا الباب فالكل يمتثل إلى ذلك وإلا خسر دعواه ،فكل ما يهم حق ممارسة التقاضي بحسن نية معروف مسبقا للعموم وحتى من جهل ذلك أو تعوزه الوسيلة القانونية يمكنه إذاك أن يلجأ إلى أحد المحامين ، فالمؤكد أن ما يهمنا هو الولوج السلس إلى مرفق القضاء بدرجتيه .
ولما توفر لدى المتقاضي بصفة عامة ما يمكنه من الولوج السلس إلى مرفق القضاء واقتضاء حقه الذي ضاع منه لسبب من الأسباب ، استعصى عليه أن يلج إلى المحكمة وممارسة مختلف إجراءات التقاضي كحق مكفول دستوريا لوجود قوة قاهرة لا يمكن إطلاقا تجاوز مخلفاتها على الحياة اليومية ، فقرر من يشرف على مرفق القضاء ممثلا في وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة تماشيا مع التدابير الاحترازية المعلن عنها من قبل السلطات العمومية ، تنظيم العمل بالمحاكم للوقاية من وباء كورونا، فأصبحت ممارسة حق التقاضي في ظل الأزمة الحالية أمرا بعيد التحقق سوى في قضايا دون أخرى تفاديا للاكتظاظ والاختلاط الشديد الذي تعرفه محاكم المملكة .
الفقرة الثانية : التقاضي الالكتروني سبيل لتجاوز الأزمة
أمام الوضع القائم الذي نعيشه اليوم شكل التقاضي الالكتروني لو تم اعتماده سبيلا قويما لتجاوز هذه الأزمة ،وتلافي تداعياتها على حق التقاضي كأحد الحقوق الدستورية المخولة للمواطن، إذ أن القضاء الالكتروني مصطلح جديد على مسامعنا ولكنه أسلوب راقي ومتحضر متبع في كافة الدول المتقدمة التي عرفت كيف تستغل سرعة وانجاز التكنولوجيا في تسهيل الإجراءات القضائية، وبالفعل قامت بتطبيق نظام القضاء الالكتروني ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا وأستراليا وسنغافورة والنمسا ودولة وأخيرا تتجه المملكة العربية السعودية حاليا إلى تطبيقه ، للاستفادة من تلك التقنيات الحديثة .
وقد عرف السفير الاسباني بمصر فيدال سنداجورتا التقاضي الالكتروني انه “عملية نقل مستندات التقاضي إلكترونا عبر موقع رسمي على الانترنيت إلى المحكمة من خلال المراسلة بالبريد الالكتروني حيث يتم فحص هذه المستندات بواسطة الموظف المختص ويتم إصدار قرار بشأنها بالقبول أو الرفض وإرسال إشعار إلى المتقاضي يفيده علما بما تم بشان هذه المستندات “.
وغني عن البيان أنه من الممكن اعتماد هذه التقنية من قبل المتقاضين والمحامين عند رغبتهما في ممارسة حق التقاضي بإرسال المقال بواسطة البريد الالكتروني المعتمد لهذا الغرض ،وبخصوص طبيعة هذه العملية يرى الدكتور حسن عثمان[29] أن ” إجراءات المحاكمة بالنسبة للقضاء الالكتروني تتم من خلال تقديم المدعي بياناته والشكوى التي هي موضوع النزاع في استمارة تكون متواجدة بموقع المحكمة على الانترنيت ، وذلك من خلال بريده الالكتروني ، ويتعرف المدعي بعد ذلك على رقم قضيته في نفس وقت إرساله للأوراق ، ثم تقوم المحكمة بمراسلة المدعى عليه وإخطاره بالاتهامات المقيدة ضده في مدة محددة من استلام الدعوى ، وترفع الخصومة الالكترونية أمام القضاء بحيث تكون صحيفة الدعوى محررة على مستند الكتروني ويتم إرسالها إلى المحكمة المختصة عبر البريد الالكتروني للمحكمة حيث يتم قيدها ، وهذا الإجراء سيؤدي إلى تقليل مدة التقاضي كما يقلل من إجراءات الإعلان المادي لأطراف الدعوى والخصوم من خلال المحضرين ومندوبي الإعلان والبحث المادي عن العناوين”.
ونشير في هذا الصدد أنه بإمكان المغرب أجرأة هذه المقتضيات في نظام التقاضي المعمول به فقط يعوزه سن تشريعات تسمح بذلك ، كما أن تجربة المحكمة الرقمية تم تفعيلها في بعض المحاكم المغربية السنة الفارطة وان بشكل محدود ، إذ عقدت بعض الجلسات بكيفية الكترونية وتم الاستغناء عن المستند الورقي واعتماد المحرر على دعامة الكترونية، وهي إحدى توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة ، أيضا وزارة العدل تسير في اتجاه ذلك بإحداث “منصة المحامي ” وكذا “منصة المفوض القضائي” اللذان يعدان من مساعدي القضاء إذ يلزم تحديث وتطوير وتوسيع اختصاصات مثل هذه المهن القانونية القضائية لكي تواكب بدورها صيرورة التحديث التي سيعرفها مرفق القضاء مستقبلا.
“والرأي فيما نعتقد أن سن هذه المقتضيات القانونية سيسهم في تحسين جودة المرفق والقضاء على المخلف من جهة أولى ،واستمرارية مرفق القضاء بشكل عادي من جهة ثانية ، والحفاظ على استقرار المعاملات وحقوق الأشخاص الذاتيين والاعتباريين من جهة ثالثة “.
المطلب الثاني :الحق في التعليم و ممارسة التجارة في ظل أزمة كوفيد19 وسبل تجاوزها
يستطيع الإنسان أن يحيا كيفما أراد بدون قيود، أن يفكر يبتكر يبدع حيثما شاء ، ولكن ما ينقصه هو التعليم والتعلم وتهذيب النفس وتدريبها على العطاء .
فإذا كان التعليم ذو مكانة كبرى لدى الشعوب لكونه يعد ضروريا لتحقيق نهضتها المرجوة ،فإنها تسخر كل إمكاناتها من اجل استمراره دون انقطاع .
إلى جانب هذا القطاع الحقوقي الخدماتي هناك مجال آخر لابد منه لاستمرارية الحياة اليومية بشكل عادي ،إذ أن الشخص يلجأ إما لممارسة التجارة أو العمل في مهنة أو وظيفة لتلبية حاجياته ، إذ التجارة مثلا تمكنه من تنمية ما لديه من أموال في ميدان من ميادين التجارة المختلفة.
هذه المجالات من الممكن أن تشهد عدة تراجعات في ظل الأزمات والتي من بينها القوة القاهرة ما يجعلنا نسلط عليها الضوء لمعرفة درجة تأثرها وما لحقها من تداعيات بفعل انتشار جائحة كوفيد 19، وكيفية التعامل معها باعتبارها قطاعات حيوية واجتماعية لها دورها في تنمية الإنسان وتقدمه على مستوى جميع الأصعدة .
الفقرة الأولى : ممارسة الحق في التعليم في ظل أزمة كوفيد19
عانى الحق في التعليم الأمرين بين توقفه نهائيا عن الاستمرار وتحقيق غاياته المنشودة وأهدافه السامية جراء تفشي الفيروس التاجي ،وبين عمله رغم ذلك بالتالي التضحية بفئة هامة من سكان المغرب من تلاميذ وطلاب واطر تربوية وإدارية وأسرهم ، فظهرت الحاجة الملحة إلى سبل كفيلة لتلافي كل هذه الأوضاع المأساوية الخطيرة على المجتمع .
وترتيبا على ذلك كان من الضروري اعتماد مقاربة من الملاحظ أنها متكاملة رغم ما تثيره من إشكالات واقعية مرتبطة بمدى توفر الوسائل اللوجستيكية لدى بعض الأسر المغربية[30] من أجهزة تلفاز وتغطية شبكات الاتصال والانترنيت وحواسيب أو حتى هواتف نقالة .
فانسجاما مع ذلك أعلن عن قرار[31] لتوقيف الدراسة النظامية في المدارس والجامعات والمعاهد بالمملكة المغربية ، جاء في مضمونه “في إطار التدابير الاحترازية الرامية إلى الحد من العدوى وانتشار “وباء كورونا” ، تعلن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحت العلمي أنه قد تقرر الدراسة بجميع الأقسام والفصول انطلاقا من يوم الاثنين 16 مارس 2020 حتى إشعار آخر بما في ذلك رياض الأطفال وجميع المؤسسات التعليمية ومؤسسات التكوين المهني والمؤسسات الجامعية التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ، سواء منها العمومية أو الخصوصية ، وكذا مؤسسات تكوين الأطر غير التابعة للجامعة والمدارس ومراكز اللغات التابعة للبعثات الأجنبية وكذا مراكز اللغات ومراكز الدعم التربوي الخصوصية .
وإذ لا يتعلق الأمر بتاتا و إقرار عطلة مدرسية استثنائية ، فان الدروس الحضورية ستعوض بدروس عن بعد تسمح للتلاميذ والطلبة والمتدربين بالمكوث في منازلهم ومتابعة دراستهم عن بعد.
كما يأتي هذا القرار كإجراء وقائي يسعى إلى حماية صحة التلاميذ والمتدربات والطالبات والطلبة وكذا الأطر الإدارية والتربية العاملة بهذه المؤسسات وجميع المواطنين والى تجنب تفشي “فيروس كورونا ” خاصة بعد ان صنفته منظمة الصحة العالمية “جائحة عالمية”.
ومساهمة في مواجهة هذا الوضع الاستثنائي ، فان الأطر التربوية والإدارية مدعوة إلى الانخراط بشكل فعال ومكثف في جميع التدابير التي سيتم اتخاذها من اجل ضمان الاستمرارية البيداغوجية عن طريق كل ما يمكن توفيره من موارد رقمية وسمعية بصرية وحقائب بيداغوجية لازمة لتوفير التعليم والتكوين عن بعد بغية تمكين المتعلمات والمتعلمين من الاستمرار في التحصيل الدراسي .
وستعمل الوزارة على اطلاع أسرة الأطر التربية والتكوين والبحث العلمية وكذا المتعلمات والمتعلمين وأمهاتهم وآبائهم وكذا عموم المواطنات والمواطنين بكافة المستجدات المتعلقة بهذه الظرفية الاستثنائية عبر جميع القنوات المتوفرة عليها”.
سارعت الأطر التربوية التعليمية والإدارية بمختلف ربوع المملكة المغربية إلى التنزيل الفوري الجاد والمسؤول لما جاء في قرار وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي عن طريق تجهيز محتويات رقمية للتلقين والتدريس عن بعد، من خلال مختلف الوسائط الالكترونية كاليوتوب أو المنصات المعدة على موقع الوزارة وأيضا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك نموذجا والتراسل الفوري ، بل حتى هناك من عمد إلى اعتماد حصص تدريس عن بعد تشتمل من بين مشتملاتها التفاعل مع الطلبة والتلاميذ لمعرفة درجة استيعابهم للدروس وتوجيههم كما يجب في ظل وجود الأزمة الحالية .
هناك تسخير لجميع وسائل التواصل على عن بعد من خلال اعتماد مقاربة التدريس عن بعد فبث الدروس عن طريق قنوات التلفزة العمومية كان يقتصر في السابق على الدعم والتربية الغير النظامية فأصبح الواقع المعاش يفرض استعمالها في التربية النظامية والتعليم عن بعد .
استدعت ظروف الحال أن يتم التدريس عن بعد وفي اعتقادنا ان نتائج هذه المبادرات والقرارات ستظهر للعيان بعد انتهاء الموسم الدراسي ،إذ هناك تفكير جدي في اعتماد هذه الوسائط مستقبلا لكن يلزم إعادة الاعتبار للأستاذ و مجهوداته التي يقدمها وفق واقع التدريس في المغرب، والميزانية المرصودة له وأيضا وجب سن قانون إطار للتعليم يراعي هذه الخصوصية، وينسجم مع تطوير الكفايات والمناهج المعتمدة وسبل أجرأتها على مستوى الواقع .
الفقرة الثانية : السبل الكفيلة بممارسة التجارة التدخل الالكتروني نموذجا
عرفت الأنشطة التجارية تطورا وحركية في مفهومها القانوني ، فلم يعد مفهوم التجارة يقف عند مدلول تلك العملية التي تتم بين المستهلك والمنتج في مجال الاقتصاد وتمكن كلا منهما من إبرام عقود البيع والشراء بل بات حتى مما يدخل في المفهوم الاقتصادي وأعمال التحويل والتصنيع وأنشطة الخدمات والأعمال البنكية هو الأخر من محتويات التجارة بشكل عام ، واقع أنتج تطورا على مستوى التشريع فطفت إلى السطح قوانين مثل قانون الاونسترال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية مع دليل التشريع لسنة 1996 كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه والذي جاء في مادته الأولى[32] نطاق التطبيق “ينطبق هذا القانون على أي نوع من المعلومات يكون في شكل رسالة بيانات مستخدمة في سياق أنشطة تجارية “.
والمغرب وان كان لحد الساعة لم يصدر به قانون للتجارة الالكترونية بالشكل المتعارف عليه دوليا ، لتنظيم سوق التجارة الالكترونية التي تعرف توسعا وتطورا يوما بعد يوم ، فانه خطى خطوات كبيرة في هذا الشأن ، فرأت النور جملة من القوانين التي يمكن أن تعد مكتسبا لميدان المال والأعمال مرحليا وذات أهمية بالغة ، ففي سنة 2007 صدر بالجريدة الرسمية القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني وهو قانون جديد الهدف منه التأسيس لمعاملات تعاقدية عبر الوسائط الرقمية المختلفة ، ويمكن للفاعلين في مجال التجارة الاعتماد عليه وما جاء به من مستجدات لتحقيق الانتقال الرقمي لأنشطتهم التجارية ،وما يروجون له من سلع وخدمات إلى السوق الافتراضية وبالتالي تحقيق أرباح جد هامة في فترة زمنية وجيزة.
هذا ناهيكم عن صدور قانون يتعلق بالضمانات المنقولة[33]والذي جاء بمجموعة من الأهداف من بينها تسهيل ولوج المقاولات إلى مختلف مصادر التمويل المتاحة ، عبر تقديم الضمانات المنقولة لديها و تعزيز الحرية التعاقدية في مجال الضمانات المنقولة مع الحرص على تحقيق الأمن القانوني التعاقدي وتحسين شروط تنافسية المقاولات عبر تأمين عمليات تمويل الاستثمار.
فظلا عن مجموعة من الخدمات المخولة للأشخاص سواء الذاتيين أو الاعتباريين مثلا الخدمات المقدمة من طرف الأبناك الكترونيا والتي مكنت من التنزيل السليم للحق في الحصول على المعلومة وهذه المرة من خلال تسهيل انجاز مجموعة من العمليات كأداء الفواتير الخاصة بالاشتراكات في خطوط الهاتف والانترنيت أو أداء اشتراكات الكهرباء والماء ومن الممكن حتى تحويل المبالغ وغير ذلك من الأنشطة عن بعد.
استفادت أيضا التجارة بالمغرب من سن قانون التوطين[34]المحدث لسجل تجاري الكتروني ، وبالتالي خول هذا القانون الجديد للتجار القيام بإحدى العمليات المهمة على مستوى المعاملات التجارية وهي تأجير موطن للمقاولات إذ نصت المادة 544-1 من القسم الثامن من هذا القانون” يعد توطين المقاولة عقدا يضع بمقتضاه شخص ذاتي أو اعتباري يسمى الموطن لديه ،مقر مقاولته أو مقره الاجتماعي رهن إشارة شخص آخر ذاتي أو اعتباري ، يسمى الموطن لإقامة مقر مقاولته أو مقره الاجتماعي حسب الحالة “.
عكست نظرة المشرع المغربي في كل ما صيغ أعلاه ،رغبته في تطوير الترسانة القانونية بالمغرب وتحسين كمناخ الأعمال والحفاظ على استقرار المعاملات فقط الوسيلة التي يعمل بها تعتبر نوعا ما بطيئة مقارنة بدول أخرى .
خاتمة
صفوة القول يمكن التأكيد أن هناك مجموعة من المبادرات الفاعلة اتخذت بشكل استباقي أو موازي لظهور هذه الجائحة الخطيرة المتمثلة في الفيروس التاجي ، وان كانت هذه النظرة غير كافية لكونها تبقى في نظرنا محل نقاش كما هو عمل الإنسان عموما مجبول عن الخطأ والنسيان ، لعدة دواعي مرتبطة بعدم وجود مقاربة متكاملة بخصوص اعتماد الإقلاع التكنولوجي الرصين والفعال أسوة ببعض الدول .
لا يمكننا أن نستبعد كون المغرب كغيره من البلدان بوغت بهذه القوة القاهرة ونحا هو أيضا إلى مقاومتها بما توفر عليه من إمكانيات مرصودة لتجاوز تداعيات أزمة كوفيد19 التي شلت أوصال الحياة اليومية بشكل لا يمكن إلا الوقوف عليه بعد انتهاء هذه الأزمة بحول الله ، وتسطير نموذج تنموي جديد يراعي الوضعية الحالية ، ويستشرف مغربا قويا قادرا على تحقيق ما يرنو إليه جميع أطياف المجتمع المغربي على مستوى جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والصحية والتعليمية أو غيرها.
انتهى بحول الله وتوفيقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1]ياسين الكيالي ومحمد كدرسي بحث حول “اثار العقد الملزم لطرفيه ” ص 09 ماستر المنازعات القانونية والقضائية
[2]قرار المجلس الاعلى عدد 390 بتاريخ 15 غشت 1979 ملف مدني عدد 66\982
[3]حيث جاء في الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود مايلي :لا محل لأي تعويض ، إذا اثبت المدين ان عدم الوفاء بالالتزام او التأخير فيه ناشئ عن سبب لايمكن ان يعزى اليه ،كالقوة القاهرة او الحادث الفجائي او مطل الدائن
[4]حيث جاء في الفصل 255 من قانون الالتزامات والعقود مايلي :يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الاجل المقرر في السند المنشئ للالتزام
[5]حكم صادر بتاريخ4مارس 1920،مجلة التشريع والعمل القضائي المغربي 1921 ص 146 أشارت إليه فريدة اليرموكي “علاقة السببية في مجال المسؤولية التقصيرية بين راي الفقه وموقف القضاء –دراسة مقارنة-الطبعة الاولى 1430-2009 ص 264
[6]مرسوم قانون رقم 292.202 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحة واجراءات الاعلان عنها
[7]نظم المشرع المغربي التحكيم بموجب القانون 05-08
[8] الهدف الفرعي الثالث “ارساء مقومات المحكمة الرقمية “من الهدف الرئيسي السادس “تحديث الادارة القضائية وتعزيز حكلمتها”
[9]1/151 كتاب موجه من طرف السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الى السيدات والسادة الرؤساء الأولون لمختلف محاكم الاستئناف رؤساء المحاكم الابتدائية والتجارية والادارية بتاريخ 16 مارس2020
[10]المقصود بالفيروس التاجي في هذا السياق هو فيروس كوفيد19
[11]الفصل 20 من الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011 نص على :الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل اسان ويحمي القانون هذا الحق
[12]امر صادر عن السيد نائب رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط في الملف عدد 223/1101/2020 صادر بتاريخ 11/03/2020
[13]قرار قاضي الاسرة بالمحكمة الابتدائية بمدنين عدد 3696/2020 صادر بتاريخ 25 مارس 2020
[14]امر صادر عن السيد نائب رئيس المحكمة الابتدائية بالخميسات في الملف مختلفة عدد 318/1109/2020 صادر بتاريخ 16/03/2020
[15]مرجع سابق
[16] نص الفصل الاول من القانون الجنائي :يحدد التشريع الجنائي افعال الانسان التي يعدها جرائم ، بسبب ماتحدثه من اضطراب اجتماعي ، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات او تدابير وقائية .
[17]المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية
[18]قرار محكمة النقض عدد 233/7 في الملف جنحي عدد 14280/6/7/2017 صادر بتاريخ 14/02/2018
[19]قرار صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 8 ديسمبر 2009 في الملف 6960/578
[20]حكم صادر عن محكمة باريس بتاريخ 13 نونبر 1998
[21]تسهر النيابة العامة على تحريك الدعوى العمومية ومتابعة من سولت له نفسه الاضرار بالحق العام والمجتمع
[22]الحبيب السرناني “دراسة في مجلس العقد المبرم بشكل الالكروني ” مجلة اطروحة سلسلة الدراسات والابحاث في العلوم القانونية العددالاول ص 9
[23]القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.129 بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428 الموافق 30 نوفمبر 2007
[24]قسم العموم بالمحافظة العقارية والخدمات التي يمكن ان يقدمها للمرتفقين الراغبين في التعرف الوضعية التي عليها العقار بمختلف انواعه ومشتملاته وما حدث من تغييرات قانونية عليه كالتقييدات مثلا
[25]ظهير شريف رقم 1.18.15 صادر في 5 جمادى الاخر 1439 الموافق ل 22 فبراير 2018 بتنفيذ القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات
[26]الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011
[27] على نصت الفقرة الأولى الفصل الاول من قانون المسطرة المدنية:لايصح التقاضي إلا ممن له الصفة ،والأهلية ،والمصلحة لإثبات حقوقه
[28]الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية بين الشروط الشكلية لرفع الدعوى
[29]وكيل كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة المنصورة بمصر
[30]بعض الاسر القاطنة بالجبال او بالقرى النائية والتي تقاسي من جراء تهاطل الثلوج وعدم توفر سبل التواصل ومايجري حولها في العالم وايضا من قساوة العيش
[31]بلاغ صحفي صادر عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 14 مارس 2020
[32]قانون الاونسترال النموذجي بشأن التجارة الالكترونية مع دليل التشريع لسنة 1996
[33]ظهير شريف رقم 1.19.76 صادر في 11 من شعبان 1440الموافق ل17 ابريل 2019 بتنفيذ القانون رقم 21.18 المتعلق بالضمانات المنقولة
[34]ظهير شريف رقم 1.18.110 صادر في 2 جمادى الاولى 1440 الموافق ل9يناير بتنفيذ القانون رقم رقم 89.17بتغيير وتتميم القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة