مجلس حكماء الفايسبوك أو “المحكمة العليا للعالم الثاني”
كتبها الدكتور عبد الحكيم الحكماوي
أعلنت شركة الفايسبوك يوم الأربعاء 06 ماي 2020 عن أسماء الأعضاء العشرين الأوائل الذين ستوكل لهم مهمة الرقابة على مضمون ومحتويات منشورات أعضاء موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”. وقد جاءت هذه الخطوة تفعيلا للقرار الذي سبق للشركة المذكورة أن أعلنت عنه في غضون شهر يناير من سنة 2020، وقد جاء تعيين الأسماء العشرين الأوائل كمقدمة أولية تروم الاتجاه نحو تعيين أربعين عضوا سيتشكل منهم “مجلس حكماء الفايسبوك”.
وتشير التقارير إلى أن الفكرة تبلورت خلال سنة 2018 ، وقد تلت فكرة الاقتراح وضع أول مسودة لتشكيلة “مجلس حكماء الفايسبوك: ودوره واختصاصاته في غضون سنة 2019، وذلك بناء على مشاورات متعددة الأطراف شاركت فيها وفود من 88 دولة ممثلة في حوالي 650 شخصا.
وتأتي هذه الخطوة كردة فعل من شركة “فايسبوك” على الانتقادات التي ما فتئت توجه إليها من قبل الأشخاص والمؤسسات بخصوص عدم تفاعلها مع التدوينات التي تتضمن مضامين تنسف روح التعايش والتسامح بين أعضاء هذا الفضاء الأزرق. وقد عمل منظرو هذه الخطوة على تحديد المهام التي ستوكل لهذه المحكمة والتي تتلخص في وضع قواعد رقابة عليا على مضمون التدوينات التي ينشرها أصحابها عبر حساباتهم على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، وهي القواعد التي ستمكن أعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” من الاشتغال على مواضيع ومجالات متنوعة من قبيل حرية التعبير والحقوق الرقمية والحرية الدينية واعتدال المضمون وحقوق المؤلف الرقمية والسلامة الإلكترونية والشفافية، حسبما أعلن عنه مدير السياسات العامة لدى فيسبوك برنت هاريس الذي أكد أن إنشاء هذا المجلس سيشكل بداية تغير حقيقي في عمل شركة فايسبوك مستقبلا.
معايير لاختيار أعضاء “مجلس حكماء فايسبوك”
وحسب ما أكده “نيك كليج” نائب رئيس شركة الفايسبوك للشؤون العالمية والاتصالات فإن تعيين أعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” بني على معايير واضحة ومن شأنها تعزيز الشفافية و المصداقية والحياد في التعامل مع البلاغات التي تتلقاها إدارة الفايسبوك بخصوص العديد من التدوينات. وأوضح في هذا الخصوص أن الأعضاء المعينين ينتمون للعديد من الدول ويتحدثون العديد من اللغات والأهم من ذلك هو انتماؤهم للعديد من المشارب المهنية والوظيفية.
فمن حيث اللغة المستعملة من قبل هؤلاء الأعضاء، فقد أكد المسؤول أنهم يتحدثون 29 لغة. وهو مؤشر من شأنه التكهن حول مدى قدرة أعضاء المجلس على ضبط مضمون ومحتوى المنشورات محل التبليغ، وفي ذلك محاولة لعدم الاستئثار بدور الترجمة التي تشوبها العديد من الانحرافات في العديد من الأحيان لمضمون خطاب الآخر وما يمكن أن تعلبه هذه الترجمة من تحوير مقصود أو غير مقصود لمضمون التدوينات.
أما من حيث التنوع الثقافي، فقد أوضح المسؤول نفسه أن أعضاء المجلس العشرين عاشوا في أكثر من 27 دولة، ولعل في هذا المؤشر دلالة على التنوع الثقافي الذي يتشبع به الأعضاء المذكورون. وهو ما سيؤكد ضمان حد أكبر من الحياد في التعامل مع مضمون التدوينات كخطوة معقولة ومحمودة في اتجاه التعامل المتحيز للعديد من التبليغات عن مضامين تدوينات قد لا توافقهم من الناحية الفكرية أو الدينية أو الثقافية أو الإديولوجية. وفي هذا الصدد يشدد العديد من المراقبين على أن شركة فايسبوك لم تتعامل في السابق مع التبليغات التي خصت التدوينات التحريضية التي كان يصدرها الجيس البورمي ضد أقلية الروهينجا بالجدية اللازمة، ما جعل مسؤولي شركة الفايسبوك في مرمى انتقادات عديدة من قبل الكثير من المنظمات لتساهلها في التعامل مع مضامين تلك التدوينات التي تحمل في طياتها معاني الكراهية والتمييز بناء على معايير دينية وإديولوجية.
وفيما يتعلق بالتجربة الحياتية والخلفية الوظيفية؛ فإن لائحة أعضاء “مجلس حكماء فايسبوك” توحي بالعديد من الإشارات التي أرادت إدارة فايسبوك إظهارها للأعضاء والمهتمين، مفادها أنه لا مجال للحديث عن استغلال التقني لموقعه في إدارة الشبكة من أجل التحكم في مضمون التدوينات المبلغ عنها. ولعل في ذلك إشارة إلى تمييز إدارة الفايسبوك بين العمل على ضمان استمرار موقع الفايسبوك في الوجود بما ينتجه من ضمان الحد الأقصى من الأمان، وبين ما يتعلق بمضمون التدوينات التي تُنشر عبر الحسابات والصفحات التي يتيح الموقع المذكور إمكانية إنشاءها من قبل الجمهور. ويظهر هذا التوجه في التمييز من خلال تنوع المشارب المعرفية والوظيفية لمجموع أعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” التي ينتمون لعالم السياسة والإعلام والقانون والتعليم الجامعي وناشطون في المجال الحقوقي الوطني وعبر الوطني، وكذا ممارسون للقانون ومناصرون للعديد من القضايا ذات الارتباط بمبادئ التسامح والتعايش.
أما بخصوص الانتماء الوطني لأعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” فيبدو أنها جاءت معبرة عن التوجه الذي طبع إنشاء “المحكمة العالمية” من خلال تنوع الانتماءات الوطنية لهؤلاء الأعضاء، وهكذا فإننا نجد أن البلدان الممثلة في المجلس المذكور هي الدانمارك والولايات المتحدة الأمريكية وأندونيسيا والهند والبرازيل وإيران وتايوان وبريطانيا وإسرائيل واليمن والكاميرون وفرنسا وغانا وجنوب إفريقيا وكولومبيا وأعضاء ينتمون لمنظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتش وآخرون سبق لهم العمل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة. ويبدو أن التشكيلة المذكورة أعطت الانطباع بعدم استئثار المركز في قرار المحكمة، كما أنها أكدت على عدم تغول العالم المتحضر على العالم المتخلف أو السائر في طريق النمو.
وقد أكد العديد من أعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” في مقالات صحفية التزامهم باحترام حرية التعبير وفق ما تكفله المعايير الدولية المستقاة من المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، كما أكدوا على التزامهم ذاك بغض النظر عن المصالح الاقتصادية أو السياسية أو كذا الدعائية الي تنهجها شركة فايسبوك من خلال سياستها العامة.
آلية تعيين “مجلس حكماء الفايسبوك”: التدرج نحو الاستقلالية
أكد “نيك كليج” نائب رئيس شركة الفايسبوك للشؤون العالمية والاتصالات، أن آلية تعيين الأعضاء المشكلون ل “مجلس حكماء الفايسبوك” بدأت بالعشرين الأوائل وستتواصل إلى أن يبلغ العدد أربعين عضوا، كما أوضح ذات المسؤول أن البداية كانت باختيار أربعة رؤساء مشاركين، وأن هؤلاء الأربعة شاركوا رفقة فريق الفايسبوك في اختيار الأعضاء الستة عشر الباقين وفق معايير مضبوطة ومتفق عليها راعت توفر الأعضاء المختارين على الكفاءة والقدرة على المشاركة في المهام الموكولة للمجلس.
وتشير التقارير إلى أن إدارة فياسبوك عقد عدة لقاءات مع حوالي 250 شخصية من أجل توسيع المشاورات بخصوص إحداث “مجلس حكماء الفايسبوك” وقد أثمرت هذه المشاورات اختار أربعة رؤساء داخل المجلس، وأن هؤلاء الأخيرين هم من مهمة اختيار الستة عشر الباقين من أصل 1200 ترشيحا توصلت بها اللجنة المشتركة بين إدارة الفايسبوك والرؤساء الأربعة بعد فتح باب الترشيح.
وتعتمد آلية تعيين “مجلس حكماء الفايسبوك”، حسب ذات المسؤول، على التدرج نحو استقلالية مجلس الحكماء نفسه في اختيار الأعضاء المكونين له. وهكذا فإن آلية هذا الاختيار ستمر عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة مشاركة إدارة الفايسبوك في الاختيار، هذه المرحلة ستتوقف بمجرد بلوغ عدد أعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” أربعين عضوا.
المرحلة الثانية: وهي المرحلة التي سيتولى فيها “مجلس حكماء الفايسبوك” اختيار أعضائه بنفسه، و ستبدأ هذه المرحلة بمجرد انتهاء اختيار الأربعين عضوا الأوائل. وخلال هذه المرحلة ستظهر ملامح الاستقلالية المؤسساتية لهذا المجلس عن إدارة الفايسبوك نفسه، الشيء الذي سيؤدي إلى بناء تصور جديد للعلاقة المستقبلية بين إدارة الفايسبوك من جهة و”مجلس حكماء الفايسبوك” من جهة أخرى.
ومن الآثار المحتملة لهذه الاستقلالية الاتجاه في بناء العلاقة بين أعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” وهذا الأخير على أساس التعاقد ، وفك كل نوع أو صورة من صور الارتباط بإدارة الفايسبوك. وبموازاة مع ذلك فإن هذه الأخيرة ستفقد كل وسيلة للتأثير على أعضاء “مجلس حكماء الفايسبوك” كما ستفقد سلطة تعيينهم وإقالتهم من المهام التي سيكلفون بها في إطار أعمال ومهام “مجلس حكماء الفايسبوك”. وفي هذا السياق أكد الأعضاء العشرون في الإعلان الصادر عنهم على معطى الاستقلالية سواء عن الفايسبوك أو عن باقي الشركات التي تشتغل في مجال التواصل الاجتماعي، ذلك أن الغرض – حسب نفس الأعضاء – من طريقة اختيار الأعضاء المكونين لمجلس الإشراف هو حماية استقلال الأحكام التي سيتولون إصدارها كما ستؤسس طريقة اختيار الأعضاء لاتخاذ القرارات دون تأثير أو تدخل من أية جهة ولو من إدارة الفايسبوك نفسها.
“ثنائية مؤسساتية” في خدمة “تفاعل أفقي”
يقوم إنشاء “مجلس حكماء الفايسبوك” على مبدإ الثنائية المؤسساتية بين إدارة الفايسبوك والمجلس المذكور. إذ يقوم هذا التصور على استقلال “مجلس حكماء الفايسبوك” عن إدارة الفايسبوك وعم تبعيته للسياسة العامة التي ستتولى إدارة موقع الفضاء الأزرق. إذ ستتولى قوانين خاصة تنظيم وتحديد صلاحيات “مجلس حكماء الفايسبوك” وستتولى القوانين المذكورة تحديد نطاق ومدى الرقابة التي سيتولى ممارستها المجلس على أنشطة الأعضاء في الفايسبوك وتدويناتهم بالخصوص وهي الرقابة التي ستتأسس على التبليغات التي سيتلقاها المجلس من باقي المنخرطين أو المتضررين من مضامين التدوينات المنشورة على حسابات وصفحات الأفراد والمؤسسات والمنظمات بالفايسبوك. ومن تجليات عمل مجلس الرقابة المذكور – “مجلس حكماء الفايسبوك” – أنه سيتولى بنفسه وضع السياسات العامة المتبعة من طرفه ولا دخل لإدارة الفايسبوك في ذلك.
وأما بخصوص العلاقة بين إدارة الفايسبوك و”مجلس حكماء الفايسبوك” فإنها ستبني – حسب تصريحات المسؤولين عن إدارة موقع التواصل الاجتماعي الأزرق – على مبدأ حسن النية، وستتولى إدارة الفايسبوك تنفيذ القرارات التي ستصدر عن مجلس الرقابة مادامت تلك الرقابة منضبطة لحكم القانون، في إشارة إلى عدم وجود نية لدى إدارة الفايسبوك في خرق قواعد القانون، كما أن العلاقة القائمة بين المؤسستين ستتحدد وفق السياسة العامة التي سيتولى مجلس الرقابة وضعها، وهي السياسة التي يتوقع أن تقوم على مبادئ الحياد والشفافية والمسؤولية.
ومن المتوقع حسب الإعلان الصادر عن الأعضاء العشرين المكونين ل”مجلس حكماء الفايسبوك” أن يشكل عملهم تأثير مباشرا سواء على مستوى مضمون تداول الخطاب عبر حسابات وصفحات المنخرطين في الفايسبوك مع احترام القواعد المعتبرة لضمان حرية التعبير وفق الحالات أو على مستوى تحديد السياسات العامة التي سيتولى الفايسبوك انتهاجها مستقبلا، وذلك من خلال التوصيات التي سيتولى “مجلس حكماء الفايسبوك” إصدارها بناء على القرارات المتخذة من قبل المجلس المذكور وفق ما جاء في الإعلان.
اختصاص قانوني مبني على مبدأي التدرج والانتقائية
سيتولى “مجلس حكماء الفايسبوك” النظر في المنازعات المرتبطة بالحالات التي سيتولى مسؤولو الفايسبوك التعامل معها عن طريق الإزالة، كما سيتولى النظر في طلبات الإزالة الموجهة إليهم من عموم المستخدمين، غير أن هذا الاختصاص مطبوع بطابع التدرج وطابع الانتقائية.
فمن حيث طابع التدرج في ممارسة الاختصاص؛ فإن “مجلس حكماء الفايسبوك” وضع خطة من مرحلتين.
المرحلة الأولى سيتولى خلالها المجلس المذكور النظر في الطعون التي سيتقدم بها المستخدمون ضد القرارات الصادرة عن إدارة الفايسبوك في شأن إزالة محتوى ما يخصهم. ووفق الرؤية المعتمدة من طرف الأعضاء العشرون المكونين للمجلس فإن كل مستخدم يرغب في المنازعة في القرار المتخذ من قبل إدارة الفايسبوك بشأن إزالة محتوى خاص به ويرى أن ذلك القرار متسم بالشطط في استعمال السلطة، فإنه ملزم بضرورة مراسلة إدارة الفايسبوك بغرض التظلم من القرار الصادر عنها، وفي حالة عدم استجابة هذه الإدارة لمضمون التظلم فإن المستخدم يصبح محقا في مراجعة مجلس الرقابة الذي هو “مجلس حكماء الفايسبوك” من أجل النظر في الطعن الذي يجب أن يوجهه المستخدم ضد القرار الصادر عن إدارة مرفوقا بما يفيد مضمون المحتوى وما يثبت إزالته وكذا ما يؤكد تظلمهم لإدارة الفايسبوك وكل ذلك وفق الإرشادات التي سيتولى “مجلس حكماء الفايسبوك” وضعها رهن إشارة مستخدمين الفايسبوك.
أما المرحلة الثانية فسيفتح فيها المجال إلى لكل من الفايسبوك والمستخدمين ليتقدموا بطلباتهم لمجس الإشراف من أجل إزالة محتوى ما. وخلال هذه المرحلة يمكن لإدارة الفايسبوك أن تتولى إحالة مضمون ما على مجلس الإشراف بغض النظر عن الشكل الذي جاء فيه ذلك المضمون، سواء أتعلق الأمر بتدوينة أو حساب شخصي أو صفحة من الصفحات أو حتى مجموعة من المجموعات. وبناء على ذلك فإن مجلس الإشراف سيتولى الفصل في هذا الطلب وفق القواعد المؤسسة على معايير وقيم “مجتمع الفايسبوك” مع مراعاة قيم حرية التعبير في إطار المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أن من بين المعايير المهمة التي ستبنى عليها قرارات “مجلس حكماء الفايسبوك” تل المرتبطة بالسياق الاجتماعي والثقافي الذي نشر فيه المحتوى المطروح من قبل إدارة الفايسبوك على أنظر مجلس الإشراف. ولعل هذه العلة بالضبط هي التي ستتولى إدارة الفايسبوك اعتبارها من أجل إحالة المحتوى المذكور على مجلس الإشراف متى تلقت الإدارة المذكورة تبليغات بشأنه، إذ يصعب عليها ممارسة نوع من الرقابة على مضمون ذلك المحتوى بسبب السياق الذي يأتي فيه والظروف التي يصاغ فيها مضمونه والتأثيرات المحتملة لذلك على مستوى الرأي العام، وخاصة إذا تعلق الأمر برأي سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو أي رأي آخر من شأنه أن يحدث نوعا من التأثير بحسب الظرفية التي سيصدر فيها. ويبدو من هذا التوجه الذي من المتوقع أن تسلكه إدارة الفايسبوك بشأن التعامل مع المحتوى أو المضمون أن يعتبر ردة فعل عما سبق للإدارة المذكورة أن تعرضت له من جراء اتخاذ قرارات الحذف بناء على ما تتمتع به من سلطة الإشراف التقني على مختلف قنوات التواصل التابعة للفايسبوك.
وبالإضافة إلى حق إدارة الفايسبوك في التقدم بطلب النظر في مدى جواز إزالة محتوى أو مضمون ما، فإن للمستخدمين – خلال المرحلة الثانية – إمكانية التقدم بنفس الطلب لمجلس الإشراف بخصوص محتويات تدوينات أو حسابات أو صفحات الغير والتي يرغبون في حذفها وإزالتها، وهذا الطلب يجب حسب رأي الأعضاء العشرون أن يوجه في مواجهة إدارة الفايسبوك. وسيتولى المجلس المذكور اتخاذ قراره بشأن هذا النوع من الطلبات وفق نفس المعايير المشار إليها أعلاه بخصوص تقدير مدى ملاءمة اتخاذ قرار إزالة المحتوى أو المضمون.
أما من حيث الانتقائية، فوفق الإعلان الذي صدر عن الأعضاء العشرين ل” مجلس حكماء الفايسبوك” فقد تم التأكيد على استحالة النظر في جميع طلبات الإزالة أو الحذف بالنظر للجمهور العالمي الذي يتوفر عليه الفايسبوك، ولذلك فإن ممارسة مجلس الإشراف لاختصاصاته ستثمر اتخاذ قرارات محددة تتعلق بخصوص حالات بعينها وهذه القرارات ستتأسس وفق سلم معايير ناتجة عن الإجابة على الأسئلة الرئيسية التي ستطرح على مجلس الإشراف بعد بداية عمله؛ وهو ما يشكل إشارة إلى أن التوجه العام الذي سيحكم اختصاص مجلس الإشراف في الفصل في الطلبات الواردة عليه لم تتحدد معالمه لحد الآن، وإنما ستتبلور تلك المعالم وفق المتغيرات التي سيرصدها خلال فترة بدايات عمله. غير أن الإعلان الصادر عن الأعضاء العشرين أوضح أن هناك معايير كبرى ستحدد المعالم العامة للتعامل مع الطلبات، و يمكن إجمال تلك المعايير في ثلاثة معايير وهي؛ معيار التأثير على أكبر عدد من المستخدمين، ومعيار توجيه الرأي العام للمستخدمين، وأخيرا معيار توجيه سياسات الفايسبوك.
ولعل الملاحظ من هذه المعايير المذكورة، أنها تتجه كلها إلى وضع قيود أخلاقية لتعامل كل من إدارة الفايسبوك والمستخدمين لفضاء التواصل الاجتماعي، إذ أن هذه المعايير لا تعتبر قواعد قانونية واجب الاحترام من قبل مجلس الإشراف وإنما هو من سيتولى وضعها من خلال الوقائع والحالات التي ستعرض عليه بعد بدإ عمله. ومما يزكي هذا الاتجاه ما ذهب إليه أعضاء المجلس أنفسهم من أن المجلس سيعمل على تقديم توصيات من شأنها التأثير على سياسات الفايسبوك، وكذا ما ذهب إليه بعض مسؤولي شركة الفايسبوك من أن قرارات المجلس ستتولى إدارة الفايسبوك تنفيذها والخضوع لها ما لم تتعارض مع القانون، الشيء الذي يعطي الانطباع إلى أن عنصر الإلزام الذي سيطبع قرارات مجلس الإشراف سيبقى ذو صبغة أخلاقية في المدى المنظور على الأقل.
غير أنه بالرغم من حرية “مجلس حكماء الفايسبوك” في انتقاء القضايا التي سيبدي رأيه فيها، فإن تلك الحرية ستبقى مقيدة بمجموعة من القيود منها ما هو تقني بحيث لا يمكن أن تحال على المجلس، ومنها ما يرتبط بالقيود القانونية التي تحكم مضمون المحتوى وما ينتج عن تلك القيود من منع مباشرة النظر فيها. وفي ذلك إشارة إلى أن اختصاص “مجلس حكماء الفايسبوك” لا يشكل بديلا عن الاختصاص الوطني للفصل في مضمون التدوينات أو محتواها. ويعزي الأعضاء العشرون هذه الانتقائية إلى السياق الذي يطبع صياغة المضمون أو المحتوى سواء السياق الثقافي أو السياق الاجتماعي، إذ أن تقدير هذه السياقات سيبقى متروكا لفطنة أعضاء مجلس الإشراف.
التزام ذاتي بتمكين المستخدمين من الرقابة على عمل “مجلس حكماء الفايسبوك”
من الواضح أنه تبعا للقرارات النهائية التي سيتخذها مجلس الإشراف وعدم إمكانية الطعن فيها أمام أية جهة أخرى، فقد قرر الأعضاء العشرون اتخاذ خطوة استباقية غايتها الاتجاه نحو المستقبل من خلال وضع آليات تدعم شفافية خادمة لتحمل المسؤولية. ومن أجل ذلك فإن “مجلس حكماء الفايسبوك” سيعمل على وضع منصة إلكترونية تنشر من خلالها جميع القرارات المتخذة من طرفه، وهي القرارات التي يتعين على إدارة الفايسبوك الرد عليها علينا في إطار نوع من التوازن والتأثير المتبادل بين الجهتين، وقد تم التأكيد على صفة العلنية في الرد كوسيلة وغاية، فهي وسيلة لكونها ستعمل على إبراز الشفافية القائمة بين إدارة الفايسبوك ومجلس الإشراف، وغاية لكونها ستكون بمثابة إعلان لعموم المستخدمين حول موقف إدارة الفايسبوك من العديد من النقاط التي طرحت على أنظار مجلس الرقابة.
وبخصوص اهتمامات الجهور، فإن مجلس الإشراف سيتولى نشر جميع القرارات الصادرة عنه من خلال موقعه الإلكتروني كما سيتولى إصدار تقرير سنوي يوضح فيه مدى التزام إدارة الفايسبوك بمعايير التعامل الجيد وفي نفس الوقت سيعتبر هذا التقرير أداة لتقييم عمل “مجلس حكماء الفايسبوك” من قبل عموم المراقبين.