إعلان حالة الطوارئ الصحية وسؤال الدستورية؟
يشكل الاستقرار غاية ومبتغى كل الدول والحكومات، إلا أنه في الحقيقة لا يتأتى إلا بتوافر العوامل المساعدة من قبيل الأمن الاجتماعي والأمن الصحي، هذا الأخير حضي باهتمام بالغ من طرف الباحثين لما له من ارتباط وثيق بمختلف مناحي حياة الانسان، وتأثيره الجلي على ممارسته لحقوقه و تمتعه بحرياته، ولعل جائحة كورونا لخير دليل على أهمية توفر هذا النوع من الأمن، وهو ما تفسره المجهودات التي تقوم بها السلطات المختصة كل من موقعه من أجل السيطرة على انتشار هذه الوباء، في سبيل حماية الحق في الحياة باعتباره يأتي في طليعة الحقوق المكفولة دستوريا.
وقد بادرالمغرب بدوره إلى اتخاد الإجراءات القانونية الكفيلة للحد من تبعات هذا الفيروس وتأثيره على غرار باقي دول العالم، عبر إقرار حالة الطوارئ الصحية بعموم أرجاء المملكة، و تقييد حركة التنقل، علاوة على إغلاق الحدود وتعطيل حركة الطيران، وقد خلقت هذه التدابير نقاشا فقهيا و قانونيا بين الدارسين و المهتمين و الحقوقيين على حد سواء، وقبل التطرق لهذه التدابير ومعرفة أسانيدها القانونية، وجب بداية إزالة الغموض عن بعض المفاهيم التي اختلطت مع مفهوم حالة الطوارئ الصحية وشكلت أساسا غير سليم للنقاش، علما أنها بعيدة كل البعد عن حالة الطوارئ الصحية، والحديث هنا عن حالة الإستثناء وحالة الحصار.
فحالة الإستثناء نص عليها دستور سنة 2011 في الفصل 59 منه، وفصل فيها تفصيلا حتى لا يدع سبيلا للاجتهاد فيها أو القياس عليها لأحد، باعتبار إعلانها من الصلاحيات المخولة حصرا للملك وفق إجراءات محددة بدقة في نص الفصل، الذي ينص على أنه:
“إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يُعلن حالة الإستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
– لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الإستثنائية.
– تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة.
– تُرفع حالة الإستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها.”
بينما حالة الحصار منصوص عليها في الفصل 74 من الدستور، و هي أيضا من الصلاحيات المخولة حصرا للملك، على أن الظهير الصادر في هذا الشأن، يوقعه رئيس الحكومة بالعطف، و نص الفصل هو كالتالي :
“يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون ”
أما فيما يخص حالة الطوارئ الصحية، فهي نتيجة للانتشار السريع لفيروس كوفيد 19، وهو ما يحتم على السلطات المختصة أو بشكل دقيق السلطة التنفيذية، اتخاذ أساليب غير عادية في تدبيرها وتسييرها والتعامل معها، و هنا نجد أن المشرع أعطى للسلطة التنفيذية الحق في ممارسة سلطات استثنائية، ووضع ضوابط دستورية لخلق توازن بين التدابير المخول اتخاذها للسلطة التنفيذية من جهة، و ضمان الحقوق والحريات من جهة أخرى، ولتنزيل هذه السلطات، تم الإعتماد على اللوائح الصحية، و الإرتكان إلى فصول الدستور، وبالإضافة إلى الفصول 20 و21 و24، التي جاءت في سياق الباب المتعلق بالحقوق والحريات الأساسية، نجد الفصل 81 الذي يخول للحكومة اتخاذ مراسيم قوانين خلال الفترة الفاصلة بين دورتين تشريعيتين باتفاق مع لجنتي مجلسي البرلمان وبعد افتتاح الدورة التشريعية يتم عرضها على البرلمان للمصادقة عليها وهو ما تم في هذا الصدد عند إقرار مقتضيات المرسوم بقانون رقم 2.20.292 “المتعلقة بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها” والمرسوم رقم 2.20.293 “بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا، كوفيد 19 ”
هذين المرسومين جاءا بالعديد من التدابير المقيدة للحريات، خصوصا حرية التنقل، بحيث تم منع التنقل إلا بترخيص خاص يسلم من قبل السلطة المحلية تبين فيه بدقة دواعي هذا التنقل، التي تم تحديدها و تبيانها بدقة، ولم يترك الحبل على الغارب لتحديدها وفق الأهواء والمصالح، وأيضا من التدابير إلزام المواطنين بارتداء الكمامات الطبية، ومنع الأشخاص من ممارسة مهن محددة، وتقييد ممارسة العبادات في المساجد، وتدابير أخرى تختلف من جهة إلى أخرى ومن إقليم إلى آخر تماشيا وتطورات الحالة الوبائية.
بالمقابل عملت الدولة على تقديم مختلف أشكال الدعم، سواء الدعم المباشر لمختلف شرائح المجتمع، أو الدعم غير المباشر من خلال دعم المقاولات و تأمين تمديد المواطنين بالمواد الغذائية، وضمان تموين الأسواق الوطنية، لتحقيق الأمن الغذائي.
والمشرع الدستوري عمل على وضع مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية لضبط هذه السلطات وذلك بتحديد الشروط الواجب توفرها من خلال ركنين أساسيين:
- الركن الموضوعي: والذي يقتضي وجود ضرورة وخطر داهم يهدد الإستقرار وأمن المواطنين بمختلف اشكاله، وهنا يكون الإنتقال من المشروعية إلى المشروعية الاستثنائية.
- الركن الشرعي: يتجلى في اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية باعتبار المغرب عضو بهيئة الأمم المتحدة، و كذا وجود أساس دستوري يعتمد في حالة الطوارئ والحالات غير العادية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من الدساتير بما فيها الدستور الفرنسي قد حددت بشكل مفصل المسطرة المعتمدة في هكذا حالات طارئة، وهو ما لم ينهجه المشرع الدستوري المغربي.
ويبقى الإشكال المطروح هنا هو خرق المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في الفصل 60 من الدستور، والتي تنص على أن حق التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه لأي كان، على أن يتم ذلك وفق مسطرة التصويت المحددة بدقة في المادة 154 وما يليها من النظام الداخلي لمجلس النواب. لكننا نجد أن مجلس النواب خرق هذا المقتضى الدستوري على اعتبار أن نواب الأمة لا يحضرون إلى قبة البرلمان سواء في الجانب المتعلق بأشغال اللجان البرلمانية أو في ما يتعلق بالتصويت على القوانين بحيث يتم الإكتفاء فقط بتمثيلية للفرق النيابية، لاعتبارات متعلقة بالوضعية الوبائية التي تعرفها بلادنا، وهو ما يجعل تصويت البرلمانيين الممثلين للفرق النيابية تصويتا بالنيابة عن باقي النواب والفرق التي يمثلونها، وهو ما يتعارض مع المقتضيات السالفة الذكر. وهنا نتساءل ” هل حولت كورونا الدور التشريعي للبرلمان إلى دور شكلي بعدما كان دورا رقابيا يساهم في صياغة القوانين، ولماذا لم يتم اعتماد التصويت الالكتروني أو اعتماد تقنيات التواصل عن بعد سواء في مناقشة مشاريع القوانين أو التصويت عليها”، وهنا لابد من الوقوف والتساؤل فيما يخص دستورية هذه المراسيم المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية التي دخلت حيز التنفيذ، و بالرجوع للمادة الثانية من المرسوم بالقانون المتعلق بإعلان حالة الطوارئ يتبين جليا عدم مطابقتها لأحكام الدستور، لأن إعلان حالة الطوارئ الصحية وفق الشكليات السالفة يمكن تبريره بحالة الإستعجال وتزامن ذلك مع الفترة الفاصلة بين دورتين تشريعيتين، لكن التمديد لا يمكن تبريره بالاستعجال ما كان لزاما معه سلك الطرق العادية في التشريع بعرضه على البرلمان وإلا سنجد أنفسنا أمام نصوص تنظيمية أسمى من نصوص تشريعية،
لابد من اعداد ترسنة قانونية منظمة، تحسبا لمثل هذه الظواهر و الآفات و ذلك ضمانا لسياسة تشريعية استباقية لتجنب الوقوع في هكذا اخطاء تشريعية، و كذا حفاظا على المكانة التي يكفلها الدستور للمؤسسات و احتراما اختصاصاتها و ترسيخا لمبادئ الدولة القانونية .