إشكالية تخفيض ساعات العمل في ظل وباء كورونا
للمشغل الحرية التامة في تنظيم وتسيير مؤسسته على الوجه الذي يرى أنه يكفل تطورها وإزدهارها وتقدمها في حالة الرخاء، أو يعمل على اتخاذ جميع الوسائل والقرارات على إنقاذها مما يعترضها من أزمات اقتصادية أو ظروف طارئة، في حالات الشدة، إلا ما حرمه القانون أو أوجبه ضمن شروط معينة.
وفي ظل ما يشهده العالم من إنتشار فيروس “كوفيد -19” لم يسلم بلدنا الحبيب من هذا الفيروس، حيث اعتبرته منظمة الصحة العالمية “جائحة”.
ومن المؤكد أن تفشي هذا الوباء يحتل مشهد الصدارة في هذه الأزمة، حيث لم تكن أغلب الشركات على المستوى الدولي والمستوى الوطني مهيأة لهذا الوضع، كما لم يكن أي أحد يتكهن في أي وقت من الأوقات بشكل تام بتوقف حركة الطيران والسياحة والقطاعات الصناعية الأخرى… زد على ذلك توقف العديد من المقاولات ما نتج عنه توقف العديد من الأجراء عن عملهم. فكان لكل هذه التحولات عدة نتائج على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ومن ضمنها الأزمات التي تلحق بالمشغلين.
وتماشيا مع ما أصبحت تعرف القطاعات الإنتاجية والصناعية والخدماتية من تراجع في مستوى أنشطتها، فقد عملت العديد من القطاعات على تخفيض ساعات العمل بالنسبة للعديد من أجرائها الشيء الذي يطرح أكثر من تساؤل حول المقاربة القانونية لهذه الوضعية.
فبالرجوع للتشريع المغربي نجد أنه سمح بتخفيض ساعات العمل في حالة تعرض المنشأة لأزمة اقتصادية عابرة أو ظروف طارئة خارجة عن الإرادة، غير أن السماح بهذا التخفيض يجب أن يحترم الشروط القانونية المقررة.
فالموازنة بين حق المشغل في الحفاظ على الوضع المالي للمقاولة باعتبارها حجرة زاوية في البناء الاقتصادي وضمانا لحماية النظام العام المتعلق بهذا الجانب، وبين حق الأجير في حماية حقوقه وعلى رأسها حقه في الأجرة الكاملة في ظل وضع فرض عليه التوقف عن العمل بالرغم من أنه لا دخل له فيه، هذه الموازنة تجعلنا نطرح التساؤل حول مدى أحقية الأجير في المطالبة بالأجرة الكاملة مع ما يتعلق بها من تعويضات بعد انقضاء الآثار المترتبة عن انتشار وباء كورونا، وما إذا كان من شأن رفض تمكينه من ذلك أن يعتبر بمثابة طرد مقنع ؟
تعتبر مدة الشغل الوقت الفعلي الذي يوجد فيه الأجير رهن إشارة المشغل، أي تلك الفترة الزمنية اليومية والأسبوعية التي يلتزم فيها الأجير بوضع خدماته تحت إمرة المشغل، لكن المشرع لم يكلف نفسه عناء توضيح المقصود بمدة الشغل الفعلية، بل حدد فقط سقف مدة العمل.[1]
غير أن المشغل قد يلجأ إلى فرض توقيت جديد للعمل داخل مقاولته بشكل يقلص من مدة الشغل المؤداة من طرف الأجراء بسبب وجود أزمة اقتصادية عابرة تعرقل السير العادي لنشاط المقاولة، أو لوجود ظروف طارئة خارجة عن إرادة المشغل[2]، باحترام هذا المشغل لشروط التخفيض والذي يختلف بحسب ما إذا كانت مدة لا تتجاوز 60 يوما في السنة أو تزيد عنها سواء كانت متصلة أو منفصلة، ووفقا للمادة 185 من مدونة الشغل :
في الحالة الأولى : إذا كانت مدة التخفيض من ساعات الشغل العادية لا تتجاوز 60 يوما في السنة لفترة متصلة أو منفصلة.
استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم.
وفي الحالة الثانية : إذا كانت مدة التخفيض من ساعات الشغل العادية تتجاوز 60 يوما.
وجوب إتفاق بين المشغل، ومندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم حول الفترة التي يستغرقها هذا التقليص.
وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق لا يسمح التقليص من مدة الشغل العادية
إلا بإذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم.
بالنسبة للأجر يؤدى عن مدة الشغل الفعلية على أن لا يقل في جميع الحالات عن 50% من الأجر العادي مالم تكن مقتضيات أكثر فائدة للأجراء، وفي هذا السياق قضى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في قرار له أن ساعات العمل المتفق عليه في عقد الشغل لا يجوز خفضها من طرف المشغل بإرادته المنفردة ، وإلا
حق للأجير المطالبة بالتعويض المناسب عن الضرر الحاصل من جراء هذا التخفيض. [3]
ومن جهة أخرى، حسب مقتضيات المادة 360 من مدونة الشغل يكون باطلا بقوة القانون كل اتفاق ، فرديا كان أو جماعيا، يرمي إلى تخفيض الأجر، إلى ما دون الحد الأدنى القانوني للأجر.
إذن فلا يمكن الحديث عن تخفيض الأجر إلى دون الحد الأدنى القانوني بعلة التقليص من مدة الشغل العادية نتيجة الأزمة الإقتصادية التي خلفها وباء
كورونا.[4]
فالإشكالية المطروحة بالنسبة للأجير : عند تخفيض ساعات العمل بالنسبة له ، يطالب بالتعويض عن الساعات المخفظة، بإعتباره طرد مقنع والمطالبة بالتعويضات المستحقة.
فعلاقة بالموضوع أن الإجتهاد القضائي لمحكمة النقض إستقر على أن الأجر يساوي العمل. فإذا جاء الأجير يطالب بالأجر عن الساعات المخفظة، وبالتالي المحكمة لن تقضي له بهذه الأجور، مادام هناك تخفيض لساعات العمل.
لكن إذا دفع الأجير بأنه طرد مقنع يطالب عن تعويضات بالطرد التعسفي وأكثر من هذا لقانون الإلتزامات والعقود لم ينسخ لازال قائما، ووفقا للفصل 735 من قانون الإلتزامات والعقود ، أنه من حق الأجير المطالبة بالتعويض عن الأجر، إذا كان الأجير وضع نفسه تجاه المشغل ولم يؤجر خدماته للغير وبالتالي يستحق التعويض عن الأجر .
خلاصة القول، فالقاضي يطبق القانون ووفقا للمادة 3 من قانون المسطرة المدنية أنه يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع او سبب هذه الطلبات، ويبت طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة. إذن فالقاضي مقيد بطلبات الأطراف وفقا للمقالات الإفتتاحية . فإذا طالب الأجير بالأجور ساعات المخفضة، واستنادا على قاعدة “العمل يساوي الأجر”، فإن المحكمة لن تقضي له بهذه الأجور مادام هناك قانون يقضي بتخفيض ساعات العمل.
أما إذا دافع بالطرد المقنع، يطالب بالطرد التعسفي تعويض عن الأجر في إطار 735 من قانون الإلتزامات والعقود فهنا المحكمة تقضي له بالتعويض عن الأجر.
فهنا ليست إشكالية لأن كل دعوى لها موضوعها يبت فيها القاضي وفقا للقانون.
المراجع :
[1] المادة 184 من مدونة الشغل
مليكة العراسي : الحماية القانونية للأجراء عند تقليص ساعات العمل، [2]
مقال منشور بمجلة الملف، العدد، 19، 2010 ، ص 187.
قرار المجلس الأعلى 452 الصادر بتاريخ 21 أبريل 2010 في الملف [3]
الإجتماعي عدد 2010/51/ 919 ، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 75، ص: 321.
محمد أوعيسى : تقليص مدة الشغل العادية _ الضمانات والأثار_ [4]
أطروحة لنيل العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة الأول، وجدة،
، ص 251.2014-2013