علاقة قانون الجنسية المغربية بقوانين المهن القانونية والقضائية
مقدمة:
يعتبر موضوع الجنسية من المواضيع التي شغلت فكر رجال الفقه و القانون في مختلف الدول لارتباط الوطيد بشكل الدولة، حيث أن من عناصر هذه الأخيرة السكان أو الشعب، الذي تربط بينهم روابط حضارية و ثقافية و اجتماعية…، هذه الروابط من الناحية القانونية هي الجنسية.
فالجنسية من المواضيع التي احتلت مكانة مرموقة في العلوم القانونية، لكن لم تعرفها أغلب التشريعات العالمية و منها المشريع المغربي، و إنما ترك الأمر لصاحب الاختصاص الأصيل الذي هو الفقه، و تعدد التعاريف التي أعطيت للجنسية لكنها لا تخرج على أنها تلك الرابطة القانونية والسياسية القائمة بين الفرد والدولة بحيث يصبح بموجبها أحد سكانها أو رعايها[1].
من هذا التعريف يتبين أن الفرد وبمجرد اكتسابه لجنسية يصبح تابعاً لدولة معينة ويتمتع بكافة الحقوق الوطنية وتقع على عاتقة واجبات، بمعنى أن الفرد عندما تمنح له أو يكتسب جنسية الدولة تنسبه لها وتعتبره واحداً من مواطنيها يتمتع بالحقوق وعليه الالتزامات[2].
ومن بين الحقوق التي لجميع المواطنين، الحق في الترشيح للمهن القانونية و القضائية، و هو ما نص عليه المشرع الدستوري في البند الثامن من الفصل 31 من الدستور 2011.
بناء عليه يعد من الحقوق الدستورية للمواطن حق في الولوج و ممارسة المهن القانونية و القضائية لدولة التي ينتمي إليها مع تقيده بالشروط التي وضعها المشرع المغربي المتعلقة بالانخراط أو بمزاولة تلك المهن و الوظائف ، من بين الشروط التي يجب توفرها في المرشح ما نص عليه الفصل الأول من ظهير الوظيفة العمومية الصادر 24 فبراير 1958 كما تم تعديله و تتميمه على أن” لكل مغربي الحق في الوصول إلى الوظائف العمومية على وجه المساواة…” وهو نفس الاتجاه الذي دأبت عليه القوانين التي تنظم المهن القانونية و القضائية الأخرى (المهن الحرة)، التي لا تخضع لقانون الوظيفة العمومية، ومنها النظام الأساسي للقضاة و القانون المتعلق بالتوثيق و قانون خطة العدالة و قانون المفوضين القضائيين و قانون الترجمان المقبول لدى المحاكم.
علاقة بذلك تبرز أهمية علاقة قانون الجنسية بالقوانين المنظمة للمهن القانونية و القضائية في أن الدور المهم الذي تلعب الجنسية كشرط لتولي المهن القانونية و القضائية و تأثير فقدها أو التجريد منها على الاستمرار في مزاولة تلك المهن.
يتضح مما سبق، أن هذا الموضوع يطرح إشكال رئيس يكمن في:
- مدى تأثير الجنسية المغربية كشرط لمزاولة المهن القانونية و القضائية؟
يتفرع على هذا الإشكال المركزي تساؤلات فرعية كما يلي:
- هل تعتبر الجنسية شرطا جوهريا لترشح للمهن القانونية و القضائية؟
- ما هي لآثار فقدان أو التجريد من الجنسية على الاستمرار في مزاولة المهن القانونية و القضائية؟
للإجابة على التساؤلات التي يثيرها هذا الموضوع يتعين تقسيمه على الشكل التالي:
المبحث الأول: شرط الجنسية للولوج الى المهن القانونية و القضائية.
المبحث الثاني: لآثار فقدان أو التجريد على مزاولة المهن القانونية و القضائية.
المبحث الأول: شرط الجنسية للولوج إلى المهن القانونية و القضائية.
تلعب المهن القانونية و القضائية دور مهم في تأطير الأفراد عند إقدامهم على مختلف التصرفات القانونية لهذا اهتم المشرع المغربي أيما اهتمام بها بحيث سن العديد من الشروط الأساسية للانخراط فيها.
وبين هذه الشروط شرط الجنسية سواء تعلق الأمر بتولي الوظائف العمومية أو بالمهن القانونية و القضائية الحرة، لهذا سنتطرق في المطلب الأول شرط الجنسية لتولي الوظائف العمومية تم نخصص المطلب الثاني لشرط الجنسية للانخراط في المهن القانونية و القضائية الحرة.
المطلب الأول: شرط الجنسية للولوج إلى الوظائف العمومية.
تعد الجنسية شرط أساسيا للانخراط في الوظائف العمومية، لهذا سنعالج هذا الشرط بقانون الوظيفة العمومية بالفقرة الأولى على أن نخصص الفقرة الثانية لشرط الجنسية في النظام الأساسي للقضاة كل ذلك على الشكل الآتي.
الفقرة الأولى: شرط الجنسية لممارسة الوظيفة العمومية.
نص المشرع بالفصل الأول من النظام الأساسي للوظيفة العمومية الصادر بتاريخ 24 فبراير 1956 كما تم تعديله تتميمه على أنه ” لكل مغربي الجنسية الحق في الوصول إلى الوظائف العمومية على وجه المساواة …” .
يتضح من خلال هذا المقتضى القانوني المهم المكانة التي أعطاها المشرع المغربي للجنسية، بالنسبة للراغب في الولوج إلى الوظيفة العمومية،حيث تعد الجنسية المغربية، شرطا أساسيا لتقلد مناصب بالوظيفة العمومية.
لكن السؤال الذي يجب طرحه ما طبيعة الجنسية ؟ هل الجنسية المغربية الأصلية أم المكتسبة ذلك؟
يتضح من الفصل أعلاه أن المشرع لم يحدد طبيعة الجنسية التي ينبغي توفرها للولوج إلى الوظيفة العمومية، لهذا يمكن لكل من له الجنسية المغربية أصلية أو مكتسبة الترشح لها.
وتكون الجنسية المغربية أصلية إما بناء على رابطة النسب أو البنوة أو بناء على رابطة الإقليم أو الولادة في المغربي[3] .
فيما يتعلق بالجنسية المغربية الأصلية المترتبة على رابطة النسب أو البنوة، نص الفصل 6 من قانون الجنسية المغربية على أنه:
” الجنسية المترتبة على النسب أو البنوة:
يعتبر مغربيا الولد المولود من أب مغربي أو أم مغربية “.
وتكون الجنسية المغربية الأصلية بناء على رابطة الإقليم أو الولادة في المغرب حسب مقتضيات الفصل 7 من قانون الجنسية المغربية، حيث جاء على أنه:
” الجنسية المترتبة على الولادة في المغرب:
يعتبر مغربيا الولد المولود في المغرب من أبوين مجهولين.
غير أن الولد المولود في المغرب من أبوين مجهولين يعد كأنه لم يكن مغربيا قط- إذا ثبت خلال قصوره- أن نسبه ينحدر من أجنبي كان يتمتع بالجنسية التي ينتمي إليها هذا الأجنبي طبق قانونه الوطني.
يعد مجهول الأبوين في المغرب مولودا فيه ما لم يثبت خلاف ذلك”.
أما الجنسية المكتسبة فقد حددت المشرع ثلاث طرق لاكتسابها، إما بحكم القانون أو عن طريق التجنيس أو بناء على استرجاع الجنسية.
ما يتعلق باكتساب الجنسية المغربية بحكم القانون فقد نص الفصلين 9 و 10 من القانون المشار إليه أعلاه على أنها تكون إما عن طريق الولادة في المغرب و الإقامة به أو بالكفالة أو عن طريق الزواج.
كما يمكن اكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس الذي تم تنظيم أحكامه في الفصول 12 و 13 و 14 من قانون الجنسية المغربية، حيث يجب التمييز بين التجنيس العادي و الاستثنائي.
إلى جانب الطريقين السابقتين يمكن اكتساب الجنسية المغربية عن طريق الاسترجاع الذي نظمه المشرع في الفصل الخامس عشر الذي ينص على أنه: ” يمكن تخويل استرجاع الجنسية المغربية بموجب مرسوم لكل شخص كان متمتعا بها كجنسية أصلية عندما يطلب ذلك.
تطبق في باب استرجاع الجنسية المقتضيات المقررة في الفصل الرابع عشر من هذا القانون.”
بناء عليه عندما يكتسب الأجنبي الجنسية المغربية مع مراعاة الأحكام المتعلقة بقيود الأهلية [4]المنصوص عليها في الفصل 17 من نفس القانون السابق الذكر، يمكن له الترشح للانخراط بالمهن القانون و القضائية وفق المسطرة العادية للولوج.
بعد تحليل شرط الجنسية في إطار قانون الوظيفة العمومية، نخصص الفقرة الموالية لشرط في النظام الأساسي للقضاة، حيث أنهم يخضعون بشكل أساسي لقانون الوظيفة العمومية.
الفقرة الثانية: شرط الجنسية المغربية للولوج إلى السلك القضائي.
تلعب السلطة القضائية دورا محورا بالدول حيث أسند لها مهمة أساسية و هي حماية الحقوق و الحريات وهو نص عليه الفصل 117 من الدستور المغربي الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011.
و بالرجوع إلى النظام الأساسي للقضاة نجده يشرط الجنسية المغربية للولوج لسلك القضائي وهو ما نصت عليه المادة السابعة منه حيث جاء بها ما يلي:
” يشترط في المرشح لولوج السلك القضائي:
- أن يكون من جنسية مغربية،
- أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية و ذا مروءة و سلوك حسن،
- ألا يكون مدانا قضائيا أو تأديبيا بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشرف و المروءة أو حسن السلوك و لو رد اعتباره،
- أن يكون متوفرا على شروط القدرة الصحية اللازمة للقيام بالمهام القضائية.”
من خلال البند الأول من المادة أعلاه، يتضح أن المشرع وعيا منه بأهمية أعضاء السلك القضائي جعل الجنسية المغربية شرطا أساسيا و مهما للانخراط فيه.
ويمكن ملاحظة أن شرط الجنسية المغربية الوارد في المادة أعلاه جاء عاما، لذلك يمكن أن يكون المرشح لسلك القضائي له الجنسية المغربية الأصلية أو المكتسبة .
بعد التطرق في هذا المطلب لمكانة الجنسية في النظام الأساسي للوظيفة العمومية و النظام الأساسي للقضاة نخصص المطلب الثاني شرط الجنسية المغربية في إطار القوانين المنظمة للمهن القانونية و القضائية الأخرى.
المطلب الثاني: شرط الجنسية عند الترشح للمهن القانونية و القضائية.
لا يشكك أحد في الدور المحوري الذي تلعبه المهن القانونية و القضائية في حماية حقوق الأفراد، لذلك يقيد المرشح للانخراط بها بضرورة توفره على الشروط الأساسية المنصوص عليها في القوانين المنظمة لها و من بين هذه الشروط شرط الجنسية المغربية.
نظرا لتعدد المهن القانونية و القضائية سنقوم بالتطرق لشرط الجنسية في علاقته بمهن التوثيق بالفقرة الأولى، و بالفقرة الثانية لشرط الجنسية في إطار قانون المفوضين القضائيين و الترجمان المقبول لدى المحاكم، كل ذلك كما يلي:
الفقرة الأولى: علاقة الجنسية بالولوج إلى مهن التوثيق.
تضرب مهنة التوثيق العدلي في عمق التاريخ الإسلامي، حيث أنها من بين المؤسسات التي كان بواسطتها توثق حقوق الأفراد، لكن مع التطور الذي عرفه العالم الإسلامي، و مع خضوعه الاستعمار المشين، سعت سلطات الحماية إلى إنشاء مؤسسة تحمي حقوق مواطنيها، بذلك تم تأسيس مؤسسة التوثيق إلى جانب التوثيق العدلي [5].
ونظم المشرع المغربي بالقانون رقم 16.03 خطة العدالة الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006، و يخضع التوثيق لقانون رقم 32.09 الصادر بتاريخ 26 أكتوبر 2011.
ونصت المادة الرابعة من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة على شروط الانخراط بها على أنه:
” يشترط في المرشح لممارسة خطة العدالة:
- أن يكون مسلما مغربيا مع مراعاة قيود الأهلية المشار إليها في قانون الجنسية المغربية…”
أما فيما يتعلق بالقانون رقم 32.09 المتعلق بالتوثيق، نص في المادة الثالثة منه على أنه:
“يشترط في المرشح لمهنة التوثيق أن يكون:
- مغربيا مع مراعاة قيود الأهلية المشار إليها في قانون الجنسية المغربية…”
من خلال ما ورد النص عليه في المادتين المذكورتين أعلاه تظهر العلاقة بين قانون الجنسية و قانون حطة العدالة و قانون التوثيق، حيث أن المشرع اشترط الجنسية المغربية في المترشح للولوج لخطة العدالة و إلى مهنة التوثيق.
كما أن المشرع لم يحدد طبيعة الجنسية المغربية الواجبة توفرها في المرشح لخطة العدالة أو التوثيق، لذلك يمكن أن تكون له الجنسية المغربية الأصلية أو الجنسية المغربية المكتسبة.
بالإضافة إلى شرط الجنسية المغربية التي وضعه المشرع للولوج لخطة العدالة الواردة في المادة 4 منه، تشترط بالإضافة إلى كون المرشح مغربي أن يكون مسلما، على خلاف المادة 3 من القانون المتعلق بمهنة التوثيق التي اشترطت الجنسية المغربية فقط دون تحديد معتقد المرشح.
الفقرة الثانية:الجنسية كشرط لترشح للمفوضين القضائيين و التراجمة.
نتطرق أولا لشرط الجنسية المغربية بقانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين، على أن نعالج شرط الجنسية في القانون المتعلق بمهنة الترجمان المقبول لدى المحاكم ثانيا.
أولا: شرط الجنسية بقانون المفوضين القضائيين.
تعد مهنة المفوض القضائي من المهن المساعدة للقضاء وهو ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 03.81 المتعلق بالمفوضين القضائيين.
لهذا الدور المحوري الذي يلعبه المفوضين القضائيين، ألزم المشرع المرشح للولوج لهذه المهنة ضرورة توفره على العديد من الشروط الأساسية التي نصت عليها المادة 4 من نفس القانون المشار إليه أعلاه على أنه ” يشترط في المرشح لمزاولة مهنة مفوض قضائي:
- أن يكون من جنسية مغربية،…”
من بين هذه الشروط شرط الجنسية المغربية، و لكن هذا المقتضى جاء عاما، و منه لم يحدد المشرع طبيعة الجنسية المغربية، هل هي أصلية أم مكتسبة، و بها يمكن القول بأنه يجب الأخذ به بعموميته.
قبل اختتام هذه النقطة، نهج المشرع في نفس القانون المشار إليه أعلاه في المادة 42 منه على أنه: ” يشترط في المرشح لمزاولة مهنة كاتب محلف ما يلي:
- أن يكون من جنسية مغربية…،”
من خلال المقتضى أعلاه، يتضح أن المشرع اشترط الجنسية المغربية في المرشح لمهنة مفوض قضائي، و يمكن أن تكون هذه الجنسية أصلية أو مكتسبة، لأن عبارات النص جاءت عامة.
و بالرجوع إلى نفس القانون المتعلق بالمفوضين القضائيين حددت المواد 43 و ما يليها المهام التي يقوم بها الكاتب المحلف، و التي هي بالأساس القيام بالمهام التي يقوم بها المفوض القضائي الذي يعمل لصالحه الكاتب المحلف.
و يستلزم أن تتوفر في الكاتب المحلف العديد من الشروط المنصوص عليها في المادة 42 من القانون رقم 81.03 المتعلق بالمفوضين القضائيين، التي منها شرط الجنسية المغربية.
ثانيا: مكانة الجنسية في القانون المتعلق بمهنة الترجمان المقبول لدى المحاكم المغربية.
نظم المشرع المغربي شروط و اختصاصات الترجمان المقبول لدى المحاكم بالقانون رقم 50.00 و حددت المادة الثالثة منه الشروط التي يتعين توفرها في المرشح، حيث نصت على أنه:
” يشترط في المرشح لممارسة مهنة ترجمان مقبول لدى المحاكم ما يلي:
- أن يكون مغربيا مع مراعاة قيود الأهلية المنصوص عليها في قانون الجنسية المغربية أو من رعايا دولة تربطها بالمملكة المغربية اتفاقيات تسمح لمواطني كل الدولتين بممارسة مهنة الترجمة لدى المحاكم في الدولة الأخرى…”
ومن خلال هذه المادة نجد أن المشرع ألزم المرشح ليكون ترجمان مقبول لدى المحاكم أن تكون له الجنسية المغربية سواء جنسيته أصلية أو مكتسبة.
كما أن المشرع أضاف مقتضى بالغ الأهمية حيث سمح للأجنبي المنتمي لدولة تربطها مع المغرب اتفاقيات دولية بممارسة مهنة الترجمان مقبول لدى المحاكم المغربية و بممارسة التراجمة المغاربة للمهنة بتلك الدول.
المبحث الثاني: آثار الفقدان أو التجريد من الجنسية على الاستمرار في مزاولة المهن القانونية و القضائية.
ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻫﻲ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﻭﻻﺀ ﻭ ﻭﻻﻳﺔ ﺗﺮﺑﻂ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺎ، ﻓﻬﻲ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﻭﻻﺀ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻮﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻃﺎﻋﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺭﺍﺑﻄﺔ ﻭﻻﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻮﺟﺐ ﻋﻠيها ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻪ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺧﺎﺭﺟﻬﺎ.
ويمكن للفرد أو الدولة هدم هذه الرابطة عن طريق فقدان أو التجريد من الجنسية، منه وضعت كل التشريعات هذه الآليات القانونية لتحلل من الرابطة القانونية التي تربط الفرد بالدولة التي ينتمي إليها حيث يترتب على ذلك العديد من الآثار القانونية.
هذه الآثار تكون أكثر وضوحا عندما يكون الفرد الذي فقدان الجنسية أو التجريد منها عندما يكون هذا المواطن ينتمي إلى أحد المهن القانونية و القضائية، حيث أنه يسري هذه الآثار على تلك الوظيفة أو المهنة التي ينتمي إليها.
من هنا تبرز الأهمية القصور لهذا الموضوع، أي مكانية الجنسية المغربية الأصلية أو المكتسبة في الاستمرار في مزاولة الوظيفة أو المهن القانونية و القضائية الأخرى التي ينتمي إليها.
و لمعالجة و تحليل هذا الموضوع نتطرق بالمطلب الأول للأحكام العامة لفقدان الجنسية و التجريد منها، على نخصص لآثار فقدان أو التجريد من الجنسية المغربية على الاستمرار في مزاولة المهن القانونية و القضائية المطلب الثاني.
المطلب الأول: الأحكام العامة لفقدان و التجريد من الجنسية المغربية.
تحتل الأحكام المنظمة لفقدان الجنسية أو التجريد مكانة متميزة في التشريع المغربي أو المقارن، حيث تترتب على ذلك أثار قانونية مهمة مما جعلنا نتطرق إلى أحكام فقدان الجنسية في الفقرة الأول، على أن نناقش التجريد من الجنسية في الفقرة الثانية.
الفقرة الأول: فقدان الجنسية المغربية الأصلية.
لم يعرف المشرع فقدان الجنسية المغربية لكنه ترك الأمر لصاحب الاختصاص الأصيل الذي هو الفقه، لذلك تعددت التعاريف التي أعطاها هذا الأخير لفقدان الجنسية لكن كلها لا تخرج عن أن فقدان هو سحب الجنسية من المواطن لأحد الأسباب التي حددها القانون بالتالي انتهاء الرابطة القانونية بينه و بين الدولة التي كان ينتمي إليها.
ونظم المشرع فقدان الجنسية في القسم الأول من الباب الرابع بالفصول من 19 و 20 و 21 من قانون الجنسية المغربية، حيث حدد حالاته و مسطرته و آثاره.
ومن خلال التحليل هذه الأحكام نجد أن المشرع المغربي كان صارما في هذه المسألة و لم يسعى إلى هدم الرابطة القانونية بين المملكة المغربية الشريفة و مواطنها، عن طريق وضع شروط لذلك.
الفقرة الثانية: التجريد من الجنسية المكتسية.
التجرد من الجنسية هو إجراء اختياري يقتضي رفع الصفة المغربية عن كل شخص كان قد اكتسابها بحكم القانون أو عن طريق التجبيس، متى ارتكب أحد الأفعال المنصوص عليها في الفصل الثاني والعشرين من قانون الجنسية المغربية.
ومنه يتبين بأن التجريد هو في طبيعته عقوبة تكميلية أو إضافية إلى العقوبة التي يمكن أن يعاقب بها وليس عقوبة أصلية، ولهذا السبب اعتبره المشرع إجراء اختياريا يمكن اللجوء إليه أو اكتفاء فقط بالعقوبة الأصلية المقرر للفعل الذي ارتكبه المجرم.
ومنه تطبيقا لمبدأ شرعية العقوبة، حدد المشرع الأسباب التي يمكن الاعتماد عليها لتجريد من الجنسية المغربية المكتسبة وهو ما أكده الفصل الثاني والعشرون من قانون الجنسية المغربية. و تنقسم أسباب التجريد من الجنسية إلى نوعين، أسباب ترجع تقديرها إلى القاضي الجنائي وأخرى يرجع تقديرها إلى الحكومة المغربية.
وإذا توفرت تلك الشروط و الأسباب التي حددها المشرع للفقدان أو التجريد من الجنسية المغربية يترتب على ذلك العديد من الآثار القانونية التي نص عليها الفصل 24 من قانون الجنسية المغربية، و هي ما سنعالجه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: آثار الفقدان أو التجريد على الاستمرار في ممارسة المهن القانونية و القضائية.
حدد المشرع من خلال الفصول 20 و 21 و 24 من قانون الجنسية المغربية الآثار العامة التي تترتب على فقدان أو التجريد من الجنسية المغربية.
علاقتا بذلك، يمكن أن يكون موضوع فقدان أو التجريد من الجنسية المغربية شخص ينتمي إلى مهنة أو وظيفة قانونية أو قضائية بالمغرب، مما يؤذي إلى سريان أثر الفقدان أو التجريد من الجنسية المغربية على وظيفته أو مهنته التي ينتمي إليها.
من هنا يتعين عليها طرح سؤال ما هو أثر فقدان أو التجريد من الجنسية المغربية على هذه المهنة أو الوظيفة التي ينتمي إليها الشخص الذي فقد أو تجرد من الجنسية المغربية؟
وبقراءة الأحكام المنظمة لكل من الفقدان و التجريد، يظهر لنا أنه ليس هنا فرق بينها في الآثار المترتبة على ممارسة المهن القانونية و القضائية، سواء تعلق الأمر بالوظيفة العمومية أو المهن القانونية و القضائية الحرة.
لهذا إن الأثر المباشر لفقدان الجنسية المغربية أو التجريد مها، هو الطرد أو المنع من الوظيفة العمومية أو المهنة القانونية أو القضائية التي ينتمي إليها، بمعنى عدم الاستمرار في مزاولتها، لأن المشرع المغربي قيد أو اشترط لتولي المهن القانونية و القضائية، أن تكون له الجنسية المغربية، لذلك أن فقدان أو التجريد من هذه الأخيرة يؤذي لا محال إلى انتفاء هذا الشرط و بالتالي الطرد أو المنع من الاستمرار في الوظيفة أو المهنة التي ينتمي إليها.
لكن متى يسري هذا الطرد أو المنع؟
إن الجواب على هذا السؤال يتعين علينا الرجوع إلى الفصول 20 من قانون الجنسية المغربية، نجده أن المشرع حدد تاريخ سريان أثر فقدان الجنسية المغربية الأصلية، حيث جاء سياق هذا الفصل على ما يلي:
“يسري أثر فقدان الجنسية المغربية ابتداء من:
أولا – تاريخ نشر المرسوم الذي يأذن بالتخلي عن الجنسية المغربية بالنسبة للأشخاص
الآتي ذكرهم:
- المغربي الراشد الذي اكتسب عن طواعية جنسية أجنبية في الخارج؛
- المغربي – ولو كان قاصرا – الذي له جنسية أجنبية أصلية؛
- المغربي الذي يؤدي مهمة أو يشغل وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في
جيش أجنبي إذا كان شغل هذه المهمة أو الوظيفة يتعارض مع المصلحة الوطنية، ويحتفظ بها أكثر من ستة أشهر بعدما تنذره الحكومة المغربية للتنازل عنها.
ولا يجوز إصدار مرسوم فقدان الجنسية بالنسبة للشخص الذي يؤدي مهمة أو يشغل
وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي، إلا بعد مرور ستة أشهر على
الإنذار الموجه إليه من طرف الحكومة بالتخلي عنها، وبشرط أن يسمح له بتقديم ملاحظاته
في هذا الشأن.
ويلغى هذا المرسوم فيما إذا ثبت أنه كان يستحيل على المعني بالأمر التخلي عن مهمته
أو عن وظيفته في الخارج داخل الأجل المحدد؛
ثانيا – تاريخ عقد الزواج بالنسبة للمرأة المغربية التي اكتسبت جنسية زوجها الأجنبي
بحكم الزواج؛
ثالثا – تاريخ التصريح المقدم بكيفية صحيحة من طرف المعني بالأمر والموجه إلى وزير العدل بالنسبة للشخص الذي اكتسب الجنسية المغربية إلى جانب أحد أبويه بمقتضى
نفس وثيقة التجنيس وكان يبلغ على الأقل 16سنة من عمره أثناء تجنيسه”.
إن ما يهما في هذا المقام، هو أن سريان تاريخ فقدان الجنسية المغربية الأصلية يبدأ من تاريخ نشر المرسوم الذي يأذن بالتخلي عنها، أو تاريخ عقد الزواج بالنسبة للمرأة المغربية التي اكتسبت جنسية زوجها الأجنبي بحكم الزواج.
أما فيما يتعلق بتاريخ سريان التجريد من الجنسية المغربية المكتسبة، فلم يحدد المشرع المغربي هذا التاريخ بصورة مباشرة، لكن يمكن استخلاصه من مقتضيات الفصل 23 من قانون الجنسية الذي جاء به “إذا كانت الجنسية المغربية قد خولت بمقتضى ظهير شريف فإن التجريد منها يتم كذلك بمقتضى ظهير. أما في جميع الأحوال الأخرى فيعلن عن التجريد بموجب مرسوم يتخذه المجلس الوزاري،
ولا يجوز صدور الأمر بالتجريد من الجنسية إلا بعد اطلاع المعني بالأمر على الإجراء المنوى اتخاذه ضده وإعطائه الفرصة ليقدم ملاحظاته.”
من خلال الفصل أعلاه، يمكن القول أن تاريخ سريان التجريد من الجنسية المغربية هو تاريخ نشر الظهير أو المرسوم بالجريدة الرسمية، قبل ذلك يجب أن يكون المعني بالأمر قد اطلع على أمر التجريد من الجنسية.
وبناء على ما تقدم، يكون المعني بالأمر مباشرة بعد فقدانه الجنسية المغربية أو التجريد منها، مطرود من الوظيفة أو المهنة التي ينتمي إليها من تاريخ سريان القفدان أو التجريد من جنسيته.
خاتمة:
حاولت من خلال هذا المقال إبراز مكانة الجنسية كشرط للانخراط أو ممارسة المهن القانونية و القضائية، عن طريقة التطرق إلى العلاقة بين كل من قانون الجنسية و القوانين المنظمة لتلك المهن، ومنه ظهرت أن الجنسية لها دور بارز عند الولوج أو الاستمرار في ممارسة لهذه المهن، حيث يترتب على فقدانها أو التجريد منها الطرد أو المنع من ممارسة تلك الوظيفة أو المهنة التي ينتمي إليها.
المراجع:
- أحمد زوكاغي ” أحكام التنازع بين القوانين في التشريع المغربي” الطبعة الثانية 2002، مطبعة الكرامة الرباط.
- غالب علي الداودي” القانون الدولي الخاص، الجنسية” دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، ،2011.
- محمد الشافعي ” الجنسية المغربية” سلسلة البحوث القانونية، المطبعة الورقية الوطنية، الطبعة الأولى مراكش.
- محمد كمال فهمي “أصول القانون الدولي الخاص” الدار المصرية للطباعة بالاسكندرية، طبعة 1955
- ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش، “القانون الدولي الخاص الأردني و المقارن”، مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع، الجزء الاول، دون الاشارة لسنة الطبعة.
- محمد المهدي “الجنسية المغربية في ضوء مستجدات القانون ،62” دار الآفاق المغربية، فاس، طبعة.2013
- محمد الربيعي ” التوثيق بين قانون 32.09 المتعلق بالتوثيق العصري و خطة العدالة 16.03″، مطبعة المعرفة مراكش، طبعة 2016 .
- جليلة الإدريسي “القانون الدولي الخاص” مكتبة قرطبة حي السلام، ط ،2014-2013
عبد الرزاق أيوب “الوجيز في القانون الدولي الخاص، الجنسية” ج ،1مكتبة قرطبة حي السلام، أكادير، ط غ م. - نورة غزلان الشنيوي: “القانون الدولي الخاص ” الطبعة الأولى. سنة 2011.
الإحالات
[1] محمد الشافعي ” الجنسية المغربية” سلسلة البحوث القانونية، المطبعة الورقية الوطنية، الطبعة الأولى مراكش/ الصفحة 12.
[2] أحمد زوكاغي ” أحكام التنازع بين القوانين في التشريع المغربي” الطبعة الثانية 2002، مطبعة الكرامة الرباط. الصفحة 26.
[3] ينص الفصل 5 من قانون الجنسية المغربية على أنه ” يقصد بعبارة في المغرب في منطوق قانون الجنسية المغربية مجموع التراب المغربي و المياه الإقليمية المغربية و السفن و الطائرات ذات الجنسية المغربية”.
[4] نتفصل في الأمر في المبحث الثاني بالمطلب الثاني عند معالجة آثار الجنسية المغربية.
[5] محمد الربيعي ” التوثيق بين قانون 32.09 المتعلق بالتوثيق العصري و خطة العدالة 16.03″، مطبعة المعرفة، طبعة 2016 مراكش. الصفحة 68.