التطليق للشقاق بين النص والتطبيق
مقدمة:
عرفت المنظومة القانونية المغربية في السنوات الأخيرة، العديد من الإصلاحات والتعديلات التي أدخلت على نصوصها، فرضتها التحولات الهيكلية العميقة التي عرفها المجتمع المغربي في جميع مناحي الحياة السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما اقتضتها مسألة ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المرتبطة أساسا بحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة والطفل خاصة، والتي وقع وصادق عليها المغرب والتزم دستوريا باحترامها[1].
وفي سياق هذه الاعتبارات الوطنية والدولية، صدر قانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة[2]، التي جاءت بالعديد من المستجدات الهامة لعل أبرزها إضافة سبب جديد لانحلال ميثاق الزوجية لم يكن موجودا في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ويتعلق الأمر بالشقاق الذي تم التنصيص عليه في المواد من 94 إلى 97 المعنونة “بالتطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق”.
وبالرجوع إلى المواد الآنفة الذكر، نجد على أنها لم تعمل على تعريفه، فتدارك الدليل العملي الذي أصدرته وزارة العدل ذلك فعرفه بأنه[3]: “ذلك الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين بدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية”، وهو التعريف الذي سبق للقضاء المغربي أن كرسه، حيث جاء في حكم[4] صادر عن المحكمة الابتدائية بالرماني ما يلي: “إن الشقاق هو الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية…بل هو مفهوم واسع عام لا يشمل حالة معينة”.
وبمقتضى القواعد المنظمة للشقاق، فإن المشرع حاول إيجاد نوع من التوازن فيما يخص صلاحية أي من الزوجين في إنهاء الرابطة الزوجية، وسلب من الزوج ذلك الامتياز الذي كان مخولا له باعتباره الوحيد المالك لسلطة إيقاع الطلاق بإرادة منفردة[5].
ويحظى موضوع التطليق للشقاق بأهمية بالغة في مدونة الأسرة، إن من الناحية النظرية أو من الناحية العملية؛ فعلى المستوى النظري تظهر أهمية التطليق للشقاق في مدونة الأسرة في كثرة الأبحاث الأكاديمية والندوات العلمية والمقالات والكتب التي كتبت حوله، إذ يمكن القول أن هذا الموضوع أخذ حصة الأسد من قيمة الأبحاث التي عنيت بمدونة الأسرة، ومن بينهم نحن الذين بدا لنا البحث في هذا الموضوع والإدلاء بدلونا في كثير من الإشكاليات التي يثيرها الموضوع. أما الأهمية العملية فتظهر بشكل ملفت للنظر، عند الإقتراب من أقسام قضاء الأسرة، لدرجة قد يخيل للمرء عند زيارته أول مرة لهذه المحاكم أن عقود الزواج آيلة للإضمحلال بحكم كثرة الطلبات التي تسجلها المحاكم يوميا لسبب الشقاق، وما الإحصائيات الصادرة في هذا الشق إلا دليلا على ذلك.
الأمر الذي يطرح معه التساؤل التالي: إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تكريس المساواة بين الزوجين في حل ميثاق الزوجية عن طريق مسطرة الشقاق بما يضمن استقرار الأسرة باعتبارها عماد المجتمع؟
وقصد الإجابة عن التساؤل المطروح، تم الاعتماد على المنهج الوصفي؛ حيث تم إدراج النصوص القانونية والآراء الفقهية في بعض مواضع هذا المقال المتواضع، بحيث يتم وصفها دون تغيير شيء من مضمونها ومحتواها.
إضافة إلى إعمال المنهج التحليلي، فكما هو معلوم فالتحليل في أي دراسة أمر ضروري حيث تم العمل على تحليل بعض النصوص القانونية والأحكام القضائية.
وكذلك إعمال المنهج الاستدلالي؛ والذي تم من خلاله استحضار العديد من الأدلة لتأييد
بعض الأفكار التي تم إيرادها، وكل ما سلف تم وفق التقسيم الثنائي التالي:
المبحث الأول: التطليق للشقاق بين ضرورة المساواة وإشكالية المغالاة
المبحث الثاني: تبعات التطليق للشقاق على الحقوق المالية لأفراد الأسرة
المبحث الأول: التطليق للشقاق بين ضرورة المساواة وإشكالية المغالاة
لعل، من أبرز الأهداف التي كانت وراء إعادة النظر في مدونة الأحوال الشخصية، محاولة الوصول إلى مساواة فعلية وقانونية بين الزوج والزوجة أساسا. وقد تمت ترجمة هذا التوجه من خلال المادة الرابعة من مدونة الأسرة والتي عرفت مؤسسة الزواج كما يلي: “الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين…”.[6]
وتستفاد هذه المساواة كذلك من المقتضيات المضمنة بالمادة المتعلقة بالحقوق المتبادلة بين الزوجين ومن أحكام طلب التطليق بسبب الشقاق وهي ما يهمنا في هذا الصدد.
وعليه سيتم معالجة هذا المبحث من خلال التطرق للفلسفة التشريعية للتطليق للشقاق (المطلب الأول)، ثم مدى مغالاة الأزواج في استعمالها لتصبح منفذ من لا منفذ له لإنهاء العلاقة الزوجية من عدمه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الفلسفة التشريعية للتطليق للشقاق
إن مسطرة الشقاق وضعت في الأصل من أجل حل النزاعات الزوجية التي يخشى منها استمرار الخلاف بين الزوجين؛ فهي تهدف بالأساس إلى إصلاح ذات البين بين الزوجين وليس فك ميثاق الزوجية، فتكون بذلك مسطرة إصلاحية وقائية (الفقرة الأولى).
الأمر الذي يطرح معه التساؤل عن وظيفتها العلاجية؛ أي هل حققت الغاية التي من أجلها جاء بها المشرع؟ وهو ما سيتم الحديث عنه في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الوظيفة الوقائية لمسطرة التطليق للشقاق
لم يتوخى المشرع المغربي من التنصيص على مسطرة الشقاق كمستجد بمدونة الأسرة، توسيع دائرة التطليق ولا تنويع إجراءاته ولا إيجاد متنفس للمرأة لفك ميثاق الزوجية وتدارك عنصر الزمن الذي تستغرقه باقي المساطر، وإنما يتوخى حماية الأسرة قبل أن تسقط مهابتها، فتكون المبادرة في علاج الشقاق قبل استفحاله.
وعليه، فمسطرة الشقاق في الأصل مسطرة وقائية إصلاحية بدليل أن المادة 94[7] من المدونة صريحة في تحديد موضوع طلب الزوجين أو أحدهما في حل النزاع الذي نشب بينهما قبل أن يصير شقاقا يؤدي إلى انحلال الرابطة الزوجية.
وبدليل أيضا، أن هذا الطلب يقدمه أحد الزوجين أو كلاهما يلتمسان فيه من المحكمة إصلاح ذات البين ومساعدتهما على إيجاد حل لخلافات نشأت بينهما يعتقدان أن استمرارها سيعصف باستقرار الأسرة، فالدور الأساسي المطلوب من المحكمة أن تضطلع به، ليس هو حسم النزاع بين الزوجين بالتفريق، وإنما بذل الجهد واستفراغ الوسع من أجل التوفيق بين الزوجين في دور وقائي استباقي[8].
الفقرة الثانية: الوظيفة العلاجية لمسطرة التطليق للشقاق
يعتبر التطليق للشقاق من بين المستجدات المهمة لمدونة الأسرة، كما أنه يشكل مكسبا للنساء؛ ذلك أن هذه المسطرة تمنح لهن نفس حق الرجال في إنهاء العلاقة الزوجية، على عكس مدونة الأحوال الشخصية سابقا التي كانت تجعل هذا الحق حكرا على الزوج، بينما الزوجة لا يمكنها الحصول على التطليق من زوجها إلا عن طريق مسطرة الخلع التي تقتضي أن تمنح الزوج مقابلا لكي يطلقها، أو عن طريق طلب التطليق للضرر فيكون عليها إثبات الضرر الذي يُلحِقه بها، وفي كلتا الحالتين كانت هذه العراقيل تشكل عنفا قانونيا على الزوجة الراغبة في إنهاء العلاقة الزوجية، كما تجعلها رهينة سلطة الزوج الممتنع عن طلاقها[9].
ومن أجل وضع حد لهذا الحيف الممارس على النساء، سعت مدونة الأسرة إلى إيجاد حل انطلاقا من قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}[10]؛ فأتت بمسطرة التطليق للشقاق التي تمكن كل واحد من الزوجين من اللجوء إلى المحكمة من أجل حل نزاع بينهما، وعليه فهي مسطرة صلح أساسا.
وأن أول سؤال قد يتبادر إلى ذهن القارئ لهذه النقطة، هو كيف يمكن وصف مسطرة التطليق للشقاق بالعلاجية مادامت تنتهي بانحلال ميثاق الزوجية؟ وبعبارة أخرى إلى أي حد يمكن القول على أن المسطرة الآنفة الذكر مسطرة علاجية؟
إن مصطلح العلاج، يكون مفهوما خطأ؛ إذا ما اقتصرناه على حالات بقاء العلاقة الزوجية قائمة ومستمرة، إذ أن هذه الغاية تستوعبها الوظيفة الوقائية التي تحدثنا عنها في السابق عند طلب الزوجين حل النزاع بشكل حبي عن طريق الوسائل القانونية المتوفرة، فبقاء الزوجين في شقاق دائم، هو في الحقيقة ضرر يضاهي ضرر انحلال ميثاق الزوجية.
وفي هذا المعنى جاء في حكم[11] لابتدائية سطات أنه: “..حيث لئن كانت المادة 97 من مدونة الأسرة سنت قاعدة التطليق في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، من منطلق أنه كلما فسد الحال بين الزوجين بانعدام التوافق والتآلف وحسن التعاشر، كانت المصلحة في القضاء بالفرقة بينهما واجبة لتزول المفسدة الحاصلة…”.
والأكثر من ذلك أن المشرع نفسه يلجأ في كثير من الأحيان -كما سنفصل في ذلك لاحقا- إلى هذه الوظيفة بالذات، باعتبارها الحل الوحيد والمنفذ الأخير لحماية مؤسسة الأسرة، ومنها مثلا الحالة التي يثبت فيها الزوج الشروط التي تبرر الحكم بتعدده وترفض الزوجة ذلك؛ إذ في هذه الحالة تقضي المحكمة تلقائيا بالتطليق للشقاق، بعدما عجزت الوظيفة الوقائية عن تحقيق مبتغاها[12].
ونفس الأمر أيضا ينطبق على الحالة التي يصر فيها أحد الزوجين على الإخلال بالواجبات المتبادلة بينهما والمنصوص عليها في المدونة، حيث يحق للطرف الآخر اللجوء الى مسطرة التطليق مباشرة لهذا السبب، وقس على ذلك حالة عدم قبول الزوجة للرجعة أو عدم استجابة الزوج لطلبها الخلع.
وبالإضافة إلى ما سبق، تظهر هذه الوظيفة العلاجية بشكل ملفت للنظر في عدول الزوج عن ممارسة حقه في الطلاق، ولجوئه إلى مسطرة التطليق للشقاق، إذ ما الغاية من وراء ذلك؟ أليس تحصين حقه في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يكون قد أصابه من الزوجة الذي لن يحصل عليه لولا لجوؤه إلى هذه المسطرة[13].
غير أن الوجه الآخر لهذه المسطرة، يمكن القول على أنها أضحت السبيل لكل راغب في فك الرابطة الزوجية بكل سرعة ويسر؛ وهو ما سيتم التفصيل فيه في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: التطليق للشقاق منفذ من لا منفذ له لإنهاء العلاقة الزوجية
يجد التطليق للشقاق أساسه التشريعي في المواد من 94 إلى 97 من مدونة الأسرة، وكذا مواد أخرى واردة في نفس المدونة.
وعليه، سيتم التطرق للتطليق للشقاق كطلب أصلي في (الفقرة الأولى)، على أن يتم التطرق للحالات العارضة له في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التطليق للشقاق كطلب أصلي
يجد التطليق بسبب الشقاق سنده القانوني في المواد من 94 إلى 97 من مدونة الأسرة وهي المواد المنظمة له؛ حيث تعتبر هذه المواد مسطرة أصلية يمكن الالتجاء إليها مباشرة لطلب التطليق.
وبالتالي، فهي تكون مسطرة أصلية عندما يتم فتحها من طرف أحد الزوجين أو هما معا لطلب التدخل بينهما من أجل إصلاح نزاع يخاف منه الشقاق أو لطلب التطليق مباشرة[14]، وذلك عبر تقديم أحدهما أو هما معا طلبا إلى المحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم فيها عقد الزواج.
ويجب أن يتضمن الطلب كل البيانات والشروط التي نص عليها الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية[15]، من وجوب تضمينه بأسماء الطرفين العائلية والشخصية، وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعي والمدعى عليه، كما يجب أن يُرْفِق طالب الشقاق دعواه بالمستندات التي تثبت دعواه، مع لزوم أداء الرسوم القضائية[16].
وبعد تسلم المحكمة للطلب، تقوم باستدعاء الطرفين وفقا للكيفية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية؛ ما دام أن المشرع قد سكت في مدونة الأسرة عن تبيانها كما أنه لم يحل إلى وجوب تطبيق مقتضيات المادة 81 من المدونة.
فإذا توصل طالب الشقاق بالاستدعاء ولم يحضر في التاريخ المحدد للنظر في دعوى الشقاق؛ ففي هذه الحالة يتعين على المحكمة التصريح بعدم قبول الطلب، وهذا ما كرسته المحكمة الابتدائية بالحسيمة في حكم[17] لها جاء فيه: “حيث إن طلب المدعية يهدف إلى الحكم بتطليقها من عصمة زوجها للشقاق نظرا لكثرة الخلافات والمشاكل الحاصلة بينهما.
وحيث تخلفت المدعية عن حضور جلسة الصلح التي عقدتها المحكمة بغرفة المشورة بتاريخ 29/06/2006 رغم التوصل بصفة شخصية.
وحيث إن مسطرة الشقاق هي مسطرة تصالحية وتقتضي حضور الطرفين لجلسة الصلح للتأكد من الخلاف القائم بينهما، والذي تعذر على المحكمة الوقوف عليه لتخلف المدعية، وبالتالي يتعين التصريح تبعا لما سبق بعدم قبول الطلب”.
أما إذا حضر الطرفان بصفة شخصية إلى المحكمة، يتعين على هذه الأخيرة السعي أقصى ما يمكن لإنقاذ العلاقة الزوجية من الانحلال؛ من خلال القيام بكل الإجراءات الضرورية لاستقصاء أسباب النزاع ومحاولة إصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود، وانتداب الحكمين، وتعيين مجلس العائلة، وغير ذلك مما ترى فيه فائدة في هذا الشأن[18].
وهكذا، فللمحكمة كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلح دون قيد أو شرط طبقا للمادة 82 التي أحالت عليها المادة 94 من المدونة، بل توسعت المادة 82 إلى أبعد من ذلك، وفتحت المجال لكل من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين بين الزوجين، والغاية من ذلك هو إجراء مسطرة صلح حقيقية وفعالة.
كما أن المادتين المشار إليهما أعلاه، منحا للمحكمة الحق الكامل في القيام بأكثر من محاولة للصلح كلما رأت ضرورة لذلك، خاصة في حالة وجود أطفال، على أن تفصل بين كل محاولة وأخرى مدة لا تقل عن ثلاثين يوما[19].
فإذا نتج عن تلك المحاولة ـ أو المحاولات عند وجود أطفال ـ صلح، تقوم المحكمة بتحرير محضر بذلك وتقوم بالإشهاد عليه، أما إذا تعذر الإصلاح واستمر الشقاق، فإنها تثبت ذلك في محضر وتحكم بالتطليق للشقاق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و84 و85 من مدونة الأسرة مع مراعاتها في ذلك مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفرقة، وفي هذا الصدد صدر عن المحكمة الابتدائية بطنجة حكم[20] جاء فيه: “…وحيث عملا بالمادة 97 من مدونة الأسرة، فإنه في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق تثبت ذلك المحكمة في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و84 و85 أعلاه مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر”.
وبالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 97 من المدونة، فإن المحكمة تبت في دعوى الشقاق في أجل لا يتعدى ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب[21]، بالرغم من أن المشرع لم يرتب على عدم احترام هذا الأجل أي جزاء يذكر.
وبمجرد صدور الحكم في دعوى التطليق للشقاق، تنتهي العلاقة الزوجية فورا، فالحكم بالتطليق للشقاق يقع بائنا[22] كما جاء في حكم[23] لابتدائية السمارة: “…وحيث إن كل طلاق قضت به المحكمة فهو بائن إلا في حالتي التطليق للإيلاء وعدم الإنفاق ويبدأ سريان العدة من تاريخ صدور الحكم بالتطليق وتنتهي عدة الحامل بوضع حملها أو سقوطه وتعتد غير الحامل بثلاثة أطهر كاملة لذوات الحيض مع مراعاة باقي مقتضيات المادة 136 من مدونة الأسرة…”.
إضافة إلى حكم[24] لابتدائية الرشيدية قسم قضاء الأسرة جاء فيه: “…وحيث أن كل طلاق قضت به المحكمة فهو بائن إلا في حالتي التطليق للإيلاء وعدم الإنفاق طبقا للمادة 122 من مدونة الأسرة”.
وبالتالي، لا يجوز إرجاع المطلقة للشقاق إلا بموجب عقد جديد مستوف لشروطه القانونية[25].
الفقرة الثانية: الحالات العارضة للتطليق للشقاق
تشكل الحالات التي يحيل بشأنها المشرع من خلال بعض مواد مدونة الأسرة على مسطرة الشقاق حالات عارضة لهذه الأخيرة، وبتعبير أدق تطبيقات للسبب الرئيسي المتمثل في وجود نزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق؛ إذ تتحدد فيما يلي:
- الحالة الأولى: حالة التعدد، فعلى هدي باقي التشريعات الأخرى وتماشيا مع
روح الشريعة الإسلامية، خول المشرع المغربي للمرأة حق فك عصمة الزواج إذا أراد زوجها الاقتران بزيجة أخرى، بل ذهب إلى أكثر من ذلك ومنح للقضاء إمكانية اللجوء إلى مسطرة التطليق للشقاق مباشرة وبشكل تلقائي حالة إذا عجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين، وهي حالة إذا بقي الزوج متشبثا برغبته في التعدد ومقابلة ذلك بإصرار الزوجة على رفضها منحه الموافقة[26]، فقد جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 45 من مدونة الأسرة ما يلي: “فإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97…”.
وعليه، يتضح من المقتضى الآنف الذكر، أن المحكمة ملزمة بتطبيق مسطرة الشقاق تلقائيا عندما يتعلق الأمر بطلب التعدد وإصرار الزوجة على عدم الموافقة، وتدخلها في هذه الحالة يكون دونما حاجة إلى إثارته من لدن الأطراف أصحاب المصلحة، ويعتبر تدخل المحكمة في هذه الحالة وبدون طلب لافتتاح مسطرة الشقاق خروجا عن الحياد الذي تفرضه طبيعة وظيفتها والبت في حدود طلبات الأطراف[27]، فيجب على المحكمة ألا تنصب نفسها مطالبة بحقوق أحد طرفي النزاع.
وهذه المسطرة تعطى لها الأولوية، لأنها قد تنتهي بالصلح واستمرار العلاقة الزوجية دون تعدد، أو قد تنتهي بالتطليق وفي هذه الحالة يسلك الزوج لزواجه المسطرة العادية[28].
- الحالة الثانية: إخلال أحد الزوجين بواجباته، والتي تجد سندها في المادة 52 من
المدونة؛ حيث جاء فيها على أنه: “عند إصرار أحد الزوجين على الإخلال بالواجبات المشار إليها في المادة السابقة، يمكن للطرف الآخر المطالبة بتنفيذ ما هو ملزم به، أو اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97″.
ويتضح من خلال هذه المادة؛ أنه يحق للمتضرر من الإخلال بأي من الالتزامات المنصوص عليها في المادة 51[29] والمفروضة على كل واحد من الزوجين، اللجوء إلى القضاء لإلزام المخل بالتنفيذ العيني متى كان ممكنا، وإذا أصر على الامتناع وكان تدخله الشخصي في الالتزام ضروريا أمكن للزوج الآخر طلب التطليق طبق مسطرة الشقاق[30].
ويلاحظ أن المشرع المغربي في المادة 52، اقتصر على الإخلال بالواجبات دون الحقوق، لكون حق التوارث لا يمكن عند الإخلال به من أحد الزوجين أن تنشأ عنه مسطرة الشقاق[31]؛ فلا يمكن تصوره إلا بعد موت أحد الطرفين الزوج أو الزوجة.
- الحالة الثالثة: عدم إثبات الزوجة للضرر الموجب للتطليق، ذلك أنه على الزوجة
التي ترفع دعوى التطليق للضرر، أن تثبته وهو أمر ليس بالهين، لأن الأضرار التي قد تلحقها من سب وشتم وكلام فاحش وضرب، قد لا يطلع عليه أحد؛ نظرا لخصوصيتها ولأن هذه الأضرار تقع داخل بيت الزوجية[32].
وعليه، فإذا لم تستطع إثبات الضرر، أو أن الوسائل الإثباتية المدلى بها غير كافية ولم تكون قناعة كافية للقاضي، وأصرت على طلب التطليق في هذه الحالة يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق استنادا للفقرة الأخيرة من المادة 100 من المدونة التي نصت على أنه: “إذا لم تثبت الزوجة الضرر، وأصرت على طلب التطليق، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق”.
ويكون لجوء الزوجة إلى مسطرة الشقاق في هذه الحالة عن طريق رفعها لمقال إصلاحي؛ إذ لا يعقل أن يقدم ذلك بمقتضى مقال أصلي وإلا كان تطليقا للشقاق عاديا أي أصليا وليس عارضا أو تبعيا، وكذلك بمقتضى مقال إضافي؛ إذ لا يعقل أن يقدم طلب نوعين من التطليق في نفس الوقت بمقتضى مقال أصلي وإضافي، فيكون المسلك الطبيعي لذلك هو مقال إصلاحي يَجُبُّ ما قبله[33].
الحالة الرابعة: عدم استجابة الزوج لطلب الخلع[34] المقدم من طرف الزوجة، وأساسها القانوني الفقرة الأخيرة من المادة 120 من المدونة التي جاء فيها على أنه: “إذا أصرت الزوجة على طلب الخلع، ولم يستجب لها الزوج، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق”.
وبالرجوع إلى الدليل العملي لمدونة الأسرة، نجد أنه في إطار شرحه للمقتضى الآنف الذكر جاء فيه: “وفي حالة إصرار الزوجة على طلب الخلع وعدم استجابة الزوج لذلك فيمكن البت في الطلب على أساس الشقاق دون حاجة إلى فتح ملف جديد في الموضوع”[35].
الأمر الذي يفهم معه، أن المحكمة يجوز لها كذلك أن تطلب الشقاق تلقائيا في حالة إصرار الزوجة على طلب الخلع وعدم استجابة الزوج لها.
إلا أن بعض الفقه[36]، والذي نشاطره الرأي، يرى أن هذا الموقف غير سليم، واعتبره تحميلا للنص لأكثر مما يحتمل؛ ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 120 واضحة، ولم يستعمل فيها المشرع نفس الصياغة التي استعملها في المادة 45 بقوله فيها: “فإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق…”.
- الحالة الخامسة: رفض الزوجة للرجعة، فالمطلقة رجعيا في حكم الزوجة، حيث
يمكن للزوج أن يراجعها متى شاء في فترة العدة.
وقد اشترطت مدونة الأسرة أن يتم الإشهاد على ذلك من طرف عدلين؛ وذلك لتوثيق الرجعة وإثباتها ووضع حد للنزاعات الناشئة في هذا الصدد. وهكذا فإنهما يخبران القاضي فورا بالإشهاد، وهذا الأخير قبل الخطاب على وثيقة الرجعة، يستدعي الزوجة ويخبرها بذلك؛ فإن وافقت فإنها تعود لزوجها، وإن رفضت الرجوع له كونه يسيء لها أو فضلت الابتعاد عنه درءاً للمتاعب والأضرار أو أصبحت لا تطيقه وغير ذلك من الأسباب التي تجعلها لا ترى ضرورة العودة[37]، ففي هذه الحالة يمكنها ممارسة “حق الفيتو”[38] لتعطيل مسطرة الرجعة بالالتجاء لمسطرة التطليق للشقاق؛ والذي خوله لها المشرع بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 124 من مدونة الأسرة[39].
وفي ختام هذا المبحث، يمكن القول أن المشرع المغربي ورغبة منه في تكريس المساواة في انحلال ميثاق الزوجية جاء بمسطرة التطليق للشقاق التي يمكن لأي من الزوجين سلوكها.
غير أن التطبيق العملي لها أبان عن مغالاة الأزواج في استعمالها؛ ذلك أن الزوجة أصبحت تفضل اللجوء لها بدلا من غيرها من أنواع التطليقات المنصوص عليها في المادة 98 من المدونة، لكون أن هذه الدعوى تعفيها من إثبات ما تدعيه. كما أن نتيجتها مضمونة، إذ أنها تنتهي بالتطليق كلما فشلت محاولة الصلح؛ فصارت بذلك غطاء تستظل به كافة الأنواع الأخرى للتطليق[40].
أما فيما يتعلق بمغالاة الزوج، فيتمثل في أنه أصبح يلجأ لمسطرة التطليق للشقاق عوض طلب الحصول على إذن بالطلاق مما قلص من عدد هذه الطلبات؛ وذلك لكونه سيستفيد من مرونة هذه المسطرة، وسيعفى من أداء نفقة طليقته خلال العدة والتي سيفصل فيها في محور من محاور المبحث الموالي؛ الأمر الذي يمكن القول معه أن مسطرة الشقاق أصبحت منفذ من لا منفذ له لإنهاء العلاقة الزوجية.
المبحث الثاني: تبعات التطليق للشقاق على الحقوق المالية لأفراد الأسرة
ما الأسرة في حقيقتها سوى نتاج عقد وصفه المشرع “بالميثاق”، تمييزا له عن غيره من العقود نظرا لقدسيته الإلهية، ولأنه كذلك، ولاختلاف المقاصد والآثار المترتبة عنه “أي الأسرة بمفهومها العام” أفرد له قواعد قانونية متميزة مراعاة لخصوصيته، بدءا من نشأته ثم مرحلة سريانه، وأخيرا نهايته، وهذه الأخيرة كذلك قد تكون طبيعية؛ أي الوفاة وما ينتج عنها من تركة، أو قبل أوانها أي غير طبيعية؛ من خلال طرق حل ميثاق الزوجية ولعل أبرزها التطليق بطلب من الزوجين أو أحدهما بسبب الشقاق.
والتطليق للشقاق سواء مارسه الزوج أو الزوجة، يرتب مجموعة من الآثار عليهما معا، أحال المشرع بخصوصها على تلك المترتبة عن الطلاق الذي يوقعه الزوج، منها خصوصا النفقة والمتعة والصداق، وكذا التعويض عن الضرر الذي يصيب الطرف الآخر في حال تعسف طالبه في توقيعه (المطلب الثاني)، كما يرتب هذا النوع من أنواع انحلال ميثاق الزوجية آثاره على باقي أفراد الأسرة، أولهم الأطفال منها سكنى المحضون ونفقته كذلك (المطلب الأول).
المطلب الأول: تبعات التطليق للشقاق على ثمرة العلاقة الزوجية “الأطفال”
يعتبر الأطفال، هم بالأساس ثمرة العلاقة الزوجية، والمقصودين بالدرجة الأولى من تعريف المادة الرابعة لمؤسسة الزواج، على اعتبار أن الوظيفة الرئيسية لهذه الأخيرة، هي قبل كل شيء وظيفة إنجابية، قبل غيرها من الوظائف الأخرى -وإن كانت هذه الوظيفة أصبحت تتراجع في عصرنا هذا- لذلك نجد مدونة الأسرة عنت كثير الإهتمام بهم، وذلك سواء من خلال قيام العلاقة الزوجية أو بعد انفصالها بشتى طرق انحلال ميثاق الزوجية، فجعلت مستحقاتهم من صميم الحكم القاضي بالتطليق طبقا للمادة 85 من المدونة، وعلى الأخص حقهم في النفقة الواجبة على والديهما معا (الفقرة الأولى)، وكذا حق الطفل المحضون في السكنى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حق الطفل في النفقة
لم يفرد المشرع المغربي أي مقتضيات خاصة لمستحقات الأطفال عند التطليق للشقاق، وإنما أحال في ذلك على ما هو مستحق لهم عند ممارسة أبيهم لحقه في الطلاق، المنصوص عليها في المادة 85 من المدونة، وهذا بطبيعة الحال بعد استنفاذ الطرق الحبية والقضائية للصلح، وفي حالتنا هذه مرتين على الأقل كما سبق بيانه في الشق الأول من الموضوع، باعتبارها مرحلة وقائية لمؤسسة الصلاح أو التوفيق ما أمكن وعدم فعاليتها، فلم يعد من ثم حل سوى اللجوء إلى الطرق العلاجية، ليس لعقد الزواج في حد ذاته، وإنما للأسرة في آخر المطاف، وعلى رأسهم الأطفال.
وبالعودة إلى المادة الإطار المحددة للمستحقات الواجب على المحكمة الحكم بها للأطفال عند الحسم بإنهاء العلاقة الزوجية، ونقصد المادة 85 من المدونة السالفة الذكر، نجدها تنص على أنه: “تحدد مستحقات الأطفال الملزم بنفقتهم طبقا للمادتين 168 و190 بعده، مع مراعاة الوضعية المعيشية والتعليمية التي كانوا عليها قبل الطلاق”.
وبالتمعن في هذه المادة نجدها تحيل على حقين أساسيين للأطفال، يدينون بهما آباءهما قبل و/أو بعد انحلال ميثاق الزوجية، ألا وهما حق الطفل في النفقة وكذا الحق في السكنى المفروض للمحضون، والذين قيدت بشأنهما المحكمة عند بتها في دعوى التطليق للشقاق، بمراعاتها للوضعية التعليمية والمعيشية التي كانوا يعيشونها من قبل.
ويقصد بالنفقة لغة: الإخراج والذهاب، يقال نفقت الذابة، إذا خرجت من ملك صاحبها بالبيع أو الهلاك، كما يقال إذا راجت بالبيع، وجمعها نفقات. أما في اصطلاح الفقهاء فهي إخراج الشخص مؤونة من تجب عليه نفقته من طعام وكسوة وعلاج ومسكن ونحو ذلك.
هكذا فبعدما جعلت مدونة الأسرة، الأصل أن نفقة كل إنسان من ماله[41]، ولا تجب على الشخص نفقة غيره إلا بعدما يكون له مقدار نفسه، مع افتراض ملاءة الذمة دائما[42]، مادام العكس لم يثبت[43]، ألزمت المادة 198 من المدونة الأب بالاستمرار في الإنفاق على أولاده إلى غاية بلوغهم سن الرشد القانوني[44].
غير أن السؤال الذي يبقى مشروعا طرحه في هذا الشق، هو مدى إمكانية إلزام الأب بالإنفاق على ولده غير البالغ سن الرشد بالرغم من توفره على الكسب؟
الظاهر من عمومية ألفاظ المادة 198 السالفة الذكر؛ الأساس القانوني لواجب النفقة على الأب تجاه أولاده، أن هذا الأخير ملزم بالإنفاق على أبنائه القصر طالما لم يبلغوا سن الرشد القانوني، بغض النظر عن توفر الإبن على الكسب من عدمه، إذ الواجب يظل كذلك ولا يسوغ التحلل منه إلا بتوفر أسباب الرفع، وهو البلوغ في النفقة.
غير أن هذا التفسير مردود ومجانب للصواب في اعتقادنا، فالظاهر لنا أن محاولة الجواب عن التساؤل المثار لا ينبغي أن يقتصر على ألفاظ المادة بشكل منفرد، وإنما لابد حسب القاعدة القائلة “أن القانون يفهم في شموليته”، من قراءة مواد أخرى أكثر ارتباط بهذه المادة، ويتعلق الأمر أولا بالمادة 143 من مدونة الشغل التي جعلت السن القانوني كأصل للبدء في العمل، هو خمسة عشر (15) سنة[45]، وعليه فإن خروج القاصر للعمل وتخليه عن دراسته، يعتبر من الأسباب الجدية المسقطة للنفقة عن الأب، لانتقال وضعية الطفل من عاجز إلى موسر[46]، يمكن مطالبته هو بنفقة والده بعدما يثبت عسره[47].
كما أنه ومن جهة أخرى، فلا شك أن مدونة الأسرة نفسها أباحت زواج من لم يبلغ سن الرشد القانوني عند توفر المبررات الكامنة لذلك[48]، فيكون من غير المنطقي إلزام الأب بالإنفاق على أسرتين في نفس الوقت، إذ النفقة في هذه الحالة تسقط بالزواج، سواء تعلق الأمر بذكر أو بأنثى كما سنرى، وهذا مستفاد من الأحكام العامة للقانون بالرغم من عدم النص عليه صراحة.
كما أوجد المشرع في نفس المادة 198 السالفة الذكر، أن ينص على بعض الإستثناءات التي يبقى فيها الأب ملزما بالإنفاق على أولاده بالرغم من بلوغهم سن الرشد القانوني، ويتعلق الأمر بالمتابع لدراسته[49] في حدود سن الخامسة والعشرين من عمره، وهو ما يعني أن النفقة في هذه الحالة تسقط ببلوغ الولد السن المذكور حتى ولو استمر في متابعة دراسته، الأمر الذي دفع أحد الباحثين إلى حث المشرع، أمام اختلاف الواقع عن القانون، وذلك بتعود الآباء بالإنفاق على أولادهم المتابعين لدراستهم الجامعية بالرغم من بلوغهم السن المذكور، على مراعاة هذا المعطى ومسايرته بتبنيه في المدونة[50]، شريطة أن يكون هؤلاء جديين في دراستهم وغير مكتفيين بشهادة التسجيل السنوية[51].
وبالإضافة إلى ذلك يلتزم الأب بالإنفاق على بناته إلى حين زواجهن؛ حيث والحالة هذه تجب نفقتهن على أزواجهن بمجرد الدخول أو الدعوة إلى ذلك بوجود عقد صحيح[52]، كما تسقط أيضا بتوفرها على الكسب أي خروجها للعمل مثلا واستقلالها المادي[53].
وأخيرا، يبقى الأب ملزما بقوة النص، بالإنفاق على أولاده المعاقين العاجزين عن الكسب؛ إذ خلافا لما ذهب إليه أحد الباحثين[54]، أن النفقة في هذه الحالة مشروطة بتوفر مسألتين هما أولا؛ الإعاقة سواء ذهنية[55] أو جسدية[56]، وثانيا عجزهم عن الكسب، إذ ما الغاية من تحديد سن البلوغ لسقوط النفقة إذا كان من حق الولد الإستفادة منها طالما أنه عاجز عن الكسب!؟
هذا، وتشمل النفقة حسب مقتضيات المادة 189 من المدونة: “الغذاء والكسوة والعلاج وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد، مع مراعاة أحكام المادة 168”.
والملاحظ من هذه المادة الإطار التي تحكم ما ينبغي أن يشمل عليه الحكم القاضي بالنفقة للأولاد، بعد انحلال ميثاق الزوجية (أو قبله)، أنها جعلت من أولوياتها الغذاء والعلاج والكسوة باعتبارهم من المسائل التي لا غنى عنها في الحياة اليومية للفرد، أردف مصطلح واسع يشمل كل ما من شأنه أن يفلت من الحاجيات الرئيسية المنصوص عليها سلفا، من خلال نصه على “ما يعتبر من الضروريات” يطوعه القاضي حسب سلطته التقديرية في كل ما جد واستجد من ظروف الحال حسب كل قضية على حدة.
وقد طرح في هذا الإطار تساؤل حول نطاق العلاج المقصود من المادة، إذ هل من شأنه استيعاب حالة الولد الذي تطلبت حالته الصحية علاجا بسبب إعاقة جسدية طرأت بعد بلوغه السن القانوني المحدد للنفقة؟
في هذا الصدد، جاء في قرار لاستئنافية أكادير في قضية عرضت عليها من طرف مطلقة تطالب الزوج باسترجاع مبالغ المصروفات التي أنفقتها في سبيل إجراء عملية جراحية لابنهما الذي أصيب بإعاقة بعد بلوغه سن النفقة، مدعية أن مصاريف العلاج واجبة على الأب باعتباره المكلف بالنفقة، فجاء تعليل المحكمة بما يلي: “…حيث..بالرغم مما أشارت إليه المدعية في استئنافها من أن الأمر يتعلق بواقع إعاقة الإبن وظروفه الصحية والإنسانية وأن الأمر لا يتعلق بالمطالبة بالنفقة وإنما بأدائها ما صرفته من وسائل التطبيب والعلاج، فإن ذلك يتطلب تحقق أساس إلزام الأب بأداء ما صرف على ابنه، وهو ما ليس متحققا في النازلة، مادامت الذمة المالية للأب مستقلة على الذمة المالية لابنه وعلى الذمة المالية لوالد الابن المذكور”[57]، وهو قرار صائب يتماشى وروح النص القانوني وما استقر عليه الفقه المالكي كذلك[58].
هذا بخصوص مشتملات نفقة الأولاد، أما فيما يخص أسس تقدير النفقة، فإنه بالعودة دائما إلى نفس المادة 189 نجدها تضع مجموعة من المعايير التي ينبغي أن يعتمد عليها القاضي عند حكمه بالنفقة الواجبة للأولاد، مع مراعاة دائما المادة 85 التي وضعت قاعدة الأخذ بعين الاعتبار الوضعية التعليمية والمعيشية التي كانوا عليها قبل انحلال ميثاق الزوجية، إن بالطلاق أو بالتطليق.
وعليه، يعتمد القاضي في سبيل تقديره لمبلغ النفقة الواجبة للأبناء، على التوسط والاعتدال كمعيار أول، إذ لا ضرر ولا مغالاة في النفقة، كما يعتمد على دخل الملزم بالنفقة وحال الولد المستحق لها، إذ بناء على هذا المعيار الأخير، أن التقدير القانوني للنفقة يجب أن يكون على وضعية الأب أو الأم المُنفِقة، وكذا الوضعية المالية للابن المطالِب بالنفقة[59]، وكذا مستوى الأسعار وأعراف وعوائد الوسط التي ستفرض فيه مع إمكانية اللجوء إلى خبرة.
في هذا الصدد، ذهبت محكمة الاستئناف بالناظور إلى تأييد الحكم الابتدائي الذي راعى بعين الاعتبار التعويضات العائلية والمنح التي تعطى للولد، حيث جاء في قرارها: “..حيث إذا كانت التعويضات التي تمنح للابن من طرف المصالح الإجتماعية لا تدخل ضمن النفقة التي تجب على الأب لأبنائه إلى أن يحدث ما يسقطها عنه شرعا، فإن ذلك لا يمنع من إدخالها في الاعتبار عند تقدير مبلغ النفقة…”[60].
الفقرة الثانية: حق الطفل المحضون في السكنى
بالعودة دائما إلى المادة 85 من المدونة الإطار العام للمستحقات الواجبة للأطفال عند الحكم بانحلال ميثاق الزوجية، نجدها تحيل، بالإضافة إلى مقتضيات النفقة التي سبق بيانها، على مقتضيات المادة 168 من نفس المدونة التي جاء في فقرتها الأولى مايلي: “تعتبر تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما…”.
فأول تساؤل يتبادر إلى ذهن قارئ هذه المادة، هو لماذا فصل المشرع المغربي تكاليف سكنى المحضون عن مشتملات النفقة؟
إن الجواب عن هذا التساؤل، يقتضي منا الرجوع إلى الوراء، إذ كلما استشكل الأمر ينبغي العودة إلى السياق والظروف والأسباب التي وضع لأجلها النص، حيث يمكن القول مع أحد الباحثين[61] أن موقف المشرع بهذا الخصوص جاء كرد فعل على التضارب الذي عرفته اجتهادات المجلس الأعلى في السابق، ومحاكم الموضوع بالتبعية، فمن جهة كان الإجتهاد قارا حول اعتبار سكنى المحضون من مشتملات النفقة، وهو ما كان له من جهة أخرى بالغ الأثر على اجتهاد المجلس فيما يخص إفراغ الأم الحاضنة من محل السكنى الواجبة للأطفال من عدمه[62].
وانطلاقا مما سبق يمكن القول، أن مدونة الأسرة بتبنيها هذا التوجه تكون قد عملت قدر الإمكان على حل الإشكال الذي كان محل جدل في السابق، وذلك من خلال التمييز بين فرضيتين:
- الفرضية الأولى؛ تكون فيها الحضانة للأم، ففي هذه الحالة، يكون من غير
المنطقي أن تحكم بإفراغها من السكنى المخصص للمحضون وذلك بغض النظر عن انتهاء عدتها من عدمه.
- الفرضية الثانية؛ تكون فيها الحضانة للأب، وفي هذه الحالة هو حر في إبقاء
أبنائه معه، مادام “اضطرار أبنائه للسكنى جزء من اضطراره هو”، حسب قرار لمحكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)[63]، أو توفير محل سكنى لائق لهم ولوضعيتهم المعيشية التي كانوا عليها قبل التطليق للشقاق، وفي هذه الحالة الأخيرة لا حق للأم غير الحاضنة والمنتهية عدتها، من السكن مع أبنائها، حيث يعتبر سكناها حينئذ احتلال يستوجب ويبرر الحكم بالإفراغ[64].
والملاحظ من خلال هذا التوجه الذي سارت عليه مدونة الأسرة بموجب المادة 168 منها، أنها سلكت في ذلك مسلك التشريعات العربية المقارنة، لا سيما منها المادة 56 من المجلة التونسية للأحوال الشخصية وكذا المادة 54 من التشريع الأسري المصري وغيرها من التشريعات.
وحماية من المشرع لحق الأطفال في السكن بعد انتهاء العلاقة الزوجية، وتبعا للفرضيات التي سبق لنا الوقوف عندها أعلاه، نص في الفقرات الثانية إلى الرابعة من نفس المادة، على الإجراءات الكفيلة بضمان تنفيذ الحكم القاضي بسكنى المحضون، حيث لا يفرغ هذا الأخير من بيت الزوجية إلا بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون[65]، كما أن هذا المسكن يجب ألا يختلف كثيرا عن الذي كانوا يعيشون فيه قبل التطليق للشقاق[66]، أما المحكمة فهي بدورها ملزمة بتحديد الإجراءات الكفيلة بضمان استمرار تنفيذ هذا الحكم من قبل الأب المحكوم عليه[67]، وذلك إما من خلال التنفيذ على أمواله، أو اقتطاع النفقة وأجرة السكنى من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه، كما تقرر عند الاقتضاء الضمانات الكفيلة باستمرار أداء ما هو محكوم به عليه[68].
والجدير بالذكر في الأخير، أن مستحقات الأطفال من نفقة وسكنى، وغيرهما من المستحقات الأخرى، تحكم بها المحكمة بالرغم من عدم مطالبتها بذلك، كما يمكن إثارة هذه المستحقات لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، ولا يعتبر نظر المحكمة في هذه الحالة خرقا لمقتضيات الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية، لتعلق ذلك بالنظام العام، إذ جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالجديدة[69] أنه: “حيث إن المحكمة ملزمة وجوبا، في حالة تعذر الصلح واستمرار الشقاق المستحكم بينهما، بالحكم بالتطليق للشقاق وبالمستحقات المترتبة للزوجة والأطفال بصرف النظر عن التعويض المقدم من كليهما أو أحدهما…وتحكم بها المحكمة تلقائيا…”.
المطلب الثاني: تبعات التطليق للشقاق على طرفي العلاقة الزوجية
إن المطلع على الإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية بالمملكة، وخاصة منها وزارة العدل، سيظهر له البون الشاسع الحاصل بين وظيفتي التطليق للشقاق الذين سبق الوقوف عليهما من قبل، إذ أن نسبة كبيرة من الأحكام الصادرة في موضوع التطليق للشقاق تنتهي بانحلال ميثاق الزوجية، وهو ما اعتبرناه وظيفة علاجية لهذه المسطرة، ويتمثل العلاج هنا في إنصاف الطرف المتضرر من هذا الفراق، الذي غالبا ما تكون الزوجة، وذلك من خلال الحكم لها بالمستحقات وفق ضوابط ومعايير محددة (الفقرة الأولى)، غير أن هذا التضرر من الفراق، لا يكون دائما حكرا على الزوجة، وإنما يكون منها في أحايين أخرى، وهو ما يكون له سائغ للحكم بالتعويض لفائدة الزوج عن الضرر الذي أصابه من جراء التطليق التعسفي الممارس من قبل الزوجة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تبعات التطليق للشقاق على الحقوق المالية للزوجة
لقد اهتمت الشريعة الإسلامية الغراء، قبل مدونة الأسرة، بحقوق الزوجة المطلقة، سواء ما تعلق منها بنفقتها، أو بمتعتها، أو كالئها (أي الصداق المؤخر)، وذلك في العديد من المناسبات، وعلى هذا المنوال سارت مدونة الأسرة، وقبلها مدونة الأحوال الشخصية، من خلال نصها في المادة 84 على أنه: “تشمل مستحقات الزوجة: مؤخر الصداق إن وجد، ونفقة العدة، والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه.
تسكن الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية، أو للضرورة في مسكن ملائم لها وللوضعية المادية للزوج، وإذا تعذر ذلك حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يودع كذلك ضمن المستحقات بكتابة الضبط”.
وإذا كان مؤخر الصداق لا يطرح في الحقيقة مشاكل قانونية كما في الحقوق الأخرى أثناء التطليق للشقاق أمام القضاء الأسري[70]، فإننا سنقتصر على الحقوق الأخرى دون الصداق للعلة السابقة، ونبحث هذه الحقوق تباعا.
فأولى هذه الحقوق إذن المستحقة للزوجة الواجبة على زوجها، عند الحكم بالتطليق للشقاق، هي نفقة العدة، التي تحكمها مقتضيات المادة 196 من المدونة، التي بالرجوع إليها نجدها تنص على أنه: “المطلقة رجعيا يسقط حقها في السكنى دون النفقة إذا انتقلت من بيت عدتها دون موافقة زوجها[71]، أو دون عذر مقبول.
المطلقة طلاقا بائنا إذا كانت حاملا، تستمر نفقتها إلى أن تضع حملها، وإذا لم تكن حاملا، يستمر حقها في السكنى فقط، إلى أن تنتهي عدتها”.
والتطليق للشقاق نوع من أنواع الطلقات البائنة[72]، فإنه من منطلق المادة 196 السالفة الذكر، فإن المطلقة تسقط نفقتها بمجرد إعلان المحكمة عنه، ولا تستحقه من ثم إلا إذا كانت حاملا، وهذا أمر طبيعي، باعتبار أن النفقة في هذه الحالة تكون للحمل وليس للمطلقة لذاتها، والدليل على ذلك أن المشرع ربطها بوضع الحمل، وبالتبعية لذلك حقها في السكنى[73]، أما إذا لم تكن حاملا، فإن حقها الأخير -أي السكنى- يسقط بانتهاء عدتها.
وبتبني المشرع هذا الحل في نفقة المعتدة وسكناها، يكون قد اتبع في ذلك مذهب الإمام مالك، حيث جاء في القوانين الفقهية لابن جزي أن: “المطلقة إذا كانت رجعية فلها النفقة في العدة، وإن كانت بائنة فليس لها نفقة إلا إذا كانت حاملا…”[74].
وجاء في التحفة لابن العاصم:
إسكانُ مدخولٍ بها إلى انقِضا عدّتِها من الطلاقِ مُقتَضا
وذات حملٍ زيدتِ الإنفاقا لوضعِها والكِسوةَ اتفاقا[75]
وارتباطا دائما بنفقة المعتدة ومحل سكناها، يطرح تساؤل عن المحل الذي تعتد فيه المطلقة للشقاق، بمعنى هل يطبق نفس حكم الطلاق على التطليق للشقاق، ومن ثم تعتد المطلقة في بيت الزوجية، أم أن الأمر بخلافه؟
لقد ذهب جل شراح مدونة الأسرة[76]، وبالتبعية الباحثين في هذا الشق[77]، إلى تبني الموقف العام من المدونة، الذي يقضي بأن المبدأ هو أن تسكن المعتدة في بيت الزوجية حسب ما جاء في المادة 131 من المدونة التي تنص على أنه: “تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها في منزل الزوجية، أو في منزل آخر يخصص لها..”، وهذا الحكم يعتبر تدعيما للفقرة الثانية من المادة 84 التي تناولت مستحقات الزوجة[78].
أما من وجهة نظرنا، فنعتقد أن التوجه السابق قد جانب الصواب، وذلك لاعتبارين: الأول؛ هو أن نفس المادة 84 فقرة 2 وكذا المادة 131، إنما جاءتا في الشق المتعلق بالطلاق، الذي يكون كأصل رجعي، وهذا قياس غير صحيح، وذلك بالاعتماد على روح نص الفقرة الأولى من المادة 196 التي جاء فيها: “المطلقة رجعيا يسقط حقها في السكنى دون النفقة إذا انتقلت من بيت عدتها دون موافقة زوجها، أو دون عذر مقبول”، فبالمفهوم المخالف لهذه المادة، فإن انتقال المطلقة طلاقا بائنا من بيت الزوجية لا يسقط حقها في السكنى، ولو بغير عذر مقبول.
أما الثاني فيتمثل في كنه وعمق معنى سكنى المعتدة، فإذا كانت هذه الأخيرة تسكن في الطلاق الرجعي ببيت الزوجية، فإنما الغاية من ذلك تكمن في أمل عودة المياه إلى مجاريها العادية، واستئناف الحياة الزوجية من جديد بعدما كانت آيلة إلى الإنحال، حيث تيسيرا لذلك يحق للزوج مراجعة زوجته بدون عقد أو صداق جديدين، أما بالنسبة للطلاق البائن، ومنه التطليق للشقاق، فإن هذا الحكم لا ينفع البتة، كما أن القول بتيسير سبل الزوج بإرجاع زوجته، فيه ضرب سافر للشرع والتشريع اللذان يعتبرانهما غرباء عن بعضهما البعض[79].
وبالإضافة إلى حق المطلقة في النفقة والسكنى أثناء العدة في التطليق للشقاق، حقها في المتعة كذلك، التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه[80].
والحق يقال، أن موضوع المتعة من أكثر المواضيع التي أثارت جدلا كبيرا في أواسط القضاء المغربي، وخاصة بين محاكم الموضوع من جهة، ومحكمة النقض من جهة أخرى، بعدما أصبح موقفها من المسألة اجتهادا قارا.
فمن بين أهم الاشكالات التي طرحها موضوع المتعة في التطليق للشقاق، هو مدى اعتبارها حق للمطلقة في جميع الأحوال، أي هل يحكم بالمتعة للزوجة المطلقة بالرغم من مبادرتها إلى طلب التطليق للشقاق؟
في ظل غياب نصوص قانونية واضحة تجيبنا عن هذا الإشكال، أجابت محكمة النقض عنه وأعربت عن موقفها في أكثر ما مرة، وهو الموقف الذي دافعت وتدافع عنه بكل ما أتيت من قوة، من خلال اجتهادها الذي أصبح شبه قار تلزم به محاكم الموضوع، فقد جاء في واحد من قراراتها[81]: “لا تستحق المطلقة المتعة بل التعويض عند ثبوت مسؤولية الزوج عن الفراق”.
وقد واجه هذا الموقف الكثير من النقد، سواء من قبل محاكم الموضوع، أو من قبل الباحثين في هذا المجال، معتبرين ذلك خارقا للفصل 19 من الدستور الذي يحث على المساواة بين الجنسين، وكذا نص المادة 97 من مدونة الأسرة ذاته، أو التعليل الذي اعتمدته محكمة النقض في تدعيم موقفها من خلال الاعتماد على مبادئ المذهب المالكي[82].
لكن قبل الغوص في تحليل الموقف الذي تبنته محكمة النقض من موضوع المتعة، وكذا مدى وجاهة أسباب النقد التي واجهته من جهة أخرى، يكون حريا بنا في البداية الوقوف لبرهة حول المقصود بالمتعة ومعرفة حقيقتها قبل دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق.
تجد المتعة سندها الشرعي في القرآن الكريم والسنة النبوية، لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[83]، وقوله تعالى: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}[84].
وانطلاقا من هذه الآيات الكريمة، يترك المذهب المالكي حرية الزوج في تمتيع زوجته المطلقة حسب إرادته، إن شاء تطوع وإن شاء امتنع على اعتبار أنها مندوبة وليست واجبة في حق كل مطلقة، إلا التي تطلق قبل الدخول وقد سمي لها صداقها، لأن نصف الصداق الذي تستحقه يقوم مقام المتعة[85].
فالمتعة شرعا إذاً هي ما تمتاع به الزوجة تعويضا لها عن ايحاشها الفرقة بينها وبين زوجها[86]، تطييبا لنفسها وتخفيفا لألم مفارقتها[87]، وعليه فهي غير واجبة على الزوج مادامت مبادرة المفارقة لم تأت من قبله.
من هذا المنطلق، وإذا ما حاولنا الرجوع قليلا إلى الوراء، وحاولنا تعليل الموقف عن اعتبار المتعة حق للمطلقة في جميع الأحوال، بناء على المبررات التي بنوا عليها موقفهم، سنجد هذا الأخير يفتقد إلى الموضوعية وإلى مبرر قانوني معقول.
فمن حيث افتقاده للموضوعية، فإن الرأي[88] اعتمد في تدعيم موقفه على مقتضيات الفصل 19 من الدستور الذي يمنع كل تمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق بجميع أنواعها، ومن ثم منح المتعة للزوجة سواء كانت مبادرة الطلاق جاءت من الزوج أو من الزوجة، وهذا تعليل غير صحيح، إذ القول بالمساواة ينبغي أن يفسر في عموميته وفي بناء النص القانوني، وعليه إذا سلمنا بهذا الفرض، فإن الزوج يستحق هو الآخر المتعة عند مبادرة الزوجة إلى طلب التطليق للشقاق، لتضرره من الفراق، مادام الرأي يستند على مبدأ المساواة بين الجنسين!
أما من حيث افتقاده لسند قانوني معقول، فذلك أنهم استندوا في تعليل موقفهم على المادة 84 من المدونة، المحال عليها بالمادة 97، وهذا غير صحيح كذلك، فالمادة الأولى تتعلق بالطلاق الذي يوقعه الزوج، باعتباره حقا له، يمكنه إنهاء العلاقة الزوجية متى أراد ذلك، لأسباب سواء كانت جدية أو غير معقولة (أي تعسفي)، مع ترتيب آثار ذلك على المتعة، التي من بين الضوابط التي تحكم تقديرها هذا المعيار الأخير.
غير أنه وقبل الختام من هذه النقطة، ورفعا لكل لبس قد يعتري هذا التعليل (الذي قد يستغله أحدهم والقول بتناقضه) نقول أن طلب الزوجة التطليق للشقاق، حتى وإن لم يتسم بالتعسف وكان الدافع إلى ذلك هو تعسف الزوج في آخر المطاف، فإن ذلك لا يخولها الاستفادة من المتعة، باعتبارها تعويضا عن فراقها، وإنما يكون سائغ للحكم لها بالتعويض عن الضرر الحاصل لها المنفصل عن الفراق في حد ذاته، وشتان بين التعويضين.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو مدى إمكانية استفادة الزوجة (المطلقة) من المتعة والتعويض معا في التطليق للشقاق؟
في بداية الجواب عن هذا السؤال، وجبت الإشارة إلى أنه قد طرح سؤال مشابه للذي أثرنا طرحه في هذا الصدد، ويتعلق بإمكانية استبدال مصطلح المتعة بمصطلح التعويض في مدونة الأسرة، حيث كان جواب السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن لفظ المتعة الوارد في المادة 84 باعتباره من بين المستحقات الواجبة للزوجة (المطلقة) هو لفظ قرآني، ويفيد تعويض المطلقة، وهو أفضل عبارة لتكريم المرأة من كلمة التعويض[89].
وقد كان لجواب السيد الوزير وقع كبير على العمل القضائي المغربي، إذ انقسم إلى اتجاهين، الأول يعترف بحق المطلقة في الاستفادة من المتعة والتعويض معا[90]، والاتجاه الثاني يعتبر المتعة ما هي في حقيقتها سوى تعويض، وبالتالي لا يمكن الحصول على تعويضين لجبر نفس الضرر[91].
ومن جهتنا نحبذ ما ذهب إليه الاتجاه الأول، على اعتبار أن المتعة كما سبق القول، هي تعويض للمرأة عن وحشة فراقها، كلما كان المبادر إلى الطلاق أو التطليق هو الزوج، أما التعويض فينبني على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية لجبر الضرر الحاصل للزوجة من جراء التطليق للشقاق، وهذا ما يفترض بداهة توفر عناصر المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، ومن الأمثلة على ذلك، الضرب المبرح أو توجيه كلام جارح للزوجة، أو تشويه سمعتها وغيرها من الأضرار التي تكون محلا للمطالبة بالتعويض[92].
الفقرة الثانية: استفادة الزوج من التعويض عن الضرر في التطليق للشقاق
لم يكن لموضوع استفادة الزوج من التعويض عن التطليق أية أهمية قبل دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، وذلك راجع بالأساس إلى أن حق إثارة الطلاق كان في يد الزوج وحده، وأن تضرر هذا الأخير من طلاق مورس من قبله كان أمرا مستبعدا لحد ما[93]، وذلك بالنظر لخصوصية المجتمع المغربي خلال هذه الفترة، أما الزوجة فلم يكن يسمح لها بممارسة التطليق إلا في وقت متأخر، وذلك عن طريق التطليق للضرر بعد إثباته بطبيعة الحال، لذلك كان من غير المتصور الحكم لها بالتطليق للضرر والحكم عليها في نفس الوقت بتعويض الزوج عن الضرر الحاصل له من جراء فراقها!
وبصدور مدونة الأسرة التي جعلت الطلاق حل لميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء[94]، ومنها التطليق للشقاق الذي جعلته حقا للزوجين معا كما تقدم، فإنه كان من الطبيعي أن تجد حلا لإشكالية التطليق التعسفي الذي يمارسه أحد الزوجين في حق الآخر، وقد تأتى لها ذلك من خلال نصها في المادة 97 على أنه: “في حالة تعذر الإصلاح، واستمرار الشقاق، تثبت المحكمة ذلك في محضر، وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد… مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر”.
وبالتمعن في هذه المادة الأخيرة يمكن تسجيل ملاحظتين أساسيتين، تتمثلان في:
- الملاحظة الأولى: قد جاءت المادة استجابة لمبدأ التساوي بين الزوجين الذي
سيطر على واضعي هذه المدونة، وهذه المرة رجحت كفة الزوج على الزوجة، على اعتبار أن تعويض الزوجة عن الضرر الذي أصابها يمكنها الوصول إليه من خلال طريق آخر، ألا وهو طريق التطليق للضرر، فجعل التطليق للشقاق حق للطرفين بالتساوي، يقتضي بالضرورة أن يستتبعه تخويل الطرف المتضرر التعويض.
- أما الملاحظة الثانية: فتكمن في انفتاح المشرع المغربي، من خلال إحالة غير
مباشرة، على مقتضيات قانون الالتزامات والعقود، وذلك في شقه المتعلق بالجرائم وأشباه الجرائم، إذ الأصل في الأسرة الدوام، وما التعويض عن الأضرار داخل هذه المؤسسة إلا عوارض تحكمها قواعد قانون الالتزامات والعقود (حتى لا نقول القانون المدني، لأن مدونة الأسرة جزء منه).
غير أن السؤال الذي طرح في هذا الصدد، هو بناء على أي أساس يتم تعويض الزوج في مسطرة التطليق للشقاق؟
ذهب الفقه المغربي[95] إلى القول أن أساس المطالبة بالتعويض عن الضرر ضد الطرف المسؤول عن الشقاق في إنهاء العلاقة الزوجية هو الخطأ التقصيري الناتج عن الإخلال بالتزامات مفروضة قانونا على الزوجين معا من أجل الحفاظ على دوام استمرار العلاقة الزوجية بينهما، واستقرار كيان الأسرة ووحدتها في المجتمع، مما يستتبع معه أن الإطار القانوني لطلب التعويض، هو المسؤولية التقصيرية وليس المسؤولية العقدية، بدليل أن الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين المسطرة ضمن مقتضيات المادة 51 لا يجوز قانونا الاتفاق على مخالفتها لورودها ضمن نص آمر من جهة، وتعلقها برباط مقدس يندرج في إطار النظام العام المغربي من جهة أخرى.
وبخلاف هذا التوجه، ذهب أحد الباحثين[96] إلى القول، رغم تسليمه بوجاهة الرأي السابق، أن مسألة التعويض عن الضرر في التطليق للشقاق ليست دائما قواعد المسؤولية التقصيرية، وإنما تشترك معها في بعض الأحيان نظيرتها العقدية، وذلك عندما يخل أحد طرفي العلاقة الزوجية بالشروط المدرجة في عقد الزواج، مادام المشرع نفسه سمح لهم بإدراج ما شاءوا من الشروط في العقد، شريطة ألا تتعارض مع مبادئ وغرض عقد الزواج.
ومن جهتنا، وإن كنا نضم رأينا للاتجاه الفقهي الأول، رافضين من ثم لرأي المستند على قواعد المسؤولية العقدية، فإننا نرى قبل الوقوف على مكامن مجانبة هذا الرأي الأخير للصواب، أن نوضح رأينا بنوع من التفصيل وذلك من خلال نقطتين:
- الأولى: من المعلوم أنه لمن الأركان التي لا غنى عنها لتحقق فكرة المسؤولية
التقصيرية توفر عنصر الخطأ، وعليه فإن استناد التعويض في التطليق للشقاق على قواعد هذه المسؤولية، يقتضي بداهة توفر هذا العنصر، فهل يعتبر ممارسة الحق في الطلاق (وهنا التطليق للشقاق) خطأ يمكن الاستناد عليه في تقرير التعويض؟
كثيرة هي الحالات التي يتأذى فيها الإنسان من أفعال غيره دون أن يرتكب هذا الأخير خطأ من جانبه، حيث لا يعدو أن يكون تصرفه مجرد ممارسة لحق يكفله له القانون ذاته، ومنها حق الفرد في الطلاق، لذلك فإن استناد التعويض في هذه الحالة على أساس المسؤولية التقصيرية بالمفهوم الضيق[97]، مبرر غير موضوعي ومخالف لمنطق الأمور، إذ سيشكل ذلك عائق أمام جميع من أراد طلب التطليق، رغم تضرره من بقاء العلاقة الزوجية قائمة، وهو منطق يخالف قواعد العدل والانصاف.
لأجل ما سبق، كان لابد من إيجاد حل للمسألة يكفل للفرد ممارسة حقوقه المدنية كيفما شاء ومنها التطليق، وواجبه كذلك في ألا يضر بتصرفه هذا الطرف الآخر، وهو ما لا يتأتى إلا من خلال تطبيق قواعد نظرية التعسف في استعمال الحق كما هي منظمة في قانون الالتزامات والعقود وقبلها الفقه الإسلامي[98].
فالتعويض وفقا لهذه النظرية التي تقضي بأنه إذا كان من شأن مباشرة الحق أن يؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير، وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته من غير أذى جسيم لصاحب الحق، فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو لإيقافه[99]، وبذلك فإنه لا يستند إلى فكرة الخطأ في حد ذاتها وإنما في ممارسة الحق بكيفية تعسفية، باعتبارها صورة من صور التعدي في الركن المادي للخطأ التقصيري[100].
ويعتبر من قبيل ممارسة التطليق للشقاق ممارسة تعسفية من قبل الزوجة، يسعف معها الزوج التعويض من جرائه، إصرارها على طلب التطليق ورفضها للصلح دون إبدائها أية أسباب جدية تبرر تطليقها، وكذا عزم الزوج المتواصل على إرجاع زوجته إلى بيت الزوجية من خلال تنفيذه أو رغبته في تنفيذ حكم الرجوع إلى بيت الزوجية[101].
إذ فالتعويض في هذه الحالة يجد مبرره في الضرر الذي لحق الزوج من جراء التطليق التعسفي في حد ذاته، فطلب الزوجة التطليق للشقاق بعدما يكون قد دخل بها معناه استحقاقها لكامل صداقها، وهو ما يشكل في حد ذاته ضررا للزوج يستحق معه التعويض كما جاء في إحدى قرارات محكمة النقض[102].
- أما الثانية: فتتمثل في ضرورة التمييز بين ما سبق، وبين التعويض الذي قديحكم به للزوج ليس بسبب التعسف في استعمال الزوجة لحقها في التطليق للشقاق، وإنما بسبب الأضرار التي قد تصيبه من جراء أفعال منفصلة عنه، كتشويه السمعة مثلا في التطليق للشقاق بسبب الخيانة الزوجية الثابتة، أو ارتكابها لجرائم من شأنها تلويث شرفه، وبصفة خاصة الأضرار المعنوية.
وحسبنا في الأخير أن نشير إلى عدم وجاهة الرأي المستند على قواعد المسؤولية العقدية في التعويض عن الضرر في التطليق للشقاق، ذلك أنه من جهة أولى، كما ذهب إلى ذلك الفقه أعلاه[103]، أن الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين والمنصوص عليها في المادة 51 من المدونة من متعلقات النظام العام، وهي بذاتها لا تقبل التفاوض أو المساومة، ومن جهة ثانية فإن الشروط التي أباح المشرع إدراجها في عقد الزواج تعتبر منطلق لطلب الطرف الآخر المتضرر التطليق، وذلك إما بطلب من الزوجة عن طريق مسطرة التطليق للضرر أو مخالفة الزوج لشروط العقد، وإما عن طريق مسطرة التطليق للشقاق بطلب من الزوج في حالة العكس[104]، ذلك أن قواعد المسؤولية العقدية كما هي منظمة في قانون الالتزامات والعقود، تأبى التنزيل على هذه الفرضية من مدونة الأسرة لاستحالة التطبيق[105].
وبعد التسليم بإمكانية الحكم بالتعويض عن الضرر الذي لحق الزوج من جراء تعسف الزوجة في ممارسة حقها في التطليق للشقاق، يطرح تساؤل حول سبل معالجة إشكالية الدائنية والمديونية التي من الممكن أن تلحق الوضعية القانونية للزوج في التطليق للشقاق؟
ولتوضيح السؤال أكثر، نضرب مثالا بالحالة التي يحكم على الزوج بمستحق المتعة للزوجة وكذا نفقة عدتها وسكناها لحملها، وفي نفس الوقت يحكم له بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء التطليق للشقاق؟
لقد سلح المشرع المغربي، مستحقات الزوجة عند انحلال ميثاق الزوجية بالعديد من الضمانات القانونية، وأفرد لها مجموعة الوسائل الحمائية، لا سيما منها النفقة، نظرا لطابعها المعيشي، إذ ألزم الزوج طالب التطليق للشقاق -من خلال الإحالة على مقتضيات الطلاق- بإيداعه المستحقات المحكوم بها للزوجة داخل أجل ثلاثين يوما وإلا اعتبر متراجعا عن طلبه (المادة 83 من المدونة المحال عليها بالمادة 97)، وجعل دين النفقة والمتعة من الديون الممتازة التي تؤدى بالأولوية من منقولات الزوج المدين (الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود)، وعدم قابليتها للتقادم (المادة 195 من مدونة الأسرة) والحجز لدى الغير (الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية)، كما لا تقبل إجراء الصلح (الفصل 1102 من قانون الالتزامات والعقود) أو المقاصة (الفصل 365 من قانون الالتزامات والعقود)، هذا دون إغفال كون الحكم القاضي بذلك يكون مشمولا بالنفاذ المعجل طبقا للمادة 179 مكرر من قانون المسطرة المدنية.
وهنا تكمن المفارقة الغريبة التي طبعت هذا الشق من مدونة الأسرة، فكيف يعقل أن تلزم المحكمة الزوج بأداء مستحقات الزوجة للعلل السابقة، علما أن تعسف الزوجة حاصل في الحكم ذاته والذي قضى في نفس الوقت بالتعويض لفائدته، وإجباره على الانتظار -للحصول على التعويض- إلى أجل غير مسمى.
خاتمة:
في نهاية هذا المقال المتواضع، يمكن القول أن مسطرة التطليق للشقاق حاولت بالفعل أن ترد الاعتبار للزوجة المغربية، في رأي الذين (اللواتي) طالبوا بإقرار المساواة بين الزوجين في التفريق كما في الحقوق المدنية الأخرى، فلم تعد الزوجة اليوم محكومة أو بالأحرى مقيدة بضرورة إثباتها للضرر حتى يمكنها التطليق.
لكن ماذا بعد؟ فهَلِ العبرة، في توفير أكبر قدر ممكن من السبل والحلول القانونية للفرقة؛ بحيث يمكن لأي من الزوجين أن يلجأ إليها متى أراد ذلك دونما أي قيد أو شرط؟
الحقيقة أن هذا “الحل” الذي تبنته مدونة الأسرة، (بفعل الضغوطات التي مورست على واضعوها من قبل جمعيات نسائية هي من تطالب اليوم بإقرار المساواة في الإرث بين الجنسين ومنع التعدد، وإباحة الممارسة الجنسية الرضائية وحق المرأة في الإجهاض…إلخ)، أو ما يمكننا أن نسميه “بإرضاء الخواطر” هو حل فاشل منذ بدايته ولا يمكن نجاحه مطلقا في المجتمع المغربي على وجه الخصوص، فلم تنجح منه سوى كثرة طلبات التطليق التي تظهرها الأرقام العالية الصادرة عن الجهات الرسمية بالبلاد.
لذلك فإن التفكير اليوم، يجب أن ينطلق من صميم هذه الإشكالية العويصة التي تعرفها بلادنا، المتجلية في كثرة اللجوء إلى هذه الوسيلة من وسائل انحلال ميثاق الزوجية باعتبارها تغطي جميع أنواع التطليقات الأخرى كما تقدم، فصحيح أنه من غير المعقول أن نلزم الأفراد بالبقاء في العلاقة الزوجية متى كان ضرر البقاء أكبر من ضرر الانحلال، لكن لا ينبغي أن نطلق الحبل على الغارب فتضمحل الغاية من مؤسسة الزواج، ويصبح التعادل قائما بين الانعقاد والانحلال أو يتفوق هذا الأخير.
وما يزكي هذا الطرح الأخير، أن المشرع عند وضع هذه المسطرة لم يكن واضحا مع نفسه، فسقط في ارتباك كانت له تداعياته على تبعاتها، ويظهر ذلك من خلال إحالة المقتضيات المنظمة لمسطرة الشقاق في الكثير منها على مقتضيات مسطرة الإذن بالطلاق، وكثرة الإشكالات التي تطرقنا لها في المتن لا حاجة لنا إلى العودة إليها، فهل لم تكن له الجرأة لوضع مسطرة كاملة منسجمة مع مواد المدونة من غير الإحالة الدائمة على مواد أخرى من مواضيع المدونة ؟
الإحالات
[1]ـ عبد الواحد الرحماني، “مسطرة الشقاق في ضوء مدونة الأسرة والعمل القضائي”، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، الموسم الجامعي2005 /2006، ص. 05.
[2]ـ صدرت مدونة الأسرة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.04.22 الصادر في 12 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير 2004)، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذو الحجة 1424 (5 فبراير 2004)، ص. 418.
[3]– وزارة العدل، دليل عملي لمدونة الأسرة، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 1، 2004، ص. 71.
[4]– حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرماني صادر بتاريخ04/1/29 تحت عدد40 مكرر في الملف عدد 04/54 منشور بكتاب:
ــ محمد بفقير، مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي، الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2011، ص. 97.
[5] ـ نادية نوعم، التطليق للشقاق من خلال العمل القضائي، مقال منشور بمجلة المناظرة، عدد 16ـ17، 2014، ص. 521.
[6] ـ محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة ـ الزواج ـ، الطبعة الثالثة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2015، ص. 153.
[7]ـ حيث جاء فيها ما يلي: “إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق…”.
[8]ـ مراد المدني، مسطرة التطليق للشقاق بين فلسفة المشرع وتجليات الواقع العملي، مجلة المعرفة القانونية والقضائية، عدد مزدوج 2 و3، 2018، ص. 99.
[9]ـ وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، عشر سنوات على تطبيق مدونة الأسرة: أي تغيرات في تمثلات ومواقف وممارسات المواطنين والمواطنات؟، (دون ذكر الطبعة)، مطبعة AZ-Editions، أكدال الرباط، 2016، ص. 123.
[10]ـ سورة النساء، الآية 35.
[11]ـ حكم للمحكمة الابتدائية بسطات بتاريخ 22/02/2007 الملف عدد 682/06/40. منشور بكتاب:
ــ وزارة العدل، المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 10، فبراير 2009، ص. 120 وما بعدها.
[12]ـ الفقرة الأخيرة من المادة 45 من المدونة حيث جاء فيها: “فإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق…”.
[13]ـ جواب السيد وزير العدل، المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة، جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 4، 2004، ص. 132.
[14]– إدريس الفاخوري، حق المرأة في إنهاء الرابطة الزوجية في التشريعات العربية بين واقع النص وإكراهات الواقع، مقال منشور بسلسلة دراسات وأبحاث، العدد 6، قضايا الأسرة: إشكالات راهنة ومقاربات متعددة، الجزء الثاني، منشورات مجلة القضاء المدني، 2015، ص. 31.
[15]ـ ظهير شريف بمثابة قانون رقم 447.74.1 صادر في 11 رمضان 1394 (28 شتنبر1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، صادر في الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص. 2741.
[16]ـ سعاد العمراني المريني، أحكام الزواج والطلاق في الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة، الطبعة الثالثة، مطبعة زلاغ، فاس، 2017، ص. 258.
[17]ـ حكم للمحكمة الابتدائية بالحسيمة بتاريخ 06/7/2006 الملف عدد 518ـ2005. منشور بكتاب:
ــ وزارة العدل، المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، مرجع سابق، ص. 120.
[18]– عبد الواحد الرحماني، “مسطرة الشقاق في ضوء مدونة الأسرة والعمل القضائي”، مرجع سابق، ص. 6 وما بعدها.
[19]ـ نادية امزاوير، التطليق للشقاق بين النص والتطبيق، مداخلة في إحدى الحلقات الدراسية حول “مدونة الأسرة ودور الوساطة” التي نظمت في إطار التعاون والعمل المشترك بين وزارة العدل وإدارة المعهد العالي للقضاء ورابطة حقوق الإنسان، منشورة بكتاب “دليل مدونة الأسرة ودور الوساطة” من إعداد عبد الرحيم صابر ومصطفى كاك وخالد العبيوي، منشورات رابطة حقوق الإنسان في إطار برنامج تعاون مشترك مع المعهد العالي للقضاء بتنسيق مع وزارة العدل، 2006، ص. 80 وما بعدها.
[20]– حكم رقم 1553، الصادر في الملف عدد 1553ـ05، بتاريخ 2005/07/27، منشور بكتاب:
ــ أحمد زوكاغي، المختار من أحكام القضاء في الزواج والطلاق الصادرة بين سنتي 2005 و2009، الطبعة الأولى، مكتبة دار السلام، الرباط، 2009، ص. 77 وما بعدها.
[21]ـ تنص الفقرة الأخيرة من المادة 97 من المدونة: “يفصل في دعوى الشقاق في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب”.
[22]ـ وهو ما نصت عليه المادة 122 من المدونة: “كل طلاق قضت به المحكمة فهو بائن، إلا في حالتي التطليق للإيلاء وعدم الإنفاق”.
[23] ـ حكم للمحكمة الابتدائية بالسمارة بتاريخ 23/01/2007، الملف عدد 129/2006، منشور بكتاب:
ــ وزارة العدل، المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، مرجع سابق، ص. 128 وما بعدها.
[24] ـ حكم رقم 09، الصادر في الملف عدد 549/1626/17 بتاريخ 18/01/2018 غير منشور.
[25] ـ محمد الشافعي، الطلاق والتطليق في مدونة الأسرة، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2010، ص. 107.
[26] ـ مولاي أحمد سيدي عمي، “التطليق بسبب الشقاق بين مدونة الأسرة والعمل القضائي”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، السنة الجامعية 2007/2008، ص. 19.
[27] ـ الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه: “يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات ويبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة”.
[28]ـ محمد الشافعي، الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، الطبعة الثانية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2014، ص. 242.
[29]ـ التي نصت على أن: “الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين:
1- المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية وعدل وتسوية عند التعدد، وإحصان كل منهما وإخلاصه للآخر، بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل؛
2- المعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصلحة الأسرة؛
3- تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال؛
4- التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال وتنظيم النسل؛
5- حسن معاملة كل منهما لأبوي الآخر ومحارمه واحترامهم وزيارتهم واستزارتهم بالمعروف؛
6- حق التوارث بينهما”.
[30]ـ عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول، الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2018، ص. 154.
[31]ـ أحمد خرطة، التطليق للشقاق بين المنظور التشريعي والتصور القضائي ـ قراءة في المواد 94 إلى 97 من مدونة الأسرة، مداخلة شارك بها في أشغال الندوة الوطنية: مدونة الأسرة ـ عام من التطبيق: الحصيلة والآفاق المنعقدة بوجدة، منشورات مجموعة البحث في القانون والأسرةـ سلسلة الندوات، العدد 1 تنسيق إدريس الفاخوري، 2005، ص. 173.
[32]ـ محمد الأزهر، شرح مدونة الأسرة، الطبعة الثامنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2017، ص. 190.
[33]ـ عادل حاميدي، التطليق للشقاق وإشكالاته القضائية، الطبعة الثانية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2015، ص. 66. أشار إليه:
ــ محمد قاسمي، التطليق للشقاق كمسطرة احتياطية في حالة عجز الزوجة عن إثبات الضرر في ضوء أحكام مدونة الأسرة، مجلة الفقه والقانون، العدد الثاني والستون، دجنبر 2017، ص. 90.
[34]ـ الخلع هو افتداء الزوجة من زوجها الكارهة له بمال أو ما يقوم مقامه؛ أي كل شيء صح الالتزام به شرعا، فالزوجة لا تلجأ إلى مسطرة الطلاق الخلعي حتى تبلغ درجة من الضرر تخاف منه ألا يقيم زوجها حدود الله في نفسها. ويجب على الزوج ألا يتعمد إيذاء الزوجة حتى يدفعها إلى مطالبته بالخلع وذلك عن طريق الضغط أو الإكراه أو الابتزاز.
ــ حفيظ كريني، دليل التقاضي أمام قضاء الأسرة، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2007، ص. 139.
[35]ـ وزارة العدل، دليل عملي لمدونة الأسرة، مرجع سابق، ص. 84.
[36] ـ عبد الجبار العكيدي، التطليق للشقاق وإشكالياته، مقال منشور بمجلة الإسماعيلية للدراسات القانونية والقضائية، العدد الأول، فبراير 2019، ص. 114.
[37]ـ محمد الأزهر، مرجع سابق، ص. 222.
[38]ـ حفيظة توتة، التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة، منشور مدونة الأسرة بين النص والممارسة، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، العدد 25، 2006، ص. 128.
[39]ـ حيث جاء فيها ما يلي: “يجب على القاضي قبل الخطاب على وثيقة الرجعة، استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإذا امتنعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94”.
[40]ـ محمد شيلح، قراءة ميتودولوجية لمفهوم الصلح في قضايا الطلاق والتطليق، مقال منشور بسلسلة دراسات وأبحاث، العدد 2، قضايا الأسرة: إشكالات راهنة ومقاربات متعددة، الجزء الأول، منشورات مجلة القضاء المدني، 2012، ص. 23.
[41]ـ الفقرة الأولى من المادة 187 من المدونة.
[42]ـ من الأصول الثابتة في مجال الإثبات، أن الأصل في الإنسان ملاءة الذمة، فيفترض في الشخص أن كد وسعى الى الحصول على المال، وليس العكس، للمزيد حول هذه الفكرة، يراجع: عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثاني، إثبات الالتزام، اثار الالتزام، مطبعة إحياء التراث العربي، بيروت لبنان.
[43]ـ المادة 188 من المدونة.
[44]ـ وهو حسب المادة 209 من المدونة 18 سنة شمسية كاملة.
[45]ـ وهذا التنصيص جاء من أجل ملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها، وذلك مراعاة للمصلحة الفضلى للطفل في اتمام دراسته إلى غاية التعليم الإعدادي.. الاتفاقية الدولية رقم 138.
[46]ـ الولد إذا أصبح موسرا فإن نفقته تصبح في ماله. وإذا استمر الأب في الإنفـاق عليـه فيكون له حق الرجوع عليه من يوم اكتساب الولد للمال وذلك بعدة شروط. راجع عبد المجيد غميجة، موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل الأحوال الشخصية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، جامعة محمد الخامس الرباط، 2000، ص. 328).
[47]ـ إن نفقة الأبوين واجبة على الابن متى كانا معسرين، وكان الابن عاقلا وقادرا علـى الكسب بصرف النظر عما إذا كان بالغا سن الرشد أو دون ذلك. ولا يعتبر هذا الواجب تصرفا يستدعي إجـازة الوالد متى كان الابن قاصرا)) قرار أورده المرحوم عبد المجيد غميجة في أطروحته، مرجع سابق، ص. 329، هامش رقم 1677.
[48]ـ تنص المادة 20 من مدونة الأسرة على أنه: “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب…”.
[49]ـ ومفهوم الدراسة هنا لا يقتصر على الدراسات الجامعية، وإنما يدخل في ذلك حتى الدارس في مراكز التكوين المهني، يراجع قرار محكمة النقض عدد650 بتاريخ 22/11/2006، ملف عدد 381/2/1/2006، منشور بكتاب أهم قرارات المجلس الأعلى في تطبيق الكتاب الثالث من مدونة الأسرة، البنوة والنسب، الحضانة والنفقة، إدكل للطباعة والنشر-الرباط، 2007، ص. 219.
[50]ـ عبد الواحد الرحماني، مسطرة الشقاق في ضوء مدونة الأسرة والعمل القضائي، مرجع سابق، ص. 67.
[51]ـ أحمد اليعقوبي، حق الطفل في التعليم أية حماية؟، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله -ظهر المهرازـ فاس،2002-2003، ص. 76.
[52]ـ وذلك بموجب المادة 194 من مدونة الأسرة.
[53]ـ يراجع في هذا الصدد قرار المجلس الأعلى عدد 275 بتاريخ 3/5/2006 الملف رقم 278/2/1/2005، منشور بكتاب أهم قرارات المجلس الأعلى في تطبيق الكتاب الثالث من مدونة الأسرة، البنوة والنسب، الحضانة والنفقة، مرجع سابق، ص. 218.
[54]ـ عبد الواحد الرحماني، مرجع سابق، ص. 67.
[55]ـ قرار محكمة الدار البيضاء رقم 314 بتاريخ 28 فبراير 1990، ملف شرعي عدد 84/164، منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد مزدوج 64-65، 1992، ص. 173.
[56]ـ لقد قضى القضاء المغربي بنفقة وأجرة حضانة ولد مختل عقليا بلغ 26 سنة، على أساس أنه، ورغم كـون الفقه لا ينص على تمديد سن الحضانة، فإن المصاب بخلل عقلي في حكم الطفل المحتاج للرعاية، ويسـتحق النفقـة وأجرة الحضانة رغم تجاوزه لسن الحضانة (محكمة الاستئناف بالدار البيضاء – قرار عدد 314 ،بتاريخ 28/ 02/ 1990، منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 64 / 65، ص. 173). للمزيد من التفصيل حول آراء الفقه الاسلامي في المسألة يراجع: عمد المجيد غميجة، أطروحته، مرجع سابق، ص. 326 هامش رقم 1673.
[57]ـ قرار محكمة الاستئناف بأكادير رقم 815 بتاريخ 18/09/2007، ملف أسري (غير منشور).
[58]ـ بخصوص رأي المالكية من المسألة يراجع: محمد العلوي العابدي، الأحوال الشخصية والميراث في الفقه المالكي، الطبعة 1، إفريقيا الشرق، 1996، ص. 208.
[59]ـ وهذا أمر طبيعي لاستقلال الذمة المالية لكل واحد منهم على الآخر.
[60]ـ قرار عدد 437 بتاريخ 27/12/2007، ملف عدد 280/09/07 (غير منشور).
[61]ـ نبيلة بوشفرة، الحقوق المالية للمرأة والطفل بعد الطلاق، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله-ظهر المهراز، فاس، 2005-2006، ص. 54.
[62]ـ يراجع بخصوص هذا النقاش، المرحوم عبد المجيد غميجة، أطروحته، مرجع سابق، ص. 292 وما بعدها.
[63]ـ قرار عدد214 بتاريخ 29/04/1970، منشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 197، ص. 374.
[64]ـ محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 18/03/1991، ملف عدد 1747/90، منشور بمجلة الاشعاع، عدد 6، ص. 101.
[65]ـ الفقرة الثالثة من المادة 168 من المدونة.
[66]ـ الفقرة الثانية من المادة 168 من المدونة.
[67]ـ الفقرة الأخيرة من المادة 168 من المدونة.
[68]ـ طبقا لمقتضيات المادة 191 من المدونة.
[69]ـ قرار الجديدة بتاريخ 13/12/2006، ملف عدد 34/101/2006، و34/635/2006، المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، وزارة العدل، مرجع سابق، ص. 118.
[70]ـ عبد الواحد الرحماني، مرجع سابق، ص. 60.
[71]ـ اعتمد المشرع عن قصد مصطلح الزوجة بدل المطلقة في الطلاق الرجعي، باعتبارها في هذا النوع من الطلاق، تظل في عصمة زوجها من حقه رجعتها بدون عقد جديد، وذلك إلى أن تنتهي عدتها فتبين عليه.
[72]ـ قرار محكمة النقض عدد 550 بتاريخ 26/08/2008/ في الملف رقم 548/2/1/2007، منشور بمجلة نشر المعلومة القانونية والقضائية، مرجع سابق، ص. 210.
[73]ـ صحيح أن المشرع لم ينص على ذلك صراحة، ولكن يمكن اتباع هذا الحل بالرغم من عدم وجود نص، على اعتبار أن النفقة أو السكنى، لهما ارتباط بوجود الحمل من عدمه، ولما كانت عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، فكان لزاما استفادتها من السكنى طوال مدة الحمل، قياسا على النفقة.
[74]ـ ابن جزي، القوانين الفقهية، مكتبة الرشاد، الدار البيضاء، ص. 146.
[75]ـ ابن العاصم، تحفة الحكام في شرح نكت العقود والأحكام، الطبعة الأولى، دار الآفاق العربية، 2011، ص. 55.
[76]ـ محمد الشافعي، شرح مدونة الأسرة، مرجع سابق، ص. 239.
[77]ـ عبد الواحد الرحماني، مرجع سابق، ص. 62.
[78]ـ تنص الفقرة الثانية من المادة 84 على أنه: ” تسكن الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية، أو للضرورة في مسكن ملائم لها وللوضعية المادية للزوج، وإذا تعذر ذلك حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يودع كذلك ضمن المستحقات بكتابة الضبط”.
[79]ـ لا شك أن كل علاقة جنسية بينهما بعد الحكم بالتطليق للشقاق تعتبر زنا، باعتبار الطلاق بائنا، وهو ما يعاقب عليه القانون الجنائي المغربي في فصله 491 باعتبارها جريمة فساد.
[80]ـ الفقرة الأولى من المادة 84 من مدونة الأسرة.
[81]ـ قرار عدد 433 بتاريخ 21/09/2010، ملف عدد 663/2/1/2009، مدرج في بحث الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، مدونة الأسرة بين النص والتطبيق من خلال العمل القضائي لمحكمة النقض، 2019، ص. 59.
[82]ـ الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، مرجع سابق، ص. 62 وما بعدها.
[83]ـ سورة البقرة، الآية 241.
[84]ـ سورة البقرة، الآية 236.
[85]ـ عبد الواحد الرحماني، مرجع سابق، ص. 64.
[86]ـ محمد الشافعي، شرح مدونة الأسرة، مرجع سابق، ص. 205.
[87]ـ محمد عقلة، نظام الأسرة في الإسلام، الجزء الثاني والثالث، الطبعة الأولى، مطبعة الشرق ومكتبتها، 1983، ص. 48.
[88]ـ بخصوص هذا الرأي وحججه، يراجع الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، مرجع سابق، ص. 61 وما بعدها.
[89]ـ المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، عدد 4، 2004، ص. 128.
[90]ـ حكم رقم 633 صادر بتاريخ 23/4/2008 ملف رقم 504/7/5، قسم قضاء الأسرة الرباط، أورده مولاي أحمد سيدي عمي، مرجع سابق، ص. 89.
[91]ـ إذ جاء في حكم لقسم قضاء الأسرة بتمارة أنه: “…حيث إن طلب التعويض عن إنهاء العالقة الزوجية غير مؤسس وذلك لكون المحكمة
سبق وان أمرت بإيداع مبلغ (…) والذي يشمل المتعة التي هي في حد ذاتها تعويضا عن الضرر اللاحق جراء إنهاء العلاقة الزوجية أو التعسف في ذلك طبقا للمادة(…) م.أ، وأنه لا يعوض على الضرر مرتين مما يتعين معه رفض الطلب بهذا الخصوص.” حكم رقم 744 بتاريخ 13/05/2008 ملف رقم 0609/07/31 (غير منشور). أورده مولاي أحمد سيدي عمي، مرجع سابق، ص 89.
[92]ـ ومثل هذه الأضرار هي ما استقر عليها العمل قبل دخول المدونة حيز التطبيق في التطليق للضرر، للتوسع يراجع: المرحوم عبد المجيد غميجة، أطروحته، مرجع سابق، ص. 229 وما يليها.
[93]ـ نعتقد أن مسألة التعويض عن الضرر الناتج عن الطلاق، ليس كان منعدما قبل دخول المدونة، ولكنه محدود، إذ الضرر الذي من الممكن التعويض عنه في المدونة الحالية لفائدة الزوج، ربما كان يحد منه الحق في الطلاق الذي منح للزوج وحده، إذ كلما استشعر بتضرره من مؤسسة الزواج، إلا وأشهر ورقة الطلاق في وجه زوجته، حيث كان الحديث في تلك الفترة عن الطرف الضعيف في العقد ألا وهي الزوجة، ومن ثم كان تعويض هذه الأخيرة للزوج كان ربما فيه نوع من المبالغة.
[94]ـ المادة 78 من المدونة.
[95]ـ محمد الكشبور وآخرون، التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، 2006، ص. 166.
[96]ـ مولاي أحمد سيدي عمي، التطليق بسبب الشقاق بين مدونة الأسرة والعمل القضائي، مرجع سابق، ص. 86.
[97]ـ والمقصود بالمفهوم الضيق هنا، المسؤولية عن الفعل الشخصي القائمة على الخطأ الواجب الإثبات، حتى لا نميز كما فعل العديد من الباحثين المغاربة، تأثرا منهم بتشريعات شرقية، في أساس المسؤولية بين المسؤولية التقصيرية ونظرية التعسف في استعمال الحق حيث لا تشكل هذه الأخيرة في قانون الالتزامات والعقود المغربي سوى صورة من صور التعدي في ركن الخطأ منها، وليست نظرية قائمة بذاتها.
[98]ـ للتوسع في موضوع نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الاسلامي، يراجع، فتحي الدريني، الطبعة الرابعة، 1984، ص. 33 وما بعدها.
[99]ـ الفقرة الثانية من الفصل 94 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
[100]ـ مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، الطبعة الثانية، ص. 383.
[101]ـ قرار محكمة النقض عدد 178 بتاريخ 15/03/2006 الملف عدد 519/2/1/2005، مشار إليه في المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، مرجع سابق، ص. 118.
[102]ـ قرار عدد 49 بتاريخ 17 يناير 2012، ملف شرعي عدد 502/2/1/2010، منشور بمجلة العلوم القانونية والقضائية، العدد 2، 2016، ص. 267.
[103]ـ محمد الكشبور وآخرون، التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة، مرجع سابق، ص 166.
[104]ـ على اعتبار أن جميع مساطر التطليق الأخرى غير التطليق للشقاق مخولة للزوجة فقط، ومنها حقها في التطليق لإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج، وهذا فيه نظر، فالإخلال ببنود عقد الزواج قد يأتي من الزوج كما يأتي من الزوجة، وهذا موضوع آخر.
[105]ـ تقوم المسؤولية العقدية على ثبوت المطل وضرورة الإنذار، فيرتب لصاحبه الحق في التعويض في تلك اللحظة، كما يمكن أن يكون محلا للمطالبة بفسخ العقد، ومن حق الطرف الآخر المطالبة بمهلة الميسرة وهكذا…