الأسس القانونية والواقعية لصلاحيات الولاة والعمال لتدبير إجراءات حالة الطوارئ الصحية (كوفيد-19).
تمهيد:
بالرغم من قدرة المغرب بالتصدي لتفشي جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19″، ومواجهة تداعياته السلبية واستجابته السريعة، من خلال اتخاذه لمجموعة من القرارات والتدابير الاستباقية والاحترازية لتفادي وقوع الأسوأ، والتحكم في عدد الوفيات منذ بدأ سريان حالة الطوارئ الصحية. وبعد قيام العديد من الدول برفع حالة الطوارئ أو التخفيف من إجراءاتها خاصة في القارة الأوروبية، والعودة إلى الحياة الطبيعية بعد انحسار تفشي الوباء، في ظل تحذيرات منظمة الصحة العالمية من التراخي في الإجراءات بسبب ازدياد وضعية الوباء نحو الأسوأ في العالم، إلا أن المغرب خشية منه من توقعات وقوع موجة تفشي جديدة للفيروس، سار في اتجاه خيار تمديد حالة الطوارئ الصحية، وفق خطة تقوم على منهجية جديدة تتوخى التخفيف من إجراءات حالة الطوارئ الصحية عبر مراحل حسب تطور الوضعية الوبائية بالبلد، واعتماد مبدأ البعد الجغرافي والترابي، لأخذ التفاوت الموجود في الوضعية الوبائية بين الأقاليم والعمالات، والمرونة وإمكانية مراجعة الإجراءات المتخذة تفاديا لتصاعد انتشار الفيروس والعودة إلى تدابير أكثر صرامة.
وبعد انتهاء المدة المحددة لسريان حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 10 يونيو 2020 حسب مرسوم بقانون رقم 2.20.371 بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19″، وأمام استمرار بروز بؤر جديدة للوباء وتسجيل حالات إصابة جديدة، ونظرا لما تقتضيه الظرفية من ضرورة الحرص على تناسب الإجراءات والتدابير المتخذة بمختلف جهات وعمالات وأقاليم المملكة مع تطور الحالة الوبائية، صادق مجلس الحكومة يومه الثلاثاء 9 يونيو 2020 على المرسوم رقم 2.20.406 بتمديد سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية للمرة الثالثة لمدة شهر واحد، ستنتهي يوم 10 يوليوز 2020 وبسن مقتضيات خاصة بالتخفيف من القيود المتعلقة بها.
وينص هذا المرسوم في مادته الثانية على أنه يجوز لوزير الداخلية أن يتخذ في ضوء المعطيات المتوفرة حول الحالة الوبائية السائدة، وبتنسيق مع السلطات الحكومية المعنية، ما يراه مناسبا من أجل التخفيف من القيود المنصوص عليها في المادة الثانية من المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بالإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19″، بما يتلائم وهذه المعطيات.
ومن بين المستجدات التي جاء بها المرسوم الجديد تفعيله لمقتضيات المادة الثالثة المرسوم السالف الذكر رقم 2.20.293 والذي يجيز لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، كل في نطاق اختصاصه الترابي، أن يتخذوا في ضوء المعطيات نفسها كل تدبير من هذا القبيل على مستوى عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر.
فما هي الأسس القانونية والأسباب الواقعية العملية، التي دفعت بالحكومة إلى إسناد مهمة تدبير حالة الطوارئ الصحية، لوزارة الداخلية عبر الولاة والعمال في الجهات والعمالات والاقاليم، وتخويلهم صلاحيات اتخاذ تدابير التخفيف من القيود المفروضة؟.
خطة الحكومة للتخفيف من تدابير حالة الطوارئ الصحية
تحسبا لجميع السناريوهات والتوقعات السيئة ومن اجل التحضير للعودة إلى الحياة الطبيعية واستئناف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بمجموع التراب الوطني، تفاديا لظهور بؤر جديدة أو انتشار الفيروس في أماكن متفرقة، قررت السلطات العمومية تنزيل مخطط التخفيف من تدابير الحجر الصحي حسب الحالة الوبائية لكل عمالة أو إقليم وبصفة تدريجية عبر عدة مراحل، ابتداء من 11 يونيو 2020.
وحسب بلاغ مشترك لوزارة الداخلية ووزارة الصحة حول مخطط التخفيف من تدابير الحجر الصحي، بتاريخ 09 يونيو 2020 تم تقسيم عمالات وأقاليم المملكة، وفق المعايير المحددة من طرف السلطات الصحية إلى منطقتين، تشملان منطقة التخفيف رقم 1 التي تضم مجموع العمالات والأقاليم التي انخفض فيها منحنى الوباء إلى صفر حالة والتي ستخفف فيها بعض القيود، مع الإبقاء على جميع القيود الأخرى التي تم إقرارها في حالة الطوارئ الصحية (منع التجمعات، الاجتماعات، الأفراح، حفلات الزواج، الجنائز، …)، ومنطقة التخفيف رقم 2 التي تضم مجموع العمالات والاقاليم، والتي تعرف ظهور بؤر جديدة أو استمرار انتشار الفيروس، والتي ستخفف فيها القيود بشكل اقل درجة من منطقة التخفيف الأولى، مع الإبقاء على جميع القيود الأخرى التي تم إقرارها في حالة الطوارئ الصحية.
كما أن الانتقال التدريجي، في إطار مخطط التخفيف من تدابير حالة الطوارئ الصحية، من مرحلة إلى أخرى سيخضع مسبقا لعملية تقييم الإجراءات الواجب تنفيذها والشروط اللازم توفرها على مستوى كل عمالة وإقليم، وذلك من طرف لجان اليقظة والتتبع، يترأسها الولاة والعمال وتتكون من ممثلين عن المصالح الخارجية للقطاعات الوزارية المعنية والمصالح الأمنية، من خلال إعادة تصنيف العمالات والأقاليم، أسبوعيا، حسب منطقتي التخفيف، على أساس المعايير المحددة من طرف السلطات الصحية. مع الحرص على ضرورة التزام الجميع بمواصلة التقيد الصارم بكافة القيود الاحترازية والإجراءات الصحية المعمول بها. لضمان إنجاح هذا المخطط، رغم الشروع في التخفيف من هذه القيود خلال المرحلة الاولى التي ابتدأت في 11 يونيو 2020، واستئناف الأنشطة الاقتصادية على المستوى الوطني، مع استثناء البعض منها، (كالمطاعم والمقاهي في عين المكان، الحمامات، قاعات السينما والمسارح،…).
2- الأسس القانونية للصلاحيات المخولة للولاة والعمال لتدبير إجراءات حالة الطوارئ الصحية
إن تفويض وزارة الداخلية عبر ممثليها من الولاة والعمال على مستوى الجهات والأقاليم، تدبير تخفيف قيود حالة الطوارئ الصحية ليس بالأمر الجديد أو الغريب، نظرا لكون وزارة الداخلية حسب مرسوم رقم 2.19.1086 الصادر في 30 يناير 2020 بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، تناط بها الإدارة الترابية للمملكة والحفاظ على النظام والأمن العموميين، وتزويد الحكومة بالمعلومات العامة. فهي التي تتوفر على المعطيات العامة في مختلف ربوع المملكة لتدبير الجانب الأمني والعملياتي الميداني للجائحة، بحيث أنها تأخذ وضعا مهما ومكانة متميزة داخل النظام الإداري المغربي، لكون طبيعة قطاع الداخلية يأخذ نفس الطابع والمهام تقريبا في جميع دول العالم.
ومن أهم المستجدات التي جاء بها المرسوم الجديد تفعيله للمادة الثالثة من المرسوم رقم 2.20.293 السالف الذكر، الذي “يجيز لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض أمر بحجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم أو منع تجمعهم، أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة كما يخول لهم وللسلطات الصحية المعنية حق اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية المعلنة كل في حدود اختصاصه”. وذلك من خلال التخفيف من الإجراءات الواردة في المادة الثانية من نفس المرسوم، حسب سلطتهم التقديرية وحسب تطور الحالة الوبائية فدائرة نفوذ اختصاصهم الترابي.
وتجد هذه الصلاحيات والمهام المخولة للولاة والعمال، سندها القانوني في الفصل 145 من دستور 2011 الذي ينص على أن: “ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ويعملون باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها. كما يمارسون المراقبة الإدارية .ويساعدون رؤساء الجماعات الترابية، خاصة رؤساء المجالس الجهوية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية. ويقومون تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها”.
واختصاص المراقبة الإدارية التي وردت في صيغتها العامة تبقى ممارستها واسعة ومستمرة،مما يجعل حضور والولاة والعمال قويا، من خلال استعمالهم لهذا الاختصاص الجديد، خاصة وأنه لم يشمل على سبيل الحصر المؤسسات والأجهزة والمجالات التي ستخضع للمراقبة، وإن كان المقصود والغرض منها، المراقبة المباشرة على رجال السلطة، بصفتهم(العمال) رؤسائهم الإداريين المباشرين، والجماعات الترابية بهدف الحرص عل حسن تطبيقها للقانون، وذلك بالنظر إلى جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم في تطبيق سياسة الدولة، والعمل على تأمين تطبيق القانون والنصوص التنظيمية للحكومة، على مستوى مجال تدخلهم الترابي، ومن ثم يتحتم عليهم التدخل الفوري للوقوف على المشاكل والقضايا المرتبطة بالحياة العامة في الحالات العادية، وفي الأزمات الطارئة التي تهدد امن وسلامة البلاد في الحالات الاستثنائية، بصفتهم عناصر اتصال هامة بين سكان الجهة الإقليم والسلطة المركزية في العاصمة.
لقد تعززت مؤسسة العامل التي احتلت مكانة هامة في إطار النظام السياسي والإداري المغربي، منذ إحداثها سنة 1956 بصدور ظهير 15 فبراير 1977 المتعلق باختصاصات العامل والذي تم تتميمه وتعديله بمقتضى ظهير 06 أكتوبر 1993. وتشمل هذه الاختصاصات جميع مجالات الحياة العامة للاضطلاع بمهام عديدة ومتنوعة، تتمثل بشكل أساسي في المحافظة على النظام العام، وتنسيق أعمال المؤسسات الخارجية للإدارات المدنية التابعة للدولة، والسهر على تطبيق الظهائر والقوانين والأنظمة وعلى تنفيذ قرارات وتوجيهات الحكومة.
كما يخضع رجال السلطة لمقتضيات الظهير الشريف رقم 67-08-1 الصادر في 31 يوليوز2008 في شأن هيئة رجال السلطة؛ الذي وضع هيكلة جديدة لمختلف أطرها ودرجاتها وتحديد وحقوقها ووجباتها، والذين تتعدد وتتنوع اختصاصاتهم ومهامهم فبالإضافة إلى اختصاصهم الأصيل المتمثل في السهر على تطبيق القانون المحافظة على النظام العام والأمن العمومي، داخل دائرة نفوذهم الترابي، فان طبيعة تدخلاتهم تشمل جميع مناحي الحياة من حيث الزمان والمكان، لا سيما في حالة الأزمات والأخطار التي تحدق بالبلاد.
كما أن مرسوم ميثاق اللاتمركز الإداري رقم 2.17.618، الصادر في 26 دسمبر 2018 الذي يهدف إلى عدم تركيز السلطة وتوزيعها والى نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى الإدارات اللاممركزة الجهوية والإقليمية، من خلال تخويلها صلاحيات اتخاذ القرار، لتحقيق وحدة عملها وتحسين أدائها، منح ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم أهمية خاصة ودورا محوريا، باعتبارهم ممثلين للسلطة المركزية في الجهات والأقاليم، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة والسهر على سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين، للقيام بمهام معينة وتخفيف عبئ الإدارات المركزية وإتاحة سرعة اتخاذ القرارات على المستوى الترابي، خاصة عندما يتعلق باتخاذ قرارات وإجراءات لتدبير أبعاد وأثار الأزمات والكوارث والأوبئة الطارئة والفجائية، التي تحتاج إلى إطار قانوني ومؤسساتي على المستوى الترابي لضمان الوحدة والتكامل والقرب في تنسيق الجهود والتدخلات، وتحقيق السرعة والنجاعة والفعالية في اتخاذ القرار.
وبالتالي فان ميثاق اللاتمركز الإداري يسعى إلى تحيق هذه الغاية، عندما وسع من صلاحيات الولاة والعمال ومنحهم مكانة محورية على مستوى الإشراف والتوجيه والتنسيق في علاقتهم بالمصالح اللاممركزة للدولة. ولمواكبة مستجدات وأهداف نظامي اللامركزية واللاتمركز الإداريين نص مرسوم 30 يناير 2020 بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية على انه: ” تحدث المصالح اللاممركزة التابعة لوزارة الداخلية ويحدد تنظيمها وفق أحكام النصوص التنظيمية الجاري بها العمل، لاسيما المرسوم رقم 2.17.618 الصادر في 26 ديسمبر 2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري”، والتي ستكون تحت رئاسة وإشراف ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم بصفتهم ممثلي وزارة الداخلية بالإدارة الترابية في دائرة نفوذهم الترابي.
وبالتالي فإن تدخلات وزارة الداخلية لتدبير حالة الطوارئ الصحية عبر ممثليها من الولاة والعمال ورجال السلطة الذين يشتغلون تحت إشرافهم ومراقبتهم، تنبع من هذه الاعتبارات المرتبطة بأزمة طارئة خطيرة ذات أبعاد صحية وأمنية واجتماعية واقتصادية، مسنودة بمنطلقات وأسس قانونية منظمة للاختصاصات ومجالات التدخل، بتنسيق وتعاون مع مصالح الدولة اللاممركزة والجماعات الترابية الفاعلين الأخرين، من الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، لمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن جائحة فيروس كوفيد-19″.
3- أسباب وأهداف منح الولاة والعمال مهام تدبير إجراءات حالة الطوارئ الصحية
بالنظر لأهمية الصحة العامة للمواطنيين باعتبارها احد العناصر الأساسية للنظام العام، وارتباطها بأمن وسلامة السكان، والتي يسهر على حمايتها مجموعة من القطاعات والمتدخلين، تأتي في مقدمتها وزارة الصحة، بالإضافة للسلطات العمومية الأخرى، كوزارة الداخلية بهدف حماية وضمان الأمن الصحي للبلد.
استنادا إلى الوضع القانوني والإداري لوزارة الداخلية والاختصاصات المسندة لها عبر ممثليها بالإدارة الترابية، بالإضافة إلى تمتعها بشبكة من وسائل المراقبة والضبط والتنظيم، بما يتوفر لديها من جهاز إداري يغطي كامل التراب الوطني، مزود بموارد بشرية من مختلف الأطر والدرجات والرتب موزعة في كل أرجاء البلاد، والاتصال المباشر واليومي مع السكان، وبحكم خبرتها وتجربتها العريقة في الإدارة والتدبير في كل ما يتعلق بالقضايا التي تهم الشأن العام، والقطاعات الحيوية للحياة العامة بالبلد، سواء في الحالات العادية أو في وقت الأزمات، أصبحت هذه الوزارة تحتل موقعا متميزا في النظام الإداري المغربي باعتبارها ملتقى الطرق من حيث الاختصاصات والتدخلات، بالموازاة مع القطاعات الوزارية الأخرى، وصلة وصل بين السلطة المركزية والسكان.
وبالتالي فإن نجاعة وفعالية التدابير والإجراءات المتعلقة بتدبير حالة الطوارئ الصحية على المستوى الترابي، في ظل عدم استقرار الحالة الوبائية بالمغرب -خاصة في بعض الجهات والأقاليم التي لا زالت تسجل فيها العديد من حالات الإصابات الجديدة- تستوجب وجود مؤسسة ترابية مؤهلة قادرة على ممارسة الإشراف والتوجيه والتقرير، لتأمين تنسيق تدخلات مختلـف السلطات والمصالح اللاممركزة لا سيما الصحية والأمنية منها، وتوحيد جهودها وانسجامها، ولعب دور ضابط إيقاع لتفادي تشتت عملها وتحسين أدائها وتدبيرها لمواجهة تفشي الوباء على المستوى الترابي.
ونظرا للقيمة الرمزية والمكانة المحورية التي يتمتع بها الولاة والعمال في النسق السياسي والاجتماعي والبناء المؤسساتي والنظام الإداري المغربي، لتدبير مجمل القضايا التي تهم الحياة العامة في مجال نفوذ اختصاصهم الترابي، في إطار الصلاحيات والواسعة والمتنوعة التي تخولها لهم مختلف الأنظمة القانونية ذات الصلة. الأمر الذي يجعلهم في وضعية يتحملون فيها المسؤولية الأولى، في تفعيل وتنزيل التدابير والإجراءات المرتبطة بتدبير حالة الطوارئ الصحية على مستوى مجال تدخلهم، ومن ثم يتحتم عليهم الحرص على ضمان التقائية وتكامل وفعالية تدخلات كافة الفاعلين على المستوى الترابي. لما تقتضيه ضرورة الحرص على الحفاظ على فعالية ونجاعة وسرعة الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19″، والتي تحتاج إلى قرارات وتحركات ميدانية سريعة استباقية لتدبير هذه الأزمة الطارئة والمعقدة. لذلك كانت وزارة الداخلية حاضرة بقوة في الأزمة منذ البدايات الأولى، باتخاذها العديد من القرارات وكان أهمها الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية رغم عدم وجود أي نص قانوني ينظم هذه الحالة، وإعدادها لمشروع مرسوم بقانون الخاص بحالة الطوارئ الصحية، كما شكلت الأداة التنفيذية الرئيسية للحكومة، فيما يتعلق بالعمليات الميدانية.
بحيث أصبحت أجهزة الإدارة الترابية بمختلف دراجاتها أمام تمرين صعب، لقدرتها على التصرف والتحرك الميداني والاستباق والتفاعل واتخاذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب، لإدارة الأزمة في ظل وضع استثنائي ومضطرب، في إطار احترام القانون وعدم المس بالحقوق والحريات الاسياسية للمواطنين، من اجل الحد من انتشار الفيروس والتخفيف من أثاره الاقتصادية والاجتماعية، خاصة على الفئات المحتاجة والهشة.
وفي هذا الصدد قد كشفت هذه الجائحة عن مجموعة من المواضيع والمفاهيم والقيم المرتبطة بالمجتمع والسلطة وتحديد طبيعة العلاقة بينهما، من خلال العودة القوية والحضور البارز لجهاز السلطة، لكن ليس في نمطها القديم القائم على مفاهيم الإكراه والجبر والقمع والعنف، بل وفق مقاربة جديدة تميزت بمختلف أشكال التفاعل والإنصات والتعاون والمواطنة والتوجيه، فقد كانت رجالات ونساء الإدارة الترابية واعوانها بمختلف رتبها حاضرة في العمليات الميدانية من خلال السهر على تنفيذ وتفعيل تدابير وإجراءات حالة الطوارئ الصحية، والإشراف على تقديم الدعم المخصص للأسر المحتاجة، والانخراط في دعم الأعمال الخيرية والإنسانية ومراقبة الأسعار وتموين الأسواق بالسلع والمواد الغذائية الأساسية، وتنظيم حملات تواصلية مع المواطنين لتحسيسهم بخطورة الفيروس، وإصدار بلاغات وتقديم التوضيحات اللازمة عن جميع الإجراءات المتخذة، بالرغم من بعض التجاوزات القليلة التي وقعت من قبل بعض رجال السلطة، نتيجة الضغط والإجهاد في العمل المتواصل، وهي حالات محدودة ومعزولة، وقد لقيت هذه المجهودات استحسانا من قبل المواطنين، وبالتالي يجب على الدولة استثمار هذا التحول الايجابي الذي أبان تفاعل ايجابي واستجابة تلقائية للمواطنين مع التدابير والإجراءات الوقائية غير المعهودة التي قيدت العديد من الحقوق والحريات، التي اتخذتها الدولة لمواجهة مخاطر تحديات المرحلة، باعتباره مدخلا أسياسيا ينضاف إلى التراكمات السابقة لإعادة الثقة في علاقة الدولة بالمجتمع والمواطن، للتأسيس لمرحلة جديدة قوامها التعاقد والمسؤولية والتكامل والتضامن وفق ثنائية الحق والواجب، لتجسيد مقومات دولة المواطنة.
لقد أظهرت هذه الجائحة أهمية القرارات والتدابير والخطوات التي اتخذتها الدولة في مختلف المجالات للحد من انتشار الفيروس والتخفيف من الانعكاسات الناجمة عنه. بحيث أن المؤشرات والدروس المستقاة من معاينة طبيعة وطرق تدبير أزمة كورونا بالمغرب، بينت مدى أهمية وجود حكامة ترابية جيدة مسؤولة تعزز عمليات التدخل الميداني والتنسيق والتفعيل الاستباق السريع والناجع، لكل القضايا المرتبطة بتدبير الأزمات الطارئة والمستجدة على المستوى الترابي، ضمانا لالتقائيتها وفعاليتها بهدف الحفاظ على سلامة المجتمع حماية الأمن الإنساني الشامل للبلد.
إن الطابع الفجائي والمتسارع والخطير لوباء كورونا كوفيد- 19″، خلق حالة أزمة طارئة تحتاج إلى تدابير وإجراءات استثنائية وسريعة، تقتضيها تدبير مثل هذه الأزمات، مما أدى إلى إظهار طريقة جديدة للاشتغال لم تكن معهودة، بحيث عملت الدولة على تهميش عمل بعض القطاعات الوزارية والأحزاب السياسية والجماعات الترابية، والتي اكتفت بمواكبة ودعم التدابير المتخذة، في حين برزت قطاعات وزارية أخرى مدعومة بفريق من التقنوقراط تتصدر الواجهة. لا سيما وزارتي الداخلية والصحة عبر ممثليها على المستوى الترابي.
غير أن هذا التوجه الذي اعتمدته الدولة لقي بعض الانتقادات، لا سيما من قبل بعض الفاعلين السياسيين، الذين اعتبروا هذا التفويض، يطلق يد الولاة والعمال، ويشكل تهميشا واقصاءا للمنتخبين وإبعادهم في تدبير حالة الطوارئ الصحية، بالرغم من الاختصاصات التي يخولها الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة في مختلف المجالات المرتبطة بمواجهة الآثار الناجمة عن فيروس كورونا كوفيد-19″. بحيث أن الصلاحيات والواسعة الأدوار المتنوعة المنوطة بالولاة والعمال، قد تعيد إنتاج مركزية جديدة على المستوى الجهوية والإقليمي، يجسدها الولاة والعمال وممثليهم على المستوى المحلي، حسب رأي بعض الباحثين.
لقد مثلت هذه الجائحة اختبارا جديا لمدى استجابة الدولة بمختلف قطاعاتها وأجهزتها ومصالحها، خاصة التي تعمل في الصفوف الأمامية في الميدان للتعامل معها وتطويق انعكاساتها السلبية والتخفيف من الخسائر الناجمة عنها.
وبالتالي فان تفويض السلطة المركزية الولاة والعمال صلاحية تدبير إجراءات حالة الطوارئ الصحية لمواجهة الآثار الناجمة عن فيروس كورونا كوفيد-19″، بتنسيق مع المصالح اللاممركزة للقطاعات الوزارية الأخري، يشكل مدخلا أساسيا وامتحانا مهما لتفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري، للتخلص التدريجي من كافة أعبائها حتى تتفرغ لوظائفها الأساسية التي تتجسد في وضع السياسات العامة والتنظيم والمراقبة والتوجيه، وتدعيم ومساعدة الوحدات الترابية اللاممركزة بالوسائل والموارد الضرورية للقيام بمهامها، واتخاذ قراراتها ومبادراتها وخدماتها لتحقيق السرعة والفعالية والجودة والنجاعة المطلوبة.