جائحة فيروس “كوفيد-19″، أي تطبيق لنظرية القوة القاهرة على عقود الشغل؟
يشهد العالم اليوم بأسره تفشي وباء كورونا المستجد ” كوفيد-19″ ، الذي شل الحركة داخل المجتمعات وإحداثه اختلالات عميقة في نظام حياة ملايين البشر، وإخراجهم عما ألفوه واعتادوه في سابق أيامهم ، وتأثرت بسببه مجموعة من المعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي قلبت موازين الحياة الطبيعية في أرجاء المعمور ومن بينهم المغرب ، هذا الأمر أدى إلى إغلاق معظم المقاولات والمؤسسات بصفة عامة والمقاهي والمطاعم ودور السينما …، إما بشكل كلي أو جزئي.
ولقد اتخذت بلدنا مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية لمواجهة تفشي هذه الفيروس الفتك ، بعد إصدار مرسوم عدد2.20.293 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية ، وإحداث صندوق خاص بتدبير هذه الجائحة بتعليمات من صاحب الجلالة الملك محمد السادس وكذلك سهر لجنة اليقظة الاقتصادية من أجل تتبع وتقييم وضعية الاقتصاد الوطني ودراسة التدابير التي يتعين اتخاذها من أجل تخفيف هذه الأزمة ، ومما لا شك فيه أن مجموعة من الوحدات الصناعية والتجارية و الفلاحية ستعرف انعكاسات كبيرة من عدة جوانب التي ستخلق تضارب بين أرباب العمل والأجراء حول عقود الشغل .
الأمر الذي سيطرح إشكالات عديدة على أرضية الواقع ، وسيؤدي إلى تضارب الآراء بين الفقهاء والقضاة و الباحثين في مجال القانون حول مآل عقود الشغل في ظل تجاوز هذا الوباء الفتك، مما سيدفع المحاكم إلى رسم حل للنزاعات الشغل التي ستثار أمامها بين المشغل و الأجير، وقد أحط المشرع المغربي عقد الشغل بمجموعة من الضمانات في حالة انتهائه ومن بينها القوة القاهرة التي تما تنصيص عليها في المادة 33 من مدونة الشغل ، مما يدفعنا إلى تساؤل :
* ما مدى قانونية القوة القاهرة في ظل جائحة كورونا ؟ وما هو مصير عقود الشغل في حالة توقفه ؟ وما هي الآثار إنهائه في ظل هذه الجائحة ؟
أولا: التكييف القانوني للقوة القاهرة في ظل جائحة كورونا .
بالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن المشرع وضع نصين تشريعيين يشكلان الإطار العام لمفهوم القوة القاهرة ضمن ظهير الالتزامات والعقود ، ويتعلق الأمر بالفصلين 268 و 269 ق.ل.ع ، حيث يظهر بأن المشرع أسقط الحق في التعويض إذا تحققت القوة القاهرة وتحديد الآثار المترتبة عنها طبق للفصل 268 ” لا محل لأي تعويض ، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه ،كالقوة القاهرة ، أو الحادث الفجائي ، أو مطل الدائن ” ، وكما تما تعريف القوة القاهرة في الفصل 269 ق.ل.ع ” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه ، كالظواهر الطبيعية ( الفيضانات و الجفاف ، والعواصف والحرائق و الجراد ) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه ، ما لم يقم المدين دليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين “.
فعند التمعن في مقتضيات النص أعلاه يظهر على أنه لتتحقق القوة القاهرة يجب أن يتوفر ثلاثة شروط أساسية وهما كتالي:
. شرط المباغتة و لفاجأ
. شرط العجز عن دفع هذا الحادث
. شرط استقلال هذا الأمر عن إرادة المدين ، بمعنى لا تكون له يد في حدوثه.
والإشارة فإن الفصل 269 ق.ل.ع لم يتكلم عن الأمراض والأوبئة كقوة قاهرة ، لكن الطريقة التي أشار المشرع فيها في هذا الفصل لم تأتي على سبيل الحصر بل على سبيل المثال حينما تم التنصيص بحرف الكاف عن هذه الظواهر” كالظواهر الطبيعية ( الفيضانات والجفاف …) ، مقارنة بشرط يضفي عليها هذه الصفة وهو أن يكون من شأن هذه الظواهر جعل تنفيذ الالتزام مستحيلا[1]
ونص الفصل 745 من ق.ل.ع على الحالات التي يتم فيها انقضاء إجارة الصنعة و إجارة والخدمة ومن بين هذه الحالات “… باستحالة التنفيذ الناشئة إما بسبب حادث الفجائي أو القوة القاهرة…” ،كما أن هذا الفصل أحال على مجموعة من المواد في مدونة الشغل .
وبرجوع إلى مدونة الشغل لا نجد أي تعريف للقوة القاهرة ، بل نجد المشرع نص على بعض الحالات التي تترتب عليها القوة القاهرة وهي على سبيل الحصر، كحالة إجازة المرض المنصوص عليها في المادة 271 من مدونة الشغل ،وكذلك الحالة المتعلقة بمدة العطلة السنوية المؤدى عنها المادة 239 من نفس القانون ،والإغلاق المؤقت للمقاولة المادة 352 مدونة الشغل…
ثانيا: مصير عقد الشغل عند توقفه خلال مرحلة الطوارئ الصحية.
1- توقف عقد الشغل عند الإغلاق المؤقت للمقاولة بسبب جائحة كورونا.
حدد المشرع حالات توقف عقد الشغل المنصوص عليها في المادة 32 من مدونة الشغل “… الإغلاق القانوني للمقاولة بصفة مؤقتة…” ، في حين نص في المادة 33 من نفس المدونة على القوة القاهرة، والتي تخول الأطراف علاقات الشغل على إنهاء العقد دون أن يترتب عن ذلك أي تعويض للطرف الآخر وكذلك المادة 43 من نفس المدونة ” …يعفى المشغل والأجير من وجوب التقيد بأجل الإخطار في حالة القوة القاهرة “، مما يجعلنا نعتقد بأن القضاء المغربي سيعتبر جائحة كورونا الجديد قوة قاهرة، الآن الوباء لم يكن متوقعا بسبب طبيعته وليس هناك وسائل طبية ناجعة للقضاء عليه ،كما يمكن تكيف هذه الجائحة على أنها واقعة مادية لا يستطيع الإنسان أن يتوقعها ، ويستحيل دفع هذا الضرر الناشئ عنها ، فضلا عن أنها حادث خارج عن إرادة الطرفين ( الأجير/ المشغل ) مما يجعلها مرتبطة بالقوة القاهرة .
أما فيما يخص المقاولات التي لم تتوقف لا يمكنها أن تتضرع بالفيروس كورونا كقوة قاهرة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أي فصل الأجير من طرف المشغل في هذه الحالة سيعتبر فصل تعسفيا ، أما المقاولات المتوقفة بسبب قرارات السلطة الحكومية فتعتبر هذه الأوامر قوة قاهرة ، ولا يترتب عنها فسخ العقد أو انتهائه وإنما يتوقف عقد الشغل خلال فترة الإغلاق المحددة بموجب قرار الذي أصدرته السلطات الحكومية ببلادنا التي حددت في إطارها مجموعة من إجراءات الاحترازية المتخذة لمواجهة فيروس ” كوفيد-19″ ، حيث أمرت بعض القطاعات المعينة بالإغلاق لمدة قد تطول أو تقصر ، أملا أن تراجع الأمور لنصبها الاعتيادي عند الانتصار على هذا الوباء ، وهذا ما تما تنصيص عنه في المادة 3 من قانون 25.20 من أنه ” تعتبر الفترة المنصوص عليها في المادة الأولى أعلاه ( أي الفترة الممتدة من 15 ماي إلى 30 يونيو 2020) ، بالنسبة للعاملين المشار إليهم في المادة المذكورة ، في حكم فترة توقف مؤقت لعقد الشغل بالنسبة الأجراء وفق أحكام المادة 32 من قانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل… ، وتوقف عقود التكوين بالنسبة للمتدربين ، وتظل بالتالي العلاقة التعاقدية مع مشغليهم قائمة وتحسب الفترة المذكور كمدد تأمين لتخويل الحق الأجراء المشار إليهم في الفقرة السابقة في التعويضات المنصوص عليهم في الظهير الشريف 22.18 الصادر بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392 الموافق ل28 يوليوز 1922 المتعلق بالضمان الاجتماعي… ” . ومرسوم بقانون رقم2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاص بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها …
2- توقف عقد الشغل عند مغادرة الأجير للمقاولة بسبب جائحة كورونا.
نص المشرع في المادة 63 من مدونة الشغل أنه يقع على المشغل عبئ إثبات واقعة المغادرة التلقائية الأجير، فإن القضاء المغربي اشترط على هذا الأخير ضرورة توجيه إنذار للأجير بالرجوع إلى عمله وهذا ما ذهبت إليه إحدى القرارات محكمة النقض(قرار عدد982 الصادر بتاريخ 24-05-2012).[2]
ولم يقف القضاء فقط عند هذا الشرط لوجوب توجيه إنذار للرجوع للشغل بل تجاوزه إلى ضرورة توصل الأجير بهذا الإنذار،وهذا ما جاء فإحدى قرارات الصادرة عن محكمة النقض في هذا الباب ( قرار عدد 2046 بتاريخ 18-12-2012)،[3] فالمغزى من هذا التوجيه يتمثل في تأكيد حسن نية هذا الأخير وأنه لم يكون هو سبب في مغادرة الأجير لعمله .
ففي الحالة التي يغادر الأجير عمله بخصوص المقاولات التي شملتها القرارات التي أصدرتها الحكومة بالإغلاق خوفا من إصابته بالفيروس ” كوفيد 19″ ، فسيكون الأمر هو مغادرة الأجير لعمله باختياره وإرادته ، ويحق لمشغله الاستغناء عنه ولا يمكن له بعد رفع الحجر الصحي الذي أقرته السلطات بالتمسك بالفصل التعسفي، طالما قد اختار مغادرة عمله طوعا وفي وقت تكون المقاولة في حاجة ماسة لأجرائها لتجاوز الآثار السلبية لهذه الجائحة.
أما في الحالة التي يقوم فيها المشغل بتسريح الأجراء وتوقف عمل المقاولة، فيعتبر هذا الأمر فصلا تعسفيا ما عادى إذا اختارت المقاولة صرف أجور العمال عن هذا القرار الذي اتخذته .
فالمقاولات التي شملتها قرارات السلطة الحكومية ، فتكون ملزمة بإتباع الإجراءات والتدابير التي اتخذتها هذه الأخيرة ،ويتعين عليها إغلاق المقاولة ،وتصريح بالأجراء الاستفادة من الدعم الذي خصصته الدولة لهذه الفئة ، من قبل صندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ثالثا: أثار عقد الشغل عند انتهائه في ظل جائحة كورونا.
إن إنهاء عقد الشغل ، غالبا ما يؤدي بطرفيه ، إلى النظر في هذه الإنهاء نظرة متناقضة ، فكل منهما يرى من زاويته الخاصة الأساس الواجب اعتماده ، قصد جعل المسؤولية على عاتق الطرف الأخر.[4] مما يدفعنا إلى تساؤل ما هي الآثار المترتبة على عقد الشغل عند انتهائه بسبب هذه لجائحة؟
وسنحاول التطرق لهذا التساؤل من زاويتنا أساسيتين وهي كتالي:
1-آثار انتهاء عقد الشغل بسبب الفصل عند إغلاق المقاولة .
نص المشرع المغربي في المادة 66 من مدونة الشغل ،على الحالات التي تسمح بإغلاق المقاولة والمسطرة التي يجب إتباعها قبل تسريح الأجراء الذين يشتغلون داخلها في الحالة العادية.
أما في الحالة التي يتم إغلاق بسبب جائحة “كوفيد 19″، فإننا يمكن إدخالها في زمرة الأسباب الاقتصادية لما لها من تداعيات اقتصادية وخيمة على المقاولات ، خاصة المتعلقة بالتصدير والاستيراد بفعل إغلاق الحدود ،نفس شيء للمقاولة التي شملها إغلاق عن طريق القرارات السلطة الحكومية ،حيث هذا إغلاق وتسريح سيكون مؤقتا بفعل السلطة ، واستفادة الأجراء المنخرطون من صندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
أما المقاولات التي لم يشملها قرار سلطة فإنه يجب أن تباشر عملها كما اعتادت، مع الأخذ بجميع الاحتياطات والتدابير اللازمة للسلامة الأجراء ،وتخفيض ساعات العمل لمباشرة أعمالها عن بعد ” في منزلهم ” ،التي نص عنها المشرع في المادة 8 من مدونة الشغل ” يعتبر أجراء مشتغلين بمنازلهم ، في مدلول هذا القانون ، من توفر فيهم الشرطان أدناه ، دون داع إلى البحث عن وجود أو انتفاء علاقة تبعية قانونية تربطهم بمشغلهم ، ولا عن كونهم يشتغلون أو لا يشتغلون مباشرة واعتياديا تحت إشراف مشغلهم ، ولا عن كون المحل الذي يعملون فيه والمعدات التي يستعملونها ملكا لهم أو لا…”، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمشغل ملزم في جميع الحالات بعدم إنهاء العقد ، سواء كان محددا أو غير محدد المدة ، إلا إذا كان ذلك مبررا بصدور خطأ جسيم من طرف الأجير ، أو اعتمادا على القوة القاهرة [5]، والخروج عن الأمر يوجب التعويض .
2- آثار الفصل من الشغل بسبب وباء كورونا.
نظم المشرع الإجراءات المسطرية المتعلقة بممارسة الفصل التأديبي التي تهم عموم الأجراء في الفرع الخامس من الباب الخامس من القسم الأول من الكتاب الأول من مدونة الشغل ، المعنون بالفصل التأديبي ، والذي يضم المواد من 61 إلى 65 من مدونة الشغل .
ولذلك فحتى لو ثبت للمشغل ارتكاب الأجير لخطأ يبرر إيقاع عقوبة الفصل عليه ، وتوفرت لديه الأدلة الكافية التي لا يتطرق لها الشك في اقترافه للخطأ ، فإنه يتعين عليه مراعاة مسطرة الفصل التأديبي، ويتعين التمييز فيما يخص المسطرة بين الإجراءات التي يتعين على المشغل احترامها قبل فصل الأجير، وتلك التي يجب عليه التقيد بها أثناء وبعد اتخاذ قرار الفصل .[6]
فبعد السيطرة الكلية لتفشي فيروس كورونا “كوفيد-19” ، ستطرح العديد من النزاعات الشغلية داخل المقاولات على القضاء المغربي ، الذي يجب أن يبحث عن التكييف القانوني لهذا الفصل الذي يتعرض له الأجراء، وذلك عن طرق تحديد الحالات التي يكون فيها فصلا مشروعا ، والحالات التي يعتبر فيها الفصل تعسفيا .
من بين التدابير الاستثنائية التي قد تتخذها المقاولة لمواجهة جائحة كورونا اتخاذ المشغل قرار تجاوز مدة الشغل العادية وتمديد مدة الشغل العادية ، وهو ما يحتم على الأجير الامتثال لهذه القرارات ، طالما أنها لم تتجاوز الحد القانوني المسموح به مقابل استفادته من أجرة تعادل الأجرة المؤدى عن مدة الشغل العادية ، مما يعنى أن إنهاء العقد بسبب هذه التدابير لا يعتبر فصلا تعسفيا ، كما يمكن أن تلجأ المقاولة الاستدراك ساعات الشغل الضائعة بعد استشارة مندوب الأجراء و الممثلين النقابيين في حالة وجودهم شريطة عدم تجاوز مدة الاستدراك المدة القانونية وهذا ما نصت عنه المادة 189 من مدونة الشغل.[7]
وفي الختام يمكن القول أن التكييف القانوني لهذه الجائحة يترك للقضاء حسب الوقائع المعروضة أمامه ، ومدى انطباق أحكام كل منها على القوة القاهرة أو نظرية الأمير على الواقعة.
رشيد وهابي “تأثير كوفيد-19 على عقود العمال من ضحايا الفيروس” منشور بجريدة هبة بريس مقال للأستاذ -1–
-ذ.عمر أزوكار، قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل ، الجزء الثالث ، الطبعة الأولى 2014[2]
-ذ.عمر أزوكار، قضاء محكمة النقض في مدونة الشغل ، الجزء الثاني ، الطبعة الأولى 2013[3]
4-ذ.محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل “علاقات الشغل الفردية”، الجزء الثاني، المجلد الثاني ،الطبعة يناير 2007،ص 794.
-ذ.محمد سعيد بناني، نفس المراجع أعلاه ، ص 811[5]
-www.cabinetcostas.net- ذ.حسن هروش ،”الرقابة القضائية على مسطرة الاستماع للأجير”، المنشور بالمواقع الإلكتروني [6]
-www.m.hespress.com- ذ،مولاي حفيظ حفيضي، “مآل عقود الشغل بعد تجاوز أزمة كورونا”، المنشور بالموقع الالكتروني، [7]