التقادم المسقط في القانون المغربي
عمل المشرع المغربي في القسم السادس من الكتاب الاول من قانون الالتزامات و العقود على الحديث عن انقضاء الالتزامات حيث خصص لهذا القسم الفصول من 319-398، جاء التنصيص في الفصل 319 على ان الالتزامات تنقضي ” الوفاء، استحالة التنفيذ، الابراء من الالتزام، التجديد، المقاصة، اتحاذ الذمة، التقادم، الاقالة الاختيارية” وبخصوص التقادم يأتي على نوعين: تقادم مكسب وتقادم مسقط، فالتقادم المكسب هو الذي يسمح لحائز الحق العيني أن يكسب هذا الحق إذا استمرت حيازته مدة من الزمن عينها القانون، أما التقادم المسقط فهو سبب يؤدي إلى انقضاء الحقوق الشخصية والعينية مما عدا حق الملكية، وإذا سكت عليها صاحبها وأهمل المطالبة بها زمنا حدده القانون.
والذي يهمنا هنا هو التقادم المسقط في حقل الالتزامات، وقد عرض المشرع للتقادم المسقط في الفصول من 371 إلى 392 ق ل ع.
ونحن في ضوء هذه النصوص سنعمد إلى تعريف التقادم المسقط وبيان الأساس القانوني الذي يرتكز عليه، ثم ننتقل إلى بيان مختلف الشروط الواجب توافرها ليتحقق التقادم، ثم نبحث في كيفية إعمال التقادم وفي الآثار التي تترتب عليه، ثم نختم البحث بكلمة نخصها لمدد الإسقاط لنتعرف على كل هذه المدد ونميز بينها وبين التقادم المسقط.
وعليه سنقسم هذا الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول سنتطرق فيه إلى تعريف التقادم(المطلب الأول) وشروطه تحققه(المطلب الثاني)، أما المبحث الثاني فسنبين فيه كيفية إعمال التقادم المسقط(المطلب الأول) ومدده(المطلب الثاني).
المبحث الأول: تعريف التقادم وشروط تحققه
المطلب الأول: تعريف التقادم
التقادم المسقط هو سبب لانقضاء الحقوق المتعلقة بالذمة المالية ولا سيما الالتزامات إذا أهمل المطالبة بها خلال مدة معينة يحددها القانون، فالزمن الذي يتغلب على كل شيء والذي ينال من المؤسسات والقوانين والكلمات، يهدم الحقوق كذلك فيدفع بها إلى عالم النسيان ويجعلها تتلاشى لمجرد أنها بقيت راكدة مدة طويلة دون أن تستعمل أو يطالب بها. وتلاشي الحق بالتقادم يعني طبعا منع سماع الدعوى به، وقد وجد المشرع أن يؤكد على هذا المعنى في الفصل 371 ق ل ع.
المطلب الثاني: شروط تحقق التقادم
إن تحقق التقادم المسقط يتطلب توافر شرطين:
الشرط الأول: وجوب كون الحق أو الدعوى مما يتقادم ( الفقرة الاولى) و الشرط الثاني: وجوب انقضاء المدة المحددة قانونا لتحقق التقادم ( الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى : وجوب كون الحق او الدعوى مما يتقادم
اولا : المبدأ
القاعدة الأصلية أن كل الالتزامات والدعاوى الناشئة عنها تخضع للتقادم المسقط، وهذا ما أكده المشرع في الفصل 371 حيث قرر أن التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام، مؤيدا بذلك مبدأ سريان التقادم على أي التزام وعلى أي دعوى تنشأ عنه.
ثانيا: الاستثناءات
إن المبدأ شمول التقادم كل التزام وكل دعوى تتعلق به بعض الاستثناءات، فثمة التزامات تستعصي على التقادم بمقتضى نص في القانون جعلها غير قابلة لأن تتقادم، وهذه الالتزامات غير القابلة استثناء للتقادم والوارد عليها النص في الفصلين 377و378 وهي:
ـ الالتزامات المضمونة برهن حيازي أو رهن رسمي ف 377
فالالتزام المضمون برهن حيازي أو برهن رسمي لا يتقادم مهما مر من الزمن عليه ما دام الدائن محتفظا بحيازة المرهون أو مادامت إشارة الرهن الرسمي مقيدة لمصلحته في الرسم العقاري، ذلك أن إبقاء المرهون في حيازة الدائن المرتهن رهنا حيازيا أو إبقاء قيد الرهن الرسمي في الرسم العقاري مقيدا على اسمه يشكل إقرارا مستمرا يترتب الدين في ذمة المدين، ووجود هذا الإقرار المستمر يمنع بداهة من سريان التقادم بحق الدائن المرتهن.
ـ الالتزامات بين الأزواج
نصت الفقرة الأولى من الفصل 378 أنه:” لا محل لأي تقادم بين الأزواج خلال مدة الزواج”، فكل حق يترتب للزوج إزاء زوجته أو للزوجة إزاء زوجها يستعصي على التقادم ويمكن المطالبة به مهما طال الزمن على نشوئه بشرط أن تكون العلاقة الزوجية قائمة .
ـ الالتزامات بين الأب أو الأم أو أولادهما
ورد في الفقرة الثانية من الفصل 378 أنه:” لا محل لأي تقادم بين الأب أو الأم وأولادهما”، فكل حق ترتب للأب أو للأم على الابن أو للابن على الأب أو الأم هو حق لا يسري عليه التقادم وتسمع الدعوى به في أي وقت شاء صاحب الحق مباشرتها، ولا يشترط في الابن الدائن أن يكون قاصرا حتى لا يتقادم دينه، بل إن مجرد قيام علاقة البنوة بين الدائن والمدين يكفي ليكسب الدين مناعة تجعله غير قابل للتقادم.
ـ الالتزامات بين ناقص الأهلية والأشخاص المعنوية وبين من له الولاية عليهم:ف2/ 378
” لا محل لأي تقادم بين ناقص الأهلية أو الحبس أو غيره من الأشخاص المعنوية والوصي أو المقدم أو المدير مادامت ولايتهم قائمة ولم يقدموا حساباتهم النهائية”، فلو حصل أن ترتب للمحجور عليه أو لجهة أو حبس أو شركة أو جمعية حق ما في ذمة الوصي أو المقدم أو في ذمة المدير الذي عهد إليه بالولاية على الحبس أو الشركة أو الجمعية، فإن هذا الحق لا يسري عليه التقادم ما دامت ولاية هؤلاء قائمة وما دامو لم يقدموا حساباتهم النهائية.
الفقرة الثانية: وجوب انقضاء المدة المحددة قانونا لتحقق التقادم
لابد حتى يتحقق تقادم الالتزام، أن تنقضي المدة التي حددها القانون، فعلينا أن نحدد طول هذه المدة ثم نبين بدءها وكيفية حسابها، ولما كان يحصل أحيانا أن تعترض سبيل التقادم عقبات تعيق وتعطل مضيه فتكون سببا لوقفه أو تزيل كل أثر سابق له فتكون سببا لقطعه، وجب علينا أن نبحث في وقف التقادم وقطعه، وثمة سؤال أخير نرى ضرورة طرحه والإجابة عليه، وهو ما إذا كان يمكن عن طريق الاتفاق تعديل مدة التقادم. وعليه سنعمل على دراسة كل موضوع من هذه المواضيع وذلك على التوالي.
اولا: طول مدة التقادم
القاعدة العامة
حسب الفصل 387 القاعدة الأصلية التي أخد بها المشرع هي تحديد مدة التقادم بخمس عشرة سنة، فكل دعوى تنشأ عن التزام يقبل التقادم يجب أن ترفع في مدة أقصاها خمس عشرة وإلا امتنع سماعها.
الاستثناء
إن لمبدأ تحديد مدة التقادم بخمس عشرة سنة بعض الاستثناءات، وهذه الاستثناءات قل فيها ما يتطلب مدة أطول، إنما يكتفي المشرع عادة بمدد أقصر من 15 سنة.
والاستثناءات المذكورة ورد بعضها في نصوص متناثرة خارج بحث التقادم، ولكن أكثرها ورد مباشرة في نصوص أعقبت النص الذي أعلن فيه المشرع القاعدة العامة القاضية بتحديد مدة التقادم بخمس عشرة سنة.
وسنكتفي بإعطاء أمثلة على الاستثناءات التي وردت في نصوص خاصة متناثرة هنا وهناك، وتلك التي نص عليها القانون في بحث التقادم.
1ـ الاستثناءات الواردة في نصوص خاصة خارجة عن بحث التقادم
إن المشرع أورد في نصوص متناثرة في مختلف نواحي ق ل ع، حالات استثنائية تتقادم فيها الدعوى بمدد غير المدة التي حددها المشرع مبدئيا بخمس عشرة سنة، ونكتفي على سبيل المثال بذكر الحالات التالية:
أـ دعوى المسؤولية التي يقيمها المتضرر أو أقاربه أو خلفاؤه ضد الدولة باعتبارها حالة محل رجال التعليم العام وموظفي الشبيبة والرياضة بنتيجة ارتكاب فعل ضار من الأطفال أو الشبان الذين عهد بهم إليهم أو ضدهم، تتقادم بمضي ثلاثة سنوات تبدأ من يوم ارتكاب الفعل الضار “الفصل 85 مكرر”.
ب ـ دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه، وتتقادم في جميع الأحوال بمضي 20 سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر “الفصل 106″.
ج ـ الدعوى الناشئة عن العيوب الموجبة للضمان أو عن خلو المبيع من الصفات الموعود بها يجب أن ترفع بالنسبة إلى العقارات خلال 365 يوما بعد التسليم، وبالنسبة إلى الأشياء المنقولة والحيوانات خلال 30 يوما بعد التسليم” الفصل 573 “.
2ـ الاستثناءات التي نص عليها المشرع في بحث التقادم
يمكن تصنيف هذه الاستثناءات إلى زمرتين: زمرة أولى ينقضي فيها الدين بمجرد الإدلاء بالتقادم دون إمكانية إقامة أي بينة على انشغال ذمة المدين شأن التقادم القصير في ذلك شأن التقادم العادي طويل الأمد، وزمرة ثانية يعتبر فيها التقادم قائما على قرينة وفاء قابلة للبينة المعاكسة عن طريق توجيه اليمين للمدين بأنه أدى الدين فعلا.
ـ زمرة الاستثناءات التي لا تقبل إقامة أي بينة على انشغال ذمة المدين: هذه الزمرة من الاستثناءات تتعلق بحالات يتقادم فيها الالتزام بخمس سنوات، وتتميز هذه الحالات في أن آثار التقادم من حيث سقوط الدعوى تترتب لمجرد أن يتمسك به ذو المصلحة دون أن يكون بمقدور الدائن تفادي سقوط الدعوى عن طريق إقامة البينة على انشغال ذمة المدين، ولا حتى عن طريق تكليف هذا الأخير حلف اليمين على براءة ذمته،
وقد ورد النص على هذه الحالات في الفصلين 391 و392.
ـ زمرة الاستثناءات القائمة على قرينة وفاء قابلة للبينة المعاكسة: وتتميز هذه الزمرة من الاستثناءات بأن التقادم فيها يقوم على قرينة وفاء غير قاطعة بل قابلة للبينة المعاكسة بحيث إذا أدلى ذو المصلحة بالتقادم المسقط جاز للشخص الذي يحتج ضده بهذا التقادم أن يقيم البينة على أن ذمة المدين مازالت مشغولة بالدين رغم انقضاء مدة التقادم.
غير أن هذه البينة محصورة بطريق واحد ليس إلا هو توجيه اليمين للمدين ليقسم أن الدين قد دفع فعلا، أو توجيه اليمين لأرامل المدين ولورثته ولأوصيائهم إن كانوا قاصرين ليصرحوا بما إذا كانوا لا يعلمون بأن الدين مترتب على المدين “الفقرة الثانية من الفصل 390″. فإن استجاب من وجهت إليه اليمين وحلفها برئت ذمة المدين بصورة نهائية، وإن نكل عن حلفها ثبت الدين في ذمة المدين ووجب عليه الوفاء به، ولا يتقادم الدين بعد ذلك إلا بخمس عشرة سنة من وقت صدور الحكم بثبوت الدين في ذمة المدين.
ومدة التقادم في هذه الزمرة من الاستثناءات ليست واحدة بل هي تختلف من دعوى إلى أخرى، فبعض الدعاوى تتقادم بخمس سنوات ” كدعوى التجار والموردين وأرباب المصانع بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من أجل حاجات مهنتهم (الفقرة الأولى من الفصل 388)”. وبعض منها يتقادم بسنتين” كدعوى الصيادلة من أجل الأدوية التي يوردونها، ابتداء من تاريخ توريدها( المقطع الثاني من الفقرة الثانية من الفصل 388)”، وأخرى تتقادم بسنة واحدة ذات ثلاثمائة وخمسة وستين يوما ” كدعوى أصحاب الفنادق والمطاعم، من أجل الإقامة والطعام وما يصرفونه لحساب زبنائهم (المقطع الرابع من الفقرة الثالثة من الفصل 388)”، وتحسب مدة هذا التقادم، في حالة الهلاك الكلي ابتداءا من اليوم الذي كان يجب فيه تسليم البضاعة، وفي غير ذلك من الأحوال ابتداء من يوم تسليم البضاعة للمرسل إليه أو عرضها عليه” الفقرة الرابعة من الفصل 389″، وفي حالة النقل الحاصل لحساب الدولة لا يبدأ التقادم إلا من يوم تبليغ القرار الإداري المتضمن للتصفية النهائية أو للأمر النهائي بالأداء ” الفقرة الرابعة من الفصل 389″ .
كما أن هناك نوع آخر من الدعاوى يتقادم بشهر واحد” كدعوى الرجوع التي تنشأ عن عقد النقل وتوجه ممن يثبت له الضمان ضد الضامن كأن توجه دعوى ضياع بضاعة أو دعوى عوارها ضد الناقل الأصلي ويكون الناقل الأصلي عهد بالنقل إلى ناقل ثانوي بحيث يثبت للناقل الأصلي الرجوع بالضمان على الناقل الثانوي، وتقادم الشهر هذا لا يبدأ إلا من يوم مباشرة الدعوى ضد الشخص الذي يثبت له الضمان” المقطع قبل الأخير من الفصل 389″.
ثانيا : بدء مدة التقادم وكيفية حسابهاّ
أ- القاعدة العامة
القاعدة العامة أن بدء سريان مدة التقادم يكون من وقت أن يكتسب الدائن الحق ويصبح بمقدوره الحصول عليه، وهذا ما أكده المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 380 حيث نص على أنه:” لا يسري التقادم بالنسبة للحقوق إلا من يوم اكتسابها”، ذلك أن الدائن يمتنع عليه قبل ذلك أن يطالب بحقه، فلا يعقل إذن أن نجعل التقادم يسري عليه وإلا آلت النتيجة إلى أن الدائن يفقد حقه حتى قبل أن يتيسر له ممارسة هذا الحق.
ومن تطبيقات هذه القاعدة العامة التي تقضي ببدء سريان مدة التقادم وقت صيرورة الحق مكتسبا ومستحق الأداء:
ـ الحقوق المعلقة على شرط واقف بحيث لا يسري عليها التقادم إلا من وقت تحقق الشرط؛
ـ دعوى الضمان لا يسري عليها التقادم إلا من وقت حصول الاستحقاق أو تحقق الفعل الموجب للضمان.
ـ الدعوى التي تتوقف مباشرتها على أجل، لا يبدأ سريان التقادم عليها إلا من وقت حلول الأجل.
ب – استثناءات القاعدة العامة
إن لقاعدة سريان مدة التقادم منذ اكتساب الحق واستحقاقه بعض الاستثناءات المقررة بنصوص خاصة على نوعين: نوع أول يجعل سريان مدة التقادم لاحقا ليوم اكتساب الحق” ونذكر على سبيل المثال ما ورد في الفصل 106 من أن دعوى التعويض عن جرم أو شبه جرم تقادم بخمس سنوات تبدأ من اليوم الذي يبلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر، الضرر من جهة ، والشخص المضرور من جهة ثانية”، ونوع ثان يجعله مقدما على هذا اليوم”ومثالها ما قرره الفصل 376 من أن التقادم يسقط الدعاوى المتعلقة بالالتزامات التبعية في نفس الوقت الذي يسقط فيه الدعوى المتعلقة بالالتزام الأصلي، ولو كان الزمن المحدد لتقادم الالتزامات التبعية لم ينقض بعد”.
ج- كيفية احتساب مدة التقادم
نص الفصل 386 على أن التقادم “يحسب بالأيام الكاملة لا بالساعات، ولا يحسب اليوم الذي يبدأ التقادم منه في الزمن اللازم لتمامه، ويتم التقادم بانتهاء اليوم الأخير من الأجل”.
ثالثا : قطع التقادم ووقفه
قد تطرأ أثناء سير التقادم عقبات تعترض سبيله فتزيل كل أثر سابق له وتكون سببا لقطعه، أو تعيق تحقيقه وتعطل مضيه فتكون سببا لوقفه. وعليه لابد لنا أن نبحث في قطع التقادم أولا ثم في وقفه.
أ- قطع التقادم
ويقتضي منا هذا الموضوع التطرق إلى أسباب القطع ثم للآثار المترتبة على هذا القطع
ــ أسباب القطع التقادم تصدر إما عن طريق المدين وإما عن طريق الدائن:
عين المشرع أسباب قطع التقادم في الفصلين 381 و382، ومن الرجوع إلى هذين الفصلين يتبين لنا أن أسباب قطع التقادم إما أن، تصدر عن الدائن وهو ما عرض له المشرع في الفصل 381 وإما أن تصدر عن المدين وذلك بإقراره بحق الدائن وهو ما عرض له المشرع في الفصل 382
ـ أسباب القطع الصادرة عن الدائن: إن أسباب قطع التقادم الصادرة عن الدائن هي ثلاث:
مطالبة الدائن المدين بحقه: ورد في مضمون الفقرة الأولى من الفصل 381 أن التقادم ينقطع بكل مطالبة من الدائن للمدين بحقه سواء كانت هذه المطالبة قضائية أم كانت غير قضائية وحتى لو رفعت أمام محكمة غير مختصة أو قضي ببطلانها لعيب في الشكل.
طلب الدائن قبول دينه في تفليسة المدين: ورد في الفقرة الثانية من الفصل 381، أن التقادم ينقطع” بطلب قبول الدين في تفليسة المدين”، ذلك أن المطالبة الفردية يمتنع إجراؤها منذ شهر الإفلاس، ويحل محلها تثبيت الدائن دينه في التفليسة، لذا كان طبيعيا أن يعتبر الطلب الذي يقدمه الدائن بقبول دينه في تفليسة المدين قاطعا للتقادم لأنه يقوم في الواقع مقام المطالبة القضائية.
مباشرة الدائن أي إجراء تحفظي أو تنفيذي على أموال المدين أو تقديم طلب للحصول على إذن بذلك: نصت الفقرة الثالثة من الفصل 381 على أن التقادم ينقطع بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على الإذن في مباشرة هذه الإجراءات، فحجز أموال المدين حجزا تنفيذيا أو تحفظيا أو حجز ما للمدين لدى الغير، كل ذلك يعتبر من الأسباب القاطعة للتقادم، كذلك يعتبر من سببا قاطعا للتقادم كل طلب يقدم للحصول على إذن في مباشرة هذه الإجراءات.
ـ أسباب القطع الصادرة عن المدين وذلك بإقراره بحق الدائن
يمكن أن يقطع التقادم بأسباب صادرة عن المدين وذلك بأن يقر بالحق المترتب في ذمته لمصلحة الدائن، وقد عرض المشرع لقطع التقادم بإقرار المدين في الفصل 382 حيث نص على أنه:” وينقطع التقادم أيضا بكل أمر يعترف المدين بمقتضاه بحق من بدأ التقادم يسري ضده، كما إذا جرى حساب عن الدين، أو أدى المدين قسطا منه وكان هذا الأداء ناتجا عن سند ثابت التاريخ، أو طلب أجلا للوفاء، أو قدم كفيلا بالدين”.
ــ الآثار التي تترتب على قطع التقادم
يمكن جمع الآثار التي تترتب على قطع التقادم حول القواعد التالية:
أولا: إن المدة المنقضية قبل حصول السبب الذي أدى إلى قطع التقادم، يزول كل أثر لها وتهدر من حساب مدة التقادم إذا ما عاد إلى السريان من جديد، وقد أعلن المشرع عن هذه القاعدة في مطلع الفصل 383 ق ل ع.
ثانيا: إن تقادما جديدا يبدأ سريانه من وقت زوال السبب الذي أدى إلى قطع التقادم، وهذا ما نبه إليه المشرع في الفصل 383 حيث بعد إعلانه وجوب عدم احتساب الزمن السابق على حصول قطع التقادم أضاف أن مدة جديدة تبدأ للتقادم من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع.
ثالثا: الأصل أن مدة التقادم الجديد تكون نفس مدة التقادم القديم الذي انقطع.
رابعا: الأصل أن انقطاع التقادم ينحصر أثره بطرفي الالتزام الذي انقطع تقادمه، وعليه إذا آل دين لعدة ورثة وانقسم فيما بينهم وقطع أحدهم التقادم ضد المدين، فإن أثر هذا القطع ينحصر أثره به وحده ولا يتعداه إلى بقية الورثة الذين يبقى التقادم ساريا عليهم، وكذلك إذا قطع الدائن التقادم ضد الكفيل فلا يقطعه ضد المدين الأصلي، وإذا قطعه بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين فلا ينقطع بالنسبة للآخرين” الفقرة الثانية من الفصل 176″، ولما كان ورثة الدائن وخلفاؤهم حكمهم حكم الدائن نفسه، فقد كان طبيعيا أن يمتد أثر قطع التقادم إليهم، و لهذا قرر المشرع في الفصل 385 “أنه يسوغ التمسك بانقطاع التقادم في مواجهة ورثة الدائن وخلفائه”.ولكن ثمة استثناءات توجد لهذا الأصل يمتد فيها أثر الانقطاع إلى غير طرفي الالتزام الذي انقطع تقادمه، من ذلك ما نص عليه الفصل 384 من أن انقطاع التقادم ضد الوارث الظاهر أو غيره ممن يحوز الحق، يسري على من يخلفه في حقوقه من وارث أو مالك حقيقي.
ب : وقف التقادم
ونفس الشيء بالنسبة لوقف التقادم سنعرض لأسباب وقف التقادم ثم لأثاره.
ــ أسباب وقف التقادم: عرض المشرع لأسباب وقف التقادم ف الفصول 387 و379 و380 وبالرجوع إلى هذه النصوص يتضح أن أسباب وقف التقادم ليست من طبيعة واحدة:فبعضها مستمدة من اعتبارات تتعلق بشخص الإنسان وبعضها يرجع إلى ظروف مادية اضطرارية.
ــ أسباب وقف التقادم التي تتعلق بالشخص: قرر المشرع وقف التقادم لمصلحة الأشخاص الآتي بيانها:
أ ـ وقف التقادم لمصلحة الدائن الذي يكون مرتبطا بالمدين برابطة الزوجية أو البنوة أو الأبوة أو الأمومة أو الولاية الشرعية: إن أي رابطة من هذه الروابط بين الدائن والمدين مما يجعل الدين غير قابل للتقادم، فإذا كان الدين قد نشأ ومثل هذه الرابطة قائمة بينهما، وهذا ما حمل المشرع على القول في الفصل 378 أن محل لأي تقادم بين الأشخاص الذين توجد فيما بينهم رابطة من هذا النوع، وهذا ما دفعنا إلى اعتبار الالتزامات القائمة بين الأزواج أو بين الابن وبين أبيه أو أمه، أو بين ناقصي الأهلية والأشخاص الاعتبارية وبين من لهم عليهم ولاية شرعية التزامات غير قابلة للتقادم وبحثنا فيها على أساس أنها استثناء لمبدأ شمول التقادم كل التزام وكل دعوى تتعلق به.
ب ـ وقف التقادم لمصلحة القاصر وناقص الأهلية: من خلال الفصل 379 ق ل ع يتضح لنا أن المشرع اشترط لوقف التقادم لمصلحة القاصرين غير المرشدين وناقصي الأهلية، أن لا يكون لهم نائب شرعي يعنى بشؤونهم، أما إذا كان إلى جانبهم ولي أو وصي أو مقدم فإن التقادم يسري بحقهم كما يسري بحق الراشدين، وعلى النائب الشرعي أن يبادر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لقطع التقادم أو للمطالبة بحق القاصرين أو ناقصي الأهلية وإلا كان مسؤولا عن الأضرار التي يلحق بهؤلاء.
كما أن المشرع قرر وقف التقادم لمصلحة القصر وناقصي الأهلية الذين لهم نائب شرعي بصورة مطلقة لا فرق بين تقادم عادي مدته 15 سنة وبين تقادم قصير مدته 5 سنوات أو سنتان أو سنة واحدة.
ووقف التقادم يستمر بالنسبة للقاصر حتى يرشد وإلا فحتى بلوغه سن الرشد، ويستمر بالنسبة لناقص الأهلية حتى زوال سببه بعودة المجنون إلى عقله وكف السفيه عن تبذير ماله، هذا كله ما لم يعين للقاصر أو ناقص الأهلية نائب قانوني قبل ذلك، حيث بمجرد تعيين هذا النائب القانوني يزول أثر الوقف ويعود التقادم إلى السريان.
ج ـ وقف التقادم لمصلحة المفقود والغائب: نصت الفقرة الرابعة من الفصل 380 على أن التقادم لا يسري” ضد الغائبين إلى أن يثبت غيابهم ويعين نائب قانوني عنهم، ويعتبر في حكم الغائب من يوجد بعيدا عن المكان الذي يتم فيه”، والمفقود هو الشخص الذي لا تعرف حياته أو مماته أو تكون حياته محققة ولكنه لا يعرف له مكان، فإلى أن يتثبت القاضي من فقدان الشخص أصولا ويعين له نائبا شرعيا يقف سريان التقادم بحقه.
د ـ وقف التقادم لمصلحة الدائن الذي يقوم مانع أدبي يتعذر معه عليه أن يطالب بحقه: فبعد أن قرر المشرع وقف التقادم لمصلحة أشخاص معينين عددهم في الفصول 378 و379 و380، أضاف مبدأ عاما في الفقرة الأخيرة من الفصل 380 مؤداه أن التقادم يقف سريانه لمصلحة أي دائن يوجد بالفعل في ظروف تجعل من المستحيل عليه المطالبة بحقوقه خلال الأجل المقرر للتقادم.
وهذا المبدأ العام الذي أعلنته الفقرة الأخيرة من الفصل 380 يتسع لشمول حالات عديدة غير الحالات القانونية التي خصها المشرع بالذكر ومثلها علاقة الخادم بالمخدوم مادام عقد الاستخدام قائما، وتقدير وجود مثل هذه الظروف التي تقوم معها حالات يقف فيها التقادم عن السريان متروك لسلطان القاضي الذي له أن يعتبرها سببا موقفا للتقادم وله أن لا يرى فيها شيئا من ذلك، خلاف ما هو الأمر بالنسبة لحالات وقف التقادم التي عددها المشرع والتي لا يستطيع القاضي، إذا وجدت وحدة منها، إلا أن يرتب عليها وقف التقادم.
ـ أسباب وقف التقادم العائدة لظروف مادية اضطرارية: إن ما أورده المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 380 لا يقتصر على الحالات التي يمتنع فيها على الدائن المطالبة بحقه لاعتبارات معنوية تتعلق بالشخص، بل هو يتسع للحالات التي يرجع فيها المانع من ممارسة الحق إلى ظرف مادي اضطراري يقترب من القوة القاهرة، وهنا أيضا يترك لقاضي الموضوع تقدير وجود هذا الظرف وأثره ولا معقب على هذا التقدير من محكمة النقض.
ــ آثار وقف التقادم:
يمكن جمع الآثار التي تترتب على وقف التقادم حول قاعدتين:
القاعدة الأولى: إذا وقف التقادم لسبب يوجبه، و سيره يتعطل ولا يعود إلى السريان إلا من وقت زوال هذا السبب، وإذا زال السبب الموقف وعاد التقادم إلى السريان، فإن المدة التي كان وقف خلالها لا يحسب ضمن مدة التقادم، ولكن المدة السابقة تؤخذ بعين الاعتبار وتضاف إلى المدة التالية لزوال السبب الواقف.
القاعدة الثانية: الأصل أن وقف التقادم ينحصر أثره بالشخص الذي يكون الوقف لمصلحته ولا يستفيد من ذلك أحد سواه.على أن هذا الأصل ثمة استثناءات منها أن التقادم إذا وقف بالنسبة إلى أحد المدينين في التزام غير قابل للانقسام، فإن طبيعة عدم تجزئة المحل تقتضي وقف سريان التقادم بالنسبة إلى باقي المدينين، ومنها كذلك أن التقادم إذا وقف لصالح أحد الدائنين في التزام غير قابل للانقسام، انتفع بذلك سائر الدائنين نظرا لما تقتضيه طبيعة عدم التجزئة. ولكن امتداد أثر وقف التقادم إلى غير الشخص الذي تقرر الوقف لمصلحته يبقى أمرا استثنائيا وتبقى الأصلية في هذا الخصوص أن وقف التقادم يجب حصره بالشخص الذي قام به السبب الواقف.
رابعا: الاتفاقات المعدلة لمدة التقادم القانونية:
عرض المشرع للاتفاقات المعدلة لمدة التقادم في الفصل 375 بنصه على أنه :”لايسوغ للمتعاقدين، بمقتضى اتفاقات خاصة تمديد أجل التقادم إلى أكثر من الخمس عشرة سنة التي يحددها القانون” ورغم أن هذا النص ورد قاصرا، كما هو ظاهر على التقادم الطويل فإنه مما لا ريب فيه أن الحكم الذي ينطوي عليه يجب تطبيقه على سائر مدد التقادم والقول يمنع أي اتفاق يتضمن تمديد مدة التقادم لا فرق بين أن يكون هذا التقادم عاديا مدته 15 سنة أم قصيرا مدته 5 سنوات أو سنتان أو سنة واحدة ، ذلك أن الاتفاق على إطالة مدة التقادم بصورة مسبقة يحمل معنى التنازل مقدما عن التقادم ويتعارض ونص الفصل 373 وبمقتضاه “لا يسوغ التنازل مقدما عن التقادم”.
أما الاتفاقات الرامية إلى تقصير مدة التقادم فليس ثمة ما يمنعها قانونا، لا بل إن نص الفصل 375 إذ منع الاتفاقات التي تتضمن تمديد أجل التقادم، يكون من طريق المفهوم المعاكس، قد أقر ضمنا جواز الاتفاقات التي تهدف تقصير هذا الأجل، وعليه فإن المشرع قد ميز بين الاتفاق على إطالة مدة التقادم الذي يقع باطلا وبين الاتفاق على تقصير هذه المدة والذي يكون صحيحا منتجا آثاره.
المبحث الثاني: كيفية إعمال التقادم المسقط ومدده
المطلب الأول: كيفية إعمال التقادم
إذا اكتملت مدة التقادم المسقط بالنسبة لالتزام ما، فإن هذا الالتزام لا ينقضي من تلقاء نفسه بل لابد للمدين من التمسك بالتقادم، وقد يرى المدين بدل التمسك به أن ينزل عنه ويحول بذلك دون ترتيب الآثار التي كان يمكن أن تترتب عليه.
ولذلك فالمواضيع التي يجب إذن بحثها هو وجوب التمسك بالتقادم ، ثم الآثار التي تترتب على التقادم إذا تمسك به ذو المصلحة، ( الفقرة الاولى) ثم النزول عن التقادم بعد اكتمال مدته ( الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى : وجوب التمسك بالتقادم واثاره
اولا: وجوب التمسك بالتقادم
لابد لذي المصلحة من التمسك بالتقادم ولا يجوز للقاضي الاستناد إليه من تلقاء نفسه، فحسب ف 372 التقادم لا يسقط الدعوى إلا إذا تمسك به ذو المصلحة، أي يتخذ صورة دفع يتقدم به المدعى عليه ردا على دعوى المدعي ليتحقق له رد هذه الدعوى.
والدفع بالتقادم ليس من متعلقات النظام العام لذا وجب على ذي المصلحة أن يثيره من نفسه ليحكم به القاضي، أما إذا أهمل المدعى عليه الإدلاء بالتقادم فإنه يمتنع على القاضي الأخذ به من تلقاء نفسه، لأن رد الدعوى بالتقادم، كردها بقوة الشيء المقضي ،لا يحكم به إلا بطلب من الخصوم.
ثانيا: آثار التقادم
إن هذا الموضوع يقتضي منا التمييز بين المرحلة السابقة على التمسك بالتقادم وبين المرحلة التي تعقب ذلك.
أـ آثار التقادم الذي اكتمل في المرحلة السابقة على التمسك به
إن الالتزام الذي اكتملت مدة تقادمه لا ينقضي بمجرد اكتمال هذه المدة، بل يظل التزاما مدنيا ملزما للمدين إلى أن يدفع بتقادمه، ويترتب على ذلك نتائج عديدة نخص بالذكر منها مايلي:
1ـ إذا وفى المدين بالتزامه فلا يستطيع استرداد ما دفع بحجة أن التزامه قد انقضى بالتقادم وأنه دفع غير المستحق، وذلك حتى لو كان وفى بالالتزام وهو يجهل وقوع التقادم، الفصل 73.
2ـ إذا كان المدين رغم علمه بتقادم دينه، قدم كفالة أو أي ضمان آخر ، فإنه يعتبر قد تنازل ضمنيا عن الإدلاء بالتقادم وصحت الكفالة كما صح الضمان، أما إذا كان يجهل كون دينه قد تقادم وقت قدم الكفالة أو الضمان، فإنه يستطيع الطعن بهذه التصرفات للغلط في القانون إذا توافرت الشروط التي يتطلبها القانون لإبطال الالتزام لغلط في القانون،كما يستطيع أن يدلي بعد ذلك بانقضاء دينه بالتقادم.
3ـ إذا أصبح الدائن مدينا لمدينه بدين توافرت فيه شروط المقاصة،وتمسك الدائن بالمقاصة قبل أن يتمسك المدين بالتقادم انقضى الدينان بمجرد تلاقيهما، لأن الدين الذي اكتملت مدة تقادمه يبقى قائما ترتب عليه لمصلحة مدينه والتمسك بهذه المقاصة مادام وقع ذلك في وقت لم يكن المدين قد تمسك بعد بالتقادم.
ب ـ آثار التقادم الذي اكتمل في المرحلة اللاحقة للتمسك به
إذا اكتملت المدة وتمسك المدين بالتقادم ترتب الأثران التاليان
1ـ انقضاء الالتزام وامتناع سماع الدعوى به: إذا تمسك المدين بالتقادم انقضى الالتزام وامتنع على الدائن مقاضاة المدين وألزمه على الوفاء به، وهذا ما أعلنه المشرع في الفصل 371 حيث نص على أن:”التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام”.
وانقضاء الالتزام لا يقتصر على الأصل بل هو يشمل سائر توابع هذا الأصل”376″، كما أنه لئن كان من المسلم به أن التقادم يمنع سماع دعوى الدائن بالالتزام الذي اكتمل تقادمه، فإنه من المتخلف فيه ما إذا كان التقادم يمنع كذلك الدائن من التمسك عند الاقتضاء بهذا الالتزام عن طريق الدفع.
2ـ تخلف التزام طبيعي في بعض الأحيان عن الالتزام المدني الذي انقضى بالتقادم: فإذا تمسك المدين بالتقادم وأدى إلى سقوط الالتزام، فإنه قد يتخلف عن الالتزام الذي تقادم التزام طبيعي في ذمة المدين: ذلك أن المدين قد يدلي بالتقادم دون أن يكون أدى فعلا ما هو مترتب في ذمته، ففي هذه الحالة لئن كانت ذمته تبرأ من الالتزام المدني فإنها تبقى مشغولة بالتزام طبيعي قد يعمد يوما إلى الوفاء به، أما إذا كان المدين أدى فعلا دينه وأدلى بالتقادم المسقط ليخفف عنه عبء الإثبات ليس إلا، فإن أي التزام طبيعي لا يتخلف في ذمته.
الفقرة الثانية : النزول عن التقادم
هذا الموضوع يقتضي منا التمييز بين النزول عن التقادم مقدما والنزول عنه بعد حصوله، حيث ورد في الفصل 373 أنه:”لايسوغ التنازل مقدما عن التقادم، ولكن يسوغ التنازل عنه بعد حصوله”، وفي هدي هذا الفصل يجب التفريق بين حالتين:
أولا : حالة النزول عن التقادم مقدما قبل ثبوت الحق فيه
ففي هذه الحالة يمنع القانون صراحة النزول عن التقادم بصورة مسبقة قبل ثبوت الحق فيه، فلا يستطيع إذن الدائن والمدين الاتفاق على أن لا يثير المدين تقادم الحق مهما طال الزمن بين نشوئه وبين وقوع المطالبة فيه وبالتالي على أن الحق لن يتقادم ولو اكتملت مدة تقادمه القانونية، لذا فكل اتفاق على النزول عن التقادم مقدما يعتبر باطلا، ومن حق المدين، إذا طولب بالدين أن يدفع بالتقادم إذا ما اكتملت مدته، رغم ارتباطه يمثل هذا الاتفاق.
ثانيا : حالة النزول عن التقادم بعد حصوله و ثبوت الحق فيه
ففي هذه الحالة يسوغ النزول عنه بعد حصوله وثبوت الحق فيه، ذلك أن التمسك بالتقادم حق يتمتع به المدين، وهذا الحق ليس له مساس بالنظام العام، ومن تم فليس ما يمنع المدين من أن ينزل عنه.
و النزول عن التقادم يمكن أن يكون صريحا كما يمكن أن يكون ضمنيا.
المطلب الثاني: مدد الإسقاط
وهذا المطلب يقتضي منا تحديد تعريف مدد الإسقاط مع بيان النظام الذي تخضع له مدد الإسقاط ( الفقرة الاولى) ، و معيار التمييز بين مدة التقادم ومدة الإسقاط ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: تعريف مدد الإسقاط النظام الذي تخضع له
اولا: تعريف مدد الاسقاط
مدد الإسقاط هي مدد حتمية عينها المشرع للقيام بعمل معين أو لاستعمال رخصة منحها القانون وذلك تحت طائلة بطلان العمل الذي لم ينجز خلال الميعاد المضروب أو فقدان الرخصة التي لم تمارس قبل انصرام هذا الميعاد، أيا كان السبب الذي حال دون القيام بالعمل أو دون ممارسة الرخصة، وهذه المدد يترتب على انقضائها سقوط حتمي ومبرم للحق الذي كان وجوده منوطا بممارسته خلال المدة المحددة قانونا، ومثال مدد الإسقاط المدد التالية:
1ـ المدد الواردة في قانون المسطرة المدنية لممارسة مختلف طرق الطعن
2ـ مدة 15 يوما الممنوحة للغير الملتزم عنه شرط إقرار الغير هذا الالتزام وذلك للتصريح بما إذا كان يرغب في إقرار الالتزام المذكور ف32 ق ل ع.
3ـ مدة 30 يوما التي أعطاها المشرع لحابس الشيء، إذا خرج الشيء المحبوس من يده خفية عنه أو برغم معارضته، كي يسترد هذا الشيء ف 297ق ل ع.
4ـ المدة التي قررها المشرع للمتعاقد الذي احتفظ لنفسه بحق الخيار في البيع ليصرح بما إذا كان يقصد إمضاء العقد أو نقضه وقدرها 60 يوما تبدأ من تاريخ العقد بالنسبة إلى العقارات و5 أيام بالنسبة إلى الحيوانات والمنقولات ف 204 ق ل ع.
5ـ مدة السنة التي أوجب المشرع على الشركاء على الشيوع الطعن بالقسمة لعيب شاب إرادة المتقاسمين تحت طائلة عدم قبول الدعوى ف 974 ق ل ع.
ثانيا: النظام الذي تخضع له مدد الإسقاط
تخضع مدد الإسقاط لنظام يختلف اختلافا كليا عن النظام الذي تخضع له مدد التقادم، وذلك من نواح عديدة أهمها النواحي التالية:
1ـ إن مدد الإسقاط تعتبر من النظام العام : فلا تنقطع ولا تتوقف لسبب من الأسباب، فهي تسري على الكافة وتنتج أثرها في كل حال، هذا ما لم يقرر المشرع استثناء وقفها بنص صريح، كما فعل بالنسبة لمدة السنة الممنوحة للمالك على الشيوع من أجل أخذ الحصة المبيعة بالشفعة، حيث أجاز وقف المدة لمصلحته، إذا ثبت أن عائقا مشروعا كالإكراه قد منعه من ممارسة حقه خلال المدة القانونية.
2ـ يمتنع تعديل مدد الإسقاط زيادة أو نقصانا عن طريق الاتفاق: ما لم يوجد نص يسمح استثناء بإنقاص المدة كما في الفصل 604 المتعلقة بممارسة حق الخيار المحتفظ به في عقد البيع.
3ـ إن مدد الإسقاط لمساسها بالنظام العام، لا يتوقف إعمالها على تمسك ذي المصلحة بها، بل إن من حق القاضي ومن واجبه أن يتمسك بمدد الإسقاط من تلقاء نفسه وبدون طلب من الخصوم.
4ـ إن الحق الذي يسقط لعدم ممارسته خلال الميعاد المحدد قانونا لممارسته، إنما يسقط سقوطا كاملا شاملا بحيث لا يسوغ التمسك به بعد ذلك لا بطريق الدعوى ولا بطريق الدفع، وبحيث لا يتخلف عنه أي التزام طبيعي.
الفقرة الثانية : معيار التمييز بين مدة التقادم ومدة الإسقاط
قد يكون النص بحد ذاته من الوضوح بحيث يسهل بالاستناد إليه معرفة ما إذا كانت المدة التي حددها المشرع هي مدة تقادم أم هي مدة إسقاط، فعندما ينص المشرع على أن الحق يتقادم أو أن الدعوى تتقادم أو على أنه يجب ممارسة الحق أو الدعوى أو سقطت، نكون إزاء مدة تقادم، وعندما ينص المشرع على وجوب ممارسة الحق أو الدعوى خلال مدة وإلا سقط الحق أو اعتبرت الدعوى غير مقبولة أو لم يكن للحق أو للدعوى أي آثر نكون إزاء مدة الإسقاط.
ومدد الإسقاط تحدد عادة بآجال قصيرة، لذا يغلب في المدد القصيرة أن تكون من قبيل مدد الإسقاط.