أحقية الغير في طلب إيقاف التنفيذ بين الفصل 436 من قانون المَسطرة المدنية والعمل القضائي
إذا كانت الحقوق في أصلها ثابتة لذويها والإستثناء السطو عليها عبر الوسائل القانونية وغير القانونية المُمكنة كان ضروريا أن يتم ردها تراضيا كمبدأ وكحل وِقائي ومن تم تقاضيا كاستثناء وكحل علاجي.
ولما كان تنفيذ الأحكام القضائية كآخر محطة قضائية للمتقاضين لنيل الحق من جهة ومن جهة أخرى التنفيذ أبرز الضمانات القانونية التي وضعها التشريع الدولتي رهن إشارة الأفراد لتزكية وتأكيد نجاعة وسُلطة القضاء، كان لِزاما أن يتم التعداد له من قِبل الدولة نفسها عن الطريق الترسانة التشريعية والبشرية على حدٍ سواء.
وكل زيغ عن قصد وغاية المُشرع الحمائية قد يؤدي بنا إلى ما لا نهاية من هدر الحقوق والمكتسبات وبالتالي لن نصل إلى المرام المرجو من سُلطة القضاء مهما رقشنا من تشريعات مَسطرية واحترازية على حدٍ سواء.
فإذا كانت مقتضيات التنفيذ الأداة الأكثر نجاعة التي تجسد سُلطة القضاء وروح العدالة فإن ذلك مُقترن بمدى تدخل وتداخل الأجهزة الساهرة على تنفيذ المُقررات القضائية من موظفين تابعين لوزارة العدل إلى مهن حرة قضائية من أجل إيصال قصد ومقصود المُشرع المَسطري ومن تم إيصال الحقوق لذويها.
ومن جُملة الإشكالات التي قد تعتري مساطر تنفيذ المُقررات القضائية تِلك المُتعلقة بالمضائق التي قد تنبثق عند الشروع أو في خضم التنفيذ من الأساس فتجد رابحها في حيرةٍ من أمره ناهيك عن القائم على التنفيذ الذي لا يجد للمقرر القضائي سبيل سوى إثارة الصعوبة في التنفيذ إلى أن يبت القضاء في أمرها.
إن من بين الصعوبات الأكثر تعقيداً أثناء مراحل التنفيذ تِلك الماسة بحقوق الغير والتي قد لا يتنبه لها رابح الخصومة أو خاسرها أو القائمُ على التنفيذ، إلا أن هذا الغير يثيرها هو نفسه أمام القضاء ومن تم كان من الضروري أن نتساءل عن مدى تدخل هذا الغير المتضرر من مسطرة التنفيذ وما مدى أحقية تدخله لإيقاف التنفيذ وهل قانونا ذلك ممكنا.
إن الغاية الملحة التي تجعلنا نبحث في طيات التشريع ودهاليز صناعة القانون والعمل القضائيبالخصوص ودوره ككفيل لحماية حقوق الغير تجعلنا نناقش هذا الطرح وِفق سؤالين مهميَن وسنناقشهما تِباعا.
من هم أطراف دعوى الإشكال في التنفيذ؟
إن الأصل المُقرر قانونا في دعاوى الصعوبات في التنفيذ سواء تعلق الأمرُ بصعوبة قانونية أو واقعية لا تخرج عن الأصول العامة المقررة مسطريا وهما لا دعوى لمن لا مصلحة له، لا دعوى لمن لا صفة له، بالتالي يكون أطراف دعوى الصعوبة في التنفيذ هما نفسهما أطراف الخصومة المدنية الأصلية التي قُرِّرَ أن يُنفذ مآل إليه نظرُ القضاء فيها.
بالرجوع إلى الفصل 436 من قانون المسطرة المدنية نجده ينص على ما يلي: ” اذا اثار الاطراف صعوبة واقعية و قانونية، لإيقاف تنفيذ الحكم أو تأجيله، أحيلت الصعوبة على الرئيس، من لدن المنفذ له أو المحكوم عليه، أو العون المكلف بتبليغ وتنفيذ الحكم القضائي، ويقدر الرئيس، ما اذا كانت الادعاءات المتعلقة بالصعوبة، مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف، ترمي الى المساس بالشيء المقضي به، حيث يمر في هذه الحالة، بصرف النظر عن ذلك، واذا ظهر ان الصعوبة جدية، امكن له ان يأمر بايقاف التنفيذ، الى ان يبت في الامر .
لا يمكن تقديم أي طلب جديد لتاجيل التنفيذ كيفما كان السبب الذي يستند اليه.“
من خلال هذا الفصل يتبين أن الأشخاص التي لها الحق في إثارة الصعوبة في التنفيذ لا تخرج عن الأصل العام مدعي ومدعى عليه بالإضافة إلى شخص ثالث وهو القائمُ على التنفيذ وهو في هذا الحالة المنتدب القضائي التابع لجهاز كتابة الضبط أو المُفوض القضائي فهل يعتبر هذا طرفاً ثالثا له الحق في رفعها؟
جاء في إحدى حيثيات قضاء النقض(1):
” إن الصعوبة في التنفيذ يثيرها الأطراف طبقا للفصل 436 من ق.م.م، وأما عون التنفيذ فإن مهمته قد تكون فقط، اشعار الرئيس بوجود الصعوبة، ولذلك فالمواجهة والطعون تكون بين الطرفين”
وفي إحدى حيثيات قرار آخر جاء فيه(2):
“ومن جهة أخرى، فإن الفصل المذكور يهم المنفذ له، والمنفذ عليه وعون التنفيذ، وهم المعبر عنهم بالأطراف، ….”
وعلى أي حال وكما هو بين فإن وصف القائم على التنفيذ بطرف أم دون ذلك سواء في هذا القرار أو ذاك فإنه لا يمنعه من إيقاف التنفيذ عن طريق دعوى الإشكال في التنفيذ.
ومن خلال ما سلف وفي ظل وجود عبارة “يثيرها الأطراف” الواردة في الفصل المذكور، قد نقول أن المشرع حسم في أمر الأطراف التي لها الحق في إثارة الصعوبة والقضاء بنفسه أكد ذلك في العديد من المناسبات إلا أن بروز بعض التوجهات القضائية -كما سنرى في ما بعدَ الآتي- جعلتنا نتساءل بخصوص منطوق ومدلول عبارة الأطراف الواردة في الفصل المذكور.
جاء في قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش ما يلي(3):
حيث إنه بالاطلاع على القرار المطلوب تنفيذه يتبين أن الطالبة ليست طرفا فيه وإثارة الصعوبة في التنفيذ لا يثبت لأطراف الحكم المراد تنفيذه للغير الخارج عن الخصومة طبقا للفصل 436 من ق.م.م لذلك يتعينُ عدم قبول الطلب.
وجاء في إحدى حيثيات قضاء النقض ما يلي(4):
“ومن جهة أخرى، فقد خرق الفصل 436 من ق.م.م بقوله وجود صعوبة في تنفيذ القرار الاستئنافي عدد – في حين أن الفصل المذكور حصر الأطراف الذين لهم الحق في إثارة الصعوبة هو مأمور التنفيذ والمنفذ له والمنفذ عليه مما يجعل القرار المطعون فيه معرضا للنقض.
ومن جهة أخرى، فإن الفصل المذكور يهم المنفذ له، والمنفذ عليه وعون التنفيذ، وهم المعبر عنهم بالأطراف، والمطلوب في النقض منفذ عليه، وبالتالي يعتبر طرفا في مفهوم الفصل المذكور، مما لم يخرق معه القرار أي مقتضى قانوني والوسيلة على غير أساس.”
مما سلف يتضح أن القرارات القضائية جاءت حاسمة في مسألة الأطراف التي يحق لها ممارسة دعوى الإشكال في التنفيذ وهم أطراف الخصومة الأصلية وكذا القائم على التنفيذ مما يحلينا مباشرة إلى التساؤل مرة أخرى حول حقوق الأغيار التي قد تضيع إن تم تنفيذ المقرر القضائيوهو ماسنراه في الطرح الآتي.
هل يحق للغير ممارسة دعوى الإشكال في ظل غياب النص المؤطر لحقه في رفعها؟
إن من دلالات العمق التشريعي وبُعد نظره الحقوقي أوجد لنا الحق في الطعون بالنسبة للطرف الذي تتضرر مصلحته أثناء التقاضي والتشريعات جلها تخطت مفهوم أطراف الخصومة إلى أطراف أخرى محسوبة على الخصومة الشيء الذي أفرز لنا مبدأ نسبية الأحكام القضائية ثم تعدى الأمرُ ذلك إلى الإجازة للغير الحق في ممارسة طرق من طريق الطعن إذا كانت أحد المقررات القضائية ماسة بحقه وهو الطعن تحت مسمى تعرض الغير الخارج عن الخصومة.
من هنا نتساءل حول استثنائية الغير في تقديم تعرضه على حكم مسّ بحقوقه وأضرّ بمصالحه ألا يحق له إيقاف تنفيذ نفس الحكم أثناء مراحل التنفيذ وهل يُعتبر هذا نشوزا عنِ الأصل العام الوارد في الفصل 436 من ق.م.م .
جاء في إحدى حيثيات قضاء النقض(5):
“حقا تبين ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أنه بناءً على مبدأ نسبية الأحكام، والمطلوبة لم تكن طرفا في الأمر عدد – الذي لم يصدر في مواجهتها وبذلك لم تكن لها الصفة في إثارة الصعوبة التي أناطها الفصل 436 من ق.م.م من الأطراف دون غيرهما، وكان السبيل الوحيد من المطلوبة للدفاع عن حقوقها هو سلوك مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة.”
ومما يؤكد توجه القضاء حول سلوك مسطرة الطعن المخصصة للغير من خارج الخصومة كمدخل لإيقاف التنفيذ الذي قد يمس بمركز هذا الغير وبالتالي سببا مبررا لتقديم طلب إيقاف التنفيذ بتاءً على أنه طرف يندرج ضمن عبارة الأطراف الواردة في الفصل 436 المذكور، نجد قرارات محاكم ثاني درجة دأبت على نفس النهج.
جاء في أحد القرارات الاستئنافية ما يلي(6):
“حيث إن المستأنف يركز استئنافه على أن الأمر المستأنف جانب الصواب عندما قضى بعدم قبول طلبه للعلة السابق ذكرها لكونه عالج القضية في إطار مقتضيات الفصل 436 من ق.م.م ولم يعالجها في إطار الفصل 149 من نفس القانون ذلك أن عبارة الصعوبات التي وردت بهذا الفصل جاءت جامعة مانعة وتشمل آثار الصعوبة سواء من أطراف الحكم أو من كل متضرر من التنفيذ وهذه الصيغة العامة تعطي الحق للعارض ولغيره المطالبة بإيقاف تنفيذ حكم يخلق وضعا شاذا في حالة تنفيذه وفيه مساس بجوهر الحق.
لكن حيث إن ما علل به الأمر المستأنف وكما سبق تفصيله مجانب للقانون ذلك أن من حق المتعرض على حكم تعرض الغير الخارج عن الخصومة أن يتقدم بطلب إيقاف تنفيذ هذا الحكم بوجود صعوبة تعترض التنفيذ وليس في ذلك أي خرق لمقتضيات الفصل 436 ذلك أن عبارة الأطراف الواردة بها لا تعني أطراف الحكم المطلوب إيقاف تنفيذه لصعوبة تعترض التنفيذ بل تنسحب إلى مل متضرر طعن في الحكم بطعن غير عادي كتعرض الغير الخارج عن الخصومة.”
مما سبق لا يمكن حصر عبارة الأطراف التي لها الحق في إثارة دعوى الصعوبة الوقتية الواردة في الفصل 436 من قانون المَسطرة المدنية في ثلاث وهم المنفذ له والمنفذ عليه والقائم على التنفيذ بل إن الأمر يتعدى عبارة الأطراف الكلاسيكية للدعوى وهما المدعي والمدعى عليه.
وهنا يظهر دور المشرع في حماية الحقوق ونظرته الشمولية ذات بُعد مسطري حقوقي في ظل القاعدة المُسيطرة في مجال المساطر والتي تفيد بأن الحقوق لا تُصان إلا بالمَسطرة.
ومن العدالة التشريعية أن يتم فتح الباب بشكل صريح واضح المعالم في ظل الحديث اليوم الدائر والنقاشات الحقوقية هنا وهناك حول مسودة قانون المَسطرة المدنية الجديد ومن خلاله يُتيح للغير التدخل لإيقاف التنفيذ كلما تعلق الأمر بضرر يطيح بحقوقه.
———————————-
1- قرار رقم 817 صادر بتاريخ 11/04/1990 – ملف مدني عدد 513/88 – مجلة قضاء المجلس الاعلى العدد 45 الصفحة 25.
2- قرار محكمة النقض عدد 1010 بتاريخ 15/04/1992 مجلة المرافعة العدد 4 الصفحة 143 .
3- قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش رقم 3 بتاريخ 17/04/2008 ملف رقم 2/1/2008 – منشور عندَ الأستاذ عبد العزيز وقيدي – دعوى الصعوبة الوقتية من خلال العمل القضائي – الصفحة 105.
4- نفس القرار الوارد في الإحالة رقم 2 .
5- قرار محكمة النقض عدد 615 بتاريخ 6/3/1991 – مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 45 الصفحة 36 .
6- قرار محكمة الاستئناف بمراكش رقم 2014 بتاريخ 23/11/2009 ملف مدني 2519/10/2009 منشور عندَ الأستاذ عبد العزيز وقيدي – م س – الصفحة 108 .