الكتابة في العلوم القانونية:
بين مظِنة الاجتهــاد ومئِنة “آفة” الاسترذال
توطئة:
إن من عظيم النعم التي جعلها الله للبشر كافة منحة العقل، فبه يفضل الانسان عن سواه من المخلوقات في كل أنحاء المعمور، بيد أن هذه المنحة إما أن تُقرن بالتدبر والتفكير الذي يُوسم بها كل عاقل فيرقى لدرجة المجتهد، أو أن يتجرد من هاتين الصفتين ـ المكتسبتين ـ ليهوي بذاته في براثين العاقل بالمعنى النحوي فيقال هذا للعاقل وذاك لغير العاقل[1]، بحيث إن المجتهد من المذكورين هو اللبيب الذي ينال أجر المجتهد وأجر النصح إذا أصاب، أو أن له ثواب المجتهد ــ فقط ــ رُغما عن خطإه.
وما دام أن كل عمل مهما بلغ من درجات الإتقان، فبديهي أن يشوبه القصور، كما أنه بديهي أيضا أن يكون هذا القصور أمرا نسبيا، تتفاوت درجاته تبعا لتفاوت الجهد المبذول بين باحث وآخر، وعليه تبقى هذه السطور ــــ كمحاولة متواضعة ــ بين أيدي القارئ قابلة لكل نقد بناء، يُظهر نقصا أو يُصوب هفوة، فما كان الهدف عمل كامل، بقدر ما يروم أجر المجتهد، سواء في الصواب أو عند الخطأ.
ولعل خير نافلة لهذه التوطئة قبل الخوض في المتن أدناه، ما ورد في كتاب ” الحيوان ” “للجاحظ” ، والذي جاء فيه كلمات نادرٌ شبهها في زمانه[2] ” لم أكتب هذا لتقر به، ولكنه رواية أحببت أن تسمعها، ولا يعجبني الإقرار بهذا الخبر ، وكذلك لا يعجبني الإنكار له، ولكن ليكن قلبك إلى إنكاره أميل، وبعد هذا فاعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة له، لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له، وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلما، فلو لم يكن في ذلك إلا تعرف التوقف ثم التثبت، لقد كان ذلك مما يحتاج إليه، ثم اعلم أن الشك في طبقات عند جميعهم، ولم يجمعوا على أن اليقين طبقات في القوة والضعف، ولما قال أبو الجهم للمكي : أنا لا أكاد أشك ، قال المكي : وأنا لا أكاد أوقن ، ففخر علبه المكي بالشك في مواضع الشك، كما فخر عليه ابن الجهم باليقين في مواضع اليقين”[3].
القانون بين العلم والفكرة
مؤكد أن للعلوم حصانة ووقارا كما للشيوخ إذ يبلغوا أرذل العمر وهم طلاب علم وسُعاة للمعارف، سواء منها “العلوم الحقة” أو ” العلوم النسبية”.
ولئن كان المنطق السليم يفرض أن يكون للعلوم حصن ووقار، فكيف إذا بشيخها، الذي ضرب ميلاده في جذور التاريخ، ثم شب فشاب دون أن يشتعل رأسه شيبا، هو “القانون ” أو ” كانون kanon” ملاذ الكافة، والتي تعني من هذا المنطلق اعتباره “العصـا المستقيمة”، ويعبرون بها مجازياً عن القاعدة ”Regula”: la Règle) )، ومنهـا إلى فكرة الخط المستقيم الذي هو عكـس الخـط المنحنـي أو المنحـرف [4]، كما أن الأمر من قبيل التعبير الاستعاري دلالة على الأفكار التالية: الاستقامة (la Rectitude) و الصراحة ( la Franchise) و النزاهة ( la Loyauté ) في العلاقات الإنسانية، وتلافيا لكل خلط محتمل، فإن المجاز ها هنا لغوي متصل بالمبنى لا بالمعنى، باعتبار الأول محمود في اللغة خدمة للفهم والتبسيط، بينما الثاني مجازُ معاني، ومطلوب في الفلسفة والتعبير الفلسفي بوجه عام، ليبقى التعبير القانوني بعيدا عليه، وما يمنع تسلل المجاز الى لغة القانون ـ أو على الأقل المفروض وجوده ـ هو ” مبدأ الوضوح ” الذي ترتكز عليه القاعدة القانونية ولغتها، ليبقى المجاز حكرا على الحقل الفلسفي، والدليل على ذلك ما قال ” جاك دريدا ” من أن الفكر الفلسفي عاجز عن التعبير بذاته عن ذاته، فهو دائما في حاجة الى المجاز ليكون ظاهرا جليا، والفكر الفلسفي على هذا النحو يقع على الاستعارة أو بالأحرى الاستعارة تواتي هذا الفكر في اللحظة ذاتها التي يحاول فيها الفكر الخروج من ذاته ليُعبر أو ليعلن عن نفسه”[5].
فالقانون كعلم يستلزم وجوبا لغة متخصصة به، كي يحتفظ بحيزه الذي يمكن تسميته ” الحصن المعرفي “، وكما ورد عن أحد خبراء الترجمة العربية بكون ” … لغة العلوم التي تشكل المصطلحات والقوالب المصطلحية، الدعامة الرئيسية لها بالمفاهيم ودقائق المعاني التي تحملها “[6]، ونفس الفكرة أكدها نفر من علماء اللغة القانونية، منهم مقولة ” كلود جيمار Claude Gemar ” بأن ” اللغة المتخصصة تستعمل كلغة طبيعية لعرض المعارف المتخصصة من الجانب التقني ـ ترجمة ـ
« La langue spécialisée est l’usage d’une langue naturelle pour rendre compte techniquement des connaissances spécialisées »[7].
ومن ثمة إذن، للقانون لغة خاصة به، رُغما عن كونها في الغالب لغة جافة وصلبة، لكنها قاصرة على علم القانون والكتابة في مختلف فروعه، وذات مبنى خاص بها يميزها عن دونها، فهي كما وضحت ــ عن لغة الاختصاص ــ ” ماريا تيريزا كابري Maria Teresa Cabre ” قائلة ” تتميز اللغات المتخصصة عن اللغة المشتركة ( العامة ) بالسياقات الموظفة فيها وبنوع المعلومات التي تنقلها ـ ترجمة ـ
«Les langues de spécialité se distingueraient de la langue commune par leurs situations d’utilisation et par le type d’informations qu’elle véhiculent » [8].
فالقانون كعلم متخصص إذن، يحتاج لزوما الى لغة متخصصة، حيث إنه مصدر تنشأ به الحقوق والواجبات، وتحدد به المراكز القانونية، ويتضمن الافتراض التشريعي وحكمه المفترض، من منطلق أن كل قاعدة قانونية قائمة على أمرين لا ينفصمان: فرض وحكم (…)، لهذا وقبل أن يحمي هو أو يُحتمى به، ينبغي أن تُضمن له الحماية هو تحقيقا للمناعة اللغوية، لأن من شأن هشاشة اللغة ومبناها أن يجعل الحماية والخلق التشريعي هشا وهينا أيضا، فالأولى إذن تحصين اللغة، وعدم استرذالها حتى يظل القانون كعلم في حصنه، وإن هذا الأمر لينعكس في مواقف عدد من المهتمين باللغة القانونية والقضائية، ومنهم طرح القاضي الأمريكي “ريتشارد بوسنير” الذي قال: “إن المقالات والاجتهادات القضائية هي بلاغة محضة ـ في مفهومها الاقناعي ـ بطريقة مشابهة جدا للأعمال الأدبية ـ في مفهومها الوجداني”[9]، وبه فإن القانون كما للناس وجدان، ووسيلة إظهاره هي اللغة القانونية.
ودون إقامة لأي تمييز بناء على فوارق من قبيل فارق السن أو مستوى التعلم كبديل حديث للمعايير التي تبنى عليها المقارنة، ولا بين من توسطت بسطته ومن زيد بسطة في المال والجسم باعتبارهما ضمن الجيل التقليدي الصرف لإقامة الفارق عكس سابقه، فإن أبرز وصف لهذا الفرع العلمي العجوز ــ علم القانون ــ هو كونه كالموت لا يستثني أحدا، في معناه عموما، ومبناه خصوصا، حيث كانت ولازالت أغلال المناهج القانونية تسير وتُصير المادة القانونية مهما تقلب المحيط الاجتماعي الذي ولدت من مخاضه، لتبقى بذلك الكتابة القانونية كما الولادة من الخاصرة.
ولا جرم أن ما ندعو إليه من جعل ـ علم القانون ذا وقار كاف إن لم نقل تاما ــ هو مما يُستحال طلبه، فالرد: بَلا، إنه يسير على من اجتهد وكد وأدمى منكبيه طلبا لدراسته وتحليله ثم لمن وفق في ضبطه وفهمه آخراً، وهو كما كل العلوم لن يعطيك قليله ما لم تمنحه كثيرك: هي كذلك القاعدة رُغم قساوتها.
ولعل هذا الأمر سَليلُ تُراثنا الديني الإسلامي ـ على الأقل في مجتمعنا حيث الإسلام دين الدولة[10] ـ، فما برح دين الإسلام الحنيف ـ كتابا[11] وسنة[12] ـ إلا وقد أكد بدل المرة مرات على العلماء و العلم وطالبيه، حتى أفتي في الزكاة أن تعطى لطُلاب العلم، ولا تعطى لمن يريد الانقطاع للعبادة، إذ لا رهبانية في الإسلام، وبما أن أهل العلم درجات، يقدم فيها الأحفظُ لكتاب الله، والأفقهُ لإمامة الناس في الصلاة[13]، حيث “يؤم القوم أقرؤهم”، وكذلك ينزل علم القانون منزلة باقي العلوم، وأهله درجات أعلاها من اجتهد فأصاب، وأدناها من اجتهد فأخطأ، وما يعد مسترذلوه من أهله قَط.
إن للقانون سُدة يبلغها المُجِدون الكادون المثابرون الذين ما برحوا أن بغض الواحد منهم الراحة ووفرتها، كما حُرم من الرخاء في “الوقت” الذي يبتر كما السيف إن لم تقطعه قطعك، وبقدر التيقن من كون القول غير معمم على الكافة، بقدر اليقين الوجداني على أن تجرعه يختلف بين قليله وموفوره، حيث أضعف الأيمان أن ينال طالبه منابا ــ على يسره ــ من جهد ومكابدة ولو بالنيابة المبنية على حسن النوايا، والتي ينال ثمارها غير الذي سبب لها.
المقصود بالكتابة بوجه عام
لن يسع المقام يقينا لبيان المراد بالكتابة بوجه عام، لكن بلوغ المبتغى من هاته السطور يقتضي التعريجُ مُستهلا على تعريف مبسط للكتابة، على أن المعول بلوغه هو ربطها بسياق الحديث، فهي ـ منهجيا ـ فرش للخوض في الآت[14].
فالكتابة في هذا المقام ـ بوجه عام ـ إنما لخدمة المغزى من النص القانوني، حيث إن بين الاثنين خيط رفيع لا يظهر إلا عند بحثه في الرابطة المفترضة بين النص واللغة ( لغة النص القانوني )، “فالنص إذن هو شكل من أشكال استعمال اللغة، لضمان التواصل بين شخصين أو أكثر “[15]، كما أن النص المتخصص هو نص لغوي يستعمل اللغة العامة بطريقة خاصة، من جهة ، ومن جهة أخرى فهو ينقل معارف تنحصر في مجال اختصاص معين. ويستمد القانون مفرداته من اللغة العامة ، وهي اللغة المشتركة ، فيكون المعجم العام هو المصدر الأول للألفاظ القانونية، وهو “لون من ألوان الكتب اللغوية … يعين الباحث على التعرف على اللفظة ،ويشرح له مدلولها”[16] ، ومن هذا المنطلق يستحيل على من يستهين بالكتابة القانونية أن يكون موفقا في تحصينها من كل نقص أو عيب لا يمكن العذر عنه، وبالتالي يسقط السواد الأعظم في ” مئنة الاسترذال” بينما كان يروم ” مئنة الاجتهاد”.
وبناء على القصد المبسوط من الكتابة، يتبدى بجلاء كونها مبنية على معايير رصينة ــ رغم كونها غير معقدة ــ إلا أنها ذات صرح منطقي، وقائمة على حد معياري تراكمي مكتسب، إن على مستوى مخطوطها الذي بدأ دون تنقيط ولا تشكيل، وإن حين مسطورها في حُلته الآنية، وما هذا إلا مبناها وقالبها، فكيف إذن هو متنها وقلبها؟
لا يتجادل اثنان حول استحالة الإحاطة بالمعنى العام ولا الخاص للكتابة، فذاك باب له أهله، لكن مُكنة التعليق والتمحيص المتصلة بالكتابة عموما والقانونية منها على وجع الخصوص، يتمتع بها كل مُنتمي إلى فرع من فروع العلوم ومنها “علم القانون”.
وما الآتي سوى نظرة تنظرها البصيرة، ويبررها عاملان اثنان:
العامل الأول: علم القانون له أهله وخاصته: فاليقين كل اليقين أن هؤلاء الكتيبة أهل عقلاء، لهم من الرزانة والتريث ما يحتمي به القانون نفسه، أقلام كالسيوف مُسلطة على نُصوصه بالشرح والتحليل، بل إن أهل القانون مهمتهم الأولى إزالة بعض “الأورام القانونية” إن صح التعبير حتى يتجاوز النص أو الدراسة القانونيين الحالة المرضية المحتملة، وهذا الأمر يقتضي الوعي التام بالأمانة التي حُمل إياها أهل القانون عن حق، و حسب “إبراهيم مراكشي”: ” صحيح أن القانون فن، بل هو مهارة تتطلب أيادي ناعمة كالحرير وقلوب خشنة لا تلين من أجل بناء ذهني وثقافي واجتماعي للمجتمعات”[17] لذلك تُعد الأقلام ــ جزما ــ وهي بيد أهلها بمثابة “المشارط” في أيدي الجراحين، هدفهم أن يُرأم البدن العليل و يقوم صاحبه، كذلك هم أهل القانون وخاصته، ما انفكوا عنه بالشروح في المتون والحواشي، إلا وقد بُين مُبهمه، و تيسر عسيره، و دنى بعيده من كل طالب له، سواء كان رخو الأنامل وقد بدأ، ليظل مِلحاحاً حتى يبلغ مبلغه فيه وقد اشتدت أنامله فغدت أصابعاً في يد يبطش بها صُحبة القلم والمداد، فذاك من سيحصل على “تأشيرة” الانضمام إلى أهل القانون وخاصته.
وإن هذه الثلة ــ والقصد أهل القانون وخاصته ــ إنما ينبغي أن تُحفظ لها سُدتها وزمرتها من كل شارد لم يكابد مشقة السلوك، حتى ينال مُتعة الوصول، وفي هذا نستحضر المأثور عن ” إخوان الصفا وخلان الوفا” ما يلي: ” إن أشد بلية على الصناعة (أي التخصص العلمي) وأعظم محنة على أهلها، هو أن يتكلم عليها من ليس من أهلها، ويحكم في فروعها ولا يعرف أصلها، فيسمع منه قوله، ويقبل منه حكمه، وهذا الباب من أجل أسباب الخلاف الذي وقع بين الناس في المجالس ويتكلمون في الآراء والمذاهب، ويناقضون بعضها بعضا وهم غير عالمين بماهياتها، فضلا عن معرفتهم بحقائقها وأحكامها وحدودها، فيسمع قولهم العوام ويحكمون بأحكامهم، فيظلون ويُظلون وهم لا يشعرون”[18].
العامل الثاني: تلافي “الاندحار العلمي”: إذ يقوم هذا الهادم على أساس سلبي بالضرورة، حيث لا وجود لما هو أوهن من “الاندحار العلمي” لما فيه من إيهام للمرء بتملك ما لا يملك، بل إنه لعمري أوهن من بيت العنكبوت كل عمل أُصيب صاحبه بداء ” الاندحار العلمي”، الذي يفتك بصاحبه فتكاً، ويروم بعمله الى حكم الباطل الذي انسلخ عن صاحبه حتى شاع وأمسى في حكم الفحش والتفحش العلمي.
وإن لهذه العملة البخسة ــ الاندحار العلمي ــ وجه وحيد ـ بخلاف باقي العملات ـ إذ تُصك بها بعد المشقة التي تزيد بها المشقة، لثقل الأمانة والرفق بمن يثابرون ليل نهار بُغية تحصين صرح المعارف القانونية، والارتقاء بها، لا من يروم بتبسيطها حد “الاسترذال”، وفي هذا الصدد يظهر داء معرفي يمكن تسميته ” داء التبسيط” الذي عندما يُبالغ فيه، من شأنه أن يصل الى درجة لا يُرتجى منها التطور العقلي المبني أساسا على المعرفة المكتسبة كما سبقت الإشارة، فيصير أي علم من العلوم عرضة لحالة مرضية بداء التبسيط الذي يروم ــ بناء على كل القرائن ــ الى مئنة الاسترذال، وه الأمر الذي يجعلنا أمام “خرافة التبسيط العلمي في مجال التخصص. ففي المجال قد لا تكون هناك جريمة أكثر فداحة من جريمة التبسيط العلمي الساذج، الذي ينزل بالمعرفة إلى مستوى قدرات غير العارف، عوضا عن أن يرفع قدرات الأخير بما يليق بمستوى المعرفة التي كان ينبغي نقله إليها[19]، ولقد روى لنا ــ برتراند رسل ــ أنه عندما طلب ملك مصر الى إقليدس أن يعلمه الهندسة في دروس قليلة سهلة ، كان الرد الشهير الذي أجاب بأنه ” لا يوجد طريق ملكي إلى الرياضيات »[20].
المقصود بالكتابة القانونية بوجه خاص
إن من ضروب العبث كل قول بتحديد جامع مانع للمراد بالكتابة القانونية، فهي وإن كانت مما يختلط فيه ذات الباحث مع المادة المبحوثة، إلا أنها تحتكم يقينا الى “علم المناهج القانونية”، وهذا بالذات له أهله من خاصة الخاصة، لدرجة يمكن معها القول أن: كل منجي هو قانوني، وليس كل قانوني منهجي.
فالمنهجي في علم المناهج القانوني كما الرصاع والسائغ، لا يبدع إلا على الذهب كمادة خامة، ذلكم هو تشبيه قاب قوسين أو أدنى من المنهجي كرجل قانون، يصنع بالنص والأدوات المنهجية ما لا يفعله أصل النص القانوني ــ القاعدة القانونية ــ كما صدرت عن صانعها.
وللاعتبار المذكور إذن، فإن هذا الرصاع سيظل متوقفا وقاصر دوره دون اللغة عموما، واللغة القانونية منها كأداة على وجه الخصوص، حيث إن كل مبادر الى الكتابة القانونية، وبعد أن يكون متحكما في الأدوات المنهجية، لابد أن يكون متمكنا من أسلوب الكتابة القانونية، كي لا يضيع المعنى والمبنى بين سطور خطتها أيادي مبسوطة لا مقبوضة، فيضيع اللب والمغزى بين نطق لم يقصد، ومقصود لم ينطق.
بهذا يكاد يظهر بجلاء أن النص القانوني وبالتبعية كل كتابة قانونية تلته بالشرح والتحليل والتفسير، خاضع للمؤثرات الخارجية ولو كانت محايدة حيادا محضا، حيث يتأثر النص بأسلوب عصره، ومفرداته، وعباراته من جهة الصياغة، كما أنه يتأثر بواقعه من جهة المضمون والغاية التي وجد من أجلها، ولما كان ( القانون مرآة المجتمع) كان من الطبيعي أن يتأثر بالتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الحاصل فيه، ومن ثم أن يتطور ليجاري ذلك التطور، وعندما يتخلف النص عن مجاراة الواقع تبرز الحاجة الى تعديله[21].
مظنة الاجتهاد
بادئ ذي بدء، ولضرورة الاستيعاب، فإن مخترع المصباح ظل يكرر التجربة مرة تلو الأخرى حتى قيل أنه زاد عن ألف قبل أن يضيء المصباح[22]، وما خرج قط للعلن حتى جاء بقبس في حُلة حديثة، إنه أمر عظيم آنذاك لجدته، وهو أعظم الى الآن بصموده في زمننا ولا غرابة في ذلك، وبالمناسبة إنه المصباح لا الضوء.
كذلك ومثال، فإن كل عازم على كتابة قانونية، إنما قد عاهد القراء ضمنيا بقبس يضيء عتمة تشوب مسألة قانونية، لما فيها من استشكال في مبناها أو معناها، حيث تبقى المادة الخام متوفرة لكل ذي ارتباط من أهل القانون فيأتي بها الكافة، بينما لا يأتي بالقبس إلا اللبيب المتريث، الذي يخشى أن تظهر له زلة مما لا يمكن العذر عنه، وذاك أكره المكروه.
وللتنبيه، فإن الاجتهاد المقصود في هذا المقام لا هو باجتهاد قضائي، فذاك صنعة لها أهلها ومنبرها، وفي هذا قال ” عبد العزيز بن محمد الصغير” : إن القضاء صناعة دقيقة لا يهتدي إليها كل الناس”[23]، كما أنه ليس اجتهاد فقه الدين، وإنما القصد من المقال اجتهاد دارس قانوني لوضعيات قانونية معينة تشكل مادة البحث، تروم توضيحا أو شرحا أو افتراضا مؤسسا، وهو القصد من المقام.
كما أنه ــ للإضافة ــ لا اجتهاد في هذين العقدين من القرن الحادي و العشرين بالمفهوم الصرف للاجتهاد، والعلة في هذا أنه ما ترك الأولون في القانون من حيث مضمونه شيء، اللهم ما انصب على تجويد الجوانب الشكلية والمسطرية، وطرق صناعة القانون عموما[24]، فتلك مسألة مُتاح تجديدها وتحديثها من قبل المجتهدين المجدين، الذين يعتبرون أي سطر يكتب ويصدر في اسمهم بمثابة وجههم، فكيف لذي الوجه الصبوح أن يقبل عليه الخبش؟
مئنة الاسترذال
حسب امرئ في هذا المقام أن يأوي الى جبل يعصمه من هذا الامر المشين، وأي أمر أقبح من الاسترذال؟
قد يحسب البعض أن ” مئنة الاسترذل ” هذه بعيدة قصية، بينما الامر خلاف ذلك تماما، فهو حيثما استخفف الفرد بما يقوم به، فلا يكاد خائضا فيه إلا وقد استصغره واستشعره هينا غير مُبال بمن سيقرأ مخطوطه، لهذا يقال مهلا!! رفقا ثم رفقا بالقارئ!! ففيه العامي والمتخصص والضليع فيما استصغرته، وبذاك قد ابتذلته.
رفقا بمن يُكن الوقار للعلوم كافة، فكيف بشيخها ـ والقصد علم القانون ـ الذي شاخ وما شاخ نجله ولا حفدته، ولا زاده ذلك سوى وقارا ورصانة، أفلا يستحق جُهدا وجدا في كل محاولة لبسطه، حتى إذا ما كان التوفيق حليف الشخص في أمره كله، كان موفقا في اجتهاده، تأويلا وتفسيرا لا خَلقاً، وهو بذاك له يقينا
ـ والله أعلم ـ أجر المجتهد فيما أخطأ وله الأجران عند الصواب، ولعل حديث الاجتهاد مما يدعم هذا القول، والقصد ما روى عمرو بن العاص، الذي جاء في معناه وهو في الصحيحين عن النبي ﷺ قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر”[25].
ورُغما عن كون كل الأعمال قاصرة ما دامت بشرية، فجميعنا نصبوا الى أجر المجتهد وِتراً، وما ذاك بالأمر الهين، حيث لا يخرج الامر عن شقصين:
درء السرعة والتسرع
خلافا للمقولة المأثورة أن ” خير البر عاجله” فإن البر هاهنا التريث والبطء الذي يُراد به التدبر في كل ما يتحرك له القلم شرحا وتفسيرا وتأويلا، حيث إنه في البحث العلمي القانوني ترجح مقولة ” العجلة من الشيطان “، وما الشطان في هذا المقام سوى الاستخفاف والتكهن ببساطة الامر وهو “جلل”، ولخرجة متسرعة واحدة كفيلة بأن تُغرق صاحبها في أمرين حلوهما مر، فهي إما تُدنيه في بئر وحل قصي قعره، وإما في بئر تملق مُصطنع ترفعه حيث التواضع واجب وندب.
ونافلة القول هاهنا، أن مئنة الاسترذال هذه بمثابة “ورم سرطاني” يجتاح الكتابة القانونية، ويشوش على المحاولات الجادة بمعيار أهل العلم وخاصته، بل إن المرء يساهم ــ من حيث يدري أو لا يدري ـ في إقبارُ ما تبقى من جدية في التعامل مع التحليل السليم المبني على منطق وسطي لدى رجل القانون الحق. هذا الأخير إنما المطلوب فيه ـ بمناسبة كتابة متن قانوني ـ أن يروم سلوك الرجل العادي / الصالح، فهو رب المقال وصانعه كما رب الأسرة العاقل[26]. لذلك يعد كل خروج عن المعيار المذكور ــ رب الاسرة الصالح ــ كمن يفرط في قوامته، راغبا سفها ظاهرا، فيبذل ما يلزم فيما لا يلزم، ولعمري إن ذاك فتنة وفساد، إذ المؤكد أن ما ترسخ من قواعد الكتابة القانونية على وجه الخصوص، منبثق من التراكمات الفقهية التي تعارف عليها أهل القانون بكونها قواعد منهجية ملزمة في جوانب كثيرة منها، وما الخروج عن ذاك سوى من باب مخالفة ما جرى به العمل عند هذه الزمرة، ونضرب لهذا مثلا من أقضية فاس حيث إن ” مخالفة ما جرى به العمل فتنة وفساد”[27]، فكان الأولى ثم الأولى أن تحفظ حرمة الكتابة القانونية كما تحفظ حدود الله تلافيا للفتن والبلوى العلمية، ولعمري إن للكتابة القانونية حقوقا بكاهل كل عازم عليها، وهي أمانة عظيمة لا هينة، إلا على من استرذلها وخاض فيها بما توهمت نفسه وذاك يُلزمه.
عدم التشبه بأهل “الكيمياء” في الكتابة القانونية
حيث ثبت أعلاه أن درء السرعة والتسرع من طرف رجل القانون كلما بادر الى الكتابة أمر مطلوب قبل أن يكون محمودا، وإن الشقص الثاني كما الوتيد يحضر هذا المبادر ويلازمه حتى يفرغ، والقصد هنا درء رجل القانون للتشبه بمن يمتهن صنع “الكمياء” التي لها أهلها وخاصتها على غرار علم القانون.
والظاهر في الوقت الراهن خلاف الأصل المطلوب والمحمود في نفس الآن، حيث السواد الأعظم ـ إلا من رحم ربه ـ يخوض مع الخائضين في استرذال لهذا الشيخ الوقور ــ والقصد علم القانون ـ حيث تروم الغالبية لا الكل، حتى لا نبخس الناس أشياءهم، لصنعة الكيمياء والتشبه بأهلها وممتهنيها، وثمة إذن، تُغير الحقائق وتُشوه المبادئ ولو كانت أولية لا يمكن العذر عنها، حتى يظن الواحد أن النتاج كتابة قانونية، وما هي بذلك، وهل يستوي الحديد والمعدن النفيس! بل هل كل معدن أصفر يعد ذهبا!
فهذا ما يحترفه أهل الكيمياء[28]، حتى أفتي فيهم بكونهم ” من أعظم الناس غشا … وأن جماهير من يطلب الكيمياء لا يصل الى المصنوع الذي هو مغشوش باطل طبعا، محرم شرعا، بل هم يطلبون الباطل الحرام … والكيمياء أشد تحريما من الربا”[29]، وما هذه الفتوى سوى تشبيه بجسامة ما يمكن تسميته بالجرم المعرفي هاهنا، وهو من نفس درجة فعل أهل الكيمياء كما تقدم.
لكل العلل المذكورة، يبقى أهل العفة في عفتهم، وما أدراك ما العفة العلمية: إنها عفة الكاتب والمكتوب، عفة القلم، أولئك أناس عظموا ” الكتابة القانونية ” فما استصغروها وما ابتذلوها وما استرذلوها، لا لشيء سوى لكونهم على يقين تام بكون الأقلام تزني كما بنانُ الانسان، وإن أعظم وأقبح الزنى زنى القلم، وكما قال ” أدهم شرقاوي” في الاهداء الذي ضمنه مؤلفه ” وإذا الصحف نشرت” : ” إلى الذين راودهم العزيز عن أقلامهم فقالو: ــ معاذ الله ــ لأنهم يعلمون أن أقبح الزنى زنى القلم “[30]. وإن شيمة العفة، والقصد عفة القلم، قد قاربت حد الاندثار فما عاد لها بين ما يُخط في القانون من قرار.
وإن أقصى ما يمكن أن ينتج عن هذين الهادمين سالفي الذكر هو عدم وجود معارف تراكمية مكتسبة لدى الباحث القانوني الذي غدى ــ للأسف الشديد ــ بمثابة متمرد عرضي يتمايل أين ما عاين مسألة قد تسطع به في الوسط الافتراضي، فثمة انبهار غريب برقمنة المعرفة لا من أجل رقمنتها، وإنما من أجل ظهور سهل، إنه هوس يسمى عليه بالعامية الهجينة ” البُوز “، ولعل هذا الامر مرده الى شُح في تمازُج المعارف التي تجعل من الباحث أكثر جرأة لكي يتمرد على الهين، إن التمازج المعرفي والتعددية المعرفية تفتح أبوابا جديدة، وعلى حد قول الكاتب ” إبراهيم نصر الله”: ” إن الكتابة تشبه الجسد البشري، في الجسد الذي يكتفي بالجلوس رياضة وحيدة، ويكتفي بالحليب أو أي مادة، وحيدة، أخرى، غداء له طوال العمر، سينشأ جسدا هزيلا، مهما كانت الأهمية الغذائية الساكنة في الحليب، حتى لو كان حليب الأم”[31]. كذلك إذن هي الكتابة القانونية إذا ما شبهت مثلا، تروم الى المستوى المنحط كلما افتقرت الى التمازج المعرفي الذي لا يأتي إلا بالتحصيل الكثير ولو كان المعيار كميا، ولنا في التراث الشعري أن من الوصايا لأن يصبح المرء شاعرا، عليه بحفظ ألف قصيدة، ثم نسيانها، وذاك أمر يؤهله لكي يصبح شاعرا، وفي هذا دلالة على أن بعض الأمور تُقضى بالترك والتزام الحياد السلبي، وفي المجال المعرفي فهي من الأدوات التي تُثار بها المعارف المكتسبة لكل باحث.
خاتمــة:
إن خير ما يمكن أن يُختم به، هو كون “الكتابة القانونية” وكل محاولة جادة تروم أجر المجتهد وإن أخطأ، وتدفع عنها قدر المستطاع ” آفة الاسترذال” في المادة المبحوثة، وما أهل القانون سوى أحرص الحريصين على نيل هذا المُبتغى، حتى إذا ما نالوا أجر المجتهد المصيب، فحتما لن يتموضعوا في خندق قصي، مليء بنوع جديد من الباحثين، والذي يمكن تسميته ب ” الأميين الجدد” وفق طرح الاسباني “بيدرو ساليناس pedro salinas ” في مقاله الشهير، أورد فيه أنه: ” ثمة أيضا نوع من الأميين الجدد جزئيا الذي يمكن رؤية أصحابه يحومون حول أكشاك بيع الصحف كنحلات طنانة تحوم حول زهرة نضرة، بحثا عن المقادير التي ستصنع بها عسل حياتها الفكرية. إنهم لا يقرأون الكتب ولكنهم مفتونون بتكاثر المجلات وبمواضيع اغلفتها. هؤلاء أهل للشفقة … إن هذه المجموعة الجديدة تنمو ببطء، وقد حان الوقت لتسميتها ولإعطاء المنتمين لها وضعة اجتماعية. إنهم الأميون الجدد the neoilliterates، وهم على درجة من التأثير والخطورة تتجاوز كثيرة الأميين أمية بحتة، فهم يرفضون البقاء في الدرك الأسفل مع الشيطان في ظلمات الجهل، إلا أنهم لا يطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة المقدس. إنهم قادرون على كل شيء، ولا يجازفون بشيء . . .”[32].
لائحة المراجع المعتمدة:
- مراجع باللغة العربية:
- ألان دونو، نظام التفاهة La médiocratie ، ترجمة وتعليق الدكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال، ط 2020.
- الجاحظ الكناني أبو عثمان عمرو بن بحر محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري، الحيوان، ج 6، دار الكتب العلمية، بيروت ــ لبنان، 1924 هـ ـــ 2003 م، ط 2.
- رمضان أبو سعود، الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني) القاعدة القانونية (، بيروت، الدار الجامعية، 1982.
- د. منى طلبة و د. أنور مغيث، مقدمة كتاب: جاك دريدا، في علم الكتابة، المركز القومي للترجمة، الطبعة الثانية، 2008.
- محمد الديداوي، الترجمة والتواصل، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، دون ذكر سنة النشر.
- مارتيلا غريكو لانييلا، لغة الإقناع في الخطاب القانوني، ترجمة مصطفى عاشق. انظر الموقع الالكتروني https://www.proz.com، تاريخ الولوج 18/08/2018.
- محمد عبد الحليم بيشي، مكانة العلم في الإسلام، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 635 رجب 1439 هـ ــ مارس 2018 م.
- يحيى بوتردين، تعليمية النص القانوني الأصيل والمترجم، دار الغرب للنشر والتوزيع. وهران. 2006.
- عبد السميع محمد احمد ، المعاجم العربية: دراسة تحليلية، دار الفكر العربي، 1969.
- إبراهيم مراكشي، المقدمة ــ الأقلية المتحكمة بالمغرب ـ الطبعة الأولى 2019.
- برتراند رسل، حكمة الغرب: عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي، الجزء الأول، ترجمة فؤاد زكريا، ط، 2 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2009).
- محمد إقبال ياسين المشهداني، لغة القانون، مجلة الانبار للغات والآداب، العدد 1، السنة 2009، 661.
- عبد العزيز بن محمد الصغير، القضاء في الإسلام في ضوء الشريعة الإسلامية، المركز القومي للإصدارات القانونية، الطبعة الأولى، بتاريخ 2015.
- كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم 6805، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم 3240.
- ـ أبي عيسى سيدي المهدي الوزاني، النوازل الجديدة الكبرى فيما لأهل فاس وغيرهم من البدو والقرى المسماة (المعيار الجديد الجامع المعرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب)، الجزء الخامس، دار الكتب العلمية، 1971، بيروت ــ لبنان.
- أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، المجلد التاسع والعشرون، مجمه الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المملكة العربية السعودية، عام 1425 هـ ــ 2004.
- أدهم شرقاوي، ” وإذا الصحف نشرت”، دار كلمات للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2018، الكويت.
- إبراهيم نصر الله، كتاب الكتابة: تلك هي الحياة. ذاك هو اللون، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، كانون 2018 م ـ 1439 هـ..
- صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري، دار احياء الكتب العربية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1991.
- ” دليل صياغة النصوص القانونية”، ضمن سلسلة الوثائق القانونية، وزارة العدل، السنة 2015.
- ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011)، ص 3600.
- مراجع باللغة الاجنية:
- Gémar Jean Claude, « La traduction juridique et son enseignement : aspects théoriques et pratiques ». in Méta, vol 24, n° 1, 1979.
- . Maria Térésa Cabré, la terminologie : théorie, méthode et application, les presses de l’Université d’Ottawa 1998.
- Jacques Derrida, La Mythologie blanch (la Metaphore dans le texte philosophique), in Poetiqu. Revu de theorie et d analyse litteraire. n 5. 1971.
- المواقع الالكترونية:
- ar.wikipedia.org.
- https://www.proz.com.
الإحالات
[1] ـ لا ينصرف القصد هاهنا الى المعنى النحوي في ” علم النحو” وإنما أدرج مجازا للتعبير عن الفج الموجود بين من يُعمل عقله في التعامل مع الأمور صغيرها وكبيرها، وبين من لا يُقيم لذاك أي اعتبار، فكان التعبير على النحو المذكور ابرازا للمعنى الخفي الذي تحمله الأسماء الموصولة في التعبير النحوي الذي تؤسس القاعدة فيه بمناسبة استعمال “ما” و ” من “، للعاقل ولغير العاقل.
[2] ـ ورد عن مترجم كتاب ” نظام التفاهة” لصاحبه ” آلان دونو” ما يلي: ” لنا أن نتخيل أن كاتب هذا الكلام ليس الفيلسوف رنيه ديكارت René Descartes صاحب نظرية الشك المنهجي الذي عاش في فرنسا القرن السابع عشر الميلادي، بل هو الأديب العربي الجاحظ الذي عاش في بغداد القرن التاسع الميلادي، أي قبل دیکارت بثمانية قرون. كتب الجاحظ هذه الفقرة بعد أن روى في فقرة سابقة ما كان سمعه عن نوع من الثعابين قيل إنه يلد، وعن نوع من الوعول قيل إن أنثاه تلد مع كل ولد تضعه أفعى، وهو ما كان يصدقه عموم الناس في ذلك الزمن، ولم يصدقه هو بسبب تفكيره الانتقادي الذي يعرض المعارف على مسطرة العقل أولا. وبذلك فإن الدرس هنا هو أن عقلك هو “قدس الأقداس”، فلا تسمح لأي فكر أن يدخله ما لم تطټره بنار الشك”.
ــ انظر: نظام التفاهة، مرجع سابق، ص 60.
[3] ـ الجاحظ الكناني أبو عثمان عمرو بن بحر محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري، الحيوان، ج 6، دار الكتب العلمية، بيروت ــ لبنان، 1924 هـ ـــ 2003 م، ط 2، ص 10.
[4] ـ رمضان أبو سعود، الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني) القاعدة القانونية (، بيروت، الدار الجامعية، 1982، ص 9.
[5] – Jacques Derrida, La Mythologie blanch (la Metaphore dans le texte philosophique), in Poetiqu. Revu de theorie et d analyse litteraire. n 5. 1971. P. 1, 52.
ـ أورداه: د. منى طلبة و د. أنور مغيث، مقدمة كتاب: جاك دريدا، في علم الكتابة، المركز القومي للترجمة، الطبعة الثانية، 2008، ص 22.
[6] ـ محمد الديداوي، الترجمة والتواصل، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، دون ذكر سنة النشر، ص 45.
[7] – Gémar Jean Claude, « La traduction juridique et son enseignement : aspects théoriques et pratiques ». in Méta, vol 24, n° 1, 1979, p: 7.
[8] – Maria Térésa Cabré, la terminologie : théorie, méthode et application, les presses de l’Université d’Ottawa 1998, p 93.
[9] ـ مارتيلا غريكو لانييلا، لغة الإقناع في الخطاب القانوني، ترجمة مصطفى عاشق. انظر الموقع الالكتروني https://www.proz.com، تاريخ الولوج 18/08/2018.
[10] ـ انظر الفصل الثالث من الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011، وجاء فيه ” الإسلام دين الدولة “. ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011)، ص 3600.
[11] ـ قال تعالى: ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” سورة الزمر، الآية التاسعة.
[12] ـ عن أَبي مسعودٍ عُقبةَ بنِ عمرٍو البدريِّ الأنصاريِّ t قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في الْقِراءَةِ سَواءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلا يُؤمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُد في بيْتِهِ عَلَى تَكْرِمتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِه”ِ رواه مسلم.
[13] ـ محمد عبد الحليم بيشي، مكانة العلم في الإسلام، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 635 رجب 1439 هـ ــ مارس 2018 م.
[14] ـ القصد هنا ما سيرد بعده عند بسط ” مظنة الاجتهاد” و ” مئنة الاسترذال”.
[15] ـ يحيى بوتردين، تعليمية النص القانوني الأصيل والمترجم، دار الغرب للنشر والتوزيع. وهران. 2006. ص: 12.
[16] ـ عبد السميع محمد احمد ، المعاجم العربية: دراسة تحليلية، دار الفكر العربي، 1969، ص 17 و 18.
[17] ـ إبراهيم مراكشي، المقدمة ــ الأقلية المتحكمة بالمغرب ـ الطبعة الأولى 2019، دون ذكر الصفحة.
[18] ـ ألان دونو، نظام التفاهة La médiocratie ، ترجمة وتعليق الدكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال، ط 2020، ص 48.
[19] ـ ألان دونو، نظام التفاهة La médiocratie ، المرجع السابق، ص 32.
[20] ـ برتراند رسل، حكمة الغرب: عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي، الجزء الأول، ترجمة فؤاد زكريا، ط، 2 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2009)، ص. 176.
[21] ـ محمد إقبال ياسين المشهداني، لغة القانون، مجلة الانبار للغات والآداب، العدد 1، السنة 2009، 661، ص 39.
[22] ـ توماس ألفا إديسون (بالإنجليزية: Thomas Alva Edison) (11 فبراير 1847 – 18 أكتوبر 1931)، وهو مخترع ورجل أعمال أمريكي. أثناء إدارته لشركته إديسون جنيرال اليكترك قبل اندماجها مع طمسون هيوستن اليكتريك اخترع العديد من الأجهزة التي كان لها أثر كبير علي البشرية حول العالم مثل: تطوير جهاز الفونوغراف وآلة التصوير السينمائي، بالإضافة إلي المصباح الكهربائي المتوهج العملي الذي يدوم طويلً. انظر www.ar.wikipedia.org، تاريخ الولوج 23/05/2020.
[23] ـ عبد العزيز بن محمد الصغير، القضاء في الإسلام في ضوء الشريعة الإسلامية، المركز القومي للإصدارات القانونية، الطبعة الأولى، بتاريخ 2015، ص 60.
[24] ـ تجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن الأمانة العامة للحكومة أصدرت “دليل صياغة النصوص القانونية” سنة 2015، ضمن سلسلة الوثائق القانونية، وفيه تُبين كيفية صناعة النص القانوني من حيث مبناه.
[25] ـ أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم 6805، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم 3240.
[26] ـ على سبيل الاستئناس قد ورد في الفصل 903 ق ل ع: “…عناية الرجل المتبصر حي الضمير”.
[27] ـ ” قول الشيخ عيسى السجستاني في نوازله ــ بعد أن وجه العمل الجاري في مسالة ذكرها: فإذا اتضح لك توجيه ما جرى به العمل لزم إجراء الأحكام عليه، لأن مخالفة ما جرى به العمل فتنة وفساد كبير”. انظر: أبي عيسى سيدي المهدي الوزاني، النوازل الجديدة الكبرى فيما لأهل فاس وغيرهم من البدو والقرى المسماة (المعيار الجديد الجامع المعرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب)، الجزء الخامس، دار الكتب العلمية، 1971، بيروت ــ لبنان، ص 100.
[28] ـ يتعلق الأمر بالمفهوم القديم للكيمياء والذي يسمى “الكيمياء القديمة” و ” الكيمياء المبكرة”، حيث كان أصحابه شديدو الهوس بالعثور على طريقة تمكنهم من جعل أي معدن ينقلب ذهبا، وهي في اللغة الأجنبية ” l’alchimie ” وهي chumeia ــ χυμείαو قد ذهب البعض الى أنها أيضا ” خيمياء”، لولا أن هذه الأخيرة مما ينصرف الى ممارسات تختلط فيها الشعوذة بالعلم، و قد تحدّث عنها حتى الكيميائيون لنفي تهمة الخيمياء عنه، وهي عبر العصور وفي مختلف الشعوب، فعرفها المصريون القدامى، والهنود واليونان والصينيون وكذا العرب والمسلمون.
[29] ـ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مجموع فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، المجلد التاسع والعشرون، مجمه الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المملكة العربية السعودية، عام 1425 هـ ــ 2004، ص 374 ـ بتصرف ـ.
[30] ـ أدهم شرقاوي، ” وإذا الصحف نشرت”، دار كلمات للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2018، الكويت، ص 5.
[31] ـ إبراهيم نصر الله، كتاب الكتابة: تلك هي الحياة. ذاك هو اللون، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، كانون 2018 م ـ 1439 هـ، ص 231.
[32] ـ ألان دونو، نظام التفاهة La médiocratie ، المرجع السابق، ص 48.