دردشة مع الدكتور محمد أتركين في نقد الأسس الأسطورية للقانون الدستوري
من منطلق القراءة تحت تأثير إصدار جديد، فالجديد له سلطة على المثقف والباحث، خاصة إن كان الموضوع مثيرا، أو كان الكاتب ممن تنتظر إطلالتهم وتثق في تقديراتهم.
وعلى خلاف المأثور وما هو سائد في الكتابات الدستورية حيث ارتبط التأليف في مجال المادة الدستورية، في التجربة الفرنسية، بعنوان ”القانون الدستوري والمؤسسات السياسية” تأثرا بعناوين المصنفات الجامعية منذ إصلاح البرامج الجامعية منذ سنة 1954، والتي على منوالها سارت التجربة المغربية، يحاول الأستاذ والباحث محمد أتركين في مؤلفه الجديد ”مباحث في الفقه الدستوري ” تتبع تفسير تحولات إطار القانون الدستوري وتوسيع مجاله من خلال طرح خطاب نقدي يراهن على مداخيل وأدوات بديلة للبحث، أو كما عبرت عنه الباحثة Marie-France-verdier في مقالها les nouveaux aspects du constitutionnalisme ”خطاب يحاول نزع القداسة عن المادة الدستورية” لتأسيس قراءة جديدة للدستور من منطلق دستوراني,
قراءة نقدية ترمي بالأساس إلى إخراج منهج تدريس القانون الدستوري من صورته التقليدية والمضيقة إلى صورة حديثة وموسعة تقتحم تحديات جديدة في أعقاب ما سماه الباحث Benjamin Lecoq في مقاله ‘‘Les fondements mythiques du droit constitutionnel à propos du mythe de la volonté générale’’ بأزمة ”الأساطير المؤسسة للقانون الدستوري” … أسس أسطورية طرحها الباحث Bernard Cubertafond في دراسته crise positiviste et renouveau sociologique du droit constitutionnel تحت مسميات ” الحكاية القانونية الكبرى والأوهام التقليدية الكبرى”.
هذه القراءة الدستورية الجديدة، كما يقدمها الأستاذ محمد أتركين، تواجه اليوم صعوبات تشكل تحديات لمدى قدرة القانون الدستوري الإجابة عن الإشكالات المتعلقة بإعادة النظر في مقومات العالم الحالي. وأولى هذه الإشكالات ما اعتبره استمرارا في التلقين النظري على حساب الجوانب التطبيقية العملية للقانون الدستوري.
في هذا المجال، اجتهد الكاتب في تقديم خطاب نقدي ينتقد فيه استماتة الدرس الجامعي للقانون الدستوري من خلال توظيفه أسسا ومفاهيم: الدولة، السيادة، الإرادة العامة، فصل السلط، سمو الدستور، التمثيل الديمقراطي،… في شكلها التقليدي كما نحتت واكتمل بناؤها النظري في موجزات (Manuels) القانون الدستوري منذ قرن من الزمن، أو ما عد في الماضي، حسب الأستاذ Stéphane pierré-Cap ، ب”يقينيات دستورية”… دون عناية بالديناميات الدستورية الجديدة، ولا بالتطورات الفقهية اللاحقة التي جعلت من الدستور، بتعبير الأستاذ Henri Brun في مقاله politisation du pouvoir judicaire :la séparation traditionnelle des pouvoirs a-t-elle vécu ? ” … ليس في كل الأحوال تعبيرا عن سياسة وطنية، ولا تجسيدا لإرادة عامة متخيلة، ولا عنوانا لتعريف الدولة، وأن فصل السلط لم يعد مفهوما متحققا خصوصا أمام التسييس المتزايد للقضاء وبروز وتنامي ظاهرة ”قضائية السياسة”.
هذا الأمر، يستوجب معه اليوم، حسب الأستاذ Jean Philippe Feldman في مقاله la séparation des pouvoirs et le constitutionnalisme- ”…إعادة تصنيف الأنظمة السياسية وفق معطيات أخرى وليس على أساس الدستور نفسه”.
وعطفا على ما سبق، تحضر التساؤلات من خلال خطاب نقدي للنظرية العامة للقانون الدستوري بمواصفتتها الكلاسيكية حيث تبدو، حسب الاستاذ أتركين، غير معنية بالانشغالات الجديدة للقانون الدستوري، ولا بالسجلات الفقهية بين مدارس التأويل الدستوري، ولا بالإحاطة بمناهج جديدة في طور التشكل.
أولا
كيف يجيب الدرس الجامعي النظري عن تحولات مبدأ فصل السلط ؟. فصل السلط، كأساس أسطوري موروث عن عصر الأنوار، والذي يضع وجها لوجه السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، ألم يعد يتوارى، اليوم، لفائدة توزيع ثنائي، بالضرورة، بين السلطة السياسية والقضائية. وهنا تتساءل الباحثة Marie-France-verdier ألا يعرف فصل السلط، كمفهوم، تحولا لفائدة فصل تعاوني بين البرلمان والحكومة لمواجهة القضاء ؟.
ثانيا
نتكلم عن سمو الدستور كأساس للنظرية العامة للقانون الدستوري، ألم يتم اغناء الدساتير بإعلانات وديباجات بالنظر لدينامية الحقوق الأساسية الدولية وأيضا لضمانات هذه الحقوق، أولا نرسي بذلك، تعاملا جديدا، تعامل أذاتي مع الدستور بسبب إخضاعه لقواعد القانون الدولي. ألسنا اليوم أمام مفاهيم جديدة في طور التشكل تعيد النظر في مصادر الدستور حيث أصبحنا نتكلم عن ”الدستور المعولم” أو ”عولمة الدستور”، ووعود دستورانية بإمكانية إنشاء ”دستور أوروبي”، أو ”قانون دستوري أوروبي” أو ”دستورانية فوق وطنية” أو ”قانون دستوري بدون دستور”.
ثالثا
السيادة، بأي معنى يقدم اليوم مفهوم السيادة ؟، السيادة باعتبارها تعبيرا عن سلطة أصلية، غير مشروطة، ألم تعد تشكل اليوم قصرا من الرمال، منهار تحت ضغط تطورات الاكراهات الفوق وطنية، لا سيما المتعلقة بالحقوق الأساسية والموضوع الاقتصادي.
رابعا
نظام التمثيل الكلاسيكي … ألا يعبر عن أزمة الشرعية السياسية؟، والثقة في حرفة السياسي؟، ومع تطور الديمقراطية شبه مباشرة، والديمقراطية التشاركية، وبروز ديمقراطية الرأي إلى الواجهة، هل يتعلق الأمر، اليوم، بإفساح المجال لشرعيات جديدة ؟
خامسا
وماذا عن مفهوم المواطنة، تتساءل الباحثة Marie-France-verdier ألم تعد فقط وطنية، بإرساء مواطنة أوربية عبر اتفاقية ماستريخت
إن النظرية العامة للقانون الدستوري، بهذه المواصفات، وكما أريد لها أن تدرس، بقيت منغلقة في تعريف شكلي ومادي للدستور وشرح للأساليب الثيوقراطية أو الديمقراطية لوضع الدساتير … مما يجعل النظرية العامة للقانون الدستوري، حسب الأستاذ Stéphane pierré-Cap قريبة من الدراسات التاريخية للقانون الدستوري، أكثر منها نظرية قادرة على تقديم التوطئات المنهجية، والإطار النظري لاستيعاب وفهم ديناميات دستورية آخذة في التعقيد، بالنظر للإشكالات الجديدة التي تطرحها.
بصرخته النقدية، وبأسئلته الفقهية المعالجة والبعد المقارن الذي يخترق المباحث، وكأني بالكاتب يستشعر عبئا ثقيلا يتوجب على المتخصصين في تدريس القانون الدستوري، سواء جيل التدريس الأول أو جيل المنعطف الجديد، النهوض به والاجتهاد في التأسيس لمنهج جديد للقانون الدستوري باعتباره مبحثا من مباحث التفكير القانوني.