إشكالية تزاحم الطعون القضائية أمام القضاء المدني
توطئة:
إن العمل القضائي هو عنوان الحقيقة، ولكي يكون كذلك لابد من ثمة ضمانات تضمن للناس وصوله للحقيقة.، ولما كان العمل القضائي عملا بشريا وهذا العمل قابل للخطأ والصواب فان المراجعة أمر ضروري بالنسبة له، ولأن القضاء والفقه صنوان متكـاملان وركيزتـان أساسـيتان في بنـاء العدالة، فقد أفسحنا اجمالا في هذا المقال التطرق إلى إشكالية تزاحم الطعون القضائية على ضوء العمل القضائي من خلال التطبيقات و الاعمال القضائية الرصينة والمتنوعة همت نقطا قانونيـة دقيقـة وإشـكاليات قضائية عملية مستهدفين تعميم النقاش بخصوصها وبلورتها إلى مقترحات
يستفيد منها كافة الفاعلين والمهتمين بالشأن القانوني والقضائي. وأملنا كبير في أن يلبي هذا العدد طموح القارئ الكريم وان يشكل قيمة
مضافة للخزانة القانونية المغربية ويحفز الجميع على التفاعل الإيجـابي معه بكل موضوعية.
فمما لا شك فيه أن طرق الطعن تنقسم إلى طرق عادية واخرى غير عادية، فطرق الطعن العادية في القانون المغربي تشمل كل من التعرض والاستئناف. وتسمية طرق الطعن في الأحكام بطرق الطعن العادية تسمية تشتق في صحيح النظر من أمكنة بناء الطعن على أي سبب كان سواء تعلق بالواقع أو كان مستمدا من القانون. كما ترجع هذه التسمية من جهة أخرى إلى أن القاضي الذي ينظر هذا الطعن يكون مزودا بالسلطات العادية التي كانت للقاضي الذي أصدر الحكم المطعون فيه، أما طرق الطعن غير العادية فهي الطعن بالنقض، التماس إعادة النظر والتعرض الخارج عن الخصومة،
الا انه لما كان الحكم كأي عمل بشرى قد يكون غير عادل بسبب خطأ القاضي او لسبب اخر يعود للظروف وملابسات القضائية، فإذا توافرت إمكانية عرض القضية مرة أخرى على المحكمة غير التي أصدرته، فإنه تتوافر بذلك إمكانية تحقيق العدل وتصويب ما وقعت فيه محكمة أول درجة من خطأ، ومع ذلك ورغم ما توفره آليات الطعن في الاحكام القضائية من عدالة تضمن حياد القاضي وحماية المتقاضين فإن ممارستها في الواقع تثير استشكالا عمليا حينما تتزاحم الطعون القضائية وتتزامن في ان واحد وبشكل متوالي على القضية المعروضة على القاضي سواء تعلق الامر امام قضاء الموضوع او قضاء القانون . فكثير هي من الحالات ما تثير تساؤلات حول توالي وتزاحم الطعون القضائية واستيعاب مدلولها. مما ينجم عنها معادلات قضائية قد تفضي عمليا بإمكانية قبول استجماع الطعون والبت فيها كل على حدة ، وقد يسلك القاضي منحا وسبيلا آخر يزج بها إلى رفض الجمع بينها، وهكذا فإذا كان المشرع قد منع الطعن بالتماس إعادة النظر في حكم هو محل طعن بالنقض “في ذات الوقت” أي أن المنع يخص التماس إعادة النظر الذي يكون متزامنا مع طعن بالنقض. فهل يجوز حينئذ رفع التماس إعادة النظر إن كان غير متزامنا مع الطعن بالنقض؟ وما معنى عبارة ” في ذات الوقت “؟ هل تعني أن يكون كلا الطعنين ضد نفس الحكم قد أودعا وسجلا بكتابة الضبط في نفس التاريخ أم يكفي أن تكون الخصومة مطروحة أمام المحكمة الاعلى درجة؟ وإذا كان لا يجوز رفع التماس إعادة النظر، إذا كان نفس الحكم موضوع طعن بالنقض، فهل يجوز رفع طعن بالنقض إذا كان الحكم المطعون فيه موضوع التماس إعادة النظر،؟
ومن جهة أخرى إذا كان قانون المسطرة المدنية لا يتضمن ما يحول دون المحكوم ضده استئنافيا من اللجوء إلى مسطرة الطعن بالنقض و إعادة النظر فهل يصح الجمع بين الطعن بالنقض وإعادة النظر؟ وهل يعتبر سلوك أحد الطعنين لا يعتبر تنازلا عن الطعن الآخر.؟ وفي نفس السياق ما مدى امكانيه الجمع بين استئناف حكم ابتدائي والتعرض على القرار الاستئنافي الصادر بشأنه؟ وهل يحق الجمع بين الاستئناف و إعادة النظر في القضية الواحدة؟
تلكم أسئلة لو سمحتم الإجابة عنها وفق التصميم التالي:
المبحث الاول: خصائص طرق الطعن في التشريع المغربي وطبيعتها القانونية.
الطعن هو لجوء الشخص إلى المحكمة الاعلى درجة ، وذلك لمراجعة قرار المحكمة الدنيا، حيث إنّ جميع النظم القانونية تحتوي على نوع معين من الطعن، وللوصول إلى الطعن هناك تسلسل هرمي قضائي يستوجب احترامها وفقا لما هو مسطر قانونا، والا كان مصيره يخالف سديد القانون وصحيحه.
المطلب الأول: طرق الطعن العادية
التعرض: هو الطريق الذي يسلكه الطاعن عندما يصدر الحكم بحقه بالصورة الغيابية. وعليه يجوز التعرض على الاحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الابتدائية إذا لم تكن قابلة لاستيناف وذلك في أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ الواقع طبقا لمقتضيات الفصل 151، ويجب تنبيه الطرف في وثيقة التبليغ إلى أنه بانقضاء الاجل المذكور يسقط حقه في التعرض كما يجوز التعرض الغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف والقابلة للتعرض، إلا انه اذا كان المشرع قد أجاز إمكانية التعرض على الاحكام و القرارات الغيابية في حدود ما هو قانوني فإنه لا يجيز بأن يطعن في الأوامر الاستعجالية بالتعرض. ونفس الأمر نص عليه الفصل 378 من نفس القانون، إذ لا يقبل التعرض على القرارات الغيابية الصادرة عن المجلس الأعلى.( محكمة النقض حاليا)
ويترتب عن استعمال آلية الطعن بالتعرض وقف التنفيذ، ما لم يؤمر بغير ذلك في الحكم الغيابي، و في هذه الحالة فإذا قدم المحكوم عليه بإيقاف التنفيذ بثت غرفة المشورة مسبقا في الطلب بإيقاف التنفيذ المعجل كما لا يقبل تعرض جديد من الشخص المتعرض الذي حكم عليه غيابيا مرة ثانية.
الاستئناف : استعمال الطعن بالاستيناف حق في جميع الأحوال، إلا إذا قرر القانون خالف ذلك و يجب أن يقدم استيناف أحكام المحاكم الابتدائية خلال ثلاثين يوما، ماعدا ،إذا تعلق الأمر بقضايا الأسرة فإن استيناف الأحكام الصادرة في شأنها يجب تقديمه داخل أجل خمسة عشر يوما، ويبتدئ هذا الأجل من تاريخ التبليغ إلى الشخص نفسه أو في موطنه الحقيقي أو المختار، أو بالتبليغ في الجلسة إذا كان ذلك مقررا بمقتضى القانون، ويرتب عن إعمال الاستئناف أثرين اثنين يتمثلان في كونه يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي أنه ينقل النزاع من المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف. ولا يمكن استيناف الأحكام التمهيدية إلا في وقت واحد مع الأحكام الفاصلة في الموضوع وضمن نفس الآجال ويجب أن لا يقتصر مقال الاستئناف صراحة على الحكم الفاصل في الموضوع فقط بل يتعين ذكر الأحكام التمهيدية التي يريد المستأنف الطعن فيها بالاستيناف. كما لا يقبل أي تدخل إلا ممن قد يكون لهم الحق في أن يستعملوا التعرض الخارج عن الخصومة ( المادة 144 من قانون المسطرة المدنية)
المطلب الثاني: طرق الطعن غير العادية
تعرض الغير الخارج عن الخصومة: يقدم تعرض الخارج عن الخصومة وفقا للقواعد المقررة للمقالات الافتتاحية للدعوى، فهو طريق غير عادي للطعن في الأحكام وضعه القانون في متناول كل شخص لم يكن طرفا ولا ممثلا في الدعوى يستطيع بمقتضاه أن يرفع أثر الحكم الصادر فيها إذا كان الحكم المذكور يمس بحقوقه أو يضر بمصالحه، فتعرض الغير الخارج عن الخصومة، هو إذن طعن تقتصر ممارسته على الأشخاص الذين لم يكونوا طرفا أو ممثلين في الدعوى التي صدر فيها الحكم المشكوك منه، ومن آثاره آنه لا يترتب عن تقديم تعرض الغير الخارج عن الخصومة أي أثر موقف بالنسبة للحكم المتعرض عليه فهذا الحكم يبقى قابلا للتنفيذ، ما لم تقرر المحكمة الناظرة في التعرض خلاف ذلك بناء على طلب المتعرض، أما بالنسبة للحكم الصادر نتيجة التعرض فالآثار تختلف حسبما يخفق المتعرض في تعرضه ويرد طعنه أو يظهر أن المتعرض كان محقا في ادعاءاته و يقبل تعرضه.
إعادة النظر: يمكن أن تكون الأحكام التي لا تقبل الطعن بالتعرض والاستيناف موضوع إعادة النظر ممن كان طرفا في الدعوى أو ممن استدعى بصفة قانونية للمشاركة فيها وذلك في الأحوال الآتية مع مراعاة المقتضيات الخاصة المنصوص عليها في الفصل 379 المتعلقة بمحكمة النقض:
– إذا بت القاضي فيما لم يطلب منه أو حكم بأكثر مما طلب أو إذا أغفل البت في أحد
الطلبات.
– إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى
– إذا بني الحكم على مستندات اعترف أو صرح بأنها مزورة وذلك بعد صدور الحكم.
– إذا اكتشفت بعد الحكم وثائق حاسمة كانت محتكرة لدى الطرف الآخر.
– إذا وجد تناقض بين أجزاء نفس الحكم.
– إذا قضت نفس المحكمة بين نفس الأطراف واستنادا لنفس الوسائل بحكمين
انتهائيين ومتناقضين ،وذلك لعلة عدم الاطلاع على حكم سابق أو لخطأ واقعي.
– إذا لم يقع الدفاع بصفة صحيحة على حقوق إدارات عمومية أو حقوق قاصرين.
فهو بذلك يشكل طريق طعن غير عادي يستطيع أحد الخصوم في الدعوى أن يسلكه في حالات معينة للطعن في الأحكام الانتهائية غير القابلة للتعرض أو الاستئناف، وذلك أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ابتغاء رجوع هذه المحكمة عنه والقيام بالتحقيق في القضية من جديد تلافيا لخطأ غير مقصود كأن يشوب الحكم المطلوب إعادة النظر فيه. وطلب إعادة النظر لا يترتب عليه أي أثر موقف للحكم المطعون فيه أي أن طلب إعادة النظر لا يوقف تنفيذ الحكم. فالحكم الفاصل في طلب إعادة النظر يقبل التعرض إذا صدر بالصورة الغيابية، كما يقبل الطعن بالنقض إذا كان مشوبا بعيب من العيوب التي تبرر هذا الطعن، وعليه إذا قبلت إعادة النظر وقع الرجوع في الحكم ورجع الطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور هذا الحكم وردت المبالغ المودعة وكذا الأشياء التي قضى بها والتي قد يكون تم تسلمها بمقتضى الحكم المرجوع فيه ( المادة 408 من قانون المسطرة المدنية)
الطعن بالنقض: تبت محكمة النقض ما لم يصدر نص صريح بخالف ذلك في:
-الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة باستثناء:
– الطلبات التي تقل قيمتها عن عشرين ألف درهم والطلبات المتعلقة باستيفاء واجبات الكراء والتحملات الناتجة عنه أو مراجعة السومة الكرائية.
-الطعون الرامية إلى إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية للشطط في استعمال السلطة.
-الطعون المقدمة ضد الأعمال والقرارات التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم.
-البت في تنازع الاختصاص بين محاكم لا توجد محكمة أعلى درجة مشتركة بينها غير محكمة النقض.
– مخاصمة القضاة والمحاكم غير محكمة النقض.
– الاحالة من أجل التشكك المشروع.
– الاحالة من محكمة إلى أخرى من أجل الأمن العمومي أو لصالح حسن سير العدالة.
فالطعن بالنقض هو طريق غير عادي يهدف الى عرض الحكم المطعون فيه على محكمة النقض قصد نقضه لمخالفته أحكام القانون، وكما يعلم الجميع ان محكمة النقض لا تشكل درجة ثالثة من درجات التقاضي، فهي محكمة قانون وليست بمحكمة موضوع، بحيث لا يجوز طرح النزاع في جوهره أمامها، بل إن سلطتها هذا تقتصر مبدئيا على البحث في موافقة الحكم المطعون فيه للأصول و القانون أو خروجه على المبادئ و النصوص القانونية. كما ان الطعن بالنقض لا يرتب أي أثر موقف على الطعن بالنقض أي أن رفع الدعوى إلى محكمة النقض لا يوقف التنفيذ إلا في حالات معينة عددها المشرع على سبيل الحصر. ومن بين الحالات الاستثنائية التي يترتب فيها على الطعن بالنقض وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فهي في الحقل المدني الحالات التالية:
-قضايا الأحوال الشخصية.
-دعوى الزور المتفرعة من دعوى مدنية.
-القضايا الخاصة بالتحفيظ العقاري
هذا، و يمكن أن يطعن من أجل طلب تصحيح القرارات التي لحقها خطأ مادي من شأنه أن
يكون قد أثر فيها، كما يقبل تعرض الخارج عن الخصومة ضد القرارات الصادرة عن محكمة النقض في طعون إلغاء مقررات السلطات الإدارية كما يمكن علاوة على ذلك للمحكمة بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة في القضايا الادارية ومقررات السلطات الادارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء.
وفي ختام معرض حديثنا عن النقض كطريق غير عادي من طرق الطعن ، نشير إلى انه لا يقبل التعرض على القرارات الغيابية الصادرة عن محكمة النقض، كما لا يمكن الطعن في القرارات التي تصدرها محكمة النقض إلا في الأحوال الآتية:
يجوز الطعن بإعادة النظر:
– ضد القرارات الصادرة استنادا على وثائق صرح أو اعترف بزوريتها.
– ضد القرارات الصادرة بعدم القبول أو السقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات
صبغة رسمية وضعت على مستندات الدعوى ثم تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية
جديدة وقع الاستظهار بها فيما بعد.
– إذا صدر القرار على أحد الطرفين لعدم إدلائه بمستند حاسم احتكره خصمه.
– إذا صدر القرار دون مراعاة لمقتضيات الفصول 372 و 373و 375..هذا و يمكن كذلك أن يطعن من أجل طلب تصحيح القرارات التي لحقها خطأ مادي مؤثر.
المبحث الثاني: تزاحم الطعون القضائية المدنية على ضوء العمل القضائي
التزاحم في الطعون القضائية يكون مع التعدد، فالطعون القضائية قد تتعدد بتعدد الطاعنين اطراف الخصومة أو بتعدد الطعون ذاتها في القضية الواحدة.، وأحيانا اخرى بتعدد مصدر الطعن، فمتى كانت الطعون القضائية متزاحمة و متعددة واتسع لها صدر القضاء في حدود سديد القانون وصحيحه، أخذ كل واحد من تلكم الطعون نصيبه من الحسم فيه، أما إن ضاق الفضاء درعا منها حيث لا يتسع مجال قانوني يجيزها فعندئذ يكون التزاحم. امد عيد مقبول الحسم فيه.
فالمقصود بالتزاحم إذا، أن تتعدد الطعون بالتزامن حيث يزيد من مجموعها على ما هو معتاد، فيقال إن الطعون القضائية قد تزاحمت، أي أن تزامنها بالتعدد قد ضاق عن تنفيذها على الوجه المألوف، حيث يضيق الجمع والتوفيق بينها بحسب الاحوال القانونية السديدة. وعلى ذلك تقتضي غاية بحثنا حول تزاحم الطعون القضائية تقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب على النحو التالي:
المطلب الأول: الجمع بين استئناف حكم ابتدائي والتعرض على القرار الاستئنافي الصادر بشأنه
قد يتقدم احد اطراف الخصومة بالطعن بالتعرض ضد القرار الاستئنافي الغيابي الصادر في حقه وبنفس المذكرة يتقدم باستئناف الحكم الابتدائي الذي لم تبلغ به بصفة قانونية، وتبعا التطبيقات القاعدة القاضية يكون أن الأصل في الأعمال هي الإجازة ، ومادام ليس هناك أي نص قانوني يمنع الجمع بين الطعنين فمعنى ذلك أنه جائز، مع العلم أن أحكام الفصول من 130 إلى 133 من قانون المسطرة المدنية تنظم أحكام التعرض والفصول الموالية منه من 134 إلى 146 تنظم أحكام الاستئناف، حيث جاء في قرار محكمة النقض : “و حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه ذلك أنه يترتب عن التعرض على القرار الاستئنافي متى أقيم صحيحا لتوافر موجباته نشر الخصومة الاستئنافية المثارة من طرف الطاعنة، كما يترتب عن ذلك قبول الاستئناف المثار من طرف الطاعنة ضد الحكم الابتدائي، إن تم داخل أجله ووفق القانون، ويتعين بالتالي النظر في الطعنين معا في آن واحد، والمحكمة لما قضت بعدم قبول استئناف الحكم الابتدائي، والتعرض على القرار الاستئنافي الذي صدر غيابيا في حقها في آن واحد لعدم جواز جمعها للطعنين دون ان تبين سندها القانوني في ذلك ودون النظر في مدى صحة كل من الطعنين لترتيب أثاره فإنها لم تجعل لقضائها أساسا مما يعرض قرارها للنقض”[1]
وفي قرار اخر صادر عنها جاء فيه: “يترتب عن التعرض على القرار الاستئنافي متى أقيم صحيحا لتوافر موجباته نشر الخصومة الاستئنافية المثارة من طرف الطاعن، كما يترتب عن ذلك قبول الاستئناف المثار من طرف الطاعن ضد الحكم الابتدائي، إن تم داخل أجله ووفق القانون، ويتعين بالتالي النظر في الطعنين معا في آن واحد، والمحكمة لما قضت بعدم قبول استئناف الحكم الابتدائي، والتعرض على القرار الاستئنافي الذي صدر غيابيا في آن واحد لعدم جواز الجمع بين الطعنين دون أن تبين سندها القانوني في ذلك ودون النظر في مدى صحة كل من الطعنين لترتيب أثاره فإنها لم تجعل لقضائها أساسا مما يعرض قرارها للنقض” [2].
المطلب الثاني: الجمع بين الاستئناف و إعادة النظر
لا يجوز الطعن في الحكم القابل للاستئناف بطريق غير عادي، أي بالتماس إعادة النظر أو النقض، ولو شابه عيب من العيوب التي تجيز هذه الطعون، فالقاعدة هي أنه لا يجوز الطعن بالالتماس أو النقض إلا في الأحكام الانتهائية لأن الاستئناف أعم وأشمل من الطرق غير العادية ويغنى عنها، فالحكم الذي يمكن استئنافه أو المعارضة فيه لا يقبل الطعن بالتماس إعادة النظر ما دام آجال هذين الطعنين ما زالت قائمة ولم تنقض، وتبعا لذلك إذا كان يمكن رفع معارضة أو طعن بالنقض موازاة مع التماس إعادة النظر، فإن هذا الطعن الأخير يكون غير مقبولا في حالة صيرورة الحكم نهائيا بسبب ترك فوات أجل الاستئناف. وبعبارات أخرى فإن التماس إعادة النظر يكون مقبولا فقط ضد الأحكام النهائية، فلو كان الحكم قابلا للاستئناف ولم يباشر فإن حق الطعن بالتماس إعادة النظر يسقط، بمعنى اخر انه كلما صدر حكم انتهائي غير قابل الاستئناف ولا التعرض عليه في قضية معروضة على المحكمة فآنذاك التماس إعادة النظر، وهذا الاتجاه سارت محكمة التمييز في قرار صادر عن الغرفة الأولى حيث جاء فيه: “وحيث أن التماس إعادة النظر هو طريق من طرق الطعن غير العادية تشير إليها المادة 194 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على أن الأحكام الصادرة من المحاكم أو المجالس التي لا تكون قابلة للطعن فيها بطريق المعارضة أو الاستئناف يجوز التماس إعادة النظر فيها من جانب من كان طرفا فيها أو ممن أبلغ قانونا بالحضور” [3].
وفي الأخير نشير كذلك وفي إطار معالجة إشكالية تزاحم الطعون القضائية الى أنه لا يجوز استئناف الحكم إلا مرة واحدة تحقيقًا للاستقرار وهذا ما جاءت به محكمة النقض في قرارها حيث ذهبت إلى أنه “يخرق القانون قرار محكمة الاستئناف بقبوله شكلا مقال الاستئناف الأول واستبعاده مقال الاستئناف اللاحق تاريخا بعلة عدم جواز تزاحم الطعون في قضية واحدة، لأن مجال تطبيق هذه القاعدة يكون في حالة البت في الطعن بحكم ثم يعاود نفس الطاعن ذات الطعن في القضية الواحدة، وبذلك فإن مقال الاستئناف اللاحق يكون مقبولا متى قدم خلال أجل الاستئناف باعتباره مذكرة بيانية لأوجه الاستئناف ولو كانت جديدة” [4] .
المطلب_الثالت: الجمع بين الطعن بالنقض وإعادة النظر
قد يقع أن يكشف المتقاضي أن الحكم الذي صدر ضده بني على وثيقة مزورة أو ثبتت قضائيا تزويرها بعد أن أصبح هذا الحكم باتا أي بعد مروره على طريق الطعن بالنقض، فهل يجوز تقديم طعن بالتماس إعادة النظر في الحكم الذي سبق وأن طعن فيه بالنقض؟ ومن زاوية أخرى إذا رفع المتقاضي التماس إعادة النظر في حكم ارتكازا على الغش أو التزوير وقضت الجهة القضائية برفضه ، هل يمكنه رفع طعن بالنقض ضد نفس الحكم؟ بالنسبة للحالة الأولى فالقانون يمنع صراحة ذلك. وأما في الحالة الثانية فنعتقد أن الطعن بالنقض يبقى مفتوحا فيجوز لمن رفض طعنه بالتماس إعادة النظر أن يطعن بالنقض في نفس الحكم أمام المحكمة الاعلى درجة. وهذا ما كرسه العمل القضائي بالمجلس الاعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) في قرار له صادر عن غرفتين مجتمعين رقم 274 تاريخ 8/3/2006 (الغرفة التجارية القسم الأول و الغرفة المدنية القسم الرابع بالمجلس الأعلى ( محكمة النقض ) حيث جاء فيه ما يلي:
ليس بقانون المسطرة المدنية ما يحول دون المحكوم ضده استئنافيا من اللجوء إلى مسطرة الطعن بالنقض و إعادة النظر، و أن سلوك أحد الطعنين لا يعتبر تنازلا عن الطعن الآخر
حيث تقدم دفاع المطلوب عبد السلام بلاسكا بدفع يرمي إلى التصريح بعدم قبول طلب الطعن بالنقض طالما أن الطالبين قد سلكا مسطرة الطعن باعادة النظر في القرار موضوع الطعن بالنقض و صدر في شأنه قرار برفض الطلب.
وختاما لهذا الموضوع ولئن كان القانون يمنع الطعن بالتماس إعادة النظر في حكم هو محل طعن بالنقض “في ذات الوقت” أي أن المنع يخص التماس إعادة النظر الذي يكون متزامنا مع طعن بالنقض، فهل يجوز حينئذ رفع التماس إعادة النظر إن كان غير متزامنا مع الطعن بالنقض؟ وما معنى عبارة ” في ذات الوقت “؟ هل تعني أن يكون كلا الطعنين ضد نفس الحكم قد أودعا وسجلا بمكتب الضبط لدى المحكمة في نفس التاريخ، أم يكفي أن تكون الخصومة مطروحة أمام المحكمة الاعلى درجة؟ وإذا كان لا يجوز رفع التماس إعادة النظر إذا كان نفس الحكم موضوع طعن بالنقض، فهل يجوز رفع طعن بالنقض إذا كان الحكم المطعون فيه موضوع التماس إعادة النظر.؟
المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن إقامة طعنين عن حكم واحد نقض إحداهما يترتب عليه انتهاء الخصومة في الطعن الآخر، وهذا الاتجاه كرسه القضاء المصري في كثير من احكامه، نذكر على سبيل الاستئناس ما جاء به الطعن رقم 288 لسنة 2015 حيث جاء فيه: “و حيث إن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن إقامة طعنين عن حكمٍ واحدٍ فإن تمييز الحكم في أحدهما يؤدي إلى انتهاء الخصومة في الطعن الآخر، وإذ قضت المحكمة بتمييز الحكم المطعون فيه في الطعن رقم 312 لسنة 2015 ومن ثم فإن الطعن الراهن يكون قد زال محله ولم تعد هناك خصومة بين طرفيه مما يتعين معه القضاء باعتبارها منتهية، ولا محل في هذه الحالة لمصادرة الكفالة لأن الحكم في هذه الخصومة على غير الأحوال التي حددتها المادة 23/1 من قانون المرافعات.
فالأصل وإن كان الغاية منه أن ضم طعنين يختلفان سبباً وموضوعاً لنظرهما معاً تسهيلاً للإجراءات، لا يؤدى ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ إلى دمج أحداهما في الآخر بحيث يفقد كل منهما استقلاله، إلا أنه إذا كان موضوع الطلب في أحد الطعنين المضمومين هو بذاته موضوع الطعن الآخر، أو كان الموضوع في كل منهما هو مجرد وجه من وجهي تداع واحد أو كان أساسهما واحداً، فإنه يترتب على ضمهما اعتبارهما خصومة واحدة فيفقد كل منهما استقلاله عن الآخر.
الإحالات
[1] قرار محكمة النقض عدد: 1125 الصادر بتاريخ: 16 مارس 2010الملف المدني عدد: 2008/5/1/3275
[2] قرار محكمة النقض عـدد 24 الصادر بتاريخ 10ماي2011 في الملف الشرعي عــــدد 337/2/1/2009
[3] قرار رقم 5235 بتاريخ 22/04/2002
[4] قرار محكمة النقض عدد 1125 الصادر بتاريخ: 16 مارس 2010الملف المدني رقم 2008/5/1/3275 .