التوقيع الإلكتروني وحجية إثباته
تقديم
أصبح الواقع العلمي والعملي يتجه من الصيغة التقليدية، إلى أخرى متطورة ومواكبة للعصر، وهي الدعامة الإلكترونية، وانبثقت طرق ووسائل حديثة في التعاملات اليومية في مجال الاتصال والتكنولوجية والتجارة الإلكترونية بصفة عامة.
وفي ظل الظروف الراهنة قد لا يجد التوقيع العادي مكانا له أمام انتشار النظم المعالجة الإلكترونية للمعلومات، والتي غزت العالم، بحيث أصبح العالم يعتمد عليها كليا ولا مجال للإجراءات اليدوية إلا في بعض المجالات الحكومية الإدارية التقليدية.
وظهرت البداية الحقيقية لهذه النظم المعلوماتية كالتوقيع الإلكتروني في المعاملات التكنولوجية ،بحيث أصدرت عدة بلدان نظمها التشريعية، كقانون الأونيسترال بشأن التجارة الإلكترونية لسنة 1996، وقانون الأنيسترال بشأن التوقيعات الإلكترونية سنة 2001، والتوجيه الأوروبي للتجارة الإلكترونية لسنة 2000[1].
وللتوقيع الإلكتروني أهمية في المعاملات لمنحها المصداقية بين المتعاقدين في التجارة الإلكترونية بصفة عامة، والتي تعرف نموا والسرعة في إبرام المعاملات والعقود وتوفير المال والجهد. [2]
وهنا يطرح الإشكال الخاص بالتوقيع الإلكتروني، ويتمحور حول:
كيفية إثبات التوقيع الإلكتروني؟
ومن هي الجهة المكلفة بالرقابة عن صحة التوقيع الإلكتروني؟
وهل للتوقيع الإلكتروني مزايا وعيوب؟
وللإجابة عن هاته التساؤلات البسيطة نتبع التقسيم التالي:
المطلب الأول: ماهية التوقيع الإلكتروني وشروطه.
الفقرة الأولى: مفهوم التوقيع الإلكتروني.
الفقرة الثانية: صحة شروط التوقيع الإلكتروني .
المطلب الثاني: مزايا وعيوب التوقيع الإلكتروني وحجية إثباته.
الفقرة الأولى: مزايا وعيوب التوقيع الإلكتروني.
الفقرة الثانية: إثبات التوقيع الإلكتروني.
المطلب الأول: ماهية التوقيع الإلكتروني وشروطه.
تقتضي منا دراسة ماهية التوقيع الإلكتروني وتحديد مفهومه الفقهي والتشريعي (الفقرة الأولى)، وتوقف على أهم الشروط التوقيع الإلكتروني(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مفهوم التوقيع الإلكتروني.
لقد عرف بعض الفقهاء التوقيع الإلكتروني بأنه ” مجموعة من الإجراءات التقنية التي تسمح بتحديد شخصية من تصدر عنه هذه الإجراءات وقبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع بمناسبته.[3]
وعرفه البعض لآخر علامة أو رموز متمايز يعود على شخص بعينه، من خلاله يعبر الشخص عن إرادته ويؤكد حقيقة البيانات المضمنة في المستند الذي وقعه.
وبعض الفقه عرف التوقيع الإلكتروني أنه التوقيع إشارات أو رموز أو حروف مرخص بها من الجهة المختصة باعتماد التوقيع. ومرتبط ارتباطا وثيقا بالتصرف القانوني، تسمح بتميز شخص صاحبها وتحديد هويته، ويعبر دون غموض عن رضائه بهذا التصرف.[4]
والتعريف التشريعي المقارن وخاصة المصري فقد عرفه في المادة 1 من قانون التوقيع الإلكتروني التي نصت على أن “ما يوضع على محرر إلكتروني و يتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها، ويمكن له طابع متفرد يسمح بتحديد شخص موقع ويميزه عن غيره.[5]
الفقرة الثانية : صحة شروط التوقيع الإلكتروني .
بعد قراءتنا للقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، والتي نص في الفصل 417.3 والتي حدد مجموعة من الشروط:
أن يكون خاصا بالموقع.
أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحث مراقبته الخاصة بصفة حصرية.
أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق أدخل عليها.
يجب أن يوضع التوقيع بواسطة آلية لإنشاء التوقيع الإلكتروني تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة المطابقة.
وقد أدرج المشرع المغربي كذلك في المادة 10 من نفس القانون، والذي حصر فيه الشروط التوقيع الإلكتروني المؤمن في خمسة شروط وهي:
الشرط الأول أن يكون خاصا بالموقع .
وهذا الشرط الذي تناولته المادة 7 من قانون 53.05 بأنه ” الموقع المشار أليه في المادة 6 أعلاه هو الشخص الطبيعي الذي يعمل لحسابه الخاص أو لحساب الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يمثله والذي يستخدم آلية إنشاء التوقيع الإلكتروني”.
الشرط الثاني إنشاء التوقيع بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها مراقبة خاصة بصفة حصرية.
إن وسائل إنشاء التوقيع عبارة عن معطيات في شكل حروف أو أرقام أو الرموز أو الإشارات، تتضمن عناصر مميزة بصاحب التوقيع.
الشرط الثالث أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق عليها.
ومعناه أن يؤدي التوقيع الإلكتروني إلى إمكانية معرفة أي تعديل من شأنه تغيير مضمون الوثيقة وبالتالي فهدف المشرع حماية الطرف التعاقد الإلكتروني.
الشرط الرابع يجب أن يوضع التوقيع بواسطة آلية لإنشاء التوقيع الإلكتروني تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة المطابقة.
أي أن المشرع تحدث من خلال المادة 8 من قانون 53.05 والتي تتمثل إما في معدات أو برمجيات أو هما معا، عند تثبيت صلاحية شهادة المطابقة.[6]
المطلب الثاني : مزايا وعيوب التوقيع الإلكتروني وحجية إثباته.
لكل مؤسسة قانونية عيوب ومزايا يقتضي منا تحديدها (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى الوقوف على إثبات التوقيع الإلكتروني (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مزايا وعيوب التوقيع الإلكتروني.
إن التطور التكنولوجي أدى إلى ظهور مجموعة من الوسائل العلمية، وهذا التطور التكنولوجي من شأنه أن ينتج لنا مجموعة من الإشكاليات القانونية التي ستؤثر في مسار تحقيق العدالة،[7]
ككل مؤسسة قانونية إلا ولها مزاياها وعيوب التي قد تختلها، فالتوقيع الإلكتروني له مجموعة من المزايا وتختله بعض العيوب:
مزايا التوقيع الإلكتروني:
للتوقيع الإلكتروني مزايا يتفوق بها على التوقيع التقليدي، حيث أن التوقيع الإلكتروني يصعب تزويره ما لم يفقد الموقع السيطرة على التشفير الخاص.
ويعمل التوقيع الإلكتروني على تحديد هوية الرسالة الموقعة بثقة ودقة ويقين أكثر من التوقيعات التقليدية، بحيث ينص عليه القانون ويحدد الجهة التي يوكل لها مهام إنشاء وحفظ هذا الأخير، وكشف أي تلاعب قد يدخل على الوثيقة.[8]
عيوب التوقيع الإلكتروني :
على الرغم من وجود إيجابيات التوقيع الإلكتروني التي سهلت العديد من العمليات التجارية والشخصية، إلا أن هناك بعض الجوانب السلبية التي تعتريه وتتمثل فيما يلي :
إساءة استعمال الموقع الإلكتروني:
تنحصر هذه الأداة في استخدام البريد الالكتروني وانتهاك الخصوصية وإرسال تشفيرا قد تسبب تدميرا كليا وفعليا لتلك الجهة المصدرة للتوقيع الإلكتروني والمشرفة على تلك الخدمة. وكذلك استعمال البطاقة البنكية حيث قد يستعمل الغير هذه البطاقة لسحب مبالغ مالية لا يحق له الحصول عليها ،كأن يحصل على البطاقة عن طريق السرقة أو الاحتيال ويستخدمها في سحب مبالغ مالية أو دفع فواتير مستحقة عليه.[9]
ارتفاع تكلفة التوقيع الإلكتروني:
بعض صور التوقيع الإلكتروني وخصوصا للتوقيع البيوميتري وتطبيقاته العالية التكلفة مما يشكل عقبة أمام انتشار في استخدام التوقيع الإلكتروني ،نظرا لاستخدامها تقنيات حديثة مكلفة لا يستطيع الشخص العادي وحتى بعض المؤسسات تحملها مما يحدد استخدام التوقيع الإلكتروني.[10]
الفقرة الثانية : إثبات التوقيع الإلكتروني.
إن التطور الهائل في عالم التكنولوجيا والمعلومات، اهتم المتخصصون في البحث عن وسائل الأمان التي يمكن أن يوفرها للمتعاقدين عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة ولقد نتج عن ذلك ظهور أشكال مختلفة لتوقيعات الإلكترونية ، ولمعرفة صاحب التوقيع وإثباته يتعين معرفة ما يلي[11]:
للتوقيع الإلكتروني علامة شخصية مميزة لصاحبه، وينص المشرع المصري على أن “يعتبر المحرر العرفي الصادر ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خطر أو إمضاء أو ختم أو بصمة,,,”[12] ومعنى ذلك أن الختم والبصمة لهما نفس الحجية والقيمة القانونية للتوقيع بخط اليد.
حجية التوقيع بالكاربون:
منح القضاء المصري للنسخ الموقع عليها بالكاربون حجية كاملة في الإثبات باعتبارها محررات قائمة بذاتها وليست مجرد صور للأصل, فقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه “لما كان التوقيع بالإمضاء أو البصمة الإصبع وعلى ما جرى به العمل قضاء هذه المحكمة هو المصدر الوحيد لإضفاء الحجية على الأوراق العرفية لما تقضي به المادة السابقة الذكر . وكان المقصود بالإمضاء هو الكتابة المخطوطة بيد من تصر منه وكان الإمضاء بالكربون من صنع يد من نسبت إليه ذلك المحرر الموقع عليه بالإمضاء الكربون يكون في حقيقته محررا قائما بذاته له حجية في الإثبات .[13]
موقف التشريع المصري حجية الإثبات ,,,
نصت المادة 14 من القانون المصري رقم 15 لعام 2004 في شأن التوقيع الإلكتروني على أن “للتوقيع الإلكتروني ، في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، ذات حجية المقررة في الأحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، إذا روعي في إنشائه وإتمامه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون، والضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون”.
ولقد حدد القانون المصري مجموعة من الشروط لا بد من أن تتوافر في التوقيع الإلكتروني بذات الحجية التي يتمتع بها التوقيع التقليدي وهي:
ـ ارتباط التوقيع الإلكتروني بالموقع وكحده دون غيره.
ـ سيطرة الموقع وحده دون غيره على الوسيط الإلكتروني.
ـ إمكانية كشف أي تعديل أو تبديل في بيانات المحررات الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني.
بعض التوصيات…
ضرورة التأكيد في مختلف القوانين على منح التوقيع الإلكتروني نفس الحجية القانونية الممنوحة للتوقيع الخطي التقليدي خاصة في ضوء التطور الكبير في تقنية المعلوماتية والتوجه نحو تطوير وتنمية التجارة الإلكترونية ودعم نظام الحكومة الإلكترونية.
ضرورة تصدي المشرعين لمسألة تحديد الوقت والمكان انعقاد التصرفات الإلكترونية والعقود الإلكترونية وتحديد الاختصاص القضائي, والقانون الواجب التطبيق في حالة حدوث نزاع بين الأطراف.
خاتمة
بعد التطور التكنولوجي والمعلومات الهائل أصبح من الضروري ملائمة التشريعات للتطورات التكنولوجية، والعمل على إرساء الحكومة الإلكترونية لتسهيل الخدمات على المترفقين وتبسيط والانتقال من الحالة التقليدية إلى أخرى عصرية أي من التوقيع التقليدي إلى أخر إلكتروني.
[1] _http//www.law.upenn.edu/bll/ule/fanct99/1999s/ueta99-htm
[2] مبارك الحسناوي، التوقيع الإلكتروني، مقال منشور في مجلة إلكترونية=القانون الأعمال=بتاريخ 03/10/2017/
[3] عيسى غسان ربضي التوقيع الإلكتروني وحجيته في الإثبات ص 55.
[4] تروت عبد المجيد ، التوقيع الإلكتروني =ماهيته ومخاطره وكيفية مواجهتها …مكتبة جلاء الجديدة ،القاهرة، مصر ، الطبعة الثانية،2002.ص 49.
[5] عبد الحكيم الحكماوي، أطروحة الدكتوراه وطنية تحت عنوان “الإثبات الإلكتروني” من قانون رقم 15 لسنة 2004 الصادرة بالجريدة الرسمية عدد 17 تابع د في 22 أبريل 2004 ص 17.
[6] المادة السابعة والثامنة والعاشرة من قنون 53.05 ، عن نور الدين الناصري:” المحررات الإلكترونية في إثبات التصرفات المدنية والتجارية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 112 يناير ،فبراير 2008، مطبعة النجاح الجديدة، ص 53.
[7] عبد الحكيم الحكماوي ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه وطنية تحت عنوان الإثبات الإلكتروني ، ص 294.
[8] مقال منشور على صفحة مركز الإسكندرية للتحكيم الدولي والوسائل البديلة والمنازعات.
[9] محمد عبيد الكعبي، الجرائم الناشئة عن الاستخدام غير مشروع الإنترنت “دراسة مقارنة” دار النهضة العربية ، القاهرة، بدون تاريخ. ص 242
[10] عادل الإيبوكي ،ص 38, مدى حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات ص 180 وما بعدها.
[11] التوقيع الإلكتروني ـ ماهيته ـ صوره، حجية اثبات، سعيد السيد قنديل 2006، ص 55.
[12] المادة 14/1 من قانون الإثبات المصري رقم 30 الصادر سنة 1978.
[13] نقض مدني، طعن رقم 2105،لسنة 2001، في جلسة 1991.5.22.