المسؤولية التشريعية: محاولة في التنظير
إن إثارة مسألة المسؤولية التشريعية، توحي إلى أن المشرع قد يتحمل المسؤولية عن الأضرار التي يتسبب فيها تشريعه للأشخاص المشرع لهم. و في حالة وجود أضرار محققة للمتضرر من التشريع، فإن تعويضه عن ذلك يستوجب إقرار نظام قانوني خاص بالمسؤولية التشريعية حتى يتمكن المتضرر من المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسبب له به المشرع.
فإنه لكي تتم إثارة مسؤولية المشرع، و إقرار الحق في التعويض عن الأضرار التي يتسبب فيها المشرع جراء أخطائه التشريعية، يتوجب أن يتم تقعيد الأساس القانوني لهذه الدعوى القضائية في دستور الدولة. كما أنه من الأفضل أن تخضع المسؤولية التشريعية لنفس القواعد العامة للمسؤولية الإدارية، مع مراعاة بعض الاستثناءات المميزة لدعوى المسؤولية التشريعية.
من حيث الاختصاص:
فإذا كان القاضي الإداري هو الجهة المختصة للبت في دعوى المسؤولية الإدارية، فإن دعوى المسؤولية التشريعية يجب أن تخضع لاختصاص القاضي الدستوري باعتباره قاضي المشرع الذي يراقب دستورية القوانين؛ و بالنظر إلى أنه إذا كان القاضي الإداري يختص بالبت في فحص شرعية القرارات الإدارية، فإن القاضي الدستوري يبقى هو الأَولى بالاختصاص للبت في فحص مشروعية القواعد التشريعية، وذلك من خلال التبين من مدى احترامها للقواعد الدستورية؛ و أنه في حالة ثبوت تجاوز التشريع لأحد القواعد الدستورية-كمخالفة مبدأ المساواة-، فإن خطأ المشرع آنذاك يصبح ثابتا، ويحق بالتالي للمتضرر من هذا الخطأ أن يحصل على التعويض المجبر للضرر.
من حيث الشكل:
إن شكليات تقديم دعوى المسؤولية التشريعية قد لا تختلف عن شكليات الدعوى الإدارية، غير أن المدعي يجب عليه أن يقيم دعواه في مواجهة المؤسسة التشريعية، والدولة في شخص رئيس الحكومة، والوكيل القضائي، على أن تتحمل الدولة التعويض المحتمل الحكم به.
من حيث الموضوع:
إذا كان الخطأ الموجب للمسؤولية التشريعية يتجسد في إخلال المؤسسة التشريعية بالالتزام بأحد القواعد الدستورية خلال وضع التشريع؛ فإن ذلك يبقى مشروطا بأن لا يكون التشريع المعني بالنزاع قد سبق إحالته على القاضي الدستوري من أجل مراقبة دستوريته، وأن يخالف التشريع العادي قاعدة دستورية، مع تحديد ماهية تلك المخالفة من طرف الجهة المدعية بوجودها. بالإضافة إلى ذلك يجب إثبات أن الخطأ التشريعي قد تسبب في ضرر مباشر للمتضرر من التشريع، على أن يتم تحديد التعويض المجبر للضرر وفق القواعد العامة للتعويض.
و في الختام، تنبغي الإشارة إلى أنه من شأن إحداث نظام قانوني لدعوى المسؤولية التشريعية أن يساهم، بالإضافة إلى توسيع صلاحيات القاضي الدستوري وفتح نقاش قانوني و فقهي جديد، في ترسيخ دولة الحق والقانون بما يكفل للمواطن من حماية حقه من تعسف المشرع، على أن يُناط ممارسة هذا الدور الحمائي إلى القاضي الدستوري، على غرار الدور الذي يلعبه القاضي الإداري في حماية حقوق المواطن من تعسف الإدارة العمومية.