قراءة في الفصل 109من ظهير التحفيظ العقاري كما غير وتمم بمقتضى القانون 14.07
ان ما يميز الوعاء العقاري المغربي طبيعته المتعددة والمتنوعة التي تتكون منها البنية العقارية المغربية، حيث تضم هذه المجموعة من الأنظمة العقارية من قبيل الأملاك العامة للدولة والأملاك الخاصة، نظام الملك الغابوي، نظام أراضي الجيش، نظام أراضي الأحباس …
وبخصوص نظام الاملاك الخاصة فإنه يتنوع بدوره تبعا للوضعية القانونية للعقار.
فمن حيث خضوع العقار لنظام التحفيظ العقاري؛ نجد أن العقارات الخاصة تتنوع إلى ثلاثة أقسام عقار غير محفظ، عقار في طور التحفيظ، وعقار محفظ.
ومن حيث القواعد الشكلية التي تخضع لها مسطرة التقاضي في حال المنازعة، تنقسم العقارات الخاصة إلى نوعين؛ العقار غير المحفظ الذي تجري عليه قواعد المسطرة المدنية كأصل عام وبعض قواعد الفقه المالكي إن اقتضى الأمر ذلك، وأما النوع الثاني فهو العقار في طور التحفيظ والعقار المحفظ اللذين يخضعان لظهير التحفيظ العقاري، إذ تطبق مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على العقار في طور التحفيظ (مطلب تحفيظ) الفصول من 1الى 64 بالإضافة الى الفصلين 83و 84، بينما يطبق على العقار المحفظ ظهير التحفيظ العقاري الفصول من 65الى 110 ماعدا الفصول 83 و84.
أما من حيث القواعد الموضوعية التي تحكم الحقوق العينية التي تنصب على العقارات الخاصة فإن إطارها القانوني هو مدونة الحقوق العينية، إذ أن قواعد هذه الأخيرة تنصب على التنظيم القانوني لكل حق على حدة بغض النظر عن الإطار القانوني الذي يحكم العقار، وبالتالي فإنها تبقى الشريعة العامة للأحكام التي تنصب على العقار سواء أكان غير محفظ أو في طور التحفيظ أو عقارا محفظا[1].
المادة 109 من ظهير التحفيظ العقاري: إشكال قانوني وانعكاس سلبي على حقوق ذوي المصلحة
تنص المادة 109 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي “لا تقبل الاحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري الطعن الا بالنقض والاستئناف “
مهما بلغت درجة وضوع الصياغة التشريعية التي جاءت بها هذه المادة، فإنها تطرح إشكالا قانونيا عندما يتعلق الأمر بتنزيلها على بعض المنازعات العقارية، وللوقوف على بعض ملامح هذا الإشكال يمكن أن نعرض المثال التالي:
“حيث إنه بمقتضى الفصل 109 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع نسخه وتعويضه بمقتضى القانون رقم 07-14: ((لا تقبل الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري الطعن إلا بالاستئناف والنقض.
وحيث إن الطلب يرمي إلى إعادة النظر في قرار صادر عن محكمة النقض قي مادة التحفيظ العقاري، الأمر الذي يكون معه غير مقبول… “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرار عدد 393/1 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 27-09-2016 في الملف مدني بغرفتين رقم 2564/1/1/2015،
لنفترض أن شخصا توفي وترك عقارا وورثة يتكونون من شخص “أ” وشخص “ب” وشخص “ج”. وقام كل من الشخص “أ” و”ب” بقسمة عينية للعقار ُم ظهر بعد ذلك الشخص “ج” باعتباره وارثا شرعيا فإننا نكون بصدد وضعيتين قانونيتين:
الوضعية الأولى: إذا تعلقت القسمة بعقار غير محفظ، وكما ذكرنا سابقا، فإن النظام القانوني الواجب التطبيق هو كل من مدونة الحقوق العينية فيما يتعلق بالشق الموضوعي والتي حلت محل الفقه الاسلامي وخاصة الراجح والمشهور في مذهب الامام مالك، وكذا قانون المسطرة المدنية فيما يتعلق بالشق المسطري. إذ في مثل هذه الحالة يبقى للشخص “ج”، والحالة هاته، إمكانية المطالبة بحقه عن طريق ممارسة الطعن عن طريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة إعمالا لمقتضيات الفصل 303 من ق م م على اعتبار أن شروط هذا الطعن قائمة .
الوضعية الثانية: لو تعلق الامر بقسمة عقار محفظ أو عقار في طور التحفيظ، فان إمكانية ممارسة الطعن عن طريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة تبقى غير متاحة بالنسبة للشخص “ج”، على اعتبار أنه بمجرد تقديم مطلب للتحفيظ بشأن عقار موضوع القسمة، فإنه يصبح خاضعا لمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري. وهنا تطرح إشكالية حماية حق الشخص “ج” في تملك نصيبه من العقار موضوع القسمة.
فالمادة 109 من ظهير التحفيظ العقاري لا تتيح للشخص المتضرر إمكانية ممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة كما لا تتيح له سلوك الطعن بالتعرض أو التماس إعادة النظر، والعلة في ذلك أنها قصرت طرق الطعن في كل من الاستئناف والنقض دون غيرهما.
وقد سارت محكمة النقض في هذا الاتجاه، إذ أكدت في قرار صادر عنها ما يلي:
“حيث إنه بمقتضى الفصل 109 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع نسخه وتعويضه بمقتضى القانون رقم 07-14: ((لا تقبل الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري الطعن إلا بالاستئناف والنقض.
وحيث إن الطلب يرمي إلى إعادة النظر في قرار صادر عن محكمة النقض قي مادة التحفيظ العقاري، الأمر الذي يكون معه غير مقبول… “[2]
وهو نفس الاتجاه الذي كرسته محكمة النقض في قرارها الصادر تحت عدد 8/534 بتاريخ 08-11-2016 في الملف مدني بغرفتين رقم 7374/1/8/2015.
من كل ما سبق يتبن مدى خطورة المقتضيات التي وردت في المادة 109 من ظهير التحفيظ العقاري ومدى تأثيرها السلبي في تثبيت الأمن القانوني والقضائي، الشيء الذي يبعث على التساؤل حول مدى إمكانية العدول عن هذا الاتجاه في سبيل ضمان الحقوق العقارية المتعلقة بالعقارات في طور التحفيظ أو العقارات المحفظة وحمايتها من كل تهديد؟
إحالات
[1] تنص المادة 1 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي: “تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.
تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون. فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي.”
الشيء الذي يستفاد منه أن الأحكام التي تتضمنها هذه المدونة تسري على العقارات كلها مهما كانت طبيعتها القانونية، ولم يستثن منها المشرع إلا الحالة التي تتعارض فيها مع تشريعات خاصة.
ومما يزيد من التأكيد على كون أحكام هذه المدونة تنطبق على العقارات المحفظة، ما نصت عليه المادة 333 من نفس المدونة التي جاء فيها ما يلي: “ينسخ هذا القانون الظهير الشريف الصادر في 19 من رجب 1333 (2 يونيو 1915) الخاص بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة.” بمعنى أن المشرع أراد أن تحل أحكام هذه المدونة محل الأحكام التي تضمنها التشريع المطبق على العقارات المحفظة لسنة 1915 والذي كان ينظم الحقوق العينية التي تنص على العقارات المحفظة.
[2] قرار عدد 393/1 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 27-09-2016 في الملف مدني بغرفتين رقم 2564/1/1/2015،