قراءة في مخرجات استبيان حول الذكاء الاصطناعي
ملحوظة أولية: لا يؤذن لأي أحد بإعادة نشر هذه المعطيات إلا في إطار البحث العلمي، مع ضرورة الإشارة إلى موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراصية كمصدر.
من باب المساهمة في المحور الشهري، الذي أعلن عنه موقع “الجامعة القانونية المغربية الافتراضية”، تحت عنوان “الذكاء الاصطناعي: من المفهوم إلى الإشكالات القانونية”؛ قام الفريق العلمي للموقع بإنجاز استبيان موجه للعموم بشأن موضوع “الذكاء الاصطناعي”.
وقد طرح الاستبيان المذكور عدة أسئلة بشأن محاور متعددة، تنتظم في مجموعة من الإشكالات التي عمل ما يقارب من 500 مشارك على المساهمة في الجواب عنها.
وقد هدف هذا الاستبيان إلى سبر آراء المستجوَبين في احترام تام لخصوصية المشاركين. وهكذا فقد تم نشر الاستبيان المذكور في مجموعة من الصفحات الإلكترونية بمواقع التواصل الاجتماعي، بدءا من يوم 10 غشت 2023 إلى غاية 30 غشت 2023، أي عشرين يوما. وقد شاركت خلال هذه الفترة عينة تقدر بحوالي 500 مشارك ومشاركة، وهي عينة نراها مشرفة ومعبرة، عن فئة من المهتمين بالموضوع الشهري، نظرا لظروف العطلة الصيفية وعدم إقبال المشاركين على المواضيع القانونية خلال هذه الفترة، كما أن الفريق العلمي لموقع “الجامعة القانونية المغربية الافتراضية” يقدر عاليا التجاوب التلقائي والعفوي مع هذه المبادرة العلمية الصرفة. وهي المبادرة التي ترمي إلى وضع أرضية واقعية للنقاش حول موضوع ذو راهنية، له من الأهمية ما يجعله موضوعا متجددا، يمكن تناوله من جوانب متعددة أهمها الجانب القانوني، الذي يبقى المؤطر الأول والأخير للعلاقات الإنسانية التي يتسلل لها الذكاء الاصطناعي راكبا صهوة جواده، محدثا ضوضاء ترددت أرجاؤها في كل الأرجاء.
وفي هذا السياق، فإن الفريق العلمي لموقع “الجامعة القانونية المغربية الافتراضية”، إذ يبادر إلى التفاعل العلمي مع مجموع المهتمين بهذا الموضوع، يسره أن يضع بين يدي قراء الموضوع نتائج الاستبيان كما تم حصرها بتاريخ 31 غشت 2023، آملا أن تشكل أرضية موضوعاتية لفتح نقاش حول موضوع الذكاء الاصطناعي والمقاربات القانونية التي يمكن أن تتناوله بالدراسة والتحليل.
وفي ما يلي نتائج الإحصائيات التي رشحت من حصر أجوبة وآراء المستجوبين والمستجوبات.
معلومات عامة عن العينة المستجوبة؛
شارك في الاستبيان المتعلق بالمبادرة العلمية لموقع “الجامعة القانونية المغربية الافتراضية” الخاصة بالمحور البحثي لشهر شتنبر 2023 المعنون ب “الذكاء الاصطناعي: من المفهوم إلى الإشكالات القانونية” حوالي 500 شخص، وهي العينة التي توزعت بين فئتين من حيث معيار جنس المشاركين. فقد شارك في الاستبيان 78.4 % من الذكور بينما لم تتعد نسبة المشاركات من الإيناث أكثر من 22.2 % .
ومما يسترعي الانتباه أن الشريحة الغالبة للمشاركين في هذا الاستبيان تنتمي إلى الفئة العمرية الممتدة من 18 سنة إلى 31 سنة، حيث مثلت هذه الفئة بمفردها ما نسبته 51.5 %، تليها الفئة العمرية الممتدة من 31 سنة إلى 40 سنة بما نسبته 38.7 %، في حين أن النسبة المرتبطة بالفئة العمرية المتراوحة بين 41 سنة و50 سنة لم تتجاوز 7.2 %، لتنخفض نسبة المشاركة إلى كل من 2.1 % و 0.5 % بالنسبة للفئتين العمريتين 51 سنة إلى 60 سنة وأكثر من 60 سنة على التوالي.
ومما يمكن الوقوقف عليه بخصوص تأثير معيار السن على فئة المهتمين بموضوع الذكاء الاصطناعي، نجد أن فئة الشباب أكثر تمثيلية في هذا الاستجواب، حيث شكلت الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 سنة و40 سنة بمفردها ما نسبته 90.7 % من المستجوَبين، أي تسعة أعشار الفئة المشاركة، وهي نسبة تؤكد، في رأينا، أن الشباب يبقى أكثر الفئات تفاعلا مع موضوع الذكاء الاصطناعي؛ نظرا لما توفره القنوات التي يستقي منها معارفه من معطيات ومعلومات تتطرق لهذا النوع من المواضيع.
وأما بالنسبة لتوزيع الفئة المستجوبة بحسب معيار المستوى الدراسي، فقد أسفرت نتائج الاستبيان على أن 3.1 % من المشاركين يتوفرون على مستوى دراسي ثانوي، بينما نسبة المشاركة ممن يتوفرون على مستوى الإجازة فقد بلغت 8.8 % فقط؛ في ما تبدو فئة الأشخاص المتوفرين على مستوى الماستر أكثر من أية فئة دونها، تليها فئة الباحثين في سلك الدكتوراه، إذ حصلت كل واحدة منها على التوالي على 69.6 % بالنسبة لمن يتوفرون على مستوى الماستر، و15.5 % لمن هم في طور التحضير للدكتوراه، أما الفئة الحاصلة على الدكتوراه ممن شملهم الاستبيان فلم تتعد 3.1 %.
ومما يمكن الوقوف عليه بهذا الخصوص، أن الفئة الأكثر ارتباطا بمثل هذا النوع من المواضيع؛ هي الفئة اتي لا تزال ذات ارتباط بالبحث العلمي الجامعي العالي، وخاصة فئة الأشخاص الدارسين بالماستر او الحاصلين على دبلوم الماستر، بالإضافة إلى فئة الطلبة الباحثين بصف الدكتوراه، وهذا ما تفسره نسبة 85.1 % التي تشكل الفئتين معا.
ونظرا للفئة المستهدفة من الاستبيان والتي يمكن ربطها بفئة الباحثين في الدراسات القانونية على الأخص، يمكن أن نخلص إلى أن ما يطرحه موضوع الذكاء الاصطناعي من إشكالات قانونية كان محركا أساسيا للمشاركة في الاستبيان بغض النظر عن انتماءاتهم المهنية. إذ لعب المستوى العلمي والأكاديمي للمشاركين دورا مهما في الجواب على الأسئلة المطروحة، خاصة وأن أغلب تلك الأسئلة ترتبط بما هو قانوني وما يتعلق بمواضيع ذات طبيعة قانونية.
ومما يؤكد ما خلصنا إليه ارتباط موضوع الاستبيان بما يطرحه موضوع الذكاء الاصطناعي من إشكالات قانونية وتأثير ذلك على فئة المستهدفين من الاستبيان، ما رشح من نتائج بخصوص تقيسمهم بحسب معيار دائرة الاهتمام؛ إذ لم تتجاوز نسبة الأشخاص المتخصصين في المعلوميات ممن شاركوا في الاستبيان 16 %، بينما وصلت نسبة المشاركين ممن ليسوا كذلك 84 %.
الجانب الموضوعاتي للاستبيان:
أما بخصوص المواضيع التي تناولها الاستبيان، فقد تنوعت تنوعا شمل جل المواضيع المرتبطة بالمحور البحثي المقترح من قبل موقع “الجامعة القانونية المغربية الافتراضية”، وهكذا فقد امتدت طبيعة الأسئلة من سبر آراء المشاركين بخصوص تعريف “الذكاء الاصطناعي” إلى ما يتعلق بتوظيفه في مجال القضاء وجهود المشرع بخصوص تنظيمه، مرورا بما يتصل بالمسؤولية القانونية لتوظيفه وعلاقة الذكاء الاصطناعي بالإنسان واهتماماته وممارساتها المهنية اليومية.
فعلى مستوى تصور المشاركين في الاستبيان لمفهوم الذكاء الاصطناعي، أكد 61.9% من المستجوَبين أن مفهوم الذكاء الاصطناعي هو “توظيف لمجموعة من البرمجيات والنظم المعلوماتية بغاية استثمار قواعد البيانات المتاحة بطريقة موجهة “، وحسب هذه النسبة يتبين أن هناك توجه عام يرى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد برمجيات موظفة بصورة مستقلة ومحايدة، وإنما هو في آخر المطاف عمل إنساني موجه، قائم على ثنائية البرمجة وقواعد البينات. إذ يتبين من هذا التوجه أن توظيف البرامج والنظم المعلوماتية إنما غايته هي إتاحة أكبر قدر من البينات، غير أن هذه البيانات تبقى موجهة من قبل من أتاحوها بين يدي موظفي الذكاء الاصطناعي. ولعل هذا التوجه يعطينا صورة عن المفهوم الذي تتبناه فئة عريضة من المشاركين في الاستبيان ما يعكس صورة “واعية” لمفهوم الذكاء الاصطناعي بعيدة عن الصورة التي يروج بها على أساس أنه توظيف محايد للبيانات التي يتم جمعها بطرق مختلفة. ويعضد هذا التوجه نسبة أخرى من المشاركين في الاستبيان ترى أن مفهوم الذكاء الاصطناعي هو ” استثمار موجه لقواعد البيانات في مجالات مختلفة “، وتمثل هذه النسبة ما يقارب 12.9%، وإذا اعتبرنا أن التوجهين متقاربين بخصوص تحديد مفهوم الذكاء الاصطناعي في “فهم” الفئة المعبرة عن آرائها، فإن ما يقارب 75% من المستجوبين يرون أن مفهوم الذكاء الاصطناعي وحقيقته تبقى بعيدة عن الحياد، وتحمل في طياتها روحا إنسانية قائمة على توجيه البيانات وفق رؤية محددة. ولعل النتيجة التي خلص إليها هذا الاستبيان، في نظرنا، ستشكل أرضية خصبة وخادمة لتحديد مفهوم الذكاء الاصطناعي بصورة أكثر وضوحا.
وفي مقابل ذلك فإن ما يقارب 14.9% من المستجوَبين ليس لهم أي تعريف محدد لمفهوم الذكاء الاصطناعي، وهي نسبة تبقى مهمة ولها جانبها من التأثير باعتبار المستوى الدراسي للمشاركين في الاستبيان، الشيء الذي يلقي على الباحثين مسؤوليات جسيمة في توضيح هذا المفهوم وجعله في متناول الدارسين و المهتمين.
وعلى مستوى آخر، فقد رأى 9.8 % من المستجوبين أنه يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه “مرحلة ما بعد الأنترنيت “؛ في حين رأى 4.1 % منهم أن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا ” مجرد قاعدة بيانات “.
وقد عبر ما يقارب 23.7 % من المستجوبين على أن مفهوم الذكاء الاصطناعي، يعني بالإضافة إلى ما ذكر من تعريفات، هو ” توظيف الآلة بشكل يهدد الإنسان في وجوده “؛ وهذا التعريف يثير العديد من الإشكالات. ذلك أنه يمكن أن يشكل مؤشرا كاشفا للتصور النمطي الذي أخذت به عينة من الأشخاص نتيجة الترويج الإعلامي لمفهوم الذكاء الاصطناعي في علاقته بالقدرات الإنسانية الطبيعية، الشيء الذي جعل هذه العينة تعتبر أن مسألة العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الإنساني هي علاقة وجود؛ بحيث إن وجود أحدهما يلغي وجود الثاني، الشيء الذي يطرح تساؤلات عدة حول وجهة نظر هاته الفئة بخصوص الإطار القانوني للذكاء افصطناعي ومدى إمكانية صمود المؤسسات القانونية “التقليدية” في الوجود والوظيفة على حد سواء.
ومما وقفت عليه تجربة الاستبيان بخصوص موضوع الذكاء الاصطناعي، أن التعريفات، التي عبر عنها المستجوبون، للذكاء الاصطناعي يمكن تفسيرها بعاملين اثنين، هما عامل سبقية الاطلاع على الأعمال العلمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وعامل ثاني مرتبط بطبيعة المواضيع التي شكلت صلب تلك الأعمال العلمية.
وهكذا؛ فقد عبر نحو 76.7 % من المستجوَبين بأنهم سبق لهم أن اطلعوا على مقالات وأعمال علمية متعلقة بالذكاء الاصطناعي، فيما لم تتجاوز نسبة الذي لم يطلعوا بالمرة على هذا النوع من المواضيع 24.4 % . وإذا تمت مقارنة هاتين النسبتين مع النسب النمتعلقة بتعريف الذكاء الاصطناعي، فإن العلاقة بين الاطلاع على الكتابات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ووضوح الرؤية بشأنه ستكون علاقة واضحة، إذ كلما اطلع الأفراد على بالإنتاجات العلمية التي تهتم بهذا النوع الموضوع، كلما كانت الصورة واضحة في أذهانهم بخصوص حقيقة الذكاء الاصطناعي.
وما يؤكد العلاقة المذكورة، هو آراء المستجوبين بخصوص مدى قدرة الإنتاجات العلمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على إحداث الفارق في معرفة الأشخاص بهذا الأخير والوقوف على حقيقته. وهكذا؛ فقد عبر 57.5 % من المستجوبين بأن المواضيع المطلع عليها و المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، هي مواضيع مفيدة من أجل توضيح الجوانب المتعلقة به، في حين أفصح 16.6 % من المشاركين في الاستبيان أن مضامين تلك المواضيع معقدة ومستعصية عن الفهم، وهو ما الأمر الذي يفسر الانقسام الحاصل، في آراء المستجوبين، بخصوص الاتجاه الرامي إلى تفضيل المواضيع ذات البعد التطبيقي العملي على المواضيع ذات الطبيعة النظرية الصرفة.
فقد عبر 28.7 % من العينة المشاركة أن المواضيع التي سبق لهم الاطلاع عليها بخصوص الذكاء الاصطناعي تبقى نظرية أكثر منها تطبيقية، الشيء الذي جعل ما يقارب 25.4 % من العينة المستجوبة تحبذ أن لو كانت تلك المواضيع عملية وذات بعد تطبيقي، وهو اتجاه يفسر الرغبة الأكيدة للأفراد في استكشاف خبايا وأسرار الذكاء الصطناعي بصورة عملية تفيدهم في بلورة تصور متكامل عن الذكاء الاصطناعي.
وبخصوص الفائدة من الاطلاع على المواضيع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فقد عبر نحو 1.1 % بأنها مواضيع غير مفيدة، وهي نسبة وإن بدت ضئيلة فإنها تفسر ربما قدرة نسبة من المستجوبين على تمثل مفهوم وحقيقة الذكاء الاصطناعي أكثر مما توفره الإنتاجات العلمية بهذا الخصوص، ولربما ترتبط هذه النسبة بالفئة المهتمة والمتخصصة بمجال المعلوميات ممن شملهم هذا الاستجواب، أكثر من ارتباطها بالفئة غير المختصة بالمعلوميات.
حول علاقة الذكاء الاصطناعي بالإنسان:
أبانت العينة المستجوبة أن 42.2 % من المشاركين قالوا بأن المستقبل يشي بإمكانية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان، في حين لم تتجاوز النسبة 22.9 % ممن صرحوا بأن الذكاء الاصطناعي لن تكون له أية سيطرة على الإنسان، وهي نفس النسبة التي عبرت عن عدم تأكدها من حسم الجواب واتخاذ موقف واضح في هذا السياق، وفي مقابل ذلك فقد صرح ما نسبته 14.6 % بأنهم لا جواب لهم محدد بهذا الخصوص.
ولعل ما يثير الانتباه في هذا السياق أن الاتجاه الذي يعتقد بإمكانية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان، قد يكون متأثر بالكتابات التي تتناو لمواضيع الذكاء الاصطناعي بصورة غير مهنية وغير موثوق بها، وهو ما يدفع ما نسبه 22.9% من القول بأنهم غير متأكدين من الجواب بنعم أم لا عندما أجابوا عن مدى إمكانية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان.
وفي علاقة بموقف المستجوَين من إمكانية سيرطة الذكاء اصطناعي على الإنسان، ذهبت ما نسبته 47.4 % من الفئة المستجوبة إلى القول بأن الحديث عن الذكاء الاصطناعي ليس حديثا مبالغا فيه، وهي نسبة قد تكون سببا في الاقتناع الصميم بأن ما يقال عن الذكاء الاصطناعي كلع صحيح وبالتالي ما يروج له من إمكانية تحكم وسيطرة هذا الأخير على الإنسان ممكن ووارد بقوة.
وفي مقابل ذلك لم يعبر سوى 15.5 % من العينة المستجوبة بأن الحديث عن الذكاء الاصطناعي إنما هو حديث مبالغ فيه. في حين قال 15.5 % إنه حديث مرحلي سيختفي مع مرور الزمن؛ وهو رأي تعضده نسبة 41.8 % التي رأت بأن الحديث الحديث عن الذكاء الاصطناعي يشبه الحديث عن الانترنيت في بداياته.
اتجاه مخالف: استمرار سيطرة الإنسان على برامج الذكاء الاصطناعي
وفي مقابل، الاتجاه الذي ذهب إلى إمكانية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان، أظهر الاستبيان موضوع العرض أن رأيا آخر يرى أي يد الإنسان ستبقى هي العليا في صراع القوة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان.
فقد عبر ما يناهز 70.7% من الستجوبين بأن الإنسان الذي وضع أسس الذكاء الاصطناعي سيبقى فاعلا في رسم العلاقة بينه وبين هذا الأخير. وهكذا فقد قال 37.7 % من المشاركين أنه يعتقد بأن الإنسان الذي وضع أسس الذكاء الاصطناعي سيبقى فاعلا لا محالة، تنضاف إلى ذلك ما نسبته 33 % ممن صرحوا أنهم متأكدين بحتمية فاعلية الإنسان باعتباره هو الذي وضع أسس الذكاء الاصطناعي.
وإلى جانب هاتين الفئتين، عبر 13.6 % ممن شملهم الاستبيان أنه لم تتضح لهم الصورة عن العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي لحد الآن، في حين قال 38.2 % بأنهم يظنون بأن التعايش بين الإنسان والذكاء الاصطناعي مسألة حتمية.
ارتباط الذكاء الاصطناعي بالمجالات العلمية والتقنية أكثر من غيرهما؛
وعن سؤال حلو المجالات التي سيسيطر عليها توظيف الذكاء الاصطناعي مستقبلا، عبر 48.7 % من المستجوين بأن المجالات العلمية والتقنية هي التي ستشهد سيطرة للذكاء الاصطناعي، في حين لم تتجاوز النسبة 8.8 % ممن قالوا بأن المجالات الاجتماعية والإنسانية يمكن أن يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي. وفي مقابل ذلك ذهبت نسبة 32.6 % إلى التعبير عن كون الذكاء الاصطناعي سيسيطر على كل المجالات بغض النظر كما إذا كانت علمية وتقنية أو اجتماعية وإنسانية، وفي مقابل ذلك عبر 2.6 % بأن الذكاء الاصطناعي لن يسيطر على أي مجال.
كما كشف الاستبيان بأن ما يقارب 40.4 % أكدوا بأنه سيبقى للإنسان دوره الفاعل في شتى مجالات الحياة، ,هو اتجاه يبدو أنه لم يسلم بما يروج عن الذكاء الاصطناعي بأنه قد يسيطر على الإنسان ويسلبه مرتبته الإنسانية الريادية.
الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالقانون والقضاء؛
وفي موضوع مثير من المواضيع التي تطرق إليها هذا الاستبيان، أكد ما يناهز ثلثا المستجوبين بأن العلاقات القانونية بين الأفراد ستشهد تأثرا واضحا نتيجة ظهور الذكاء الاصطناعي وتسربه إلى النشاط اليومي للأشخاص.
وهكذا فقد عبر 67.2 % من الأشخاص الذين شملهم الاستبيان بأن للذكاء الاصطناعي تأثير على العلاقات القانونية بين الأفراد، وهي نسبة مهمة كما ذكرنا. في مقابل ذلك قال 15.1% بأنهم لا يرون أي تأثير للذكاء الاصطناعي على العلاقات القانونية للأفراد، وقد سار في نفس الاتجاه، تقريبا، موقف مثل ما نسبته 19.3 % من الفئة المستجوبة، إذ عبر هذا الاتجاه بأنه لا يعتقد بأي تأثير للذكاء الاصطناعي على العلاقات القانونية للأفراد.
وبخصوص الإشكال المتعلق بإثارة المسؤولية القانونية في حالة استعمال برامج الذكاء الاصطناعي، طرح السؤال التالي “في حالة ما إذا وقع خطأ أثناء توظيف الذكاء الاصطناعي، من المسؤول في نظرك؟”.
وكجواب عن هذا السؤال،قال 56 % من المستجوبين أن المسؤولية القانونية الممكن إثارتها هي مسؤولية مشتركة بين واضع النظام المعلوماتي والفرد الذي يشغله، في حين لم يعبر سوى 39.9 % بكون المسؤول القانوني عن الخطأ سيكون هو ذلك الشخص الذي وظف الذكاء الاصطناعي. ولم تتجاوز النسبة 9.3 % ممن قالوا بأن المسؤول القانوني سيكون هو النظام المعلوماتي أو الآلة التي تشتغل وفق نظام معلوماتي.
وفي علاقة بهذا الإشكال، تم التطرق إلى إمكانية تدخل المشرع من أجل إيجاد الحلول القانونية الملائمة لتدبير علاقات الأفراد القانونية في بيئة تشهد تعاظما مطردا لدور الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية. وفي هذا السياق طرح سؤال حول رؤية المستجوبين بخصوص تدخل للمشرع من أجل تقنين توظيف الذكاء الاصطناعي.
وردا على هذا السؤال، أجاب51.3 % بأنهم يعتقدون بأن النشرع سيتدخل من أجل التأطير القانوني لتوظيف الذكاء الاصطناعي، بينما عبر 3.7 % فقط بأنهم لا يعتقدون ذلك.
وفي مقابل ذلك استصعب ما يقارب 22.2 % إمكانية مواكبة المشرع لجميع المستجدات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وهو موققف قد يجد سنده في الإيمان بكون التطورات المتلاحقة للبيئة المعلوماتية والتكنولوجية قد تجعل تدخل المشرع، الذي يتسم عمله بالبطء، أمرا صعبا.
وفي اتجاه آخر، أكد 50.8% من المشاركين في الاستبيان أن تنظيم الذكاء الاصطناعي من الناحية القانونية مسألة تفوق قدرة المشرع الوطني ويحتاج لتشريع دولي ملزم.
وفي موضوع ذي صلة بالمجال القانوني، تطرق الاستبيان إلى مدى إمكانية توظيف برامج الذكاء الاصطناعي في مجال فض المنازعات القانونية والقضائية الناتجة بين الأشخاص.
وفي هذا الصدد؛ طرح سؤال حول الثقة في القرارات الناتجة عن توظيف الذكاء الاصطناعي في حالة استخدامه في مجال إصدار المقررات القضائية، فلم يجب سوى 10.6% بعم ، في حين عبر 46.6 % من الفئة المستجوبة بأنهم لا يثقون في إمكانية إصدار المقررات القضائية كنتيجة لتوظيف الذكاء الاصطناعي.
ولعل ما يفسر موقف الفئة الذي لا تثق في توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال فض المنازعات القانونية والقضائية، هو كون 59.3 % ممن شملهم الاستبيان قالوا بأن لإصدار المقررات القضائية وتلك التي تفصل في المنازعات القانونية والقضائية خصوصية تتمثل في وجوب مراعاة ظروف كل قضية. وفي مقابل ذلك أجاب 2.6 % بأنه ليس لهم أي رأي بخصوص موضوع توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال فض المنازعات.
وعلى مستوى الجانب القانوني المرتبط بمسألة خصوصية الأفراد، عبر 48.4 % بأن برامج الذكاء الاصطناعي تنتهك خصوصية الأفراد، وقد عزا حوالي 53.7 % من المستجوبين هذا الانتهاك بكون جمع المعطيات المتعلقة بالأشخاص لا تراعى فيه موافقة هؤلاء الأخيرين.
ومقابل ذلك عبر 10 % بمن الستجوبين عن موقف مخالف، أي بعدم وجود أي انتهاك لخصوصية الأفراد، وعزت نفس النسبة تقريبا، وتحديد 10.5 % بأن عدم الانتهاك لخصوصية الأفراد مرده إلى الغاية من تجميع تلك المعطيات وما سيوفره ذلك التتجميع للمعطيات من آثار إيجابية على مستقبل البشرية.
الذكاء الاصطناعي والمجالات الحياتية للأفراد؛
تناول هذا الشق من الاستبيان مدى إمكانية تأثير توظيف الذكاء الاصطناعي على الممارسة الحِرَفية، وعلى الممارسة المهنية لبعض المهن التي تتطلب مهارات إبداعية وعقلية، وكذا منسوب الثقة التي قد يحضى به توظيف الذكاء الاصطناعي في مجالي التعليم والمرافق العمومية الإدارية.
وبخصوص علاقة توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الحرفي، أكد 20.2% أنهم يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سوف يقضى على الحرف كيفما كانت طبيعتها في المستقبل.
في مقابل 63.2 % ممن عبروا بأن هذا التوظيف لن يقصي على تلك الحرف، في حين قال 16.6 % بأنه ليس لهم أي رأي.
أما في ما يتصل بعلاقة الذكء الاصطناعي بالمهن الحرة التي تحتاج إلى مهارات عقلية بشرية وإبداع، فقد بلغت نسبة الأفراد الذين لا يعتقدون بإمكانية قضاء الذكاء الاصطناعي على تلك المهن إلى 70.7 %. في حين لم يؤكد سوى 19.9 % بإمكانية ذلك. أما الذين لا رأي لهم فلم تتعد نسبتهم 9.4 %.
وبخصوص منسوب الثقة في توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي، أكد 52.3% من المستجوبين بأنهم يعتقدون أن الأمر محفوف بالمخاطر متى تم اتخاذ أي قرار في مجال التعليم بعد توظيف الذكاء الاصطناعي، وما يعزز هذا الموقف أن 30.1% قالوا بأنهم لا يثقون في ذلك.
وفي المقابل عبر 23.8 % عن ثقتهم في القرارات المتخذة في مجال التعليم متى بالرغم من توظيف الذكاء الاصطناعي؛ ولم يعبر سوى 5.2% بأنهم لا رأي لهم.
وحول منسوب الثقة في القرارات الناتجة عن توظيف الذكاء الاصطناعي في حالة استخدامه في مجال تصريف المرافق العامة وتقديم الخدمات للمواطنين، عبر 44.5% بأنهم يثقون في تلك القرارات، في حين لم يعبر سوى 16.8 % عن عدم ثقتهم. أما الذين قالوا بأن الأمر محفوف بالمخاطر فقد بلغت نسبتهم 35.1 %، ولم يعبر سوى 8.9 % بأنه ليس لهم أي رأي.
خاتمة
وكخلاصة لهذه القراءة، ارتأينا، في موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية، أن نضع بين يدي القارئ الكريم خلاصة هذا الاستبيان لغاية علمية لتكون أرضية للبحث والتنقيب في مختلف الإشكالات التي أثارتها هذه التجربة. مؤكيد أن المعطيات التي تأسس عيلها هذا التفريغ قد استجمعت خلال الفترة الممتدة من يوم 10 غشت 2023 إلى غاية 30 غشت 2023، وقد شملت حوالي 500 مشارك؛ ما يعطي لهذه الدراسة مصداقية أكثر بخصوص النتائج التي خلصت لها حسب معيار عدد المشاركين خلال الفترة الزمنية المحددة.
عن موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية