عقود الشغل في زمن كورونا
جائحة كورونا أو ما يعرف بكوفيد19، الفيروس الفتاك الذي ظهر في أواخر شهر سبتمبر من سنة 2019 بمدنية ووهان الصينية، وأودى بحياة الكثيرين لينتشر بعدها في معظم دول العالم، ليصل بدوره إلى المغرب في الثاني من شهر مارس، حيث تم تسجيل أول حالة إصابة بهذا الفيروس القاتل وهي لمهاجر مغربي قادم من الديار الإيطالية، لكن الوضع لم يستقر عند هذه الحالة ليبدئ العدد في اﻹرتفاع التدريجي، هذا الأخير ما دفع بالمغرب نحو اﻹستباق إلى تفعيل مجموعة من الاستثناءات والتدابير الوقائية من أجل الحد من إنتشار المرض، والتي تمثلت في إعلان حالة الطوارئ الصحية المنصوص عليها في القانون 2/20/299 الصادر بتاريخ 23/03/2020، والمنشور في الجريدة الرسمية يوم 24 مارس 2020 تحت عدد6876، ليدخل حيز التنفيذ، وهذا ما خلف بعض اﻷثار التي ألحقت الضرر بمجموعة من القطاعات (أهمها السياحية، واﻹقتصادية …)، بحيث أن إعلان حالة الطوارئ الصحية أدت إلى إغلاق الحدود مع جميع دول العالم، نتيجة هذا اﻷخير تضرر القطاع السياحي المغربي مما انعكس سلبا على إقتصاد الدولة المغربية ، إضافة إلى هذا تم إغلاق مجموعة من الشركات والمقاولات بنوعيها الصغرى والكبرى ومراكز العمل وهذا ما خلف ضررا كبيرا لدى أرباب العمل و الأجراء، وخلف نزاعات شغل فردية وطرح إشكال حول، ما مصير العلاقة الشغلية في حالة إعلان الطوارئ الصحية ؟
لمحاولة تفكيك رموز مستقبل العلاقة الشغلية في إطار إعلان حالة الطوارئ الصحية، وجب الوقوف على طبيعة العقد الذي تقوم عليه هذه العلاقة ،هل هو عقد محدد المدة؟ أم عقد غير محدد المدة؟
في حالة قيام العلاقة الشغلية على عقد غير محدد المدة فهنا لايطرح لنا أي إشكال بإعتبار أن العقد هنا مفتوح أي لا يتم إنهائه، وإنما يتم توقيفه، بمعنى أنه ومع إعلان حالة الطوارئ الصحية فإن العقود الغير محددة المدة المبرمة بين اﻷجراء، والمقاولات يتم توقيفها تماشيا مع المدة التي توقف فيها نشاط المقاولة، ويستأنف العمال أو اﻷجراء أعمالهم مع إستئناف المقاولة لنشاطها، وذلك وفقا للمادة 32 من مدونة الشغل والتي تنص على الحالات التي يتم فيها التوقف المؤقت لعقد الشغل، ومن بين هذه الحالات نجد في الفقرة السابعة من نفس المادة “اﻹغلاق القانوني للمقاولة بصفة مؤقت” وهذا ما حصل مع أغلب المقاولات في فترة اﻹعلان عن حالة الطوارئ الصحية، أي أن المقاولات قد توقفت بصفة مؤقتة عن مزاولة نشاطها خضوعا للقوانين اﻹحترازية التي نصتها الدولة بغاية الحد من انتشار الفيروس الفتاك.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سيستفيد الأجير من أجرته التي كان يتقاضاها بالرغم من توقف عقد الشغل؟
كما هو معلوم أن عقد الشغل هو إلتزام بين المشغل و الأجير، حيث يلتزم الأول بأداء مبلغ معين مقابل التزام اﻵخر بأداء خدمة معينة، ومع الوضع الحالي الذي تمر منه بلادنا أصبح من المستحيل أن يلتزم اﻷجير بتنفيذ بنود العقد المبرم بينه وبين المشغل، وذلك طبقا للفصل 319 من ظهير اﻹلتزامات والعقود على أنه “تنقضي اﻹلتزامات بما يأتي 1الوفاء /2إستحالة التنفيذ /3اﻹبراء الاختياري…” بمعنى أن اﻷجير أصبح غير قادر على تأدية خدماته، فهنا لا يمكن أن يتقاضى أجره بسبب توقفه المؤقت عن العمل. إلا أن الحكومة في ظل هذه الوضعية اﻹستثنائية الحرجة أخدت خطوة لحماية حقوق اﻷجراء في مجلسها المنعقد ليوم 9 أبريل 2020 عن طريق المصادقة على مشروع قانون 25.20 بسن تدابير خاصة لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان اﻹجتماعي. وكذا العاملين لذيهم والمصرح بهم والمتضررين من تداعيات تفشي فيروس كورونا. وجاءت بعد ذلك الدولة أيضا من أجل تسوية أوضاع العاملين الغير المهيكلين والغير المصرح بهم. بالرغم من توقف الأجير مؤقتا عن تأديته لمهامه إلا أن هذا التوقف القانوني يعتبر بمثابة فترات شغل فعلي عند احتساب مدة العطل السنوية المؤدى عنها، كما لا يمكن إسقاطها من مدة الشغل المعتد بها لتخويل علاوة اﻷقدمية.
بعد حديثنا عن عقود الشغل الغير محددة المدة سنأتي للحديث عن إنهاء عقود الشغل المحددة المدة بفعل هذه الجائحة وما التعويضات المستحقة للأجراء نتيجة هذا الإنهاء؟ وهل تندرج هذه الجائحة ضمن القوة القاهرة والحادث الفجائي المنصوص عليهم في قانون اﻹلتزامات و العقود أم لا؟ وما هي أهم الإشكالات المطروحة بهذا الخصوص ؟
سنقف أولا عند الإطار القانوني لجائحة كورونا أي هل سندرجها ضمن القوة القاهرة والحادث الفجائي؟ بحكم أن هذه الجائحة جديدة وغريبة على اﻹنسان، والتي ألحقت الضرر بمجموعة من القطاعات، وهنا وجب تعريف القوة القاهرة المنصوص عليها في الفصل 269 على “أنها كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه (كالظواهر الطبيعية الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا. ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، مالم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه. و كذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.
ومن هذا المنطلق يتضح أن القوة القاهرة ترتكز على عنصرين أساسيين:
أولهما عدم التوقع وثانيهما استحالة الدفع، وبرجوعنا إلى ربط هذه العناصر بجائحة كورونا ومدى توفرها نجد أن عنصر استحالة الدفع موجود بشكل واضح من خلال توقف الأجراء عن مزاولتهم لنشاطهم داخل المقاولة، وبالتالي استحالة تنفيذهم للالتزام المتفق عليه في العقد إلا ان عنصر التوقع كان موجود لأن الجائحة وكما سبق الذكر ظهرت أواخر شهر شتنبر من سنة 2019 بمدينة ووهان الصينية، وبدأت بالإنتشار عبر دول العالم فكان من المتوقع وصولها إلى المغرب، كما أن القوة القاهرة تؤدي إلى وقف نشاط المقاولة نهائيا وهذا عكس ما أوقعته جائحة كورونا على جل مقاولات المغرب إذ أنها أوقفت نشاطها مؤقتا وليس نهائيا، ولهذه الأسباب لا يمكن إدراج هذه الجائحة ضمن ما يعرف بالقوة القاهرة، ولكن سنعتبر إغلاق المقاولة نتيجة هذه الأخيرة بمثابة تطبيق لنظرية فعل الأمير، التي هي كل إجراء مشروع و غير متوقع يصدر عن جهة ثالثة غير طرفي العقد ينجم عنه الإضرار بالمركز المالي للمقاولة بسبب تصرف الإدارة، أما بخصوص مسطرة الفصل والتعويض الناتجان عن تضرر المركز المالي للمقاولة جراء فعل الأمير فنجد أنه تم التنصيص عليهم من المادة66 إلى المادة70 من مدونة الشغل، والقاضية بأنه لا يمكن فصل الأجراء إلا في الحالات المنصوص عليها في المادة66 من مدونة الشغل ونجد أيضا أنه من بين المقتضيات المنصوص عليها في المادة 67 من نفس المدونة هي المسطرة الواجب إتباعها من طرف المشغل لفصل أي أجير.
وكذا حرص المشرع على حماية حقوق الأجير من خلال المادة 69 التي تنص على أنه “يسمح بإغلاق المقاولات أو الإستغلالات المذكورة في المادة 66 أعلاه، كليا أو جزئيا، لأسباب غير الأسباب الواردة في نفس المادة، إذا كان سيؤدي إلى فصل الإجراء، إلا في الحالات التي يستحيل معها مواصلة نشاط المقاولة، وبناء على إذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم طبقا لنفس المسطرة المحددة في المادتين 66 و67 أعلاه.” وفي الأخير نجد أن التعويض المستحق للأجير نتيجة الفصل جراء تضرر المركز المالي للمقاولة هو التعويض عن أجل الإخطار، والتعويض عن الفصل المنصوص عليهما في المادة 51 و52 من مدونة الشغل كما نصت على ذلك المادة 70 من نفس المدونة.