إشكاليات تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء والمحكمين في شأن العقود المبرمة إلكترونيا
مما لا جدال فيه أن الأحكام تكون قابلة للتنفيذ عند حصولها على حجية الشيء المقضي به، و التنفيذ كما هو معلوم يعتبر أهم المراحل التي تمكن صاحب الحق من اقتضاء حقه، وقد أوجد المشرع المغربي جملة من الطرق لتحقيق ذلك سواء كان التنفيذ اختياريا او إجباريا، واذا كان الاول – التنفيذ الاختياري- ينهي النزاع ويمنح صاحبه الحق بدون صعوبات، فإن الثاني – التنفيذ الجبري- يطرح العديد من الإشكالات.
وأحيانا تثار صعوبة في تنفيذ هذه الأحكام، و الأوامر القضائية، فيتم ايقاف عملية التنفيذ، نظرا لوجود منازعة واقعية او قانونية أثارها الأطراف او الاغيار، وهذه الصعوبات قد تلحق بالأحكام الصادرة عن القضاء أو أحكام المحكمين.
وبخصوص العقود المبرمة عن بعد، فإن تنفيذها لا يخرج عن هذا الاطار، بل ان صعوبة التنفيذ تجد مرتعها في هذا النوع من العقود لكونها تتم عن بعد ودون اللقاء المباشر بين طرفي العقد، من هذا البسط الوجيز في فلسفة التنفيذ التي تؤدي الى تعطيل مصالح أهل الحقوق يمكن بسط الإشكالات التالية.
– ماهي الصعوبات التي تواجه الأحكام القضائية في تنفيذ العقود المبرمة عن بعد؟
– وماهي صعوبة التي تواجه احكام المحكمين في تنفيذ العقود الإلكترونية؟
على العموم سوف نحاول الاجابة عن هذه الإشكاليات من خلال مطلبين نخصص (الأول) للحديث عن صعوبة تنفيذ الأحكام القضائية في العقود المبرمة عن بعد، و( الثاني) صعوبة تنفيذ أحكام التحكيم في العقود المبرمة إلكترونيا.
المطلب الاول
صعوبة تنفيذ الأحكام القضائية في العقود المبرمة عن بعد
تطرق المشرع المغربي للحديث عن صعوبات تنفيذ الأحكام في جملة من نصوص قانون المسطرة المدنية، وهي إما وقتية او استعجالية أو موضوعية و الصعوبة في التنفيذ هي المنازعات التي تعترض تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، وتشكل صعوبات مادية او قانونية لاحقة على صدور الحكم، وهي إما وقتية تهدف الى تأجيل التنفيذ مؤقت لغاية تصحيح إجراء من إجراءاته أو موضوعية تهدف الى إيقاف التنفيذ نهائياً لغاية صدور حكم حاسم حول الإشكال موضوع التنفيذ.
والتنفيذ اما يكون تنفيذ عاديا او معجلا، فالأول لا يكون إلا بالنسبة للأحكام التي حازت على قوة الشيء المقضي به، أي الأحكام النهائية. إما الثاني فهو يستهدف الاحكام التي تحوز قوة الشيء المقضي به، أي تلك التي يوجب القانون تنفيذه أن تكون نهائية، إلا أن المشرع نظرا لاعتبارات اجتماعية او لكون السند التنفيذي منح المنفذ له حق التنفيذ المعجل بالرغم من الطعن في الحكم بأي طريق من طرق الطعن الموقفة للتنفيذ.
لكن أحيانا قد يجد الحكم عقبة في طريقة تنفيذه فتثار صعوبة في تحقيق ما يرجوه صاحبه، سواء كان مدعيا او مدعى عليه، وهنا يتم اللجوء إلى رئيس المحكمة الابتدائية وحده بصفته قاضي المستعجلات، سوء من قبل المنفذ له او المحكوم عليها او العون المكلف بالتبليغ او تنفيذ الحكم القضائي، وهنا يقدر رد الرئيس ما إذا كانت الادعاءات المتعلقة بالصعوبات مجرد وسيلة للمماطلة و التسويق ترمي الى المساس بالشيء المقضي به، حيث يأمر في هذه الحالة بصرف النظر عن ذلك، وإذا ظهر أن الصعوبة جدية أمكن له أن يأمر بإيقاف التنفيذ الى ان يبث في الأمر.
وفيما يتعلق بالعقود المبرمة عن بعد، فإن صعوبات تنفيذ الاحكام تجد مرتعا لها في مثل هذه العقود، فالغياب المادي لطرفي العلاقة القانونية وما ترتبط به من مشاكل الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق، بوجود عنصرين ينتميان لجنسيات مختلفة، تثار صعوبات عدة في تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة أحد الطرفين في مواجهة الآخر.
فعدم وفاء أحدهما بالتزاماته او اخلاله بها، توجب على الطرف الآخر اللجوء الى المحكمة المختصة التي اتفق عليها الأطراف، وما على هذه الاخيرة سوى استصدار حكم في مواجهة المخل بالتزاماته العقدية، عند صيرورة الحكم النهائي، حيث يتوجب على المنفذ له، الانتقال الى مكان تواجد المنفذ عليه، من اجل تنفيذ الحكم الذي بيده، وهنا يكون أمام صعوبة تحقيق ذلك، إلا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو مكان التنفيذ عند عدم وجودهما، حتى بعد التذييل بالصيغة التنفيذية، قد يصطدم المنفذ له بصعوبة في التنفيذ، فيلجأ مرة أخرى الى رئيس المحكمة لإزالة عقبات التنفيذ، ولتحقيق كل ذلك يتطلب الامر الجهد و الوقت، مما يستوجب على التشريعات محاولة تأطير الحلول الممكن اعتمادها في مثل هذه الأحوال، حتى لا يبقى المنفذ له ( المستهلك غالبا) ينتظر طول الإجراءات وتقيدها للوصول الى حق من عدمه.
المطلب الثانى
صعوبات تنفيذ احكام المحكمين في العقود المبرمة إلكترونيا
إن الثمرة الحقيقة للتحكيم تتمثل في الحكم الذي يصل إليه المحكمين، هذا الحكم لن تكون له قيمة قانونية او عملية اذا ظل مجرد عبارات مكتوبة غير، قابلة للتنفيذ، وتنفيذ حكم التحكيم يمثل أساس ومحور نظام التحكيم نفسه وتتحدد به مدى فاعليته كأسلوب لفض وتسوية المنازعات.
والتحكيم سواء كان داخليا او دوليا حيث ينتهي التحكيم بصدور حكم عن هيئة تحكيمية، بشأن النزاع الذي لم الفصل فيه، ويكتسب بعد ذلك حجية الشيء المقضي به، ليصبح قابلا للتنفيذ بعد الحصول على صيغة التنفيذ من طرف رئيس المحكمة التجارية، وتطبق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل للأحكام على الحكم التحكيمي، التي لا يطالب في شأنها بصيغة التنفيذ وقد بين المشرع المغربي من خلال قانون 05/08 كيفية تنفيذ حكم المحكمين وتصحيح الأخطاء الواردة في احكامها و تأويلها وكيفية الطعن فيها…
اما اذا تعلق الأمر بالتحكيم الجولي فيتم الاعتراف بها في المملكة المغربية إذا ثبت وجود من يتمسك به، ولم يكن هذا الاعتراف مخالفا للنظام العام الوطني أو الدولي وهو من اختصاص رئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج.
لكن حكم التحكيم في المجال الإلكتروني يثير صعوبة من الناحية القانونية، نظرا لحرص كل دولة على الحفاظ على سيادتها، حيث لا يمكن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية إلا بعد إعطائها قوة النفاذ من القاضي الوطني لبلد التنفيذ، و الذي يراعي اعتبارات عدة كانضمام إلى معاهدات دولية و المعاملة بالمثل بعد التحقق من صدور الحكم بشكل سليم، والجدير بالذكر ان القاضي لا يخوض في جوهر النزاع، اذ لا حق له في مراجعة الحكم التحكيمي، وإن كان ملزما بالتأكد من أن الحكم غير مشوب بالبطلان المتعلق بالنظام العام، وغير ذلك من المعايير.
على اعتبار أن حكم التحكيم بطريقة إلكترونية هو حكم أجنبي، فإنه يمكن تنفيذه إذا كان أحد اطرافه مغربيا بعد توفر شروط معينة، حيث يحوز حكم التحكيم الأجنبي نفس قوة الشيء المقضي به التي يحوزها حكم التحكيم الوطني، إلا ان الخلاف حول النظام القانوني الذي تنتهجه الدول في طريقة معاملة الحكم الأجنبي ليصبح قابلا للتنفيذ في أراضيها حسب تمثلها بمبدأ السيادة الإقليمية ، فهناك نظم قانونية تقتضي ممن صدر الحكم لصالحه في الخارج أن يرفع دعوى جديدة وعن نفس الحق المتعلق بالنزاع وهو ما تأخذ به الدول ذات النظام الانجلوسكسوني في التعامل مع الحكم الأجنبي، وبعضها يقتضي استصدار أمر بالتنفيذ من محاكمها دون الخوض في موضوع الحق بعد مراجعة حكم التحكيم الأجنبي شكليا وهو ما يعمل في دول ذات النظام اللاتيني فرنسا ومصر و الأردن و المغرب.
قد يبدو أن الأمر سهل عند سردنا لضوابط وإجراءات التحكيم الدولي، لكن الأمر يصعب بمناسبة الحديث عن التجارة الإلكترونية، وما يعقبها من اشكالات ترتبط بالبعد المكاني بين طرفي المعاملة حيث تثار العديد من الصعوبات ترتبط أساسا بعجز المنفذ له عن إجبار المنفذ عليه على تنفيذ الحكم الذي بحوزته، سواء كانت صعوبات واقعية أو قانونية.
وهنا وفي ظل غياب أحكام منظمة لذلك في قوانين التجارة الالكترونية يتم اللجوء الى القواعد العامة بإثارة صعوبة في التنفيذ، التي تخول لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات في هذا الباب.
زيادة على ذلك يبقى المستهلك يبقى ضعيفا أمام الشركات التي أبهرته بسلعها وخدماتها في تنفيذ احكام المحكمين في مواجهتها، فتحاول تأخير او تعقيد او تعطيل هذا التنفيذ من خلال إثارة صعوبة في ذلك، مما يمكن القول معه إن إعادة التوازن بين الطرفين يبقى من اختصاص سلطات الدولة التي عليها إجبار مثل هذه الشركات على الالتزام بالقانون وتنفيذ الاحكام الصادرة ضدها تحت طائلة التعويض، أضف الى ذلك أنه لوضع المستهلك ثقته في المعاملات بطريقة إلكترونية أن يتم إيجاد نظام خاص لتنفيذ الأحكام في هذا المجال دون أن يثير صعوبات سواء قانونية او تقنية بشأنها، وهو ما يمكن تسميته بالتنظيم الذاتي للتحكيم الإلكتروني.
يعتمد التنظيم الذاتي للتحكيم الإلكتروني حسب البعض على جعله نظاما قائما بذاته من الناحية الواقعية، ومستقلا عن النظام القانوني الكلاسيكي للتحكيم، بحيث يتم تنفيذ حكم التحكيم دون الحاجة إلى تذييله بالصيغة التنفيذية عن طريق القضاء.
وفي هذا الصدد نجد أحكام التحكيم الإلكتروني المتعلقة بمنازعات اسماء المواقع الالكترونية تتميز بآلية تنفيذ ذاتي خاص يتضمنها النظام الذي أعدته مؤسسة إيكان ” ICAAN” و المرتبط مباشرة بمراكز التحكيم مباشرة ، حيث أن تنفيذ القرار الصادر عن مركز التحكيم الإلكتروني لا يكون مرهونا بإرادة المحكوم عليه، وإنما الذي يتولى هذا التنفيذ هو مسجل عنوان الموقع الالكتروني في محل القرار، وهو ملزم بتنفيذ هذا القرار وقادر على تنفيذه تقنيا، إذ هو من يملك الوسائل التقنية بشطب عنوان الموقع الإلكتروني على الشبكة أو نقل ملكيته الى المدعي.
كما أن مجتمع التجارة الإلكترونية، ابتكر العديد من الآليات لضمان تنفيذ أحكام التحكيم الإلكتروني، منها الضغوط الاعلانية و التجارية وخدمات التعهد بالتنفيذ.
نخلص مما سبق أن الإقلاع الاقتصادي وتطوير مجال الاستثمار يتطلب من المشرع مواكبة التطورات في جل المجالات، وينبغي من أهل الاختصاص مناقشة كل الإشكالات التي يطرحها التنفيذ وتطويره وتحديثه مع جعل قواعده آمرة سوء في تنفيذ الأحكام أمام القضاء أو التحكيم، وفي سياق الأمر فمدونة التحكيم التي أراد المشرع إخراجها من قانون المسطرة المدنية وجعلها قانون مستقل بذاته لا ينبغي نسخ المقتضيات فقط بل لابد من الانفتاح على تشريعات ذات التوجه الرأسمالي من أجل جعلها تتماشى و التطور التكنولوجي، لكي لا نصبح أمام قوانين يمكن اختراقها ببساطة.
— لائحة المراجع المستند عليها:
– قانون المسطرة المدنية المغربي
– عامر محمد الكسواني، التجارة عبر الحاسوب ص 44/52/70
– عبد الله الشرقاوي، صعوبة تنفيذ الأحكام والقرارات ص 25
– عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ص 334
– نبيل زيد، تنفيذ الأحكام الأجنبية ص 68
– نور حمد التحكيم الالكتروني ص 203