aljami3a.com https://www.aljami3a.com/ موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية Sat, 30 Nov 2024 21:38:45 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.3.5 مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية https://www.aljami3a.com/1558/%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d9%8a%d9%8a%d8%b2-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d9%88/ https://www.aljami3a.com/1558/%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d9%8a%d9%8a%d8%b2-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d9%88/#respond Sat, 30 Nov 2024 21:38:43 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1558 مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية       تكتسي التفرقة بين المسؤولية المدنية والجنائية أهمية كبيره لدي فقهاء القانون، وذلك لارتباطها الوثيق بمسألة التكييف القانوني وعملية الإثبات، فإذا كان اصطلاح المسؤولية بشكل عام يطلق من الناحية اللغوية على حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته، فأخلاقياً تطلق على التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً، فيقال أنا بريء من مسؤوليتي عن هذا العمل، كما تطلق على الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقا للقانون. كجزاء عن الإخلال بالتزام أدبي أو قانوني يقع على الفرد داخل مجتمعه. وفي هذا السياق وارتباطا بموضوعنا المتعلق بالجواب عن الإشكالية المرتبطة بتعين الضوابط المحددة لقيام كل من المسؤولية الجنائية و المهنية في جرائم الأموال و التمييز بينهما، تم بعد ذلك توضيح الآثار القانونية المترتبة عن كليهما، خصوصا وان موضوع التمييز بينهما، يثير كثيرا من اللبس القانوني الناجم عن تداخل المفاهيم و المحددات القانونية و القضائية الفاصلة بينهما، وعليه فالمسؤولية الجنائية معناها الالتزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر أركان الجريمة في فعل ما، وموضوع هذا الالتزام هو العقوبة أو التدبير الاحترازي الذي يقرره القانون بحق المسؤول عن الجريمة، أما المسؤولية المهنية فتتحقق وتقوم بمناسبة الأعمال المهنية التي تترتب على عمل يصدر من المهني نفسه، كما أن أساسها الخطأ، وعليه فالخطأ غير مفترض في جانب المسؤول ويجب على المضرور إثباته، ومما لا شك فيه أن  موضوع الفصل و التمييز بين كل من  المسؤولية المهنية و المسؤولية الجنائية ، أصبح من المواضيع المهمة، التي تفرض نفسها على كل دارس أو مهتم بالشأن القانوني و القضائي، خصوصا و أن مهمة الفصل بين كل...

ظهرت المقالة مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية أولاً على aljami3a.com.

]]>
مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية

      تكتسي التفرقة بين المسؤولية المدنية والجنائية أهمية كبيره لدي فقهاء القانون، وذلك لارتباطها الوثيق بمسألة التكييف القانوني وعملية الإثبات، فإذا كان اصطلاح المسؤولية بشكل عام يطلق من الناحية اللغوية على حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته، فأخلاقياً تطلق على التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً، فيقال أنا بريء من مسؤوليتي عن هذا العمل، كما تطلق على الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقا للقانون. كجزاء عن الإخلال بالتزام أدبي أو قانوني يقع على الفرد داخل مجتمعه.

وفي هذا السياق وارتباطا بموضوعنا المتعلق بالجواب عن الإشكالية المرتبطة بتعين الضوابط المحددة لقيام كل من المسؤولية الجنائية و المهنية في جرائم الأموال و التمييز بينهما، تم بعد ذلك توضيح الآثار القانونية المترتبة عن كليهما، خصوصا وان موضوع التمييز بينهما، يثير كثيرا من اللبس القانوني الناجم عن تداخل المفاهيم و المحددات القانونية و القضائية الفاصلة بينهما، وعليه فالمسؤولية الجنائية معناها الالتزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر أركان الجريمة في فعل ما، وموضوع هذا الالتزام هو العقوبة أو التدبير الاحترازي الذي يقرره القانون بحق المسؤول عن الجريمة، أما المسؤولية المهنية فتتحقق وتقوم بمناسبة الأعمال المهنية التي تترتب على عمل يصدر من المهني نفسه، كما أن أساسها الخطأ، وعليه فالخطأ غير مفترض في جانب المسؤول ويجب على المضرور إثباته،

ومما لا شك فيه أن  موضوع الفصل و التمييز بين كل من  المسؤولية المهنية و المسؤولية الجنائية ، أصبح من المواضيع المهمة، التي تفرض نفسها على كل دارس أو مهتم بالشأن القانوني و القضائي، خصوصا و أن مهمة الفصل بين كل من المسؤولية الجنائية و المهنية لازالت محل نقاش وجدل كبيرين بين فقهاء القانون ورجال القضاء والباحثين، ولا غرابة في ذلك، فقد أفرز هذا الجدل والاختلاف الفقهي تطورا في المعطيات الجديدة، لاسيما فيما يتعلق بتطور جرائم الأموال العمومية، ومحاولة البعض السعي للفصل بينهما،

الفقرة الأولى: ماهية جرائم الاختلاس و التبديد الواقعة على المال العام والعناصر التكوينية لها

     تعرف جريمة الاختلاس بشكل عام بأنها استيلاء شخص ما على مال أو ممتلكات بشكل غير قانوني، أما إذا ما كانت مرتبطة باختلاس مال عام ، فتعريفها يكون أدق من التعريف العام لها و أخص، ذلك أن وقوعها على المال العام يضفي عليها خصوصية تتطلب قيام مجموعة من الشروط و العناصر التكوينية لها، إضافة إلى توافر أركانها اللازمة لذلك، ولعل ومن بين أهم الشروط المرتبطة بفعل الاختلاس ،أن يكون مرتكبها جريمة الاختلاس أموال عمومية موظفا عموميا مؤتمنا على هذه الأموال بسبب منصبه أو وظيفته، لذلك يمكن القول أن اختلاس أموال عمومية يراد به اتجاه نية الموظف العمومي إلى التصرف بالمال العام بسوء نية،وذلك بتغيير الظرف المخصص له،

   أما فيما يخص تحديد  مفهوم تبديد الأموال العامة، فالمراد به بشكل عام، ذلـك التصـرف الواقع على المال العام على نحـو كلـي أو جـزئي بإنفـاقه أو إفنـائه، وإذا ما كان التبديد مرتبط بالمال العام،

وقد تطرق القانون المغربي لجرائم الاختلاس و التبديد المتعلقة بالأموال العمومية في مجموعة من النصوص الواردة بالقانون الجنائي، سعيا منه لتوضيح الحقوق وتحديد المسؤوليات في قضايا الاختلاس و التبديد المالي وحماية الأموال العامة والخاصة، ومن جهة أخرى لضمان معاقبة مرتكبي هذه الجرائم. ولعل أبرز ما تم التنصيص عليه في هذا الصدد مقتضيات الفصول: 241 و 242 و 242 مكرر من القانون الجنائي ،حيث بموجبها تم ضبط وتحديد طبيعة الأموال العامة المقصودة، التي تقتضي أن تكون أموالا مرادفة للنقود معدنية أو ورقية تملكها الدولة أو المؤسسات العمومية أو سندات تقوم مقامها وتلعب دور النقود كالكمبيالة أو السند للأمر أو الشيك تكون موضوعة تحت يد الموظف العمومي.

ولقيام جريمتي الاختلاس و التبديد، استوجب المشرع توافر مجموعة من العناصر التكوينية المتعلقة بالفعل ألجرمي، وهكذا لتحقق قيام جريمة الاختلاس، يجب توفر العناصر التكوينية و شروط توافرها ، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض رقم  2022/735 ملف عدد  2021/12/6/14985،إن المحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي فيما قضى به مستندة إلى اعتراف الطاعن تمهيديا بمحضر الضابطة القضائية له وانتهت إلى ثبوت العناصر التكوينية للجنحة موضوع المتابعة، تكون قد استعملت سلطتها في تقييم الأدلة والحجج المعروضة عليها ولا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل، وأبرزت العناصر التكوينية لفصل المتابعة، فجاء بذلك قرارها معللا تعليلا كافيا وسليما من الناحيتين الواقعية والقانونية.

ومن هذا المنطلق يمكن القول انه لقيام جريمة اختلاس أموال عمومية يجب توافر أركانها التالية: :

الركن المادي: يتمثل في فعل الاستيلاء أو التصرف في المال الذي كان بحوزة الجاني بشكل مشروع بفضل وظيفته أو موقعه و يجب أن يكون المال المختلس منقولاً (أموال, مستندات, أوراق مالية) وليس عقار، فالاستيلاء يُعتبر مكوناً أساسياً في جريمة الاختلاس، وهو التصرف بالمال كأن الجاني يملكه، ويقوم بإخراجه من حيازة الجهة المالكة بشكل غير قانوني.

الركن المعنوي : و يتمثل في توافر النية الجنائية لدى الجاني, أي القصد العام (الوعي والإرادة) والقصد الخاص (نية الاستيلاء على المال بهدف تملكه بشكل دائم) حيث يجب أن يثبت أن الجاني كان يدرك تماماً أن هذا الفعل مخالف للقانون، وأنه قام به لتحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة.

الركن الخاص: (صفة الجاني) يجب أن يكون الجاني موظفاً عمومياً أو شخصاً مؤتمناً على الأموال بحكم وظيفته أو موقعه، ويعتبر هذا الركن عنصراً جوهرياً في جريمة الاختلاس, فلا يمكن أن يقوم بها شخص عادي غير مرتبط بعلاقة ثقة أو مسؤولية تجاه المال المختلس.

الركن القانوني: وهذا الأخير يرتكز على النصوص القانونية التي تُجرّم فعل الاختلاس وتحدد العقوبات المفروضة عليه..

و بالعودة إلى النصوص الواردة بالقانون الجنائي ، يمكن القول أن جريمة اختلاس أموال عمومية تتحقق عندما تقع على مال الدولة، وذلك بالعمد إلى الاستحواذ على هذه الأموال العمومية لنفسه أو بتبددها،

أما بالنسبة لجريمة تبديد أموال عمومية، فتتحقق هي الأخرى بمجرد قيام العناصر التكوينية لها حيث جاء في قرار لمحكمة النقض رقم 271 ملف رقم 6693/6/4/2019:

لما أيدت المحكمة القرار الابتدائي فيما قضى به من إدانة الطاعن من أجل المشاركة في جناية تبديد أموال عامة طبقا للفصل 241 من القانون الجنائي بعد ما اعتبرته موظفا عموميا باعتباره يقوم بمهمة ذات نفع عام تتمثل في مساعدة القضاء في البت في النزاعات، ومعللة ذلك بأنه سهل على المتهم الاستحواذ على ممتلكات إدارة المياه والغابات التي وضعت تحت يده بمقتضى وظيفته، وبأن المتهم المذكور استند على محضر المعاينة الذي أنجزه الطاعن لأجل تفويت العقار المملوك للإدارة المذكورة، دون أن تبرز في تعليلها من أين استخلصت أن العقار موضوع القضية كان موضوعا تحت يد الطاعن بمقتضى وظيفته، وهو الركن الأساسي في جريمة تبديد أموال عامة من طرف موظف عمومي موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته طبقا للفصل 241 من القانون الجنائي، ودون أن تبرز عناصر المشاركة في الجناية المذكورة طبقا لما يقضي به الفصل 129 من القانون السالف الذكر، وكذا عنصر علم الطاعن بأن العقار المذكور مملوكا لإدارة عمومية، تكون قد أضفت على قرارها عيب فساد التعليل وانعدام الأساس القانوني وعرضته للنقض والإبطال.

و عليه فليقام جريمة تبديد أموال عمومية يشترط فيها هي الأخرى توفر كل من :

الركن المادي: يتمثل الفعل المادي المكون لهـذه الجريمة في تبديـد أمولا عامة أو استعمالاها على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان أخر و يشمل هذا أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي شيء أخـر ذات قيمة عهـد بها إليه بحكم وظيفته أو بسببها .

و يتخــذ الركـن المـادي في جريمة تبديد أموال عمومية بإنفاقه أو إفنائه بحيث يستعمل الموظف و يعتمـد على طـرق مشروعة قانونا و يقوم من خلالها بإنفـاق المال العـام و إفناءه، و بالتالي قيام فعل التبديـد .

الركـن المعنوي: يقوم الركن المعنوي في هــذه الجريمة على توافــر القصــــد الجنائي، فهي جريمة عمدية في كل صورها، و عليه يجب أن يكون الموظف على علم بأن المال الذي بحوزته هو ملك للدولة و مع ذلك تتجـه إرادته إلى تبديـده .

و نرى أن القصد العام القائم على العلم و الإرادة يكفي لتحقيق الركن المعنوي، في حين يتطلب الأمــر تحقق القصد الجنائي الخاص في فعل تبديد يتطلب اتجاه نيـة الموظف إلى تبديد الشيء الذي بحوزته فإذا نختلف القصد الخاص و هـو نيــة التبديد إذ ذاك لا يمكن وصف الجرم على انه تبديد لأموال عمومية على اعتبار أن جريمة تبديد الأموال العامة تحققها مرتهن برغبة و سوء نية الفاعل المتجهة لارتكاب الفعل ، و هي ألحظة التي تتـم بها الجريمة كاملة مما يعني أن الشروع في التبديـد غير متصور في جريمة تبديد أموال عمومية فهي إما تقـع كاملة و إما أن لا تقـع .

الركـن الخاص: يشيــر القـانون الجنائي المغربي إلى صفـة الجـاني الـذي يــرتكب هـذه الجريمة مشترطا بذلك أن يكون التبديد الواقع على المال العام هو الأخر مرتكب من الموظف العمومـي، أي أن يكـون مـرتكب هـذه الجـريمة فـي عـداد العـاملين في الـدولة،ويـلاحـظ أن المشـرع المغربي فـــي القـانون المتعلـق بالوظيفة العمومية لـم يتـوسع فـي إعطـاء وشـرح معنى الموظف العمومي خـلافـــــا لمـا نـص عليـه القانون الجنائي، بحيث ان دلالة الموظف ابعد و أوسع نطاقا مما جاء ذكره بقانون الوظيفة العمومية.

الركـن القانوني: و هـي نص المواد 241 و 242 و 242 مكرر من القانون الجنائي المغربي.

   وعلى ضوء ما سبق بسطه و بيانه، فالمشرع المغربي حدد شروطا و ضوابط لقيام جناية اختلاس و تبديد أموال عمومية بغير حق، اقتضاؤها وجود المال في ملك الدولة و عنصراً من عناصر ذمتها المالية، كما يفترض قيام موظف عام أو من في حكمه بتبديد أو اختلاس المال العام خلسة أو حيلة أو عنوة بمقتضى وظيفته و انصراف نيته إلى اختلاس و تبديد أموال عمومية باعتباره حائزا لها و التصرف فيها، وهو معنى مركب من فعل مادي، هو التصرف في المال ومن عامل معنوي يقترن به، هو اتجاه نية الموظف إلى فعل الاختلاس أو بإضاعة المال وتبديده عمدا، الشيء الذي يقتضي توفر عنصري التبديد (الإتلاف) أو الاختلاس وأن يكون ذلك مقرونا بسوء النية لدى الجاني، أي ضرورة تحقق القصد الجنائي الذي يقوم بتوافر عنصري العلم والإرادة.، ومادام أن الأصل في الإنسان حسن النية إلى أن يثبت العكس، وان الأصل هو البراءة، وأن الشك يفسر لفائدة المتهم، إذا لا يمكن وصف الفعل المرتكب بالاختلاس وتحققه إلا إذا تبت أو متى استعمل الجاني الشيء في غير ما اتفق عليه أو تصرف فيه كما لو كان في ملكه إضرارا بالغير بسوء نية، كأن يقوم المختلس بإضافة المال المختلس المعهود إليه لملكه بنية إضاعته على مالكه.

الفقرة الثانية: مناط الإثبات في جرائم الاختلاس و التبديد في الميدان الزجري

       في هذا الصدد نذكر أن جريمتي الاختلاس و التبديد، تعد من الجرائم التي يجوز إثابتها بكافة الطرق القانونية بما في ذلك البينة والقرائن، فللمحكمة أن تستند في إثباتها إلى ما ظهر لها من التحقيق ومن مناقشة المتهمين بالجلسة ومن ظروف الدعوى ووقائعها، فالعبرة في الإثبات هنا تقاس باقتناع القاضي بأدلة الإثبات المعروضة عليه، كما أن استخلاص ثبوت الجريمة أو عدم ثبوتها يرجع لقضاة الموضوع بمالهم من كامل السلطة، ذلك انه لقضاة الزجر في الميدان الزجري السلطة التقديرية الكاملة للبت في الوقائع المعروضة عليهم وتقديرها دون أن يخضعوا في ذلك لمراقبة محكمة النقض، ولهم أن يستمدوا قناعتهم من أي دليل من الأدلة المعروضة عليهم أثناء دراسة القضية ومناقشتها طالما أنهم قد اطمأنوا إليه وكان له مأخذ صحيح من أوراق الدعوى، وهذا ما يزكيه قرار لمحكمة النقض، رقم  224 ملف عدد 2020/7/6/7320 حيث جاء فيه ما يلي : المقرر أن المحكمة الزجرية تستخلص قناعتها بإدانة المتهم أو براءته من جميع الأدلة المعروضة أمامها متى اطمأنت إليها، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك إلا فيما يخالف القانون. وجاء في قرارها رقم 538 ملف عدد 1193/6/4/2020

أن المحكمة حرة في تكوين قناعتخا من خلال وسائل الاتبات التي عرضت أمامها ولا رقابة عليها في ذلك من طرف محكمة النقض إلا فيما يتعلق بسلامة التعليل .

لذلك فسلطة المحكمة واسعة بإعمال سلطتها التقديرية، إذ يمكن لقضاة الموضوع  أن يستخلصوا من شهادة الشهود الصورة الصحيحة التي شكلت لديهم مادة الإدانة، ولهم أن يطرحوا ما عداها من التصريحات والشهادات المخالفة ما دام أن استخلاصهم لوقائع الإدانة كان سائغا ومستندا على أدلة مقبولة لها سندها في أوراق الملف، لذلك فعندما تقضي المحكمة ببراءة المتهم مما ينسب إليه من جنحة أو جناية اختلاس و تبديد أموال عمومية مستندة في ذلك إلى إنكاره لواقعة الاختلاس والتبديد، تكون قد استعملت سلطتها في تقييم الأدلة المعروضة عليها وبينت دواعي اقتناعها بعدم إتيان المتهم للأفعال المنسوبة إليه، لذلك فإن قاضي الموضوع لا يكتفي في تعليل إثباتها على مجرد سرد القرائن و اعتمادها لإثبات نسبة جناية أو جنحة اختلاس أو تبديد أموال أو المشاركة فيها دون أن يتطرق للتعليل الواقعي لها ببيان كيفية وظروف ارتكابها وتعليلها من الناحية القانونية بإبراز العناصر القانونية المكونة لها كما هي محددة قانونا، بما في ذلك قيمة المبلغ المبدد، وترتيب الآثار القانونية على ذلك، فجريمتي الاختلاس و التبديد المنصوص عليهما في المواد 241 و 242 و 242 مكرر و 245، التي تنص على العقوبات المرتبطة بها لا يشترط لإثباتها طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة، إذ يكفي فقط اقتناع المحكمة بوقوع الفعل المكون لها من أي دليل أو قرينة تقدم إليها، حيث جاء في قرارمحكمة النقض رقم 534 ملف جنائي رقم 1189/6/4/2020 انه:لما ألغت المحكمة الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة الطاعن وقضت من جديد بإدانته من أجل المشاركة في اختلاس وتبديد أموال عامة وجنحتي منح شهادات وإقرارا يتضمن وقائع غير صحيحة واستعمالها بعد إعادة التكييف استنادا إلى اعترافات المتهمين القضائية وشهادة موظفي إدارة المياه والغابات، في إطار سلطتها التقديرية، تكون قد أعملت سلطتها التقديرية في تقييم الحجج المعروضة عليها، والوسيلة على غير أساس.

لذلك فتوافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس والتبديد إثباته، رهبن فيما قد يرد في الحكم من وقائع وظروف ما يدل على قيامه، كما انه من جانب أخر التفات المحكمة بالرد على مستندات المتهم لنفي ارتكابه جريمة الاختلاس أو التبديد، لا يعاب عليها ذلك متى اطمأنت إلى الأخذ بعين الاعتبار الظروف و الملابسات المحيطة بفعلي الاختلاس و التبديد، ومثاله إطمئناننها إلى أقوال شهود الإثبات والوضع المالي للمتهم، والأخذ منه بما تطمئن إلى صدقه، و طرح ما عداه ، كما أن الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها غير لازم. إذ يكفي وروده على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى اقتراف الجاني للجريمة، لذلك فتقدير أدلة الدعوى هنا موضوعي قد تأخذ به المحكمة وتفصح عن أسباب الأخذ بها أو إطراحها، ولعل من أهم المعايير التي تؤدي إلى البراءة في قضايا الاختلاس:

انتفاء الركن المادي للجريمة: فالجريمة لا تُعتبر مكتملة إلا إذا ثبت أن الموظف قد استولى على الأموال أو الممتلكات، وقام بتحويلها إلى ملكيته الخاصة أو استخدامها بطريقة غير قانونية. فإذا لم يتم إثبات أن المتهم قد اختلس الأموال فعليًا أو لم تكن لديه سلطة التصرف في المال المختلس، فقد يؤدي ذلك إلى حكم بالبراءة.

انتفاء الركن المعنوي للجريمة: الاختلاس جريمة تتطلب نية جنائية، أي أن الموظف كان يقصد الاستيلاء على الأموال بشكل غير مشروع، لذلك إذا استطاع الدفاع إثبات أن المتهم لم تكن لديه نية الاختلاس أو أن المال قد أُخذ عن طريق الخطأ أو دون نية سيئة، فقد يتم تبرئة المتهم.

غياب صفة الموظف العام أو من في حكمه: فوفقًا للقانون الجنائي المغربي, يجب أن يكون المتهم موظفا عموميا أو في حكم الموظف العام (مثل العاملين في الهيئات العامة أو الشركات العامة) ليحاكم بجريمة الاختلاس. وهكذا إذا ثبت أن المتهم ليس له صفة موظف عام أو لم تكن له صلاحية التصرف في الأموال أو الممتلكات التي يتهم باختلاسها، فإن هذا يؤدي إلى حكم بالبراءة.

عدم وجود أدلة مادية قوية: في القضايا الجنائية، ومن بينها الاختلاس و التبديد،  لا بد أن تكون الأدلة قاطعة وواضحة، فإذا لم تكن الأدلة المتاحة كافية أو تم الحصول عليها بطرق غير قانونية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم إدانة المتهم، على اعتبار أن الشك يُفسر دائمًا لصالح المتهم، فإذا لم تستطع النيابة تقديم أدلة قوية وواضحة تدين المتهم يتم الحكم بالبراءة.

إثبات تسوية الأمور المالية: في بعض القضايا، يمكن للمتهم أن يثبت أنه قد قام بتسوية الأمور المالية المتعلقة بالمال الذي تم اتهامه باختلاسه، وذلك بإعادة الأموال، أو إثبات أنه تم التصرف فيها بشكل قانوني، وعليه إذا تم إثبات ذلك، قد يتم تخفيف الحكم أو إصدار حكم بالبراءة.

الخطأ في الإجراءات القانونية: في بعض الأحيان، يتم الحصول على أدلة أو اتخاذ إجراءات قضائية بشكل غير قانوني، مثل الاعترافات التي تؤخذ بالإكراه أو تفتيش غير قانوني، فإذا تم إثبات وجود أخطاء إجرائية في القضية يمكن أن يؤدي ذلك إلى إبطال التهم والحكم بالبراءة.

غياب الأدلة الفنية: في بعض الحالات, قد يعتمد الاتهام على أدلة فنية, مثل الفحص المحاسبي أو تقارير الخبراء، لذلك إذا استطاع الدفاع إثبات أن تلك الأدلة غير دقيقة أو مشكوك فيها، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى الحكم بالبراءة.

تقديم الأدلة على حسن النية: إذا استطاع المتهم إثبات حسن النية في التصرف في الأموال، وأنه لم يكن يقصد اختلاسها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الحكم بالبراءة، على سبيل المثال, إذا كانت هناك أخطاء إدارية، أو سوء تفاهم حول تصرف المتهم في الأموال, فإن ذلك قد يُعتبر دفاعًا عن البراءة.

إثبات عدم وجود علاقة بين المتهم والمال المختلس: إذا تمكن المتهم من إثبات أنه لم يكن له دور أو علاقة مباشرة بالأموال التي تم ادعاء اختلاسها، فإنه يمكن أن يحصل على حكم بالبراءة.

غياب الشهود أو الأدلة الشخصية: في بعض قضايا الاختلاس يعتمد الادعاء بشكل كبير على شهادة الشهود أو الأدلة الشخصية، لذلك فعدم كفاية الأدلة أو كانت متناقضة، فإن المحكمة قد تحكم ببراءة المتهم.

الفقرة الثالثة : سلطة المحكمة في إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة المرتبطة باختلاس و تبديد أموال عمومية

    مما لا شك فيه أن جرائم الاختلاس و التبديد تحمل معها تحديات كبيرة، سواء على المستوى القانوني أو الاقتصادي، ومن أجل حماية المؤسسات واسترداد حقوقها يستدعي التعامل معها الماما كبيرا من الخبرة والاحترافية التي يتمتع بها القاضي المختص و هو يبت القضايا المعروضة عليه، حتى يتأتى له تحقيق أفضل النتائج، وحماية المؤسسات من الخسائر الكبيرة التي قد يتسبب بها الاختلاس أو التبديد في عالم مليء بالتحديات القانونية المتنوعة، وذلك من خلال إعمال المحكمة لسلطتها في إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة عليه، فللمحكمة سلطة إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة عليها بغض النظر عن الوصف الذي أحيلت به عليها، طبقا لعموم مقتضيات المادة 368 من ق.م.ج. وبذلك وتطبيقا لمقتضيات المادة 390 من ق.م.ج التي تنص، على أنه إذا لم يكن للفعل وصف جنحة أو مخالفة تدخل ضمن اختصاص المحكمة فإنها تصرح بعدم اختصاصها وتحيل الطرف الذي أقام الدعوى العمومية على من له حق النظر، و يسري نفس الحكم إذا تعلق الأمر بجناية وفقا لمقتضيات المادتين 411 و389 من قانون المسطرة الجنائية، اللتين بموجبهما يتعين على المحكمة كلما تبين لها أن المتهم لم يرتكب الفعل أو أن الفعل لا يكون مخالفة للقانون الجنائي، فإنها تحكم بالبراءة وتصرح بعدم الاختصاص في المطالب المدنية، هذا و يحق لمحكمة الموضوع في تعديل وصف التهمة متى اقتنعت بذلك، لذلك فأحكام البراءة في قضايا الاختلاس والتبديد ،تقوم على عدم اكتمال أركان الجريمة، سواء من حيث الركن المادي (أي وقوع فعل الاختلاس أو التبديد) أو الركن المعنوي (النية الجنائية)، أو على وجود ثغرات في الأدلة أو الإجراءات القانونية، كما إذا لم تكن تلك الأدلة كافية أو كانت متناقضة، فإن المحكمة قد تحكم ببراءة المتهم، لذلك فحينما تبسط المحكمة رقابتها على الوقائع المعروضة تكون مطالبة بالضرورة إلى إبراز العلاقة القائمة بين المتهم والمال المختلس، أو تأسيسا  على عدم اكتمال أركان الجريمة، سواء من حيث الركن المادي (أي وقوع فعل الاختلاس أو التبديد) أو الركن المعنوي (النية الجنائية)، أو على وجود ثغرات في الأدلة أو الإجراءات القانونية.

وفي هذا السياق نذكر ما جاء به  قرار محكمة النقض ملف عدد 2020/4/6/1190 بقوله: لما ألغت المحكمة الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة الطاعن وقضت من جديد بإدانته من أجل المشاركة في اختلاس وتبديد أموال عامة وجنحتي منح شهادات وإقرارا يتضمن وقائع غير صحيحة واستعمالها بعد إعادة التكييف استنادا إلى اعترافات المتهمين القضائية وشهادة موظفي إدارة المياه والغابات، في إطار سلطتها التقديرية، تكون قد أعملت سلطتها التقديرية في تقييم الحجج المعروضة عليها، والوسيلة على غير أساس.، كما جاء في قرار لها في الملف : ملف عدد 2016/1/6/3078،إن ما أوردته الوسيلة من نعي على القرار المطعون فيه يتعلق بجريمتي الاختلاس والتبديد، والحال أن الثابت من تنصيص القرار المطعون فيه ومن وقائع القضية أن العارض أدين من أجل عدم توفير مؤونة شيك عند تقديمه للأداء، مما يكون معه ما جاء في الوسيلة خلاف الواقع فهي غير مقبولة.

ونشير في هذا الصدد أن سلطة المحكمة في إضفاء الوصف القانوني على الوقائع المعروضة المرتبطة باختلاس و تبديد أموال عمومية، هي سلطة يمكن بموجبها للمحكمة المعروضة عليها القضية ان تعمل على إعادة تكييف الوصف الذي أعطته للوقائع و تكييفه من جديد ، ذلك ن سلطة القاضي الجنائي في إعادة التكييف تحكمها مجموعة مبادئ الهدف منها محاولة إيجاد أساس لضبط عملية التكييف وعدم الخروج عن نطاق الواقعة التي أخطر بها (أولا)، ومساعدة القاضي الزجري على تكوين قناعته القضائية وضبط أفكاره عبر منحه سلطة معتبرة في البحث عن الوصف الحقيقي للواقعة بعيدا عن التعجل أو سوء الفهم.

الفقرة الرابعة : إشكالية التوفيق بين المسؤولية الجنائية و المهنية للموظف في الجرائم المرتبطة باختلاس و تبديد أموال عمومية

    تفترض المسؤولية الجنائية وقوع جريمة وتوافر أركان هذه الجريمة، سواءً كانت جناية أم جنحة أم مخالفة، وسواء كانت تامة أم مشروعاً فيها، فالبحث في المسؤولية الجنائية تالٍ أو لاحق على قيام الجريمة وتحقق أركانها، لذلك فهي ليست ركناً من أركان الجريمة، وإنما هي أثر لاجتماع أركان الجريمة، لذلك عندما نتحدث عن المسؤولية الجنائية المتعلقة باختلاس و تبديد أموال عمومية، لا نتحدث عن المسؤولية هنا كركن من أركان الجرم المرتكب، وإنما كنتيجة حتمية ،لأثر لاجتماع أركان الجريمة فهي تالية ولاحقة على قيام فعل التبديد أو الاختلاس الواقع على المال العام،فالعبرة بوقع الاختلاس أو التبديد في المال العام هو اتجاه مرتكب الفعل الجرمي إلى سوء نيته في إيقاع الاختلاس أو إتلاف المال ، وهذه النية السيئة هي المقصود بها توافر القصد الجنائي للمسؤول عنها، ذلك أن المشرع المغربي أضفى خصوصية شديدة على تحقق فعلي الاختلاس و التبديد، إذ إن افتراض قيام الجريمتين بمجرد توافر الركن المادي لهما دون توفر القصد الجنائي المتمثل في قيام الركن المعنوي لها، لا يكفي لقيام المسؤولية الجنائية لمرتكبها، فمجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي، لا يكفى بذاته دليلاً على حصول الاختلاس،لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ مهني في العمليات الحسابية، أو لسبب آخر.

قرار محكمة النقض رقم
2022/546 ملف عدد
2021/12/6/17748 بتاريخ 2022-05-10من المقرر، إذا كان لمحكمة الموضوع أن تقضي بالبراءة متى عاينت انعدام عنصر من عناصر الجريمة، فإن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها أحاطت بظروف القضية وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام والمستمدة من مستندات الملف.

فجناية الاختلاس آو التبديد المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي تتحقق متى كان المال المختلس أو المبدد مسلما إلى الموظف العمومي أو من في حكمه، حيث جاء في قرار محكمة النقض رقم 2017/284 ملف عدد 2016/1/6/20896: أن الطاعن كان يعمل كمدير للوكالة الجهوية التابعة للصندوق الوطني للقرض الفلاحي وبالتالي وبالرجوع إلى القانون المؤسس لهذا الأخير يتضح أنه يقوم بأعمال بنكية لفائدة الدولة التي أنشأته وطعمته بأموال عامة مما يجعل صفة الموظف العمومي المنصوص عليها في المادة 224 من القانون الجنائي ثابتة في حقه. بالرجوع إلى الذمة المالية للصندوق الوطني للقرض الفلاحي يتضح أن الأموال التي يتولى تدبيرها هي أموال عامة مادام رأسماله مملوك للدولة. المحكمة أدانت الطاعن على أساس صفته كمدير وكالة و كون الأموال موضوعة تحت عهدته أموال عامة مما يجعل مقتضيات كل من الفصلين224 و241 الفقرة الأولى من القانون الجنائي ثابتة في حقه لأنه قام بتمكين باقي المتهمين من مبالغ كمبيالات دون وجه حق ورغم رجوعها بعد الأداء وتجاوز خط الاعتمادات الممنوحة للبعض وأداء مبالغ الشيكات دون توفر على مؤونة مما يجعل جناية تبديد أموال عامة قائمة. ثبوت الأفعال الجرمية المتابع بها المتهم الرئيسي)الطاعن) في حقه و نظرا لكونها ألحقت ضررا بالمؤسسة البنكية من خلال المبالغ المالية التي كان سببا في استفادة الغير بها دون أخذ الإجراءات القانونية المتطلبة يجعل الفعل و الضرر والعلاقة السببية ثابتة مما يجعل الحكم بالتعويضات وفق ما هو مفصل بمنطوق القرار مؤسسا. رفض الطلب،

 لذتك فإن الجرائم المالية الواقعة على المال العام، تتطلب صفة خاصة فيمن يرتكبها، وتتمثل هذه الصفة في الموظف العمومي،و المقصود بالموظف العمومي هنا، كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص أبسالك الإدارة التابعة للدول،.إلا أن هذا المفهوم يتسع نطاقا كلما تم اعتماد التعريف الجنائي للموظف العمومي 

فطبقا للفصل 224 من القانون الجنائي المغربي فالموظف العمومي يراد به  “كل شخص كيفما كانت رثيته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون اجر، وساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام، وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”

وعليه نتساءل هل يكفي لقيام جريمتي الاختلاس والتبديد بأن يكون مرتكبهما ذو صفة موظف عمومي و بالتالي قيام مسؤوليته الجنائية؟  للجواب عن هذا السؤال جاء في قرار محكمة النقض رقم 2016/9 2015/1/6/2618،إن مناط مساءلة المتهم جنائيا وفق ما نصت عليه أحكام ومقتضيات الفصل 241 من القانون الجنائي الذي تناول بالتجريم والعقاب جريمة اختلاس أموال عمومية هو اختلاس الجاني لمال مرصود لمصلحة عامة أو خاصة باعتباره موظفا عموميا مع انصراف نيته الجرمية إلى ذلك على اعتبار أن الجريمة موضوع المتابعة من الجرائم العمدية التي لا يمكن تصور قيامها إلا بحصول الركن المعنوي المذكور، ولما كان ذلك وكان البين من تصريحات المتهم والمسمى(ع.ب) قيام هذا الأخير باختلاس المبالغ المالية واختصاصه بها لنفسه دون المتهم وعدم حصول علم هذا الأخير بذلك، فإن الجريمة بركنيها موضوع المتابعة تبقى غير قائمة في نازلة الحال وهو ما انتهت معه المحكمة في قناعتها إلى عدم ثبوت جريمة اختلاس أموال عمومية في حق المتهم لانعدام قيام عناصرها الواقعية والقانونية. تقصير المتهم وإهماله في مراقبة الأموال الصادرة والواردة عن الوكالة التي يشرف على تسييرها بالشكل الذي تقتضيه القوانين واللوائح الإدارية المعمول بها لا يمكن أن يكون أساسا للقول بقيام مسؤوليته الجنائية، بل يمكن مناقشة ذلك في إطار مسؤوليته المهنية وما يستتبع ذلك من مساءلته تأديبيا من طرف الإدارة التي يتبع لها وإيقاع الجزاءات الإدارية المتناسبة والخطأ المهني الذي ارتكبه وما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج.

فبالرجوع إلى أحكام المواد الضابطة و المحددة لحالة قيام جريمتي الاختلاس و التبديد،نجدها تشترط   بالإضافة إلى صفة موظف عمومي، اتجاه نية الموظف العمومي  إلى العمد بالتصرف في المال العام و تغيير الظرف المخصص له ،أو إتلافه و تبديده ،مع علمه المسبق بذلك، وعلى هذا الأساس إذا لم تتحقق العناصر التكوينية في فعلي الاختلاس و التبديد المرتكبين من ظرف الموظف العمومي، فإننا لا نكون أمام قيام مسؤوليته جنائية، بقدر ما تكون أمام مسؤولية مهنية مفترضة في حالة قيامه بتقديم دليل قانوني أو واقعي يتشف منه انتفاء القصد الجنائي و إبراز حسن نيته،كما اثبت بأن الفعل مؤسس على خطئ غير متعمد، ا وان الفعل المنسوب له كان نتيجة مخالفته لنصوص قانونية لم يستوعبها، نتج عنها تطبيق غير سليم للقانون، و العكس صحيح، فالموظف يسأل عما يرتكبه شخصيا من أخطاء ناتجة عن إهماله أو عدم احتياطه أو عدم تبصره أو عدم مراعاته النظم و القوانين طبقا لمقتضيات القانون الجنائي، كل ذلك دون إغفال ما له من حقوق مهنية، .متى ما حدث الفعل المخالف للقاعدة القانونية عن قصد واكتملت أركانه بان خالف نص قانوني معاقب عليه وفق قواعد القانون الجنائي فان الأثر القانوني لهذا الفعل ينتقل من المسؤولية المهنية إلي المسؤولية الجنائية ليتم تطبيق جزاء قانوني معين مع الوضع بعين الاعتباران هناك بعض الأفعال التي تصدر من الموظفين، قد يحتمل أن تكون لها نتيجة معينة، أو اثر قانوني معين يجعلها عرضه بان تندرج تحت المسؤولية الجنائية والمدنية، وهنا من الممكن إن يعاقب عليها الشخص المخالف للقاعدة مدنياً وجنائياً، وذلك وفق سلطات المحكمة التقديرية في ذلك، فلا شك أن مسؤوليات الموظف العمومي متعددة الطبيعة القانونية بتعدد أسبابها، فتكون إما جنائية قائمة على ارتكاب فعل مجرم من طرف القانون بمناسبة مزاولة نشاطه المهني، ومن ذلك تبديد و اختلاس أموال عمومية، أو تكون تأديبية عند وجود مخالفة لقواعد المهنة التي يفرضها القانون المنظم لها، أو توجبها الأعراف المهنية، لذلك فقد ظلت جل التشريعات تخص هذه الأوساط المهنية بأنظمة قانونية ولوائح تنظيمية تؤطرها، وهذا ما شكل سند بروز النظام القانوني الخاص بالمسؤولية المهنية، وفصلها عن المسؤولية الجنائية .

ظهرت المقالة مناط التمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المهنية في جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1558/%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d9%8a%d9%8a%d8%b2-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d9%88/feed/ 0
دور محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة https://www.aljami3a.com/1548/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%b6-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d9%88%d8%b9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%ac/ https://www.aljami3a.com/1548/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%b6-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d9%88%d8%b9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%ac/#respond Mon, 01 Jul 2024 23:50:12 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1548 دور محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة تعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية بالمملكة وتسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد العمل القضائي، الأمر الذي يساهم في تحقيق الأمن القضائي وتعزيز جودة الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع. وكما هو معلوم أن المقررات القضائية هي نتاج لمجهود القاضي يأتي بعد البت في طلبات الأطراف ودفاعهم وقبول ورد ما قدم من دفوع وردود، وهو ما يطلق عليه في القوانين المسطرية بالتعليل أي تسبيب الأحكام من خلال إنزال حكم القانون على الواقع وصولا إلى المنطوق الذي ينسجم مع التعليل. غير أنه خلال مرحلة سريان الخصومة ومناقشة القضايا تعرض على القاضي مجموعة من الدفوع التي تصنف إلى دفوع منتجة وأخرى غير منتجة، ونشير إلى أن الدفع المنتج هو الذي يكون له تأثير على وجه قضاء المحكمة، ويكون الرد عليه وقبوله سببا في الحكم على طرف لحساب آخر، ويأتي هذا التصنيف في إطار رد الدفوع غير المنتجة التي تؤدي إلى إطالة أمد التقاضي، طالما أن المحكمة غير ملزمة بتتبع الأطراف في جميع مناحي أقوالهم. ونتساءل كيف تساهم محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة، من خلال الاستناد إلى مقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية الذي أشار إلى مجموعة من الدفوع، إذ ينص على ما يلي:” يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين. يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا.” كما أن معيار تحقق الغاية ساهم بدوره في التقليل من...

ظهرت المقالة دور محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة أولاً على aljami3a.com.

]]>
دور محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة

تعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية بالمملكة وتسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد العمل القضائي، الأمر الذي يساهم في تحقيق الأمن القضائي وتعزيز جودة الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع.

وكما هو معلوم أن المقررات القضائية هي نتاج لمجهود القاضي يأتي بعد البت في طلبات الأطراف ودفاعهم وقبول ورد ما قدم من دفوع وردود، وهو ما يطلق عليه في القوانين المسطرية بالتعليل أي تسبيب الأحكام من خلال إنزال حكم القانون على الواقع وصولا إلى المنطوق الذي ينسجم مع التعليل.

غير أنه خلال مرحلة سريان الخصومة ومناقشة القضايا تعرض على القاضي مجموعة من الدفوع التي تصنف إلى دفوع منتجة وأخرى غير منتجة، ونشير إلى أن الدفع المنتج هو الذي يكون له تأثير على وجه قضاء المحكمة، ويكون الرد عليه وقبوله سببا في الحكم على طرف لحساب آخر، ويأتي هذا التصنيف في إطار رد الدفوع غير المنتجة التي تؤدي إلى إطالة أمد التقاضي، طالما أن المحكمة غير ملزمة بتتبع الأطراف في جميع مناحي أقوالهم.

ونتساءل كيف تساهم محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة، من خلال الاستناد إلى مقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية الذي أشار إلى مجموعة من الدفوع، إذ ينص على ما يلي:” يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين.

يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا.”

كما أن معيار تحقق الغاية ساهم بدوره في التقليل من الدفوع المثارة بخصوص العديد من الإخلالات الشكلية التي يرمي من خلالها الأطراف إلى التأثير على نتيجة المقرر القضائي.

أولا: تحقق الغاية من الإجراء كسبب من أسباب رد الدفوع المتعلقة بالخبرة:

يعتبر معيار تحقق الغاية من المعايير الناجعة التي كرستها محكمة النقض في العديد من النوازل القضائية التي ردت فيها بعض الدفوع المثارة بشأن إخلالات شكلية تمسك بها الأطراف رغم أنه لم يعد هناك مبرر مقبول للتمسك بها، لكون الغاية من الإجراء القانوني المدعى بخرقه قد تحققت الغاية منه لسبب من الأسباب التي سنذكر بعضها.

  1. الدفع بعدم إشعار الأطراف بقرار استبدال الخبير:

جاء في إحدى وسائل مقال الطعن بالنقض، حيث يعيب الطاعنون على القرار خرق الفصل 61 من قانون المسطرة المدنية ذلك أنه لم يتم إشعارهم باستبدال الخبير (ع-ب) بالخبير (س-أ) المعتمدة خبرته في القرار المطعون فيه.

وقبل أن نعرض موقف محكمة النقض من هذه الوسيلة لا بد من الإشارة إلى مقتضيات الفصل 61 المذكور الذي ينص في الفقرة الأولى على أنه:” إذا لم يقم الخبير بالمهمة المسندة إليه داخل الأجل المحدد له أو لم يقبل القيام بها، عين القاضي بدون استدعاء للأطراف خبيرا آخر بدلا منه وأشعر الأطراف فورا بهذا التغيير.”

يتبين من خلال استقراء مقتضيات الفصل أعلاه أنه يتعين على القاضي كلما أمر باستبدال الخبير المعين سلفا بخبير آخر لعدم إنجاز مهمته أو لأي سبب آخر أن يشعر الأطراف فورا بقرار الاستبدال، ضمانا لحقهم في ممارسة إجراءات التجريح إن كان لها موجب طبقا للفصل 62 من ذات القانون.

على أنه من بين التزامات الخبير استدعاء الأطراف ووكلائهم للحضور لإجراءات الخبرة، حتى يتمكن كل طرف من الإدلاء بملاحظاته وإبداء آرائه حول موضوع النزاع، وبالتالي فإن حضورهم للخبرة ضمانة من الضمانات القانونية المقررة لفائدتهم طبقا للفصل 63 من قانون المسطرة المدنية.

وقد ردت محكمة النقض الوسيلة المشار إليها أعلاه بكون الغاية من الإشعار باستبدال الخبير قد تحققت من خلال حضور الطاعنين لإجراءات الخبرة، واعتبرت أن حضورهم بمثابة إشعار لهم بالخبير المعين بمقتضى القرار القاضي بالاستبدال[1].

وبالتالي نلاحظ مدى مساهمة محكمة النقض في إطار الجواب على الوسائل في رد بعض الدفوع المثارة بشأن الإخلالات المسطرية التي لا تأثير لها على وجه قضاء المحكمة وعلى سلامة نتيجة المقرر القضائي.

  • الدفع بعدم استدعاء الأطراف لحضور إجراءات الخبرة:

في قضية أخرى عرضت على محكمة النقض تتعلق بالطعن في القرار الاستئنافي القاضي في شقه المتعلق بالدعوى المدنية التابعة بأداء تعويضات لذوي حقوق الهالك في إطار حادثة سير، إذ جاء في وسيلة الطعن بالنقض أن الخبرة أنجزت في غيبة الطاعنين ودفاعهما مما يعد خرقا للفصلين 40 و63 من قانون المسطرة المدنية وخرقا لحق الدفاع، وبالتالي اعتماد الحد الأدنى للأجر، لكن محكمة الاستئناف ردت الدفع بعلة أن الخبير احترم مقتضيات الفصل 63 م قانون المسطرة المدنية والخبرة موضوعية لأن الخبير اعتمد أجرة المثل، وهذا التعليل ليس في محله نظرا لخلو الملف مما يثبت استدعاء المسؤول المدني رغم أنه طرف رئيسي في النازلة والفصل 63 المذكور يوجب على الخبير استدعاء كافة الأطراف ووكلائهم، وخلوه كذلك مما يثبت توصل دفاع الطاعنين بأي إشعار من طرف الخبير كما أن الضحية يمارس مهنة حرة خاضعة للقانون الضريبي، وورثته لم يقدموا للخبيرة الحيسوبية أية تصاريح ضريبية مما يكون معه القرار خارقا للقانون ومعرضا للنقض.[2]

ردت محكمة النقض ما تضمنته الوسيلة من عدم استدعاء الطرف ودفاعه بكون الغاية من هذا الإجراء أي الاستدعاء لحضور إجراءات الخبرة قد تحققت طالما أن طالبة النقض لم تنازع في الضمان وناقشت الوثائق المعتمدة في الخبرة الحسابية.

وقد يحصل أيضا أن يدفع الأطراف بعدم استدعائهم لحضور إجراءات الخبرة المأمور بها رغم أنهم حضروا وتم تسجيل حضورهم في محضر من طرف الخبير المعين، مما يجعل دفعهم غير جدي ولا تأثير له على صحة إجراءات الخبرة ومآلها، طالما أن الغاية من الاستدعاء قد تحققت بحضورهم دون استدعاء، ويبقى ما أثير على غير أساس ويتعين رده.

   وبالتالي تكون محكمة النقض قد ردت هذا الدفع المثار لعدم ارتكازه على أي أساس قانوني أو واقعي سليم، خاصة إذا علمنا أنها نقضت العديد من القرارات بسبب خرق مقتضيات الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية لا سيما الاستدعاء لحضور الخبرة لكونه من الإجراءات الجوهرية التي يترتب على خرقها تضرر مصالح الأطراف.

  • الدفع بعدم تبليغ الأطراف بالحكم التمهيدي القاضي بإجراء خبرة:

ينص الفصل 62 من قانون المسطرة المدنية على أنه: ” يمكن تجريح الخبير الذي عينه القاضي تلقائيا للقرابة أو المصاهرة بينه وبين أحد الأطراف إلى درجة ابن العم المباشر مع إدخال الغاية:

– إذا كان هناك نزاع بينه وبين أحد الأطراف؛

– إذا عين لإنجاز الخبرة في غير مجال اختصاصه؛

– إذا سبق له أن أبدى رأيا أو أدلى بشهادة في موضوع النزاع؛

– إذا كان مستشارا لأحد الأطراف؛

– لأي سبب خطير آخر.

 يمكن للخبير أن يثير أسباب التجريح من تلقاء نفسه.

يتعين تقديم طلب التجريح داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعيين الخبير.

تبت المحكمة في طلب التجريح داخل خمسة أيام من تاريخ تقديمه، ولا يقبل هذا المقرر أي طعن إلا مع الحكم البات في الجوهر.”

حدد الفصل أعلاه أسباب وحالات تجريح الخبير المعين تلقائيا من طرف المحكمة وكذا أجل تقديم طلب التجريح والبت فيه، وفي ذلك ضمانة من ضمانات التقاضي المقررة لصالح الأطراف، لا سيما وأن نتائج الخبرة تكون حاسمة في العديد من القضايا.

وكما هو معلوم مسطريا أن الخبرة تكون بحكم تمهيدي يصدره القاضي ويخضع كغيره من الأحكام لمقتضيات التبليغ وباقي الشكليات المحددة في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية، باستثناء الطعن بالاستئناف الذي يبقى حقا مكفولا إلى حين ممارسته مع الحكم الفاصل في الجوهر عملا بمقتضيات الفصل 140 من نفس القانون.

غير أنه عمليا لا يتم تبليغ الأحكام التمهيدية الصادرة بإجراء خبرة بسبب كثرة القضايا، أو لعلم الأطراف ودفاعهم بصدورها لا سيما في المساطر الكتابية (ملفات المسؤولية التقصيرية نموذجا)، إلا أنه مع ذلك يثار بشأن ذلك العديد من الدفوع بسبب عدم تبليغها.

ولا شك أن فهم أسباب النزول في التشريع يساعد على معرفة الغاية من كل إجراء وضعه المشرع، فالغاية من التنصيص على ضرورة تبليغ الأطراف بالحكم التمهيدي القاضي بإجراء خبرة هي ضمان حقهم في ممارسة التجريح داخل الأجل إن توفرت موجباته، طالما أن ذلك يتم بعد توصلهم بالمقرر القاضي بإجراء خبرة.[3]

إذن نتساءل كيف تعاملت محكمة النقض مع هذا الدفع؟

 بداية اعتبرت محكمة النقض في العديد من القرارات[4] أن عدم تبليغ الأطراف بالحكم التمهيدي الصادر بإجراء خبرة يجعل أجل التجريح مفتوحا بالنسبة إليهم، حتى يتمكنوا من تقديم طلب التجريح في أي مرحلة من مراحل الدعوى.

غير أن ذلك رهين بتمسكهم بحقهم في سلوك مسطرة التجريح ضد الخبير، أما في الحالة التي لا يثير فيها الطرف أي دفع بشأن التجريح، ثم يعيب على الحكم الصادر في الجوهر بكونه لم يتم تبليغه بالحكم التمهيدي الصادر بإجراء خبرة رغم مناقشته لما جاء في تقرير الخبرة ونتائجها وتعقيبه عليها، دون إثارة أي دفع بخصوص تجريح الخبير، يجعل دفعه غير جدي ومآله الرد، وذلك ما كرسته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه بأن الغاية من تبليغ الأمر التمهيدي القاضي بإجراء خبرة هي فتح المجال أمام الأطراف لممارسة مسطرة التجريح في الخبير المنتدب داخل الأجل القانوني، وما دام الطاعن لم يمارس هذا الحق إلى أن أصبحت القضية جاهزة بل وأدلى بملاحظاته حول الخبرة؛ فإنه لم يترتب له أي ضرر من عدم توصله بالحكم التمهيدي[5].

  • الدفع بعدم الإشارة إلى أن القرار صادر عن الهيئة التي ناقشت القضية:

       جاء في النعي على قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية خرق قاعدة مسطرية أضر بأحد الأطراف، والفصل 345 من قانون المسطرة المدنية، بدعوى أن القرار الاستئنافي المذكور ومحضر الجلسة لم يشيرا إلى أن الهيئة التي ناقشت القضية هي نفسها التي أصدرت الحكم، ملتمسا معه نقض القرار المطعون فيه.

       وفي إطار رد محكمة النقض على النعي اعتبرت أن عدم إشارة القرار المطعون فيه ضمن بياناته إلى صدوره عن نفس الهيئة التي ناقشت القضية لا يعيبه في شيء، طالما أن الثابت من خلال محضر الجلسة أنه صدر عن نفس الهيئة القضائية التي ناقشتها، والفرع من الوسيلة على غير أساس.[6]

ثانيا: اشتراط تحقق الضرر للطرف المتمسك بالخرق الشكلي:

ينص الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:” يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين.

يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا.”

انطلاقا من الفصل المذكور يمكن رد مجموعة من الدفوع غير المنتجة التي تعترض المقرر القضائي، وذلك من خلال اشتراط تحقق عنصر الضرر لقبول بعض الدفوع.

  1. الدفع بعدم تضمين بيان مهنة الأطراف في المقال الافتتاحي:

يتضمن الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية بعض البيانات التي يتعين على المدعي تضمينها في إطار تقييد الدعوى ووضع المقال لدى المحاكم حتى يتم قبولها من الناحية الشكلية، إلا أن السؤال المطروح هو هل لتخلف أحد البيانات المذكورة أثر على صحة الطلب؟.

فمن بين الدفوع المثارة بشأن بيانات المقال، حالة عدم ذكر مهنة المدعى عليه، الذي يعتبر في الحقيقة دفعا غير منتج ولا تأثير له على سلامة الدعوى، خاصة إذا لم يثبت الطرف المثير للدفع الضرر الحاصل له من جراء عدم تضمين بيان المهنة.

وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه أن خرق قاعدة لا يشكل سببا من أسباب النقض إلا إذا تضررت مصالح مثير الخرق المذكور، وبيَّن وجه تضرره من ذلك الخرق المزعوم[7].

وفي قرار آخر[8]  اعتبرت أن مثير الخرق عليه عبء إثبات وجه تضرره، إذ جاء في النعي على القرار الاستئنافي ما يلي: “عدم الارتكاز على أساس قانوني، وفساد التعليل الموازي لانعدامه، بدعوى أنه علل ضمه للاستئنافين بإنجاز خبرة مشتركة تهم الإرساليتين موضوع سندي الشحن، والحال أن لكل بضاعة فاتورتها التجارية وسند شحنها والأمر بالتأمين المتعلق بها، والقيمة المؤمن عليها، ووصل تصفية العوار الخاص بها، وعليه فإنه ولئن كان تقرير الخبرة هو الأمر المشترك بين الملفين، إلا أن ذلك لا يعد موجبا للضم، خصوصا أن موجباته هي وحدة الأطراف والسبب والموضوع، مما يناسب التصريح بنقض القرار المطعون فيه.”

وردت محكمة النقض الوسيلة المذكورة بما يلي: “لكن حيث إن الإخلالات المسطرية لا تعد سببا من أسباب النقض، إلا إذا ثبت أنها رتبت ضررا لمن تمسك بخرقها، وفي النازلة الماثلة لم تثبت الطالبتان الضرر الذي أصابهما من جراء استجابة المحكمة لطلب الضم، والوسيلة غير مقبولة.”

  • الدفع بالإشارة إلى (وزارة العدل) في ديباجة الأحكام القضائية:

جاء دستور المملكة لسنة 2011 بأحكام قانونية تسعى إلى ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، تكريسا لاستقلال القضاء، وذلك من خلال إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية يرأسها جلالة الملك وتمكينها من الاستقلال المالي والإداري وتخويل الرئيس الأول لمحكمة النقض مهام الرئيس المنتدب بدلا من وزير العدل تجسيدا لفصل السلط.

وفي إطار العمل القضائي كانت بعض الأحكام والقرارات القضائية تحمل في ديباجتها بعد -المملكة المغربية- عبارة -وزارة العدل- على الرغم من استقلال السلطة القضائية عن وزارة العدل باعتبار هذه الأخيرة جهازا تابعا للسلطة التنفيذية، الأمر الذي استغله طرف من أطراف قرار قضائي صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء كوسيلة للطعن بالنقض نعى فيها على القرار المذكور خرق القانون، لكون القرار جاء مخالفا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.17.45 المؤرخ في 30/08/2017 بتنفيذ القانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام لمحكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، وكذا الفصل 107 من الدستور، وبالتالي بطلان القرار الاستئنافي بعلة أنه ورد بديباجته –وزارة العدل- كما لو كانت سلطة الوصاية على محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، والحال أن هذه الوصاية زالت استنادا إلى الفصل 113 من الدستور وذلك على إثر إحداث المجلس الاعلى للسلطة القضائية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.16.40 المؤرخ في 24/03/2016 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6456 بتاريخ 14/04/2016 الصفحة 3143، معتبرا أن تلك المقتضيات من النظام العام وخرقها يعرض القرار المذكور للبطلان.[9]

ردت محكمة النقض ما جاء بالوسيلة أعلاه بتعليل كالتالي: “لكن حيث إن الخرق المسطري كسبب للنقض مشروط بحصول الضرر لمن يتمسك به، والطاعن لم يدع حصول ضرر أصابه جراء الخلل المسطري المشار إليه في الوسيلة، فهي غير مقبولة”[10].

  • الدفع بعدم تحرير محضر في إطار إجراءات التحقيق:

تعتبر الأبحاث والمعاينة من إجراءات التحقيق التي تلجأ إليها المحكمة لتكوين اقتناعها الصميم والإحاطة بنقط الغموض التي تكتنف النزاع أو العالقة به، وقد نظم المشرع إجراءاتها ضمن قانون المسطرة المدنية في الفصول من 55 إلى 102 كإطار عام والفصول 334 و336 و342 بالنسبة للقضايا المعروضة على محاكم الاستئناف.

ولما كان موضوعنا هو الوسائل التي تعرض على محكمة النقض في إطار النعي على القرارات الاستئنافية، فإنه سبق الطعن بالنقض في قرار استئنافي بإحدى الوسائل مفادها أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه أجرت بحثا للتأكد من حيازة الطاعن للعقار المتصدق به دون الانتقال إلى هذا العقار، وإجراء بحث بعين المكان، وأن المستشار المقرر أجرى بحثا في القضية ولم يحرر أي تقرير فيها، مما يكون معه القرار خارقا لمقتضيات الفصول 334 و335 و342 من قانون المسطرة المدنية.

ردت محكمة النقض هذه الوسيلة معتبرة أنه طبقا للفصل 359 من قانون المسطرة المدنية، فإن الخرق المسطري كسبب للنقض هو الذي يترتب عنه ضرر للطرف المعني، والحال أن الطاعن لم يبين الضرر الذي لحقه من عدم تحرير التقرير المذكور، وما جاء بالوسيلة على غير أساس.[11]

  • الدفع بخرق مقتضيات الفصل 440 من قانون الالتزامات والعقود:

يعتبر الدفع بمخالفة الفصل 440 من قانون الالتزامات والعقود من الدفوع الأكثر شيوعا التي تثار في إطار الجواب على المقالات الافتتاحية المرفقة بصور شمسية للوثائق، وذلك لأجل استبعادها وعدم استفادة المدعي منها، دون المنازعة في مضمونها.

إلا أن محكمة النقض ردت على هذا الدفع المثار في إحدى الوسائل المعروضة عليها بمناسبة البت في طعن بالنقض كالتالي: “لكن حيث إن الطالبة لم تنازع في محتوى الوثائق التي استند عليها الحكم الابتدائي والتي هي عبارة عن صور فوتوغرافية، إذ لا يمكن التمسك بهذا الدفع إلا في مواجهة الأوراق المؤثرة في مسار الدعوى من حيث الإثبات دون غيرها، وأنه ما دامت الطالبة لم تنازع في مضمون هذه الوثائق فيبقى الدفع المذكور غير مؤثر وما بالوسيلة على غير أساس.[12]

وهكذا يتضح الدور المهم الذي تضطلع به محكمة النقض في التقليص من حدة الدفوع التي تحول دون الفصل في جوهر النزاعات وإنهاء الخصومات، لا سيما أن النجاعة القضائية تتطلب البت داخل آجال معقولة، ويبدو أن توظيف عنصر الضرر طبقا للفصل 49 من قانون المسطرة المدنية ومعيار الغاية ومدى تحققهما قد ساعد أيضا في التصدي لمجموعة من الدفوع التي كانت تحول دون البت في جوهر القضايا.  


[1]– قرار محكمة النقض عدد 45/1 الصادر بتاريخ 04 أبريل 2023 في الملف العقاري عدد 1098/1/1/2020، منشور بالموقع الرسمي لمحكمة النقض.

[2]– قرار محكمة النقض عدد 585 الصادر بتاريخ 17 مارس 2022 في الملف الجنحي عدد 10259-60/2021+ 3774/2022، منشور بالموقع الرسمي لمحكمة النقض.

[3]– في هذا الصدد اعتبر الأستاذ نور الدين لبريس أنه وإن كان الفصل 334 من ق م م قد تحدث عن تبليغ الأوامر بإجراءات التحقيق بواسطة بكتابة الضبط، فإنه لا يوجد ضمن ق م م نص يوجب تبليغ الأحكام التمهيدية الآمرة بإجراء التحقيق، أو خبرة للأطراف، مؤكدا أن تبليغها ليس إلزاميا، وأن عدم تبليغها لا ينعكس بأثر سيء على عملية الخبرة، وحتى ما اشار إليه الفصل 56 من ق م م يتعلق فقط بالأمر بالإيداع المسبق لمصاريف الإجراء المطلوب، وكذلك إشارة الفصل 62 الضمنية إلى التبليغ غايتها سريان مهلة خمسة أيام المحددة لتجريح الخبير-حسب هذا النص-، أثر واحد هو عدم سريان أجل تجريح الخبير ولا شيء غير ذلك…- للمزيد من التفصيل: نور الدين لبريس، “نظرات في قانون المسطرة المدنية”، الطبعة الأولى 2012، مطبعة الأمنية، الرباط، ص: 83

[4]– القرار عدد 04 الصادر بتاريخ 03 يناير 2023 في الملف المدني عدد 1975/1/5/2021، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.

[5]– القرار عدد 94/2 الصادر بتاريخ 29 يناير 2015 في الملف الإداري عدد 2788/4/2/2014، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.

[6]قرار صادر بتاريخ 29- 06-2017 في الملف التجاري عدد 826/3/1/2016، غير منشور.

[7] القرار عدد 62 الصادر بتاريخ 19 يناير 2023 في الملف الإداري عدد 1773/4/1/2022، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.

[8]قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 18- 10–  2018 في الملف التجاري عدد 65/3/1/2017، غير منشور.

[9]– للمزيد من الاطلاع: ذ/ رضى بلحسين، “الإشارة إلى وزارة العدل في ديباجة الأحكام لا تأثير له على صحتها”، مقال منشور على الصفحة الفايسبوكية jurispresso.

[10]– القرار عدد 80 الصادر بتاريخ 10 فبراير 2022 في الملف عدد 700/3/3/2020،أورده الأستاذ رضى بلحسين، “الإشارة إلى وزارة العدل في ديباجة الأحكام لا تأثير له على صحتها”، مقال منشور على الصفحة الفايسبوكية jurispresso.

[11]– القرار عدد 85 الصادر بتاريخ 16 فبراير 2021 في الملف الشرعي عدد 884/2/1/2018، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.

[12]القرار عدد 133/2 الصادر بتاريخ 31 يناير 2019 في الملف الإداري عدد 617/4/2/2017، منشور بالمنصة الرقمية لمحكمة النقض.

ظهرت المقالة دور محكمة النقض في رد الدفوع غير المنتجة أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1548/%d8%af%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%b6-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d9%88%d8%b9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%ac/feed/ 0
المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي https://www.aljami3a.com/1545/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a-%d9%88%d8%a7/ https://www.aljami3a.com/1545/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a-%d9%88%d8%a7/#respond Sun, 23 Jun 2024 19:21:17 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1545 المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي إن أول حق ظهر هو حق التملك بعد ان مارس الإنسان الزراعة عليها وغرس الأشجار فيها، كمورد للعيش والرزق والتمتع بالحلال الطيب منها لذا تمسك الإنسان بأرضه للدفاع عنها ومع تطور الحياة البشرية وممارسة بعض الحرف الأخرى، أصبح لبعض الناس أراضي تحتاج إلى إصلاح وغرس  ولم تكن لهم الخبرة والتجربة والمال للقيام بذلك مما اضطرهم إلى التعاقد مع الغير للقيام بذلك بشرط جزء من الأرض والشجر ومن هنا ظهر عقد المغارسة  حيت إن التنظيم القانوني السائد قبل صدور مدونة الحقوق العينية لم يولي هذا العقد أي  اهتمام سواء من خلال ظهير2 يونيو 1915 أو قانون الالتزامات والعقود لم يتطرقا إلى هذا العقد تاركين الأمر للمقتضيات الفقه المالكي، ورغبة من المشرع المغربي في تنظيم هذا النوع من العقود الذي أضحى يشكل قاعدة مهمة باعتباره سببا من أسباب كسب الملكية والأكثر تداولا، خاصة في الأراضي الفلاحية التي تمتاز بشساعة مساحتها لذلك كان واجبا على المشرع إقرار نصوص قانونية للنظيم هذا العقد وفض المنازعات المثارة أمام القضاء بشأنه ،وفي سنة 2011 أقر المشرع بهذا المولود القانوني الجديد ذو الحمولة الفقهية بموجب مدونة الحقوق العينية من خلال تنظيم قانوني لهذا العقد  ضمن مقتضيات الفصل الأول من الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثاني المعنون بالأسباب كسب الملكية والقسمة وذلك من المواد 265 إلى 272 من قانون39.08 وللمناقشة هذا العقد والغوص في أحكامه كان لازما علينا معالجته من المنظور الفقهي  خاصة الفقه المالكي والمنظور التشريعي.         المبحث الأول: الأحكام العامة للعقد المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي          المبحث الثاني: الآثار المترتبة على عقد المغارسة بين الفقه المالكي والتشريع المغربي               ...

ظهرت المقالة المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي أولاً على aljami3a.com.

]]>
المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي

إن أول حق ظهر هو حق التملك بعد ان مارس الإنسان الزراعة عليها وغرس الأشجار فيها، كمورد للعيش والرزق والتمتع بالحلال الطيب منها لذا تمسك الإنسان بأرضه للدفاع عنها ومع تطور الحياة البشرية وممارسة بعض الحرف الأخرى، أصبح لبعض الناس أراضي تحتاج إلى إصلاح وغرس  ولم تكن لهم الخبرة والتجربة والمال للقيام بذلك مما اضطرهم إلى التعاقد مع الغير للقيام بذلك بشرط جزء من الأرض والشجر ومن هنا ظهر عقد المغارسة  حيت إن التنظيم القانوني السائد قبل صدور مدونة الحقوق العينية لم يولي هذا العقد أي  اهتمام سواء من خلال ظهير2 يونيو 1915 أو قانون الالتزامات والعقود لم يتطرقا إلى هذا العقد تاركين الأمر للمقتضيات الفقه المالكي، ورغبة من المشرع المغربي في تنظيم هذا النوع من العقود الذي أضحى يشكل قاعدة مهمة باعتباره سببا من أسباب كسب الملكية والأكثر تداولا، خاصة في الأراضي الفلاحية التي تمتاز بشساعة مساحتها لذلك كان واجبا على المشرع إقرار نصوص قانونية للنظيم هذا العقد وفض المنازعات المثارة أمام القضاء بشأنه ،وفي سنة 2011 أقر المشرع بهذا المولود القانوني الجديد ذو الحمولة الفقهية بموجب مدونة الحقوق العينية من خلال تنظيم قانوني لهذا العقد  ضمن مقتضيات الفصل الأول من الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثاني المعنون بالأسباب كسب الملكية والقسمة وذلك من المواد 265 إلى 272 من قانون39.08 وللمناقشة هذا العقد والغوص في أحكامه كان لازما علينا معالجته من المنظور الفقهي  خاصة الفقه المالكي والمنظور التشريعي.

        المبحث الأول: الأحكام العامة للعقد المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي

         المبحث الثاني: الآثار المترتبة على عقد المغارسة بين الفقه المالكي والتشريع المغربي

               المبحث الأول: الأحكام العامة للعقد المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي

             المطلب الأول: مفهوم المغارسة ومشروعيتها وخصائصها

تعريف المغارسة لغة: المغارسة على وزن مفاعلة الأصل فيها أن تكون من لفعل الغرس من اثنين كالمناظرة والمخاصمة فمقتضى لفضها أن يكون كل واحد يغرس لصاحبه وليس ذلك مرادا في حقيقتها وإنما الغارس أحدهما، ومن الأخر الأرض، تحمل على العقد وهي تثبيت الشجر في الأرض[1]

عرفها ابن منظور في لسان العرب: يقال غرس الشجر والشجر يغرسها غرسا: أثبته في الأرض، فهو مغروس وغريس ويقال للنخلة أو ما تنبت غريسة، والغرس: اغرسك الشجر، والغراس: زمن الغرس، والمغرس: موضع الغرس والغراس ما يغرس من الشجر. [2]

قال ابن فارس: غرس الغين والراء والسين أصل صحيح من لذي قبله يقال غرست الشجر غرسا وهذا زمن الغراس. [3]

تعريف المغارسة اصطلاحا:

جاء في بداية المجتهد ونهاية المقتصد وهي عند مالك أن يعطي الرجل أرضه لرجل ليغرس فيها عددا من الثمار معلوما فإذا استحق الثمر كان للغارس الجزء المتفق عليه.[4]

وعرفها ابن عرفة في كتابه الحدود بأنها جعل وإجارة وذات الشركة في الأصل: وعلق الإمام الرصاع على ذلك بقوله أن الشيخ لا يتوهم أنه ذكر ذلك حدا للمغارسة فإن ذلك ليس بحدا لها وإنما تقسيم لها وغايته أنه بين لأنها تارة تكون إجارة وتارة جعالة وتارة شركة في الأصول فإن اشترط رجل على أن يغرس له  نخلا في الأرض وماتنت منه أخد فيه جعلا مسمى فهي جعالة وله الترك وإن اشترط إجارة على جزء من أصل جاز كما إذا قال اغرس لي أرضي نخلا بطائفة من أرض أخرى فهذه إجارة وإذا قال اغرسها نخلا أو شبهها على قذر كذا والأرض والشجر بينهما فذلك أيضا مغارسة وهذا شامل للفاسدة والصحيحة، والفاسدة فيها نزاع والمغارسة لها حكم وسنة تخصها فليست  بمحض إجارة ولا جعالة لاشتبهت الإجارة للزوم عقدها وتشبه الجعالة لوقوف عوضها على ثبوت الغرس فإن قلت هلا عرف الشيخ  رحمه الله المغارسة بقوله :عقد على تعمير الأرض بشجر بقدر معلوم كالإجارة أو كالجعالة أو بجزء من أصل وذلك يجمع أصنافها الصحيحة والفاسدة.[5]

وكذلك قول ابن عاصم في فصل الاغتراس

والاغتراس جائز لمن فعل ****ممن له البقعة أو له العمل

عرفها الشافعية: بأن يسلم إليه أرضا ليغرسها من عنده والشجر بينهما [6]

عرفها الحنابلة بأنها: دفع ارض وشجر غير مغروس لمن يغرسه ويعمل على جني ثمر بجزء مشاع معلوم منه أومن ثمره أو منهما [7]

التعريف القانوني: تطرق المشرع المغربي لتعريف عقد المغارسة ضمن مقتضيات المادة 265 من مدونة الحقوق العينية: المغارسة عقد يعطي بموجبه مالك أرضه لآخر ليغرس فيها على نفقته شجرا مقابل حصة معلومة من الأرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ الشجر حد الإطعام. وبالتالي يكون المشرع المغربي قد ساير مقتضيات الفقه المالكي فيما يتعلق بتعريف عقد المغارسة                                                                                                       

وبالرجوع إلى المادة 265 من مدونة الحقوق العينية نصت على أنه لا يمكن أن يكون محل عقد المغارسة حقوقا مشاعة وبالتالي فالمشرع المغربي استثنى الحقوق المشاعة من أن تكون محلا للعقد المغارسة حماية للغارس من الشياع. وأيضا المادة 102 من مدونة الأوقاف التي نصت على: لا يجوز إعطاء أرض الوقف بالمغارسة وكان للمحكمة النقض قرار في هذا الامر تحت عدد 2707 المؤرخ في 25/07/2007 الملف المدني عدد 2006/1/1/3378 حبس الأراضي الخالية من البناء –كراء الأمد المتوسط –التزام المكتري بالغرس –عقد المغارسة لا –التزام الأحباس بتمليك المكتري ثلث الأرض المغروسة – بطلان نعم.        وكان للتشريع المقارن تعريفات مختلفة متأثرة إلى حد كبير بالمذهب السائد في ذلك البلد عرفها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 في مادته 824 المغارسة عقد على إعطاء أحد أرضه إلى آخر ليغرس فيها أشجارا معلومة ويتعين ترتيبها مدة معلومة على أن تكون الاشجار والأرض او الاشجار وحدها مشتركة بينهما بنسبة معينة بعد انتهاء المدة.

مشروعية المغارسة

من القرآن:

          قال تعالى: }أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون{.[8]صدق الله العظيم

من السنة:

المغارسة مندوب إليها، مرغب فيها فقد روى الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: }ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل منه السبع فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة{.[9]

من القياس: قول ابن رشد على إن مغارسة الرجل لرجل أرضه البيضاء على أن يغرسها أصولا بجزء منها جائزة جوزها أهل العلم قياسا على مالا جوزته السنة من المساقاة كما جوزوا قياسا عليها بناء الرحى الخربة بجزء منها فهي سنة على حيالها ليست بإجارة محضة ولا جعال محض، الانها اخدت بشبه منهما جميعا من حيت الزوم وثبوت الغرس [10]  

خصائص عقد المغارسة

على غرار باقي العقود يتميز عقد المغارسة بجملة من الخصائص منها ما يتقاطع مع باقي العقود الأخرى ومنها ما يشكل جوهر هدا العقد.

عقد المغارسة ملزم للجانبين من خلال التزام كل طرف في هده العلاقة التعاقدية بالقيام بالعمل المنوط به ويحق لكل طرف الامتناع عن القيام ما التزم به متى نكل الطرف الاخر أو تقاعس عن القيام بما هو ملتزم به، وقد قضي القضاء المغربي “بأن المغارسة عقد يتم برضاء الطرفين وهو عقد يشترط فيه ما يشترط في العقود الرضائية، والمحكمة لما اعتبرت عقد المغارسة قائم بين الطرفين، ولم تبرز في قرارها الأساس والقواعد القانونية والفقهية الواجبة التطبيق تكون جعلت قرارها ناقص التعليل، وغير مرتكز على أساس ومعرض للنقض [11]

عقد المغارسة من العقود الزمنية أي ان آثاره تتمادى في المستقبل، دلك أن المغارس لا تنتهي التزاماته بمجرد القيام بعملية الغرس بل يجب عليه أن ينتظر إلى تحقق الإثمار وهدا من الخصائص المقررة سواء في الفقه المالكي أو مدونة الحقوق العينية.

عقد المغارسة من العقود المعاوضة والعوض يختلف من عقد لأخر حسب محله وفي هدا العقد العوض هو الثمار ونصيب من الأرض، بالنسبة للمغارس الذي يغرس الغرس له نصيب من الأرض، وصاحب الأرض له نصيب من الثمار وإصلاح الملك والعناية به من قبل الغارس، بالنسبة إلى مالك الأرض.

عقد المغارسة لم تدرجه مدونة الحقوق العينية ضمن تصنيف الحقوق العينية بموجب المادة 272 وإنما قيدته أو ربطته بشرط تحقق الإطعام والإشهاد به في محرر رسمي، وعن طريق الإثبات بواسطة خبرة قضائية، مما يدل على طبيعة عقد المغارسة أنه يتميز بخاصية الازدواجية من حيت تصنيف العقد من العقود العادية أم العينية ودلك بتحقق الإثمار من عدمه.[12]

             المطلب الثاني: أركان وشروط عقد المغارسة:

يعتبر الركن ذلك العمود الذي يقوم عليه أي عقد وهو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم أي الركن ما يدخل في ماهية الشيء.

والركن في ماهـية قد ولجا ****والـشـرط عـن الماهـية قد خرجـا

أجمع الفقهاء المالكية على ثلاثة أركان للعقد المغارسة وهي:

الصيغة: تكون إما باللفظ المغارسة أو ما يدل عليها عرفا.

العاقدان: وهما صاحب الأرض والمغارس وشرطهما الأهلية الدالة على الرضا، الذي يجب توفره في جميع عقود المعاوضات بأن يكون كل من العاقدين بالغا عاقلا غير محجور عليه وعقد السفيه والصغير المميز والمحجور عليه متوقف على وليه، فإن رأى مصلحة أمضاه وإلا رده

العمل والصحة: والعمل على ثلاث أنواع إجارة محضة مغارسة على وجه الجعل المغارسة بمعنى المشاركة وهي المغارسة المعهودة[13]

هذا في ما يتعلق بالأركان على المستوى الفقهي أما في ما يتعلق بالجانب القانوني يجب الرجوع إلى الشريعة العامة المادة الثانية من قانون الالتزامات والعقود والتي حصرت أركان العقد  في ركن الأهلية للالتزام  والتعبير الصحيح عن الإرادة ومحل لالتزام والسبب المشروع إضافة إلى ركن الشكلية في هذا العقد وهذه الأركان التي  بزوالها لا يمكننا الحديث عن عقد المغارسة، والتي رتب المشرع المغربي بموجب المادة 306 من ظهير الالتزامات والعقود جزاء البطلان في حالة نقص ركن من الأركان وبالتالي تكون المقتضيات القانونية والفقهية موحدة الأحكام  في ما يتعلق بأركان عقد المغارسة.

   شروط عقد المغارسة

الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، وهو عن الماهية قد خرجا وشروط المغارسة تعددت بين الأحكام الفقهية والتشريعية.

1_أن يكون الغرس مما يطول مكثه: من خلال هذا الشرط يتضح أن محل اعقد المغارسة يجب أن يكون شجرا مما يمكث طول السنين وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 265 من مدونة الحقوق العينية نصت على أنه.. ليغرس فيها شجرا… وقول خليل في هذا الباب ندب الغرس وجازت المغارسة في الأصول أو ما يطول مكثه، لا تكون المغارسة إلا بغرس شجر له أصل يبقى في الأرض سنين كنخل ورمان وقطن، لا بما ليس له أصل يبقى كبقل وزرع[14]

2- بيان ما يغرس فيها من الأشجار: من خلال هذا الشرط أو جب المشرع والفقه على الغارس تحديد الشجر المراد غرسه وذلك ما نستشفه من خلال مقتضيات المادة 268 ويشترط أن يعين الشجر المراد غرسه وبالرجوع إلى مقتضيات الفقه المالكي بيان ما يغرس فيها من الأشجار نوعا لا عددا إدا غير معلوم عندهم وإلا فلا يلزمه بيانه. [15]

3- تحديد مدة الغرس: أن لا يضرب له أجل سنين كثيرة فإن ضرب له أجلا فاق حد الإطعام لا يجوز كذلك أن يقل عن حد الإطعام ونفس الأمر نصت عليه المادة 266 من مدونة الحقوق العينية لا يجوز اشتراط أجل يتجاوز أو يقل عن حد الإطعام تحت طائلة البطلان وقول خليل في حالة السكوت يحمل على حدا لإطعام.  

4- بيان حصة الغارس: ولعل الغاية من هذا الشرط هو التصدي للعقود الغرر من خلال   ما نصت عليه المادة 265 من مدونة الحقوق العينية. مقابل حصة معلومة من الأرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ الشجر حد الإطعام. وكذلك المادة 268 ويببن حصة الغارس في الأرض وفي الشجر. وقول ابن عاصم في هذا الباب

والحد في خدمته ان يطعما**** ويـقع القـسـم بجزء عـلمـا

5- أن يكون القدر المشترط له في الأرض والشجر: ان تكون حصة الغارس مقابل عمله من الأرض والشجر وهذا ما يميز عقد المغارسة بين المالكية والشافعية ونصت المادة 268.. ويبين حصة الغارس في الأرض والشجر وإن كانت الأرض دون شجر أو العكس فهذا ليس بمغارسة عند مالك ولا حتى في إطار قانون .39.08

6- أن تحدد المدة التي ينجز فيها الغارس عمله، وإذا لم يتم تعين تاريخ الشروع في الغرس فإنه طبقا للمادة 269 من مدونة الحقوق العينية تعين على الغارس ان يقوم بالتزاماته الخاصة ذلك قبل انصرام سنة من تاريخ إبرام العقد، ويترتب عن عدم شروعه في هذا الأجل فسخ العقد بقوة القانون.

7- ضرورة تحرير عقد المغارسة في محرر رسمي: بموجب المادة 268 نصت على أنه يجب أن يبرم عقد المغارسة في محرر رسمي. وبذلك يكون المشرع حصر الأشخاص المخول لهم تحرير عقد المغارسة دون فسح المجال أما العقود العرفية أو العقود العرفية ثابتة التاريخ. والمشرع أوجب تحرير هذا العقد سواء عقد المغارسة أو عقد الإشهاد على تحقق الإطعام في محرر رسمي.

8-لا يجوز في عقد المغارسة أن يشترط على العامل عمل زائد خارج عن غرس الشجر والقيام به وفيما يتعلق بالشروط الأخرى جازها الفقه المالكي شريطة ألا تثقل كاهل الغارس خاصة أنه لازال لم يضمن حقه العيني وأنه في أي وقت مهدد بآفة تلحق ما غرس وبالتالي فإن الشروط المرهقة والمثقلة لا تجوز في عقد المغارسة كبنيان جدار حول الأرض أو حفر بئر وهنا قد ينتفع رب الأرض بهذا البنيان دون الغارس في حالة الهلاك الشجر قبل تحقق شرط الإطعام. وكان لنا قول ابن عاصم في هذا الباب:

وشـرط ما يـثـقـل كالجدار ****مـمتـنع والعكـس أمر جار

   المبحث الثاني: الآثار المترتبة على عقد المغارسة

يترتب على عقد المغارسة العديد من الآثار سواء قبل تحقق شرط الإطعام أو بعده وهذه الآثار قد تكون متعلقة بمحل المغارسة أو بأحد طرفيها، وكان لنا في الفقه المالكي مراجعا في غاية في الأهمية من أجل الإحاطة بكافة الآثار المترتبة على هذا العقد وسنحاول تحليلها من الجانب الفقهي والتشريعي.

           المطلب الأول: آثار عقد المغارسة في حالة هلاك الشجر

في حالة هلاك الشجر قبل بلوغ الشجر حد الإطعام: نصت المادة 271 من مدونة الحقوق العينية على أنه إذا هلك الشجر قبل بلوغ الشجر حد الإطعام فلا حق للغارس إلا في حدود ما اتفق عليه أو بما يقضي به العرف المحلي. وكان الفقهاء المالكية محل إجماع على أن المغروسات إذا خابت قبل انتهاء مدة العقد فليس للعامل شيء[16] لأن المغارسة من باب الجعل والعامل في الجعالة لا شيء له إلا بتمام عمله،[17] وكذلك قول ابن عاصم الغرناطي في باب المغارسة.

ولـيـس للعــامل مما عـمـلا***شيء إلا ما جعـله اجلا

ولا شيء للعامل في أرض أو شجر حتى يبلغ الغرس ما شرطاه وقول المتيطي والفشتالي وغيرهما على أنه إذا بطل الغرس بحرق ونحوه فمن حق العامل ان يعيده مرة أخرى وقول البرزلي يمكن لأن يعيده أبدا إلى أن يتم أو ييأس منه [18] وبالتالي سواء ثم القضاء استنادا إلى مقتضيات الفقه المالكي أو التشريع المغربي نجد أن الحكم واحد وهو في حالة الهلاك الشجر قبل بلوغه حد الإطعام لا يستحق الغارس شيء إلا في حدود الاتفاق المسبق أو العرف المحلي غير أن الفقه المالكي أجاز إعادة الغرس مرة أخرى.

 في حالة هلاك الشجر كله أو جله بعد بلوغ الشجر حد الإطعام: نصت المادة 271 على أنه إذا هلك جميع الشجر أو جله بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي بعد بلوغه حد الإطعام اعتبر أن الغارس وفى بالتزاماته واستحق الحصة المتفق عليها في الأرض. والمشرع المغربي من خلال مقتضيات هذه المادة ساوى بين الهلاك الكلي أو البعض فقط سواء كان سبب قوة قاهرة أو حادث فجائي والقوة القاهرة حسب ماورد في الفصل 269من قانون الالتزامات والعقود هيكل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه. كالظواهر الطبيعية والفيضانات الجفاف وغيرها ويكون من شانها ان تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا وبالتالي فالمشرع في هذه الحالة اعتبر الغارس وفى بالتزاماته ويستحق حصته في الأرض إذا كان فعلا الشجر بلغ حد الإطعام ونفس النهج كان سباقا له من طرف الفقه المالكي في قوله فلو احترق الغرس أو طرأت عليه آفة قبل القسم فإن الأرض تكون بينهما لأن العامل قد استحق نصيبه منها بتمام الغرس[19] وقول ابن سلمون إذا بلغ الحد المشترط وجب للعامل حظه. فإن بقيا لم يقتسماه واحترق الغرس أو طرأت عليه آفة فإن الأرض بينهما.[20]

من خلال ما سبق يمكن القول إن الفقه المالكي والتشريع المغربي أقر نفس الأحكام المتعلقة بحالتي هلاك الشجر كله أو جله قبل تحقق شرط الإطعام او بعده غير أن الفقه المالكي كانت له أحكام جامعت للحالة الهلاك من خلال إقرار إمكانية إعادة الغرس مرة أخرى إلا أن ييأس.

          المطلب الثاني: آثار عقد المغارسة في حالة وفاة الغارس قبل تحقق شرط الإطعام أو بعده

-لم يتطرق المشرع المغربي للحالة العجز أو الوفاة بالنسبة للغارس قبل بلوغ الشجر حد الإطعام ،بالنسبة للوفاة الغارس قبل بلوغ الشجر حد الإطعام  خاصة وأنه في هذه المرحلة لازال الغارس لم يكسب حقه العيني الذي قد ينتقل إلى ورثته و المقترن ببلوغ الشجر حد الإطعام وضرورة الإشهاد به في محرر رسمي ومدام الشرع لم يتطرق إلى هذه الحالة فكان لازما الرجوع إلى مقتضيات المادة الأولى  من مدونة الحقوق العينية تطبق مقتضيات  الظهير الشريف بمثابة الالتزامات والعقود  في مالم يرد به نص في هذا القانون، فإن لم يوجد نص  يرجع إلى الراجح والمشهور وماجري به العمل  من الفقه المالكي.

تعتبر الوفاة أو الهلاك واقعة قانونية ولكل إنسان أجل مسمى حيت إن وفاة الغارس قبل تحقق الإطعام ثير العديد من المنازعات في إطار غياب نص قانوني واضح يؤطر هذه المسألة وبالرجوع إلى أحكام الفقه المالكي أقرو على أنه في حالة وفاة الغارس قبل بلوغ الشجر حد الإطعام أجاز الفقه الملك للورثة  الهالك أن يقوموا مقامه في العناية بذلك الغرس إلى غاية بلوغه حد الإطعام واكتسابهم الحق العيني حيث جاء في توضيح الأحكام على تحفة الحكام للعلامة التحرير والدراكة الشهير عثمان المكي التوزري الزبيدي في الجزء الثالث من الطبعة الأولى بأنه إذا مات عن ورثة فلهم أن يقوموا مقامه إلى تمام العمل [21] وكذلك نفس المقتضى جاء به ميارة الفاسي  بأنه لو مات عن ورثة كانوا أحق بعمله أو يتركه ونقل عن ابن رشد أن ذلك جائز ولا كلام لرب الأرض في ذلك إن أدخل في المغارسة غيره على شيء يأخذ منه [22] غير أنهم لا يجبرون على ذلك إن لم يكونوا يحسنون الزراعة أو غير قادرين عليها، هذا في الحالة العادية، مالم تكن طبيعة الالتزام أوالفانون أو الاتفاق تمنع الورثة من إتمام ذلك العمل الذي قام به مورثهم هنا يستحقوا تعويضا يتلاءم و ما قام به مورثهم في حياته كما في نص الفصل 229من قانون الالتزامات و العقود على أن الالتزامات تنتج أثرها ليس بين المتعاقدين فحسب ولكن أيضا بين ورثتهما وخلفائهما مالم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام أوعن القانون ومع ذلك فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم وإذا رفض الورثة التركة لم يجبر وعلى قبولها ولا على تحمل ديونها وفي هذه الحالة ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم. بالمقابل المادة 329  من مدونة الأسرة منعت التنازل عن تركة للغير لكن في حالة كون أحد ورثة الغارس قاصر أو فاقدا للأهلية يجب الرجوع إلى أحكام مدونة الأسرة والقواعد العامة ومقتضيات الفقه المالكي مالم يرد به نص، استنادا إلى المادة 400 من مدونة الأسرة والمادة 1 من مدونة الحقوق العينية.

وكان التشريع العراقي نظم هدا المقتضى بموجب المادة 831 من القانون المدني العراقي على أنه لا ينفسخ عقد المغارسة بموت أحد الطرفين بل يقوم ورثة كل منهما مقامه غير أنه إذا كان ورثة المغارس غير قادرين على الاستمرار في المغارسة كان لرب الأرض حق الفسخ على أن يعوض الورثة عما يصيب مورثهم من قيمة الأشجار قائمة مع التعويضات الأخرى إن كان لها وجه.

-حالة وفاة الغارس بعد بلوع الشجر حد الإطعام وأشهد به الطرفان ما ينبغي الإشارة إليه أن عقد المغارسة بمجرد تحقق الإطعام وأشهد به الطرفان إما في محرر رسمي أو ثبت بخبرة قضائية مصادق عليها من طرف المحكمة يرتب حقا عينيا وذلك ما نصت عليه المادة 272 من مدونة الحقوق العينية وهذه الحقوق العينية إما أصلية أو تبعية وأن هذا الحقوق العينية تنتقل إما عن طريق الوقائع القانونية أو التصرفات القانونية. وإذا تعلق الأمر بعقار محفظ يجب تسجليه في الرسم العقاري بالمحافظة العقارية مالم يسبق له تقيد حقه تقيدا احتياطيا هنا يجب تقيده تقيدا نهائيا أما إذا كان موضوع المغارسة عقار غير محفظ وجب تسجليه بالسجل الممسوك لدى كتابة ضبط موقع العقار موضوع المغارسة.

فسخ العقد بسبب العذر

إذا عجز المغارس عن إتمام العمل لسبب من الأسباب كالمرض أو ضعف قدرته المادية أو اراد سفرا، او تطوع للجهاد أو أي مانع منعه من إتمام العمل فله أن يأتي بعامل بدله يكمل العمل نيابة عنه على أن تكون حصة العامل الجديد لا تزيد عن أصل حصته المتفق عليها أو أقل منها ليستفيد هو مما عمل سابقا، فإن لم يستطع ذلك أتى صاحب الأرض مكانه من يتم عمله بأجرة استأجره عليها، أو يعمل ذلك بنفسه  وعلى العامل الأول تحمل تلك الأجرة   إذا كانت معقولة ومما يتعارف عليها الناس وليس فيها إسراف [23]وإذا ترك العامل القيام بالشجر دون أن يسلم الأرض، فتولى رب الأرض العمل، أو أتى بمن يعمل ،ثم رجع العامل الأول، فهو أحق بالإتمام  ويعطي من قام عنه بعمل تكلفة وأجرة ما عمل [24] .

أغفل المشرع المغربي تنظيم بيع الحقوق أو تنازل عليها قبل انتهاء العقد وكانت مناط اختلاف بين الفقهاء المالكية حول جواز قيام المغارس ببيع حقوقه أو التنازل عنها لغيره قبل انتهاء العقد، فمنعها ابن الحاج من المالكية معللاً ذلك أن المغارسة من باب الجعل الذي لا يصح للجاعل شيء إلا بتمام العمل لا يجب له نصيب إلا أن يبلغ الشباب المتفق عليه [25]. وقاسها آخرون على المساقاة فجوزوها، فقد سئل ابن رشد عمن يغرس الأرض بجزء معلوم فلقح غرسه ويقوم عليه العام والعامين ثم يعجز فيريد أن يبيعها من رب الأرض أو يعطيها له أو لغيره يجزيها الذي أخذها به يقوم عليها إلى تمام العمل هل يجوز أم لا؟ وكيف لو منعه رب الأرض من ذلك؟ فأجاب: ذلك كله جائز ولا مقال لرب الأرض في إدخال غيره في المغارسة عنه بشيء يأخذه منه[26]وإليه دهب آخرون من فقهاء المالكية المتأخرين[27] في نفس المقتضى نصت المادة 829 من القانون المدني العراقي على أنه يجوز للمغارس أن يتنازل عن حقوقه لآخر بعوض أو بدونه قبل انقضاء المدة بإذن من رب الأرض فإذا لم يأذن رب الأرض كان عليه أن يقبل تلك الحقوق بثمن مثلها ذا طلب المغارس ذلك.

وأجاز الحنابلة لصاحب الأرض أن يبيع نصيبه من الغرس ولو لم تتم المدة لأن البيع المشاع صحيح والمشتري يقوم مقامه في إتمام الشروط المنصوص عليها في العقد.[28]

خلاصة:

المغارسة عقد مستقل عن المزارعة والمساقاة بالرغم من التداخل التقاطع في العديد من الأحكام.

عقد المغارسة نظمه المشرع المغربي بأحكام قانونية ضمن مدونة الحقوق العينية وألبسه لباس الفقه المالكي.

المشرع المغربي لم يقتصر في تنظيمه لهذا العقد ضمن مدونة الحقوق العينية فقط وإنما فسح المجال أمام الأحكام العامة للقانون المدني وكذلك الفقهي المالكي في مالم يرد به نص.

المذاهب الفقهية باستثناء المالكية، وإن قالت بجواز مآل المغارسة شركة في الشجر والثمر فقط ولم تجز أن يكون مآلها شركة في الأرض والشجر. لكن واقع الحال أنهم جميعا في ماعدا الشافعية قد وافقوا عمليا على المآل الذي دهب إليه المالكية. شركة في الأرض والشجر إما بفتوى بعض علمائهم أو بإيجاد الحيل الشرعية المؤدية إلى ذلك.

                                                                          انتهى بحول الله.

                             لائـــــــــــــــــــــــــــحـــــــــــة المـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراجــــــــــــــــــــــــــــــع:

  • الغرياني، الصادق عبد الرحمن مدونة الفقه المالكي وأدلته، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع بيروت 2002
  • ابن منظور، محمد بن مكرم لسان العرب، دار صادر بيروت 1955
  • ابن فارس، مقايس اللغة، دار الفكر1979 
  • ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار الفكر بيروت،1995
  • الرصاع، أبو عبد الله بن قاسم الأنصاري الهداية الكافية الشافية لبيان الحقائق الإمام ابن عرفة الوافية، تحقيق محمد أبو الأجفان، طاهر العموري، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1993
  • الشربيني، محم بن أحمد الخطيب مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المناهج دار الفكر بيروت بدون تاريخ
  • البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار الكتب العلمية بيروت.
  • ابن رشد، أبو الولد محمد بن احمد القرطبي، البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في المسائل المستخرجة، تحقق احمد الحبلبي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1985
  • عثمان بن المكي التوزري الزبيدي، توضيح الاحكام على تحفة الحكام، الجزء الثالث الطبعة الأولى تونس 1339
  • محمد بن أحمد بن محمد، شرح ميارة الفاسي على تحفة الحكام في نكت العقود والاحكام لابن عاصم الأندلسي، دار الكتب العلمية بيروت 2000
  • الونشريسي، احمد بن يحي، المعيار المغرب والجامع المقرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي بيروت، 1981
  • التسولي، علي بن عبد السلام، البهجة في شرح التحفة، المطبعة البهية مصر1314هـ
  • ابن سلمون بن سلمون بن عبد الله الغرناطي، العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام، القاهرة 1301هـ
  • فتاوى البرزلي، جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب الإسلامي بيروت 2002
  • العاصمي عبد الرحمان بن قاسم النجدي، الدرر السنية في الأجوبة النجدية      الطبعة الخامسة، بيروت 1998
  • العربي مياد، الحقوق العينية الأصلية والتبعية، دار الطباعة والنشر، الرباط 2021.

[1]الغرياني مدونة الفقه المالكي وأدلته الجزء الثالث مطبعة الريان الصفحة 597

[2] ابن منظور لسان العرب مادة الغرس الجزء السادس الصفحة 154

[3] ابن فارس مقاييس اللغة الجزء الرابع الصفحة 417

[4] ابن رشد بداية المجتهد ونهاية المقتصد الجزء الرابع الصفحة 20

[5] الرصاع شرح حدود ابن عرفة الموسم الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة القسم الأول. مطبعة دار الغرب الإسلامي. الصفحة 517

[6] الشربيني. محمد بن احمد الخطيب. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المناهج دار الفكر بيروت الجزء الثاني الصفحة 324

[7] البهوتين، الروض المريع شرح زاد المستنقع الجزء الثاني الصفحة 227

[8] سورة الواقعة الآية 64/62

[9] صحيح مسلم المساقات باب فصل الغرس والزرع رقم 1553، رواه مسلم عن جابر

[10] ابن رشد الجد البيان والتحصيل الجزء الخامس عشر الصفحة 404

[11] قرار المجلس “الأعلى محكمة النقض «عدد 166 بتاريخ 18 يناير 2006 في الملف المدني عدد 2519//1/3/2004 منشور من طرف عثمان الشعباني: أحكام عقد المغارسة في ضوء مدونة الحقوق العينية ط2018 عن مطبعة د\ار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط

[12] العربي مياد، الحقوق العينية الأصلية والتبعية طبعة 2021 الصفحة 193

[13] الغرياني مرجع سابق الصفحة 598

 [14] الغرياني مرجع سابق ص 599

[15] عثمان بالمكي التوزري الزبيدي توضيح الأحكام على تحفة الحكام الجزء الثالث الطبعة الأولى مطبعة تونسية ص 178

[16] ميارة الفاسي. شرح الإتقان والإحكام للتحفة الحكام الجزء الثاني الصفحة 195

[17] الونشريسي. أحمد بن يحي المعيار المغرب والجامع المقرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب تحقيق محمد حجي دار الغرب الإسلامي بيروت 1971م الجزء الخامس الصفحة 98

[18] التسولي. البهجة في شرح التحفة الجزء الثاني الصفحة 326

 

[20] ابن سلمون سلمون بن علي بن عبد الله الغرناطي العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام القاهرة 1301 ه الجزء الثاني الصفحة 24

[21] عثمان المكي التوزري الزبيدي مرجع سابق الصفحة 178

[22] ميارة الفاسي الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام الجزء الثاني الصفحة 118

[23] ابن رشد البيان والتحصيل الجزء 15 الصفحة 415

[24] الغرياني مرجع سابق ص598

[25] مبارة الفاسي مرجع سابق الصفحة 117

[26] البرزلي أبو قاسم بن أحمد بلوى. فتاوى البرزلي. جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام تحقيق. محمد الحبيب هيلة. دار الغرب الإسلامي بيروت 2002 الجزء الثالث الصفحة 384

[27] الونشريسي مرجع سابق الصفحة 202

[28] العاصمي عبد الرحمان بن محمد النجدي. الدرر السنية في الأجوبة النجدية. الطبعة الخامسة بيروت.1994 الجزء 2 الصفحة 313

ظهرت المقالة المغارسة بين مقتضيات الفقه المالكي والتشريع المغربي أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1545/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a-%d9%88%d8%a7/feed/ 0
التقاضي بسوء النية في ميزان أنظمة الذكاء الاصطناعي https://www.aljami3a.com/1535/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b6%d9%8a-%d8%a8%d8%b3%d9%88%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%8a%d8%b2%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d9%86%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83/ https://www.aljami3a.com/1535/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b6%d9%8a-%d8%a8%d8%b3%d9%88%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%8a%d8%b2%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d9%86%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83/#respond Sun, 26 Nov 2023 20:55:11 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1535 التقاضي بسوء النية في ميزان أنظمة الذكاء الاصطناعي لقد تخطت البشرية عصر المجتمع الزراعي بعد حلول القرن التاسع عشر، إلى أن حلت الثورة الصناعية الكبرى في العديد من دول العالم، الأمر الذي أذى إلى إدخال التحسينات في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والكثير من المتغيرات بفضل هذه الثورة التي ساهمت تباعا في صناعة التكنولوجيا والتي قادتها الآلات الالكترونية وحررت بها العبيد، إلى أن أصبحت هذه التحسينات سمة ذلك العصر[1]. و في عام 1950 قد اقترح آلان تورينج تعريفا لتحديد ما إذا كانت البرامج ذكية أم لا، و في نظريته يمكن قياس السلوك الذكي للبرنامج مثل الكفاءة الفكرية البشرية بحيث يكون البرنامج ذكيا عندما لا يعرف الإنسان ما إذا كان يتحدث مع البرنامج أو مع إنسان آخر، و منذ ذلك الوقت بدأت الأفكار تتوالى حول إنشاء أنظمة ذكية مما يجعلها من أهم التقنيات المستخدمة في الوقت الحاضر، حيث شهدت السنوات الأخيرة تطورا سريعا لاستخدام الذكاء الاصطناعي مثل تقنية التعلم العميق و تحليل البيانات و المحادثات الذكية و غيرها من الأنواع، فمع نشأة الذكاء الاصطناعي و تأثيره الملحوظ و المهم في الآونة الأخيرة من حياتنا بشتى أنواعه و مجالاته و الذي يعنى بدراسة كيفية تصميم و تطوير الأنظمة و البرامج و الأجهزة القادرة على القيام بالمهام التي تتطلب الذكاء أو التفكير البشري و الذي من خلالها يمكن القول بأنها تساهم في القدرة على تحسين الأداء و الجودة و تقليل الأخطاء البشرية و توفير الوقت و الجهد[2]. و لم يكن مجال العدالة بدوره بعيدا عن التأثر بأنظمة و تقنيات الذكاء الاصطناعي سواء فيما يتعلق بالتقاضي أو بالوسائل البديلة لفض المنازعات[3]، حيث تخطت التكنولوجيا الجديدة إلى القضاء من...

ظهرت المقالة التقاضي بسوء النية في ميزان أنظمة الذكاء الاصطناعي أولاً على aljami3a.com.

]]>
التقاضي بسوء النية في ميزان أنظمة الذكاء الاصطناعي

لقد تخطت البشرية عصر المجتمع الزراعي بعد حلول القرن التاسع عشر، إلى أن حلت الثورة الصناعية الكبرى في العديد من دول العالم، الأمر الذي أذى إلى إدخال التحسينات في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والكثير من المتغيرات بفضل هذه الثورة التي ساهمت تباعا في صناعة التكنولوجيا والتي قادتها الآلات الالكترونية وحررت بها العبيد، إلى أن أصبحت هذه التحسينات سمة ذلك العصر[1].

و في عام 1950 قد اقترح آلان تورينج تعريفا لتحديد ما إذا كانت البرامج ذكية أم لا، و في نظريته يمكن قياس السلوك الذكي للبرنامج مثل الكفاءة الفكرية البشرية بحيث يكون البرنامج ذكيا عندما لا يعرف الإنسان ما إذا كان يتحدث مع البرنامج أو مع إنسان آخر، و منذ ذلك الوقت بدأت الأفكار تتوالى حول إنشاء أنظمة ذكية مما يجعلها من أهم التقنيات المستخدمة في الوقت الحاضر، حيث شهدت السنوات الأخيرة تطورا سريعا لاستخدام الذكاء الاصطناعي مثل تقنية التعلم العميق و تحليل البيانات و المحادثات الذكية و غيرها من الأنواع، فمع نشأة الذكاء الاصطناعي و تأثيره الملحوظ و المهم في الآونة الأخيرة من حياتنا بشتى أنواعه و مجالاته و الذي يعنى بدراسة كيفية تصميم و تطوير الأنظمة و البرامج و الأجهزة القادرة على القيام بالمهام التي تتطلب الذكاء أو التفكير البشري و الذي من خلالها يمكن القول بأنها تساهم في القدرة على تحسين الأداء و الجودة و تقليل الأخطاء البشرية و توفير الوقت و الجهد[2].

و لم يكن مجال العدالة بدوره بعيدا عن التأثر بأنظمة و تقنيات الذكاء الاصطناعي سواء فيما يتعلق بالتقاضي أو بالوسائل البديلة لفض المنازعات[3]، حيث تخطت التكنولوجيا الجديدة إلى القضاء من خلال تأسيس نظم متعددة في التقاضي الالكتروني بهدف تحقيق العدالة الناجزة في المحاكم بدول العالم المتحضر، ففي السنوات الأخيرة كان هناك اهتمام متزايد بالتطور التكنولوجي للذكاء الاصطناعي و تطبيقه المحتمل و الفعال لتطوير الأدوات التي تدعم عمل المتخصصين في مجال العدالة، و يتضمن الذكاء الاصطناعي جميع أنواع التقنيات التي تتميز بآلة تحاكي الوظائف “المعرفية” المرتبطة بالعقل البشري، مثل “التعلم” و “حل المشكلات” و “معالجة اللغة الطبيعية” و ما إلى ذلك، إلا أن العواقب المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي تمثل مصدر قلق كبير، و تحاول عدد من الجهات الفاعلة المختلفة تطوير أطر معيارية من أجل ضبط استخدامه، ووضع مبادئ توجيهية بهف حماية الحقوق و القيم الأساسية من الأضرار التي قد تسببها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالنظر إلى التشابكات العميقة بين التكنولوجيا في العدالة و الأنظمة المعيارية.

ففي ضوء حالة الاجتياح غير المسبوق للثورة الرقمية بمكوناتها الثلاث: الانترنيت – الأشياء و البيانات الضخمة Big Data، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي، مختلف العلوم الإنسانية بما فيها القانونية كما سبق الذكر، يكثر الحديث في الأوساط الفقهية عن أثر هذه الثورة على القانون، لا سيما قدرتها القانونية على مساعدة المؤسسة القضائية إلى الوصول لعدالة قانونية أكثر موثوقية، فيما يعرف اليوم بالعدالة التنبؤية، معيدة بذلك التذكير بالترابط القائم بين القانون و الرياضيات، و بأن العدالة كما لها جانبها الإنساني فإن لها جانبها الرياضي الإحصائي، و كلاهما يجتمعان في عنصر مفصلي واحد هو “التنبؤ”، معتبرين أن الوصول إلى العدالة لا يخرج في جوهره عن استخدام مجموعة من المهارات و الخبرات القانونية في تحليل و فهم النص القانوني و الظروف المحيطة به وفق مفهوم التحليلات القانونية، ضمن نبوءة قانونية تشعر القاضي أن ما ينطق به هو العدل، ذلك أن السؤال يبقى واحدا سواء أكان في العدالة التقليدية أو نظيرتها التنبؤية و هو بماذا تحكم؟ وكيف تحكم؟[4].

وتعرف العدالة التنبؤية بأنها ” استخدام الخوارزميات للتنبؤ بنتيجة الإجراء القانوني وهو ما يسمى بوعد العدالة التنبؤية. وتعرف كذلك بأنها :” مجموعة من الأدوات التي تم تطويرها بفضل تحليل الكتل الضخمة من بيانات العدالة التي تقترح على وجه الخصوص من حساب Dalloz  للتنبؤ مسبقا بنتيجة النزاع[5].

ويهدف علم الذكاء الاصطناعي إلى فهم طبيعة الذكاء الإنساني عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء، وتعني قدرة البرمجة على حل مسألة ما أو اتخاذ قرار في موقف ما بناء على وصف لهذا الموقف، أو أن البرنامج نفسه يجد الطريقة التي يجب أن تتبع لحل المسألة أو للتوصل إلى القرار بالرجوع إلى العديد من العمليات الاستدلالية المتنوعة التي غدي بها البرنامج[6].

و بهذا فقد بات معلوما تأثير خوارزميات الذكاء الاصطناعي على مجال العدالة، و لكفاءتها و نجاعتها ، فقد أصبحت تلك الخوارزميات تصدر القرارات و تنفذ الإجراءات نيابة عن الأفراد في مجال التقاضي، و على الرغم من هذه المكاسب، فهناك مخاوف بشأن المكننة السريعة لقطاع العدالة عامة و القضاء خاصة .

و باعتبار حق التقاضي أحد أهم الحقوق و الحريات المكفولة دستوريا، و الدفاع أمام القضاء مصون بالقانون، كما نص عليه القانون العالمي لحقوق الانسان و مسوغ ذلك أن هذا الحق حق أصيل و يستحيل دونه أن يؤمن الأفراد على حرياتهم، أو يردوا على ما يقع عليها من اعتداء. و التقاضي الأصل فيه استعماله بحسن نية و طرح الخصوم وقائعهم حقيقة بعيدا عن الكذب وتحريف الوقائع و الأحداث، فالتقاضي كآلية لحل النزاع أو الوصول إلى الحق أو حمايته، لم يكن ليستقيم لولا شحنه بمفهوم أخلاقي يتجاوز المعيار القانوني الصرف المتجرد و القائم على شكليات مضبوطة و آليات مسطرية تؤطره و تؤطر الذي يدور في هذا المدار ، فبغض النظر عن النظريات الفقهية التأصيلية و التفصيلية له، فهو مبدأ أخلاقي بامتياز يتمثل أساس في ذلك الشعور الأخلاقي الذي يحمله كل فرد في وجدانه كيفما كان مستواه التعليمي أو المعرفي وعلى ضوءه يتعين على كل متقاضي ممارسة حقه ولو كان صاحب حق، فهذا لا يشفع له في استعمال أساليب و طرق تقوم على سوء النية و لو كان من شأنها صيانة حقوقه و مصالحه، بمعنى أنه لا مجال للقول بكون الغاية تبرر الوسيلة، فإن لم تكن هذه الأخيرة مشروعة و أخلاقية، فلا يمكن الحديث عن الغاية و لو كانت مشروعة فما بالك لو كانت غير ذلك[7].و نظرا للمزايا التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة فيمكن التساؤل عن مدى إمكانية هذه الأنظمة توقع طبيعة سلوكيات و استراتيجيات الخصوم أثناء عملية التقاضي و ما إذا كانت ممارستهم لحقوقهم وواجباتهم الإجرائية تنم عن حسن نيتهم في اتخاذ الإجراء أو تعسفهم في استعمال حقوقهم الإجرائية؟

إن مقاربتنا لهذا الموضوع ستنطلق من خلال تسليط الضوء على البعد التقني لتحديد مفهوم سوء النية في التقاضي وأثر هذه الممارسة التقنية على عملية التقاضي.

أثر الذكاء الاصطناعي على تحديد مفهوم سوء النية في التقاضي:

يقصد بمفهوم سوء النية في التقاضي “عدم مراعاة الخصم للواجب القانوني والأخلاقي”، فكل شخص قصد الخروج عن أحكام الواجب القانوني إلا ويعد سيء النية.

وقد عرفه جانب من الفقه الإجرائي بأنه عدم مراعاة الخصوم والقاضي واجبات الأمانة والنزاهة عند مباشرة الإجراءات في الخصومة المدنية من أجل صيانة حقوق ومصالح الأفراد والجماعات.

ويعرف أيضا بأنه كل فعل أو عمل لا يتفق مع المقومات الأخلاقية المتمثلة بالنزاهة والثقة والأمانة، عند مباشرة الإجراء القضائي حتى ولو لم يتضمنها نص تشريعي[8].

و يعد سوء النية الإجرائية من الأمور الخاصة بأصحابها و التي من الصعب تقديرها، إلا بالرجوع إلى ذات الشخص الذي باشر الإجراء القضائي، و لذلك لا يمكن وصف شخص أنه سيء النية إلا إذا رجعنا لنفسية الشخص و لذاته و البحث في طبيعته النفسية الخاصة، فهو عنصر نفسي داخلي يستدل عليه بطريقتين إما بسلوكه للإجراء لدافع الغش أو التحايل أو بالقرائن و الدلائل التي تحيط بالعمل الإجرائي الذي قام به الشخص، فهو مبدأ لا يتصور وجوده إلا في الشخص نفسه وفي ظروف معينة، وهو يعني أن الاعتداد بقانونية أحد الخصوم وهو حسن النية يكون مقبولا بالنسبة لشخص معين وقد لا يكون بالنسبة لشخص آخر له دور في نفس الواقعة محل الخلاف، وذلك لأن تقدير سوء النية يجب ألا يغفل المعطيات الشخصية للغير، فهناك عناصر معينة تؤثر على هذا المفهوم من شخص لآخر، وهذا يعني أنه مبدأ نسبي يتغير من شخص لآخر وليس له معيار مطلق، يمكن تطبيقه على كل الأشخاص.[9]

ذلك وإن كان القاضي يحكم وفق القانون، إلا أنه في إطار سلطته التقديرية ينظر إلى ما وراء القانون، في إطار ما يمكن تسميته بروح القانون والأخلاقيات التي بني عليها القانون، ما يتيح له قراءة حسية للنص القانوني والأدلة الواردة في الدعوى القضائية لا يمكن تلمسها بالحس الخوارزمي، كونها تتلمس بالحس الإنساني الصرف، مما يجعل القول بأن الحكم القضائي حكم حسابي قائم على المعادلات والترجح واستنتاج في غير محله. فالتنبؤ كعلم قانوني لا ضير فيه بالمطلق، بل هو ظاهرة صحية و متبعة في فهم و تكوين فلسفة العدالة، طالما أنه التزام بالمعايير التي تراعي الخصوصية القانونية و الفلسفية في هذا القانون، غير أن هذا العلم التنبؤي يجب أن يراعي خصوصية العينة البحثية التي هي موضوع التنبؤ لصحته و موثوقيته، و هنا الإشكالية في التنبؤ الرقمي، فالقانون في أصله علم إنساني تأويلي تفسيري، ما يطرح إشكاليتين رئيسيتين على صدقية العدالة التنبؤية، الأولى تتعلق بفهم اللغة بشكل عام، و الثانية تتعلق بفهم اللغة القانونية بشكل خاص، ذلك أن فهم اللغة الصحيح ببعديه العام و الخاص أمر في غاية الأهمية لصحة التنبؤ القانوني و الخلاصة التي يفضي إليها، ففهم اللغة يرتبط بطبيعة الفهم الممكن منحه للذكاء الاصطناعي، الذي لا يتردد البعض في نفي صفة الذكاء عنه مستعيضا عنها بصفة ” الغباء الاصطناعي”، و ذلك نظرا لطبيعة الغموض الذي يكتنف مدخلاته و طريقة التعامل معها ، وصولا إلى مخرجاته التي تستند لرموز و شيفرات لا يعلمها المتلقي و لا يستطيع التأكد من صحتها و حياديتها، لا سيما في العلوم الإنسانية.

فإن كان الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يحاكي حدود الذكاء الطبيعي في العلوم العلمية المرتبطة بالمنطق الرياضي المنظم، فمن العسير عليه أن يحاكي الذكاء الطبيعي في العلوم المرتبطة بالمنطق الإنساني الفلسفي، الذي يلعب فيها الدور التأويلي المصطلحي دوراً بارزاً، كما في القانون. فالذكاء الاصطناعي ليس علماً واحدا متجانسا، بل هو نتاج علمي لجملة من العلوم والتقانات كالرياضيات والإحصاء وعلوم الكمبيوتر وغيرها. الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً لجهة التأكد من صحة القراءات الخوارزمية لهذه اللغة.

ومن المعلوم أنه كلما كانت قواعد البيانات الضخمة مرتبطة فيما بينهما بمؤشرات معيارية موضوعية تأويلية، فالنتائج ستكون حتماً غير موثوقة وستتزايد الانحرافات اللوغارتماتية كلما كبرت العينة والقواعد هنا تغدو القاعدة الخوارزمية التي تقول إنه كلما زاد حجم العينة الإحصائية كلما قلت نسبة الانحرافات في النتائج وزادت الموثوقية في النتائج النهائية غير صحيحة بالمطلق في العلوم الإنسانية عموماً والقانونية خصوصاً. بمعنى إنها إن كانت صحيحة في العلوم الرياضية والهندسية وملحقاتها، فإنه أقل موثوقية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، سيما منها التي لا تعتمد على مدخلات مفاهيمية بسيطة، وإنما مركبة تأويلية، كما في موضوع سوء النية، ما يجعل كبر حجم العينة أو المدخلات أكثر طعناً في مصداقية النتائج المتحصلة، الأمر الذي يوجب العمل على زيادة الكفاءة المهنية في المدخلات، وفي المعادلات الخوارزمية العاملة عليه. هنا الخوف على العدالة من الروابط الخوارزمية المضللة التي تزداد احتماليتها كلما زادت وكبرت العينة ، فالقانون مليء بالكثير من المصطلحات المعيارية التأشيرية، التي لا يمكن أن تحدد بشكل رقمي لاسيما مفهوم حسن النية وسوئها، كل ذلك يجعل من عملية التعامل مع المدخلات الرقمية في هذا المجال أمراً في غاية التعقيد، وبالتالي يجب على هذه البرامج أن تجيد التعامل مع مختلف هذه الأوصاف، وإلا فإنها وفي إطار اعتقادنا أنها لا تمنحنا إجابة قانونية موثوقة تدعم من الأمان واليقين القانوني، إنما تمنحنا معلومات واستنتاجات قانونية مغلوطة تهمش هذا اليقين القانوني . وهنا أكثر ما يخشى أن يقوم الذكاء الاصطناعي، وفق برامجه اللوغارتماتية ببناء ارتباطات وهمية، وفق النبوءة الخاصة لهذه الخوارزميات التي تتحقق وفق المدخلات المتواجدة فيها، والتي ستكون هي عنوان الحقيقة الرقمية، رغم مخالفتها لعنوان الحقيقة الفعلية أو عدم تطابقها معها، ما يجعل الموثوقية بهده النتائج موضع نظر كبير، ما يضع على الدولة والأجهزة العاملة مسؤولية كبرى في تدقيق هذه المدخلات والخوارزميات الناجمة عنها قبل اعتمادها ونشرها للجمهور. كما يجب أن تكون عرضة للمراجعة والتدقيق المستمر لاسيما في عصر القرصنة الرقمية وعمليات التلاعب بالبيئة الرقيمة، لاسيما بالنسبة لحالات العدالة التنبؤية الذاتية أو ذات الطبيعة الرقمية الخالصة، ما يجعل التدخل البشري والمراجعة الدورية ضرورة حتمية لا مناص منها[10].

أثر الذكاء الاصطناعي على ممارسة التقاضي:

لا يمكن أن ننكر ما للذكاء الاصطناعي من أهمية في مجال التقاضي، ذلك أن هذه التقنية تعمل على تخمين فرص نجاح المتقاضي وحساب مبالغ التعويض وتحديد الأحكام السابقة التي تتوافق على أفضل وجه مع الدعوى المعروضة على القاضي وتحديد الحجج القانونية الأكثر فعالية لهذه الدعوى أو أي نزاعات أخرى، كذلك تقييم فرص الحصول على طلب محدد وتقييم متوسط مدة الإجراء القضائي والحد من مخاطر أي إجراء قضائي من الممكن القيام به وغيرها من المعلومات التي تفيد المتقاضي.[11]

لكن إذا كانت هذه التقنية تحدد مسبقا نتيجة الدعوى بناء على السوابق القضائية، فهل يمكن اعتبار المتقاضي سيء النية إذا ما استعمل حقه في التقاضي بالرغم من معرفته فشل قضيته مسبقا؟

مبدئيا يعتبر حق التقاضي حرية، أي أن الشخص يكون حرا في أن يستعمل هذا الحق في الوقت المناسب له، و بالنسبة لمن يشاء من الأشخاص على قدم المساواة، و حق التقاضي حق عام، فالشخص له أن يستعمل جميع الوسائل و الأشكال القانونية المقررة له في استخدامه سواء عن طريق الدعوى أو غيرها، و حرية اللجوء إلى القضاء تتعلق بالنظام العام مما يلقي على القاضي أن يتمسك بها من تلقاء نفسه[12].

يمكن القول أنه في الوقت الحالي لازالت تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة متشبتة بحق اللجوء إلى القضاء بالرغم من احتمالية فشل القضية بشكل كبير، إلا أنه لا يمكن أن نكون متيقنين أن هذه التقنية في المستقبل لن تضع لنا مفهوما جديدا لسوء النية في التقاضي يرتكز على معيار فشل القضية ، أي أنه كلما كانت نسبة فشل القضية كبير كلما كان الشخص سيء النية في لجوءه إلى القضاء.

خاتمة:

إذا كانت العدالة الخوارزمية ستعطينا حلولا استشرافية فإنها لن تلغي نظام السوابق القضائية، كذلك فإن الأحكام القضائية مهما بلغت شدة ترجيحها و تعليلها، فإنها إن لم تصبح موضع توافق اجتهادي موضوعي و إقرار اجتهادي قضائي من قبل محكمة النقض فقد لا يكون لها القدرة على البقاء، عليه لا يمكن للعدالة التنبؤية أن تقولب الاجتهاد القضائي، فالأصل في الاجتهاد القضائي الابتكار و القدرة على تكيف التشريع لمجاراة مختلف المتغيرات الاجتماعية و الاقتصادية في المجتمع، فالقاضي ليس نسخة مستنسخة عن زملائه ليعيد تكرار الأحكام السابقة التي اتخذت من قبل زملائه، بل هو ليس تكرارا لذاته في تجربته و عمره المهني حيث يمكنه هو في ضوء سلطته التقديرية و حيثيات الدعوى أمامه أن يصدر حكما مختلفا عما ذهب وحكم به في قضية مشابها و سبق و حكم بها[13]، و هذا ما ينطبق على تحديد مفهوم سوء النية في التقاضي ذلك أن هذه المسألة مازال يحوطها الغموض سواء في الفقه أو القضاء، و إذا تصفحنا موقف الفقه نجده يعالج هذه المسألة بحلول متفرقة تراعي ظروف كل حالة على حدة و أنه يتحاشى وضع معيار معين حيث لا يتقيد به في غيره من الحالات، مما يجعل من الصعب على القاضي الاصطناعي على غرار القاضي البشري التنبؤ و تحديد سوء نية الشخص في التقاضي[14].

فالعدالة التنبؤية غالبا ما تكون ناقصة و خالية من التفسير البشري، كون أنظمة الذكاء الاصطناعي تعمل على خوارزميات و قواعد محددة مسبقا كما أسلفنا الذكر، فهي إذ تتميز في معالجة كميات كبيرة من البيانات و تحديد الأنماط، قد تواجه صعوبات في الاستدلال القانوني و التفسير المعقد، و لا سيما أن القضايا القانونية قد تنطوي على تفاصيل دقيقة قد تتطلب خبرة بشرية، لذلك فإن الاعتماد الحصري على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تجاهل عوامل مهمة و بالتالي إلى قرارات غير دقيقة[15].


[1] فاطمة عبد العزيز حسن أحمد بلال:” دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز العدالة الناجزة أمام القضاء- دراسة مقارنة مع النظامين القانوني والقضائي في دولة قطر-، رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص-جامعة قطر- كلية القانون-، السنة الجامعية 2023، ص 1.

[2] منال فاضل البلوي/ هتاف عبد الهادي الصقير/ رانيا محمد السلمي/رغد مرزوق البلوي:” أثر الذكاء الاصطناعي في دعم التقاضي-محول الدردشة التوليدي المدرب مسبقا-“،مجلة البحوث المالية والتجارية- المجلد 24 العدد الثالث- يوليو 2023، ص 55.

[3] محمد حسن السحلي:” أساس المساءلة المدنية للذكاء الاصطناعي المستقل – قوالب تقليدية أم رؤية جديدة؟- كلية الحقوق -جامعة الإسكندرية-، سنة 2022، ص 10.

[4] محمد عرفان الخطيب:” العدالة التنبؤية و الدعوى القضائية -الفرص و التحديات- دراسة نقدية معمقة في الموقف الانكلوسكسوني واللاتيني”، مجلة الدراسات القانونية العدد 3، سنة 2019، ص 1.

[5] فاطمة عبد العزيز حسن أحمد بلال:” دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز العدالة الناجزة أمام القضاء” ، م.س، ص 59.

[6] عمر عبد المجيد مصبح: ” توظيف خوارزميات” العدالة التنبؤية” في نظام العدالة الجنائية: الآفاق و التحديات”، المجلة الدولية للقانون، المجلد العاشر، العدد المنتظم الأول،2021، ص 238.

[7] يوسف أقصبي:” التقاضي بحسن النية آلية للرفع من النجاعة القضائية” مقال منشور بموقع https://www.mohamah.net/law، تاريخ الإطلاع: 28/09/2023 الساعة 22:00 .

[8] أحمد سمير محمد ياسين/ مروى عبد الجليل شنابة:” مبدأ حسن النية في قانون المرافعات المدنية (دراسة تحليلية مقارنة)، مجلة الدراسات المستدامة، السنة الثالثة المجلد الثالث العدد الثالث ملحق 1 لسنة 2021، ص 51.

[9] [9]”،أحمد سمير محمد ياسين/ مروى عبد الجليل شنابة:” مبدأ حسن النية في قانون المرافعات المدنية م. س، ص 53.

[10] محمد عرفان الخطيب:” العدالة التنبؤية و الدعوى القضائية…”، م.س، ص 11.

[11] فاطمة عبد العزيز حسن أحمد بلال:” دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز العدالة الناجزة أمام القضاء” ، م.س، ص 59.

[12] عبد الله عيسى الرمح:” الجذور التاريخية و الفكرية للحق في التقاضي و التعسف و الكيدية في استعماله” مجلة كلية القانون الكويتية العالمية السنة 10- ملحق خاص- العدد 10، أبحاث المؤتمر السنوي 8- الجزء 1، نوفمبر 2021،ص 148.

[13] محمد عرفان الخطيب:” العدالة التنبؤية والعدالة القضائية..”، م. س، ص 22.

[14] إبراهيم أمين النفياوي:” مسؤولية الخصم عن لإجراءات- دراسة مقارنة في قانون المرافعات”، رسالة لنيل الدكتوراه في الحقوق-جامعة عين شمس-كلية الحقوق، ص 9.

[15] فاطمة خشاب درويش:” الذكاء الاصطناعي في نظام العدالة: تهديد أم فرصة”، منشور على موقع https://al-akhbar.com/، تاريخ الإطلاع 01/10/2023 على الساعة 22:00.

ظهرت المقالة التقاضي بسوء النية في ميزان أنظمة الذكاء الاصطناعي أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1535/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b6%d9%8a-%d8%a8%d8%b3%d9%88%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%8a%d8%b2%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d9%86%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83/feed/ 0
إعلان عن محور بحثي: مدونة الأسرة بين الواقع والمأمول – دراسات متعددة الرؤى https://www.aljami3a.com/1531/%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%88%d8%b1-%d8%a8%d8%ad%d8%ab%d9%8a-%d9%85%d8%af%d9%88%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88/ https://www.aljami3a.com/1531/%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%88%d8%b1-%d8%a8%d8%ad%d8%ab%d9%8a-%d9%85%d8%af%d9%88%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88/#respond Sat, 25 Nov 2023 15:50:19 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1531 تفاعلا مع الأمر الملكي السامي المتعلق بالتعديلات المرتقبة لمقتضيات مدونة الأسرة؛ وانخراطا في النقاش العمومي المتعلق بهذا الورش الوطني الهام، يعلن موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية عن فتح باب استقبال المساهمات العلمية المتعلقة بالتعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، وذلك وفق مقاربات متعددة تعبر عن مختلف الرؤى والتوجهات التي تبرز تعدد وجهات النظر في مختلف المواضيع الأسرية. رفقته الإعلان عن المحور البحثي:

ظهرت المقالة إعلان عن محور بحثي: مدونة الأسرة بين الواقع والمأمول – دراسات متعددة الرؤى أولاً على aljami3a.com.

]]>
تفاعلا مع الأمر الملكي السامي المتعلق بالتعديلات المرتقبة لمقتضيات مدونة الأسرة؛ وانخراطا في النقاش العمومي المتعلق بهذا الورش الوطني الهام، يعلن موقع الجامعة القانونية المغربية الافتراضية عن فتح باب استقبال المساهمات العلمية المتعلقة بالتعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، وذلك وفق مقاربات متعددة تعبر عن مختلف الرؤى والتوجهات التي تبرز تعدد وجهات النظر في مختلف المواضيع الأسرية. رفقته الإعلان عن المحور البحثي:

ظهرت المقالة إعلان عن محور بحثي: مدونة الأسرة بين الواقع والمأمول – دراسات متعددة الرؤى أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1531/%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%88%d8%b1-%d8%a8%d8%ad%d8%ab%d9%8a-%d9%85%d8%af%d9%88%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88/feed/ 0
L’Intelligence Artificielle: La création d’un nouveau régime juridique de la responsabilité  https://www.aljami3a.com/1528/lintelligence-artificielle-la-creation-dun-nouveau-regime-juridique-de-la-responsabilite/ https://www.aljami3a.com/1528/lintelligence-artificielle-la-creation-dun-nouveau-regime-juridique-de-la-responsabilite/#respond Sat, 25 Nov 2023 13:59:47 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1528 L’Intelligence Artificielle: La création d’un nouveau régime juridique de la responsabilité  ملخص          نتطرق إبان هذه الورقة البحثية لنظام المسؤولية المدنية عن فعل الأضرار الناجمة عن نظم الذكاء الاصطناعي ، هذا الأخير الذي أسفر عنه في الأونة الأخير جملة من الأضرار التي اقتحمت بشكل تدريجي  معظم دول العالم ، فظهرت بوادر التفكير في إرساء أنظمة قانونية  تعمل على تأطير هذا نوع من الأضرار و ترتيب المسؤولية لمرتكبيها، إلا أنه قد ترافقه جملة من الإشكالات المطروحة من قبيل الاعتراف بهذه الكيانات بالشخصية القانونية، بالإضافة إلي  مسألة تكيف نظم الذكاء الاصطناعي مع قوانين المسؤولية المتاحة و كذا تحديد طبيعة الفعل أو الخطأ والمعاير المعتمد لإثارة هذا نوع من المسؤولية المدنية. L’introduction :       Selon le philosophe « Poul valery » Dans ses mémoires au début du 19e siècle  «Chaque être humain est en train de devenir une machine, Non, il est plus correct que la machine soit celle qui est en train de la développer en un humain. »[1]     En ce 21ème siècle, les vérités les plus puissantes du monde ont émergé dans la rencontre de l’homme avec la machine abstraite ; Alors , Ce que nous vivons aujourd’hui est le résultat de l’intégration d’entités avancées dans notre vie quotidienne décrites comme des robots et des programmes intelligents qui ont pu contrôler des secteurs sensibles  tels que l’industrie aéronautique et automobile…etc, ce qui peut causer à ces systèmes des dommages matériels ou physiques ou même des décès, ce qui nécessite de réclamer une indemnisation pour les personnes touchées. D’abord ; L’intelligence artificielle peut être définie comme « la science qui consiste à faire aux machines...

ظهرت المقالة L’Intelligence Artificielle: La création d’un nouveau régime juridique de la responsabilité  أولاً على aljami3a.com.

]]>
L’Intelligence Artificielle: La création d’un nouveau régime juridique de la responsabilité 

ملخص

         نتطرق إبان هذه الورقة البحثية لنظام المسؤولية المدنية عن فعل الأضرار الناجمة عن نظم الذكاء الاصطناعي ، هذا الأخير الذي أسفر عنه في الأونة الأخير جملة من الأضرار التي اقتحمت بشكل تدريجي  معظم دول العالم ، فظهرت بوادر التفكير في إرساء أنظمة قانونية  تعمل على تأطير هذا نوع من الأضرار و ترتيب المسؤولية لمرتكبيها، إلا أنه قد ترافقه جملة من الإشكالات المطروحة من قبيل الاعتراف بهذه الكيانات بالشخصية القانونية، بالإضافة إلي  مسألة تكيف نظم الذكاء الاصطناعي مع قوانين المسؤولية المتاحة و كذا تحديد طبيعة الفعل أو الخطأ والمعاير المعتمد لإثارة هذا نوع من المسؤولية المدنية.

L’introduction :

      Selon le philosophe « Poul valery » Dans ses mémoires au début du 19e siècle  «Chaque être humain est en train de devenir une machine, Non, il est plus correct que la machine soit celle qui est en train de la développer en un humain. »[1]

    En ce 21ème siècle, les vérités les plus puissantes du monde ont émergé dans la rencontre de l’homme avec la machine abstraite ; Alors , Ce que nous vivons aujourd’hui est le résultat de l’intégration d’entités avancées dans notre vie quotidienne décrites comme des robots et des programmes intelligents qui ont pu contrôler des secteurs sensibles  tels que l’industrie aéronautique et automobile…etc, ce qui peut causer à ces systèmes des dommages matériels ou physiques ou même des décès, ce qui nécessite de réclamer une indemnisation pour les personnes touchées.

D’abord ; L’intelligence artificielle peut être définie comme « la science qui consiste à faire aux machines ce que l’Homme ferait moyennant une certaine intelligence »[2]

Face à l’essor de ce phénomène, il apparaît nécessaire de s’interroger sur le cadre légal applicable à l’intelligence artificielle, et notamment sur les moyens à disposition des victimes d’intelligence artificielle pour obtenir réparation de leurs préjudices. [3]

La responsabilité légale d’une machine intelligente est un sujet complexe et en constante évolution. D’ailleurs ; La responsabilité est l’obligation imposée par la loi à une personne en raison de ses actions, de sa négligence ou de ses subordonnés. Mais dans le cas d’une machine intelligente, il peut être difficile de déterminer qui est responsable des dommages causés aux autres. Par conséquent, les règles juridiques applicables à une machine intelligente peuvent varier d’un pays à l’autre et d’un cas à l’autre.

    A ce niveau la problématique qui se pose : Dans quelle mesure la responsabilité juridique de L’intelligence artificielle peut-elle être engagée ? Quelle serait alors la personne responsable ?

   Pour répondre à cette problématique, nous nous appuierons dans notre étude de ce sujet sur deux axes, le premier est le cadrage général de l’intelligence artificielle en tant que concept, et le second axe pose la question sur le Fondements du système privé de la responsabilité de l’intelligence artificielle.

  1. Le cadre général de la responsabilité de l’intelligence artificielle

    L’intelligence artificielle peut être définie comme un objet immatériel renfermant une autonomie potentielle. Cette autonomie repose sur une capacité à agir[4].  Il est donc nécessaire d’adapter ce concept d’IA au droit de la responsabilité; cela poserait la question de l’idée de reconnaître les entités de l’IA comme des personnes morales.

  1. Adaptation de concept de L’IA au droit de la responsabilité

      La diffusion des technologies de l’intelligence artificielle dans les sociétés européennes et américaines appelle le développement de concepts classiques du droit de la responsabilité civile avec la nouvelle réalité produite par ces entités.[5]

   Au début ; L’intelligence artificielle (IA) fait actuellement l’objet de progrès exponentiels qui la placent au cœur des préoccupations collectives. Ses capacités s’accroissent dans quantité de champs, et l’utilisation de procédés algorithmiques[6]  الخوارزميات)) pour créer, agir ou décider se généralise[7].  

   Dans ce cadre ; L’une des théories les plus importantes défendues par la jurisprudence européenne est l’idée de « considérer l’intelligence artificielle comme un outil » ainsi que l’idée de « décrire l’intelligence artificielle comme un produit ».

   La 1ere théorie, défendue par une partie de la jurisprudence italienne, repose sur le fait que le propriétaire de l’instrument en est responsable et des conséquences de son utilisation, tant qu’il n’a pas une volonté indépendante de son propriétaire[8].

  On peut dire, de ce point de vue, que la théorie qui s’appuie sur les robots et les technologies d’intelligence artificielle comme outil, reconnaît la nécessité de faire peser la charge de l’indemnisation des dommages qui y conduisent sur ses propriétaires, ou utilisateurs, sur la base  de la responsabilité du fait d’autrui  ; Aussi c’est que le propriétaire du robot ne peut se soustraire à sa responsabilité au motif qu’il n’avait pas l’intention de conclure un tel contrat ou que le robot a commis une faute grave.

    A une autre coté ; selon la 2eme théorie qui appartiennent à l’école traditionnelle, qui réclame depuis longtemps la possibilité d’appliquer les principes régissant la responsabilité des produits pour responsabiliser les systèmes intelligents. c’est que aussi les propriétaires de cette approche demandant que les fabricants soient tenus responsables de la dommages qui peuvent être attribués à un « défaut » des systèmes intelligents en tant que produit[9]

    Dans ce contexte, les tribunaux des États-Unis d’Amérique ont été témoins de la poursuite en justice d’un grand nombre de victimes de l’entreprise qui fabriquait le système chirurgical connu sous le nom de « the Da Vinci system », qui est Robert, un inventeur de la société américaine « Intuitive surgery » Cependant, toutes les poursuites ont échoué, car Difficulté à prouver le défaut des systèmes intelligents en question. [10]

    Ce qui complique la tâche de trouver la personne responsable des systèmes intelligents selon les règles de la responsabilité du fait des produits est la difficulté d’établir des frontières séparant les dommages causés par le système intelligent lui-même, c’est-à-dire issus d’une auto-décision prise par le système à partir du reste des dommages résultant d’un défaut ou d’un dysfonctionnement existant dans le système intelligent ou le robot.

    Au Maroc ; L’apparition de la notion juridique d’intelligence artificielle a été en travée par le manque de cohérence scientifique, dont les fondements et contours doivent être précisés. Alors que l’individu s’aventure dans un monde déterritorialisé, la protection des libertés et des droits numériques doit s’appuyer sur des principes juridiques identifiés et clairement réaffirmés, et sur une large palette d’outils de régulation.[11] 

(2 L’idée de reconnaître les entités d’IA comme personnalité juridique

   Le débat sur l’octroi de la personnalité juridique à l’Intelligence Artificielle (IA) est en train de gagner en importance, car l’IA devient de plus en plus présente dans notre vie quotidienne. Si l’on reconnaît à l’IA la personnalité juridique, cela signifie qu’elle est considérée comme un être doté de droits et de responsabilités, comme une personne morale.[12]

     Face à défis que L’IA rencontre, certains experts prônent l’idée d’accorder une personnalité juridique aux robots et à l’intelligence artificielle. Cela impliquerait de leur attribuer un statut juridique distinct en tant qu’entités responsables de leurs actions. Une telle approche permettrait d’instaurer des règles et des responsabilités spécifiques en cas de préjudice causé par un robot ou un algorithme autonome. Néanmoins, cette proposition soulève des questions fondamentales sur la nature de l’intelligence artificielle et de la conscience, et si une entité artificielle peut réellement être dotée de droits et de responsabilités juridiques.[13]

Cette idée était appelée par la jurisprudence qui rend les robots responsables de leurs actes personnels, étant donné que cela ne sera possible qu’en leur reconnaissant la personnalité juridique, afin de leur faire peser la charge de réparer les dommages qu’ils ont directement subis.[14]     

  Le Parlement européen a fait un pas audacieux dans sa décision du 16 février 2018, proposant à la Commission européenne d’adopter des règles de droit civil dans le domaine de la robotique, et pourquoi pas de s’inspirer de l’idée de créer une « personnalité juridique pour robots, bien que temporairement.” Pour que les robots intelligents les plus avancés soient reconnus comme des personnes électroniques responsables, obligées de réparer les dommages qu’elles causent à autrui. [15]

Ainsi ; Le Parlement européen a préféré proposer l’idée de tenir les robots personnellement responsables des dommages qu’ils causent, au lieu d’adhérer à la thèse de tenir responsable le fabricant, le concepteur, le propriétaire ou l’utilisateur de ce robot. Ceci passe par la reconnaissance de la personnalité juridique des robots, dans le cadre de ce que certains ont appelé une « personnalité robotique» avec la possibilité de disposer de son propre système de sécurité. 

   En conclusion, il convient de noter que l’octroi de la personnalité juridique à l’IA pourrait également présenter des avantages. En effet, cela pourrait permettre de mieux réguler l’utilisation de l’IA, et de protéger les droits des individus. Les entreprises qui utilisent l’IA seraient ainsi contraintes de garantir que l’IA respecte les droits des individus, et que ses décisions sont justes et équitables. 

  1. Fondements du système privé de responsabilité du fait de l’intelligence artificielle

  Les difficultés rencontrées dans l’application des règles traditionnelles de responsabilité en matière d’intelligence artificielle conduisent à s’interroger sur le contenu et la nature des actes qui nécessitent de mettre en cause la responsabilité de ces entités.  Aussi il doit détermine, les critères à prendre en compte pour le fonctionnement de la responsabilité, et la réponse aux conséquences de l’indemnisation des dommages qu’elle entraîne, doivent être précisés.

  1. La nature des actes qui nécessitent de mettre en cause la responsabilité de L’IA

       Tout d’abord, avant de déterminer la nature de l’acte, il faut souligner un paradoxe important entre l’intelligence artificielle et le robot, où cette dernière vise à évoquer le robot de la machine physique, tandis que l’intelligence artificielle désigne son « cerveau الدمغة ». Il comprend tout dispositif intangible suffisamment indépendant pour effectuer un travail sans supervision humaine qui est généralement considéré comme destiné aux humains. Il peut guider un robot physique comme une voiture autonome, mais il peut également agir sans incorporation en écrivant des textes, en effectuant des transactions, en créant du travail ou en donnant des conseils.[16]

    Dans ce contexte, une partie de la jurisprudence française, a privilégié l’idée d’adopter un critère dont la réalité pratique s’est avérée remarquablement supérieure pour encadrer les dommages soudains dont il est difficile de déterminer la nature de l’acte de responsabilité, qui est le critère de “l’accident”. 

   La notion « d’accident » convient comme critère objectif pour engager la responsabilité, pour compenser les dommages qui trouvent leur source dans des actions extérieures soudaines et inattendues, comme c’est le cas des dommages résultant d’accidents de la circulation. C’est le cas des accidents résultant de l’intelligence artificielle, notamment les dommages causés par les robots utilisés pour répondre aux besoins personnels dans les habitations, alors qu’il est difficile à mettre en œuvre en ce qui concerne les robots médicaux ou ceux utilisés dans les opérations chirurgicales. [17]

   Outre le critère de l’accident, il existe d’autres critères proposés par la jurisprudence comme des actions qui imposent la responsabilité des entités intelligentes, notamment la notion de caractère « L’anormalité du dommage لا معقولية الضرر », comme critère essentiel sur lequel le droit de la responsabilité est fondée.  Ce critère peut être utilisé pour cadrer les dommages causés par l’intelligence artificielle, car il est plus approprié dans ce domaine d’estimer les conséquences de l’acte d’intelligence artificielle, plutôt que d’analyser l’acte lui-même car il est difficile d’une part de comparer les comportements d’un robot avec le comportement d’une personne ordinaire, et le modèle de comportement attendu de lui est souvent supérieur au niveau de comportement humain.

2)  Critères d’imputation d’une responsabilité

     La prédominance de la notion de faute est encore bien établie dans le domaine de la responsabilité civile comme critère d’attribution de celle-ci, y compris les activités dans lesquelles les lois visent à établir un régime de responsabilité objective ou par force de loi, il est donc courant, selon règles générales, d’assigner la responsabilité du concepteur d’intelligence artificielle pour les dommages qu’il engendre.[18]

   Cependant, le problème qui se pose concernant les dommages de l’intelligence artificielle est la difficulté à diagnostiquer le concepteur de l’intelligence artificielle isolément, et il est également difficile de déterminer l’identité de la victime. De plus, il est souhaitable à cet égard de s’affranchir de la logique punitive de la responsabilité et de se concentrer davantage sur l’objectif d’indemnisation des dommages, car le plus important ici est que le responsable soit aisé, c’est-à-dire assuré financièrement, et il est possible de rétablir la considération de l’aspect punitif lors de l’exercice des actions récursoires contre le fonctionnaire.

Il faut aussi souligner, d’autre part, qu’il est inévitable d’adopter la thèse appelée par une certaine jurisprudence, qu’il faut accorder aux robots la personnalité juridique, pour les tenir personnellement responsables des dommages qui peuvent leur être imputés. Avec une assurance de cette logique, au lieu de reconnaître la personnalité juridique du robot, une personne doit être désignée pour le garantir ou contracter en son nom pour l’assurer lui et ses actes.

          La conclusion

       En Conclusion ; À la lumière de notre étude de ce sujet, nous pouvons conclure les points suivants :

  • L’intelligence artificielle crée un nouveau monde où elle connaît actuellement d’énormes progrès qui la placent au centre des préoccupations collectives.
  • L’octroi de la personnalité juridique à l’IA est un débat complexe qui soulève de nombreuses questions importantes.
  • Les difficultés rencontrées dans l’application des règles traditionnelles de responsabilité en matière d’intelligence artificielle.
  • il peut être difficile de déterminer qui est responsable des dommages causés aux autres Ainsi Les difficultés de déterminer la nature de l’acte et les critères à prendre en compte pour le fonctionnement de la responsabilité, Par conséquent, les règles juridiques applicables à une machine intelligente peuvent varier d’un pays à l’autre et d’un cas à l’autre.

Bibliographie

  • Artificial Intelligence Tort Liability-  Musaab Thayir Abdulsattar – Ain Shams University – Arab Republic of Egypt- Journal of Legal and Political Sciences – Issue Two – 2021 –
  • Laura Viaut –  Responsabilité et intelligence artificielle – Actu-Juridique Publié le 22/01/2021
  • Gsmart IP SA – Doit-on attribuer la personnalité juridique à l’Intelligence Artificielle (IA) ? – Doit-on attribuer la personnalité juridique à l’Intelligence Artificielle (IA) ? (linkedin.com)  Publie le 20 mars 2023
  • Pamela FEUMBA – Droit des robots et IA – https://formation.lamy-liaisons.fr/lamy/articles/droits-des-robots – vu a 16/08/2023
  • La responsabilité du fait de l’intelligence artificielle – Mémoire de recherche Par ADRIEN BONNET – Année 2014 – 2015 
  • Abdessalam Saad JALDI J – L’intelligence artificielle au Maroc : entre encadrement réglementaire et stratégie économique – octobre 2022
  • La création d’un régime spécifique de responsabilité de l’Intelligence Artificielle (haas-avocats.com) à 08/08/2023
  • أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ـ معمر بن طرية جامعة عبد الحميد باديس مستغانم – حواليات جامعة الجزائر عدد خاص – نونبر 2018صفحة 126

[1] Artificial Intelligence Tort Liability-  Musaab Thayir Abdulsattar – Ain Shams University – Arab Republic of Egypt- Journal of Legal and Political Sciences – Issue Two – 2021 – page 388.

[2]  Laura Viaut –  Responsabilité et intelligence artificielle – Actu-Juridique Publié le 22/01/2021

[3]  La création d’un régime spécifique de responsabilité de l’Intelligence Artificielle (haas-avocats.com) à 08/08/2023

[4] Laura Viaut –  Responsabilité et intelligence artificielle – Actu-Juridique Publié le 22/01/2021

[5] أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ـ معمر بن طرية جامعة عبد الحميد باديس مستغانم – حواليات جامعة الجزائر عدد خاص – نونبر 2018صفحة

[6] L’algorithmique est l’étude et la production de règles et techniques qui sont impliquées dans la définition et la conception d’algorithmes, c’est-à-dire de processus systématiques de résolution d’un problème permettant de décrire précisément des étapes pour résoudre un problème algorithmique. ( Algorithmique — Wikipédia (wikipedia.org) en 10/08/2023.) 

[7] La responsabilité du fait de l’intelligence artificielle – Mémoire de recherche Par ADRIEN BONNET – Année 2014 – 2015 – page 1.

[8] أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي – مرجع سابق – صفحة 127

[9] أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ـ مرجع سابق ـ ص 122

[10]     أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ـ مرجع سابق ـ ص 123

[11] Abdessalam Saad JALDI J – L’intelligence artificielle au Maroc : entre encadrement réglementaire et stratégie économique – octobre 2022 – page  13

[12] Gsmart IP SA – Doit-on attribuer la personnalité juridique à l’Intelligence Artificielle (IA) ? – Doit-on attribuer la personnalité juridique à l’Intelligence Artificielle (IA) ? (linkedin.com)  Publie le 20 mars 2023

[13] Pamela FEUMBA – Droit des robots et IA – https://formation.lamy-liaisons.fr/lamy/articles/droits-des-robots – vu a 16/08/2023

 [14]  أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ـ مرجع سابق ـ ص 134

[15]   أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ـ مرجع سابق ـ ص 135

[16] La responsabilité du fait de l’intelligence artificielle – Mémoire de recherche Par ADRIEN BONNET – Année 2014 – 2015  page 33

[17] أضرار الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ـ مرجع سابق ـ ص 137

[18] La responsabilité du fait de l’intelligence artificielle – Mémoire de recherche Par ADRIEN BONNET – Année 2014 – 2015

ظهرت المقالة L’Intelligence Artificielle: La création d’un nouveau régime juridique de la responsabilité  أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1528/lintelligence-artificielle-la-creation-dun-nouveau-regime-juridique-de-la-responsabilite/feed/ 0
الذكاء الاصطناعي والمسؤولية القانونية – Intelligence Artificielle et Responsabilité Légale https://www.aljami3a.com/1525/%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b5%d8%b7%d9%86%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86/ https://www.aljami3a.com/1525/%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b5%d8%b7%d9%86%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86/#respond Sat, 25 Nov 2023 13:22:56 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1525 الذكاء الاصطناعي والمسؤولية القانونية Intelligence Artificielle et Responsabilité Légale الملخص قدم المقال دراسة استشرافية لامكانية مساءلة الذكاء الاصطناعي, وذلك عبر مبحثين تناول الأول الاطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي من خلال ابراز ماهيته و أهميته في المجال القانوني في حين عرض الثاني للمسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي في ضوء الاعتبار الشخصي لهذا الذكاء وذلك بالتطرق الى قيام كل من المسؤولية المدنية والجنائية عن الأخطاء أو الجرائم التي قد يرتكبها. وقد خلصت الدراسة الى عدم امكانية تطبيق أي من قواعد هذه المسؤولية على الذكاء الاصطناعي على اعتبار أنه لا يمكن مساءلته ذاتيا عن أفعاله,  حيث أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تبقى بمعزل عن اسقاط قواعد المسؤولية عن الأفعال الشخصية والتي لها محدودية في التطبيق, مما يوحي أن القواعد التي خصا المشرع  المدني و الجنائي لكل من المسؤولية المدنية و الجنائية غير واضحة بالنسبة لتقنيات الذكاء الاصطناعي, لكونها توجه للشخص الطبيعي.    L’article présente une étude exploratoire sur la possibilité de tenir l’intelligence artificielle responsable. Cela est accompli à travers deux sections. La première section abord le cadre conceptuel de l’intelligence artificielle en mettant en évidence sa nature et son importance dans le domaine juridique, la deuxième section de la responsabilité juridique de l’intelligence artificielle à la lumière de sa considération personnelle. Cela est réalisé en examinant la responsabilité civile et pénale pour les erreurs ou les crimes qu’elle pourrait commettre. L’étude conclu qu’il n’est pas possible d’appliquer l’un de ces cadres de responsabilité à l’intelligence artificielle en raison de son incapacité à être responsable de ses actions. Les techniques d’intelligence artificielle restent distinctes de l’application des règles de responsabilité concernant...

ظهرت المقالة الذكاء الاصطناعي والمسؤولية القانونية – Intelligence Artificielle et Responsabilité Légale أولاً على aljami3a.com.

]]>
الذكاء الاصطناعي والمسؤولية القانونية

Intelligence Artificielle et Responsabilité Légale

الملخص

قدم المقال دراسة استشرافية لامكانية مساءلة الذكاء الاصطناعي, وذلك عبر مبحثين تناول الأول الاطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي من خلال ابراز ماهيته و أهميته في المجال القانوني في حين عرض الثاني للمسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي في ضوء الاعتبار الشخصي لهذا الذكاء وذلك بالتطرق الى قيام كل من المسؤولية المدنية والجنائية عن الأخطاء أو الجرائم التي قد يرتكبها.

وقد خلصت الدراسة الى عدم امكانية تطبيق أي من قواعد هذه المسؤولية على الذكاء الاصطناعي على اعتبار أنه لا يمكن مساءلته ذاتيا عن أفعاله,  حيث أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تبقى بمعزل عن اسقاط قواعد المسؤولية عن الأفعال الشخصية والتي لها محدودية في التطبيق, مما يوحي أن القواعد التي خصا المشرع  المدني و الجنائي لكل من المسؤولية المدنية و الجنائية غير واضحة بالنسبة لتقنيات الذكاء الاصطناعي, لكونها توجه للشخص الطبيعي.

   L’article présente une étude exploratoire sur la possibilité de tenir l’intelligence artificielle responsable. Cela est accompli à travers deux sections. La première section abord le cadre conceptuel de l’intelligence artificielle en mettant en évidence sa nature et son importance dans le domaine juridique, la deuxième section de la responsabilité juridique de l’intelligence artificielle à la lumière de sa considération personnelle. Cela est réalisé en examinant la responsabilité civile et pénale pour les erreurs ou les crimes qu’elle pourrait commettre.

L’étude conclu qu’il n’est pas possible d’appliquer l’un de ces cadres de responsabilité à l’intelligence artificielle en raison de son incapacité à être responsable de ses actions. Les techniques d’intelligence artificielle restent distinctes de l’application des règles de responsabilité concernant les actions personnelles, qui sont limités en portée. Cela suggère que les règles définies par les législations civiles et pénales pour la responsabilité civile et pénale ne sont pas claires en ce qui concerne les techniques d’intelligence artificielle, car elles sont conçues pour les personnes physiques.        

مقدمة

شهد العالم تقدما علميا تكنولوجيا هائلا شمل جميع مناحي الحياة, ولعل الذكاء الاصطناعي من أهم اثار التكنولوجيا الحديثة. حيث أصبح اليوم يعيش مرحلة تغيير جذري على مستوى استغلال التكنولوجيا, بحيث نجد أن الفضاء الالكتروني قد تطور وانتقل من مرحلة تخزين البيانات ومعالجتها الى تحقيق الادراك و القرار الذاتي للتكنولوجيا بما يحاكي الذكاء الانساني عبر استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي AI[1]

ويمثل أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة لتعدد استخداماته في المجالات العسكرية و الصناعية والاقصادية و التقنية والتطبيقات الطبية و التعلمية و الخدمية, ويتوقع له أن يفتح الباب لابتكارات لا حدود لها وأن يؤدي الى مزيد من الثورات الصناعية  بما يحدث تغييرا جذريا في حياة الانسان.

ويقصد بالذكاء الاصطناعي, أنظمة كمبيوتر التي لها القدرة على القيام بذات المهام المطلوبة من الانسان البشري, ولكن بصورة أسرع من تلك التي يقوم بها الأخير, فالذكاء الاصطناعي يقوم على محاكاة الذكاء البشري في الالات المبرمجة للتفكير مثل البشر, وتقليد أفعالهم, بحيث تكون لتلك الأنظمة القدرة على اتخاذ الاجراءات المناسبة من تلقاء نفسها, ودون تدخل من العنصر البشري, وتشمل أهداف الذكاء الاصطناعي, التعلم, و الاستدلال, و الاستدراك[2].

ويعد الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من القانون, فالقانون هو اللبنة الأساس لحماية المجتمع, والقواعد القانونية هي الكفيلة بالسهر على تنظيم حياة الأفراد داخل المجتمع, ولذلك فالأنظمة الذكية لا يمكن تصورها بمعزل عن القواعد القانونية, فما دامت قد وجدت في دولة ما لها سيادة ولها قانون ينظمها, الا أنها تظل تحكم حتى الذكاء الاصطناعي الذي يراعى فيه بالأساس احترامه للنظام العام وعدم مخالفته له.

حيث أصبح الذكاء الاصطناعي واقعا مفروضا في حياة البشر لكونه يتدخل في جميع الانشطة الحياتة التي يقوم بها البشر, بل يتدخل أيضا في جميع فروع القانون كالقانون المدني و التجاري و الاجتماعي وغيره, ولذلك فان الموجة التكنولوجية التي تعتبر في تزايد مستمر ستوضح أنه لا يمكن للبشر الاستغناء عن خدمات الذكاء الاصطناعي, وعليه فالذكاء الاصطناعي تسعى خلفه جل الدول, ولا يمكن أن نجد في المستقبل القريب دولة بدون أنظمة ذكية, حتى وان كان الواقع العملي قد كشف عن وجود بعض التطبيقات الذكية لكل البيوت كالهواتف الذكية مثلا, وبالتالي لا يمكن أن نتصور هذه الأنظمة الذكية بمعزل عن المجال القانوني.         

ويثير الاعتماد على نظم الذكاء الاصطناعي تساءلات عديدة, وتتعلق بكيفية استيعاب القانون لمعالجة مشكلات المسؤولية الناتجة عن استخدام هذه النظم الذي يمكن أن يلحق أضرارا بالأفراد. فكل شخص طبيعي أو معنوي, يعد مسؤولا مدنيا وجنائيا عن تبعات أفعاله, واذا ما تم الاتفاق على الاعتراف بالذكاء الاصطناعي في جل الدول, فان التساءل يطرح حول من يتحمل المسؤولية القانونية عن أفعاله. 

اشكالية البحث

ومن ما تقدم فان الاشكالية المحورية للموضوع ستكون على الشكل التالي:

كيف يمكن تطوير اطار قانوني فعال لتحديد المسؤولية القانونية عن أخطاء الذكاء الاصطناعي, مع مراعاة تعقيدات تحديد المسؤول في ظل طبيعة ذكاء اصطناعي غير قائم على الكيان البشري ؟  

وتتفرع عن هذه الاشكالية جملة من التساءلات الفرعية نثيرها على الشكل التالي:

  • ماهي الاثار الاقتصادية و الاجتماعية لتحديد المسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي؟
  • هل يجب أن تكون هناك معايير أخلاقية أو توجيهات عالمية لتحديد المسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي  ؟
  • وماهي المعايير التي يمكن استخدامها لتحديد مستوى تقصير الذكاء الاصطناعي وامكانية تطبيق المساءلة القانونية؟

المنهج المعتمد للدراسة

للاجابة ومناقشة الموضوع سندرج على اعتماد المنهج الوصفي و التحليلي اضافة الى المنهج المقارن, لعدم وجود تنظيم تشريعي وطني محكم ينظم ويقنن أنظمة الذكاء الاصطناعي في المغرب, وبالتالي سنتطرق للقواعد العامة للقانون المغربي مستأنسين بنصوص القانون المدني الأوروبي وغيرهما ممن وضعوا تشريعات منظمة لهذا المجال.

خطة البحث

وجدير بالاشارة في هذا السياق الى أن دراستنا هذه ستتم استنادا على المناهج المحددة التي ستتيح لنا السبيل ايجاد الحلول و الخروج في نهاية المطاف بحل لجميع التساءلات التي أثرناها أو سنثيرها فيما هو ات من الموضوع, حيث ارتأينا الاعتماد على تقسيم ثنائي للموضوع  كما يلي:

المبحث الأول: الاطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي

المبحث الثاني: الذكاء الاصطناعي و المسؤولية القانونية المترتبة

المبحث الأول: الاطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي

تلعب تكنولوجيا المعلومات والخوارزميات والاتصالات متمثلة بالذكاء الاصطناعي على تغيير دور المستهلك “المستخدم” من معزول تقنيا الى متواصل, ومن غير مدرك و لا فعال الى مستنير وفعال ونشط, ومن سلبي الى ايجابي, فهذه مجموعة العمليات الخاضعة للذكاء الاصطناعي تسمى بالتحول الرقمي, وهي تكنولوجيا جديدة تنقل المستهلك من واقع تقليدي الى واقع مطلع سريع للغاية[3], حيث تخطى العالم به عصر “تقنية المعلومات” التي يعتمد الانسان فيها على الحاسوب في عملية جمع البيانات واسترجاعها, بينما تتم عملية الاستدلال و الاستنتاج واتخاذ القرارات من جهة الانسان نفسه لا من جهة الحاسوب, ليتجاوز العالم اليوم هذه النقطة وتصير الحواسيب هي التي تجيد الحلول وتتخذ القرارات بدلا من الانسان, بناء على العديد من العمليات الاستدلالية التي تغذى بها, حتى صارت الحواسيب قادرة على محاكاة السلوك البشري المتسم بالذكاء[4].

المطلب الأول: تعريف الذكاء الاصطناعي

من خلال هذا المطلب سنقف عند تعريف الذكاء الاصطناعي من خلال التطرق الى ماهيته (الفقرة الأولى) ثم الاشارة الى أهمية الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: ماهية الذكاء الاصطناعي

عند تتبع أدبيات الموضوع اتضح أنه يزخر بالعديد من التعريفات لمفهوم الذكاء الاصطناعي منها ما هو صادر عن منظمات ومنها ما هو اجتهاد فردي, وعليه سنعرض لبعض تلك التعريفات تباعا كما يلي:

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي على أنه:”مجموعة من التقنيات القادرة على التعلم, واستخدام المنطق, والتكيف, وأداء المهام بطرق مستوحاة من العقل البشري”[5].

كما أن هناك من عرفه على أنه علم الحاسوب المرتبط بعلوم أخرى كعلم النفس و المعرفة, والمهتم بجعل الحواسيب تؤدي المهام بكفاءة عالية تحاكي كفاءات البشر والسعي لجعلها تفكر بذكاء[6].      

في علم الحاسوب يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي AI الى أي ذكاء شبيه بذكاء الانسان بواسطة الحاسوب أو الربوت أو أي جهاز اخر, وتعريف الذكاء الاصطناعي الشائع يشير الى قدرة الالات على محاكاة القدرات العقلية البشرية والتعلم من أمثلة و تجارب وتعرف على الأشياء وتعلم اللغات و الاستجابة لها واتخاذ قرارات وحل المشكلات والجمع بين هذه القدرات وغيرها لأداء وظائف قد يؤديها الانسان[7]. وقد عرف العلماء الذكاء الاصطناعي على أنه: “العلم المتعلق بصناعة الالات وتصميم البرمجيات التي تقوم بأنشطة ومهام تتطلب ذكاء اذا ما قام بها الانسان”[8], أو “أنه العلم الذي يهدف الى صناعة الالات وتطوير حواسيب وبرمجيات تكتسب صفة الذكاء, ويكون لها القدرة على القيام بمهام ما زالت الى عهد قريب حصرا على الانسان”[9] كما أن هناك من عرفه على أنه:”فرع من فروع علوم الهندسة المتعلق بفهم ما يسمى بسلوك الذكاء والعمل على تجسيد هذا السلوك اصطناعيا[10].

وتعريف اخر أورده على أنه تصرف الجهاز الذي لو عمله الانسان يكون تصرفا ذكيا[11], أيضا هو:”علم يهتم بصناعة الات بتصرفات يعتبرها الانسان تصرفات ذكية”[12].   

ويعرف أيضا بأنه:”مجال للعلم والتكنولوجيا يعتمد على علوم مثل: علم الحاسب والبيولوجي وعلم النفس واللغويات والرياضيات والهندسة, والهدف تقديم حاسبات الية قادرة على التفكير و الرؤية السمع و المشي و الحديث و الاحساس”[13].

وتتفق جميع التعاريف السابقة على أن الذكاء الاصطناعي عبارة عن تقنيات قادرة على التعلم وصنع القرار لذلك هي الات ذكية.

الفقرة الثانية: أهمية الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني

يعد الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من القانون, فالقانون هو اللبنة الأساسية لحماية المجتمع, والقواعد القانونية هي الكفيلة بالسهر على تنظيم حياة الأفراد داخل المجتمع, ولذلك فالأنظمة الذكية لا يمكن تصورها بمعزل عن القواعد القانونية, فما دامت وجدت في دولة لها سيادة ولها قانون ينظمها, الا أن هذه القواعد تظل تحكم حتى الذكاء الاصطناعي الذي يراعى فيه بالأساس احترامه للنظام العام وعدم مخالفته له. فأصبح الذكاء الاصطناعي واقعا مفروضا في حياة البشر لكونه يتدخل في حياة جميع الأنشطة الحياتية التي يقوم بها البشر[14].    

تتعدد الفوائد المتعلقة باستخدام التكنولوجيا القانونية, حيث نجد أنه ثمة العديد من الفوائد المحتملة بحيث يمكن للمستخدمين التحقق من أي وثيقة فردية بشكل جزئي أو كلي تلقائي, وبخلاف ذلك فقد أصبحت العقود الذكية شائعة تقريبا, وتعرف بأنها اجراء التفاات و المعالات التجارية الكترونيا, وذلك بهدف تنفيذ شروط العقد رقميا, وأنها تتيح أداء المعاملات بمصداقية عالية و موثوقة, دون الحاجة الى أطراف ثالثة – حيث توجد تطبيقات أحدث في السوق يمكنها التعامل مع القضايا القانونية بشكل مستقل, وفي الوت الحال توجد برامج تقنية قانونية تتيح التعلم الالي, خاصة في مجال العقود, كما يتم استخدام هذه التكنولوجيا في قضايا تسوية المنازعات عبر الأنترنيت.

وفيما يتعلق بالاستخدام العام للتكنولوجيا القانونية, يضطلع القانون بدور رائد في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية قامت الشرطة بتطبيق تقنية Big data التي تهدف الى مساعدتهم على التنبؤ بالجرائم المستقبلية, كما يتم استخدام اتكنولوجيا القانونية في النظام القضائي, فيعد اجراء تحصيل الديون الالي أول مثال بسيط في ألمانيا.

أما بخصوص التشريع المغربي – فقد بدأ يواكب التطورات الحديثة في مؤسساته- حيث نلاحظ أنه يتجه للاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي من أجل تعزيز أدوار هذه المؤسسات, حتى وان كان اعتماده هذا مازال منعدما فيما يتعلق بجهاز الشرطة التنبئية, لما له من دور كبير في الاسهام في الكشف عن الجريمة, غير أنه في حالة ما اذا اعتمده مستقبلا ينبغي عليه تعديل مقتضيات القانون الجنائي التي لا تعاقب على المحاولة في بعض الجنح[15].

وتعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال القرارات الادارية على تحقيق التواصل الذكي بين المواطنين و الحكومات وبين الموظفين واداراتهم, كما تعمل على توفير زيادة التفاعل من خلال استخدام وسائل ذكية لاصدار قرارات ادارية من شأنها تعزيز جودة الخدمات التي تقدمها جهة ادارية[16].

المطلب الثاني: الأساس التشريعي للذكاء الاصطناعي

من خلال هذا المطلب سنتطرق الى الأساس التشريعي للذكاء الاصطناعي ما يستدعي من الوقوف عند التطور التاريخي للذكاء الاصطناعي (الفقرة الأولى) ثم التطور التشريعي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التطور التاريخي للذكاء الاصطناعي

مع تطور العلوم و تقدم التقنية, اتجه النسان نحو الالة للاستفاذة منها في مساعدته عى انجاز المهام على نحو أكر اتقانا وسرعة ومرونة, وصارت التحسينات تجري على الالات وصارت تكتسب صفة الذكاء على نحو يحاول أن يحاكي القدرات الذهنية الفريدة عند الانسان وهو ما اصطلح عليه العلماء المختصون بالذكاء الاصطناعي Artificiel intelligence, وتتضمن أنظمة الذكاء الاصطناعي بعض الوظائف القابلة للبرمجة مثل التخطيط و التعلم والتفكير و حل المشكلات واتخاذ القرارات ببعض المجالات, ويتم تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي بواسطة خوارزميات باستخدام تقنيات مثل التعلم الالي والتعلم العميق.

وقد تم أول عمل جوهري في مجال الذكاء الاصطناعي على يد عالم المنطق ورائد الكمبيوتر البريطاني “الان تورينج” في منتصف القرن العشرين حين أجرى ما سمي “باختبار تورينج” وهوطريقة للتحقيق في الذكاء الاصطناعي لتحديد ما اذا كان الكمبيوتر قادرا على التفكير كانسان أم لا, حيث يعد تورينج اضافة الى كل من مارفن مينسكي, ولايسن نيويل, وهوبرت سايمون, وجون مكارثي الاباء المؤسسين للذكاء الاصطناعي.

وبخصوص صياغة مصطلح “الذكاء الاصطناعي” على هذا النحو فقد كانت سنة 1955 حين تقدمت مجموعة من العلماء بطلب اقامة مؤتمرالى ادراة كلية دارتموث في الولايات المتحدة الأمريكية, وشكل ذلك المؤتمر الانطلاقة الحقيقية لأبحاث الذكاء الاصطناعي المتخصصة, وقاد العلماء الذين شاركوا فيه الأبحاث في هذا المجال خلال السنوات التالية.

أما النسبة للاتحاد الأورربي فقد عمد الى وضع العديد من التوصيات بشأن قواعد القانون المدني المطبقة على أنظمة الذكاء الاصطناعي وكان ذلك سنة 2017, كما أصدرت سنة 2019 مجموعة من الارشادات حول الكيفية التي يجب على الحكومات و الشركات اتباعها عند تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي[17].

الفقرة الثانية: التطور التشريعي للذكاء الاصطناعي

يعتبر التنظيم القانوني ضروري في العالم الرقمي, لأن القانون يضطلع بوظيفة مجتمعية هامة والتي تتمثل في المقام الأول في خدمة الصالح العام وحماية الأقليات, وحيث تفتقر أجهزة الكمبيوتر الى فهم الأعراف الاجتماعية و اللغة, فانه ينبغي على المشرعين سد هذه الفجوات[18].

وقد بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي خلال العقدين الماضيين, وذلك بسبب الانجازات الكبيرة التي حققها في العديد من المجالات مثل الطب, واللوجستية, والصناعة, والاقتصاد, ومعالجة اللغات الطبيعية, وتداول الأسهم في الأسواق, والأنظمة الأمنية في تحليل الصور و الأصوات[19], حيث واكب المشرع الفرنسي و الأروبي التطور الهائل في مجال التكنولوجيا, وبذلك عمدت الكثير من التشريعات الى اصدار قوانين خاصة بالربوتات والذكاء الاصطناعي, حيث أصدر المشرع الأوروبي سنة 2017 قانونا خاصا بالربوتات ألغى فيه وصف “الشيء” بالنسبة للربوت, واستخدم مصطلح “النائب الالكتروني أو الانساني”, ثم أصدر الاتحاد الأوروبي سنة 2019 مجموعة ارشادات حول بيان كيفية تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي, فيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية فقد أصدرت “قانون مستقبل الذكاء الاصطناعي و افاقه في العالم”  وذلك سنة 2017, وهو أول قانون يتمحور حول نظم الذكاء الاصطناعي, أما بالنسبة لموقف المشرع البريطاني فقد فقد تم تعيين لجنة مختارة حول الذكاء الاصطناعي, من قبل مجل اللوردات سنة 2017 للنظر في الاثار الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية في مجال الذكاء الاصطناعي, في حين نجد أن البرلمان الأوروبي سنة 2018 اقترح على الدول الأعضاء في الاتحاد, وضع تشريع بشأن الجوانب القانونية لتطوير استخدام الربوت و الذكاء الاصطناعي, ثم أصدر الاتحاد الأوروبي نصوصا تكميلية للائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات الشخصية, التي تضع اطارا للتدفق الحر للبيانات غير الشخصية في الاتحاد الأوروبي رقم 1807 لسنة [20]2018.

غير أن ما يعاب على التشريع المغربي هو أنه ولحدود اللحظة ما زال لم يستطع مسايرة التقدم التكنولوجي, مما يجعله متأخرا بشكل كبير في تنزيل هذه الأنظمة الذكية, مقارنة بالتجارب الدولية السابق ذكرها, وهو ما يؤدي و الحالة هذه الى غياب نصوص قانونية تؤطر هذه الأنظمة.  

المبحث الثاني: الذكاء الاصطناعي و المسؤولية القانونية المترتبة

اقتحمت أنظمة الذكاء الاصطناعي جميع مناحي حياة الانسان, وأصبحت هي التي تعمل وتفكر وتجد الحلول نيابة عن الانسان, وعليه فمهما بلغت درجة دقة وتطور الذكاء الاصطناعي لا من أن يرتكب خطأ, وبالتالي ارتكابه للجرائم, أو قد يقوم بأعمال قد يترتب عليها ضرر للغير, مما يستتبع العمل على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي, مع أهمية الحفاظ على حقوق الانسان, وفائدة المستخدمين, بحيث تعطى الأولوية لزيادة رفاهية الانسان, وايجاد معايير أخلاقية لعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي[21], وفي هذه الحالات يصعب تحديد المسؤول عن هذه الاضرار, و يقصد بالمسؤولية من الناحية اللغوية مجموعة من القواعد التي تضبط سلوك الشخص, وهي تنقسم بذلك الى مسؤولية مدنية تحكمها مقتضيات القانون المدني, ومسؤولية جنائية تخضع لمقتضيات القانون الجنائي.  فالمسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي, اما أن تكون مسؤولية مدنية تترتب عن الأضرار التي يسببها الذكاء الاصطناعي للغير, واما أن تكون مسؤولية جنائية تثار في حالة قيام الذكاء الاصطناعي بارتكاب جرائم ضد الغير.    

وبالتالي سنقتصر في هذا الجزء من الدراسة على ابراز تصورات حديثة للمسؤولية بعد بيان أحكامها في مجال الذكاء الاصطناعي.

المطلب الأول: المسؤولية المدنية عن أخطاء الذكاء الاصطناعي

يقصد بالمسؤولية “la responsabilité” عند اطلاق هذا المصطلح تحمل الشخص لنتائج وعواقب التقصير الصادر عنه أو عمن يتولى رقابته والاشراف عليه, أما بخصوص المعنى الدقيق لمصطلح المسؤولية في الميدان المدني فهي تعني المؤاخذة عن الأخطاء التي تضر بالغير وذلك بالزام المخطئ بأداء التعويض للطرف المضرور وفقا للطريقة و الحجم الذي يحددهما القانون[22].

وتعتبر المسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي تحديا قانونيا مطروحا, لكونه وصل لمرحلة يتخذ فيها قرارات مستقلة كليا عن ارادة البشر دون تدخل من هذا الأخير, وبالتالي فان منحه الشخصية القانونية سيمنحه جملة من الحقوق و الالتزامات ما سيجعله كالانسان تماما, حيث أن هذه النقطة تعتبر موضوع نقاش كبير في أغلب الدول. وبذلك تجدر بنا الاشارة هنا الى المسؤولية المدنية للذكاء الاصطناعي القائمة على الاعتبار الشخصي حتى يتسنى لنا معرفة مدى امكانية مساءلة الذكاء الاصطناعي عن أفعاله شأنه في ذلك شان الشخص الطبيعي, وعليه لا بد من التطرق لمدى قيام المسؤولية العقدية للذكاء الاصطناعي (الفقرة الأولى) ثم تحقق المسؤولية التقصيرية للذكاء الاصطناعي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المسؤولية العقدية للذكاء الاصطناعي

تعتبر المسؤولية العقدية جزءا لا يتجزأ من المسؤولية المدنية عموما, فكلاهما يهدف الى تعويض الطرف المضرور عن الأضرار و الخسائر التي لحقت به سواء كان ذلك ناتجا عن الاخلال ببنود العقد أو التأخير في تنفيذه, فالمسؤولية العقدية لا تعدو أن تكون أثرا من اثار الاخلال بالالتزامات العقدية أو بتعبير اخر مجرد جزاء من جزاءات عدم تنفيذ الالتزام.

ويتحدد مفهوم المسؤولية العقدية في الحالة التي يخل فيها المتعاقد بالتزاماته اتجاه الطرف الاخر, ويؤخذ مصطلح الاخلال بمعناه الواسع بحيث يشمل حالات عدم تنفيذ الالتزام كلا أو بعضا, وكذا الحالات التي يتأخر فيها التنفيذ عن وقته المحدد العقد[23].

واذا ما تم استخدام الذكاء الاصطناعي على أساس رابطة عقدية, فان المسؤولية العقدية ستقوم هنا على أساس اخلال أحد الأطراف بالتزام عقدي ناشئ عن العقد, مما يستلزم معه توفر مجموعة من الشروط, حتى تنطبق المسؤولية العقدية للذكاء الاصطناعي, كأن يكون هذا العقد صحيحا, وأن يتم الاخلال بتنفيذه من جانب أحد المتعاقدين بالتزام عقدي, بالاضافة الى توفر أركان المسؤولية العقدية التي تتمثل في الخطأ والضرر وعلاقة سببية[24].

فالخطأ العقدي يتخذ أكثر من مظهر قانوني,يختلف باختلاف نوعية الاخلال الذي ارتكبه المدين, فهو قد يتمثل في امتناع أحد المتعاقدين عن الالتزامات التي تعهد بها, وقد يكون ذلك في شكل تأخر في التنفيذ, الأمر الذي يتسبب في الحاق الضرر بالطرف الدائن[25].

أما الضرر العقدي فهو الصورة الملموسة التي تتمثل فيها نتائج الخطا العقدي, وهذا يعني أن الخطأ اذا لم يترتب عنه ضرر فانه لا مجال لاعمال قواعد المسؤولية العقدية, فالضرر هو كل ما يلحق المتعاقد من خسارات مالية وتفويت لفرص الربح, بشرط أن يتصل ذلك اتصالا مباشرا بالفعل الموجب لهذه المسؤولية[26]. وبالتالي لا يكفي لقيام المسؤولية العقدية ان يكون هناك ضرر و خطأ, وانما يلزم الى جانب ذلك, أن يكون هذا الخطأ هو الذي تسبب في حدوث هذا الضرر, اي ان يكون الخطأ سببا مباشرا لحدوث الضرر, بحيث أن علاقة السببية بين الخطأ و الضرر مسألة لا غنى عنها, وأن لا تكون هناك أسباب خارجية, مما يعني أن عبئ اثبات هذه العلاقة يقع على الطرف المدعي أي الذي يطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت عن عدم تنفيذ العقد.

وعليه فاذا كانت المسؤولية العقدية تقوم عند الاخلال التزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه العقد من التزامات, فان أحكامها الان أمام تحديات قانونية كبيرة لاسيما في ظل ما وصل اليه الذكاء الاصطناعي من قدرات اداركية هائلة.

ويتضح أن المسؤولية العقدية للذكاء الاصطناعي من الصعب اعمالها, لأنه في الغالب حتى وان اعتبرنا أن الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء ومتخذا لقراراته بصورة مستقلة, ستبقى مسألة من يقف وراءه للاشراف على أعماله, مما يمكننا من أن نؤيد الاحتمال الأول بكون أنه في حالة حدوث الضرر يمكن للمتضرر أن يعود على من عينه لابرام هذا العقد, فتطبي المسؤولية العقدية على الذكاء الاصطناعي, لم يكن كافيا لمواجهة الاضرار التي يحدثها, فضلا على أنها توجه للشخص الطبيعي في حالة اخلاله بالعقد لا للذكاء الاصطناعي, بمعنى أن هذا الأخير حتى وان كان طرفا في العقد, لا يمكن أن نسائله مسؤولية عقدية, حتى وان افترضنا قيام الأطراف باضافة بنود في العقد لوصف قدرة الذكاء الاصطناعي ومخاطره, فان العقد لا يولد الا “التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة”.

الفقرة الثانية: المسؤولية التقصيرية للذكاء الاصطناعي

الأصل في المسؤولية التقصيرية أنها مسؤولية تقوم على خطأ واجب الاثبات يكمن في أن كل شخص ألحق بخطئه ضررا للغير لزمه جبره, فالقاعدة العامة تقضي بعدم الاضرار بالغير, وكل اخلال بهذا الواجب القانوني العام يعتبر خطأ يلزم مرتكبه تعويض ما لحق الطرف المضرور جراء ذلك الخطأ من ضرر في نفسه أو في ماله.

حيث نص المشرع المغربي في الفصل 77 من ق.ل.ع, الذي جاء فيه ما يلي: “كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار, ومن غير أن يسمح به القانون, فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر, اذا أثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر”.

فالخطأ التقصيري هو الانحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي الذي يصدر منه عن تميز وادراك, وهو ما نجد الشرع المغربي قد عرفه بأنه:”هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الامساك عنه, وذلك من غير قصد لاحداث الضرر” أما المشرع الفرنسي فلم يقم بتعريف الخطأ[27]. والى جانب الخطأ ثمة الضرر الذي يعد شرطا جوهريا لقيام المسؤولية المدنية والسؤولية التقصيرية على وجه الخصوص وقد عرفه المشرع المغربي في اطار الفصل 98 من ق.ل.ع:”الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم, هو الخسارة الت لحت المدعي فعلا و المصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر الى انفاقها لاصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب اضرارا به, وكذلك ما حرم منه من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل…”, ويلزم في الضرر ماديا كان أو معنويا أن يكون محققا وأن يتعلق هذا الضرر بحق أو مصلحة مالية مشروعة للمدعي.

اضافة الى ركني الخطأ والضرر, يستلزم توفر العلاقة السببية بينهما, وأن يكون ناتجا عن الخطأ المنسوب للشخص المسؤول مباشرة. غير أن التساءل الذي يطرح نفسه هنا هو هل يمكن التسليم بفكرة امكانية قيام المسؤولية التقصيرية عن فعل الذكاء الاصطناعي؟

ان طبيعة الذكاء الاصطناعي من الصعب أن تتوافق معها المسؤولية الخطيئة, أي أنه ليس للمسؤولية القائمة على التمييز و الوعي أي فائدة في التطبيق على فعل الذكاء الاصطناعي, بالرغم من استقلاله وقدراته المعرفية[28]. وبالتالي فان تقنيات الذكاء الاصطناعي تبقى بمعزل عن اسقاط قواعد المسؤولية التقصيرية عن الأفعال الشخصية والتي لها محدودية في التطبيق, ذلك أنه حتى ولو افترضنا حدوث ضرر مادي لحق الشخص في ذمته المالية, فانه بالرجوع الى أركان المسؤولية التقصيرية وجدنا على أنه يشترط للحصول على التعويض أن يكون الخطأ وأن يكون الفاعل عالما ومدركا, وله نية في الحاق الضرر بالمتضرر[29].  

وعليه فسواء تعلق الأمر بالمسؤولية العقدية أو التقصيرية, تبقى فكرة المسؤولية المدنية القائمة على الاعتبار الشخصي, تستند لفكرة مسؤولية الشخص عن أفعاله فيما يمكن وصفه بالمسؤولية المباشرة عن الفعل الشخصي التي تقوم على أساس الخطأ الشخصي المباشر أو غير المباشر.  

المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء الاصطناعي

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد حلم يراود البعض أوضرب من ضروب الخيال العلمي, بل أضحى حقيقة واقعية تحظى بتطبيقات عدة تحاكي الذكاء البشري حينا وتتفوق عليه أحيانا كثيرة, ولعل من أبرز ما يميز برامج الذكاء الاصطناعي عن غيرها من البرامج الأخرى هي قدرتها الفائقة على التعلم, الا أن نظام الذكاء الاصطناعي هو صورة من صور التطور التكنولوجي وأعلاها منزلة في العصر الراهن, وعلى الرغم من مزاياه الا أن اعتماد الادارة عليه في كافة الأنشطة التي تقوم بها وما يترتب عليه من مسؤولية وما يترتب عليه من اثار قانونية قد يكون محفوفا بالمخاطر بسبب الاخطاء التي قد تنجم عن الذكاء الاصطناعي, ومن تم يؤدي الى الاضرار بالمتعاملين, مما يستلزم ضرورة البحث عن التكييف القانوني الذي يتناسب مع معطيات العصر والنظر الى المسؤولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء الاصطناعي من منظور جديد يتناسب مع التطور التكنولوجي المذهل في كافة المجالات[30], ويقصد بالمسؤولية الجنائية ذلك الأثر القانوني المترتب على الجريمة, وتقوم على أساس تحمل الفاعل للجزاء الذي تفرضه القواعد القانونية الجنائية, بسبب خرقه للأحكام التي تقررها هذه القواعد.

الفقرة الأولى: قيام المسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء الاصطناعي

تشكل الجريمة خطرا اجتماعيا, لأنها تشكل مساسا بحقوق أو مصالح جديرة بالحماية الجنائية, وهي تهدد الكيان البشري في أمنه واستقراره بل وحياته, وانطلاقا من الخطورة التي تتسم بها هذه الظاهرة, تجد علماء القانون وعلماء النفس يولون هذه الظاهرة اهتماما كبيرا من حيث الدراسة, فقيام أي جريمة كيفما كان نوعها, يتطلب فيها أن تتوفر على الأركان الأساسية الموجبة لذلك, بعد أن يتم احداث النشاط الاجرامي, اضافة الى أن الجريمة يتطلب حدوثها ضرورة ارتكابها من قبل فاعل سواء كان أصليا أو مساهما أو مشاركا.   

فالمسؤولية الجنائية عبارة عن ذلك الأثر المترتب عن الجريمة كواقعة قانونية, وتقوم على أساس تحمل الفاعل للجزاء الذي تفرضه القواعد القانونية الجنائية بسبب خرقه للأحكام التي تقررها هذه القواعد, بعبارة أخرى هي تحمل نتائج أعمالنا, وتتحدد هذه المسؤولية بوضوح ودقة في نطاق القواعد الجنائية, في الالتزام بتحمل ما ترتب عن النشاط المجرم, وعن تنفيذ الحكم بالادانة في واجب الالتزام بتنفيذ العقوبة.[31]

وتعد المسؤولية الجنائية بالنسبة لجرائم الذكاء الاصطناعي معقدة بعض الشيء, بحيث أن هناك أربعة أطراف ترتبط بهم المسؤولية الجنائية في هذا النوع من الجرائم, وهم المصنع لتقنية الذكاء الاصطناعي, والمالك, والذكاء الاصطناعي نفسه, أو طرف خارجي غير هؤلاء الأطراف الثلاثة, فارتكاب الذكاء الاصطناعي لجريمة من تلقاء نفسه بدون خطأ برمجي ونتيجة لحدوث تطور ذاتي في نظام الذكاء الاصطناعي الذي يعمل به أصبح أمرا ممكنا جدا في الوقت الحالي, فارتكاب الجريمة من قبل الذكاء الاصطناعي بنفسه دون خطأ برمجي من المصنع أو تدخل أي طرف, وذلك عن طريق تقنيات حديثة تمكن الذكاء الاصطناعي من التفكير واصدار قرارات ذاتية, يكون هو وحده المسؤول عن اصدارها ففي هذه الحالة من المفترض أن تكون المسؤولية الجنائية واقعة على الذكاء الاصطناعي وحده, حيث نجد أنفسنا هنا أمام اشكال هام يتمحور حول امكانية تويع عقوبة ذات طابع زجري على كيانات الذكاء الاصطناعي.[32]

ويمكن اعتبار الحديث عن ارتكاب الذكاء الاصطناعي لجريمة من تلقاء نفسه,  دون وجود خطأ برمجي في الوقت الحالي ضربا من الخيال, لكن ذلك قد يحدث في المستقبل القريب  وبالتالي يتعين وضع هذه الاحتمالية و التفكير بحلول لها, ويمكن القول أنه في الوقت الحالي ورغم التطور الذي وصلت اليه كيانات الذكاء الاصطناعي الا أنها لم تصل بعد الى الدرجة التي تمكنها من اتخاذ القرارات, ومن جعلها المسؤزلة الوحيدة عن الخطأ غير العمدي الناجم عن أعمالها – وذلك على اعتبار أنه لا يمكن تصور ارتكاب جرم من قبلها, دون اشتراك أطراف أخرى كالمصنع أو المالك أو المستخدم أو طرف خارجي اخر, الا انه يبقى غير بعيد أن يصل كيان الذكاء الاصطناعي الى هذه الاستقلالية بارتكاب الجريمة بذاته دون اشتراك أحد, فهي مسالة محتملة مرتبطة بما يفرزه التطور و الخيال العلمي-[33] .      

الفقرة الثانية: شروط قيام المسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء الاصطناعي

تعتبر المسؤولية الجنائية الأساس القانوني الذي ينبني عليه توجيه أصابع الاتهام بالجريمة الى شخص معين, ولذلك لا بد من وجود شروط تقوم عليها, – والغاية من ادراج هذه النقطة- هو معرفة مدى امكانية تطبيق الشروط المنصوص عليها في القانون الجنائي على تقنيات الذكاء الاصطناعي, ذلك أن المشرع المغربي نص في الفصل 132 من ق.ج, على أنه:” كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرام التي يرتكبها..”, ويلاحظ من خلال هذا الفصل أن المشرع المغربي قد حاول أن يحدد الشروط الأساسية التي ينبغي أن تتوفر من أجل أن نسائل الشخص عن الجرائم التي يرتكبها, ولذلك فالمسؤول الجنائي حسب هذا الفصل – يجب أن يكون عاقلا- متمتعا بالارداة قادرا على التمييز, غير أنه في ظل غياب نصوص قانونية تحدد الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الذكاء الاصطناعي من أجل أن نسائله, هل تعتبر هذه الأخيرة ملائمة لمساءلة الذكاء الاصطناعي؟[34]

كما أن المشرع المغربي اشترط لثبوت المسؤولية الجنائية ضرورة توفر شرط العقل, بمعنى أنه لا مسؤولية جنائية في حالة ثبوت اصابة الشخص للفعل الجرمي بخلل عقلي, وتعتبر الأمراض العقلية من المسائل الخفية الدقيقة التي يرجع الفصل فيها لذوي الخبرة من أهل الاختصاص, ويمكن للمحكمة أن تقرر بناء على الملاحظة المباشرة, كما أن المرض العقلي لا سيما عندما يكون في صيغة الجنون قد يكون متصلا أو متقطعا لذلك يصب اكتشافه بدون فحص طبي ن قبل المتخصصين في المجال, ولا يمكن القول فقط بانعدام مسؤولية الادعاء بوجود نقص أو خلل في الملكات الذهنية[35].   

وبالتالي فما دام المشرع المغربي قد نص صراحة على كون المسؤولية الجنائية تثار فقط في الحالة التي يكون فيها الشخص مدركا ما يفعله, حيث تنتفي في حقه المسؤولية الجنائية لغياب شرطها الأساسي المتمثل في الادراك و التمييز, حيث يثار التساءل حول كيفية اثبات عنصر الادراك و التمييز لدى تقنيات الذكاء الاصطناعي؟   

 لو افترضنا أن الذكاء الاصطناعي متمتع بالاستقلالية وقائم على نظام التعلم الالي, فانه في نهاية المطاف يظل مختلفا عن الانسان, فهذا الأخير يملك ملكة الفكر و الوعي والادراك و التمييز, في حين أن الذكاء الاصطناعي لا يملك عقلا مفكرا, ولذلك فحسب الفصل 132 من ق.ج أعلاه فالاتهام لا يوجه الا للشخص الطبيعي لأنه الوحيد المؤهل لتحمل المسؤولية الجنائية, فالأهلية القانونية تمنح لكل انسان من لحظة مولده لحين وفاته, فهو الكائن المؤهل لاكتساب الأهلية القانونية ببلوغه سن الرشد الجنائي المحدد في 18 سنة شمسية كاملة, ويعد هذا الأكثر منطقية واتفاقا مع مفهوم الجريمة التي ترتكب من قبل الانسان, باعتباره كائنا متمتعا بالارادة المطلوبة, كما لا مسؤولية عليه اذا ارتكب فعلا يشكل جريمة طالما انعدمت ارادته[36]

خاتمة

تظهر هذه الدراسة أن تحقي التوازن بين الذكاء الاصطناعي و المسؤولية القانونية في مجال الذكاء الاصطناعي يبقى تحديا معقدا. على الرغم من التقدم الهائل في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي, يظل التحدي الأكبر هو تحديد الجهة المسؤولة في حالة حدوث أخطاء أو جرائم من الواضح أن الذكاء الاصطناعي يفتقر الى القدرة على التحمل الشخصي لأفعاله.

لذا قد تكون هناك حاجة لاعادة النظر في قواعد المسؤولية القانونية وتكييفه ليشمل تحديات الذكاء الاصطناعي, ويمكن أن تتضمن الاقتراحات المستقبلية تطوير قوانين وسياسات جديدة تلتقط تطورات التكنولوجيا وتوجهها نحو تحقيق توازن بين التقدم والمسؤولية. كما يجب على الأطراف المعنية – بما في ذلك القانونيين والمهندسين والمبتكرين – أن يتعاونوا لوضع ارشادات وضوابط تسهم في توجيه تطورات الذكاء الاصطناعي نحو الأهداف الأخلاقية والقانونية.

وخلاصة, يتطلب التعامل مع المسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي رؤية استباقية وتعاون مستمر بين القانونيين والمختصين التقنيين لضمان استفاذة مجتمعنا من التقنية المتقدمة بطريقة تلتزم بالقيم

الأخلاقية وتحمي حقوق الأفراد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لائحة المراجع

أولا: المؤلفات

  • مصعب ثائر عبد الستار, المسؤولية التقصيرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي, المجلد العاشر- العدد الثاني- 2021 .
  • د.عبد الله موسى, د.أحمد حبيب,  الذكاء الاصطناعي: ثورة في تقنيات العصر, ط. المجموعة العربية للتدريب والنشر- القاهرة, الطبعة الأولى 2019 م .
  • مدخل الى عالم الذكاء الاصطناعي, د عادل عبد النور.
  • عبد القادر العرعاري, مصادر الالتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية,  الطبعة الثالثة  2011
  • محمد أبو مندور موسى عيسى, مدى كفاية القواعد العامة للمسؤولية المدنية في التعويض عن أضرار الذكاء الاصطناعي- دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة- مجلة حقوق دمياط  للدراسات القانونية و الاقتصادية, ع 5 , يناير 2022,  جامعة دمياط مصر.
  • عبد الواحد العلمي, شرح القانون الجنائي “القسم العام”, دون ذكر المطبعة, ط 9, السنة 2019 .
  • سعيد الوردي, شرح القانون الجنائي العام المغربي – دراسة فهية وقضائية –  مطبعة الأمنية – الرباط, دون ذكر الطبعة.

ثانيا: الأطروحات و الرسائل الجامعية و الموسوعات

  • أيوب البلغيتي, المسؤولية القانونية لربوتات الذكاء الاصطناعي, رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص 2021/2022
  • صابر الهدام, القانون في مواجهة الذكاء الاصطناعي دراسة مقارنة, رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص, 2021/2022 .

ثالثا: المقالات و المجلات

  • عدد خاص بالملتقى الدولي المحكم حول: الاستثمار المالي و الصناعي في الذكاء الاصطناعي “التكنولوجيا المالية والثورة الصناعية الرابعة”, مركز جيل البحث العلمي سلسلة كتاب أعمال المؤتمرات العدد 34- أبريل -2022 .
  • أحمد سعد علي البرعي, تطبيقات الذكاء الاصطناعي و الربوت, العدد الثامن و الأربعون
  • محمد فتحي محمد ابراهيم, التنظيم التشريعي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي, مجلة البحوث القانونية والاقتصادية, العدد 71 (سبتمبر 2022)  .
  • كريم علي, الجوانب القانونية للذكاء الاصطناعي, مقال منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية العدد 54 .
  • عبد الله أحمد مطر الفلاسي, المسؤولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء الاصطناعي, المجلة القانونية ( مجلة متخصصة في الدراسات و البحوث القانونية).
  • بن عودة حسكر مراد, اشكالية تطبيق أحكام المسؤولية الجنائية على جرائم الذكاء الاصطناعي, مجلة الحقوق و العلوم الانسانية, المجلد 15,  العدد 01/2022  .
  • عادل كتيب, المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي و الربوتات, مقال منشور بمجلة القانون و الأعمال الدولية.

[1] – عدد خاص بالملتقى الدولي المحكم حول: الاستثمار المالي و الصناعي في الذكاء الاصطناعي “التكنولوجيا المالية والثورة الصناعية الرابعة”, مركز جيل البحث العلمي سلسلة كتاب أعمال المؤتمرات العدد 34- أبريل -2022 ص 7 .

[2] – أيوب البلغيتي, المسؤولية القانونية لربوتات الذكاء الاصطناعي, رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص 2021/2022 .

[3] –  مصعب ثائر عبد الستار, المسؤولية التقصيرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي, المجلد العاشر- العدد الثاني- 2021, ص 391.

[4] – أحمد سعد علي البرعي, تطبيقات الذكاء الاصطناعي و الربوت, العدد الثامن و الأربعون, ص 23 .

[5] – تعرف مجلس صناعة تكنولوجيا المعلومات ITI .

[6] – تعريف سايمون ) SIMON 1995 (.                             

[7] –  عدد خاص بالملتقى الدولي المحكم حول: الاستثمار المالي و الصناعي في الذكاء الاصطناعي “التكنولوجيا المالية والثورة الصناعية الرابعة”,  م.س,  ص 87 .

[8] – د.عبد الله موسى, د.أحمد حبيب,  الذكاء الاصطناعي: ثورة في تقنيات العصر, ص 20 , ط. المجموعة العربية للتدريب والنشر- القاهرة, الطبعة الأولى 2019 م .

[9] – مدخل الى عالم الذكاء الاصطناعي, د عادل عبد النور ص 5 .

[10] – تعريف شابيرو (Shapiro, 1992) .

[11] – تعريف نيغفينسكي   (Negnevitsky, 2005).

[12] – تعريف عبد النور .

[13] – تعريف اللوزي.

[14] – صابر الهدام, القانون في مواجهة الذكاء الاصطناعي دراسة مقارنة, رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص, 2021/2022  ص 14 .

[15] – صابر الهدام, م.س, ص 40 .

[16] –  محمد فتحي محمد ابراهيم, التنظيم التشريعي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي, مجلة البحوث القانونية والاقتصادية, العدد 71 (سبتمبر 2022)  ص 1036 .

[17] – كريم علي, الجوانب القانونية للذكاء الاصطناعي, مقال منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية العدد 54, ص 53 .

[18] – محمد فتحي محمد ابراهيم, م.س, ص 1052 .

[19] –   محمد فتحي محمد ابراهيم, م.س, ص 1026 .

[20] – كريم علي, م.س, ص 53 .

[21] – كريم علي, م.س, ص 53 .

[22] – عبد القادر العرعاري, مصادر الالتزامات الكتاب الثاني المسؤولية المدنية,  الطبعة الثالثة  2011 ص 9 .

[23] – عبد القادر العرعاري, م.س, ص 36 .

[24] – صابر الهدام, القانون في مواجهة الذكاء الاصطناعي دراسة  مقارنة, رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص, 2021/2022 .

[25] – عبد القادر العرعاري, م.س, ص 40 .

[26] – عبد القاد العرعاري, م.س, ص 50 .

[27] – صابر الهدام, م.س, ص 96 .

[28] – محمد أبو مندور موسى عيسى, مدى كفاية القواعد العامة للمسؤولية المدنية في التعويض عن أضرار الذكاء الاصطناعي- دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة- مجلة حقوق دمياط  للدراسات القانونية و الاقتصادية, ع 5 , يناير 2022,  جامعة دمياط مصر, ص 277 .

[29] – صابر الهدام, م.س, ص 99 .

[30] – عبد الله أحمد مطر الفلاسي, المسؤولية الجنائية الناتجة عن أخطاء الذكاء الاصطناعي, المجلة القانونية ( مجلة متخصصة في الدراسات و البحوث القانونية), ص 2640 .

[31] – عبد الواحد العلمي, شرح القانون الجنائي “القسم العام”, دون ذكر المطبعة, ط 9, السنة 2019 , ص 325 .

[32] – بن عودة حسكر مراد, اشكالية تطبيق أحكام المسؤولية الجنائية على جرائم الذكاء الاصطناعي, مجلة الحقوق و العلوم الانسانية, المجلد 15,  العدد 01/2022  , ص 100 .

[33] – عادل كتيب, المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي و الربوتات, مقال منشور بمجلة القانون و الأعمال الدولية.

[34] – صابر الهدام, م.س, ص 132 .

[35] – سعيد الوردي, شرح القانون الجنائي العام المغربي – دراسة فهية وقضائية –  مطبعة الأمنية – الرباط, دون ذكر الطبعة, ص 133 .

[36] – صابر الهدام, م.س, ص 135 .

ظهرت المقالة الذكاء الاصطناعي والمسؤولية القانونية – Intelligence Artificielle et Responsabilité Légale أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1525/%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%83%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b5%d8%b7%d9%86%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86/feed/ 0
في المنهج والإشكال القانونيين https://www.aljami3a.com/1522/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b4%d9%83%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%8a%d9%86/ https://www.aljami3a.com/1522/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b4%d9%83%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%8a%d9%86/#respond Sat, 25 Nov 2023 12:57:36 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1522 في المنهج والإشكال القانونيين مقدمة يتلقى الطالب القانوني منذ دخوله كلية العلوم القانونية والاجتماعية، معارف قانونية من خلال حضور دروس نظرية عن طريق التلقي وحفظ المعلومات بشكل ألي مما يعطينا نتيجة واحدة هي نسيان كل ما تلقاه الطالب من ذاكرته في رمشة عين، وحين تأتي لحظة مواجهة المجال العملي يجد الطلبة صعوبة في كيفية تطبيق كل ما تلقوه. كل هذا يؤدي إلى إكراهات تنتج لنا عقلا قانونيا دوغمائيا. فدارس القانون يجب عليه التخلي عن الأفكار الجامدة عند تعامله مع القانون، وألا ينظر إليه من زاوية شارحة للنص فقط، وإنما يجب أن يدرس القانون من الزاوية المحللة له وتفكيك ألفاظه ومعانيه، في ضوء علم اللغة والمنطق وعلم الاجتماع أو فلسفة التأويل، ويحتاج للاتصال مع العلوم الأخرى.  فكل هذه المواد والمجالات ستحقق لنا نتيجة مبهرة إلا وهي جودة في التفكير، التي ستحرر دارس القانون من القيود والمغلوطات، سيصبح من خلالها دارس القانون منفتحا أكثر على المجتمع وينظر إليه من موقع علوي تعطيه الصلاحية في معرفة ماذا يجري وما العمل عند وقوع إشكال. يتناول علم القانون إشكالات وظواهر قانونية ويدرس مواضيع متنوعة تنتج عن تطبيق القواعد القانونية فعلى الباحث القانوني إتباع منهج لحل الإشكالات المطروحة أمامه، ودراسة المناهج العقلية والإجرائية ومعرفة تطبيقها على الوقائع المعروضة عليه، بالموازاة مع ذلك معرفة كيفية تحديد الإشكاليات القانونية للوصول لحل قانوني تتحقق فيه عنصر العدالة وهذا هو الهدف الرئيسي، لأن القاعدة القانونية وليدة المجتمع وتطبق على المجتمع. أهمية الموضوع: تتجلى أهمية الموضوع في مدى أهمية المناهج والعلوم الأخرى وتأثيرها في دارس القانون عند حله للإشكالات القانونية عندما تتعارض الجوانب النفسية والثقافية والاقتصادية مع القاعدة القانونية واجبة التطبيق. إشكالية الموضوع: تطرح القاعدة القانونية...

ظهرت المقالة في المنهج والإشكال القانونيين أولاً على aljami3a.com.

]]>
في المنهج والإشكال القانونيين

مقدمة

يتلقى الطالب القانوني منذ دخوله كلية العلوم القانونية والاجتماعية، معارف قانونية من خلال حضور دروس نظرية عن طريق التلقي وحفظ المعلومات بشكل ألي مما يعطينا نتيجة واحدة هي نسيان كل ما تلقاه الطالب من ذاكرته في رمشة عين، وحين تأتي لحظة مواجهة المجال العملي يجد الطلبة صعوبة في كيفية تطبيق كل ما تلقوه. كل هذا يؤدي إلى إكراهات تنتج لنا عقلا قانونيا دوغمائيا.

فدارس القانون يجب عليه التخلي عن الأفكار الجامدة عند تعامله مع القانون، وألا ينظر إليه من زاوية شارحة للنص فقط، وإنما يجب أن يدرس القانون من الزاوية المحللة له وتفكيك ألفاظه ومعانيه، في ضوء علم اللغة والمنطق وعلم الاجتماع أو فلسفة التأويل، ويحتاج للاتصال مع العلوم الأخرى.

 فكل هذه المواد والمجالات ستحقق لنا نتيجة مبهرة إلا وهي جودة في التفكير، التي ستحرر دارس القانون من القيود والمغلوطات، سيصبح من خلالها دارس القانون منفتحا أكثر على المجتمع وينظر إليه من موقع علوي تعطيه الصلاحية في معرفة ماذا يجري وما العمل عند وقوع إشكال.

يتناول علم القانون إشكالات وظواهر قانونية ويدرس مواضيع متنوعة تنتج عن تطبيق القواعد القانونية فعلى الباحث القانوني إتباع منهج لحل الإشكالات المطروحة أمامه، ودراسة المناهج العقلية والإجرائية ومعرفة تطبيقها على الوقائع المعروضة عليه، بالموازاة مع ذلك معرفة كيفية تحديد الإشكاليات القانونية للوصول لحل قانوني تتحقق فيه عنصر العدالة وهذا هو الهدف الرئيسي، لأن القاعدة القانونية وليدة المجتمع وتطبق على المجتمع.

أهمية الموضوع:

تتجلى أهمية الموضوع في مدى أهمية المناهج والعلوم الأخرى وتأثيرها في دارس القانون عند حله للإشكالات القانونية عندما تتعارض الجوانب النفسية والثقافية والاقتصادية مع القاعدة القانونية واجبة التطبيق.

إشكالية الموضوع:

تطرح القاعدة القانونية واجبة التطبيق عدة إشكالات عندما تتعارض لنا مع المجتمع مما يجل من عدم تطبيق الأنسب عدم تحقيق العدالة وخلق إشكالات قانونية أخرى، فالإشكالية المحورية تتمثل في ما مدى تأثير المنهج والعلوم الأخرى في حل الإشكال القانوني؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية عدة تساؤلا فرعية منها:

–         ما أهمية الإشكال في البحث العلمي نظريا و تطبيقيا؟

–         ما هو المنهج المتبع عند تعارض القاعدة القانونية مع الظروف المحيطة بها؟

–         هل يمكن ترجيح الجانب النفسي أو الثقافي عندما يعارض القاعدة القانونية؟

وسنتطرق إلى هذا الموضوع من خلال التصميم التالي:

المطلب الأول: تحديد المفاهيم المنهج والعلم

المطلب الثاني: تأثير المنهج في حل الإشكال القانوني

المطلب الأول: تحديد المفاهيم المنهج والعلم

تعتبر الظواهر الاجتماعية أشد تعقيدا من الظواهر الأخرى، إن المشاكل التي تدرس في مجال العلوم الاجتماعية تعتبر أشد تعقيدا وتشابكا وتركيبا من تلك التي تدرس في العلوم الطبيعية ويصعب ضبطها تجريبيا.

وإذا كانت هذه هي بعض الصعوبات التي تقف في سبيل تطبيق المنهج العلمي في مجال العلوم والدراسات الاجتماعية، فإن الباحثين الاجتماعيين بذلو جهودا كبيرة في سبيل التغلب على هذه الصعوبات من أجل تطبيق المنهج العلمي في مجال العلوم الاجتماعية والقانونية.

لذا سنحدد المفاهيم الأساسية ألا وهي المنهج والعلم في الفقرات الموالية

الفقرة الأولى: المنهج

إن كلمة منهج “Méthode” أو ” Method” مشتقة أصلا من اللغة اللاتينية، وكانت تعني عند “أفلاطون” معاني البحث والنظر والمعرفة وكلمة منهج في أصلها الأوروبي تعني الطريق المؤدي إلى الغرض المطلوب خلال المصاعب والعقبات.

والمنهج لغة يعني الطريق أو النظام، كما يعني “كيفية” أو “فعل” أو “تعليم شيء وفقا لبعض المبادئ بصورة مرتبة ومنسقة ومنظمة.

كما عرف المنهج في المعنى الاصطلاحي بأنه:” فن التنظيم الصحيح لسلسة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، أو من أجل البرهنة عليها للأخرين حين نكون بها عارفين[1].”

وقد استخدمت كلمة أو علم المناهج لأول مرة على يد الفيلسوف “إيمانويل كانت” عندما قسم المنطق إلى قسمين: هما مذهب المبادئ وهو الذي يبحث في الشروط والطرق الصحيحة للحصول على المعرفة، وعلم المناهج الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم وبتحديد الطريق التي يتشكل ويتكون بها أي علم من العلوم. أي أن علم المناهج هو العلم الذي يبحث في أساليب البحث العلمي، والطرق العلمية التي يكشفها ويستخدمها العلماء والباحثون من أجل الوصول إلى الحقيقة، وبمعنى أوضح فالمنهج هو مجمل الإجراءات والعمليات الذهنية التي يقوم بها الباحث لإظهار حقيقة الأشياء أو الظواهر التي يدرسها.

أما المنهجية فهي فرع من فروع الإيبستمولوجيا (علم المعرفة أو فلسفة العلوم) تختص بدراسة المناهج أو الطرق التي تسمح بالوصول إلى معرفة علمية بالأشياء والظواهر. وهي تعني دراسة شتى الطرق التي يعتمدها التفكير ليصل إلى غاية ما في حقل من حقول المعرفة، أو إلى التعمق في دراسة موضوع ما. أي أنها مجموع الطرق أو الأساليب التي توجه نشاطاتنا الذهنية نحو غاية معينة.

إنما مفهوم المتعارف عليه حاليا فهو أن المنهجية طريقة للإجابة عن إشكالية أو سؤال قانوني ما أو لتحليل فكرة ما. فهي طريقة في الكتابة تقوم على عرض الأفكار بأسلوب متسلسل ومترتب ومبوب (معنون)، وتجنب العرض العشوائي وغير الموظف للمعلومات أو سردها بأسلوب غير مترابط العناوين.

فالمنهجية إذا مجرد وسيلة وليست غاية بحذ ذاتها، فهي أسلوب للتفكير المنظم وهي الحيط الخفي الذي يشد أجزاء الموضوع إلى بعضها البعض، بغض النظر عن نوع الموضوع، وهذه الوسيلة بما تتضمنه من أساليب تفكير علمية، ولدت من رحم الفلسفة، وترعرعت في كنف العلوم الطبيعية، وأصبحت في ريعان شبابها رفيقة العلوم الإنسانية.[2]

الفقرة الثانية: العلم

العلم جمع علوم: أدرك الشيء بحقيقته، العلم: اليقين والمعرفة وكلمة علم ” science ” تعني لغة: إدراك الشيء بحقيقته وهو اليقين والمعرفة.

أما العلم اصطلاحا فهو “ذلك الفرع من فروع الدراسة الذي يرتبط بالمعرفة المنظمة تنظيما دقيقا بما يسمح باكتشاف العديد من الحقائق والمبادئ والقواعد ثم الربط بينها ربطا محكما، وذلك بالأسلوب والمنهج العلمي توصلا للعديد من القوانين التي تحكمها.”

كما يعرف البعض العلم أنه:” نسق المعارف العلمية المتراكمة أو بمعنى أسلوب معالجة المشاكل (أي المنهج العلمي).

فالعلم إذا هو المعرفة المنسقة التي تنشأ عن الملاحظة والتجريب والدراسة والتي تقوم بفرض تحديد طبيعة وأسس وأصول ما تتم دراسته… والعلم فرع من فروع المعرفة أو الدراسة خصوصا ذلك المتعلق بتنسيق وترسيخ الحقائق والمبادئ والمناهج بواسطة التجارب والفروض.

كما أن العلم ليس مجرد مجموعة مترابطة من الحقائق الثابتة المصنفة والقوانين العامة.

ومما سبق يمكن القول بأن المعرفة “La connaissance ” هي المدخل الطبيعي للعلم إذ لا يمكن الحديث عن علم بدون معرفة.

أما المعرفة فهي عبارة عن مجموعة من المعاني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التي تتكون لدى الإنسان نتيجة لمحاولته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به.

والمعرفة أشمل وأوسع من العلم، ذلك أن المعرفة تشمل كل الرصيد الواسع من المعارف والعلوم والمعلومات التي استطاع الإنسان باعتباره كائنا ومخلوقا يفكر ويتمتع بالعقل أن يجمعه خلال وعبر التاريخ الإنساني الطويل بحواسه وفكره وعقله. كقيام الإنسان بالنظر والتأمل في بعض عناصر بيئته كالنجوم والكواكب ثم محاولة الإحاطة التامة بها وفهم أسرارها.

ومن المعارف ما يتصل بتكوين الإنسان البيولوجي والنفسي، ومنها ما يتصل بعناصر بيئته الطبيعية والاجتماعية والثقافية ويتكون البناء المعرفي العلمي من مجموعة من المفاهيم والعبارات التي يعتبرها العلماء مفيدة لتحقيق الهدف والغرض من العلم[3].

المطلب الثاني: تأثير المنهج في حل الإشكال القانوني

عندما تعرض علينا قضية جنائية، يجب علينا أن نكون على إلمام بعلم النفس وعلم الاجتماع ودراسة سلوكيات الأفراد، فكيف يعقل أن نحكم على حالة بعقوبة دون دراسة حالته وما السبب الرئيسي أو الدافع لارتكابه للجرم، وكذلك بالنسبة لقضية متعلقة بقانون الأسرة، هنا يجب الاطلاع على التاريخ، ودراسة حالة الطفل النفسية، ودراسة اقتصادية خاصة في الأحكام المتعلقة بالنفقة، ودراسة علم الاجتماع القانوني كل هذا من أجل تحقيق المصلحة الفضلى للطفل.

ويجب على دارسي القانون أن يتبع منهجا سليما من أجل تحقيق توازن بين ما درسه في القانون والعلوم الأخرى والمحيط الاجتماعي من أجل تطبيق سليم للقاعدة القانونية.

وأيضا بالنسبة للقانوني المدني، فأصل الالتزامات والعقود منبثق من الأخلاق فلو كان الإنسان ثابت في أخلاقه لما وجد القانون المدني، فهنا نلاحظ ترابط المجالات والعلوم بتطبيق القاعدة القانونية، لا يمكن إغفال أي شيء عند حل الإشكال القانوني.

الفقرة الأولى: إشكالية تعارض القاعدة القانونية مع المجتمع

يدرس طالب القانون في أول سنة دراسية له بتخصص القانون، مادة تسمى مدخل للعلوم القانونية، وحتما يتلقى فيها أساسيات الدراسات القانونية، ومنها القاعدة القانونية[4]، فهذه الأخيرة تنظم الحياة في المجتمع وتضبط العلاقات بين الأفراد، هي قاعدة سلوك تفرض أو تمنع أو تبيح سلوكا معينا. [5]ومبدئيا كل قاعدة قانونية ملزمة للأفراد المخاطبين بحكمها، لأن القانون لا يقدم النصائح، ولا يعبر عن التمنيات أو التوصيات، وإنما يضع أوامر واجبة الاحترام، وهذا ما يدفع بعض الفقهاء إلى تعريف القانون بأنه أوامر مفروضة، لكن القوة الإلزامية ليست دائما بنفس الدرجة، بل هناك قواعد أكثر إلزامية من غيرها، ولهذا يقسم القانون لقوانين امرة ومكملة.

وما يهمنا هنا القواعد الامرة، فهذه القوانين تفرض بشكل مطلق على الأشخاص وعلى المحاكم، ولا يمكن لهم استبعادها بمحض إرادتهم، وغالبية قواعد القانون العام والجنائي تدخل في هذا الصنف، فكل اعتداء على حياة الفرد يعاقب عليه بعقوبة منصوص عليها في القانون الجنائي، هذه قاعدة امرة لا يجوز للأفراد الاتفاق على استبعادها، فالمتابعة الجنائية ستتم حتى لو كان الاعتداء تم بناء على اتفاق أو برضى الضحية، التي وجدت مثلا في حالة صحية ميؤوس منها كالقتل بدافع الشفقة. فالفاعل هنا يعاقب كقاتل، وإن كان يتمتع عادة بظروف التخفيف نظرا للباعث الشريف الذي حركه، وفي نفس المعنى نجد الفصل 407 من القانون الجنائي يعاقب على المساعدة بطلب من المنتحر نفسه الذي قرر وضع حد لحياته، ففي هذه الأمثلة يطبق القانون الجنائي بالرغم من كون الباعث شريفا، وبالرغم من القبول المسبق للضحية بنتيجة الفعل، نستنتج من هذا أن القاعدة القانونية لا تتأثر مبدئيا بإرادة الأفراد.

كما هو معلوم لا قانون بغير مجتمع ولا مجتمع بدون قانون، ولذلك فالقانون يتفاعل مع المجتمع ويتطور بتطوره الثقافي والحضاري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومن ثم فالقانون لا يمكن أن ينظر إليه باعتباره وحدة ذات كيان مستقل قائم بذاته بل يجب أن يدرس من خلال الظروف الاجتماعية التي يظهر فيها والدور الذي يقوم به داخل المجتمع.[6]

 تدور في ذهننا العديد من الأسئلة عند دراستنا للقاعدة القانونية. هل كل ما ندرسه موافق للواقع؟ وهل يمكن لنا مخالفة القاعدة القانونية التي ليس لها استثناء لكي نحقق التطبيق العادل للقانون؟ ماذا لو كانت القاعدة القانونية تعارض المجتمع؟ عندما تعارض القاعدة القانونية المحيط بها، نقع في المحظور، بدلا من حل الإشكال القانوني المطروح علينا، نخلق إشكالات أخرى والتي قد تكون أصعب من الأولى.[7]  فالنتيجة هي وجود شارخ بين القانون والحياة وهذا المستوى يجعل من المجتمع في حالة شك من تطبيق القانون، وتهز الثقة في إمكانية حماية مصالح وحقوق المجتمع بالقانون، وأحيانا أخرى رفض القانون من قبل المجتمع. [8]فالغوص نحو الشكلية المفرطة يؤدي إلى الابتعاد عن الإنسان والغوص في هذه الشكلية. فقد جعلت الشكلانية من القانون أداة لا تحقق العدالة في غايتها، وهذا أمر غير سليم، فليس من المنطقي إذن أن تفصل القاعدة القانونية على العدالة والأخلاق، أوعن العلوم الأخرى، تبتغي تحقيق أثر اجتماعي دون أي مراعاة لسلوك الإنسان الاجتماعي الذي يتميز بالتطور.

الفقرة الثانية: المنهج المعتمد في حل الإشكال القانوني

لماذا نتصرف كما نفعل؟ إنه سؤال طرحه الفلاسفة منذ قديم الزمان أعمال دوسوفيسكي، فرويد، مثل رواية “الجريمة والعقاب” وكتاب “مافوق مبدأ اللذة” أعظم نوابغ التاريخ أدهشهم تقلبات سلوك الإنسان. لذا حين نعجز عن تحديد الدافع فورا، لا يجب أن نهرع أو نفزع، إنها أحجية، لكن يمكن حلها إن اتبعنا منهجا سليما.

فرجل القانون الذي لا يتبع منهجا سليما لن يستطيع أن يكون فعليا رجل قانون لن يستطيع فهم الدوافع الحقيقية للفعل، مما يؤدي به حتما لعدم التطبيق السليم للقاعدة القانونية، مما يخلق لنا إشكالات أخرى. فماذا لو كانت القاعدة القانونية واجبة التطبيق تتعارض مع الجوانب الأخرى النفسية والاجتماعية والثقافية؟ ما العمل عند عدم وجود بدائل أخرى؟ هل يمكن لرجل القانون الترجيح بين الجانب النفسي أو الثقافي لكي يطبق القاعدة القانونية؟ 

كل هذا يتعرض له دارس القانون أو رجل القانون في الوسط العملي، فيستعصي عليه إجاد الحل السليم، ويجعله في مهمة صعبة من أجل تطبيق القاعدة القانونية على نحو عادل، لاسيما في مجال قضاء الأسرة وقضاء الأحداث، وبالخصوص في الأحكام المتعلقة بالأطفال.

تتجلى هذه الصعوبات في كون هذه القاعدة القانونية قد لا تكون في مصلحة الشخص، خاصة عند عدم وجود استثناءات أو بدائل على القضايا المعروضة على القاضي. وقد تتعارض القاعدة القانونية مع الظروف المحيطة في المجتمع كما أشرنا سابقا.

 فكل هذا يفرض عليه أن يصبح ملما بدقة عالية بمحيطه، أن يخرج للواقع ألا يكون حبيسا لغرفة مغلقة، أن يفهم علم الاجتماع، علم النفس الجنائي، علم الإجرام، علم السياسة، علم الاقتصاد، التاريخ … يجب عليه الإلمام بكل شيء وبكل مجال، لأن المجتمع يتطور بسرعة شديدة، خصوصا مع الثورة التكنولوجيا الحالية، فعامل واحد يتغير اليوم يؤدي بنا غدا بوقائع وأحداث وأفعال جديدة لم يتصور أحد أنها قد تحدث.

السؤال المطروح هنا هل يمكن التغاضي عن القاعدة القانونية الواجبة التطبيق متى بدا للقاضي عدم عدالتها، دون أن يتهم بأنه خرق الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه يجب على القاضي خاصة أو المحكمة عامة أن تبث في حدود الطلبات ولا يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات، أم يطبق التشريع الأجنبي باتخاذ جميع التدابير الملائمة لتشريعها الداخلي؟

تجب الإشارة أن من المقومات التي جاء بها دستور 2011، حسب الفصل 110 ألا يلزم القضاة إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون. نستخلص من هذا النص أنه لا يجب التشبث الحرفي والالي بالنصوص التشريعية، فهذا يؤدي بنا للإضرار بمصالح الأفراد وحقوقهم. فمن الضروري أن يقوم القاضي بتمحيص الوقائع تمحيصا يجعله يصل للتكييف القانوني الملائم، للوصول إلى حكم.

وفي هذا السياق يمكننا أن نضرب مجموعة من الأمثلة القانونية التي تتعارض فيه القاعدة القانونية مع المجتمع.

نص المشرع المغربي في المادة 175 من مدونة الأسرة على أن زواج الحاضنة الأم، لا يسقط حضانتها في الأحوال الاتية:

1-       إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سبع سنوات، أو يلحقه ضرر من فراقها.

2-       إذا كانت بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم.

3-       إذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون.,

4-       إذا كانت نائبا شرعيا للمحضون.

فمن خلال النص القانوني أعلاه يتضح أن حضانة الأم تسقط عندما تتزوج من زوج ليس قريبا محرما أو نائبا شرعيا، وتنتقل للأب الذي قد يكون متزوجا، فهل من المنطقي أن زوجة الأب ستحضن الطفل كأمه، هذا لا يمكن بتاتا فلا أحد يعوض مكانة الأم، أليس من المنطقي أن المصلحة الفضلى للطفل أن يحضن من طرف أمه، وغياب الأم في حياة الطفل حتما سيؤدي به لأضرار اثارها لا تختلف عن اثار التعذيب والضرب، كما قال أفلاطون ” لم أجد الطمأنينة في أي مكان إلا في حضن أمي” ، فهل يمكن في هذه الحالة  أن نرجح الجانب النفسي للطفل لكي نطبق القاعدة القانونية؟

كمت تنص المادة 178 من مدونة الأسرة على أنه: “لا تسقط الحضانة بانتقال الحاضنة أو النائب الشرعي للإقامة من مكان لآخر داخل المغرب..” يتضح من النص أن انتقال الحاضنة أو النائب الشرعي للإقامة خارج المغرب يؤدي لإسقاط الحضانة، فهل هناك فرق بين الانتقال داخل المغرب أو خارجه؟ هل الانتقال بالطفل المحضون خارج المغرب سيسبب له ضرر؟

حتما ليس في جميع الحالات، فبعض الأحيان سيكون في مصلحة الطفل هذا الانتقال من جميع الجوانب النفسية والتعليمي. [9]حيث قضى المجلس الأعلى سابقا بأنه “شرعت الحضانة لمصلحة المحضون، كما هو الراجح. وهذه المصلحة على محتكم الموضوع أن تلتمسها في كل قضية.” ولذلك رفض طلب النقض الذي تقدم به الأب ضد حكم المحكمة التي وازنت فيه بين مصلحة المحضون وهي عند أبيها غير المتزوج وبين مصلحتها وهي عند أمها المطلقة التي انتقلت بها إلى بلد اخر، فقررت أن مصلحتها تكون عند أمها. كما قرر المجلس الأعلى سابقا أن ” الحكم الذي لن تبين فيه مصلحة نقل المحضون يكون ناقص التعليل وهو يوازي انعدامه”. وفي باب الحضانة حسب ما جاء في المادة 186 من مدونة الأسرة التي تنص على ” تراعي المحكمة مصلحة المحضون في تطبيق مواد هذا الباب” أي فهنا على القاضي تطبيق منهج سليم لحل التداخلات النفسية والاقتصادية في تطبيقه للقاعدة القانونية.

كما جاء في الفصل 165 من مدونة الأسرة على أنه:” إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها، أو وجد ولم تتوفر فيه الشروط، رفع من يعنيه الأمر أو النيابة العامة الأمر إلى المحكمة، لتقرر اختيار من تراه صالحا من أقارب المحضون أو غيرهم، وإلا اختارت إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك.” ألا يعقل أن عدم قبول الحضانة سيضر حتما بمصلحة الطفل، فما سيكون مصيره؟ نظرا لما للأسرة من أثر كبير في تقويم سلوك الفرد. [10] فاعتبار الحضانة حقا للحاضن وتمكينه من إسقاطها ولو في ذلك مضرة للمحضون، من المسائل التي تتنافى مع فسلفة الحضانة بحد ذاتها.

نمر الان لقانون المسطرة الجنائية حيث تنص المادة 481 من قانون المسطرة الجنائية على أنه:” يمكن للمحكمة أن تتخذ في شأن الحدث واحدا أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب الاتية:

1-       تسليم الحدث لأبويه أو للوصي عليه أو للمقدم عليه أو لكافله أو لحاضنه أو لشخص جدير بالثقة أو للشخص المكلف برعايته؛

2-       إخضاعه في مؤسسة عمومية أو خاصة للتربية أو التكوين المهني ومعدة لهذه الغاية؛

3-       إيداعه في معهد أو مؤسسة عمومية أو خاصة للتربية أو التكوين المهني ومعدة لهذه الغاية؛

4-       إيداعه تحت رعاية مصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة بالمساعدة؛

5-       إيداعه بقسم داخلي صالح لإيواء جانحين أحداث لا يزالون في سن الدراسة؛

6-       إيداعه بمؤسسة معدة للعلاج أو للتربية الصحية؛

7-       إيداعه بمصلحة أو مؤسسة عمومية معدة للتربية المحروسة أو للتربية الإصلاحية.

يتعين في جميع الأحوال أن تتخذ التدابير المشار إليها أعلاه لمدة معينة لا يمكن أن تتجاوز التاريخ الذي يبلغ فيه عمر الحدث ثمان عشرة سنة ميلادية كاملة.”

فمن خلال هذا النص يتضح أنه على القاضي المكلف بالأحداث أن يطبق القانون وفق المصلحة الفضلى للطفل، فقضاء المختص بالأحداث، ليست مهمته السعي لإثبات ارتكاب الحدث للجريمة فحسب، إنما بهدف التعرف على المشكل والظروف التي أدت به لارتكاب الجريمة، واتخاذ تدابير مناسبة لمعالجة الحدث من أجل تهذيبه وإصلاحه.

 ذلك لأن الأحداث الجانحين في واقع الحال، هم ضحايا لظروفهم الاجتماعية السيئة التي دفعتهم إلى ما ارتكبوه من أفعال تعد جرائم قانونا مع ما هم عليه من نقص في الادراك وضعف في الارادة وقصور في النضوج الاجتماعي. كما صاغ (لندسي قاضي الاحداث) جوهر هذا المفهوم بقوله ” عندما يسرق طفل دراجة، ليس المهم بالنسبة للمجتمع أن يعرف مصير الدراجة، ولكن المهم أن يعرف بمصير الطفل”.

فالجانح اليوم هو المجرم الخطير غدا لذا يجب حمايته. فالسؤال المطروح هنا هل يمكن للقاضي اتخاذ تدبير اخرى غير المذكورة في الفصل السابق؟


[1]  ادريس الفاخوري، أسس البحث العلمي ومناهجه، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الرابعة، 2018، ص 16.

[2]  زهير شكر، المنهجية في دراسة القانون، مكتبة زين الحقوقية و الأدبية، الطبعة الأولى 2010، ص 21.

[3]  إدريس الفاخوري، أسس البحث العلمي و مناهجه، مرجع سابق، ص 20.

[4]  محمد جلال السعيد، المدخل لدراسة القانون، الطبعة الثالثة 2016، ص 41.

[5]  محمد جلال السعيد، مرجع سابق، ص 43.

[6]  ادريس الفاخوري، المدخل لدراسة العلوم القانونية، الجزء الأول نظرية القانون، السنة الجامعية 1991-1992، ص 11(8).

[7]  أحمد السكسيوي، القانون أفقا للتفكير، مقاربات متعددة، أفريقيا الشرق 2022، ص 13.

 أحمد السكسيوي، مرجع سابق، ص 19[8]

[9]  عبد المجيد غميجة، موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل الأحوال الشخصية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، سنة 2000، ص 274.             

[10]  عبد المجيد غميجة، مرجع سابق ص 268.

ظهرت المقالة في المنهج والإشكال القانونيين أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1522/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b4%d9%83%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%8a%d9%86/feed/ 0
وسائل الإثبات في منازعات الصفقات العمومية تعليق على قرار محكمة النقض عدد 325 الصادر بتاريخ 14 مارس 2019، في الملف الإداري عدد 2099/4/2017 https://www.aljami3a.com/1519/%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ab%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b2%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85/ https://www.aljami3a.com/1519/%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ab%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b2%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85/#respond Thu, 23 Nov 2023 22:48:41 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1519 القاعدة صفقة عمومية-خصوصية مسطرة الإثبات. إذا كان إثبات الالتزام في إطار الصفقات العمومية تحكمه مسطرة خاصة، تقتضي حصر قيمة الأشغال المنجزة والإدلاء بالكشف الحسابي النهائي، موقع ومقبول من طرف جميع الأطراف، فإن ذلك يعد تدبيرا ووقاية للحفاظ على المال العام، وعدم صرف الاعتمادات المخصصة للصفقة دون احترام هذه الضوابط، إلا أن هذه الشكلية في الإثبات لا يمكن أن تمتد إلى مرحلة المنازعة القضائية سيما وأن المدعي ما فتئ يعيب على الإدارة عدم تعاونها، في هذا الشأن لإعداد هذه الوثائق، وبالتالي يحق له اللجوء إلى القواعد العامة في الإثبات، والمحكمة لما لجأت في إطار التحقيق إلى الأمر بخبرة في الموضوع، وتأكد لما من التقرير المنجز بها أن هناك أشغالا أخرى ثبت إنجازها من طرف المطلوب في النقض، وأنه يستحق عنها تعويض وقضت على النحو الوارد في منطوقها، تكون قد استندت إلى حقائق ومعطيات واقعية أثبتتها الخبرة، وجاء قرارها معللا تعليلا سليما. – رفض الطلب باسم جلالة الملك وطبقا للقانون حيث يستفاد من أوراق الملف، ومن القرار المطعون فيه بالنقض رقم794 الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 20/02/2017 في الملف رقم 13/7207/2016 المطعون فيه بالنقض، أنه بتاريخ 10/12/2014 تقدم المدعي بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط عرض فيه أنه أبرم عقدا مع مندوبية وزارة الشباب والرياضة لجهة الرباط سلا زمور زعير، من أجل إنجاز أشغال طوبوغرافية وهندسية بنيابة مقر المندوبية وكذا قاعة علال الفاسي والبنايات الملحقة، وأنه قد أنجز هذه الأشغال وداخل الأجل المتفق عليه، غير أنه بعد قيامه بأشغال المسح والهندسة للموقع المحدد من طرف صاحبة المشروع تبين أن المساحة الإجمالية التي تم تحديدها هي 5360 م م وليس مساحة 3000 م م التي حددتها صاحبة...

ظهرت المقالة وسائل الإثبات في منازعات الصفقات العمومية تعليق على قرار محكمة النقض عدد 325 الصادر بتاريخ 14 مارس 2019، في الملف الإداري عدد 2099/4/2017 أولاً على aljami3a.com.

]]>

القاعدة

صفقة عمومية-خصوصية مسطرة الإثبات.

إذا كان إثبات الالتزام في إطار الصفقات العمومية تحكمه مسطرة خاصة، تقتضي حصر قيمة الأشغال المنجزة والإدلاء بالكشف الحسابي النهائي، موقع ومقبول من طرف جميع الأطراف، فإن ذلك يعد تدبيرا ووقاية للحفاظ على المال العام، وعدم صرف الاعتمادات المخصصة للصفقة دون احترام هذه الضوابط، إلا أن هذه الشكلية في الإثبات لا يمكن أن تمتد إلى مرحلة المنازعة القضائية سيما وأن المدعي ما فتئ يعيب على الإدارة عدم تعاونها، في هذا الشأن لإعداد هذه الوثائق، وبالتالي يحق له اللجوء إلى القواعد العامة في الإثبات، والمحكمة لما لجأت في إطار التحقيق إلى الأمر بخبرة في الموضوع، وتأكد لما من التقرير المنجز بها أن هناك أشغالا أخرى ثبت إنجازها من طرف المطلوب في النقض، وأنه يستحق عنها تعويض وقضت على النحو الوارد في منطوقها، تكون قد استندت إلى حقائق ومعطيات واقعية أثبتتها الخبرة، وجاء قرارها معللا تعليلا سليما. – رفض الطلب

باسم جلالة الملك وطبقا للقانون

حيث يستفاد من أوراق الملف، ومن القرار المطعون فيه بالنقض رقم794 الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 20/02/2017 في الملف رقم 13/7207/2016 المطعون فيه بالنقض، أنه بتاريخ 10/12/2014 تقدم المدعي بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط عرض فيه أنه أبرم عقدا مع مندوبية وزارة الشباب والرياضة لجهة الرباط سلا زمور زعير، من أجل إنجاز أشغال طوبوغرافية وهندسية بنيابة مقر المندوبية وكذا قاعة علال الفاسي والبنايات الملحقة، وأنه قد أنجز هذه الأشغال وداخل الأجل المتفق عليه، غير أنه بعد قيامه بأشغال المسح والهندسة للموقع المحدد من طرف صاحبة المشروع تبين أن المساحة الإجمالية التي تم تحديدها هي 5360 م م وليس مساحة 3000 م م التي حددتها صاحبة المشروع في عقد الصفقة، وقد طالب المدعى عليه بأداء الفرق إلا أنها امتنعت عن ذلك، والتمس من المحكمة الحكم عليها بأدائها قيمة الفرق المحدد في 2360 م م والتي تبلغ 87.792,00 درهم حسب الفاتورة عدد {…..} وكذا الحكم له بتعويض عن التماطل حدده في مبلغ 80.000 درهم مع النفاذ المعجل والصائر، وبع قيام المحكمة بخبرة في الموضوع أصدرت حكمها على الدولة المغربية ووزارة الشباب والرياضة لفائدته مبلغ 87.792 درهم وبعقوبة عن التماطل قدرها 7000 درهم وتحميلها الصائر ورفض باقي الطلبات فاستأنفه الوكيل القضائي للمملكة، وبعد استيفاء المحكمة للإجراءات المسطرية اللازمة قضت بتأييد الحكم المستأنف بمقتضى قراراها المشار إليه أعلاه وهو القرار المطعون فيه بالنقض.

في شأن الوسيلة الأولى المتعلقة بعدم ارتكاز القرار على أساس المتجلي في التصريح بالمديونية بناء على سند تسليم لا حجية له:

حيث أن الطاعن يعيب القرار بخرقه لقواعد الإثبات في ميدان الصفقات العمومية، إذ أن عدم إثبات المطلوب في النقض استحقاقه للمبالغ المطالب بها عبر الإدلاء بكشف حسابي نهائي موقع من طرف جميع الأطراف الإدارية يدل على كون الدعوى منتفية الإثبات المعتد به قانونا،خاصة وأن الاجتهاد القضائي ما فتئ يؤكد على أن الوثيقة الحاسمة في تحديد الوضعية النهائية والمالية للصفقة هو الكشف الحسابي النهائي، المقبول والموقع عليه من طرف جميع الأطراف وأن القرار المطعون فيه بعدم مراعاته لهذه القواعد يكون غير مرتكز على أساس وعرضة للنقض.

لكن حيث إنه إذا كان إثبات الالتزام في إطار الصفقات العمومية تحكمه مسطرة خاصة تقتضي حصر قيمة الأشغال المنجزة والإدلاء بالكشف الحسابي النهائي موقع ومقبول من طرف جميع الأطراف فإنما كان ذلك تدبيرا ووقاية للحفاظ على المال العام، وعدم صرف الاعتمادات المخصصة للصفقة دون احترام هذه الضوابط، إلا أن هذه الشكلية في الإثبات لا يمكن أن تمتد إلى مرحلة المنازعة القضائية سيما وأن المدعي ما فتئ يعيب على الإدارة عدم تعاونها في هذا الشأن لإعداد هذه الوثائق، وبالتالي يحق له اللجوء إلى القواعد العامة في الإثبات، والمحكمة لما لجأت في إطار التحقيق إلى الأمر بخبرة في الموضوع، وتأكد لما من التقرير المنجز بها أن هناك أشغالا أخرى ثبت إنجازها من طرف المطلوب في النقض، وأنه يستحق عنها تعويض وقضت على النحو الوارد في منطوقها، تكون قد استندت إلى حقائق ومعطيات واقعية أثبتتها الخبرة، وجاء قرارها معللا تعليلا سليما وما بالوسيلة على غير أساس.

في شأن الوسيلة الثانية المتعلقة بعدم ارتكاز القرار على أساس المتجلي في التصريح بالمديونية بناء على خبرة معيبة:

حيث يعيب الطاعن القرار بتبنيه في قضائه لخبرة معيبة لمخالفتها مقتضيات المادة 63 من قانون المسطرة المدنية لعدم تضمين تقرير الخبرة لتصريحات وأقوال الأطراف كما لم يتضمن التصريح الكتابي المدلى به من طرف ممثله هذا فضلا على أن الخبير لم يقم بعملية التمييز ولم يتحقق من كون الخدمات أنجزت فعلا على المساحة التي حددتها في 5630 م م والقرار باعتماده على هذه الخبرة المعيبة يكون عرضة للنقض.

لكن، حيث إن تقرير الخبرة وإن لم يتضمن تصريحات ممثلة الوكالة القضائية، فإن الخبير قد أرفقها بتقريره، وبالتالي أصبحت تشكل جزءا منه، هذا فضلا عن كون هذه التصريحات الكتابية ذات طبيعة قانونية وأن الخبير غير ملزم وباعتبارها كذلك بالتعرض إليها في التقرير كما أن عملية التمييز ليست الوسيلة الوحيدة للوصول إلى النتيجة المرجوة منها، إذ يمكن الحصول عليها بوسائل علمية أخرى، بل بمجرد القيام بالعمليات الحسابية كما أورد ذلك الخبير في خلاصة تقريره، والمحكمة حينما وقفت على موضوعية المعطيات التي ارتكزت عليها الخبرة وبنت عليها قضاءها تكون قد بنته على أساس سليم وما بالوسيلة على غير أساس.

في شأن الوسيلة الثالثة المتعلقة بعدم ارتكاز القرار على أساس المتجلي في الحكم بالتعويض عن التماطل:

حيث يعيب الطاعن القرار بتبنيه للحكم الابتدائي الذي قضى وفق الطلب بالرغم من عدم ثبوت الدين المطالب به والمبرر للحكم بالتعويض عن التماطل وبعدم إثبات الضرر المبرر لذلك وبالتالي يكون غير مرتكز على أساس وعرضة للنقض.

لكن، حيث أنه من الثابت من وثائق الملف أن المطلوب في الطعن يستحق الدين الذي طالب به، وأن الإدارة لم تنازع فيه وأنها لم تسدده رغم المطالبة به، وهو ما يشكل ضررا للمطلوب في الطعن وأن القرار المطعون فيه لما قضى بهذا الجزء من الطلبات بما جاء في تعليله.

“وحيث فيما يخص التعويض عن التماطل فعلى عكس ما أثاره المستأنف عليه سبق أن تقدم بتاريخ 25/08/2009 بطلب تسوية مستحقاته موضوع الملف الحالي إلى مندوب الشبيبة والرياضة بتاريخ 03/09/2009 بموضوع الرسالة المذكورة، مما تكون معه موجبات الحكم لفائدة المستأنف عليه بتعويض عن التماطل قائمة….”

يكون قد بني على أساس قانوني سليم وما بالوسيلة على غير أساس.

لهذه الأسباب

قضت محكمة النقض برفض الطلب.

التعليق على القرار

تندرج النازلة موضوع قرار محكمة النقض الذي بين أيدينا في إطار منازعات العقود الإدارية والمرتبط أساسا بوسائل الإثبات المعتمدة في الصفقات العمومية وبالضبط صفقات الأشغال المنجزة لفائدة الدولة،  وتتركز المنازعات المتعلقة بوسائل الإثبات هذه في الغالب حول مدى إنجاز مشروع الصفقة العمومية كما هو متفق عليه ومدى تقيد المقاول نائل الصفقة ببنود العقد من جهة، وكذلك مدى التزام الإدارة صاحبة المشروع بأداء ما يترتب بذمتها له نظير عمله من جهة أخرى  وتحريره من الإلتزام بعد نهاية الصفقة العمومية.

وتبقى العقود الإدارية كأعمال تقوم بها الإدارة  بغير طريق إرادتها المنفردة عموما خاضعة لمبدأ المصلحة العامة الذي يعد الهدف الأساسي الذي تروم الإدارة تحقيقه من جراء ابرام هذه العقود وإنجاز الصفقات العمومية، وهو نفس المبدأ الذي يجعل الإدارة كمتعاقد في موقع أقوى من موقع المتعاقدين في عقود القانون الخاص، بحيث يخول للإدارة بموجب هذا المبدأ مجموعة من الصلاحيات والامتيازات في مقابل الأفراد الذين تتعاقد معهم، وذلك تحت ذريعة حماية المصلحة العامة كمهمة أساسية موكلة للإدارة، فإذا كان مبدأ العقد شريعة المتعاقدين هو المبدأ الأساسي المؤطر بكسر الطاء للعقود في القانون الخاص فإن مبدأ المصلحة العامة يبقى المبدأ الذي تخضع له العقودالإدارية والصفقات العمومية في القانون العام[1].

وتحقيقا لهذا المبدأ فإن المشرع يمنح الإدارة مجموعة من الامتيازات عند ابرام عقود الصفقات العمومية من خلال إعداد مجموعة من الشروط المسبقة الالزامية التي يبقى المتعاقد خاضعا لها دون إمكانية التفاوض على تغييرها، وتعرف هذه الشروط بدفتر الشروط الإدارية العامة وهي مجموعة من البنود الإلزامية التي غالبا ما تضمنها الإدارة مجموعة من القواعد الشكلية لتنفيذ الصفقة العمومية، كما هو الشأن بالنسبة إلى دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة المصادق عليه بموجب المرسوم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000،[2] وتضم بنود هذه الدفاتر غالبا مجموعة من القواعد والشكليات التي يجب اتباعها من طرف المقاول نائل الصفقة من بداية المشروع إلى نهايته، والتي يمكن أن تنظم كذلك بعض الوسائل المتعلقة بالإثبات التي يتم اعتمادها للتأكد من التزام طرفي العقد بتنفيذ التزاماتهما عند التنازع.

والواقع أن هذه الشروط تجعل الصفقة العمومية بمثابة عقد إذعان تقل بموجبه حرية الطرف المتعاقد مع الإدارة وتجعلها تتلخص أساسا في قبول التعاقد أو عدم قبوله، مع خضوعه وتقيده بالشروط الإدارية العامة في حالة القبول، وتحاول الإدارة من خلال هذه القيود توفير أكبر ضمان ممكن لتنفيذ الصفقة العمومية مع بقائها صاحبة اليد العليا في تنفيذ وإتمام العقد.

 ويطرح الإشكال بشكل جلي عندما تحاول الإدارة تمديد هذه القيود والشروط  كي لا تقتصر فقط على المتعاقد نائل الصفقة، بل في الغالب ما تحاول الإدارة من خلال دفاتر الشروط الإدارية العامة تقييد حرية القضاء كذلك عند البث في منازعات الصفقات العمومية من خلال مجموعة من الشكليات المرتبطة بوسائل الإثبات المنصوص عليها بدفتر الشروط الإدارية العامة، وهو الأمر الذي لا يتناسب مع ما درج عليه القضاء الإداري من دور إيجابي متميز في المنازعات الإدارية تجعله يختلف عن القضاء العادي من عدة جوانب بالنظر لعدم وجود تقنين خاص بالقانون الإداري، مما يجعل القاضي الإداري أكثر حرية في المنازعات الإدارية ويجعل الاجتهاد القضائي الإداري أحد أهم مصادر القواعد القانونية في القانون العام.

وهو الأمر الذي يفتح المجال واسعا  لقبول كافة وسائل الإثبات التي يراها مناسبة، أو العمل على استنباط بعض القرائن القضائية واعتبارها متساوية مع بقية الأدلة الأخرى التي قد تكون كتابية، هذا بالإضافة إلى تدخل القاضي الإداري أثناء تحضير الدعوى والتحقيق فيها[3].

أولا: عناصر الإثبات التي تعتمدها الإدارة في الصفقات العمومية.

بالرجوع لدفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة المصادق عليه بموجب المرسوم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000 نجده ينص على مجموعة من المقتضيات و الشكليات المختلفة، سواء كانت مرتبطة بقواعد  يتقيد بها  نائل الصفقة في تعامله مع الإدارة صاحبة المشروع أثناء تبادل المراسلات والوثائق، أو متعلقة بوسائل إثبات بعض التصرفات القانونية أو الوقائع المادية، أوالمرتبطة بتنفيذ عقد الصفقة العمومية، وما يتصل به من ضمانات ممنوحة للإدارة فيما يتعلق بمراقبة الأشغال وإلزام صاحب الصفقة بالقيام بالإصلاحات الضرورية، وحق الإدارة في فسخ العقد وإحالة الصفقة على مقاول آخر عند اللزوم، وهي كلها مقتضيات وضعها المشرع قصد ضمان تنفيذ الصفقة العمومية وبالتالي ضمان تحقيق المصلحة العامة التي تعد الهدف الأساسي من ورائها[4].

فقد نصت المادة 08 من  دفتر الشروط الإدارية العامة على أنه” إذا وجه المقاول في الحالات المنصوص عليها في هذا الدفتر للشروط الإدارية العامة، وثيقة مكتوبة إلى صاحب المشروع أو السلطة المختصة أو الوزير، وجب عليه داخل الأجل المحدد إذا تم التنصيص عليه أن يودعها لدا المرسل إليه مقابل وصل أو أن يبعثها إليه بواسطة رسالة مضمونة بإفادة بالاستلام، ويكون التاريخ المبين في الوصل أو الإفادة بالاستلام  وسيلة إثبات فيما يتعلق بالأجل”[5].

       بحيث يحاول دفتر الشروط الإدارية العامة تحديد قواعد توجيه الوثائق والمراسلات من طرف المقاول إلى الإدارة  أثناء إنجاز الصفقة العمومية  والتي تفقد معه هذه الوثائق حجيتها في الإثبات في حالة عدم التقيد بهذه القواع.

كما نظمت المادة 16 قواعد وشروط إرجاع الضمان النهائي والمؤقت لصاحب الصفقة بحيث نصت على أنه “يرجع الضمان المؤقت لصاحب الصفقة أو يفرج تلقائيا عن الكفالة التي تقوم مقامه بعد أن ينجز صاحب الصفقة الضمان النهائي.

ويرجع الضمان النهائي، ما عدا في حالات تطبيق المادة 70[6]،ويدفع الاقتطاع الضامن أو يتم الإفراج عن الكفالات التي تقوم مقامهما وذلك بعد رفع اليد الذي يسلمه صاحب المشروع داخل الثلاثة 3 أشهر الموالية لتاريخ التسلم النهائي للأشغال وذلك:

-إذا أوفى صاحب الصفقة في تاريخ التسلم النهائي بجميع التزاماته اتجاه صاحب المشروع.

– إذا أثبت صاحب الصفقة دفع التعويضات التي قد يكون مدينا بها، تطبيقا للقانون رقم 81-7  المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة أو الاحتلال المؤقت الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 254-81-1 بتاريخ11  من رجب 1402) 6 ماي 1982 ( بسبب الأضرار الملحقة بالأملاك الخاصة عند تنفيذ الأشغال.

– إذا سلم صاحب الصفقة فعلا تصاميم جرد المنشآت المنفذة”[7].

بحيث أن قيام الإدارة بإرجاع الضمان النهائي هنا  يقوم كوسيلة قوية في الإثبات بأنه قد أوفى صاحب الصفقة في تاريخ التسلم النهائي  بالتزاماته اتجاه صاحب المشروع.

كما نصت المادة 70 :  على مجموعة من الإجراءات القسرية التي يمكن للإدارة تطبيقها على صاحب الصفقة عند اخلاله بالعقد “فإذا لم يتقيد المقاول إما ببنود الصفقة أو بأوامر الخدمة الصادرة إليه من لدن صاحب المشروع، توجه له السلطة المختصة إعذارا للامتثال لها داخل أجل يحدد بمقرر يبلغ إليه بواسطة أمر بالخدمة، ولا يمكن أن يقل هذا الأجل عن خمسة عشر 15 يوما من تاريخ تبليغ الإعذار، ما عدا في حالة الاستعجال التي تكون للسلطة المختصة وحدها صلاحية تقديرها، وإذا انصرم الأجل المذكور ولم يقم المقاول بتنفيذ التدابير المقررة، يجوز للسلطة المختصة القيام بما يلي:

  • إما أن تأمر بالقيام بالتنفيذ المباشر على نفقة المقاول، ويمكن أن يكون هذا التنفيذ المباشر جزئيا.

– إما أن تفسخ الصفقة على حساب المقاول وتبرم صفقة جديدة مع مقاول آخر أو مع تجمع مقاولين لإتمام الأشغال وفقا لمسطرة طلب العروض”[8].

وبموجب هذه المادة فالإدارة في سبيل اتمام المشروع وضمان حماية المصلحة العامة التي يروم تحقيقها عقد الصفقة تملك حق الفسخ الأحادي للصفقة والاستعانة بمقاول آخر أو مجموعة مقاولين لإتمام المشروع دون حاجة اللجوء إلى منع أداء المستحقات المالية للمقاول كوسيلة ضغط لإتمام أو إنجاز المشروع.

وبخصوص التسليم النهائي للصفقة فقد نظمته المادة 68 :  إذ نصت على أنه”ما لم ينص على خلاف ذلك في دفتر الشروط المشترات أو دفتر الشروط الخاصة، يعلن عن التسلم النهائي سنة بعد تاريخ محضر التسلم المؤقت، وخلال هذه الفترة يخضع المقاول لالتزام الضمان التعاقدي المنصوص عليه في المادة67  أعلاه، بالإضافة إلى ذلك، يوجه صاحب المشروع إلى المقاول بعد عشرة أشهر من تاريخ التسلم المؤقت على أبعد تقدير، قوائم مفصلة عن الشوائب أو العيوب المسجلة، باستثناء تلك الناتجة عن الاستعمال الطبيعي، أو الإسراف في الاستعمال أو الأضرار الناتجة عن فعل الأغيار، ويضرب للمقاول أجل شهرين لإصلاحها وفق الشروط المنصوص عليها في الصفقة، ويرجع إلى صاحب المشروع قوائم الشوائب أو العيوب، متممة بتفصيل عن الأشغال المنجزة، ويسلم صاحب المشروع حينئذ، بعد التحقق من أن الأشغال قد أنجزت بدقة، وبعد انصرام مدة الشهرين المذكورة، محضرا عن التسلم النهائي للأشغال.

وإذا لم يقم المقاول بإصلاح الشوائب أو العيوب داخل الآجال المحددة، لا يعلن عن التسلم النهائي إلا بعد الإنجاز التام للأشغال المطابقة، وفي حالة عدم إنجاز هذه الأشغال بعد شهرين من نهاية فترة الضمان التعاقدي، يعلن صاحب المشروع مع ذلك عن التسلم النهائي بعد هذه الفترة مع إسناد تنفيذ الأشغال إلى أي مقاولة من اختياره على نفقة المقاول ومع تحمله تبعات ذلك، ويشكل التسلم النهائي نهاية تنفيذ الصفقة”[9].

وبالرجوع لقرار محكمة النقض أعلاه نجد أن دفاع الإدارة ذهب إلى أنه بموجب الفقرة الرابعة من المادة 68 فإن صاحب المشروع بعد أن يتأكد أن الأشغال قد انجزت بدقة يسلم محضرا عن التسليم النهائي للأشغال، بحيث تبقى وسيلة الإدارة في إثبات إنجاز الأشغال  من طرف المقاول هي محضر التسليم النهائي للأشغال، وذلك لكون  إثبات الالتزام في إطار الصفقات العمومية تحكمه مسطرة خاصة، تقتضي حصر قيمة الأشغال المنجزة والإدلاء بالكشف الحسابي النهائي، موقع ومقبول من طرف جميع الأطراف، بحيث تحاول الإدارة هنا اللجوء إلى المقتضيات المنصوص عليها بدفتر الشروط الإدارية العامة والتي وضعت أساسا لصالح الإدارة ضمانا لتنفيذ المشروع، وذلك لحصر نطاق وسائل الإثبات المعتمد عليها، بحيث يبقى الإثبات مقتصرا على  الوثائق والأوراق الإدارية المنصوص عليها بدفتر الشروط الإدارية العامة والتي يتم صياغتها ووضعها وتسليمها من طرف الإدارة ذاتها.

والواقع أن هذه الأوراق الإدارية سواء أكانت معدة للإثبات أو العكس فهي تعتبر من القرائن المكتوبة، بحيث يقدر القاضي الإداري مدى اقتناعه مما يستخلصه منها من بيانات على ضوء الظروف المحيطة   بها،والعناصر المستمدة من الملف[10]، فقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي من خلال حكمه بتاريخ 27 يناير 1964 إلى “أن إثبات المغالاة في تقدير المبالغ الخاضعة للضريبة إذ يقع على عاتق المدعي فإنه إذا قدم أوراق حساباته والتي بمراجعتها اطمأن المجلس إلى صحتها قد اعتد بها في تأييد الادعاء[11]”.

وقد  تكون الأوراق الإدارية قائمة على تصرف قانوني أو واقعة مادية، وقد تتعلق بالعاملين لدى الإدارة أو بغيرهم ممن تربطها بهم علاقة أو صلة، سواء أكانت علاقة تعاقدية كما هو الشأن في النازلة التي بين أيدينا أو غير تعاقدية، وقد تأخذ تلك الأوراق صورة قرار إداري أو عقد إداري، وقد تكون من قبيل التعليمات والمنشورات الإدارية الداخلية لتنظيم سير العمل، وقد تكون الورقة غير مقيدة بشكل أو نموذج معين، أو قد تكون محررة على نماذج معدة سلفا لدى الإدارة لإثبات بعض الوقائع الإدارية،[12]وقد عرف الدكتور كمال وصفي الورقة الإدارية بكونها “ كتابة في حوزة الإدارة ذات تاريخ قابل للإثبات بالطرق المعتبرة في القانون الإداري، وتدل على واقعة إدارية معينة[13]”.

والواقع أن الإثبات يفترض وجود واقعة قانونية يترتب عليها أثر، بحيث تكون هذه الواقعة محددة ومنتجة ومتعلقة بالحق المطالب به، وهي شروط يجب توفرها في الواقعة المدونة حتى ترقى إلى مستوى الورقة الإدارية[14]، وإلى كنا أمام مجرد محررات ومدونات وسجلات عادية تتضمن قيودا ووقائع ليست من متعلقات النظام القانوني[15]، والأصل العام أن الورقة الإدارية وثيقة ثابتة إلى أن يثبت عكسها وتأسيسا على ذلك فعلى القاضي أن يعزز هذه الورقة بأدلة أخرى، ومن ثم فكلما تظافرت الوشائج والعرى الأخرى كلما تكاملت منظومة الإثبات واقتربت من اكتشاف الحقيقة[16].

وتزداد قوة إثبات الورقة الإدارية في الأوراق المنظمة مسبقا كالاستمارات التي تملأ وتوقع من قبل ذي العلاقة، حيث يتموضع كل شيء في مكانه ويقترب الموظف المشرف على هذه الاستمارات من صفة موثق[17].

وأهمية الورقة الإدارية في الإثبات يمكن أن يختلف من حالة إلى أخرى، فإذا وجدت وسائل متعددة يمكن من خلالها إثبات واقعة مادية أو تصرف قانوني فإن الورقة الإدارية تكون إحدى وسائل الإثبات التي تنضاف إلى وسائل أخرى يمكن أن تعززها كما يمكن أن تناقضها، لكن ذلك لا ينفي وجود حالات معينة تعد فيه الورقة الإدارية أساس الإثبات، فالمرجع الأساسي مثلا في حياة الموظف المهنية هو ملف الخدمة، باعتباره الوعاء الطبيعي لكل ما يتعلق بماضي خدمته وأحواله من جهة الكفاءة والصلاحية للوظيفة، كما أن إثبات مدة الخدمة السابقة للموظف يعتمد أساسا على واقع السجلات والملفات.

وهو ما أكدته محكمة القضاء الإداري في مصر بقولها “إن طريق الإثبات بالكتابة في مجال القضاء الإداري هو الطريق الأصلي في الغالب، ومرد ذلك إلى النظام الإداري في ذاته الذي يفرض على موظف الدولة كل فيما يخصه إثبات ورصد كل ما يتعلق بأعمال الإدارة العامة في أوراق ومعاملات خاصة يرجع إليها عند اللزوم، وإيجاد ملف خاص لكل موظف يحتوي على كافة ما يخصه من أوراق ومستندات منذ دخوله في خدمة الحكومة حتى آخر حياته الوظيفية، وقد يستعاض عن الإثبات بالكتابة بإحدى الطرق الأخرى الجائز قبولها في القضاء الإداري إلا في المجالات التي ينص فيها الشارع صراحة على ضرورة التقيد بالكتابة كوسيلة للإثبات”[18].

وقد يعمل المشرع في حالات معينة من خلال القوانين واللوائح إلى تحديد وسائل خاصة بالإثبات للوقائع الإدارية وعندها يكون القضاء ملزما بالأخذ بهذه الوسائل، فالقاضي لا يستطيع قبول إثبات المرض إلى بإجراءات تقديم الإجازة المرضية واعتمادها بالطرق الخاصة كالعرض على لجنة طبية في المواعيد وطبقا للإجراءات التي تنص عليها القوانين واللوائح، ونفس الأمر بالنسبة لتقدير العجز بين العمال وأرباب العمل[19]، أما بالنسبة للوقائع الغير إدارية فالقاضي الإداري يقبل إثبات هذه الوقائع بجميع طرق الإثبات حيث يجوز إثبات التعسف في استعمال السلطة بكل طرق الإثبات، وكذلك الأمر بالنسبة للأخطاء الشخصية وكافة التصرفات التي تجري خارج نطاق المجال الإداري أو مخالفة لنظامه[20].

ويمكن استنادا إلى هذا التحليل أن نميز بسهولة بين الحالات التي يكون فيها القاضي الإداري ملزما باعتماد الأوراق الإدارية في الإثبات وهي الحالات المتعلقة بوقائع إدارية، على أن المشرع قد يعفينا من اعتماد هذا المعيار بالتنصيص على وسائل الإثبات المتعلقة بكل واقعة إدارية  على حدة وهو الأمر الذي يبدو صعبا في ظل كثرة الوقائع المرتبطة بالعمل الإداري، وعدم تقنين القانون الإداري على غرار القانون المدني والقانون الجنائي، بحيث يبقى عنصر تميز هذا القانون وقوته مستمدين من حرية القاضي الإداري وقدرته على خلق قواعد قانونية جديدة.

 وبالرجوع لقرار محكمة النقض موضوع التعليق فالكشف الحسابي النهائي كوثيقة تمسكت بها الإدارة في الإثبات وهي المشار إليها في الفقرة الرابعة من المادة 68 من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة التي نصت على أن “ صاحب المشروع بعد  أن يتأكد أن الأشغال قد انجزت بدقة يسلم محضرا عن التسليم النهائي للأشغال”، هذه الوثيقة لا يسري عليها ما يسري على وسائل الإثبات التي أشرنا إليها سابقا، والتي يبقى القضاء ملزما بالأخذ بها، بحيث أن واقعة إنجاز الأشغال التي لا تعتبر واقعة إدارية بل واقعة مادية  يمكن معاينتها بشتى الوسائل  وكالتزام يقع على عاتق المقاول غير مؤطرة بعلاقة نظامية تربط بين الإدارة والمدعى عليه نائل الصفقة، كما هو الشأن بعلاقة الإدارة بموظفيها بل يتعلق الأمر بعلاقة عقدية، بحيث ينبري مبدأ التوازن في العلاقة  بين الطرفين وتغيب الإرادة المنفردة للإدارة بما لها من سلطة رغم وجود الشروط الاستثنائية غير المألوفة في العقد الإداري[21]، فإذا كانت الإدارة تتوخى تحقيق المصلحة العامة من خلال إنجاز الصفقة العمومية، فإن الطرف الآخر للعقد يهدف من خلال عملية التعاقد هذه إلى تحقيق مصلحته الخاصة، بحيث أن النزاع بين الطرفين هنا ينصب حول حقوق والتزامات اتفقا عليها عن طريق آلية التعاقد.

ومن المفيد القول بأن بعض الوقائع المادية التي تحدث في إطار العلاقة النظامية بين الموظف والإدارة يوكل أمر إثباتها إلى جهة محايدة غير الإدارة المعنية، فإثبات مرض الموظف مثلا يتم من خلال الشواهد الطبية التي تسلم من طرف طبيب محلف تشرف عليه الإدارة المكلفة بمرفق الصحة، وإثبات واقعة الولادة أو الوفاة  يتم من خلال السجلات الرسمية[22] التي تسلم الشواهد المتعلقة بها من طرف القطاع المختص، لذلك فإن حصر عملية إثبات الوقائع المادية في العلاقة التعاقدية  والتي يعتبر فيها المقاول المتعاقد على خلاف الموظف العمومي متحررا من تبعيته للإدارة  في الوثائق والأوراق الإدارية المعدة من طرف الإدارة ذاتها والمنصوص عليها بدفاتر الشروط الإدارية العامة يعد تعسفا في حق المقاول، وينال من مبدأ الحياد الذي يجب أن يحيط بوسائل الإثبات عند التنازع.

وقد يرى البعض أنه يمكن القول بأن وسيلة الإثبات التي تمسكت بها الإدارة هنا وهي الكشف الحسابي النهائي قد تم التنصيص عليها من قبل المشرع  من خلال نص تنظيمي وهو المرسوم رقم 1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000 المصادق على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، مما يجعله يدخل في زمرة وسائل الإثبات التي قيد بها المشرع القضاء وبالتالي  يتوجب على القاضي الإداري أخذها بعين الاعتبار عند البث في النزاع[23].

لكن بالرجوع للتعليل الذي ذهبت إليه محكمة النقض في القرار أعلاه نجد أن المحكمة لم تناقش مدى حجية الكشف الحسابي النهائي كوسيلة من وسائل الإثبات بشكل عام، أو كورقة إدارية بشكل خاص، بل أقرت بكون إثبات الالتزام في إطار الصفقات العمومية تحكمه مسطرة خاصة وهي التي نظمها دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة المصادق عليه بموجب المرسوم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000، لكنها رفضت التقيد بهذه الضوابط الشكلية حسب تعبير المحكمة في الإثبات وتمديدها إلى مرحلة المنازعة القضائية، فهي لم تناقش مدى حجية الكشف الحسابي النهائي في الإثبات وهو الغائب هنا ضمن وسائل الإثبات، لكنها رفضت جعله الوثيقة الوحيدة والحاسمة في الإثبات، فالإدارة هنا لم تعزز موقفها من خلال الكشف الحسابي النهائي كوسيلة من وسائل الإثبات منصوص عليها بدفتر الشروط الإدارية العامة بل أرادت تعزيز موقفها بكون غياب هذه الوثيقة يقوم كدليل قاطع أو كقرينة على عدم إنجاز الأشغال من طرف المقاول طبقا لما هو متفق عليه بالعقد، وهو ما رفضته المحكمة، فإذا كان الكشف الحسابي النهائي وسيلة من وسائل الإثبات المنصوص عليه بدفتر الشروط الإدارية العامة فإن غيابه ضمن وسائل الإثبات لا يمكنه أن يغل يد المحكمة ويقيد حريتها في الاستعانة بالوسائل العامة في الإثبات.

فقد ذهبت المحكمة في تعليلها إلى أن “تقديم الكشف الحسابي النهائي كشكلية في الإثبات لا يمكن أن يمتد إلى مرحلة المنازعة القضائية، وبالتالي يحق لها اللجوء إلى القواعد العامة في الإثبات، والمحكمة لما لجأت في إطار التحقيق إلى الأمر بخبرة في الموضوع، وتأكد لما من التقرير المنجز بها أن هناك أشغالا أخرى ثبت إنجازها من طرف المطلوب في النقض، وأنه يستحق عنها تعويض وقضت على النحو الوارد في منطوقها، تكون قد استندت إلى حقائق ومعطيات واقعية أثبتتها الخبرة، وجاء قرارها معللا تعليلا سليما”.

وقد كانت القاعدة التقليدية في إجراءات الخصومة عادة هي تكريس سلطة الخصوم في توجيهها، فهم اللذين يسيرون الإجراءات ويقدمون الأدلة، أما القاضي فدوره سلبي، وهو ما يسمى بحياد القاضي، وهكذا تكون الخصومة كمباراة بين الخصوم يحكمها القاضي الذي يراقب سير المباراة ويعلن نتيجتها في النهاية[24].

ولكن الاتجاه الحديث في الفقه قد أقر بحقيقة أن القضاء وظيفة عامة، ولا يمكن أن يترك نشاطه لهوى الأفراد، لذا زود القانون المصري القاضي بدور إيجابي، في توجيه سير الخصومة وتحقيق الدعوى، فيخوله مراقبة أعمال الخصوم وفرض جزاءات عليهم، كما يخوله سلطة اختصام الغير من تلقاء نفسه، إذا رأى ذلك لمصلحة العدالة، أو لإظهار الحقيقة، وسلطة وقف الخصومة، كما خوله سلطة إجراء تحقيق أو استجواب للخصوم من تلقاء نفسه، أو إجراء خبرة وهكذا لم يعد توجيه اجراءات الخصومة احتكارا للخصوم وإنما يشاركهم فيه القاضي.

وبمقتضى هذا المبدأ فهناك علاقة مباشرة بين القاضي ووسائل تحقيق الدعوى، وهو ما يؤدي بطريقة أفضل إلى استرعاء نظره إلى النقاط الرئيسية في الدعوى وتنويره بوقائعها[25].

ثانيا: عناصر الإثبات المعتمدة من طرف القاضي الإداري في الصفقات العمومية.

إذا كانت الإدارة في وسائل الإثبات المرتبطة بمنازعات الصفقات العمومية تحاول جاهدة الاحتكام إلى دفاتر الشروط الإدارية العامة باعتبارها صمام الأمان لضمان إنجاز المشروع، وحماية المصلحة العامة، فإن حرية القاضي الإداري في المنازعات الإدارية عموما  وانفتاحه على مختلف وسائل الإثبات المفيدة في المنازعة المعروضة عليه غالبا ما يتعارض مع مساعي الإدارة في هذا السياق، وتعتبر القرائن من وسائل الإثبات الأكثر مرونة التي يمكن أن يستعين بها القاضي الإداري في البحث عن الحقيقة، وقد عرف الدكتور كمال وصفي القرينة بكونها “وقائع معينة معلومة وثابتة تؤكد وتشهد على وقائع أخرى مترتبة عليها وغير ثابتة بذاتها”[26]، وقد عرفتها المادة 449 من قانون الالتزامات والعقود المغربي بكونها “دلائل يستخلص منها القانون أو القاضي وجود وقائع مجهولة”.

وإذا أردنا تطبيق هذه القاعدة على النازلة موضوع قرار محكمة النقض يمكننا القول أن ماهو ثابت هنا هو غياب الكشف الحسابي النهائي للصفقة العمومية موقع عليه من طرف جميع الأطراف، وما هو غير ثابت بذاته هو عدم التزام المقاول ببنود الصفقة  وعدم إنجازه للأشغال المنصوص عليها في العقد بالشكل المتفق عليه.

والأصل في القرائن أنها تقبل إثبات العكس، لكن الشارع قد يرى إعطاء القرينة قوة أكبر، وذلك لاعتبارات أساسية متعلقة بالنظام العام، بحيث تجعل من الخطر إباحة مناقشتها فيحرم إثبات العكس[27]، والاستثناء ألا يطعن في القرائن إلا بالزور، وذلك بالنظر لحرية القاضي الإداري في تقدير الدليل، حيث أن صلاحية القاضي الإداري في التقدير تكفي المشرع مؤونة سن تشريع بهذا الصدد لتحديد قوة وسائل الإثبات، حيث أن القضاء الإداري بالإضافة لكونه قضاء مشروعية فهو قضاء ملاءمة كذلك، فإذا كانت كل الأوراق الإدارية لا تقبل إلا الطعن بالزور فإن القاضي الإداري عندها يفقد مرونته في تقدير وسائل الإثبات[28].

والأصل أن القاضي الإداري له تقدير واسع في استنباط القرائن، بسبب انخراطه وإحاطته بظروف عمل الإدارة، لذلك فالقرائن تعد في مقدمة وسائل الإثبات المعتمدة من طرف القاضي الإداري، بل إن المستندات والأوراق في حد ذاتها ليست إلا قرائن مكتوبة تترابط مع بعضها لإثبات الوقائع، وهي في الآن نفسه قابلة لإثبات العكس، فالقاضي الإداري يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في وزن وتقدير ما يقدم إليه من أدلة وعناصر، دون أن يكون لأي منها حجة أو قوة محددة في الإثبات طالما أن المشرع لم يحدد ذلك، ومن ثم فإن تقدير الأدلة متروك أصلا لوزن واقتناع القاضي من حيث إثباتها ومدى حجيتها، دون الالتزام بدليل دون آخر، أو الاعتداد بقوة معينة لدليل محدد، وذلك فيما عدا بعض الحالات الاستثنائية  التي نص فيها القانون على دليل معين بشأن واقعة محددة، مثل مسألة إثبات كفاءة الموظف من خلال التقارير، أو إثبات مرض الموظف من خلال الشواهد الطبية، وإثبات واقعة الولادة أو الوفاة بالسجلات الرسمية[29].

وعلى هذا الأساس قضى مجلس الدولة اللبناني بأن تقاعس الإدارة عن وضع الوثائق المتعلقة بالوقائع تحت تصرفه يشكل قرينة قوية على صحة سرد هذه الوقائع من قبل المدعي[30].

كما أن سكوت المدعي إزاء دفع أدلت به الإدارة يعبر عن اعتراف ضمني بصحة هذا الدفع إذا كانت أوراق الملف لا تتضمن دليلا معاكسا[31].

وفي قرار محكمة النقض الذي بين أيدينا فقد ذهبت هذه الأخيرة إلى أن نائل الصفقة ما فتئ يعيب على الإدارة عدم تعاونها في شأن إعداد الوثائق الإدارية الضرورية ولاسيما الكشف الحسابي النهائي للصفقة، مما يمكن معه القول بإعمال مبدأ القرينة القضائية[32] وهي استنتاج  وقائع غير ثابتة بذاتها انطلاقا من وقائع أخرى معينة معلومة وثابتة أن الإدارة غير سليمة النية بخصوص أداء ما يتوجب عليها نظير تنفيذ الصفقة العمومية.

وكما قلنا سابقا فالورقة الإدارية التي أرادت الإدارة الارتكاز على غيابها كقرينة على عدم إتمام تنفيذ العقد من طرف نائل الصفقة هي بحد ذاتها قرينة كتابية، والقرينة الكتابية سواء كانت موجودة أو غائبة كما هو الشأن بالنسبة للكشف الحسابي النهائي في هذه النازلة، فالقاضي الإداري يحق له أن يتجه لتأسيس حكمه إلى مختلف الأمارات والشواهد والدلائل التي تظهر من مختلف أوراق الملف مع استخدام مختلف القواعد العامة في الإثبات، بما في ذلك إجراءات التحقيق كسماع الشهود والخبرة ودعوة الخصوم، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في هذا القرار بالاتجاه إلى الأمر بإجراء خبرة في الموضوع، فاقتصار القاضي في تأسيس حكمه على ما يبديه الخصوم أمامه  من أقوال وما يقدمونه من أدلة وما يترتب على ذلك من ضرورة عرض أدلة كل من الخصمين على الأخر لمناقشتها ودحضها، يؤدي إلى منع القاضي من القضاء بعلمه الشخصي[33].

ويمكن تعريف الخبرة كإجراء من إجراءات التحقيق  بكونها عملية استشارة أهل الفن في إثبات مسألة واقعية منتجة في الدعوى، ويرى بعض الفقهاء أن الخبرة شهادة فنية فهي صورة من صور الشهادة[34]،وليست دليلا يصنعه القاضي بنفسه، وكما هو الشأن لكثير من موضوعات القانون الإداري فالمشرع لم يضع تقنينا خاصا للخبرة كإجراء قضائي في المنازعات الإدارية، ويمكن القول أن المشرع المغربي قد نظم هذا الإجراء بطريقة ضمنية من خلال الإحالة المنصوص عليها بالمادة 07 من قانون 41-90 المنشأ بموجبه محاكم إدارية على قانون المسطرة المدنية، حيث نصت المادة 07 على أن “تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خالف ذلك”[35]، وقد نظم المشرع المغربي الخبرة كإجراء بمقتضى النصوص من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية، في حين تم تنظيم  وسائل الإثبات من خلال المادة 404 من قانون الإلتزامات والعقود وهي إقرار الخصم، والحجة الكتابية، وشهادة الشهود، والقرينة، واليمين والنكوص عنها[36]، وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 59 من قانون المسطرة المدنية على أنه “يجب على الخبير أن يقدم جوابا محددا وواضحا على كل سؤال فني كما يمنع عليه الجواب على أي سؤال يخرج عن اختصاصه الفني وله علاقة بالقانون”[37].

وتبقى دعوى القضاء الشامل وهي التي تندرج في إطارها معظم منازعات العقود الإدارية مجالا خصبا للخبرة  في المنازعات الإدارية، لكونها تنطوي على حقوق شخصية متنازع عليها وذلك بعكس دعوى المشروعية أو دعوى الإلغاء التي يخاصم فيها القرار الإداري ويتم مراقبة مدى التزامه بالقانون، مما يجعل اللجوء إلى الخبرة في هذه الدعوى شبه منعدم، والأصل أن القاضي الإداري يبقى حرا في إجراء الخبرة أو رفضها حتى ولو لم يطلبها أحدالخصوم انسجاما مع الدور الإيجابي الذي يضطلع به وبسبب تعلق الدعوى الإدارية بالنظام العام[38].

وقد ذهبت محكمة النقض في القرار الذي بين أيدينا إلى أن “المحكمة لما لجأت في إطار التحقيق إلى الأمر بخبرة في الموضوع، وتأكد لما من التقرير المنجز بها أن هناك أشغالا أخرى ثبت إنجازها من طرف المطلوب في النقض، وأنه يستحق عنها تعويض وقضت على النحو الوارد في منطوقها، تكون قد استندت إلى حقائق ومعطيات واقعية أثبتتها الخبرة، وجاء قرارها معللا تعليلا سليما”.

 فإذا كان دفتر الشروط الإدارية العامة قد حدد مسطرة إجراء عملية الاستلام النهائي، ومنها تقديم الكشف الحسابي النهائي موقع ومقبول من طرف جميع الأطراف، فإنه لم يحدد ولا يمكنه أن يحدد داخل العملية التعاقدية الأحكام الواجب إعمالها لفض الخلافات التي قد تنشأ بين المقاول والإدارة، بمناسبة إجراء هذه العملية، لذلك فقد تمتنع الإدارة عن القيام بإجراء التسليم النهائي بدعوى عدم امتثال المقاولة لأمر الإدارة بإصلاح بعض العيوب التي تظهر خلال فترة الضمان، أو بسبب عدم توافق الإدارة والمقاولة على حصر الكشف الحسابي النهائي أو للاختلاف حول كميات الأشغال ونوعها ومدتها كما هو الشأن بالنسبة للقرار الذي بين أيدينا[39].

ومعلوم أن عدم حصول عملية الاستلام النهائي يبقي بعض التزامات المقاولة سارية وحائلا دون استرداد الضمانات التي بذمتها في إطار عقد الصفقة كالضمانة النهائية وهو الأمر الذي يرهق كاهلها بالفوائد[40].

ومنعا لتعسف الإدارة في ممارسة سلطتها اتجاه المتعاقد معها بإبقائه تحت قيد الالتزام تذرعا بعدم استيفاء بعض الشكليات التي وضعتها فإن القضاء الإداري غالبا ما يتدخل للحيلولة دون ذلك، فإذا كان المشرع قد منح الإدارة في إطار عقود الصفقات العمومية مجموعة من الامتيازات في مقابل المتعاقدين معها فإن الإدارة ملزمة باستعمال تلك الامتيازات بما يخدم المصلحة العامة فقط ولحمايتها دون تجاوز ذلك، وتقدير ذلك لا تنفرد به الإدارة لوحدها بل يمنح للقاضي الإداري سلطة مراقبة تصرفات الإدارة واستعمالها لسلطاتها في إطار العقود الإدارية.

وقد درج القضاء الإداري المغربي على الاستعانة بكافة وسائل الإثبات الممكنة فيما يتعلق بالمنازعة في عملية الاستلام النهائي للصفقة، فقد جاء في الحكم، عدد459 بتاريخ 04/07/2006 الصادر عن المحكمة الإدارية لفاس “حيث أنه في غياب إنجاز محضر التسليم النهائي لوجود نزاع بين الطرفين، ومادام أن المدعية قد أنجزت الأشغال موضوع الصفقة حسب تقرير الخبير المنتدب فتكون بذلك محقة في المطالبة برفع اليد عن مقتطع الضمان وعن الضمانة النهائية ولو في غياب محضر التسليم النهائي للأشغال”[41].

كما ذهبت المحكمة الإدارية لمكناس في الحكم ، رقم 508/05/03 بتاريخ 23/12/2005 إلى أنه “وحيث أن الثابت من أوراق الملف أن المدعية أنجزت الأشغال المتعلقة ببناء إعدادية ابن رشد تحت إشراف وتتبع الجهة المدعى عليها وأن هذه الأشغال قد تم تسليمها بدون تحفظ أو اعتراض، وانطلقت الدراسة في الإعدادية بعد تدشينها، وحيث أن تمسك المدعى عليها بكون المدعية لازالت لم تحصل بعد على محضر الاستلام النهائي يتعارض مع تحقق هذه الواقعة حكما بعد مرور أجل السنة عند ابرام محضر التسليم المؤقت”[42].

وقد عملت محكمة النقض على تتويج هذا الإجتهاد القضائي من خلال قرار الغرفة الإدارية عدد 26 بتاريخ 12/01/2005 الذي جاء فيه، ” لكن حيث أن واقعة إعمار الشقق موضوع الصفقة بالرغم من كونها تعتبر مؤشرا لقيام موجبات التسليم النهائي فإنها قرينة على إنجاز الأشغال من طرف المقاولة وبالتالي تقوم معها إلزامية التسليم النهائي من طرف الإدارة، الذي لا يمكن أن يظل معلقا على أي وقت تختاره الإدارة بحجة عدم قيام المقاولة ببعض الإصلاحات التي يطلبها الآمر، وهي تملك صلاحية القيام بها بواسطة الغير على نفقة المقاولة إن وجدت، والحال أنه تم مرور أربع سنوات بين تاريخ التسليم المؤقت وتاريخ الدعوى، وأن قواعد العدالة توجب تقييد كل التزام في مدد معقولة وفقا للسير العادي للأمور وطبيعة العمل ذاته”[43].

يتضح جليا من خلال هذه الأحكام والقرارات مدى المرونة التي يتمتع بها الاجتهاد القضائي الإداري في بناء قناعاته بخصوص تقدير مدى انجاز الأشغال المتعلقة بالصفقة العمومية أو عدمه، وذلك باعتماده لمختلف وسائل الإثبات الممكنة سواء كانت عبارة عن قرائن يتم الاستنتاج من خلالها أو من خلال إجراءات قضائية يتم اللجوء إليها عند التحقيق في النازلة، ومن الجدير الإشارة إلى أن القاضي الإداري وعلى عكس قواعد الإثبات في القانون المدني الذي يجيز إثبات الوقائع المادية بكل الوسائل، ولا يجيز إثبات التصرفات القانونية إلا بما هو محدد قانونا كالكتابة أو قواعد الشكل الرسمية[44]، فإنه في مجال الخصومة الإدارية كل وسائل الإثبات تقف غالبا على نفس الدرجة من حيث قوتها الثبوتية سواء تعلق الأمر بوقائع مادية أو تصرفات قانونية، إلا في حالات نادرة[45].

ومن المعلوم أن عملية التسليم النهائي للصفقة تتم  بشكل صريح كمبدأ عام في مواجهة طرفي العقد بموجب محضر يوقعانه، كما نصت على ذلك الفقرة الرابعة من المادة 68 من مرسوم رقم 1087-99-2 الصادر في 04/05/2000 بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، “ويسلم صاحب المشروع حينئذ، بعد التحقق من أن الأشغال قد أنجزت بدقة، وبعد انصرام مدة الشهرين المذكورة محضرا عن التسلم النهائي للأشغال”، فمن حق المقاول على الإدارة أن تقوم بإجراء الاستلام النهائي عند نهاية مدة الضمان إذا ما كانت الأعمال سليمة، إما لأنها كانت كذلك منذ أول الأمر، أو متى أصبحت كذلك بعد أن ينفذ المقاول ما تطلبه الإدارة من إصلاحات، فإذا رفضت الإدارة الاستلام، فإنها تتعرض للمسؤولية التعاقدية، ومن حق المقاول أن يلجأ إلى قاضي العقد، لإثبات أن الأعمال في حالة تسمح باستلامها، وذلك لأن للمقاول حقا مكتسبا في أن يتم الاستلام النهائي حتى يمكنه الحصول على المقابل المتفق عليه من ناحية، وأن يتحرر من التزامه بالتنفيذ من ناحية أخرى[46].

وإذا كان الأصل في تسلم الأشغال أن يكون صريحا فإن مجلس الدولة الفرنسي قد أجاز الإستلام الضمني وذلك بشرط إثبات أن الأشغال كانت في حالة تسمح باستلامها نهائيا، بحيث يترتب عن الاستلام النهائي نتائج حاسمة فيما يتعلق بانقضاء الصفقة العمومية أو عقد الأشغال العامة وما يولد من التزامات، ويمكن إجمال تلك النتائج في ما يلي:

أولا: انتقال الملكية وتحمل تبعة الهلاك إلى الإدارة، يؤدي الاستلام النهائي بعكس الاستلام المؤقت إلى انتقال ملكية الأعمال إلى الإدارة نهائيا، وبالتالي فإن الإدارة منذ تاريخ هذا الاستلام، تتحمل نتيجة هلاك تلك الأعمال.

ثانيا: يتحلل المقاول من واجب الصيانة الذي يقع على عاتقه في الفترة ما بين التسليم المؤقت والتسليمالنهائي، وبالتالي لا تملك الإدارة أن تكلف المقاول بشيء من هذا القبيل بعد التاريخ السابق.

ثالثا:لا تملك الإدارة بعد الاستلام النهائي أن تحتج بمخالفة المقاول للعقد، أو أنه لم يحترم شروطه في التنفيذ ولا تستطيع  أن  تطالب بالتعويض عن شيء من هذا القبيل[47]، فقد  نصت المادة 69[48] من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة المصادق عليه بموجب المرسوم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000  على أنه “بعد انصرام أجل الضمان، يحرر المقاول من التزاماته التعاقدية، باستثناء الالتزامات المشار إليها في الفقرة “ب” من المادة[49]67 مع مراعاة دعوى الضمان لصالح صاحب المشروع المنصوص عليها في الفصل 769 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان  1331،12 أغسطس 1913  بمثابة قانون الالتزامات والعقود”[50].


[1]– تجدر الإشارة أن المشرع المغربي لم يضع تعريفا محددا للعقد الإداري، وهو أمر ليس بغريب بالنظر لعدم وجود تقنين خاص بالقانون الإداري على غرار القانون المدني، لكن الاجتهاد القضائي الإداري  درج على ضرورة وجود مجموعة من الشروط الأساسية في العقد لإمكانية القول بكونه عقدا إداريا وهي:

– أن يكون أحد طرفي العقد شخصا من أشخاص القانون العام.

– أن يتضمن العقد شروطا استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص.

– أن يتعلق موضوع  العقد بإدارة أو تسيير مرفق عمومي.

[2] – مرسوم رقم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة،المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، جريدة رسمية رقم:4800 بتاريخ 01/06/2000.

3- بن داني يوسف، مدى استقلالية قواعد الإثبات في القانون الإداري عن نظرية الإثبات في القانون الخاص، مجلة القانون، تصدر عن معهد العلوم القانونية والإدارية، المركز الجامعي أحمد زبانة بظيزان، المجلد 07/العدد01-2018، ص،167،https://www.asjp.cerist.dz/en/article/71895.

[4]– يمكن من زاوية أخرى النظر إلى دفتر الشروط الإدارية العامة للصفقة العمومية  ليس  فقط كقيد موضوع  من طرف الإدارة  لمراقبة المقاول نائل الصفقة وتقييده، بل يمكن النظر إليها كذلك كمقتضيات وضعت لحماية المصلحة العامة  ومراقبة الإدارة المشرفة على المشروع كذلك، وضمان عدم انحرافها عن الهدف الأساسي للصفقة وهو تحقيق المصلحة العامة.

[5] –  المادة 08 من مرسوم رقم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة،المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، جريدة رسمية رقم:4800 بتاريخ 01/06/2000.

[6]– نصت الفقرة الأولى من المادة 70 من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة المصادق عليه بموجب المرسوم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000  على  أنه “إذا لم يتقيد المقاول إما ببنود الصفقة أو بأوامر الخدمة الصادرة إليه  من لدن صاحب المشروع، توجه له السلطة المختصة إعذارا للامتثال لها داخل أجل يحدده بمقرر يبلغ إليه بواسطة أمر بالخدمة.

[7] – المادة 16 من مرسوم رقم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة،المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، جريدة رسمية رقم:4800 بتاريخ 01/06/2000.

[8] – المادة 70 من مرسوم رقم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة،المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، جريدة رسمية رقم:4800 بتاريخ 01/06/2000.

[9] – المادة 68 من مرسوم رقم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000، بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة،المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة، جريدة رسمية رقم:4800 بتاريخ 01/06/2000.

– برهان خليل زريق، نظام الإثبات في القانون الإداري،الطبعة الأولى،2009،مطبعة الداودي، دمشق، ص:106.[10]

– حكم مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 27 يناير 1964 أوردهبرهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 108.[11]

– برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 112.[12]

– برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 114.[13]

14- يمكننا القول هنا أن محضر التسليم النهائي للأشغال كوثيقة تمسكت بها الإدارة   للإثبات في قرار محكمة النقض الذي بين أيدينا،  تتوفر فيه الشروط  أعلاه المطلوبة في الورقة الإدارية ، بحيث يبقى هذا المحضر  وسيلة  تهدف إلى إثبات واقعة  قانونية  متعلقة بحق يراد إثباته.

– برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 124.[15]

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 124.[16]

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 124.[17]

– حكم محكمة القضاء الإداري المصري، الصادر بتاريخ 16 يونيو 1970، أورده برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 128.[18]

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 135.[19]

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 135.[20]

[21] – إذا كانت الشروط الإدارية العامة في الصفقات العمومية  بمثابة قواعد ثابتة غير قابلة للنقاش يتم التنصيص عليها بموجب  قرار تنظيمي لتحديد مجموعة من القواعد التي تعمل على ضمان تنفيذ المشروع وتحقيق المصلحة العامة، فإن الشروط الخاصة للصفقة تبقى أكثر مرونة  بحيث تضم  تعريفا دقيقا للأطراف المتعاقدة وهويتهم، وآجال التنفيذ  ووسائل الأداء، كما تضم الإلتزامات المتبادلة  التي تثبتها الصفقة على أساس عقد الإلتزام الذي يوقعه نائل الصفقة تعبيرا عن إرادته  وموافقته على إبرام العقد.

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 146.[22]

[23]– من المفيد الذكر بأن الدستور المغربي نص في فصله 118 بأن “كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة”، مما يفتح المجال لرقابة القضاء الإداري على  مشروعية المراسيم  التي تسري عليها صفة القرار الإداري التنظيمي  وبالتالي اعتبارها جزءا لا يتجزأ من القرارات الإدارية المعبرة عن إرادة السلطة الإدارية  وعدم اعتبارها نصوصا تشريعية.

[24]– وجدي راغب فهمي، النظرية العامة للعمل القضائي في قانون المرافعات، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص:644.

[25]– وجدي راغب فهمي، مرجع سابق، ص: 645.

– برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 137.[26]

[27]– إدريس العلوي العبدلاوي، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي، القواعد العامة لوسائل الإثبات، طبعة 1981، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص،137.

– برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 141.[28]

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 146.[29]

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 146.[30]

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 147.[31]

[32] – ذكر الأستاذ  إدريس العلوي العبدلاوي  بأن القرائن نوعان، نوع يستنبطه قاضي الموضوع من وقائع الدعوى المعروضة عليه، ويعتبر استنتاجات فردية في حالات خاصة، ونوع يستنبطه المشرع نفسه مما يغلب وقوعه عملا في طائفة معينة من الحالات، فيبني عليه قاعدة عامة ينص عليها في صيغة مجردة، والنوع الأول هو القرائن القضائية، والنوع الثاني هو القرائن القانونية، إدريس العلوي العبدلاوي، مرجع سابق، ص،129.

[33]-إدريس العلوي العبدلاوي، مرجع سابق، ص،39.

-برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 241.[34]

35- المادة 07 من قانون 41-90 المنشأ  بموجبه محاكم إدارية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 225.91.1 الصادر في 22 من ربيع الأول 1414، 10 سبتمبر  1993.

[36] – إدريس العلوي العبدلاوي، مرجع سابق، ص،54.

– المادة 59 من قانون المسطرة المدنية، صيغة محينة بتاريخ 22 يوليو 2021. [37]

– برهان خليل زريق، مرجع سابق، ص 244.[38]

– محمد القصري، القاضي الإداري  ومنازعات الصفقات العمومية، المجلة العربية للفقه والقضاء، العدد 46 بحوث ودراسات، مدونة المنبر القانوني، ص:129.[39]

– محمد القصري، مرجع سابق، ص:129.[40]

– حكم المحكمة الإدارية بفاس، عدد459 بتاريخ 04/07/2006،أورده محمد القصري، مرجع سابق، ص،130.[41]

– حكم المحكمة الإدارية بفاس، رقم 508/05/03 بتاريخ 23/12/2005،أورده محمد القصري، مرجع سابق، ص،130.[42]

– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، عدد 26 بتاريخ 12/01/2005، أورده محمد القصري، مرجع سابق، ص،131.[43]

[44]– ذكر الأستاذ إدريس العلوي العبدلاوي،  في كتابه وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي، بأن الأدلة المطلقة هي التي تقبل لإثبات جميع الوقائع سواء كانت تصرفات قانونية أو وقائع مادية وهي الكتابة والإقرار واليمين الحاسمة، أما شهادة الشهود والقرائن فهي من الأدلة المقيدة  بمعنى أنها تقبل لإثبات الوقائع المادية دائما ولكنها لا تقبل لإثبات التصرفات القانونية في جميع الأحوال، إدريس العلوي العبدلاوي،  مرجع سابق، ص،56.

45- بن داني يوسف، مرجع سابق، ص،168

46 – سليمان محمد الطماوي، الأسس العامة للعقود الإدارية، دراسة مقارنة، الطبعة الخامسة 1991، مطبعة جامعة عين شمس، ص،821.

– سليمان محمد الطماوي، مرجع سابق، ص، 822.[47]

48-المادة 69 من من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة المصادق عليه بموجب المرسوم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000، جريدة رسمية رقم، 4800 بتاريخ 01/06/2000.

[49]– نصت الفقرة ب من المادة 67  من دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة المصادق عليه بموجب المرسوم  1087.99.2 بتاريخ 04 ماي 2000 على أنه “يتوجب على المقاول التقيد بالتزام يدعى التزام الإنهاء التام، يقوم بمقتضاه على نفقته بتدارك جميع الاختلالات التي أشار إليها صاحب المشروع، بحيث تكون المنشأة مطابقة للحالة التي كانت عليها عند التسلم المؤقت، أو بعد إصلاح الشوائب والعيوب التي تمت معاينتها خلال التسلم المؤقت”.

[50]– نص الفصل 769 من قانون الالتزامات والعقود على أن “المهندس المعماري أو المهندس والمقاول المكلفان مباشرة من رب العمل، يتحملان المسؤولية إذا حدث خلال العشر سنوات التالية لإتمام البناء أوغيره من الأعمال التي نفذاها، أو أشرفا على تنفيذها، انهيار البناء كليا أو جزئيا، أو هدده خطر واضح بالانهيار بسبب نقص المواد، أو عيب في طريقة البناء أو عيب في الأرض، المهندس المعماري الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على إنجاز عملياته، لا يضمن إلا عيوب تصميمه، تبدأ مدة العشر سنوات من يوم تسلم المصنوع، ويلزم رفع الدعوى خلال الثلاثين يوما التالية ليوم ظهور الواقعة  الموجبة للضمان ، وإلا كانت غير مقبولة.

ظهرت المقالة وسائل الإثبات في منازعات الصفقات العمومية تعليق على قرار محكمة النقض عدد 325 الصادر بتاريخ 14 مارس 2019، في الملف الإداري عدد 2099/4/2017 أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1519/%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ab%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b2%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85/feed/ 0
قرارات محكمة النقض والهامش القضائي المفتوح https://www.aljami3a.com/1516/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%b6-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84/ https://www.aljami3a.com/1516/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%b6-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84/#respond Tue, 21 Nov 2023 09:13:23 +0000 https://www.aljami3a.com/?p=1516 قرارات محكمة النقض والهامش القضائي المفتوح يختلف أسلوب تحرير الأحكام تبعا للتقاليد القضائية المتبعة في كل بلد، ومن استقراء ما هو منشور، يمكن القول بأن هناك منها ما يميل إلى الإسهاب، وأسلوب يميل إلى الإيجاز[1]. فالقانون المدني بالشكل الذي اتخذه في القرن التاسع عشر هو قانون استنباطي، إنه ينطلق من المبادئ العامة المؤدية إلى استنباط الحلول الخاصة ، حيث في الأغلب تتموضع القواعد على مستوى عال من العمومية ، و ما تبقى لا ينتمي إلا للتطبيق و لا يتم الاهتمام به إلا بشكل أقل بكثير من الاهتمام بالمبادئ، فالقاضي لا يهتم كثيرا بتبرير ما يقدمه من حل انطلاقا من خصوصيات الحالة التي يعالجها بمقدار اهتمامه بربطه بمبدأ عام ، و يشكل الإيجاز بالنسبة له كما هو الأمر بالنسبة للمشرع شكلا من أشكال  الأبهة . وعلى العكس من ذلك تكمن عبقرية نظام” الكمنلو” في قدرته على ايجاد الحل لما هو أكثر دقة من المشاكل و بالشكل الذي يرضي توجه العقل ، فعندما يقدم حلا لمشكلة دقيقة فإنه لا يعيد إنتاج مثل هذا الحل في قضية مشابهة إلا إذا لم  يجد أي سبب للتخلي عنه ، أما إذا كان الأمر على عكس ذلك ، أي إذا وجد سببا للتخلي عن الحل السابق فإنه يعمد إلى صياغة حل جديد من خلال شرحه لما يبرر هذا التمايز و بشكل مسهب ، مؤسسا بذلك لولادة قاعدة جديدة تكون هي أيضا قاعدة دقيقة[2]. إن صورة النظام القضائي و القانوني اللاتيني ، كما هي في دول القانون المدني، معروفة جدا ، فما تتبناه هذه الايديولوجيا هو أن يكون الشعب وحده القادر على صنع القانون، إذ لا بد من الفصل الدقيق بين السلطات...

ظهرت المقالة قرارات محكمة النقض والهامش القضائي المفتوح أولاً على aljami3a.com.

]]>
قرارات محكمة النقض والهامش القضائي المفتوح

يختلف أسلوب تحرير الأحكام تبعا للتقاليد القضائية المتبعة في كل بلد، ومن استقراء ما هو منشور، يمكن القول بأن هناك منها ما يميل إلى الإسهاب، وأسلوب يميل إلى الإيجاز[1]. فالقانون المدني بالشكل الذي اتخذه في القرن التاسع عشر هو قانون استنباطي، إنه ينطلق من المبادئ العامة المؤدية إلى استنباط الحلول الخاصة ، حيث في الأغلب تتموضع القواعد على مستوى عال من العمومية ، و ما تبقى لا ينتمي إلا للتطبيق و لا يتم الاهتمام به إلا بشكل أقل بكثير من الاهتمام بالمبادئ، فالقاضي لا يهتم كثيرا بتبرير ما يقدمه من حل انطلاقا من خصوصيات الحالة التي يعالجها بمقدار اهتمامه بربطه بمبدأ عام ، و يشكل الإيجاز بالنسبة له كما هو الأمر بالنسبة للمشرع شكلا من أشكال  الأبهة .

وعلى العكس من ذلك تكمن عبقرية نظام” الكمنلو” في قدرته على ايجاد الحل لما هو أكثر دقة من المشاكل و بالشكل الذي يرضي توجه العقل ، فعندما يقدم حلا لمشكلة دقيقة فإنه لا يعيد إنتاج مثل هذا الحل في قضية مشابهة إلا إذا لم  يجد أي سبب للتخلي عنه ، أما إذا كان الأمر على عكس ذلك ، أي إذا وجد سببا للتخلي عن الحل السابق فإنه يعمد إلى صياغة حل جديد من خلال شرحه لما يبرر هذا التمايز و بشكل مسهب ، مؤسسا بذلك لولادة قاعدة جديدة تكون هي أيضا قاعدة دقيقة[2].

إن صورة النظام القضائي و القانوني اللاتيني ، كما هي في دول القانون المدني، معروفة جدا ، فما تتبناه هذه الايديولوجيا هو أن يكون الشعب وحده القادر على صنع القانون، إذ لا بد من الفصل الدقيق بين السلطات الدستورية، كما لا بد من أولوية لا يجادل بشأنها أو لا تحتمل الجدال بالنسبة للمشرع، مما يؤدي بالتالي إلى إعطاء القاضي دورا سلبيا ، إذ على المشرع خلق القوانين و القاضي تطبيقه[3] ، و كأنه آلة لتفريخ الأحكام .

هذه الايديولوجيا تعبر عن نفسها بشكل خاص في القرارات القضائية ، فهذه الأخيرة تكون مصاغة ضمن قالب معروف :

  • حيث أن المحكمة، و حيث أن المواد من …. (ق.ل.ع مثلا) .
  • و حيث أن …
  • لهذه الأسباب فإنها ( تبطل أو ترد الطعن …. الخ).

يقدم هذا الشكل التقليدي للأحكام و القرارات ، صورة خاصة جدا من الدور الذي يلعبه القاضي في المغرب، فالقرار يتجسد في جملة وحيدة عادة ما تكون موجزة و تأخذ شكل القياس، تتم صياغتها باسم الغائب ( المحكمة.. ترد الطعن )، فالقاضي المغربي لا يتكلم باسم الضمير المفرد المتكلم[4].

فشكل القرار يفهمنا أن القانون هو من يولد و بطريقة قواعدية شبه رياضية ،الحل القضائي الضروري و غير الإشكالي، ليس للقاضي الذي لا يقوم إلا بتطبيق القانون أي دور فيه، و كما يشير البعض[5] فهذه الصورة لتغييب دور القاضي في القرار القضائي تبتدئ في قراره ، إذ لا يذكر تقريبا نص القانون الذي يزمع تطبيقه ، بل يشير إلى رقم المادة ، إذ هو الذي يولد الحل، و حتى في الحالة التي  يتم فيها ذكر نص المادة في المقرر القضائي ، فإنما يؤتى ذكرها في الواقع بدون مزدوجتين ( )، بشكل يوحي بأنه لا توجد أي مسافة بين لغة القرار القضائي و لغة القانون .

ومن الناحية الكلاسيكية، كان يعتقد أن القاضي عليه اللجوء إلى القياس المنطقي لإنجاز مهمته، ومع ذلك فإن هذا القياس لن يكون كافيا عندما يتعين على القاضي القيام بعمل إبداعي، إذ لا يكون هناك أي تفسير قياسي عند تجاوز التفسير البسيط[6].

يختلف التسبيب بين قضاء الموضوع وقضاء النقض، فبالنسبة لقاضي الموضوع يتمثل التسبيب في الشرح للخصم تطبيق حكم القانون على الوقائع المطروحة عليه، والتي قادته على نتيجة المحاكمة، وبالتالي فإن محتوى أسباب القرار الموضوعي سيكون مختلفا عن أسباب قرار النقض، فالقاضي يقوم بفحص مدى صحة وانتظام الأدلة على الوقاع المطروحة التي يدعيها الخصوم، والمرجحة لحل النزاع.

أما بالنسبة لقاضي النقض، سيكون التعليل بالضرورة اكثر ايجازا، لأنه لا يستطيع الحكم على الوقائع التي استخلصها قاضي الموضوع، ولكن مراقبة تطبيق القانون المعمول به، وسوف يستند حصرا إلى الأسباب القانونية التي يستند عليها في الطعن بهدف القبول أو الرفض، وفي هذا الايجاز بالتحديد في التعبير عن الحجج القانونية يكمن خطر عدم الوضوح في قرارات محكمة النقض[7].

وما من ريب أن المؤلفات القانونية التي تعنى بالاجتهاد القضائي لمحكمة النقض أهم من تلك التي يقتصر فيها أصحابها على التذكير بالقواعد النصية، ونمط المؤلفات القانونية التي تتضمن المبادئ القضائية هو أكثر انتشارا لاسيما لدى الجهات المكلفة بإنفاذ القانون من ذلك الذي يقتصر فيه أصحابه على المسائل النظرية دون بيان تداعياتها الواقعية[8].

و يذهب بعض الفقه[9] إلى القول على أن ما يثير الانتباه بخصوص قرارات محكمة النقض هو الأسلوب الموجز الذي يستعمل في صياغة الجمل والفقرات التي يتألف منها القرار، وخاصة تلك التي تتضمن مبدأ جديدا أو تحولا عن اجتهاد سابق أو تفسير نص قانوني جديد، هذه الطريقة تجعل المتقاضي، والباحث على حد سواء يضرب أخماسا في أسداس لتفسير مضمون القرار، وتحديد الاتجاه ومعرفة النوايا الحقيقية أو البواعث التي حدت بقاضي النقض إلى الحكم في اتجاه معين دون الأخر، مما يقود إلى افتعال فرضيات تناقش على أساسها من الناحية النظرية الصرفة المبررات والدوافع  الكامنة وراء القرار.

إن الأسلوب الموجز حسب بعض الفقه، يثير الشك حول مضمون المبادئ التي تقررها المحكمة، مثال ذلك ما يرد في موضوعات المسؤولية من ألفاظ عامة وغامضة، كعدم التوقع وعدم إمكانية درء الخطر وأن التسبيب الموجز لا يؤدي إلى فهم مدلول هذه العبارات، ويسمح أحيانا بتقديم حلول متناقضة لصياغة قانونية واحدة[10].

وبقدر ما يغني التسبيب في اتخاذ قرار موضوعي، كونه موضوع للاستدلال القياسي، فإن القرار الذي يستند إلى المبادئ يجب أن يظل موجزا، إلى جانب الحجج المؤيدة، للحفاظ على نظام التسبيب الحالي، ويعتمد من يؤيد التغيير في النظام الحالي للتسبيب إلى الافتقار الحتمي للوضوح الناتج عن الايجاز المشهود في عدد من قرارات محكمة النقض، والهدف المنشود من هذا التغيير هو جعل هذه القرارات أكثر سهولة للفهم[11].

ورغم أن السلطة المعيارية للقاضي غير معترف بها  لا في القانون الفرنسي و لا المغربي ، إلا أن المحاكم المغربية تسعى جاهدة لتأسيس حلول للنزاعات على أساس نصوص تشريعية ولو أدى الأمر إلى تفسيرها تفسيرا واسعا لمطابقة السياق الاجتماعي السائد[12] ، حيث أن تغيير الاجتهاد القضائي يبقى أمرا قائما و بذلك نجد أن محكمة النقض اعتبرت أن المخالفة لاجتهادها لا تشكل وسيلة من وسائل الطعن بالنقض الواردة بالفصل 359 من ق.م.م [13].

أما بالنسبة لمحتوى القاعدة القضائية فلا يتم تعريفه بشكل واضح دائما ، إذ يمكن للقاضي أن يترك هامش معين من أجل إجراء تعديلات على هذه القاعدة ، كما يمكن له أن يضع قاعدة دون أن يحدد شروط تطبيقها على وجه التحديد ، من أجل السماح في حالات لاحقة بإمكانية تقييم تطبيق القاعدة على أساس كل حالة على حدة ، لذلك فإن قراءة الاجتهاد القضائي و فهمه ليس بالأمر اليسير دائما ، و الدليل هو العديد من المقالات العلمية التي تشكك في نطاق هذا الحل أو ذاك الذي يتبناه القاضي ، و رغم ضعف القيمة المعيارية للقاعدة القضائية من هذه الزاوية ، فإن مثل هذه القرارات تعطى مكانا هاما في تطبيق القانون .

بما أن الاجتهاد القضائي غير معترف به كمصدر للقانون من طرف المشرع، فلا يمكن للقاضي أن يبني قراره إلا على نص تشريعي، وبالتالي حتى لو أخذ القاضي في الاعتبار معطيات اجتماعية واقتصادية ومالية، فلا يجوز أن يبني عليها حكمه بشكل علني، وعليه أن يتصرف وكأن الحل الذي توصل إليه قد أملاه القانون حصرا[14].

إن معاينة محكمة النقض للأحداث التي تثيرها غالبا تنطوي على تقدير خفي، يأتي بصورة تأكيد قاطع لكنه غير مقنع، فتختفي معه كل مناقشة ممكنة، فقاضي النقض لا يعلل قراراه بصراحة تامة، فهو يرفض إعطاء الدليل على تعليلاته، وإذا أجاب على جميع الوسائل فإنه لا يجيب على جميع الأدلة، ولا يبحث بصفة خاصة عن أدلة غير قضائية[15].

فالوظيفة البيداغوجية لمحكمة النقض لهي مما يجعل عمل قضاتها أقرب مما يكون إلى عمل المعلم بتقصيهم وراء القاعدة واجبة الانطباق، وفي التثبت من أصولها، والتأكد من مدى اتساع المنظومة القانونية التي يعملون في ظلها إلى تلقيها، ولا شك أن شعور هؤلاء القضاة بهذا المعطى ينعكس أكثر على الخطاب الذي يتوخونه في تحرير قراراتهم[16] .

إن تسبيب قرارات المحاكم التي تصدر باسم جلالة الملك، لا تشكل التزاما قانونيا فحسب، بل أيضا متطلبا ديمقراطيا، وإذا كان قضاء النقض حريصا دائما على تنمية فن الإيجاز، فيكفي تصفح قراراته في العقود الماضية لملاحظة التطور المستمر نحو تبرير أكبر للحلول المعتمدة، وهذا التطور بلا شك يتوافق مع المعايير الدولية بخصوص ضمان التوقعات العالية للمتقاضين.


[1] المرحوم احمد العلمي: تقنية تحرير الأحكام والتعليق عليها، طبعة 2012 ص 51

 برنار أودي: م.س ، ص 10[2]

[3] ميشيل دي.س.أو.لولاسير: مغدنلة (أو أمركة) الخطاب القضائي الفرنسي ، مداخلة ضمن المؤتمر المنعقد حول أمركة القانون ، تحت إشراف فرانسوا تريه، ترجمة محمد وطفه، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ،بيروت 2008 ص  226

[4] م. لولاسير : م.س، ص 228 / أنظر أيضا محمد الشيلح :” تأملات حول قرارات المجلس الأعلى “، أشغال ندوة ” المجلس الاعلى و التحولات الاقتصادية و الاجتماعية” مطبعة الأمنية الرباط 1999 ص ، ص 194-195

[5] م.لولاسير : م.س، ص 228

[6] Maïwenn TASCHER:Les revirements de jurisprudence de la Cour de cassation، Thèse pour le doctorat en droit privé ،Université de Franche-Comté – Besançon ، Faculté de droit 2011 p 57

[7] Nora Alshatti : la motivation du décisions judiciaires civiles et la cour de cassation : étude de droit comparé franco-koweitien, Thèse pour le doctorat en droit privé ،Université de Strasbourg 2019 page 62

[8][8][8] محمد محفوظ: الدور البيداغوجي لمحكمة التعقيب، محكمة التعقيب حتمية التطور وضمانا لجودة العدالة، مجموعة أعمال ملتقيات نظمتها محكمة التعقيب ، مجمع الأطرش للنشر وتوزيع الكتاب المختص، طبعة 2020 ص 311-312

[9] عبد القادر رافعي : آفاق المجلس الأعلى كمحكمة نقض، ، أشغال ندوة ” المجلس الاعلى و التحولات الاقتصادية و الاجتماعية” مطبعة الأمنية الرباط 1999 ص 94

[10] المرحوم احمد العلمي: تقنية تحرير الأحكام والتعليق عليها، م.س، ص 53

[11] Nora Alshatti : la motivation du décisions judiciaires civiles et la cour de cassation : étude de droit comparé franco-koweitien, Thèse pour le doctorat en droit privé ،Université de Strasbourg 2019 page 60

[12]  نفس المرجع بصفحته

[13]  محمد الكشبور: رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية- محاولة للتمييز بين الواقع و القانون- مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الاولى 2001.

[14] Maïwenn TASCHER : op.cit, p 266

[15] المرحوم احمد العلمي: تقنية تحرير الأحكام والتعليق عليها، م.س، ص 53

[16] محمد محفوظ: الدور البيداغوجي لمحكمة التعقيب، م.س، ص 313

ظهرت المقالة قرارات محكمة النقض والهامش القضائي المفتوح أولاً على aljami3a.com.

]]>
https://www.aljami3a.com/1516/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%b6-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84/feed/ 0